أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جورج كتن - حوار مع جورج كتن - شبكة المرأة السورية















المزيد.....



حوار مع جورج كتن - شبكة المرأة السورية


جورج كتن

الحوار المتمدن-العدد: 4228 - 2013 / 9 / 27 - 09:38
المحور: مقابلات و حوارات
    


1-بعد سنتين ونصف من الثورة وبعد دمار خمس مدن سورية اقتصاديا وبشرياً انت كقارئ للمشهد السوري الحزين برأيك ما الحل؟

الدمار الذي يتحمل مسؤوليته الكبرى النظام لم يبدأ مع الثورة بل مع بدء حكم الحزب الواحد البعثي منذ انقلاب 63 والذي تلاه حكم العائلة الأسدية التي سلطت أجهزتها الأمنية على المجتمع السوري فاحتجزت تطوره الذي بدأ بعد الاستقلال وحولته إلى مجتمع قطيعي يعيش على الفتات الذي تتركه له طغمة النهب والفساد والاستبداد، فإذا كان تدمير المدن والمجازر هو ما يجري حاليا، فقد سبقه تدمير البنية المجتمعية وتدمير الإنسان السوري بحرمانه من حرياته الأساسية التي وحدها تشعره بإنسانيته وتمكنه من تطوير حياته نحو الأفضل. مثل هذا النظام السرطاني المهيمن على كافة جوانب الحياة في سوريا لم يكن ليتخلى عن "مزرعته" ببساطة عند أول تمرد سلمي ل “رعاياه"، فسيقاتل للنهاية عن بقائه واستمرار امتصاصه لدماء السوريين، تحت شعار: "الأسد او نحرق البلد" الذي اتبعته عصاباته المنفلتة في البلاد.
هل ما كان على الثورة ان تقوم لكيلا تصل البلد لمثل ما وصلت إليه؟ هل يجب وقف الثورة حتى لا تستمر المقتلة الراهنة؟ لا أظن ذلك. فلا خلاص لسوريا إلا برحيل الطاغية وتفكيك عصاباته الأمنية والعسكرية. ماذا كان يمكن ان يحدث لو رضخت الشعوب الأوروبية وأوقفت الحرب لمنع استمرار الكوارث التي أغرقها فيها هتلر؟ لقد استمرت في القتال حتى وصلت لبرلين وانتحر الطاغية، وبنت فيما بعد بلدانها ومجتمعاتها الديمقراطية لتصبح في مقدمة العالم المتحضر.
هذا لا يعني تجاهل معاناة الشعب السوري في الحرب الدائرة التي وصلت لحدود كارثية، بل يستوجب البحث عن حلول تجنبه المزيد منها. كان إحداها تدخل المجتمع الدولي بالقوة لإنهاء الصراع بالقضاء على النظام، ولكن ذلك لم يحدث لأسباب متعددة تتعلق بظروف عالمية وإقليمية، فاقتصر على تعامل سياسي وإغاثي مع الصراع، فيما تستمر معاناة الشعب السوري. في مثل هذه الظروف القاسية وفي أوضاع لم تمكن حتى الآن لأي طرف من أطراف الصراع حسمه لصالحها، فأن حلا لا يوقف الثورة بشكلها السلمي ويجنب الشعب المزيد من المعاناة، هو حل وسطي مع النظام القائم يحقق بعض أهداف الثورة ويضع البلاد في مرحلة انتقالية تؤدي لتحقيق بقية الأهداف، أي أنه يفتح الطريق لوصول تدريجي لها، وهذا ما يمكن ربما تحقيقه من خلال القبول بالذهاب لجنيف للاتفاق على مرحلة انتقالية بتشكيل حكومة مشتركة ذات صلاحيات كاملة تشمل الجيش والأجهزة الأمنية، وضمان نهاية حكم الطاغية بانتهاء ولايته السنة القادمة وعدم ترشحه مرة أخرى، في حل يشابه الحل اليمني. وربما تتولد إمكانيات لحلول أخرى لا يمكن لاحد أن يتنبأ بها لأن الاحداث تتالى دون سيطرة كاملة لأي طرف عليها وهي حافلة بمفاجآت لا يمكن توقعها.

2 -خلال الثورة كانت المرأة السورية مسرحاً لخسارات فادحة كشهيدة ومعتقلة ومغتصبة ومشردة، برأيك ما هو المطلوب من المؤسسات المدنية السورية والخارجية بما يتعلق بالمرأة السورية؟ وهل ما تقوم به المرأة السورية من انشاء جمعيات نسائية ومؤسسات مدنية كافية لمواجهة التيارات السلفية ما بعد سقوط الطاغية؟ هل التجمعات وليدة الثورة كافية لبناء مجتمع مدني في سوريا الجديدة؟ فكلنا نعرف بان مرحلة الصفر قادمة، حيث انهيار كافة المؤسسات الحكومية، ما المطلوب من المعارضة السورية؟

