أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - هادي فريد التكريتي - الهم الوطني ..!















المزيد.....


الهم الوطني ..!


هادي فريد التكريتي

الحوار المتمدن-العدد: 1208 - 2005 / 5 / 25 - 09:31
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


هادي فريد التكريتي
القضية الوطنية ، هي القضية الرئيسية التي تمحور حولها نضال الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه وحتى اللحظة الراهنة ، على الرغم من الظروف المعقدة والمتغيرة التي مر بها العراق ، واختلاف الحكومات التي توالت على حكمه ، وكثرة الصراعات الفكرية والتنظيمية التي دارت بين صفوف شعبه ، بالرغم من هذا كله ، وعلى امتداد التاريخ العراقي ، ظلت القضية الوطنية شاخصة أمام أنظار الشيوعيين ، ولم يخلُ منها برنامج للحزب أو وثيقة من وثائقه ، في أي ظرف كان ، وعند اشتداد الصراع مع فاشية القوميين ، من بعثيين أو غيرهم ، كان الهدف ـ من ضمن أهداف أخرى ـ هو حرف الاتجاه العام لنضال الشيوعيين عن التمسك بالوحدة للعراق وشعبه ، وكانت السمة الأساسية للتعاون والعمل مع هذا الحزب أو ذاك، أو التقرب من هذه الشخصية دون غيرها ، هو الإجابة عن السؤال هل هو وطني أم لا ؟ وعندما كانت تمتلئ السجون والمواقف نتيجة لتصدر الحزب الشيوعي العراقي لمطالب الشعب ، كانت السمة التي يفرق بها رجال الأمن والشرطة بين الموقوفين السياسيين من الشيوعيين وأصدقائهم عن غيرهم ، هي إطلاق اسم " وطني " على الشيوعي واستحق الحزب الشيوعي عن جدارة أسم " حزب الوطنيين " ..فالهم الوطني هو ما شغل ويشغل الحزب الشيوعي وأصدقائه على الدوام ، ونتيجة لهذا الموقف لم ينحدر الحزب وأصدقاؤه لواقع الكثير من القوى السياسية العراقية ، غداة سقوط النظام الفاشي ، في حصد منافع أو مكاسب ، عامة أو شخصية ، على الرغم من كونه من أوائل المتواجدين في قلب العاصمة بغداد ، حتى قبل أن يدخلها من جاء على ظهر دبابة الاحتلال ، لذا فمن الحق أن يضاف لاسمه ، حزب النزاهة ، مقرونا بحزب الوطنيين ...هذه المقدمة استدعتها الأمسية التي نظمها البيت الثقافي العراقي مساء يوم 22 مايس ، في مدينة يوتوبوري السويدية ، لعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي السيد جاسم الحلفي ، للحديث عن الوضع السياسي العراقي بعد أول انتخابات عراقية ، والنتائج التي تمخضت عنها ، وبعد أن انتهى السيد الحلفي من حديثه ، ساهم الحضور بإغناء الأمسية ، وكان الهم الوطني ومسيرة الحزب الشيوعي.، بشكل خاص هو الطاغي ، على الوضع السياسي العراقي ..
