|
حان الوقت كي نفكر بمصير سورية الواحدة
برهان غليون
الحوار المتمدن-العدد: 4183 - 2013 / 8 / 13 - 08:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
زاد الحديث في الأسابيع الأخيرة عن مخططات لتقسيم سورية، ونشرت خرائط على صفحات الانترنت وفي الصحافة، وبدأت بعض الأوساط الدبلوماسية والسياسية، المحلية والدولية، تجس نبض القوى الاقليمية والدولية بدفع بيادقها الأولى في هذا الاتجاه. ما يشجع على هذا المسار استمرار الحرب الداخلية منذ سنتين ونصف من دون أي أمل في الحل في المدى المنظور، وضعف الامل بحسم عسكري سريع، واعتقاد البعض من أصحاب المشاريع الجاهزة بأن الفرصة أصبحت مواتية لوضع الجميع أمام الأمر الواقع، بذريعة انقاذ ما يمكن إنقاذه في سياق تدمير الدولة الجاري من قبل النظام القائم، واتساع الهوة المتزايد بين مشروع الثورة الديمقراطية الاول ومشاريع دولة العراق والشام وأشباهها، وأخيرا تفاقم الفوضى وتوسع عمليات الاختطاف وانعدام الأمن بالنسبة للأفراد والجماعات.
يتفق هذا مع ما كان النظام يعد به السوريين ويتوعدهم. وما يقود إليه مشروع التدمير المنهجي للدولة ومؤسساتها من جهة، والتدويل المتزايد للأزمة السورية مع تدخل قوى اقليمية منظمة ورسمية في الصراع من جهة ثانية. كل ذلك يشير إلى أن سورية لم تعد حصينة ضد الاختراقات ولا منيعة في وجه التقسيم أو بالأحرى التقاسم بين الفرقاء والاعداء.
يتحمل المسؤولية عن ذلك رئيس النظام المارق الذي لم يتردد في التضحية ببلده والمخاطرة بدفعها نحو الكارثة إذا لم يرضخ شعبها لإرادته ويقبل بحكمه مهما كان. لكن يشاركه في المسؤولية المجتمع الدولي، ومجلس الأمن بشكل خاص، الذي أخفق في الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب السوري وتركه ضحية لطغمة همجية، وعديمة المسؤولية، ومستعدة لكل المغامرات. ولا ينجوا من المسؤولية من سموا انفسهم أصدقاء الشعب السوري الذين تفننوا في اختراع الذرائع والحجج حتى يمنعوا عن السوريين وسائل الدفاع عن أنفسهم وحسم المعركة لصالح الانتقال الديمقراطي قبل أن يستفحل الخطب وتغلق كل أبواب الاصلاحات والمصالحات والتسويات.
ومع ذلك، نحن ايضا مسؤولون. أولا لأننا قبلنا بأن نبقى مقسمين ومتنافسين، في صفوف المعارضة والثورة على حد سواء. وبدل أن نجتمع في قوة واحدة وقيادة موحدة قادرة على التفكير والتخطيط والتنفيذ المشترك وعلى مستوى الجمهورية بأكملها، اكتفينا بالعمل كل فريق في قريته أو بلدته أو مدينته، وتنازعنا على السلاح والذخيرة والموارد، ودخلنا ولا نزال متفرقين في مواجهة شاملة ومصيرية مع نظام واحد، وجيش واحد، ومركز قيادة موحدة، مجهز بكل وسائل الاتصال وببنية تحتية عسكرية تمكنه من تحريك القوات ونشرها في كل الاتجاهات. لم يمكن هذا الوضع النظام من تحقيق اهدافه وإسقاط الثورة، لكنه سمح له بالمقاومة والبقاء وكسب الوقت، وزاد من تكاليف الثورة ومن حجم الكارثة التي يتحملها شعبنا اليوم وسوف يتحملها السوريون لسنوات طويلة قادمة. قليل من الشعوب من دفع من أجل الحرية هذا الثمن الانساني والمادي الباهظ، وعاشه في لحمه ودمه وجرحه النازف.
