أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف محسن - اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة على تأويل الخطاب (في جهود المفكر الديني الاصلاحي يحيى محمد الفلسفية والمنهاجية ) 13















المزيد.....

اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة على تأويل الخطاب (في جهود المفكر الديني الاصلاحي يحيى محمد الفلسفية والمنهاجية ) 13


يوسف محسن

الحوار المتمدن-العدد: 4203 - 2013 / 9 / 2 - 13:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اثريات
نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة على تأويل الخطاب
(في جهود المفكر الديني الاصلاحي يحيى محمد الفلسفية والمنهاجية )


نقد العقل العربي
دراسة معرفية تُعنى بنقد اطروحات مشروع (نقد العقل العربي) لمفكر محمد عابد الجابري
13


يبين يحيى محمد ان اللغة العربية تمثل العمود الفقري للثقافة الإسلامية بما هي ثقافة علمية، فأغلب ما كُتب عن الفكر الإسلامي علوماً ومناهج واتجاهات كان بتلك اللغة، لذا فأيّ كتابة أُخرى عن الثقافة الإسلامية أو (العقل الإسلامي) لا يمكنها أن تستغني عن اللغة العربية وثقافتها ولو بصورة غير مباشرة، اذ ان أيّ دراسة علمية تهدف للتعرف على (العقل الإسلامي) فسوف تتعرف عليه من خلال روح النص المقدس، أو من خلال ثقافة الاجتهادات الفكرية التي تتحرك في دائرة النص أو على مقربة منه، وجميع ذلك قد تمّ انجازه من خلال اللغة العربية ذاتها.
أما الاعتبار الثاني فصحيح أن الاستناد إلى آلية اللغة العربية كأساس للبحث الابستمولوجي يجعل من التفكير دائراً في حدود (العقل العربي)، لكن ليس من الصحيح أن البحث في اطار (العقل الإسلامي) يتضمن بالضرورة الطابع اللاهوتي، مثلما لا يصح أن يقال أن البحث في اطار (العقل العربي) يتضمن الطابع العرقي بالضرورة. فلا مانع من أن يكون أساس البحث في (العقل الإسلامي) هو البحث الابستمولوجي بعيداً عن اللاهوت، مثلما هو الحال في دائرة التفكير اللغوية. ومع ذلك فإنه لا توجد حدود فاصلة بين الأمرين، إذ البحث الابستمولوجي يؤثر على البحث اللاهوتي، والعكس صحيح. كما أن البحث في حدود العلاقات اللغوية له مداخل في المضامين اللاهوتية، والعكس صحيح أيضاً.

العقل العربي / العقل الاسلامي
مهما يكن فإن إجلاء الفارق بين عبارة (العقل العربي) و(العقل الإسلامي)؛ لا تتضح من نفس طبيعة البحث إن كان ابستمولوجياً أو لاهوتياً، مادام البحث في (العقل الإسلامي) يمكن أن يكون ابستمولوجياً بعيداً عن اللاهوت. وعليه فإن الفارق بينهما وتمييز أحدهما عن الآخر؛ يتحدد بملاحظة مقومات البحث إن كانت تدخل في الطرح القومي أم الديني. فمن أهم مقومات الطرح القومي هي اللغة والجغرافية والجنس والتاريخ. في حين أن من أهم مقومات الطرح الديني هي العقيدة والشريعة بما تحملان من طابع معياري تحدده أساساً نظرية التكليف باعتبارها قطب التفكير الديني.
فالطرح القومي يجعل من العقل مبنياً على بحث اللغة من جهة اللفظ والمعنى، أو على الجغرافية من جهة تأثر الانسان بمحيطه الخاص، أو على أساس الجنس من جهة عرقية، أو على التاريخ إن كان له خصوصية فريدة؛ فلا يكون مسبوقاً بتاريخ آخر لقومية أُخرى، ولا يكون مقترناً مع خصوصية منافسة ليست ملحقة ضمن حقل الاعتبارات القومية، كما هو الحال مع خصوصية (المعيار) التي لا تتماهى مع مزية الاطار القومي.