الإرهاب الدموي الذي مارسه حزب البعث على مجمل الحركة السياسية العراقية ، اضطرت قيادات وكوادر الحزب الشيوعي العراقي للعيش خارج الوطن ، مخلية الساحة من تنظيماتها الحزبية ونشاطها السياسي ، عدا عن تواجد ضعيف وهش لفصائل " الأنصار " ذات التنظيم العسكري في منطقة كوردستان العراقية ، التي انهارت وغادرت أغلبيتها العربية المنطقة ، نتيجة لتوقف الحرب مع إيران وتفرغ النظام لتصفية قوات المقاومة المسلحة التي اتخذت من المنطقة قاعدة لها ، وهذا ما أدى إلى تشتت كوادر الحزب الشيوعي في بلدان اللجوء ، مما عمق من معاناته وعمله التنظيمي والسياسي ، وأصبحت من هموم الحزب الجدية ، وشغله الشاغل ، كيفية المحافظة على كوادره ورفاقه وإدامة الصلة معهم ، لذلك انحسرت وتراجعت الكثير من الأهداف والشعارات التي كان الحزب يعمل لتحقيقها ، فنتيجة لتغير الظرف الذي يحتوي عمل الحزب ، اقتضى تغيير الكثير من أهدافه وأولوياته ،وتراجعها إلى مراتب متأخرة ، هذا الواقع ، إضافة لسياسة التصفيات الدموية التي مارسها النظام الفاشي على شبهة الشيوعية والانتماء للحزب الشيوعي ،عقد من العمل إن لم نقل أنهاه ، طيلة تواجد صدام وزمرته في السلطة ، وهذا ما غيب اسم الحزب وصورته عن جماهير الشعب ، وأصبح الحديث عن الحزب الشيوعي يثير الخوف والرعب ، ثمنه ليس أقل من أن يدفع المرء حياته ، وهذا ما أضعف كثيرا من نشاط وقدرة الحزب التنظيمية والسياسية للوصول إلى جماهير الناس ، إن لم يكن قد غاب الحزب واسمه عن الواقع والتاريخ العراقي ، ورغم معاناة البعد عن الساحة الحقيقة لحياة ونشاط الحزب وما يفرزه هذا البعد من مشاكل تنظيمية وسياسية ، إلا أن هذا لم يكن عائقا من ممارسة نشاط سياسي جدي وفاعل بين القوى السياسية العراقية لإسقاط نظام الحكم ، حيث ساهم في كل التشكيلات الجبهوية التي شكلت في الخارج ، واتفاقات العمل المشترك ، مع قوى التيار القومي والديموقراطي ، الكردي والعربي،إضافة لأغلب قوى التيار الديني ـ الطائفي ، المتربعة على دست الحكم ، في الوقت الحاضر ..
لم يوجه النظام الفاشي ضربات مدمرة وقاتلة لأي حزب سياسي ، مثلما وجهت للحزب الشيوعي العراقي ، فالقوى السياسية الكوردية كانت تمارس مقاومتها للنظام على أرضها وبين جماهيرها ، وقوى الإسلام الطائفي ، رغم محاولة النظام تصفيتها ، إلا أن كوادرها ودعاتها، الباقية في العراق ، انسحبت إلى حيث يتواجد ويمارس العراقيون شعائرهم الدينية في دور العبادة ، في الجامع والحسينية ، وقد استفادت هذه القوى من " الحملة الإيمانية " التي أطلقها صدام ، حيث مارست عملها بحرية ، بعيدة عن قدرة النظام على مراقبتها وسط هذه الجموع التي تؤم دور العبادة خمس مرات باليوم ، ولأنه الداعي إلى العودة إلى الدين فكيف يحاربه ، وهذا ما جعل هذه القوى تعيد ربط تنظيماتها بمراكزها ، وتمارس نشاطا دينيا شبه معترف به من قبل النظام ..أما الحزب الشيوعي ، فمن علقت به رائحة الشيوعية من قبل لم يسلم من الأذى، إن بقي على قيد الحياة ، فكيف بمن يؤمن بها ؟ إن المساحات التي يغطيها نشاط الشيوعيين ، هي ساحات جماهيرية لا علاقة لها بالدين ودوره ، وهذه الساحات هي ، مدارس ، جامعات ، معامل ، وأماكن تجمع العمل , وغيرها وكلها تحت المراقبة ، بل المتابعة لكل العوائل التي سبق وأن اتهم أحد أفرادها بفكر وطني وتقدمي فضلا عن الشيوعي ، فمن له القدرة لأن يوصل وثيقة أو منشورا أو بيانا للحزب الشيوعي ، ويدفع رقبته ثمنا لهذا ..! هذا هو الواقع الذي كانت تتوزع عليه القوى السياسية العراقية في عهد البعث ..