أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع المفكر محمود شمال















المزيد.....


حوار مع المفكر محمود شمال


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 4204 - 2013 / 9 / 3 - 16:20
المحور: مقابلات و حوارات
    


الدكتور محمود شمال حسن
" التمركز حول مرجعيات الدين والعشيرة لم يكن وليد الأوضاع الراهنة "
حاوره: سعدون هليل
الدكتورمحمود شمال حسن استاذ علم النفس الاجتماعي في كلية الآداب- الجامعة المستنصرية ويعد من الباحثين القلائل الذين قدموا اسهامات نظرية جادة ومتميزة في علم النفس الاجتماعي وله وقفات فكرية في التنظير الفلسفي ومن أهم مؤلفاته .* سايكولوجية الفرد في المجتمع- مدخل* الحرب النفسية الموجهة إلى المجتمع العربي: قراءة جديدة* خطاب الازمة ومحنة الآخر* المجتمع المنجز* الصورة والاقناع* البيئة والاطفال* الشباب ومكشلة الاغتراب* مرجعيات الجماعات،كذلك نشر العديد من الدراسات في الدوريات العراقية والعربية. التقينا الدكتور في أروقة جامعة المستنصرية وكان هذا الحوار.
* نسمع في اوساط طلبة الجامعات، ان ثمة نفوراً من دراسة علم النفس ما الأسباب التي ادت إلى نفورهم؟
- نفور الطلبة من ددراسة علم النفس يرجع إلى عدد من الأسباب منها: ان البيئة التي يأتي منها الطالب، هي بيئة رافضة لعلم النفس؛ لأنها تعتقد ان دراسة علم النفس ستفضي إلى اصابة الطالب باحد الاضطرابات النفسية او العقلية. كما ان الطالب الذي يقبل في القسم لا يتمتع بثقافة تؤهله لفهمه. وهذا يعود حقيقة إلى غياب التوجيه والارشاد في المدارس، فضلاً عن غياب تدريس المادة النفسية في المدارس. كذلك اسهمت قنوات الاتصال الجمعية ومنها على وجه التحديد الفضائيات في تكوين صورة نمطية تتسم بالسلبية عن علم النفس، ما أدى إلى تكوين اتجاهات سلبية نحو علم النفس.
* هناك حديث يدور في الاوساط العملةي مفاده: ان علم النفس في العراق يواجه ازمة وأنها افضت إلى تعطيل دوره في المجتمع. كيف تعلقون على ذلك؟
- اتفق معك ان ثمة ازمة تواجه علم النفس في العراق، وهي ترجع إلى أسباب متعددة منها: اننا ما نزال نفتقر إلى الثقافة النفسية التي تؤهلنا للتعامل مع الظواهر الحادثة في عالمنا الاجتماعي بطريقة موضوعية. ومما زاد من ازمة علم النفس في العراق اننا لم نوظف حتى هذه اللحظة، التنظير النفسي في الواقع الميداني او بمعنى آخر لم تكن هناك محاولات جدية لربط التنظير بالميدان، وهو الأمر الذي احدث فجوة بين التنظير النظري والواقع الميداني. وهذه الفجوة أخذت بالاتساع بمرور الوقت، ويساهم الملاك التدريسي في قسم علم النفس بصورة مباشرة في الازمة الراهنة.
اذاً نحن اجرينا حسماً لمؤهلات الملاكات التدريسية في علم النفس، نجد أنها تفتقر إلى الخبرة العلمية ومهارات التدريس، وهي بحاجة إلى دورات تربوية وعلمية بهدف زيادة معرفتها الفنسية، إلى جانب أنها لم تبلور اتجاهاً علمياً في ميدان التخصص، وقد اثر ذلك على الحصيلة المعرفية للطالب. كما ان غلبة العنصر النسوي على الملاك التدريسي، يعد من الأسباب المهمة التي ادت إلى بروز الازمة. اذ تشير وقائع الميدان، ان علم النفس على وجه التحديد، بحاجة إلى متابعة مستمرة للمستجدات والتطورات الحادثة ف ميدان التنظير. والحقيقة، ان العنصر النسوي في العراق غير قادر على اتمام هذه المهمة بسبب الانشغال بهموم الحياة اليومية، وهو الأمر الذي اضعف المهارات العلمية لهذا العنصر، وبالمحصلة النهائية أدى ذلك إلى انخفاض انتاجيته العلمية. ولو اجرينا مسحاً لانتاجية العنصر النسوي سنجدها منخفضة بصورة لافتة للانتباه. ان الملاكات التدريسية عمدت بمرور الوقت إلى تنمية ظاهرة تفضيل المصادر والدراسات الاجنبية وذلك لاضفاء وجاهة على البحث. وكانت النتيجة المترتبة على ذلك؛ ان الطالب انشغل بالمصدر أكثر من انشغاله بالفكرة المعرفية مما ولد الماماً بالمصادر أكثر من الالمام بالمعرفة الحسية.