مشاركة المرأة السورية في الثورة كانت مميزة وواسعة بالنسبة لمجتمع لم يحقق بعد المساواة في الحقوق بين الجنسين في الواقع المعاش وفي القوانين المرعية، فالمرأة تقوم بما يتوجب عليها كقطاع رئيسي في المجتمع السوري الثائر، مع تقديم تضحيات جسيمة من أجل الهدف الرئيسي في الحصول على الحرية لجميع السوريين، ولكن ذلك لا يمنعها من التطلع بأمل ان الثورة بعد انتصارها ستنصفها وتجعل من تحقيق مساواتها الكاملة بالرجل بنداً رئيسيا في منجزات الثورة. ذلك لن يتحقق بشكل آلي، فأغلبية كبيرة في أوساط الثورة لا تزال تنظر للمرأة كملحق بالرجل القوام عليها، ويتضح هذا الموقف في شبه تغييب المرأة خارجيا وداخليا من التمثيل المناسب في مؤسسات الثورة بكافة اشكالها وخاصة في قيادة الائتلاف الوطني وكافة المؤسسات المنبثقة عنه، فالثورة لم تنظف عقول "الثوار" بعد من كافة ترسبات المجتمع المتخلف، فلا تزال نظرة الكثير منهم للمرأة دونية. وربما بعد نجاح الثورة ستندلع "ثورة" أخرى للمرأة ضد هضم حقوقها والتمييز ضدها، مما يستوجب التحضير منذ الآن لمثل هذه المواجهة من قبل جميع الواعين بأهمية دور المرأة في مجتمع الحرية القادم، مما يفترض رفض من يدعي أن جميع هذه الأمور "مؤجلة" إلى ما بعد سقوط النظام، فإذا لم يؤسس لها منذ الآن فستكون إمكانية تحقيقها لاحقاً أمراً صعباً.
ما يتم إنشاؤه حالياً من تجمعات نسائية غير كاف لجعل حقوق المرأة ومساواتها أمرا قابلا للتحقيق ما بعد الثورة وخاصة في الداخل حيث همشت الأوضاع التي فرضها الصراع المحتدم النشاطات السلمية المدنية وجعلتها تنكفئ بعد ان شهدت رواجاً في المرحلة الأولى السلمية للثورة، كما أن انتشار التنظيمات العسكرية الأصولية كنتيجة لأسباب متعددة، جعل ما تبقى من نشاط المرأة والتجمعات المدنية أكثر صعوبة، بل يهدد حتى مكتسبات كانت قد حصلت عليها المرأة فيما قبل الثورة. ذلك لا يمنع من استمرار العمل ضمن الجهد السياسي والعسكري لوقف انتشار هذه القوى الظلامية وتجميد نشاطاتها التي لا تمس المرأة فقط بل تهدد بحرف الثورة عن مسارها وأهدافها، وتحويلها لصراع طائفي مدمر ينسف "حقوق" و"حرية" الجميع بما فيها المرأة، ويعيد المجتمع من جديد إلى مجتمع رعية، هذه المرة بدعم من نصوص قديمة لم تعد مناسبة للعصر.
الحسم مع المنظمات السلفية لن يكون ممكنا بالطريق العسكري ما لم يسبقه تحضير مدني سياسي وتثقيفي وتنظيمي يمهد لسحب القطاعات من المجتمع التي تشكل حاضنة له، تجريده منها سيكون امرأ ممكنا بحكم ان ما يطرحه من اهداف لا تتناسب مع مصالح الأكثرية، ستكتشف هذه القطاعات مدى عداء السلفيين لمصالحها من تجربتها الخاصة ولكن بمساعدة حملة تثقيفية توضح حقيقة أهدافهم التي تتستر بالدين وهو منها براء، تقوم بها تنظيمات مدنية ونسائية أكثر فاعلية مما هو قائم حالياً. وذلك يتطلب من قيادات الثورة المزيد من إفساح المجال لمثل هذا الحراك وتمكينه ودعمه والعمل لتوسيعه، وعدم الانجرار كما يحدث حاليا، لتسهيل عمل المنظمات السلفية بتشكيل ما يسمى "هيئات شرعية" تابعة للجيش الحر تكاد تقترب كثيراً مما يبشر به السلفيون من إلغاء المجتمع المدني بشكله المعروف لصالح أشكال متخلفة لا علاقة لها بالديمقراطية والشكل المدني التعددي للدولة القادمة، أي التركز على قيام مجالس محلية في المناطق المحررة منتخبة قدر الإمكان تمارس عملاً مدنيا مختلف الوجوه وتتبعها مديريات ومحاكم مدنية تعالج المخالفات وقوى مدنية لضبط الامن ومنع التعدي على حقوق الناس وحرياتهم، كنموذج مصغر، نواة، للدولة القادمة يمكن أن يجذب القطاعات المترددة، أو حتى الموالية للنظام، التي ستغير ولائها لتنتقل لتأييد الثورة عندما تتأكد أن القادم ليس أسوأ مما هو قائم حالياً، لأهمية ذلك في تقريب انتصار الثورة والانتقال من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطي.

