أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - استرخاء















المزيد.....

استرخاء


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 08:59
المحور: الادب والفن
    



قصة
هزته بيدها الصغيرة الطرية .. تململ في فراشه . فتح بصعوبة عينيه . دارت نظراته الواهنة في سماء الغرفة تبحث عن الذي أيقظه . لم يجد أحدا . أغمض عينيه .
- قم يا جدي
تنبه من جديد . دارت نظراته في الغرفة التي لا يرى فيها غير جدران كابية وستائر رمادية بلون الخريف . تنفس بعمق ليوقظ الجسد المكدود . بحثت يده عن يد حفيدته .. مسّها بلطف . روى روحه بندى الطفولة العذب.
جاءت الجدة
- لم يحدث هذا مطلقا.. الساعة العاشرة
- أحس كأن سيارة مرت فوق عظمي
- انهض يا رجل . دعك من الأوهام.
استند على مرفقيه . بذل جهدا كبيرا ليرفع نصفه الأعلى
- شعرت أثناء الليل بالاختناق . العرق فاض أنهارا على جسدي.
- العرق هو سبب ما تعاني من الإرهاق.
دفعت الجدة ضلفتيّ الشيش . أسرعت الشمس بالدخول وأغرقت بنورها كل محتويات الغرفة .
- قم واصطب نسمة إلى البحر . الأطفال لا يحتملون الحر
في تثاقل نهض مذعنا . كالمخدر تحرك . يجر قدميه الثقيلتين جرا.. مضي إلى الشاطئ القريب ..لا يكاد يرى أو يحس بصخب الطرق..حط الكرسي وأسقط فيه الجسد الذي غدا فقط جلدا على عظم . أخذ يرنو للماء الأزرق الشفيف والموج الأبيض والسماء الصافية . النور يكشف كل شيء حتى أعماق البحر ..تأمل الأفق البعيد . شعر كأنه يرى وجه الله ممتدا بطول السماء ، والشمس نقطة بيضاء صغيرة . نسمات ناعمة مسحت وجهه برقة فعاد من تأملاته . تنفس بملء رئتيه وهو يرى أعدادا لا تحصي من البشر يلعبون ويركضون ويتدافعون . يرتطمون ويسقطون وينهضون ويضحكون . تسلل إلى أعماقه خاطر بأن اليوم يوم الحشر.
كان البحر يتحدث إلى السماء و حركة الأمواج في مدها وجزرها . في تساميها وانحسارها . في هديرها وصمتها تحاول أن تتقرب إلى الله الذي ما زال هناك . تصور هذا وغلبه يقين بصواب ما تصوره ..
البحر يغترف من أعماقه أشد أسراره حميمية ويحيلها في عنف مجنون إلى نغمات متأججة بالألوان والأشواق تعبيرا عن عشقه القديم لليابسة .
- ما أبدع الجو هنا وأسوأه في الشقة القبلية المكتومة !!
تذكر جدة نسمة التي أصرت على قدومه إلى العالم المفتوح وأن يغادر الجدران . الشقق لا تحاصر الأجساد ولكنها تحاصر الأرواح . تنفس بعمق . تمنى أن تلحق به زوجته سيدة.. بحاجة دائما أن تكون إلى جواره .إنها الدنيا .. عيناه هي وقلبه ويده .. شكر الرب لأن سيدة تعي كل شيء وتجيد التصرف وقادرة على الحركة .
فتح الجريدة وأخذ يقرأ عناوينها الكبيرة بنصف اهتمام . همهم :
- يبدو أن كل ما يحدث في هذه الدنيا تمثيلية غير مفهومة . لم أحب المسرح يوما .
اكتشف أنه انشغل عن نسمة . كانت تحمل الدلو البرتقالي الصغير وتسرع إلى المياه التي تحاول أن تلعق السيقان وتعابثها .. قبل أن تلمس المياه ركبتي نسمة أدلت الدلو واغترفت . أسرعت به إلى جدها . حفرت حفرة صغيرة أمام قدميه. صبت فيها الماء . هتفت :
- أتراني يا جدي ؟.
أومأ لها برأسه . عزم على ألا يغفل عنها مهما شغلته الجريدة أو ابتلعه البحر الذي يصطحبه في رحلة تأمل . هذه هي الحفيدة الأخيرة لكنها الأكثر حضورا في قلبه.. كلما انحنت الصغيرة انزلقت من فوق كتفها حمالة المايوه . فتنثني وترفعها بإبهامها وتثبتها فوق الكتف المبتل ثم تهرع إلى الماء.