* ثمة فجوة بين المثقف والسياسي وأنها آخذة بالاتساع. كيف نتمكن من ردمها
- نتمكن من ردم هذه الفجوة، من خلال تجسيرها بين الاثنين، بمعنى: ان ينفتح السياسي على المثقف، وان ينفتح المثقف بدوره على السياسي، لان كلا منهما لا يستطيع ان يواصل مسيرته السياسية، او الثقافية، او المعرفية، من دون ان ينفتح احدهما على الآخر. كذلك، ينبغي على السياسي، التخلي عن الصورة النمطية التي تحصر العمل السياسي بالسياسيين وحدهم، وانما ينبغي الاقتناع، ان المشورة والمعلومات التي يقدمها المثقف، مسألة لابد منها، لإنضاج قراراته. في مقابل ذلك، ينبغي على المثقف التخلي عن الصورة النمطية التي يحملها عن السياسي، كونه جاهلا، ولا يفقه شيئا بالقضايا المتعلقة بالمجتمع. كما ينبغي على المثقف، ان يدرك ان مشروعه الثقافي، او المعرفي لن يتمكن من تأسيسه، ما لم يشارك السياسي فيه بنفوذه وامكانياته. وبذلك، فان تجسير الفجوة الحاصلة بين المثقف والسياسي، ستفضي إلى نتائج ايجابية على الطرفين، كونهما يعيشان في مجتمع واحد.
* كيف نرى النخبة المثقفة العراقية في الوقت الحاضر؟ وهل لها دور فعال في المجتمع، ام أنها لما تزل بعد مغيبة؟ لابد من تثبيت حقيقة، ان النخبة المثقفة العراقية، لم تكن مؤثرة في الوسط الاجتماعي، وأنها لما تزل بعد، مغيبة، واذا بحثنا عن الأسباب، سنجد أنها متعددة، وهنا نشير إلى أهمها:
1- ان الكثير من أفراد النخبة المثقفة، تعرض إلى الفقر والعوز، في أثناء الضائقة الاقتصادية التي مر بها المجتمع العراقي، مما أدى انشغال أفراد هذه النخبة بمسألة المعيشة، أكثر من الانشغال بالثقافة والمعرفة. ولقد ترتب على ذلك اضطراب التراتب الاجتماعي، بمعنى ان المكانة الاجتماعية للفرد، لا تتقرر بموجب مؤشرات الكفاءة، او الجهد المبذول، او التحصيل العلمي، وإنما تتقرر مكانته استنادا إلى مؤشر واحد فحسب، كأن يكون المورد الاقتصادي. اما شرط الكفاءة او التحصيل، او الجهد المبذول فلا يراع هنا في تقرير المكانة الاجتماعية. والمهم في الأمر، ان الفقر الذي أصاب الكثير من أفراد النخبة المثقفة أدى إلى انخفاض مكانتهم الاجتماعية، ومن يفقد مكانته في المجتمع، سيضعف تأثيره بالمحصلة النهائية.
2- ان هذه النخبة، أخذت تفقد تأثيرها في المجتمع، بسبب هجرة بعض أفرادها، وبطبيعة الحال، ان الاعداد الكبيرة من النخبة المثقفة، التي هاجرت إلى الخارج، سواء في عهد النظام السابق، او في الوقت الحاضر، تتمتع بخصائص من قبيل: التميز والمهارة العالية والخبرة المتراكمة، فضلا عن انتاجيتها العلمية والثقافية، ولعل ذلك اضعف من تأثير النخبة المثقفة في المجتمع.