بعض الدول ، كإيران مثلا ، كانت تدعم أغلب قوى التيار الديني ، ماديا وسياسيا وعسكريا ، فقد شكلت إيران فيلق بدر ، والفيلق يعني في المنطق العسكري ، تنظيميا ، يضم أكثر من جيشين بكامل التجهيزات والصنوف العسكرية الملحقة به ، بقيادة إيرانية وعناصر مشتركة إيرانية ـ عراقية ، وكان تعداد هذه القوات من الرجال قد جاوز مئات الآلاف ، باعتراف المشرفين والقائمين عليه ، وقد هدد المسؤولون عنه بتدخله في الحياة السياسية العراقية أكثر من مرة ، وبعد تشكيل الحكومة برآسة الدكتور إبراهيم الجعفري ، تم تعيين أغلب رجال هذا الفيلق في وزارة الداخلية ، ..وأثناء الانتخابات هرولت القوائم الطائفية للإحتماء بالمرجعية ، ونتيجة لقرار المرجعية الانحياز لها تم حصد النتائج " بفوز ساحق " طبعا دون أن يكون هناك برنامج معلن غير دعم المرجعية والإيمان بالمظلومية التاريخية ...
أما الواقع الكوردي فأمره مختلف ، فقد استفاد الكورد من نضال ونشاط الشيوعيين على مر التاريخ العراقي ، وكان الشيوعيون هم الحليف الستراتيجي لهم ، وحتى اللحظة ، ودورهم في القضية الكوردية لا يزايد عليه حتى الكورد أنفسهم ، وموقفهم من الحكومات المتعاقبة والثمن الذي دفعوه ولا زالوا يدفعونه من أجل هذه القضية معروف ولسنا بحاجة لتكراره ، ورغم ما أوغل به النظام البعثي الفاشي من قتل ودمار وإبادة للشعب الكوردي ، إلا أنهم قد حققوا الشيئ الكثير للشعب الكوردي ، بنضالهم ومقاومتهم ومثابرتهم وبمساعدة الآخرين كذلك ، حصلوا على حريتهم قبل أن يسقط النظام ، واستعادوا بناء مدنهم وقراهم التي خربتها الهمجية البعثية ـ الفاشية ، وأسسوا مؤسسات وطنية وديموقراطية لبناء دولة ، وتمتع الشعب الكوردي الشقيق بكامل حقوقه قبل سقوط النظام ..وبعد سقوط الصنم تمسكوا بالوحدة العراقية معتبرين أنها الطريق المفضي الى تمتعهم بمواطنة عراقية كاملة ، تجسدها الفدرالية والتعددية والديموقراطية ، وحققوا بوحدتهم الكوردستانية وبتأييد من القوى الوطنية الديموقراطية والتقدمية العراقية ما كانوا يحلمون به لبناء كردستان ضمن الوحدة العراقية ، يحميها جيش من البيشمركه الذي قارع الدكتاتورية طيلة العهد الفاشي ، ويحمي هذا الجيش حاليا أمن واستقرار الشعب الكوردي في فدرالية كوردستان ، كما حقق الكورد بوحدتهم وبرغبة عراقية أعلى مركز سيادي بانتخاب مام جلال رئيسا للجمهورية العراقية ، ردا حاسما على كل المظالم التي لحقت بالشعب الكوردي طيلة السنين العجاف من الحكم القومي العربي ، إضافة لمشاركتهم في السلطة السياسية في الكثير من المواقع المتميزة ، ورغم مواقع المسؤولية المهمة التي يشغلونها ، فعليهم وعلى القوى القومية الأخرى تقع مسؤولية كبيرة ومباشرة في العمل والمساهمة الجادة على تشريع دستور يتماشي عالميا مع التطور التقني ، يقر التعددية والديموقراطية ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات ،يقر بسيادتها الكاملة والمطلقة في المجالات التي المؤهلة لتوليتها قانونا ، وضمان إقرار الدستور لمبدأ العلمانية ، يبعد الدين والطائفية والمحاصصة عن الحكم ، والدعوة الفعلية والعملية لبناء جوامع وحسينيات وتكايا وأماكن عبادة أكثر لكل الأديان والملل والطوائف والنحل ، يمارس فيها المؤمنون معتقداتهم وطقوسهم بعيدا عن الجمعية الوطنية ومؤسسات الدولة الرسمية التي استباحتها الطائفية وحولتها إلى دور عبادة ، تتنافى مع مبدأ سيادة الديموقراطية والتي تضمن المساواة لكل طوائف المجتمع ..وكل هذا وتبقى في الحلق غصة ، لابد من القول أن ما يحصل الآن في فدرالية كوردستان وعدم تحقق اجتماع برلمانها خلل ما كان له أن يكون ونحن بعد في بداية الطريق ، كان على حكماء كوردستان معالجته قبل أن يتسع الخرق على الراقع ..