3- أنت تركز في هجومك على الاسلاميين من خلال نقاط عديدة منها: اعتبار الجماعات الاسلامية أن علمانية الدولة هو مشروع صهيو-اميركي، وأنها أحد أوجه الحرب التي يشنها الغرب ضد الإسلام ومن ثم فالجماعات الاسلامية كلها تسعى لتكريس نظام الخلافة، والتركيز على مهاجمة ظاهرة "الحجاب" والـ " النقاب"، هل لا زالت هذه الاعتراضات قائمة حتى بعد ما يسمى ثورات الربيع العربي؟
ليس دقيقاً أن يختصر الامر في المسائل المذكورة في السؤال، فموضوع النقاب والحجاب مثلاً كان موضوعا فرعيا خاصاً بحدث محدد هو نقل مئات المعلمات السوريات، فقط المنقبات وليس المحجبات، من وظائفهم في التدريس إلى وظائف عادية، فقد رصدت مواقف الأطراف السياسية السورية من هذا الإجراء ناقداً بعضها. كتبت ما يزيد عن ثلاثين مقالاً حول الإسلام السياسي بأطرافه المختلفة التي تعتمد النصوص الدينية برنامجاً سياسياً او مرجعا لهذا البرنامج من الإخوان المسلمين إلى المنظمات الإرهابية، بما فيها نقد للنظام الطالباني في إمارة أفغانستان الإسلامية ولنظام الولي الفقيه الإيراني ونظام البشير-الترابي السوداني وإمارة غزة الحماسية ودويلة حزب الله اللبنانية والمحاكم الإسلامية في الصومال وغيرها، بالإضافة لتقديم نقد شامل لتيار الإسلام السياسي في فصل كامل من كتابي "إدمان السياسة، سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية".
ركزت على جوانب عديدة في برامج ومواقف وسياسات وخطاب مختلف تيارات الإسلام السياسي، فبرنامج الإسلاميين في السلطة تحت شعار "الإسلام هو الحل“ يتضمن بعض أو كل تطبيقات الشريعة حسب اختلاف فروعه المتعددة في الأماكن والأزمان المتعددة : أسلمة كافة القوانين وإنشاء نظام عقوبات إسلامي للجلد وبتر الأعضاء والرجم، اقتصاد إسلامي يعمم مؤسسة الزكاة ويمنع نظام الفوائد باعتباره ربا محرم، نظام تعليم يوسع أنشاء الكتاتيب ويركز على حفظ النصوص الدينية على حساب العلوم الحديثة، وإحياء مؤسسة الحسبة كنظام أخلاقي متشدد، مراقبة ومكافحة الفن من غناء وموسيقى ورقص ومسرح وشعر وصور ورسم ونحت ومسلسلات، شرطة دينية تتربص بالمخالفات وتمنع الحفلات وبيع الخمور ومواد التجميل ومهرجانات ملكات الجمال وعروض الأزياء والأعراس المختلطة والبرامج والأفلام التي تظهر فيها المرأة سافرة، وإغلاق مرافق الفنادق الترفيهية والأسواق أثناء أداء الصلاة ومنع حلاقة الذقون وارتداء البدلة وربطة العنق والتصافح بين المرأة والرجل، والتضييق على الأقليات الدينية والسعي لإعادتها لنظام الذمة والجزية وإخراج أفرادها من الجيش، ومنع الكتب والكتابات المتعارضة مع تفسيراتهم للنصوص، وتقييد الإبداع والبحث العلمي وربط العقل بالنص وتنمية الحقائق المطلقة كبديل عن الحقائق النسبية وإلغاء الفكر النقدي، ورفض أوجه من التكنولوجيا الحديثة، ورفض العولمة المؤدية مسيرتها لمزيد من ترابط الأمم من أجل مصالحها المتبادلة وتفضيل انقسام العالم بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، والتلويح بأن الغرب يشن "حرباً دينية على الإسلام"، والترويج للاهتمام بالجنة الموعودة والتقشف والزهد في الحياة "الفانية" ولثقافة الموت والانتحار...
الإسلام السياسي يطرح شعار "الإسلام هو الحل" كفكرة جذابة لقطاعات من مجتمع متخلف، لكن تطبيق الشريعة في الحكم ستكون نتيجته استبداد شامل لن يقتصر على الشؤون السياسية والاقتصادية بل سيتخطى ذلك للشؤون الاجتماعية والثقافية. وفي أفضل الحالات لن تكون "الديمقراطية" كما يفهمها الإسلاميون أكثر من وسيلة للوصول للحكم ثم تطبيق الاستبداد المحمي بنصوص يفسرها محتكرو الإسلام السياسي. بالطبع يجب التفريق بين المعتدلين والمتطرفين الإسلاميين ولكن أعداداً من الموصوفين بالمعتدلين لعدم حملهم السلاح واكتفائهم بوسائل سياسية واجتماعية للوصول لأهدافهم، لم يوفروا مناسبة لتبرير الإرهاب الأصولي بطرق مواربة، فالأهداف مشتركة: أسلمة الدولة والمجتمعات والعالم، وإذا كانت الدعوة صريحة في الخطاب المتطرف للقاعدة لحرب دينية عالمية لنشر الإسلام في دار الكفر، فأن الإسلام السياسي المعتدل يروج لها مداورة بادعاء أن الغرب يشن حرباً على الإسلام والمسلمين دون إثبات ذلك في الواقع العملي.
ما يختلف هو وسائل الطرفين، فالإسلام "المعتدل" يفضل استغلال المشاعر الدينية في مجتمعات متخلفة للوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع وليس العنف المسلح الذي تخلى عنه بعد فشله في أكثر من بلد. بدايات المعتدلين والمتطرفين مشتركة، عملية غسل دماغ داخل المؤسسات والتنظيمات الدينية على اختلافها، يخرج أو ينشق منها المستعجلون على الأسلمة، لأسباب تتعلق بنفاذ صبرهم من الطريق المتدرج ويتحولوا لممارسة الإرهاب والعنف. قبل التيار الإسلامي المعتدل المشاركة بالانتخابات للوصول إلى السلطة وتخلى عن شعاره القديم الدولة الدينية التي تغلف الاستبداد البشري بالمقدس الديني، ونادى بالدولة المدنية بمرجعية إسلامية وهي تقييد سيادة الشعب المفترض أنها حرة في التشريع، بالنصوص الدينية التي يفسرها رجال دين غير منتخبين. والتيار لم يقبل بمعظم القيم الديمقراطية حسب مرجعية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والاتفاقات الدولية الملحقة به، مما يجعله مستفيداً من الانتخابات للوصول للسلطة ليحول الديمقراطية بعد ذلك إلى واجهة تخفي هيمنة القلة على الحكم، فالديمقراطية الإسلامية الإيرانية كمثال أقصت جميع القوى العلمانية ولم تتحمل حتى جناحها الإسلامي الإصلاحي.
تيار الإسلام السياسي الذي طرح نفسه بديلاً للأنظمة القائمة الاستبدادية شبه العلمانية التي وصلت لطريق مسدود، هو التيار الأقدر على استغلال الأوضاع البائسة التي أوصلت الأنظمة مجتمعاتها إليها، فلن يتكبد مشقة الإقناع ببرامج مغايرة لما هو سائد، وهي المهمة الأصعب للنخب الديمقراطية المروجة للأفكار الحديثة، بل يكفيه تذكير الناس بمحفوظاتهم التراثية وهي أقوى قاعدة لاستبداد جديد كبديل عن العفش القديم "القومي" و"الاشتراكي"، إذ لم تخرج بعد قطاعات واسعة من مجتمعات المنطقة من مفاهيم العقود الأخيرة للخلافة العثمانية، تأخذ بقشور الحضارة الحديثة وتستهلك منتجاتها، ولكنها ترفض مفاهيمها السياسية والاجتماعية والثقافية المعاصرة المتعارضة مع موروثاتها القديمة التي يقرها الإسلام السياسي على أنها صالحة لكل زمان ومكان. وإلى جانب التخلف والفقر والجهل والتطرف الديني والاستبداد كعوامل متداخلة توفر المناخ الملائم لانتشاره، يستفيد الإسلام السياسي من عدم تمييز قطاعات من المجتمع بين الإسلام كدين متسامح تعتنقه الملايين، وبين الإسلام السياسي الساعي للسلطة باستخدام الدين.
هذا عن الموقف فيما قبل ثورات الربيع العربي، ومشهد الاسلام السياسي فيما بعدها لم يتغير بصورة جوهرية حتى بعد وصول جماعات الإسلام السياسي للسلطة في تونس ومصر. ولكن لكل تجربة خصائصها وظروفها الخاصة المختلفة، فهي تتماثل في الأهداف النهائية وتختلف في طرائق الوصول إليها.

