أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي المسكيني - أخونة الموت















المزيد.....

أخونة الموت


فتحي المسكيني

الحوار المتمدن-العدد: 4187 - 2013 / 8 / 17 - 12:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أخونة الموت

هل ثمة طريقة مناسبة للبكاء على ضحايا يسقطون لأنّهم يدافعون عن "شرعية" انتخابية كما يحدث الآن في مصر ؟ ما دخل الفقراء الجدد، أي الذين لا يملكون شروط حريتهم، في الدفاع عن دولة "إسلامية" لم تقع ؟ من كلّفهم بالدفاع عن "الله" المحمّدي ؟ - فمن يسمع شعارات المعتصمين يتعجب من قدرة الحشود الخارجة عن الحاكم الجديد في مصر على الاعتصام بحبل الله في وقت لم تعد فيه الشعوب تطمع في أيّ آخرة، بل فقط في قدر معقول من كرامة اليومي. وإذا بالموت يمرح هناك في كل مكان بشهية عجيبة، كأنّ أجسام المسلمين تفاهة حيوانية لا تضيف شيئا إلى النوع البشري. من يموت هناك إذن ؟ من تقتل الدولة ؟ هل يكفي أن نكون على حق حتى نقتل الناس باسم السلم الأهلي ؟ وهل فعلا أنّ احتكار العنف الشرعي هو صكّ على بياض يمضيه شعب ما ويسلّمه إلى دولة القانون الحديثة ؟ ما السبب ؟
إنّ ثقافة الموت هي السبب الأصلي في سقوط ضحايا بلا أيّ عنوان أخلاقي حقيقي. موتى بلا عنوان إنساني. إنّهم موتى الوقت الضائع للثورات العربية الراهنة. صحيح أنّهم يدافعون عن شرعية انتخابية تمّ تعطيلها بشرعية ثورية. ولم يكن دور الجيش غير الإنقاذ الأمني للدولة دون أيّ تفكير مسؤول عن النتائج السياسية الكارثية على مصير فكرة الديمقراطية لاحقا. لكنّ الدفاع عن الشرعية لا ينبغي أن يتحوّل إلى عملية استشهادية لجموع من الشباب الغاضب الذي يسقط هدراً دون أيّ كرامة خاصة. لقد تمّ تحويل الدفاع عن الشرعية إلى دفاع لاهوتي عن الإسلام والله والمقدسات وتطبيق الشريعة والدولة الدينية وأخونة المجتمع،...الخ. ووقع انزلاق من مشكل مدني عادي حديث إلى استشهاد ديني وجهاد "للكفار الانقلابيين" على انتصار "الأمة" . من المسؤول ؟ ومن عليه أن يدافع عن هؤلاء الشهداء بلا شهادة على أيّ شيء سوى ابتذالية الموت في بلداننا ؟
إنّ انتصار الإسلاميين في انتخابات ما بعد الثورة قد وفّر إطارا لشرعية وجودهم في الحكم. لكنّه لم يغيّر شيئا من تصوّرهم للحكم ولا لطريقة استعمالهم للسلطة. لم تكن الشرعية غير استعمال صوري وخارجي للقانون الحديث من أجل إقامة دولة "إسلامية"، قائمة على تصوّر غير حديث تماما للسلطة: هي سلطة "أولي الأمر". ولذلك هم قد فهموا الانتصار الانتخابي باعتباره تفويضا شكليا "شرعيا" (في معنى شرع الله) وليس مجرد فوز إحصائي لأصوات الناخبين في دورة انتخابية دون أخرى. ولو كانوا يفهمون الشرعية باعتبارها مجرد تفوّق إحصائي لقبلوا دون تردد بإعادة الانتخابات أو على الأقلّ بعدم تعطيل وجود الدولة بالاعتصام اللانهائي لأعضاء "الجماعة" في شوارع "المجتمع".
صحيح أنّه لا يمكن الدفاع الأخلاقي عن تدخل الجيش في الحكم وتعطيل المسار الديمقراطي. لكنّ دفع الناس إلى الموت المجاني دفاعا عن شرعية "شرعية" هو أيضا موقف غير مسؤول لقادة "إخوانيين" لم يتعلموا من فن الحكم الحديث شيئا، أي الحكم المدني، بل يمارسون السياسة باعتبارها انتحارا شخصيا من أجل عقيدة أو من أجل الدفاع عن أمّة أو طائفة أو جماعة روحية حصرية. من يدفع الناس إلى الدفاع عن الحاكم، مهما كان شرعيا، هو يضحّي بهم بشكل كلبي ولا يستحق مسؤولية الحكم. لم يوجد الحكام للدفاع عنهم. بل وُجدوا للدفاع عن المحكومين. فإذا فشلوا في ذلك، فإنّ عليهم أن يتنحوّا دون تعريض حياة الناس إلى الخطر. فما بالك بمن ينمّي فيهم ثقافة الموت ويرمي بهم إلى مخالب الدولة الأمنية الحديثة دون أيّ انزعاج أخلاقي لضميره.
لقد تمّت أخونة الموت من أجل تدجينه واستعماله كأداة ضغط سياسية على الدولة الحديثة بوصفها خصما انتخابيا مجردا. وهذه كارثة أخلاقية سوف تؤجّل مجيء عصر الحرية في أفقنا المدني إلى أجل غير معلوم.
كيف ندافع عن ضحايا الاختزال الأمني لدور الدولة في فرض السلم الأهلي دون أيّ انشغال كبير بمصير فكرة الحرية لدى شعوبنا ؟ ثمّة سكوت أخلاقي مريع حول سقوط الضحايا، لمجرد أنّهم "إخوانيون"، أي لا يؤمنون برابطة المواطنة ويفضّلون الانتماء إلى الجماعة على الانخراط المدني في المجتمع الحديث. لكنّ السكوت على الموتى هو أيضا ثقافة وليس مجرد موقف سياسي. فلا ينبغي تحويل السكوت على موت الخصوم السياسيين إلى ثقافة أخلاقية معترف بها أو مدافَع عنها. إنّ الموت هو هو، وهو لا يختار ضحاياه إلاّ عرضا. ومن ثمّ فإنّ علينا أن ندقّ ناقوس الخطر الأخير، خطر الموت الجماعي للشعوب، وذلك مهما كانت مسوّغات قتل الناس تبدو "شرعية".
وهذا هو الدرس الرائع لثقافة "حقوق الإنسان" التي لا يقبل بها الإسلاميون أنفسهم، والحال أنّها هي الأفق الأخلاقي الأخير للدفاع عنهم ضدّ آلة الموت. لا يموت هناك إلاّ الإنسان. أمّا "شرع الله" أو "أنصار الشرعية" أو "أعضاء الجماعة" أو "مؤيّدو الرئيس المنتخب"، ...الخ. فهذه مسمّيات صحفية وخارجية وبلا توقيع حيوي. من يموت هناك هو بشر علينا أن ندافع عنه باسم بشرية هو ربما لا يؤمن بها، أي لا يعتقد فيها باعتبارها السقف الرمزي الأعلى لوجوده في العالم، لأنّ لديه "آخرة" تنتظره. لكنّ عدم مشاركته في انتظار الآخرة ليس دليلا كافيا للتضحية الأخلاقية به كأنّ موته خسارة حيوانية غير مكلفة في سلمنا الأخلاقي "العلماني". بل بالعكس: إنّ فهمنا العلماني للحياة الحديثة هو وحده الذي يسمح لنا بالدفاع عن "شهداء" الدولة الدينية التي يسعى إليهم الإسلاميون تحت مفردات شتى، ولكن ليس باعتبارهم شهداء، وإنّما باعتبارهم بشرا يشاركوننا الحدود الدنيوية لأجسامنا. لا ينبغي أبدا أن ننسى إنسانية الموت، ونعامله كأنّه هدية أمنية من الدولة المواتية لتصوّراتنا للمواطنة أو للحياة الحديثة. لا يوجد تبرير علماني لموت الآخرين. وكل من يموت داخل عالمنا هو أخ بشري جذري لنا، ولا تفاوض حول موته مع أحد.
لذلك، ليس العلمانيون هم الذين يقتلون الناس في مصر أو في تونس بل ثقافة الموت. العلماني هو فقط من يوسّع دائرة الإيمان حتى يستطيع المؤمن الآخر أو حتى "غير المؤمن" إيمانا تقليديا، بأن يجد مكانه داخل دائرة المواطنة باعتبارها رابطا مدنيا حرا وعادلا ومتسامحا تجاه أيّ كان، مهما كان معتقده أو لونه أو لغته أو هويته الثقافية. فتعطيل الانتماء الديني ليس موجّها ضدّ أحد. إنّه ليس كفرا بأيّ إله. بل فقط هو نمط أوسع من الانتماء هو الانتماء إلى الإنسانية.
وهكذا فإنّ من يحرق كنائس "الآخر" أو يسعى إلى قتله، رمزا أو جسدا، هو ملحد ديني بأديان الآخرين. وليس مؤمنا بدينه الخاص. لا يمكن حرق كنيسة باسم نفس الإله الذي يُعبد فيها. بل لا يمكن أخلاقيا أن نهاجم أيّ مكان للعبادة على الأرض مهما كان غريبا عنّا، فهل يعبد الناس إلاّ إلهًا ما ؟ وكلّ ما يُشار إليه بأنّه إله هو في نهاية المطاف وبشكل أو بآخر، اسم آخر من أسماء "الله"، وإن كان ذلك تحت هذا الاسم أو ذاك الذي لا نقبل به أو حتى لا نعرفه. ومن يقوم بذلك هو ملحد ساذج، حوّل معتقده إلى آلة حرب على معتقدات الآخرين.