البيئة وتكوين العقل العربي
تكاد النتائج الرئيسية التي توصل اليها الجابري في اعتبار تفاوت العقول المعرفية وتفاضلها واعتبار العقلية العربية (البيانية) عقلية فصلية تجزيئية؛ تتشابه تماماً مع النظرية العرقية التي نظّر لها رينان وأتباعه. مع هذا فمن الخطأ الفاحش إتهام نظرية الجابري بالعرقية استناداً إلى وحدة النتائج، ذلك أن طرحه لا يتعالى على الحقيقة الانسانية، فلا يذهب إلى صياغة العقل بالارتداد إلى الجنس كجنس، بل يربط بنية العقل وتكوينه بالجغرافية أساساً، ومن ثم باللغة كجهاز استلام وارسال يضمر في داخله حقائق البيئة ذاتها. لهذا كانت مفاهيم اللفظ والأعرابي والصحراء والنحو والبلاغة وغيرها هي من أهم المفاهيم الموظّفة في مشروعه للتعرف على كنْه العقل العربي. فالجغرافية هي أهم ما في المشروع من أساس لتحليل تكوين العقل وبنيته، منهجاً ورؤية.

النشأة العامية والدلالة الصحراوية على عروبة العقل
طبقاً لمشروع (نقد العقل العربي) لو حاولنا التعرف على التكوينات الأولية لـ (العقل العربي) لتطلب الامر أولاً السفر عبر التاريخ لنشرف على كيفية خضوع الثقافة العامية للبيئة العربية الصحراوية. فـ «إذا نحن فحصنا بيئة الأعرابي الجغرافية والاجتماعية والفكرية من زاوية الإتصال والإنفصال، وجدنا الإنفصال يطبع جل معطياتها: فالطبيعة رملية، والرمل حبّات منفصلة مستقلة، مثلها مثل الحصى والأحجار والطوب المؤلف منها.. كل الأجسام في الصحراء وحدات مستقلة والعلاقات التي قد تربطها هي علاقات المجاورة لا التداخل، وهذا يصدق على النبات والحيوان أيضاً.. وتلك أيضاً حال الانسان فيها، فهو فرد، وحدة ضائعة في أرض شاسعة.. والمباني غير موجودة، وإنما خيام منفصلة متمايزة ومتنقلة. أما القبيلة فهي مجموعة من الأفراد المتفردين، مجموعة من أجزاء لا تتجزأ، تجمعهم علاقة خفيّة، علاقة الدم التي تضيع مع مرور الأيام لتحلّ محلها علاقة الجوار، وهي في كلتا الحالتين علاقة قرابة، والقرابة ليست إتصالاً، وإنما هي تخفيف من الإنفصال وتقليص من مداه، وسواء تعلق الأمر بالعشيرة أو القبيلة أو الحي، فالفرد دوماً (جوهر فرد)، وحدة مستقلة في إطار من التبعية.. وبالجملة فالعلاقات في مجتمع رعوي هي علاقات إنفصال. أما الإتصال فهو من خصائص مجتمع المدينة ومن مميزات البيئة البحرية، إن الإتصال هو من خصائص أمواج البحر وليس من خصائص قطرات الغيث في الصحراء ومثل كائنات أرض الصحراء كائنات سمائها: السماء صافية كالمرآة، ونجومها في الليل نقط بل ذرات، بعضها متناثر كالحصى وبعضها متقارب كحبّات الرمل (المجرات) ولكن لكل منها كيانه الخاص، هو اشعاعه وحجمه وحركته وموقعه»

