مهدي الحبشي
الحوار المتمدن-العدد: 4061 - 2013 / 4 / 13 - 19:48
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
في وقت يحتد فيه النقاش الوطني حول سبل انقاد المغرب من أزمة مالية خانقة، و من انهيار اقتصادي بات يلوح في الأفق، و حول وسائل إصلاح التعليم و الحث على القراءة و تحصيل المعرفة قصد تكوين جيل جديد من المواطنين المثقفين الواعين و القادرين على المساهمة في رقي البلاد و المجتمع. و في ظل المسيرات و الوقفات الاحتجاجية التي تنظم كل مرة قصد المطالبة بتنزيل فعلي لمضامين الدستور الجديد، و ترسيخ قيم حقوق الإنسان و الكرامة و الحرية و ضمان العدالة الاجتماعية، و المطالبة بتفعيل و الحرص على السير السليم لقافلة الانتقال الديمقراطي ... لا يزال يعيش بيننا بعض أشباه الكتاب ممن يصطادون في الماء العكر، و الذين سوغت لهم أنفسهم و عقولهم الرجعية غض الطرف عن كل هذه المصائب السياسية و الاقتصادية و التي تكاد تتسبب في زلزال مجتمعي للبلاد، و اختاروا عوض ذلك التطرق لأمور أضحت متجاوزة و أصبح العمل بها كونياً. فمنهم من لا يزال يتساءل عن الديمقراطية أهي حلال أم حرام ؟ و عن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أ يتوافق مع الشريعة أم لا ؟ و آخرون همهم الأول و الأخير هو تكفير الليبرالية و الاشتراكية و العلمانية و كل ما جاد به التنظير العلمي و الاجتماعي في العصور الحديثة، و تجده قد يختلف في بعض النقاط مع مرجعيتهم الفكرية التي توقفت عن الإنتاج منذ أزيد عن 14 قرنا، إلا من شيء من الهرطقة و التخاريف الجنسية و الإرهابية التي لا تمت للدين بصلة.
هؤلاء، يساهمون بتصرفهم هذا في تخدير أفراد المجتمع و إلهاءهم عن مشاكلهم الحقيقية و عن الأخطار الفعلية التي تتربص بهم، و يشوهون سمعة الكاتب الصحفي و يعتدون على حرمة الناقد، هذه المهنة الشريفة التي قادت مجتمعات إلى الرقي و الازدهار، يبدوا أنها في طريقها لتقود مجتمعنا المغربي إلى الانهيار.
و كما تخصص العلماء و المنظرون و النقاد في العالم المتقدم، كل في مجال معين، فذاك في علم الفلك و آخر في علم السياسة و غيره في الاقتصاد... اختار " علمائنا " و " نقادنا " المحترمون هم الآخرون التخصص، فبين علماء الإرهابيات و دكاترة علم الجنس و النكاح، ظهر في مجتمعنا نقاد ذوو صيت عال في علم " تحقير المرأة "، نظرياتهم تتراوح بين من يرفض خروجها للشغل و المساهمة بدورها، باعتبارها تشكل 50 بالمائة من المؤهل البشري للمجتمع في تنمية هذا الأخير، و آخر يرفض بالأساس تعليمها و غيره يرى في الاختلاط بين الرجال و الناس في مرافق الدولة العمومية سبباً لكل مصائب و معضلات المجتمع، و ذاك ينظر إلى الصداقة بين الجنسين على أنها سبب الأزمة الاقتصادية، كما يرى عباقرة آخرون أن في مساواة الرجل بالمرأة رأساً لأفعى الفساد و الاستبداد و الدكتاتورية.