3- ومن الأسباب التي اضعفت تأثير النخبة المثقفة في المجتمع، ظهور جماعات مجهولة الهوية، تولت عملية اغتيال هذه النخبة، او تهديدها بالقتل، او الخطف، وهو الأمر الذي أدى إلى التواري عن الأنظار، ومن ثم تقليل نشاطها في المجتمع، سواء على المستوى الثقافي، او على المستوى المعرفي.
4- كذلك فان الضعف الحاصل في منظمات المجتمع المدني، يعد من الأسباب التي اضعفت تأثير النخبة المثقفة في العراق.
* لقد اصبح الخطاب التربوي في الآونة الاخيرة غير مؤثر في سلوك الطلبة، بدليل انخفاض المستوى الثقافي لهؤلاء الطلبة، ما أسباب ذلك؟ لابد من التسليم ابتداءا، ان خطابنا التربوي، كان وكما يزل بعد، عاجزا عن تشكيل سلوك الطلبة، وذلك للأسباب الاتية:
1- ان خطابنا التربوي، لم ينجح بعد في تشكيل اتجاهات تنطوي على العقلانية والمنطق، بدليل ان الطالب في المراحل الدراسية المختلفة، ومنها المرحلة الجامعية، لما يزل بعد يحمل الكثير من الأفكار اللاعقلانية والغيبية، فيما يتصل بتفسير الظواهر الاجتماعية والطبيعية والحياتية التي يتعرض لها، ولم يعد يفسرها طبقا لقواعد المنطق العلمي الذي تعلمه في وقت سابق.
2- ان خطابنا التربوي لم يسهم في تنمية نسق قيمي يتناسب مع الأهداف التربوية المعلنة التي تتلخص باعداد الطلبة، ان يكونوا في المستقبل المنظور، مواطنين قادرين على المشاركة في بناء المجتمع، فضلا عن التمتع بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية، وذلك يرجع أساسا إلى ان خطابنا التربوي، ينحو المنحى اليوتوبي في معالجة القضايا المجتمعية، فيما يدعو إلى مجتمع نموذجي (مجتمع المدينة الفاضلة) الذي تذوب فيه الفوارق بين الناس، ويسود القانون والنظام والعدالة، واذا بالطلبة يشاهدون بأم أعينهم معطيات الواقع اليومي التي تتناقض تماما مع بيانات الخطاب التربوي، مما يعني، صرف الانتباه عن سماع رسائله، ومن ثم عدم التأثر بها. ومن المتوقع في حال استمرار الخطاب التربوي بعدم مراعاة الاتساق بين معطيات الواقع اليومي والأهداف التربوية اليوتيوبية المحددة مسبقا في الخطاب السياسي، ان لا يسهم في تنمية النسق القيمي المطلوب على مستوى الثقافة السائدة.
3- ولما كان خطابنا التربوي تلقينيا، اي خطابا يخلو من الإبداع والاصالة، فمن الطبيعي ان لا يسهم في تنمية مهارات الطلبة على المستويين: المعرفي والعلمي، ذلك ان خطابنا التربوي، يعاني من غياب التطابق والانسجام بين التنظير والتطبيق.
4- ان استلام الطالب لمعلوماته ومعارفه بطريقة التلقين، سيؤدي إلى تعليمه انتاج أفكار قليلة عن موضوع ما في مدة زمنية ثابتة، وعلى النقيض من ذلك، عند استعمال طريقة الحوار والمناقشة والنقد، سيؤدي ذلك إلى إنتاج أفكار كثيرة عن موضوع ما في مدة زمنية ثابتة. وبذلك، فان خطابنا التربوي المغرق بالتلقينية، أثبتت الوقائع عجزه عن تنمية أساليب التفكير من قبيل: التحليل والاستنتاج والنقد.
5- لقد أصبح الطلبة معتمد بن على التلقين في تزويدهم بالمعلومات عن العالم المحيط بهم، وبطبيعة المال، ان الثورة المعلوماتية التي تشهدها الآن، يصعب الإلمام بمعارفها بالأسلوب المدرسي الذي تتبعه المؤسسة التربوية، وهو عادة ما يركز على الكتاب المقرر، بعد إقرار مفرداته، ثم طباعته. وبذلك، فان المعلومة الجديدة التي يراد توصيلها إلى الطلبة، يكون قد مضى عليها زمن، ربما طورت، او استعيض عنها بمعلومة أخرى، وذلك يعني: ان عالم المعلومات في حالة تكون وصيرورة على الدوام، ولما كان عالم المعلومات كذلك، فان الأمر يقتضي المواكبة المستمرة للمعارف والمعلومات من مصادر مختلفة.
