أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - تأملات في بناء عش














المزيد.....

تأملات في بناء عش


فاتن واصل

الحوار المتمدن-العدد: 4185 - 2013 / 8 / 15 - 22:46
المحور: الادب والفن
    


منذ عشرة أيام جاءت تزور موقعها الأثير الآمن الذى تملكه منذ عدة سنوات وتأتي اليه مرات معدودة طوال العام، حيث تعودت ان تتفقده لتقف على حاله فربما يحتاج لبعض الإصلاحات أو الترميم قبل أن تضع فيه أغلى ما لديها.. ترتدي معطفها البني المطعم بريشات رمادية كالمعتاد ، تفاجأت بوجود طعام معد مسبقا فتذوقته بفرح وظهر الارتياح على وجهها وشعرت بأمان اكثر فالمكان لم يكن مجهزا بالطعام من قبل ولكن اليوم بات كاملا متكاملا ، أى أنه أصبح يتوفر فيه المأوى والمأكل .
كانت تذهب وتجيئ عدة مرات أثناء اليوم تضع أحمالها وتقف بجوارها برهة ثم تقوم بإعادة وضعها ورصها بإتقان وبعد تفكير كأمهر مهندس، والتأكد انها فى المكان الصحيح ، وتلتقط بعضا من الطعام ثم تذهب مرة أخرى.. كنت أراقبها من بعيد دون إزعاج ، ودون أن تدرك هى أنى أراها فربما لو احست بمراقبتي لها فلن تضع أيا من أشيائها الثمينة هنا، كنت أرصد زياراتها عدة مرات أثناء اليوم ثم مرة أو مرتين قرب الغروب وتختفي ليلا ولا تأتي أبدا حتى فجر اليوم التالى.
فى ذاك اليوم كنت أطل من خلف زجاج الشرفة وتأكدت أن أشيائها التى وضعتها فى آخر زيارة لها لم تزد عن اليوم السابق، صار لها يومين لا تحضر وكأن المكان لم يعد يروق لها أو ان مذاق الطعام لم يعد بنفس اللذة السابقة ، أو كأنها فجأة استشعرت خطرا ما.
لا اعرف لماذا أحسست أن الجيران الجدد الذين سكنوا فى حينا الهادئ منذ ما يقرب من الستة أسابيع هم من تسببوا فى نفورها وعدم عودتها، فقد كانوا مزعجين للغاية وفى منتهى القذارة.
إلى أن جاء اليوم الذى رحلوا فيه بعد أن أحرقوا خيامهم التى بنوها أسفل العمارات واستخدموا المتفجرات بمنتهى الضراوة والغباء فلم يرهبوها هى فقط وإنما أثاروا الرعب فى قلوب صديقاتها اللاتي كن يسكن بالقرب منا يصوصن ويمرحن كل يوم ما بين طلوع الشمس والى قبل غروبها.
يمامتي الحبيبة ، تعالي .. إطمئني فقد رحلوا ، العش مرتب كما تركتيه تماما فى آخر زيارة فلم ينل منه الرصاص الذى أطلقوه عند رحيلهم ، والزرع فى حوض الزهور المجاور ينتظر لتأتي فتنقريه وتتغذين، ريشاتك البنية والرمادية التى سقطت من معطفك فى آخر زياراتك ، ترقد فى الحوض الذى بنيتي فيه جزء من عشك السعيد الدافئ لاستقبال بيضاتك الغالية، تعالي صغيرتي فلقد رحل الكائن المشوه الذى سكن الحي لفترة فأتى على الأخضر واليابس، وأعدك بأن الأمور ستعود لما كانت عليه من جمال وسحر وهدوء، وستزهر الورود فى الشجر ، تعالي فلم يعد هناك مكانا لضغينة أو مؤامرة أو غدر، فالحب كان كامنا لحين إنحسار الغمة، فتعالي ستجدين قلوبا مفعمة بالسلام ، وإقامتهم القصيرة لم تنل من الوئام والحب شيئا.
حين أطل على الحديقة فأشاهد آثارهم المدمرة ، بقايا شراشف لوثها التراب، بطاطين مهترئة ، حقائب بلاستيكية ، نعال وأحذية متسخة مقلوبة ومنها الكثير الممزق.. مواسير خضراء اللون كانوا يستخدمونها كعصي لضرب من يتعرض لهم أو يعارضهم، خوزات للرأس وقطع ملابس من كل نوع قذرة ومبعثرة فى كل إتجاه.
جف العشب الأخضر المخملي الذى كانت تملأ رائحته الشارع بعد أن يرويه حارس العقار بسبب طول الرقاد فوقه ودهسه بالأقدام الخشنة ، حزنت الشجيرات وتوقفت الرائحة العطرة التى كانت تحملها النسائم الليلية من أنفاس نبات مسك الليل، تلك الشجيرات الصغيرة التي كانت تواري عبقها الحريري مع قساوة ضوء الشمس ثم تتسلل بعد غروبها كعاشقة.. أوصدت نوافذها وحبست عطرها وعزفت عن بث عبيرها وكأنها تدرك أن إنبعاث العطر محرم عند كارهي الجمال والحياة .
حين أنصت للصمت والهدوء الذى عم المكان بعد رحيلهم وأتذكر اللغو وأحاديث الخرف التى كانت تصدع رؤوسنا طيلة الشهر ونصف الماضية شاملة شهر رمضان ، الشهر الذى كانت تتنافس فيه مساجد الحي وتتبارى فى جمال أصوات المؤذنين، وإذا بهؤلاء الأوباش لا يتوقفون عن بث صراخهم ونعيقهم فى الميكروفونات ويتنافسون على ارتفاع الصوت فيها لدرجة يصبح معها من المستحيل تفسير حتى ما يزعقون به. أحالوا حياتنا إلى جحيم فهرب اليمام والحمام والعصافير من الغابة التى تتوسط المنطقة السكنية والتى كانوا يستخدمونها كمرحاض كبير يتبولون ويتبرزون ويستحمون بها دون أي خجل ، حتى الغربان التى كانت تتجمع فى الصباح لتنافس جامعي القمامة وتخطف ما يتساقط منهم ، لم نعد نراها رغم إنتشار قمامتهم فى كل مكان. شيئ ما أحدثته هذه الجماعة ينفر حتى الطير، من الجائز ان يكون الكراهية التى تمتلئ بها قلوبهم أو إنعدام الرحمة والانسانية من عقولهم.
كيف أستعيد اليمامة مرة أخرى ؟ وهل يا ترى بعد ما سمعته من أصوات طلقات الرصاص وقنابل المولوتوف ستعود مرة اخرى لتكمل بناء عشها وتضع بيضها فى حوض الزهور المعلق فى مسند الشرفة ؟ لا أظن فالحروب دائما طاردة..!



#فاتن_واصل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إختفاء إبنة النور
- الخروج إلى النهار
- عزيزتى العزيزة
- للخلف تقدم.
- الطين ليس كالرمال
- سقوط النجمة الذهبية
- جليسة الوهم
- الرقص على الاحزان
- كائن فيسبوكى... LOL
- منافسة بدون منافس
- تعليمنا جهل وأمية
- لماذا يكره الله المرأة ..!!
- المرأة ، مواجع 8 مارس
- لدغة الاستلاكوما
- الشرطة تريد تغيير الشعب
- سيناريو ما بعد جمعة بنى سلف
- أيها الرجل .. سأتهمك باغتيالي
- قانون المطيرى للجوارى موديل 2011
- إعادة التدوير.. ومنال الشريف
- رد على ياسمين يحيى .. والفرق نقطة..!!


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - تأملات في بناء عش