لكن الفرصة لا تزال قائمة لتدارك أخطائنا. وليس المطلوب توحيد قوى الثورة والمعارضة والخروج نهائيا من منطق التنافس والاتهام المتبادل والتشكيك والتخوين فحسب، وإنما أكثر من ذلك التطلع نحو توحيد الشعب السوري، أفرادا وجماعات، ووضع الأسس والمباديء الكبرى والواضحة لتجاوز القطيعة والانقسام، بين التيارات والاتجاهات وجميع أطياف الرأي العام السوري، المذهبية والقومية، واستعادة الايمان بسورية الدولة والثقة بمستقبلها وخلاصها.
حان الوقت كي نتجاوز حساسيات الماضي القريب والبعيد، وأن ندخل في شراكة وطنية حقيقية تضم الجميع، وتوحد بين الجميع، وتساوي بينهم، من دون تمييز ولا تفرقة من أي شكل كان. وإذا نجحنا في أن تعود إلى هويتنا السورية ونعقد "صفقة" وطنية ترضي الجميع، سيكون بإمكاننا بسهولة أن نعقد "صفقة" مماثلة مع حلفائنا وخصومنا الإقليمين والدوليين. أمام هذا التحول الذي نضج في نفوس جميع السوريين، الذين أصبحوا بأكملهم ضحية للحرب المجنونة، موزعين بين شهداء ومشردين ومهددين بأرواحهم وممتلكاتهم، لا يوجد إلا عقبة واحدة، كانت ولا تزال المسؤول الأول عن دمار سورية وخرابها ومحنة شعبها، هي الأسرة الحاكمة والنظام الأمني الذي أقامته خلال عقود طويلة لانتزاع السيادة لها وحدها من دون سائر الشعب، وكان جوهره التفريق بين الجماعات واستخدام التنوع المذهبي والإتني الذي يثري هوية سورية، لتأليب بعضها على البعض الآخر وقمع واحدتها بالأخرى، واستعباد الجميع.
لا تقوم المصالحة الحقيقية على تنازلات جزئية، واعتراف بالخصوصية، او مراكمة قائمة المطالب الخاصة بالجماعات، ووضعها بموازاة بعضها البعض. لن يخرج عن مثل هذه العملية اي مصالحة، وإنما تكريس الانقسام والتقسيم، وتأجيل الحرب سنوات، بينما يستمر جمرها مستعرا تحت الرماد.
المصالحة الحقيقية تقوم على التفاهم حول مباديء عامة تضمن لكل فرد أن يكون مساويا للفرد الآخر، ليس في الحقوق والواجبات فحسب وإنما أيضا في الأمن والازدهار والتضامن والاطمئنان. وفي هذه الحالة سيكون تطبيق هذه المباديء في الممارسة العملية، ومن قبل أي حكم أو سلطة جديدة، والتزام الجميع باحترامها وتقديسها، بصرف النظر عن المدارس السياسية والاعتقادات الفكرية، هو الضمان الحقيقي لأمن الجميع والمساواة بينهم، ولوحدة البلاد والشعب.
لا ينبغي أن ننتظر حتى تنتهي الحرب كي نطبق هذه المباديء ونظهر ايماننا و التزامنا بها، وبالتالي ببدء عملية إعادة توحيد سورية والسوريين، وقلب اتجاه الاحداث لغير صالح الانقسام والتباعد المتبادلين. منذ الآن، يشكل سلوك الوحدات والمقاتلين والسياسيين والاعلامييين على الجبهات المفتوحة في مناطق الاختلاط، وهي تكاد تغطي سورية جمبعها، اامتحانا لإرادتنا ومقدرتنا على الارتفاع إلى مستوى المباديء المقدسة الكفيلة وحدها بضمان وحدة سورية أرضا وشعبا، ومستقبل شعبها وأجيالها الجديدة.