* في كتابكم (المجتمع المنجز) طرحت وجهة نظر، تقول: ان المجتمعات البشرية كافة، بإمكأنها ان تصبح منجزة، او أن تتوجه نحو الانجاز، هل نستطيع ان نحقق مقولة المجتمع المنجز في العراق؟ اذا كان الأمر ممكناً، فالسبيل إلى ذلك؟
- بادئ ذي بدء، ان المجتمعات البشرية كافة، تستطيع ان تحقق مقولة المجتمع المنجز، ومنها المجتمع العراقي، والسبيل إلى ذلك، هو توفر مرتكزات الانجاز. وهنا نستعرض باختصار هذه المرتكزات.
- إشباع الحاجات، وهي تنقسم إلى قسمين: الحاجات المتعلقة بالبقاء والحاجات المتعلقة بالثقافة السائدة.
- معالجة المسألة الاجتماعية، وذلك بإتباع العدالة الاجتماعية.
- معالجة المسألة الاقتصادية، وذلك بتوفير فرص العمل وإشباع حاجات الأفراد من السلع والخدمات بطريقة ميسورة، مع مراعاة التوزيع العادل للثروة.
- معالجة المسألة السياسية؛ وذلك بإتاحة الفرصة للأفراد في المشاركة السياسية، مع الاقرار بالتعددية الحزبية، وحرية الرأي، وإشاعة ثقافة المواطنة بين عموم الأفراد، ووجود دستور ينظم العلاقات بين كل الأطراف داخل المجتمع.
- معالجة المسألة التربوية، ونقصد بذلك، الكفاءة التي ينبغي ان تتمتع بها المؤسسة التربوية، ومن دون كفاءة هذه المؤسسة، يصعب على المجتمع ان يحقق مقولة المجتمع المنجز.
- معالجة المسألة الثقافية؛ وذلك بتوفير خطاب ثقافي عبر قنوات الاتصال الجمعية، من شأنه ان يحدث تغييرا في آراء الأفراد واتجاهاتهم التي تنسجم مع مقولة المجتمع المنجز.
- انتقاء القادة، وذلك بتحقيق مقولة (الرجل المناسب في المكان المناسب).
- توطين التقانة، أي جلب التقانة من الخارج، والإسهام من ثم في تطويرها بما يتناسب مع مقتضيات المجتمع ومستوى تطوره.
* كتابكم الأخير (مرجعيات الجماعات) اثيرت حوله بعض الآراء النقدية، وكان السبب يعود إلى أنكم خرجتم فيه عن الطرح المألوف فيما يتعلق بالمرجعيات السائدة في المجتمع العراقي، قبل الحديث عن الأفكار الواردة في هذا الكتاب، نريد ان نعرف بالمقصود بالمرجعيات؟ وكيف تؤثر في سلوك الأفراد؟
- تعرف المرجعيات، أنها الجماعات التي يأخذ منها الفرد معاييره، او تعرف أنها الجماعات التي يرجع إليها الفرد في تقويم سلوكه الاجتماعي، ويربط نفسه بها، او يأمل ان يرتبط بها نفسياً ويتأثر سلوكه بسلوك الآخرين فيها، أي أنه يتأثر بمعاييرها السائدة فيها، ويؤدي فيها احب الأدوار الاجتماعية إلى نفسه، وهي أكثر اشباعاً لحاجاته. ويشارك اعضاؤها الآخرون دوافعهم وميولهم واتجاهاتهم وقيمهم ومثلهم ويتوحد بها وبعدها جماعته.
من ذلك نخلص إلى القول، ان المرجعيات عبارة عن جماعات بشرية يرتبط أفرادها بعلاقات تضامنية، تفضي إلى تحقيق أهداف مشتركة، تتمثل بالمحافظة على الكينونة الاجتماعية لهذه الجماعات، فضلا عن المحافظة على خصوصيتها الثقافية. وقد يتخذ الأفراد من هذه الجماعات مرجعاً يتم بموجبه تقويم سلوكهم الاجتماعي. وهذه الجماعات لها تأثير بالغ في تشكيل اتجاهاتهم وقيمهم ومعتقداتهم، طبقاً لتوجهاتها الحياتية والثقافية.