4 - الإسلاميون وصلوا إلى السلطة عن طريق انتخابات جرت في الجزائر وغزة وأخيرا في تونس ومصر، أجهضت هذه التجارب وتم القضاء عليها في ثلاثة من هذه البلدان بمنتهى الوحشية والقسوة. إذا لم تكن الديمقراطية هي صناديق الانتخاب واحترام نتائجها، كيف تكون اذن برأيك؟ هل يوجد مكان لديك في المستقبل في الحياة السياسية للأحزاب الإسلامية؟

لا أظن أنه يمكن إجمال هذه التجارب المختلفة لوصول الإسلاميين للسلطة ب "تم القضاء عليها بوحشية" ففي الجزائر كان انقلاباً عسكريا ادنّاه في حينها حتى لو لم يكن وحشياً، ورأينا أنه من الافضل ترك جبهة الإنقاذ الجزائرية تحكم، فالذين انتخبوها سيتلمسوا من تجربتهم ومن مسار حكمها أن أصواتهم ذهبت لمن لا يستحقها وسيعدل معظمهم تصويته في الانتخابات التالية، لكن إذا توفرت هذه الفرصة مرة أخرى لهم!! فالقائد الأول في الجبهة، علي بلحاج، أعلن إثر فوزها: "اليوم انتهت الديمقراطية وبدأ الحكم الإسلامي" !! ولا اظن أن هذا القول يدل على أكثر من ان الديمقراطية عندهم لا تتجاوز ركوب قطار الانتخابات للنزول في محطة الحكم الإسلامي الذي يعتبر الديمقراطية كفراً مستورداً. علما أن الجبهة صعدت إثرها للجبال لتخوض حربا إرهابية طويلة عادت بعد فشلها للعمل السياسي ضد النظام تاركة ورائها "الجماعة المسلحة الجزائرية" لتستمر في حربها الاهلية التي قتل فيها عشرات الآلاف.
أما في غزة فالأمور مقلوبة، فحماس فازت وشكلت الحكومة ثم اصطدمت مع الرئاسة الفلسطينية التي لها صلاحيات واسعة حسب الدستور الفلسطيني وعندما عجزت عن تهميشها قامت "بانقلابها العسكري" في غزة حيث مسلحيها لهم اليد العليا. "الوحشية" هي الطريقة التي عاملت بها حماس قيادات وعناصر فتح يوم الانقلاب حيث قتلت منهم ما يفوق المئة، القت بعضهم من الطوابق العليا للبنايات، وظلت فتح ممنوعة من النشاط السياسي لسنوات عديدة إلى أن اعيد السماح لها بعد محاولات التصالح بين الطرفين.
أما في مصر فالهبة الشعبية المليونية الغير مسبوقة في 30 يونيو التي طالبت مرسي وحكومته بالرحيل، هي امتداد للحالة الثورية التي نشأت في مصر منذ انطلاق ثورة 25 يناير. وقد اثبت الجيش المصري مرة ثانية وطنيته، إذ وقف إلى جانب الشعب في ثورته الأولى ضد مبارك وبذلك لعب دوراً مهما في نجاحها، ورضخ مرة ثانية لإرادة الشعب المنتفض بأغلبيته. وكما سلم المجلس العسكري السلطة بملء إرادته لمرسي كرئيس مدني منتخب، فهو سيسلمها لرئيس آخر منتخب يفوز بالأغلبية في انتخابات قريبة قادمة. كبار ضباط القيادة العسكرية رضوا بالدور المقرر لهم حسب النهج الديمقراطي في الدفاع عن الوطن وتوفير أفضل حماية للشعب الذي وجدوا من أجل خدمته، ولن يعودوا للعب دور سياسي ما أصبح مستحيلاً بعد التطورات في مصر والمنطقة والعالم.