اختلال المشروع وتناقضه
هكذا إن اختيار تسمية الفكر العربي الإسلامي بـ (العقل العربي) هو اختيار معرفي استراتيجي دون أدنى شك، فهناك مبررات عديدة تجعل من تلك التسمية لائقة ومتفقة مع طبيعة البحث. فهو مكرس للكشف عن أثر اللغة والمحيط على تكوين العقل وتأسيس بنيته وآلياته الاستدلالية، فكيف لا يكون عربياً؟!
لكن تظل هذه التسمية تسمية اكسيمية. بمعنى أن التعامل مع مشروع (نقد العقل العربي) هو تعامل قائم على اعتبار النظام الكلي من ذاته وداخله، لا بفرض الاعتبارات الخارجية غير المتفقة معه. وبالتالي فإن اطلاق عبارة (العقل العربي) تتوقف على الاعتقاد بصدق هذه المنظومة، أما مع عدم التسليم بصدقها فإن تلك العبارة تصبح فاقدة لشرطها المقوم.
إن الاختيار الآخر الذي يقف أمام عبارة (العقل العربي) هو (العقل الإسلامي)، اذ فيها يكون الطرح الاكسيمي للمنظومة الفكرية مبنياً على الاعتبارات المعيارية التي تتفق مع الروح الدينية. فبقدر ما تكون أكسمة هذه المنظومة دقيقة؛ بقدر ما تحافظ على معياريتها، مثلما هو الحال مع منظومة (العقل العربي). فرغم ان مشروع (نقد العقل العربي) يعترف بوجود النظرة المعيارية العامة التي تحكم العقل العربي وتوجّهه؛ لكنه مع ذلك يحاول الحفاظ على نظامه الكلي عن طريق تغييب العقل المعياري بادغام تلك النظرة وإهمالها، حتى وإن كان يراها مفرزة من مفرزات الجغرافية العربية. فطريقته التي رسم فيها تشكيلة بنية العقل بصورتها اللا شعورية في الثقافة العامية وبصورتها الواعية في الثقافة العلمية؛ لا تضع مجالاً لافتراض وجود بُعد معياري في التأسيس والتأثير. لذلك فهو لم يشأ أن يجعل الطابع المعياري لمفهوم (العقل) كما تمّ تحديده من قِبل العلماء والعرب عبر المعاجم اللغوية؛ ينجرّ على فهمنا لـ (العقل العربي) ذاته. فالجابري صريح في التمييز بين العقل كمفهوم ذي طابع معياري عـند العـرب، وبين (العقل العربي) نـفسه ومع ذلـك فالأمـر لا يعني براءة هـذا الأخير من ذاك، بل اختزاله وتذويبه.
فمن مبررات إضفاء طابع (العروبة) على تسمية العقل؛ هو أن اللغة العربية كانت ومازالت المرجع المعرفي الأول لكل مفكر بياني، إذ اللغة هي السلطة المرجعية الأُولى والأخيرة للـنظام البياني , فتسمية النظام الذي يقوم على اللغة العربية بالنظام البياني هي تسمية في محلها. وأهم ما في هذه التسمية من دلالة هو ما وصل اليه السكاكي البلاغي من تشييد لطبيعة الاستدلال في العلوم الأدبية ـ خاصة علم البيان ـ واعتبارها أساساً لسائر العلوم الأُخرى، كالفقه والكلام وغيرهما، حيث يصبح الاستدلال قائماً منهجياً على اللغة ذاتها، من حيث إنها نحو وأدب وبيان. يضاف إلى ذلك ما للبيان من دلالة على الإنفصال كما تشير اليه المعاجم اللغوية مما ينسجم تماماً مع نظرية الإنفصال التي تكرسها الرؤية العلمية لعلم الكلام، ناهيك عن رؤية الأعرابي وعرب الجاهلية للعالم الخارجي. فبقدر ما كان هذا النموذج يتسق مع خصوصية (العروبة) و (العقل العربي)، إذ مردّه إلى اللغة والبيئة؛ بقدر ما كان النظامان الآخران على خلاف معهما. فهما من حيث المصدر يقعان خارج نطاق دائرة البيئة العربية، ولا علاقة لهما بلغتها، وهو ما يؤكده الجابري بنفسه إذ يقول: «.. على الرغم من الأهمية الكبرى التي نوليها لدور اللغة العربية في تشكيل الفكر العربي وتوجيه آلياته فإننا لا نعتبرها العنصر الوحيد المؤسس له. إننا ننظر إلى (العقل العربي) بوصفه نتاج الثقافة العربية الإسلامية التي تأسست على نظم معرفية ثلاثة: نظام معرفي لغوي عربي الأصل، ونظام معرفي غنوصي فارسي هرمسي الأصل، ونظام معرفي عقلانـي يونانـي الأصـل...». علـى ذلـك اعتـبر أن شعـراء الجاهـلية والصحـابة والكلاميين والفلاسفة والعرفاء الإسلاميين والمحدثين المعاصرين وغيرهم من العرب؛ كلهم يقفون على خشبة مسرح واحد هو مسرح الثقافة العربية

الدافع الايديولوجي للمشروع

يحيى محمد يرى ان : هناك دافعاً هاماً يقف خلف مشروع الجابري ككل. فلقد سبق أن ذكر ـ وكما عرفنا ـ أن إضفاء وسام (العروبة) على مشروعه في العقل، أو العقل في العروبة؛ كان لبعض الدواعي، وليس المهم فيما ذكره من هذه الدواعي، بل الأهم هو ما سكت عنه بالذات، حيث هناك الدافع الآيديولوجي كهدف واضح في المشروع. إذ المشروع يهدف إلى نهضة، وهذه النهضة تريد أن تتكىء على نموذج صالح للانطلاق منبعث من نفس التاريخ العربي، ولما كان النظام البياني لا يفي بهذا الشرط من الصلاحية، وأن ما يراه المشروع كنموذج صالح للنهضة انما هو الاعتماد على طريقة البرهان (العقلانية)؛ لذا فمن غير المعقول أن يكون المشروع يهدف إلى نهضة عربية من خلال عقل غير عربي، في الوقت الذي يطرد النموذج العربي البياني الأصيل. وعليه كان من الضروري أن يجعل من النموذج اليوناني عربياً حتى يتسق مع برنامج النهضة ذاتها، في الوقت الذي يحقق من خلاله ايصال تاريخنا بالتاريخ الثقافي العالمي.
كل ذلك كان من صنيع المشروع باعتباره يدعو إلى عصر تدوين جديد يعيد الحياة إلى النظام البرهـاني الذي ببنيته قـام الفكر الغـربي الحديث والمعاصر، معتبراً أنه لا بد لـهذا العصر الجديد من بداية هي نقد السلاح، نقد (العقل العربي). وبهذا يكون المـشروع عبارة عن بداية هذا العصر، الأمر الذي يعني أن كتاب (نقد العقل العربي) لا يمكن أن يحقق غرضه من إبعاث النهضة في الأُمة العربية ما لم يثبت أن النظام البرهاني كنموذج سليم وصالح هو نموذج عربي، أو هو داخل في بنية العقل العربي الذي يراد له النقد والاصلاح والتجديد والنهضة.