* كيف نحدد هذا المفهوم على مستوى المجتمع العراقي؟
- فيما يتعلق بتحديد مفهوم المرجعيات في المجتمع العراقي، فإننا نستطيع ان نحددها على اساس، ان المجتمع العراقي، فإننا نستطيع ان نحددها على اساس، ان المجتمع العراقي، يشتمل على عدد من المرجعيات التي تشكلت عبر الزمن، وأنها مؤثرة في توجهات الأفراد، وهذه المرجعيات، تتباين تاثيراتها من جماعة إلى أخرى؟ وهذا التباين مرده، تفاعل عدد من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وحصيلة هذا التفاعل، ستفضي ولا ريب إلى ابراز المرجعيات الأكثر تأثيراً في توجهات الأفراد. ومن المرجعيات التي برزت بشكل فعال: المرجعية الدينية والمرجعية العشائرية والمرجعية الأثنية.
* تصنف المجتمعات البشرية إلى ثلاثة أنواع، تبعاً للاندماج الحادث فيها: المجتمع المتجانس والمجتمع الفسيفسائي والمجتمع المتعدد، والسؤال الذي نطرحه هنا: إلى أي نوع ينتمي المجتمع العراقي؟
- ينتمي المجتمع العراقي إلى النوع الفسيفسائي، وما يثبت ذلك، ان الجماعات الأثنية التي يتألف منها، تشكل مجتمعات متمايزة. وعندما نقول أنها مجتمعات متمايزة، انما نعني بذلك، أنها تفتقر إلى الرابطة التي تجمعها مع الكشتالت، او المجموع العام، هي الرابطة الوطنية. فقد حلت محلها رابطة أخرى، ألا وهي: الرابطة الأثنية، التي أدت إلى تمركز الأفراد حول الجماعات التي ينتمون إليها، وافتقار المجتمع العراقي إلى الرابطة الوطنية، لم يكن وليد الاوضاع الراهنة، بل ان هذا الافتقار؛ يرجع في حقيقة الأمر إلى تراكم تاريخي لجملة من العوامل السياسية والاجتماعية والنفسية، ذلك التراكم الذي افضى بطبيعة الحال، إلى تشكيل رابطة وطنية ضعيفة بين الجماعات الأثنية. وبذلك فان الجماعات الأثنية التي يتألف منها المجتمع العراقي، وتشكل مجتمعات متمايزة، تفتقر إلى الرابطة الوطنية،وان الرابطة التي تجمعها ضمن الرقعة الجغرافية العراقية، هي رابطة الأرض والعيش المشترك.
* لوحظ في المجتمع العراقي، ان أفراده يتمركزون حول المرجعيات الدينية والعشائرية والأثنية على وجه التحديد، والأسباب التي أدت إلى اشتداد هذا التمركز من وجهة نظركم؟
- قبل الإجابة عن السؤال، لابد من الإشارة في هذا السياق، إلى ان التمركز حول مرجعيات الدين والشعيرة والجماعة الأثنية، لم يكن وليد الأوضاع التي نشأت بعد عام 2003، وانما كان التمركز حول هذه المرجعيات، يرجع إلى العهد الملكي، مروراً بالحقبة الجمهورية الأولى، وانتهاء بالحقبة البعثية. وان ثمة أسباباً جعلت الأفراد في المجتمع العراقي، يعبرون عن توجهاتهم الأثنية والدينية والعشائرية بعد عام 2003 من بينها:
1- ان الحقبة البعثية، عمدت بكل جهدها إلى إضعاف التمركز حول هذه المرجعيات، مما أدى إلى إحجام الأفراد عن الحديث عنها، ومن ثم تقليل التمركز حولها بصورة شكلية. بيد ان التمركز حول المرجعيات يأخذ شكلا مختلفاً، عندما يلتقي الأفراد من جماعة اثنية واحدة، وبذلك، فان الاكراه والقسر الذي استعملته السلطة البعثية، أفضى إلى تقليل مظاهر التمركز.
2- يصعب تقليل التمركز حول مرجعيات الدين والعشيرة والجماعة الأثنية؛ والسبب يعود إلى ان التمركز حول هذه المرجعيات، يكتسب بفعل التنشئة الاجتماعية وان ما يكتسب بفعل التنشئة يصعب تغييره، او تعديله.
