أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عادل امين - ابو علي التركي (محمد شيرواني)















المزيد.....

ابو علي التركي (محمد شيرواني)


عادل امين

الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 21:50
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


يوم تعرفت على هذا الرجل كان في العقد الخامس من عمره، لكن جور الدهر ومعاناته كان قد تركَ بصماته على ملامح وجهه وهيكل بدنه، بحيث كان يوحي للمرء بأنه اكبر من ذلك بكثير، كان ذلك في بداية ثمانيات القرن الماضي، لم اكن قبل ذلك قد التقيته أو لي معرفة به، عند انتقالي الى القامشلي عام 1980 وتكليفي بالعمل هناك، بدأت اسمع به من قبل الرفيق جلال الدباغ (أبو محمود ) ، بأسم مستعار هو أبو علي وبلقب مضاف (التركي) وبأنه هوالرفيق المكلف بترتيب وانجاز مهمات الصوب التركي، أي استلام الرفاق وشحنات السلاح والأمور الآخرى لايصالها الى أيدي رفاقنا في المحطات الآخرى في جبال كوردستان تركيا ومن هناك في طريقها الى مقرات الأنصار في بهدينان، ولقبَ بالتركي لتواجده في تركيا، وفي فترات غياب الرفيق ابو محمود كنت انا أراسله وأنسق معه لأتمام تلك المهام وبهذه الطريقة تعرفتُ عليه ودون أن التقيه، كان يعيش في مدينة (نصيبين )التركية المقابلة لمدينة القامشلي السورية في بيتٍ سري وبهوية مزورة تحت اسم (صابرمحمد) وبمساعدة الأصدقاء من الأحزاب الكوردية في تركيا .
بعد الأنقلاب العسكري التركي الذي قام به كنعان ايفرين في 12 ايلول عام 1980، شددت الحكومة التركية من قبضتها على عموم الوضع في البلاد، من الأعتقالات والمداهمات والمطاردات ضد القوى السياسية اليسارية والقومية بشكلٍ خاص والقوى الديمقراطية بشكلٍ عام، مما ادت الى شلّ امكانيات اصدقاءنا من الاحزاب الكوردية هناك، وهذا بدوره اثر سلباً على امكانياتنا، فأصبحت تحركات ابو علي محدودة وتكتنفها مخاطر عديدة، وبالرغم من كل الحذر والتحوطات التي يتصف بها أبو علي وخبرته وتجاربه في العمل السري، إلا أنه في احدى المداهمات الروتينية للشرطة التركية، وبمحض الصدفة وقع في قبضة المخابرات، ودون ان تعرف المخابرات أي شئ عنه، عن شخصيته، عن موطنه، عن هويته السياسية ...الخ ، أو عن مهامه داخل الاراضي التركية كشخص مسؤول عن نقل الاشخاص والسلاح الى الحزب الشيوعي العراقي في كوردستان العراق، اعتقل فقط كونه شخص غريب ولم يكن لديه اوراق ثبوتية تدل على انه تركي سوى هوية (كيملك) التي بحوزته وكانت المخابرات تشك بصحتها .
خُضع ابو علي للأجراءات التحقيقية مع الضغوطات والتعذيب النفسي والجسدي لمعرفة شئ عنه، ادعى انه مواطن سوري وأصرّعلى ادعائه، ويملك هوية تركية مزورة بأسم صابر محمد وهو اسمه الحقيقي هرب من سورية الى تركيا لانه اتهم في حينها بقتل شخص سوري في قريته وخوفاً من أعتقاله واعدامه هرب الى تركيا، والآن يعمل هنا في البيع والشراء لتدبير وضعه المعاشي ( وكان هذا اتفاق مسبق معه في حالة تعرضه للاعتقال كي نعرف نوع افادته ) إلا ان المخابرات التركية كانت تشك في صحة روايته هذه، خاصة تزامن اعتقاله مع حدوث معركة في منطقة شرناخ الكوردية جرح فيها ضابط من الجندرمة التركية، كذلك تزامن مع اعتقال مجموعة من رفاقنا داخل تركيا ومعهم جوازاتهم الرسمية العراقية، وتم تسليمهم الى العراق، فحامت حوله الشبهات بأنه قد يكون عراقياً ومن المعارضة وينوي التسلل الى العراق، في تلك الفترة ، فترة الحرب العراقية ـ الايرانية ، كانت الحكومة التركية قد شددت بشكل عنيف من اجراءتها ضد المعارضة العراقية، سواء مضايقتها لحدودها مع العراق ومنع التسلل من واليها أوملاحقة الذين يتحركون داخل ارضيها، فحال وقعوهم بأيديها يصار لتسليمهم الى السلطات العراقية .