تطلع الجد إلى الحفيدة . رآها تسرع بدلوها كأنها تود لو تعانق البحر . اطمأن أن كل شيء على ما يرام . أسند رأسه إلى ظهر الكرسي بعد أن استرخي فيه . استشعر خدرا في بدنه فاستسلم للصباح الجميل ونسماته العليلة . مدد ساقيه الطويلتين . بدتا كسقالتين يسندان الجسم الكبير المتجمع فوق الكرسي . تذكر نسمة فرفع رأسه ليبحث عنها وسط غابات السيقان المندفعة . كانت تواصل لعبتها بسلاسة وتغمس دلوها في الماء وترفع حمالة المايوه. . أغمض عينيه ثم عاد ففتحهما . لاحظ أن المشاهد غائمة وكأن أشعة الشمس يحجبها ستار كثيف .
استدارت نسمة عائدة بسرعة نحو الشاطئ عندما لمحت جبلا من الأمواج يرتفع ويدور ويتأهب للانقضاض على الشاطئ . لحقت الأمواج قدمي نسمة . انداح من تحتهما الرمل وتناثر الماء . تعثرت . نهضت على عجل . بلغت حفرتها . اكتشفت أنها عادت بلا دلو .. تلفتت حولها في جزع . أخذ البحر دلوها وأخفاه بين الموج . عاليا
قهقه البحر . . وقفت الطفلة مشدوهة يتقطر الماء من جسدها الصغير بينما الأسف قابع في عينيها عازما على أن يتحول إلى حزن يلهو بقلبها الصغير كما يلهو الموج بدلوها البرتقالي.. حائرة وقفت لا تدرى ما السبيل .. ردتها الصدمة إلى جدها .
- الدلو يا جدي .. الدلو
لم يجبها . كان مستغرقا في نومه فوق الكرسي المريح . ممدد الساقين لا يزال والجريدة مفروشة على صدره وقد طارت بعض صفحاتها . حفر كعباه حفرتين بمقاسيهما في الرمل ، و مثلهما هبطت في الرمل سيقان الكرسي قليلا .
- أخذه البحر يا جدي
لم يهتم . كان فمه مفتوحا وغطيطه لولا صوت الموج كان يمكن أن يسمعه الحي كله.. مضت تهزه . وجهها إلى الوراء تتابع الدلو الذي يعلو ويبتعد ويتضاءل . أمسكت يده وجذبتها . . سقطت الكف الكبيرة المعروقة فجذبتها من جديد ..لمحت رجلا يسبح في اتجاه الدلو . تركت يد جدها . اندفعت إلى البحر وخاضت في المياه بجسارة . لكنها توقفت فجأة بعد أن بلغ الماء ركبتيها .
أمسك الرجل بالدلو . حمله وعاد . قفزت مهللة . خرج من الماء . بدا ضخما . توجست.. فقد لا يكون إنسانا كأبيها أو جدها ..دنا منها .. نظر إليها . أحنت رأسها وتعلقت نظراتها بالدلو وتهيبت النظر إلى المارد . .. انتظر أن تتطلع إليه ، أو تطلب الدلو .. فيما كانت نسمة تنتظر أن يسلمه لها .
لم تطق صبرا . انقضت عليه وخطفته . ملأته بالماء . مضت إلى جدها . صبته على رجليه ، ثم عادت إلى البحر . ملأت الدلو بالماء وأسرعت صوب جدها . صبته عليه وهو لا يزال غارقا في نومه . بينما كان كعباه يغوصان في الرمل أكثر... ملأت الدلو من جديد وصبت الماء فوق جدها وهي تطلب منه أن يصحو ، لكنه كان مستسلما للنوم العميق . تركته وعادت إلى البحر والماء والأولاد الذين يحاولون أن يبنوا بيوتا في الرمال .



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تغيير بلا ثقافة
- المثقفون والسلطة
- حَدثني عن البنات
- الكتابة من الوضع راقدا
- نزهة في حدائق الألم
- خطأ السيسي الفادح
- مصر في قبضة الشياطين
- جمهورية -رابعة -
- لا تصالح
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب ( 2 )
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب (1)
- خذوا مرسي وهاتوا أردوغان
- زيارة لسجن طرة
- هل قامت في مصر ثورة؟
- صندوق الحرية الأسود
- هُوية مصر ليست إسلامية فقط
- تعود سيناء أو يذهب مرسي
- مرسي المالك الوحيد لقناة السويس
- محاكمة النظام أو المواجهة
- التحرك الحاسم ولو بالقوة العسكرية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - استرخاء