3- ومن الأسباب التي تقلل التمركز حول المرجعيات التي اشرنا إليها، تلك الأسباب المتعلقة بالتركيب الثقافي، أي الأسباب التي لها صلة بكل جماعة اثنية، انطلاقاً من ان الثقافة هي اسلوب في الحياة، تنتظم حوله الكثير من شؤون المجتمع؛ ولان الثقافة اسلوب في الحياة، فهي تطبع سلوك الأفراد بما هو شائع فيها، وما نجده في سلوك أفرادها، انما يعكس التوجهات السائدة فيها، انطلاقاً من مقولة: ان الفرد نتاج ثقافته. والرأي الذي نريد ان نصل إليه، ان الثقافات السائدة في الجماعات الثنية العراقية، أخذت تشكل سلوك أفرادها بما ينسجم مع اساليب الحياة فيها، إلى جانب ذلك، ان طبيعة التركيب الثقافي للجماعات الأثنية، يعمد إلى تقوية التمركز، بدلا من اضعافه.
4- ان الجماعات المرجعية، أخذت تتبع طرقاً معينة من التدريب؛ بهدف الزام أفرادها بالتمسك بها، والمحافظة على ادائها؛ ان التمسك بهذه الطرق، سيفضي على ادائها؛ ذلك ان التمسك بهذه الطرق، سيفضي إلى المحافظة على الهوية الثقافية للجماعة، وفي الوقت نفسه، ان طرق التدريب هذه، ستزيد من توحد الأفراد مع جماعاتهم. وبالمحصلة النهائية، فان اتباع هذه الطرق والمحافظة على ادائها، تعد اسلوباً للمحافظة على كينونة الجماعة وخصوصيتها الثقافية، وهو الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التمركز، بدلاً من اضعافه.
* تشيع في المجتمع العراقي، ظاهرة شيطنة الآخر، مما يترتب على ذلك، طرده واستبعاده، ومن ثم تصفيته جسدياً، من وجهة نظركم، ما الأسباب التي ادت إلى تشكيل هذه الظاهرة؟
- للاجابة عن هذا السؤال، نقول نعم، ان ابلسة الآخر، او شيطنته، ظاهرة تشيع في عموم المجتمع العراقي؛ والسبب الرئيس في شيوع هذه الظاهرة؛ يرجع إلى ان ثمة اتهامات متبادلة بين الجماعات الأثنية التي يتألف منها المجتمع العراقي، تدور حول التشكيك في مرجعية الاصول الأثنية. ويفهم منها، ان كل جماعة اثنية، تزعم ان اصولها الأثنية، ترجع إلى الحضارات العراقية الاولى، او ترجع إلى الجزيرة العربية. والحقيقة، التي لابد من ذكرها هنا، ان مرجعيات الحضارات العراقية الاولى والجزيرة العربية، تعد مرجعيات مقبولة في المجتمع العراقي، ولو بحثنا عن الأسباب التي تجعل هذه المرجعيات مقبولة، نجد ان الحضارات العراقية الاولى، وهي موضع فخر واعتزاز لبعض الجماعات الأثنية؟ بسبب ان اصولها الأثنية ترجع إليها، وان اقوامها ينحدرون منها، سكنت الارض العراقية منذ زمن بعيد، ولم يكونوا من الاقوام المهاجرة التي قدمت من دول الجوار، او من دول أخرى. كذلك الحال مع الجزيرة العربية، اذ تعد موضع فخر واعتزاز بعض الجماعات الأثنية؛ وذلك يرجع إلى ان الاقوام العربية، نشأت وترعرت في الجزيرة العربية، ثم هاجرت بعض الاقوام إلى مناطق أخرى، ومنها العراق. لذا، فان هذه الجماعات، تركز على ان اقوامها، تنحدر من الجزيرة العربية، وأنها عربية الاصول، قبل ان تكون عراقية. والمهم في الأمر، ان اشاعة الاتهامات المتبادلة بين الجماعات الأثنية، حول اصولها الأثنية، افضى إلى شيطنة الآخر الذي ينتمي إلى جماعات معينة، من جانب جماعات أخرى، وان هذه الشيطنة، ادت بالمحصلة النهائية إلى زيادة المسافة الاجتماعية الحادثة بين هذه الجماعات، مما أدى والحال هذه، إلى ان المجتمع اخذ يعاني من صعوبة الاندماج على اختلاف جماعاته الأثنية، وذلك يؤشر شيوع الشيطنة في المجتمع.