5 - أشير هنا الى مقالك الذي رددت فيه على مقال حازم صاغية في الحياة: "مصر: الانقلاب واحتمالات ما بعده". ووقفت فيه مع تدخل العسكر لقمع الأخوان المسلمين، لماذا مثلا لم تعترض على التنكيل بهم مادام الأمر يتعلق بانتهاك الحريات. هل الديمقراطية انتقائية مثلا برأيك تصلح للعلمانيين ولا تصلح للإسلاميين؟
الديمقراطية ليست انتقائية بل هي منهج متكامل في الحياة والحكم، وهي توفر الحرية الكاملة للنشاط السياسي المعارض للنظام الحاكم ولكن ليس من بنودها "حرية" استخدام السلاح في النزاعات السياسية فأي نظام مهما كان ديمقراطياً لا يمكن ان يقف مكتوف الايدي أمام معارضين له يحملون السلاح لمواجهته، ولا ننسى ان الإخوان هم اول من استعمل السلاح في مواجهة المتظاهرين السلميين امام المقر العام للإخوان في القاهرة مما أدى لمقتل العديدين، كما أنهم شنوا هجوما مسلحاً لمحاولة تحرير مرسي وقيادات أخرى معتقلة في معسكر للجيش المصري وعندما فشلوا اتهموا الجيش بمهاجمة المتظاهرين في ساحة رابعة العدوية، كما لا ننسى تصريحاتهم عن ان الاعمال الإرهابية التي تقوم بها تنظيمات مرتبطة بالقاعدة في سينا لن تتوقف إلى أن يعاد مرسي للسلطة، ولا أظن ان احد لم يشاهد مؤيديهم وهم يحملون العصي والسكاكين ويقذفون القنابل الحارقة على المظاهرات السلمية المعارضة لهم قرب ميدان التحرير. الديمقراطية للجميع ولكن الإرهاب او التحريض عليه لا علاقة له بالديمقراطية.
ورغم كل ما حدث من مواجهات عنيفة، فقد استمرت السلطة الانتقالية الجديدة في دعوة الإخوان للمشاركة في فعاليات خارطة الطريق التي ستقود في النهاية لانتخابات تشريعية ورئاسية يكونوا طرفاً فيها. لكنهم رفضوا كل هذه العروض مصرين على الاستمرار في المواجهة بالشارع إلى ان يعيدوا حكمهم الذي رفضته الغالبية. واحتمال لجوئهم لحمل السلاح وممارسة العنف ليس مستبعداً، فقد سبق أن مارسوه عندما حيل بينهم وبين الهيمنة على البلد وخاصة مع التنظيم السري في الخمسينيات والجماعة الإسلامية المسلحة في الثمانينيات، وهو طريق محفوف بالمخاطر ولن تكون نتائجه لصالحهم على الأرجح. أكيد هناك مكان لهم في إطار الديمقراطية إن تخلوا عن العنف، وسيكون مكانا مؤثراً فيما لو استوعبوا دروس التجارب الأخيرة في ان الديمقراطية أوسع من مجرد انتخابات تأتي بهم للحكم ليقوموا بعمليتهم لأخونته و"أسلمته" بما يجعله حكراً أبدياً لهم، بصفتهم ممثلي الله على الأرض حسبما يدعون ويصورون أنفسهم.

6 - قلت إن الأصولية ليست ردة فعل بل حركة أصيلة كامنة في أوساط المجتمع المتخلف تنفجر عندما تجد فرصتها في ضعف النظام الاستبدادي. هناك حركات أصولية تعم العالم المتحضر أليس كذلك...؟ وقلت إن مصدر الارهاب الأصولي في العالم من الشرق الأوسط بشكل خاص والمجتمعات الاسلامية بشكل عام، وقلت إن الوسيلة الأنجع لتجفيف منابع الارهاب هو مواجهته في الحلبة الثقافية هل يمكن أن توضح المقصود بذلك؟

الحركات الأصولية موجودة في كل أرجاء العالم وهي الرد الذي يجده البعض مناسبا لتطور المجتمعات الإنسانية العاصف بحيث ان هناك دائما من يتمسك بالقديم الذي فات أوانه وتجاوزه الزمن، فهناك مثلاً الأصولية الماركسية التي ترد على التطور الرأسمالي الكاسح بالتمسك بنصوص ماركسية، وقد ينجر بعضها للعنف كما في الجيش الأحمر الياباني وبادرماينهوف. لكن في الوضع الراهن العالمي، الأكثر انتشارا وتوسعا ونشاطاً هي المنظمات الأصولية في البلدان الإسلامية من باكستان لمالي والصومال والقاعدة في شمال إفريقيا وفي الجزيرة العربية واليمن والعراق وسوريا وغيرها. ومن المعروف انها تقوم بعملياتها الإرهابية في شتى انحاء العالم، فإن لم يكن مصدرها الرئيسي من البلدان الإسلامية فمن أي مكان تصدر؟ أما عن مواجهة الإرهاب فبكل الوسائل الممكنة للقضاء عليه، واهمها مواجهته في الجبهة الثقافية، فالنقص في الوعي الذي يسم قطاعات واسعة في المجتمعات المتخلفة هو البيئة التي توفر تجنيداً مستمرا لصفوف المنظمات الإرهابية، نشر الوعي بحقوق الإنسان والحقائق العلمية التي تدحض الاساطير ونشر الأساليب الحديثة في طرق المعيشة، ستجفف ينابيع الإرهاب ولن يبق ممارسا له سوى قلة من الشاذين عقلياً.

7 -يقول ياسين الحاج صالح في احدى مقالاته: "إذا كنت منشغل البال بصعود الاسلاميين فستجد نفسك بعيدا عن متن الثورة وعملياتها الفعلية، وربما يغدو النظام الأسدي وحربه المفتوحة مجرد عامل من بين عوامل متعددة تعترض عليها" هل تجد مثل هذه المقولة صالحة لأخذها بعين الاعتبار التطورات الأخيرة للثورة السورية؟

الثورة السورية مرت بمراحل متعددة منها السلمية ثم المسلحة وفي مرحلة لاحقة تسللت إليها منظمات أصولية إسلامية أعلنت ولائها لمنظمة القاعدة وكفرت الديمقراطية بصفتها أفكار مستوردة من الغرب الكافر، وهي تصطدم الآن مع الثورة السورية التي ميزت نفسها عنها في ان هدفها من محاربة النظام إقامة خلافة إسلامية على أنقاض "الحكم النصيري" حسب زعمها، أي تحويل الصراع من ثورة شعب ضد طاغية وعصاباته، إلى صراع طائفي بين سنة وعلويين. لا أظن أن هذا القول لياسين قد قيل في وصف الوضع الراهن، بل في مرحلة سابقة قبل انتشار المنظمات التكفيرية، ليصف حالة بعض الذين تحججوا بطابع إسلامي لكنه وسطي، طبع الكثير من حراكها الاحتجاجي، وحتى اعتراض البعض على خروج المظاهرات في الفترة السلمية من المساجد. اما الآن فهذا القول لا ينطبق على الوضع الراهن حيث أصبحت التنظيمات الأصولية التكفيرية ذات ثقل وتركز جهودها للهيمنة على المناطق التي خرج منها النظام أكثر تركيزها على مقاتلة النظام، وهي تبشر بإقامة "دولة" في مثل سوء دولة النظام إن لم يكن أسوأ، مما سيوقع الصراع في صفوف المحسوبين معادين للنظام وسيضعف تأييد الثورة داخليا ممن يخشى من البديل القادم، ويشوه صورتها خارجيا ويفقدها مؤيديها في العالم كما يعطي مصداقية للنظام فيما ادعاه من أنه يواجه إرهابيين وليس ثوار من أجل الحرية والكرامة. من هو مشغول الآن بصعود المنظمات التكفيرية الإسلامية هو من يهمه انتصار الثورة بتخليصها من الشوائب التي تعلقت بها.