على ضوء هذا الواقع الذي مثلته خارطة القوى السياسية القومية والطائفية ـ الدينية ، من أين بدأ الحزب الشيوعي العراقي وما هي حصيلته منذ أن سقط الصنم مرورا بالانتخابات ونتائجها ، وماذا تريد منه القوى الوطنية والديموقراطية ، وماذا يريد هو من هذه القوى ؟ لا شك أن الحزب الشيوعي منذ تشكيله وحتى اللحظة يحمل على متنه صخرة الهم الوطني العراقي أولا ووحدة قواه الأساسية والفاعلة في المجتمع العراقي ثانيا ، وما من أحد من حلفائه أو أصدقائه ، يمضي قدما معه أكثر من تحقيق هدفه أو غايته ، وفي أحيان كثيرة كان الحزب الشيوعي يقتسم لقمته أو كل لقمته يعطيها لحلفائه أو لأصدقائه رغم حاجته الماسة إليها ، ورغم كل هذا كان يوصم بالعقوق ويتنكر له أقرب الناس إليه ، ضاربين عرض الحائط بكل نشاطه وتضحياته وما رافق هذا من صعوبة في الموقف أو الظرف الذي مر ويمر فيه ، يطالبونه بتحقيق أمر ما لم يكن قادرا على تحقيقه غيره ذو قدرات وإمكانيات أضخم واكبر ، لا شك أن البعض كان مخلصا في اعتقاده ، وأن الحزب ذو قدرة وكفاءة عالية في اجتياز المخاطر والصعوبات ، وتحمل الصعاب ، وهذا سلوك نشأ وتربى عليه ، إلا أنه ليس كلي القدرة ، كما أن تحقيق أي هدف أو غاية ما مرهونة بظرفها الذاتي والواقعي ، والبعض الآخر أناني بطبعه يرى الحق في حيازته لكل شيء دون الآخرين ، ومن هنا تنشأ إشكاليات تبعده أو تقربه من الحزب ، وبهذا الأمر يتساوى فيه أشخاص من أعضاء وأصدقاء الحزب وكذلك أحزاب وقوى سياسية ..