بمقدار ما ننجح في إعادة الثقة بقدرة السوريين على التفاهم حول مباديء اساسية، تشكل خطوطا حمراء أو محرمات، لا يمكن لاحد تجاوزها أو المساس بها من دون عقوبة رادعة، وكذلك في اقتراب نهاية المأساة، نستعيد قوة الجذب والاستقطاب للوحدة السورية، ونوقف آلية الانشقاق والافتراق التي لن تجر على أصحابها إلا المزيد من المآسي والنزاعات والحروب الداخلية والإقليمية. وأول هذه المباديء والحقوق المقدسة التي لا يمكن لسورية أن تعود دولة موحدة، بل دولة فحسب، من دون الالتزام القاطع بها وتطبيقها، هو مبدأ تقديس الحياة الانسانية. ولذلك أيضا لا يمكن لسورية أن تنقذ نفسها وتفوز بخلاصها إذا لم تخضع أؤلئك الذين استسهلوا هدر حياة الناس واستباحة دمائهم، للهرب من مسؤولياتهم والاحتفاظ بسلطتهم وامتيازاتهم، للمحاكم المختصة كي ينالوا قصاصهم العادل، وكي ما يتأسس على هذا القصاص النظام الجديد، ويقام على مبدأ تقديس النفس التي حرم الله، نظام الحق والعدل واحترام كرامة الانسان وحريته واختياره.
#برهان_غليون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصير الدولة السورية في عهدة بشار الصغير
-
لا يستحق جنيف أن يكون سببا في انقسام المعارضة
-
خالد بن الوليد الشهيد
-
عن الاحزاب الكردية والحكومة اللغم
-
من أجل تجنب المواجهة مع جبهة النصرة واخواتها
-
حمص الاسطورة لا تسقط ولا تموت
-
إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا
-
خسارة قمة الثمانية في لوخ ايرن ومسؤوليتنا
-
حتى لا يكون مؤتمر جنيف للسلام دافعا لتأجيح الصراع وإدامة الح
...
-
من المسؤول عن فشل الهيئة العامة للائتلاف في مؤتمر استنبول
-
في حتمية انتصار الثورة والتصميم عليه
-
لماذا ينبغي أن تبقى سورية واحدة
-
حول اتفاق كيري لافروف والمؤتمر الدولي للسلام
-
زعيم حزب الله يتوعد السورييين ويهددهم بالتدخل الايراني
-
حول موقف الغرب من الثورة السورية ومسؤولية المعارضة
-
حذار من الجري وراء سراب اوسلو جديدة
-
نحو مرحلة جديدة في مسيرة الكفاح الوطني السوري
-
عن العدالة الانتقالية والمحنة السورية
-
المسؤولية الدولية في بقاء النظام السوري المدان
-
الاتحاد من أجل الحرية
المزيد.....
-
أنثى فرس النهر الشهيرة -مو دينغ- تتنبأ بالفائز في انتخابات أ
...
-
طهران تعلن وفاة المواطن الإيراني الألماني جمشيد شارمهد قبل ت
...
-
أكثر من 130 منظمة وناشط حقوقي حول العالم يطالبون بفرض عقوبات
...
-
زاخاروفا تعلن استعداد روسيا للنظر في أي مقترحات أمريكية بعد
...
-
الجيش الروسي يؤمن طريقا حدوديا في مقاطعة كورسك (فيديو)
-
ترامب يهاجم بيلوسي: أرغب بوصفها بكلمة تبدأ بحرف B (فيديو)
-
حملة ترامب تعول على إقبال الناخبين والمقترعين -الصامتين-
-
الجيش المصري يعلن تحطم مروحية ومصرع ضابطين
-
مراسل RT: غارة إسرائيلية تستهدف مبنى في بلدة الجية في جبل لب
...
-
وزارة الدفاع البيلاروسية لا تستبعد لجوء المعارضة للإطاحة بال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|