8 -كيف تتصور طبيعة النظام السياسي بعد الثورة، هل لا زال "البرنامج الليبرالي السوري" الذي طرحته في مرحلة سابقة صالحا للتطبيق بعد كل هذه التطورات التي حصلت أثره؟ هناك تشرذم شديد ومتعدد المستويات للأوساط العلمانية السورية وضعف تمايز بعض مكوناتها عن النظام. كيف يمكن أن يقوم دور للقوى العلمانية في سورية المستقبل ما داموا على هذه الشاكلة؟

لا يمكن لأحد ان يجزم منذ الآن حول طبيعة النظام السياسي بعد الثورة، فذلك يتعلق بشكل كبير في الطريقة التي يتم فيها ترحيل النظام الاستبدادي والقوى التي كان لها الدور لأكبر في العملية، الثورة ليست خطاً مستقيما معروفة نقطة بدايته ونقطة نهايته، في مراحل متتابعة تفعل فيها قوى وعوامل متعددة داخلية وإقليمية وخارجية، إلا أن نهاية حكم الطغمة شبه مؤكد. أسوأ التوقعات أن تهيمن المنظمات التكفيرية التابعة للقاعدة المعادية للديمقراطية، وأفضلها ان تنتصر القوى الديمقراطية بتركيبتها الائتلافية من القوى المتعددة المكونة لها من ليبرالية علمانية وإسلامية وقومية تقيم نظاما انتقالياً يحضر لانتخابات يشارك فيها الجميع دون إقصاء احد يلتزم بالديمقراطية منهجاً عاما له، تتلوها تشكيل حكومة يفضل أن تشارك فيها جميع القوى الديمقراطية ولا ينفرد بها طرف واحد، تقوم بشكل أساسي بالعمل لإعادة المهجرين وإعادة إعمار المدن والبلدات المدمرة وتفكيك الأجهزة الأمنية التي سامت المواطنين عذابا طوال عقود وبناء جيش لسوريا وليس لعائلة الأسد لا يتدخل في السياسة مهمته الأساسية الدفاع عن البلد وحفظ أمنه الداخلي، وتمنع أية محاولات انتقامية ضد غير المشاركين في الثورة وتجري مصالحة وطنية عامة بين جميع السوريين وتحاسب من تلوثت أيديهم بالدماء وتوفر الحرية للجميع دون تمييز.
البرنامج الليبرالي السوري المذكور كان مبادئ عامة في الديمقراطية والعلمانية والحداثة السياسية رأينا اقتراحها على القوى والمنظمات الديمقراطية السورية في حينها، وهو ما يزال صالحاً "كمبادئ عامة" رغم أننا لم نطرحه كأفكار ثابتة لا تقبل النقد او التعديل حسب الوقائع الجديدة التي افرزتها الثورة أو ستفرضها المرحلة الانتقالية التي ستلي انتصار الثورة. نتفق في أن القوى العلمانية السورية مشرذمة حالياً وربما كل القوى السياسية المدنية بشتى توجهاتها مشتتة بحكم هيمنة العسكر على الأرض وتراجع كبير للحراك المجتمعي المدني حيث تكاد السياسة حالياً تنبع من فوهة البندقية، ولكن هذا لن يستمر طويلا فستجد هذه الأوساط المشتركات التي تجمعها وتشكل مؤسساتها المستقلة وخاصة إذا استشعرت بالخطر القادم من المنظمات التكفيرية التي تحاول تصفية السياسة من المجتمع السوري، كما فعل نظام الطغمة خلال عقود عندما قصرها على قياداته العليا وأجهزته الأمنية، ليعود الشعب إليها من أبوابها الواسعة في ثورته التي اخرجته من سجنه الكبير إلى حالة التحكم بمصيره الذي لا يقرره له احد، وسيجد طريقه للانتظام مع القوى التي تمثل مصالحه ومستقبل تطوره. لذلك أتوقع ان دور القوى الديمقراطية العلمانية سيكون رئيسيا لأنها برأيي الأقرب لمصالح الشعب على المدى المتوسط.

9 - قلت في معرض ردك على سؤال يتعلق بالمسألة الكردية:" المسألة الكردية في سوريا لن تحل إلا في ظل حكم ديمقراطي يضع نصب عينيه أن سوريا لجميع السوريين على اختلاف وتنوع قومياتهم وطوائفهم، يؤمن للجميع حرياتهم السياسية وحقوقهم القومية ويعلي الانتماء والمواطنة السورية على أي انتماء آخر قومي أو طائفي" هل لا زالت صالحة مثل هذه النظرة وأخطار التقسيم المحدقة بسورية تكاد تتحقق فعلا؟