المشروع واغتيال اللغة والعقل
لو تجاوزنا ما تقدّم من تناقض المشروع الذي شهدنا فيه إفناءه لخصوصية العروبة في العقل؛ فرغم ذلك تظل بنية (العقل العربي) حسب الأكسمة التي هندسها صاحب المشروع هي بنية قائمة في الأساس على اللغة بما تعكسه وتنشره من أثر المحيط والبيئة الصحراوية. وطبقاً لهذا الاعتبار فبقدر ما تكون اللغة غنيّة بقدر ما يكون العقل غنياً، وكذا بقدر ما تكون اللغة فقيرة بقدر ما يكون العقل فقيراً ضحلاً.
لقد استنتج مشروع (نقد العقل العربي) ضحالة اللغة بضحالة البيئة وفقرها، وقد جعل ذلك منعكساً على (العقل العربي) ذاته، فهو ضحل ضئيل لا يعرف أن يفكر خارج حدود النص، فمنه يبتدىء واليه ينتهي، حتى لدى الذين عرفوا بالنزعة العقلية كالمعتزلة.

خلل التصنيف

لكن الملاحظ أن التصنيف الذي وضعه الجابري ينتابه الخلل والقصور لعدة اعتبارات. فمن جهة ضمّن الجابري تقسيمه الآنف الذكر شكلاً صورياً افتعل عليه التضاد بين الأنظمة، كما هو الحال في افتعاله للتضاد بين النحو والمنطق مع أنهما في الأساس صوريان وليسا نظامين فكريين كسائر الأنظمة المعرفية التي تمتاز بامتلاكها رؤية كلية عن العالم أو الوجود. كذلك فإن (البيان) الذي عدّه نظاماً بحاله قد جرّده من الفعالية العقلية المستقلة رغم احتوائه على علم الكلام، كما هو الحال مع المعتزلة التي جرّدها من الممارسة العقلية المستقلة، وكذا الحال مع الامامية الاثني عشرية التي وضعها في مصاف الباطنية ضمن النظام العرفاني واتهمها بعدة تُهم باطلة على ما سنرى. ولا شك في أن نظريته هذه تفضي إلى نفي أن يكون الفكر العربي الاسلامي حاملاً لأي دلالة عقلية مستقلة، باعتبار أن البيان هو النظام الوحيد الذي يمثل أصالة الفكر العربي، أما النظامان الآخران فهما من الأنظمة الدخيلة عليه كما هو معروف.