#فتحي_المسكيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا مات بعضُك...لا تتأخّر
- في انتظار دولة الفقراء
- الفلاسفة و العفو ..تمارين في الغفران
- هيدغر والديمقراطية أو زعامة الرعاة
- الرهطيّون
- شكري عاد وحيدا...أو ما يبقى يؤسّسه الشهداء...
- القتل ليس وجهة نظر... أو ما هو الاغتيال الهووي ؟
- صولجان الذئاب...أو إذا متّ سأشرب وحدي
- المركزيون...أو في المواطنة المشطّة
- الأنا الأخير...في الشرق
- الكينونة تتكلم العربية أو هيدغر في زماننا
- الحاكم الهووي أو الثورة في الوقت الضائع......
- كيف يكون إيمان الأحرار ؟
- هل يحمي القانون من لا يؤمن به ؟
- نهود لامبيدوزا... تعلق في شباك الروح
- حوار خاص مع الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني
- الفلسفة استثناء تأسيسي...لوعي آخر
- إعلان تونس من أجل الفلسفة.....قبل الثورة وبعدها
- تأويلية آبل...أو الجمع الهرمينوطيقي بين هيدغر وفتغنشتاين
- استشارات كانطية : الرجاء والوهم أو كيف تكون سعيدا بوسائل بشر ...


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي المسكيني - أخونة الموت