نعم برأيي ما زالت صالحة، وهي موجهة بشكل خاص لأحزاب المجلس الوطني الكردي التي سارعت بعد الثورة لرفع مطالبها القومية من مجرد الإدارة الذاتية في المناطق الكردية إلى الفيدرالية، ووقفت موقفا متشددا من المشاركة في مجالس وائتلافات الثورة السورية مشترطة قبول الأطراف الأخرى لبرنامجها للحد الأعلى كشرط للانضمام، واضعة بذلك المسألة القومية فوق التحالفات الضرورية لكسب الدمقراطية لسوريا بجميع أطيافها ومكوناتها، وبذلك تركت نفسها في موقع شبه حيادي بين النظام الاستبدادي وبين الثورة الساعية لإسقاطه، وهو موقع جرت إليه قطاعا واسعا من أكراد سوريا بالاستعانة بشحن المشاعر القومية، لانتظار من سيعطي الكرد حقوقهم القومية النظام ام المعارضة!، وأكثر من ذلك دخلت تحالفا مع قوة الامر الواقع الكردية فرع البي كي كي الأوجلاني، الذي تعاون مع السلطة في استلام وتسليم مناطق انسحبت منها لتركيز قواها في مواجهة الثورة في المدن السورية الغربية، وقام بدور رئيسي باستعمال السلاح في كسر الحركة الشبابية الكردية التي شاركت بشكل عفوي في الثورة السورية دون تمييز بين عربي وكردي، وآخر إجراءاته القمعية قتل المتظاهرين في عامودا واعتقال الآلاف في المدن الكردية ولا يستبعد دوره إلى جانب النظام في اغتيال قياديين شاركوا بفعالية في الثورة وخاصة الشهيد مشعل التمو وغيره.
أقامت الأحزاب تحالفا مع الحزب الأوجلاني في ما سمي الهيئة الكردية العليا شبه المعطلة من قبل قوة الامر الواقع الكردية، والتي تمثل ما سعت إليه هذه الأحزاب من جعل الأولوية في عملها من اجل مطالب الحد الأعلى القومية على حساب تحصيل الديمقراطية لسوريا التي هي في مصلحة الجميع كرداً وعرباً، ومن خلالها يمكن تحقيق مطالب الحد الأعلى للكرد، وليس من موافقة معلنة لائتلاف معارض تمثيله للشعب السوري مؤقت فرضته ظروف الثورة، فيما أن تحقيق المطالب لا يكون إلا من خلال المؤسسات الشرعية التي سـتتشكل بعد انتصار الثورة من خلال صناديق الاقتراع.
أولوية الديمقراطية على أي شيء آخر، حصيلة تجربة عربية طويلة أجلت فيها الديمقراطية وجرى التركيز على الشعارات القومية للوحدة العربية وتحرير فلسطين وغيرها، التي لم تولد لدول عربية عديدة سوى كوارث متلاحقة وهيمنة استبدادية تتاجر بشعارات الوحدة والتحرير، فيما الإنسان الحر المتمتع بكافة حقوقه هو الأساس في تحقيق الأهداف الكبرى. أولوية الديمقراطية كانت تفترض مشاركة الأحزاب الكردية بفعالية في نشاطات الثورة، التي كانت ستحسن موازين القوى داخل تشكيلاتها لصالح القوى الديمقراطية العلمانية وتصب جهود نسبة كبيرة من الشعب السوري في الثورة مما كان سيحدث فرقا فيما لو حدث، ويعزل قوى الامر الواقع التي لها مصالح مشتركة مع النظام، ويفقدها الكثير من التأييد والانصار التي لم تكسبهم إلا في ظل أجواء التصعيد القومي التي انجرت لها الأحزاب الكردية، وهي فرصة لصب كافة جهودها لصالح الديمقراطية، إن كانت قد اضاعتها الأحزاب حتى الآن، فإنها لم تفت بعد لتدارك مواقفها الملتبسة من الثورة والخروج من وضع الإذعان لقوى الامر الواقع الكردي.

10 - صدر كتاب: "إدمان السياسة .. سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية" للكاتب جورج كتن، عن دار العارف للمطبوعات ببيروت في أيلول 2013 وهو بمثابة سيرة ذاتية، ربما نستطيع اعتبار ذلك كتابك الأول، حدثنا قليلا عن هذا الكتاب، موضوعه، توقيت نشره