صورية الأنظمة والصراع المزعوم
من الغرائب التي احتواها مشروع الجابري محاولة جعل العلوم الصورية أنظمة فكرية بعضها يضاد البعض الآخر، بل وتنتج قضايا معرفية من غير اعتبار للأُصول المولدة التي لا غنى عنها في أيّ عملية من عمليات الانتاج المعرفي، رغم أنها لا تفضي بالضرورة إلى حالة القطع واليقين، حتى أن ادعاء بعض الدوائر المعرفية بأن ما تنتجه من معارف يقوم على البرهان ويتصف بالقطعية؛ لا يعني بالضرورة أنها كذلك حقاً، باعتبارها ليست محايدة، بل موجهة أساساً من قبل تلك الأُصول. فالطريقة البرهانية في الاستدلال والوصول إلى نتائج يقينة أو قطعية قد تدّعيها أحياناً حتى العلوم التي يكثر فيها الظن، كما هو حال علم الفقه، كالذي يدعيه أمثال إبن حزم الأندلسي والشريف المرتضى وإبن ادريس الحلي ومحمد أمين الاسترابادي وغيرهم، فكيف الحال مع علم الكلام الذي ينافس الفلسفة في ادعائه بكشف الحقائق، أو حتى استخدام طريقتها المنطقية للبرهان، كما فعل المتأخرون من أصحاب النظام المعياري؟! مما يعني أن هناك شروطاً موجّهة غير محايدة تكمن خلف ما يُدعى من طرق برهانية؛ هي التي تضفي على السلوك المعرفي نهجه البرهاني. فالشروط المشار اليها هي مصادرات قبلية تحقق للجهاز المعرفي ما يتطلّع اليه من قطع وبرهان، وهو ينطبق على النظام الفلسفي (البرهاني)، فلولا ما يحمله من مصادرات قبلية خاصة لا يتفق عليها الجميع؛ لما تمكّن من الوصول إلى نتائج هي بمثابة المقطوع بها والمبرهن عليها مع أخذ اعتبار هذه الشروط من المصادرات. ونفس هذا الحال ينطبق على طريقة أهل الكلام، فهي أيضاً تُعدّ برهانية أو مفضية إلى القطع مع أخذ اعتبار شروطها من المصادرات القبلية، حتى مع اعتمادها على منهج الاستدلال بالشاهد على الغائب. فطريقة البرهان تظل صورية لا يسعها توليد مادة الدليل أو النتيجة، فمثلما يمكن إجراءها على علوم الطبيعة والميتافيزيقا بحسب الشروط الخاصة؛ يمكن إجراءها أيضاً على علوم البيان أو المعيار كالفقه والكلام من دون اختلاف. هذا بالاضافة إلى ما أثبتته الدراسات الحديثة من أن طريقة البرهان الأرسطية الشائع استخدامها قديماً هي محل اعتراض جذري لكونها تفضي إلى المصادرة على المطلوب. على ذلك فإن صورية المنطق ـ ومنه القياس البرهاني ـ تقتضي أن لا يكون بينه وبين البيان أي تضاد ومعارضة، مما يجعل المحاولة التي سعى اليها الجابري بهذا الخصوص غير موفقة، إذ لم يكتفِ باظهار التضاد بين النظامين البياني والبرهاني على مستوى الرؤية كما هو الحال على صعيدي علم الكلام والفلسفة، بل وادعى كذلك وجود التناقض والانفصام بينهمـا على صعـيد المنهج متمثلاً بالنحو والمنطق ، بالرغم من إن هـذين العلمين يعالجان موضوعين مختلفين وإن تداخلا في بعض القضايا المشتركة. وهو طبقاً لهذا الادعاء حاول أن يُفسر بعض القضايا الميتافيزيقية استناداً إلى صورية هذين العلمين، فربط بين انطلاق لائحة المنطق الأرسطي من مقولة (الجوهر) وبين قول الفلاسفة بقدم العالم، وعلى نفس الشاكلة ربط في الطرف المقابل بين انطلاق لائحة النحو العربي من مقولة (الفعل) وبين قول الكلاميين بحدوث العالم، أو خلقه من لا شيء. كذلك فعل نفس الشيء في تفسير خلو قائمة النحو العربي من مقولات (الوضع والملكية والاضافة) بالقياس إلى حضورها في المنطق الأرسطي. إذ رأى أن ذلك الغياب ينسجم مع نزعة علم الكلام في نفي أن يكون لتلك المقولات حقيقة تصدق على الانسان، فهي تُحمل عليه مجازاً، إذ المعتبر أن الله هو المالك والفاعل والواضع حقيقة لا الانسان، وبالتالي فهو يفسر هذا النفي الكلامي لمصداقية تلك المقولات على الانسان من حيث كونها غائبة في لائحة النحو



#يوسف_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة ع ...
- مجلة ثقافتنا ...... مشروع لدمج الثقافة العراقية بالحراك الفك ...
- القاتل التخيلي
- صديقي الودود انا شيوعي رغم التاريخ
- الحزب الاسلامي العراقي : الارث التاريخي ، صدام الهويات الاصو ...
- الاميركيون يسعون دوما الى عسكرة الحلول السياسية في العراق
- اعادة انتاج الحركات العلمانية مرتبط بتطور الحاضنة الفكرية وا ...
- احمد القبانجي : الاصلاح الديني معناه ايجاد قراءة بشرية للدين ...
- الباحث الكردي خالد سليمان : تعميم الفضاء المدني في المجتمع ا ...


المزيد.....




- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف محسن - اثريات ( فهم الدين ) نقض احتكار الراسمال المقدس او الهيمنة على تأويل الخطاب (في جهود المفكر الديني الاصلاحي يحيى محمد الفلسفية والمنهاجية ) 13