بعد أن يأست المخابرات التركية من الحصول على أي خيط يوصلها الى معرفة شخصية محمد شيرواني، وبعد قضائه اكثر من سنة في السجون التركية ولتخلص من هذا الضيف الثقيل والمشكوك بشخصيته وجنسيته واتجاهه السياسي وكانت تغلبها الظن أن يكون عراقياً، لذا قررت المخابرات تسليمه الى الشرطة التركية كي تقوم الأخيرة بتسليمه الى العراق، في نهاية عام 1981 تم اقتياده الى الحدود العراقية ليتم تسليمه الى العراق في نقطة (ابراهيم الخليل)، هناك ودون استجوابه رفض الضابط المسؤول عن المركز العراقي من استلامه لكونه يفتقد للمستمسكات الثبوتيه العراقية، وهكذا تمت أعادة محمد شيرواني الى سجن ديار بكر، يعلق محمد شيرواني على رفض هذا الضابط العراقي أستلامه، بأن الحظ لأول مرة في حياته يبتسم له حيث يبعث هذا الضابط ان يكون خفراً في ذلك اليوم وينقذ رقبته من حبل المشنقة، واودع ابو علي مرة آخرى سجن ديار بكر ليقضي فيه فترة آخرى من حياته، يقول اثناء اعادتي الى السجن شعرتُ كأني ولدتُ من جديد .
من خلال عناصر من الاحزاب الكوردية في تركيا، استمرت الصلات معه وهو في سجنه ، وجرت عدة محاولات لتهريبه من السجن إلا انها بآءت بالفشل، وضاقت بنا الحيّلُ ولم تبق إلا اللجوء الى الصيغ القانونية لأنقاذه، طالبنا من الحزب بمفاتحة الحكومة السورية لمطالبة الحكومة التركية تسليم ابو علي اليها لكونه قاتلاً وهارباً من وجه العدالة، لا سيما ان ابو علي ادعى لدى السلطات التركية كونه سورياً وان اسمه صابر محمد، وهو نفس الأسم المثبت في الهوية التي كانت بحوزته اثناء اعتقاله وفعلاً تجاوبت السلطات السورية مع الطلب، وقامت بالاجراء اللازم عبر الخارجية السورية للمطالبة به لأتهامه بجريمة القتل، استغرقت العملية عدة اشهر، طالبت الحكومة التركية بالاوراق الثبوتية السورية لهذا الشخص الذي يدعى صابر محمد، اتصلنا في القامشلي بالجهات السورية حول الموضوع، يظهر ان الاجهزة المخابراتية كانت على علم بذلك من خلال قياداتها وهم على الدراية بوجود ابو علي في السجون التركية، وكان العقيد محمد منصورة مدير المخابرات في محافظة الحسكة متجاوباً معنا، فأوعز الى احمد بدران ضابط الأتصال مع الاحزاب العراقية المتواجدة في القامشلي بتدبير كل المستمسكات الرسمية لمحمد شيرواني من دائرة النفوس في القامشلي، قمتُ بمتابعة ذلك مع احمد بدران، أُعدتْ الهوية بأسم صابر محمد ، ومن الطرائف ان امين السجل المدني رفض اصدار هكذا هوية لشخص غير مسجل في السجلات قيد النفوس وغير معروف اساساً، رجع احمد بدران واخبر رئيس المخابرات العقيد محمد منصورة برفض الموظف المسؤول باصدار الهوية، فما كان من رئيس المخابرات إلا ان يأمر احمد بدران بجلب الموظف هو وسجلاته واختامه الى دائرة المخابرات، فقام احمد بدران بتنفيذ مهمة جلب الموظف، وكان العقيد محمد منصورة مؤدباً جداً معه وأوضح له ان الأمر يتعلق بأمن الدولة واستضافهُ وجبة الغداء، أُنجزتْ الهوية وأُرسلتْ في نفس اليوم الى ايدي رفاقنا في دمشق لتأخذ العملية مجرياتها الروتينية .
مضت عدة اشهر ونحن نترقب ما تسفر عنها تلك العملية، في ربيع عام 1982 لا اتذكر التأريخ بالضبط أخبرني الرفيق جلال الدباغ بقرب تسليم ابو علي التركي الى الحكومة السورية، بعد ظهر احد تلك الايام ذهبتُ برفقة احمد بدران الى النقطة الحدودية السورية ـ التركية بين القامشلي ونصيبين، جاءوا بمحمد شيرواني وهو مقيد بالسلاسل وتحت الحراسة المشددة و بعد اتمام تبادل الكتب الرسمية حول الاستلام والتسليم فتحتْ قيود ابو علي من قبل الاتراك ووضعت القيود السورية في يديه والعناصر الحدودية السورية لا تعرف أي شئ عن الموضوع، وبعد ان اجتاز النقطة السورية الاولى التي هي نقطة الشرطة الحدودية، تقدم احمد بدران لأستلامه منهم لتجنب وقوعه بأيدي أمن الدولة والذين قد يرفضون تسليمه لنا في القامشلي و قد يُسفّرالى دمشق ليسلم الى رفاقنا هناك، وكان آنذاك المنافسة شديدة بين المخابرات العسكرية وأمن الدولة، داخل غرفة المخابرات ولأول مرة التقي به وجهاً لوجه فُتحتْ قيوده وبدأت تبادل القبلات وسط اندهاش عناصر المخابرات من هذا الاستقبال الحار لهذا الشخص الذي كان مقيداً قبل لحظات بالقيود السورية ايضاً وبالحراسة المشددة مع تحذير الأتراك بأنه مجرم خطير، عندئذ تم أستلام محمد شيرواني من قبلنا ، وبذلك انتهت محنته ومخاطر تسليمه الى العراق .