المنظومة الاشتراكية ،الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي ، كانت تقدم الدعم والعون للحزب الشيوعي على أصعدة محددة ، والحزب لم يبخل بهذه المساعدة على رفاقه وأصدقائه وعلى الكثير من حلفائه من القوى السياسية الوطنية ، القومية والديموقراطية ، وعن هذا لطريق حصل المئات إن لم يكن الآلاف على منح دراسية وشهادات اختصاص في مختلف المجالات ، كما كان يأتي الدعم ماديا لحركة الأنصار ، وبعض حلفاء الحزب من القوى السياسية القومية كانوا يحصلون على بعض من هذا الدعم ، وقد انقطع كل دعم للحزب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية ، وليس الدعم المادي فقط هو الذي انقطع ، وإنما حتى التضامن الأممي مع الحزب والحركة الديموقراطية المعادية للنظام العراقي قد انحسر أو تلاشى ، نتيجة للموقف من صدام وحكمه ومقاومته المزيفة للأمبريالية ، وهذا ماشكل إشكالية حتى اللحظة مع اليسار العالمي ..وهذا الواقع الجديد رتب واقعا مغايرا ، فرض على الحزب أن يتعايش مع ظروف مادية صعبة ، معتمدا على موارده من اشتراكات وتبرعات رفاقه وأصدقائه وأقيام أدبياته التي لا تسدد تكاليفها ، وبعد الاحتلال الأمريكي لبغداد ، وهروب رأس النظام ، دخل الحزب الشيوعي العاصمة بغداد لأول مرة بعد ربع قرن من خلو الساحة من نشاطه ،وأصدر أول مطبوع حزبي عراقي على الإطلاق ، لقد سعى النظام الفاشي أن يغسل أدمغة العراقيين من أسم الحزب والشيوعية طيلة ربع قرن ، فهل يصدق العراقيون أن الحزب الشيوعي لا زال حيا ويعمل ويصدر أول عدد لطريق الشعب تتداولها الأيدي ؟ كان هذا حلما ، والحلم قد يتحقق بشجاعة وجدارة من يجسد الحلم حقيقة ، صحيح أن الحزب كان ضد الحرب وضد إسقاط النظام عن هذه الطريق ، إلا أن هذا قد حصل رغم معارضة أغلب دول العالم ، والحزب الشيوعي يتعامل مع واقع ، فالعراق هو الوطن والباقي لكل العراقيين ، وأمريكا دولة أجنبية وقوة احتلال سترحل لا محالة بنضال العراقيين كافة ، ولكن ليس قبل أن تصلح ما أفسدته خططها الغبية وقادتها المهووسون بتفوقهم ، ولن تستطع البقاء مهما كانت قدراتها وقوتها العسكرية دون رغبة العراق وأهله...
يوما بعد آخر مسيرة الحزب تتعزز بين جماهير الشعب ، ويحقق الحزب تقدما في مواقع اعتقدها البعض مقفلة له أو محرمة على غيره ، وفي كل موقع يتم فيه فتح مقر للحزب هو تعزيز لمسيرته الجماهيرية ـ التي بدأ باستردادها تدريجيا وبخطوات ثابتة ـ واعتراف الواقع الطائفي وإرهابه ، بعدم جدوى الإرهاب في صد الجماهير عن تحقيق حريتها واختيارها ..