وما يهمنا هنا، ان الشك والريبة في عراقية بعض الجماعات الأثنية، يرجع في حقيقة الأمر إلى أسباب متعددة، نذكرها بعجالة، وهي:
1- الصراع المذهبي بين الدولتين العثمانية والفارسية.
2- الاقصاء المذهبي
3- الاقوام الاجنبية المهاجرة
4- القوى الخارجية
5- القنوات الفضائية
* قبل ان نختتم المقابلة، سؤال أخير يتعلق بالمرجعيات، ما المرجعية التي لها تأثير واضح في سلوك الأفراد على مستوى المجتمع العراقي، وعلى وجه التحديد: هل المرجعية الدينية، أم العشائرية، أم الأثنية، أم الحزبية؟
- نشير في هذا السياق إلى ان تأثير المرجعية الدينية، يفوق تأثير المرجعيات العشائرية والأثنية والحزبية، والحقيقة ان هذا التأثير لم يكن وليد اللحظة الراهنة، وانما يرجع إلى الحقبة التي انتشر فيها الاسلام، مروراً بالدول التي تعاقبت على حكم العراق، وانتهاءً بالمرحلة التي نعيشها. اذ كان للمرجعية الدينية الدور الفعال في المسائل السياسية والاجتماعية، إلى جانب الدور في الارشاد الشرعي، وليس ادل على ذلك، سوى الوضع السياسي والأمني المتدهور بعد أنهيار النظام السابق. فلقد عمدت المرجعية الدينية إلى دعوة الناس إلى التسامح ونبذ الخلافات المذهبية، والمحافظة على الأمن الاجتماعي وتحريم القتل والثأر، حتى من اولئك الذين الحقوا الاذى بعامة الناس في الحقبة البعثية، واللجوء إلى القضاء لينال منهم، وقد استجاب بعض الناس إلى هذه الدعوة، بل ان هناك مجموعات من الأفراد أخذت على عاتقها واجب الحراسة، بعد تفكك الاجهزة الأمنية.
أما الأسباب التي جعلت المرجعية الدينية تحظى بتأثير يفوق تأثير المرجعيات الأخرى، فهي متعددة نذكر منها:
1- ان رجال الدين في المجتمع العراقي، يحظون بتقدير العامة من الناس واحترامها، وعلى وجه التحديد اولئك الذين ينتمون إلى سلالة الرسول الكريم. وان العامة تتوجه إليهم؛ بقصد النصيحة والارشاد في المسائل الشرعية.
2- ان الحوزة العلمية، بوصفها مؤسسة فقهية، اثرت في المجتمع تأثيرا بالغاً؛ وذلك باصدار الفتاوى التي تقرر بموجبها موقفها من القضايا السياسية والاجتماعية والشرعية، التي تشغل اهتمام الرأي العام العراقي.
3- ان ثمة موقفاُ واضحاً للمرجعية الدينية من الأزمات العصيبة التي مرت على المجتمع العراقي. اذ لم تكن منعزلة عن الناس، ولم تكن كذلك ملتزمة بحدود الدرس الفقهي، او بحدود الفتوى، كما يراد لها وانما كانت مرجعية لها تأثيرها الفعال في تقرير توجهات الناس.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسماعيل ابراهيم العبد ورصيد التحولات
- اليوتوبيا معيارا نقديا
- حوار مع الناقد حميد حسن جعفر
- حوار مع القاص قصي الخفاجي
- حوار مع الشاعر والناقد ليث الصندوق
- حوار مع الباحث الدكتور أحمد أسماعيل عبود
- حوار مع الدكتور فيصل غازي
- حوار مع الناقد علي الفواز
- حوار مع الناقد والشاعر مقداد مسعود
- حوار مع فارس كمال نظمي
- الماركسية في البحث النقدي
- حوار مع الدكتورة لاهاي عبد الحسين
- حوار مع الباحث ثامرعباس
- عبدالوهاب البياتي
- حوار مع الناقد شجاع العاني
- استعادة ماركس
- حوار مع الباحث السوسيولوجي فالح عبد الجبار
- - الثقافة أسلوب عيش وأسلوب حياة -
- حوارمع أحمد خلف
- حوار مع الروائي حنون مجيد


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع المفكر محمود شمال