الكتاب من حيث الترتيب هو الرابع ولكن من حيث الأهمية لمؤلفه فهو الأول، وحصيلة تجربة طويلة من الاهتمام بالشأن العام يتحدث عن العقود السبعة التي عاشها الكاتب منذ اربعينيات القرن الماضي، منذ طفولته في مدينة القدس التي بدأت بنكبة فلسطينية ثم هجرة ورحيل لموطن جديد ليشهد ملامح الحياة السياسية الديمقراطية في سوريا ثم الانقلابات العسكرية المتوالية، ولينخرط في الاهتمام بالسياسة التي أدمنها منذ الصغر بحكم عوامل عديدة منها بشكل خاص هزيمة 48، ليتعزز الأمل في تجاوزها مع صعود عبد الناصر للسلطة، والتعلق بالوحدة العربية كحل سحري يعيد للعرب القدرة على صنع تاريخهم من جديد، والانخراط في التيار الناصري وخاصة في أجواء القاهرة التي درس في جامعتها، بالإضافة للانتماء لتنظيم "حركة القوميين العرب"، التي كانت، حسب اعتقاده حينها، رافعة هامة لتحقيق الأهداف الكبيرة.
تتعرض السيرة لما عايشه الكاتب من تطورات في "الحركة" بالانتقال من الافكار القومية التقليدية إلى الأفكار الاشتراكية، ودور “الحركة" في الأحداث الجارية، والهزيمة التي شهدتها بانهيار الوحدة وإعلان الانفصال السوري، الذي تلاه تجربة الكاتب الأولى في الاعتقال السياسي، ثم مواكبته لانقلاب 8 آذار الذي أتى بحزب البعث للسلطة والذي أدى الصراع معه من خلال "الحركة" لاعتقال جديد للكاتب، إلى أن وقعت هزيمة حزيران وأثرها الكبير على "الحركة" التي هربت للأمام نحو الأفكار الماركسية والكفاح المسلح. وينتقل الكاتب للأردن للالتحاق بالجبهة الشعبية ثم يساهم بتشكيل ما اصطلح على تسميته "البؤرة الغيفارية" على حدود الجولان في محاولة فشلت منذ بدايتها في إرساء "مقاومة" سورية مفترضة. كما تتحدث السيرة عما مر به الكاتب من اعتقال جديد لثلاث سنوات من قبل الأجهزة الأمنية التي كان يقودها عبد الكريم الجندي. لينتقل بعد الخروج من السجن مباشرة إلى لبنان للمشاركة في العمل العسكري للجبهة الديمقراطية التي كان يقودها نايف حواتمة، إلى أن تركها بعد ان شهد بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، لتكون بذلك نهاية عمله السياسي الملتزم بتنظيم ما، ولكن ليبقى الاهتمام بالشأن السياسي ومتابعته.
خلال هذه الفترة تطور فكر الكاتب من الماركسية إلى نقدها مع اكتشاف المفكر الماركسي المصري سمير امين، وقراءات لمرقص والحافظ ودويتشر وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي وغيرهم، بالإضافة لمتابعة التمردات على الهيمنة السوفييتية في أوروبا الشرقية بدءاً بثورة المجر ثم ربيع براغ وحركة التضامن البولونية، مع خوض نقاشات حول جميع هذه الافكار والأحداث مع شلل من الأصدقاء المتابعين للشأن السياسي في سوريا، الذي تلاه كتابة دراسة عن بيروسترويكا غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي، التي أعقبها سقوط جدار برلين وتحرر دول أوروبا الشرقية من الهيمنة السوفييتية ثم انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه. لينتقل الكاتب من نقد الماركسية من داخلها إلى نقدها بعد التخلي عنها بنشر دراسة حول "أولوية الوقائع على النصوص"، والتوجه لكتابة مقالات سياسية في نشرات لتنظيمات سياسية ثم في صحف عربية.
المقالات السياسية بأغلبها عكست الهم الديمقراطي الذي أصبح له الأهمية الأولى لدى الكاتب بالإضافة لحقوق الإنسان والحقوق القومية للأقليات وحقوق المرأة والحريات الدينية. لم يغب الاهتمام بالشأن الفلسطيني، لكنه أصبح في المرتبة الثانية مع القبول بالحل المرحلي بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة وغزة وبفك الاشتباك التاريخي مع إسرائيل. وصار بإمكان الكاتب أن ينشر مقالاته في صحف سورية وعربية ومواقع الكترونية، متعرضاً لانطلاق "ربيع دمشق" أوائل الألفية الثالثة، و"غزوة نيويورك" الإرهابية وما ادت إليه من تغييرات في السياسة الخارجية الاميركية تجاه المنطقة العربية والعالم، ليليها غزو أفغانستان و"الزلزال العراقي" الذي أدى لاستئصال أول نظام ديكتاتوري عربي.
كما يشير النص لمشاركة الكاتب في مؤتمر قبرص لحق العودة الفلسطيني ومؤتمر إربيل الذي اهتم بالعلاقات الكردية العربية، فالمسألة الكردية كانت من اهتماماته التي جسدها في مقالات متعددة. ويعطي النص فكرة عن كتابين ألفهما بمشاركة وليد مبيض، يبحث أحدهما في العلاقات الروسية العربية في القرن العشرين، والآخر في خيارات إيران المعاصرة، بالإضافة لفكرة عما تضمنته دراسة ل “إشكالية الديمقراطية في حركة القوميين العرب". كما يعرض الكتاب لمقالات نقدية للاتجاهات السياسية الرئيسية، التيار القومي العربي، وتيار الإسلام السياسي بتنوعاته، حماس وحزب الله والإخوان المسلمين السوريين والطالبان والمحاكم الإسلامية الصومالية، والنظام الديني الإيراني.
ويتعرض الكتاب لما نشره المؤلف حول قضايا الاقليات في المنطقة العربية ومنها القبطية والامازيغية والأيزيدية والبهائية، وأزمة الوجود المسيحي في المشرق العربي. ويبدي اهتماما خاصاً بالشأن السوري من خلال مناقشة محاولات الإصلاح السياسي الفاشلة للنظام السوري، ونقد المعارضة السورية وإعلان دمشق من موقع مؤيد، بالإضافة لمشاركة الكاتب في مؤتمر للمعارضة السورية بواشنطن، ولتقديم اقتراحات لبرنامج ليبرالي سوري كمشاركة في "ورشة نقاش سورية" تضم مهتمين بانتقال سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية.
وينتهي الكتاب برأي المؤلف في ثورات الربيع العربي وأمله في نجاح الثورة السورية، بعد عرض سيرة، تكاد تكون سياسية أكثر منها ذاتية، موزعة على 480 صفحة، لمشاركته ومتابعته وشهادته على العصر خلال حياته الحافلة. أما عن توقيت نشره فربما يكون له علاقة ما بوصول التغيير في المنطقة العربية لمفترق طرق جديد عادت فيه الأجيال الشابة لممارسة السياسة من خلال الربيع العربي في أكثر من بلد عربي وربما يفيدها الاطلاع على تجارب سياسية سابقة نتمنى من كل من شارك في احداث نصف القرن الماضي ان يسجل تجربته حولها، ليكون مجموعها مرجعا للأجيال الجديدة وقطرات تضاف في بحر الديمقراطية الذي يعصف بالمنطقة.
إعداد الاسئلة
حسين الشيخ... امينة بريمكو.



#جورج_كتن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة إدمان سياسي
- هل تواجه الثورة السورية الاستبدادين معاً؟
- ثورة شعبية أم انقلاب عسكري؟ مناقشة لمقال حازم صاغية *
- الثورة الثانية ضد مشروع الدولة الدينية، الشعب والجيش في خندق ...
- مناطحة الإمبريالية أم الصراع مع الوحش القاتل ؟
- رسالة إلى مؤتمر اللقاء الديمقراطي الكردي في سوريا
- “تيار مواطنة” والمسالة الكردية السورية
- هل تتضرر إسرائيل من الربيع العربي ؟
- لماذا تتراجع المشاركة الكردية في الثورة السورية
- مآلات الثورة السورية المستمرة
- حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع ال ...
- لكي لا يتخلف الكرد عن مسيرة التاريخ
- ملاحظات حول لقاء السميراميس التشاوري السوري
- الانتفاضة والنظام السوري -الحيطي!-
- حوار حول المعارضة السورية
- جزيرة الاستبداد تباشر الانتقال للديمقراطية
- المفاوضات وفسحة الأمل
- حكم الشريعة في التطبيق العملي - المرأة العدو الرئيسي للمتأسل ...
- المعارضة السورية والنقاب و... ماركس
- حكومة وحدة وطنية أو الاحتكام للشعب


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جورج كتن - حوار مع جورج كتن - شبكة المرأة السورية