و اذا كنا على استعداد لتقبل الأمر من هؤلاء الفلاسفة، الذكور، باعتبار أن وضعية النساء في مجتمعنا، قابعات تحت الرجال هي من مصلحتهم بحكم انتماءهم للمجتمع الذكوري، فما يحز في الخاطر و يؤرق مضجع المتأمل هو ظهور " عالمات " تخصصن في علم تحقير و استعباد المرأة ذاك، كأنهن يعانين من "متلازمة ستوكهولم" لدرجة صرن يعشقن وضعهن المزري بل و يدافعن عنه و يعتبرن كل أنثى ثارت على العبودية : فاسقة و ظلامية و خارجة عن الملة و عن الصراط المستقيم. و من أوساط هؤلاء خرجت لنا عالمة زاهدة متفلسفة، أطلقت على نفسها اسم " المدافعة عن وسطية الإسلام " و هي أبعد ما يكون عن الوسطية و مقالاتها تدل على سفاهة مستفحلة أقرب ما تكون إلى الجاهلية منه إلى الإسلام. هذه الراهبة تعتبر اشتغال المرأة عاراً على المجتمع، و نسيت أنها تكسب دخلها من عملها في صحيفة الكترونية مغربية، و ترى فيلسوفتنا هذه، أن الاختلاط في المدارس بين الجنسين سبب مباشر للتخلف، بعد أن قامت بدراسة ميدانية تبين لها من خلالها تخلف كل الدول التي تسمح بالاختلاط من قبيل : اليابان و الولايات المتحدة و المجتمع الأوروبي. في حين لم تجد من الدول التي تحرم الاختلاط إلا التقدم و الرقي و الازدهار و لنا في أفغانستان و باكستان و السعودية ... خير مثال. و بما أن هذه الشخصية الثورية ترى في ضرورة استظلال المرأة بظل الرجل حلاً لكل الأزمات، فما الذي يدعوها لوضع صورتها في مقدمة كل مقالاتها ؟ الم يكن يفترض بها وضع صور زوجها أو عشيقها ؟ بل أليست المدرسة الفكرية التي تدعي الانتماء إليها تحرم وضع الصور بالأساس ؟ أليست هذه المرجعية هي التي تعتبر كل امرأة تزينت أو تعطرت و فتنت بذلك الرجال هي زانية ؟ فكيف لها أن تطل علينا في كل مرة بتلك الصورة التي تفضح استخدامها لمواد التجميل ؟ و بتلك النظرات المتوهجة التي لا يمكن إلا أن " تفتن " الذكور على حد تعبيرها و تعبير من تنتمي إليهم بفكرها ؟
بل الأغرب من ذلك أنها تنظر إلى حقوق المرأة و إلى مساواتها بالرجل نظرة دونية و تسفيه، و لا زلت للآن لا أدري لولا هذه المواثيق و الحقوق التي دعت إلى المساواة بين الجنسين، كيف كان سوف يمكن لها، هي بنفسها، أن تحصل على منبر إعلامي تعبر فيه عن آراءها بكل حرية ؟ تماماً مثل كل الرجال دون أن يتهمها احد بالفسق و الفجور و الزندقة... أو أن يوضع رأسها تحت مقصلة الإعدام كما يحصل لكل الناشطات الحقوقيات و الناقدات في دول التخلف الوهابي.
انه لمن المؤسف فعلاً أن نرى إناثاً يقفن حجر عثرة أمام الحصول على حقوقهن، و يدافعن عن العبودية تحت أقدام مجتمع إقصائي، و أن لا يؤمن نصف المجتمع بأن له دوراً لا يقل أهمية عن دور النصف الآخر في تنمية المجتمع و ذلك في إطار علاقة تكاملية ، ألم تسمع نسائنا عن " ديدون " المرأة التي أسست أول دولة-مدينة في شمال أفريقيا ؟ أو عن "زنوبيا" ملكة تدمر التي قاومت الإمبراطورية الرومانية على عظمتها و دعت في سالف العصر و الأوان إلى وضع برلمان يمثل الشعب في السلطة ؟ ألم تقرأ إناثنا عن المجتمع الأمومي ما قبل التاريخ ؟ و الذي كانت النساء الحكيمات من يتكلفن فيه بإدارة شؤون العشيرة و توزيع الثروات... مجتمع لا يزال لحد الساعة يضرب به المثل في العدالة الاجتماعية و المساواة و يضرب في نفس الوقت بعرض الحائط، كل من يحاول احتقار المرأة و اعتبارها مجرد " عورة " أو ذات عقل ناقص... نأسف جداً لوجود أمثال شبه الكاتبة هذه التي تسيء للمرأة و للمجتمع المغربي، و لكن ما عسانا نفعل ؟ الا أن ننهي الكلام بالمقولة الشهيرة و التي يبدوا أنها تنطبق عليها و على كل معاديات التحرر النسائي : " لو أمطرت السماء حرية، لأخرج العبيد المظلات ".
#مهدي_الحبشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