ولم تتعزز مسيرته بين الجماهير فقط بل على أعلى مستوى سياسي أيضا ، في مجلس الحكم وفي الحكومة الانتقالية كذلك ، رغم مناورات البعض ومحاولات إقصائه ، إلا أن ثقل الحزب السياسي في الساحة الوطنية وبين طبقات المجتمع العراقي وطوائفه هي أكبر بكثير مما هو ظاهر على السطح ، فلن يكون مقياس النجاح أو الفشل إنتخابات أجريت بعد عام ونصف تقريبا من سقوط الفاشية ، في بلد يسوده جو إرهابي يحصد الناس في سيارات وأحزمة مفخخة ، وطائفية ممقوتة تسيطر على مدن ومواقع تهدد بالموت كل من يقترب من صندوق الاقتراع ، ناهيك عن طائفية ثانية ، لا تقل أذى عن ممارسة الطائفة ألأولى ، متمترسة خلف مرجعية طائفية ومعتصمة بها ، خاضت الانتخابات ببرنامج انتخابي اسمه " المرجعية " دون أن يكون لها برنامج حقيقي تسعى لتحقيقه إن جاءت للسلطة ، فعلى المستوى الطائفي تتم المساواة بين الرأسمالي والعامل ، وبين الفلاح والملاك ، والمرأة، الأم والأخت والزوجة ، فهي من سقط المتاع لا قيمة لها ، قيمة كل امرأتين بأعلى الشهادات تساوي قيمة رجل جاهل ومتخلف قيم ، وحتى لو كان متخلفا عقليا فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن جاءوا بها مسايرة لقانون إدارة الدولة فهي للديكور فقط !. ... كثيرة هي الخروقات المسجلة لدى الهيئة المسؤولة عن الانتخابات ، وكان أكثرها تأثيرا على النتائج ونسبتها هو ما حصل في سهل الموصل .. إضافة لانتهاكات أخرى في مواقع متفرقة من العراق ، وقد أدانت الكثير من القوائم ، وحتى اللجنة العليا المنظمة للانتخابات ، هذا السلوك غير الحضاري في التعامل مع الناخب من أجل الفوز ، كما أن كل القوى الديموقراطية واليسارية رفضت المشاركة في قائمة موحدة مع قائمة الحزب ، لاعتقادها أنها أكثر شعبية من الحزب الشيوعي ، وآخرين رأوا أن الحزب قد تخلى عن موقعه الطبقي والفكري والسياسي .. وكانت النتيجة لهذه الطروحات والحجج الفشل لكل القوائم التي رفضت التعاون ، ولم تحض بأي مقعد وذهبت أصواتها التي حازت عليها إلى القوائم الفائزة ، وبذلك عززوا الفوز الطائفي ـ القومي ... ولم يكن هذا النموذج هو السائد في الداخل ، بل المصوتون في الخارج كانت حججهم أوهى من يبتنى عليها موقف سياسي في ظل أجواء إرهابية ونزعة طائفية مدمرة تؤسس لكتاتورية وفاشية جديدة، فالبعض ممن هم تربوا وعاشوا في أحضان الحزب ، واكتووا بعذابات الفاشية سنين طويلة ، يرى أن الحزب لم يكن مقنعا في سلوكه وتوجهاته وشعاراته ، لذلك حرم الحزب من صوته ، وصوت لصالح الطائفية ! أي منطق هذا !..البعض تتوقف عنده القدرة على محاكاة الواقع ووزن الأمور بميزان العقل والمنطق ، ويرى الحق فيما بين يديه فقط ، ولا يريد أن يتفهم واقع البلد والحزب والظرف الذي هو فيه ، ولا يبعد النظر أكثر من أرنبة أنفه ، فلو سألته هل تستطيع أن تؤسس لبناء بيت ، مهما كان صغيرا المساحة ، دون أن يتوفر لك الحد الأدنى لما تحتاج إليه من مال أو مواد بناء ناهيك عن المهندس والمعمار ، فربما تريد البناء خارج حدود أمانة العاصمة ودونما حاجة لخدمات الماء والكهرباء والتلفون ، والحراسة ضرورة في هذا الوضع المنفلت !؟ كيف يمكن أن تحمل شعارا لبناء الاشتراكية وبلدك محتلا ؟ كيف يمكن النهوض بإعادة البناء وأنت تفتقر إلى الأمان ؟ كيف يمكنك بناء صناعة متطورة وأنت تعاني من نقص في الكهرباء للاستخدام المنزلي ، كيف تدعي التحضر والملايين من البشر تشرب ماء ملوثا ؟ كيف يمكنك الادعاء بالديموقراطية والتحرر والمرأة محكومة بألف قيد ومانع يجبرها على هجر المدرسة والمعهد وميدان العمل ؟ كيف يمكنك تحقيق العدالة وهناك فساد قيم مستشر يشمل من في القمة دون أن يتجاوز القاع ؟ وهناك آلاف القضايا الصغيرة والملحة التي تحتاج إلى إجابة وحل قبل أن تبدأ في أي مشروع ومهما كان نوعه ..نموذج آخر شيوعي يساري ، يرى في الانتخابات هزيمة للحزب الشيوعي ، وحصوله على مقعدين لا يتناسب مع حجمه وفعله ومسيرة الشهداء التي قدمها من أجل العراق وتحرره ، ويتساءل لماذا ؟ ربما الكثيرين يتجاوبون معه في تساؤله هذا ؟ ولكن لنصغِ لبعضنا بانتباه دون تجاوز للواقع وإنكار لما هو موجود فيه ، هناك شيوعيون عراقيون ، ثوريون ومتطورون ،إلا انهم يعيشون خارج نطاق الواقع العراقي ، كما هم خارج العراق فعلا ، ويتحدثون بلسان يدعي الفكر الشيوعي ، وينتمي لتنظيم لشيوعي ، شيوعي على كل حال ، والعراقي في العراق لا يفرق بين شيوعي عمالي أو شيوعي لينيني أو شيوعي ماركسي أو شيوعي بسوق الصفافير ..!، بالنسبة لغير الواعي وغير المتعلم كلهم سواء ، شيوعي ، فعندما تتحدث مسؤولة عن هذا التنظيم الشيوعي ، باستضافة قناة الجزيرة وقنوات أخرى مماثلة في الاتجاه والهدف ، وترى أن مساواة المرأة بالرجل وتحررها تنطلق من العلاقة الجنسية الحرة بين أي رجل وامرأة ، خارج نطاق العائلة ، وللمرأة المتزوجة الحق في تكوين علاقات جنسية مع من تريد ومع من تشاء ، هذا المفهوم الحيواني لتحرر المرأة يصيب مقتلا ليس في الحزب الشيوعي ولكن لكل شيوعي ، ويبعد الفرد العراقي عن إقامة أي نوع من العلاقة بينه وبين أي شيوعي ،ناهيك عن إعطاء صوته للشيوعي أيا كان ، وهذه الشبقية الجنسية للمرأة هي وعاء من صديد ... ، على حد قول شاعر المرأة المرحوم نزار قباني ، تعافها حتى الحيوانات فكيف بانسان متحضر يحمل فكرا مناضلا ؟. بالتأكيد أن هذه الشيوعية المتحررة ، جدا ، ما كانت تنطق عن الهوى وهي تطل من على الفضائيات في ظرف مثل ظرف الانتخابات ، بل إنه وحي يوحى لها من مصادر إلهام كثيرة ، أعماها الحقد على الحزب الشيوعي العراقي ، ومدفوع لها الثمن ، في وقت كان الحزب الشيوعي يحتاج فيه إلى الصوت المؤازر والمؤيد ، فهل مثل هذا الفكر " الشيوعي " النشاز يساعد على تحقيق فوز أو كسب أصوات الطبقات والفئات المسحوقة ؟ و لو كان هذا الحزب ومن يمثله في العراق ويدخلون المنافسة الانتخابية هل يجرؤن على قول مثل هذه الترهات ..هذا جانب مهم في الدعاية المعادية للحزب الشيوعي يتمسك بها المناهضون ويثيرونها بين الأوساط الشعبية ، ولا زال الكثير من الشيوعيين القدامى يتذكر الحملة المعادية التي قادها البعثيون ضد الحزب الشيوعي العراقي زمن الجمهورية الأولى ، بهذا السخف ذاته ، والتي اعترف بها الكاتب البعثي حسن العلوي من أنها خرجت من مطبخ البعث وروج لها بعثيون معادون للحزب الشيوعي ، ومن يشك فيما أقول فليسأل السيد العلوي فهو يشغل في الوقت الحاضر سفيرا للعراق في دمشق ..