بعد ذلك أُرسل الى العلاج وفترة النقاهة في الأتحادالسوفيتي، وعند عودته انخرط في العمل مع الرفاق العاملين في القامشلي بنشاط وجهادية ، وبعد انتفاضة اذار ترك القامشلي ونُسب للعمل الحزبي في مدينته أربيل وكان قد تجاوز عقده السادس وعمل هناك بهمة عالية حسب ما ينقل عنه الرفاق الذين واكبوا العمل معه، الا ان الموت لم يمهله طويلاً ففارق الحياة إثر نوبة قلبية في مدينته أربيل وبذلك خُتمتْ حياته التي ابتسم له الحظ فيها مرة واحدة وترك خلفه سجلاً حافلاً بالعطاء .



#عادل_امين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذبَحوهٌمْ أصْلِبوهُمْ على نُطْعِ الحُريّة
- التفكير - المفكر - احمد القبانجي في الميزان
- العلمانية والأسلام وحقوق المرأة ( الحلقة الأولى )
- مرة أخرى - سمفونيا المرجعية - تعزف على جروح الشعب
- ستراتيجية التشخيص وايديولوجيا النجاح ( الفصل الاخير )
- مقتدى الصدر بين مهارات القيادة وصفات القائد
- البطاقة التموينية في سيناريو المرجعية الجديدة
- ستراتيجية التشخيص وايديولوجيا النجاح ... ( الفصل الاول )
- رسالة مفتوحة للأخ توفيق أبو خوصة
- سورية إسقاط ...أم إصلاح...؟
- انعقاد المؤتمر السادس لرابطة الانصار الشيوعيين في ستوكهولم
- نظرية المؤامرة... تنفض عن نفسها الغبار
- حركة الأنصار سينمائياً
- العراق المتوسط
- نعم لاتحاد الشعب...لكن‏
- الحزب الشيوعي العراقي والتحالفات المجدية


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عادل امين - ابو علي التركي (محمد شيرواني)