على الرغم من كل ما قيل ويقال ، وعلى ضوء كل المعطيات التي حاولت بعض القوى اقصاءالحزب الشيوعي عن الجمعية الوطنية ، فالحزب الشيوعي ، حسبما يرى ، خرج فائزا بمقعدين وهذا عربون لفوز لاحق ، بعد التدقيق في نقاط ضعف وقوته ، ولكن ما يراه الحزب شيئا مغايرا لما نريده نحن أصدقاء الحزب من ديموقراطيين ويساريين وعلمانيين وليبراليين ، فنحن نريد تعزيزا لموقع الحركة اليموقراطية واليسارية بشكل عام والحزب الشيوعي بشكل خاص ، فلا حركة ديموقراطية فاعلة يغيب عنها الحزب الشيوعي ، وعندما يراد اغتيال الديموقراطية في أي بلد ، الخطوة الأولى تبدأ بالهجوم على رأس النفيضة ورمحها ، الحزب الشيوعي ، ثم البقية تتبع ، لذلك ومن أجل تعميق الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه الشعب ، ومن أجل مساهمة جادة ونشطة في حل القضايا الوطنية يتطلب تحقيق فوز أكبر للتيار الديموقراطي واليساري في الانتخابات المقبلة ..وعلى الحزب الشيوعي العراقي تقع المسؤولية الأولى بالدعوة إلى مؤتمر وطني لكل القوى والشخصيات الديموقراطية واليسارية والمتلقبة بالشيوعية ، حزبية كانت أم نقابات مهنية ومنظمات نسوية وجمعيات فلاحية و فعاليات ثقافية ، وغيرها من المنظمات والفعاليات تحت أي مسمى كان ، التي ينطبق عليها التوجه الديموقراطي ، لمناقشة " القضية الوطنية " وما أصابها من تشض وتشويه ، على أيادي البعث ومروجي العنصرية والطائفية ،فكانت النتيجة تشتت في العمل وتباعدت أطرافه ، والضرورة تتطلب إعادة صياغة هذا المفهوم وفق الظروف الملموسة للبلد وحاجة الشعب العراقي لمفهوم يوحد كل الوطنيين المؤمنين بالديموقراطية أداة لعمل وطني شامل ، من دون طائفية وعنصرية في عراق ديموقراطي وفدرالي جديد ، ينتسب العراقي لعراقيته قبل قوميته أو دينه ..



#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريزان المغربي ..وصدام حسين !
- الدستور . . ولادة مشوهة
- ألأمانة ..والسؤال الملح !!
- الحزب الشيوعي العراقي والتحالف الكوردي ..إلى أين ..؟!
- من اجل عيون العراق ..ُنقوم الخطأ.!!
- هل تتجزأ الوطنية ..؟!
- المقاومة الشريفة ..!
- الوضع الأمني والحكومة الجديدة والمواطن
- أهي حكومة وحدة وطنية.؟!
- الطبقة العاملة العراقية .وقدرتها على تحقيق وحدتها
- غدا-
- !!المقابر الجماعية.. ولجنة التنسيق
- قوات احتلال أم ماذا ..؟
- ..! التاريخ والوطنية
- المراة والوطن والعشق والخمرة..!!
- الخام والطعام ..!!
- إعادة بناء العراق ..مشروع نهب الشركات المتعددة الجنسيات
- ..؟!!ابتسامة فمصافحة
- أول الغيث قطر..!
- لماذا الإصرارعلى نهج خاطئ !1


المزيد.....




- في يوم العمال العالمي تيسير خالد : يدعو الى استنهاض دور الحر ...
- رغم تحصين المتظاهرين الأبواب.. شاهد كيف دخلت شرطة نيويورك مب ...
- عمدة نيويورك يحذر من -جهات خارجية- تثير مشكلات في احتجاجات ا ...
- عزالدين اباسيدي// المجالس التأديبية، كاتم الصوت.
- بيان المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بمناسبة عيد الشغ ...
- لقطات من الحملة التي أقامها الحزب الشيوعي العمالي العراقي بن ...
- على طريق الشعب.. عشية انعقاد المؤتمر الرابع للتيار الديمقراط ...
- بيان تيار المناضل-ة فاتح مايو 2024: الكفاح العمالي، ومعه ال ...
- فاتح مايو يوم نضال العمال/ات الأممي: بيان الشبكة النقابية ال ...
- رغم القمع، المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين تتوسع في الولا ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - هادي فريد التكريتي - الهم الوطني ..!