أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جورج كتن - المجزرة الأرمنية المنسية في ذكراها التسعين















المزيد.....

المجزرة الأرمنية المنسية في ذكراها التسعين


جورج كتن

الحوار المتمدن-العدد: 1193 - 2005 / 5 / 10 - 11:36
المحور: حقوق الانسان
    


في مثل هذا الوقت منذ تسعين عاما، بدأت أول وأكبر مجزرة في القرن العشرين لمحاولة إبادة أمة بكاملها، فاعتباراً من 24 نيسان من العام 1915 ولعامين كاملين بعدها أثناء الحرب العالمية الأولى سجلت أسوأ فصول التاريخ التركي الحديث بعملية التصفية الوحشية للأرمن في تركيا لاسباب قومية وطائفية.
أعطى طلعت باشا وزير الداخلية حينذاك الأوامر ببدء المجزرة ، بناء على قرار من حكومة الاتحاد والترقي التي أصدرت إنذاراً لجميع أفراد الشعب الأرمني بلا استثناء، المقيمين بغالبيتهم في الأناضول الشرقية، والبالغين ما لا يقل عن المليونين بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام، فقد أدين "جميع" الأرمن في بيان للحكومة التركية بأنهم أعداء داخليين خالفوا القوانين وقاموا بالتسلح بقصد الثورة ومساعدة الجيوش الروسية التي تخوض حرباً ضد تركيا، فالحكومة قررت معاقبتهم جماعياً وسوقهم إلى ولايات الموصل ودير الزور وحلب لإسكانهم فيها حتى تضع الحرب أوزارها.
البيان عملياً شرع للإبادة الجماعية، فعند خروج العائلات الأرمنية من منازلها في طريقها للمنفى تم قتل جميع الرجال الأصحاء وسبي النساء وترك الباقي للجوع والعطش أثناء الطريق لمئات الكيلومترات في مناطق صحراوية، وشاركت في الإبادة إلى جانب القوات النظامية عشائر تركمانية وكردية بتأثير التحريض العنصري الطائفي، مما أدى إلى قتل أو موت مليون ونصف أرمني أي ثلاثة أرباع الشعب الأرمني المقيم في تركيا منذ آلاف السنين، أما النصف مليون الناجين من الكارثة فقد توزعوا في الشتات في الدول القريبة والبعيدة، ليبلغ تعداد المنحدرين منهم حالياً أربعة ملايين، فضلاً عن ثلاثة ملايين أرمني مواطني أرمينيا السوفييتية التي استقلت حديثاً.
أن الادعاءات الرسمية التركية عن انضمام الأرمن في الحرب إلى روسيا ينفيها أن الإبادة الجماعية كانت خطة مبيتة منذ زمن، بدأت عملياً في عهد السلطان عبد الحميد مما اضطر الأرمن لقبول الحماية الروسية التي تلت مجازر سابقة ولم تكن سبباً لها، فبين عامي 1894 و1896 اندلعت مجازر ضد الأرمن بحجة سعيهم للاستقلال الذي سبقهم إليه اليونانيون والبلغار في البلقان، وكان يمكن لعدد القتلى في هذه المجازر أن يتجاوز ما وصل إليه - المائتي ألف- لولا تدخل الدول الكبرى الأوروبية لمنع استمرارها.
لم يتغير شيء بعد خلع السلطان عبد الحميد عام 1909 ومجيء سلطة الاتحاد والترقي التي اتبعت سياسة تتريك متطرفة تجاه جميع المكونات القومية والدينية للإمبراطورية، والتي رأت أن الأرمن أكبر عقبة أمام قيام تركيا "نقية"، وأن التطهير العرقي أفضل طريقة للوصول لذلك. ونال الأرمن في أول أعوام حكم الاتحاديين حصتهم في مجزرة أضنة، ثلاثين ألف قتيل، مما أدى لتدخل الدول الأوروبية لوقف الإبادة الجماعية، ألا أن جهودها تعطلت بعد اندلاع الحرب عام 1914.
أنكرت الحكومات التركية المتعاقبة حتى الآن وقوع المجازر وقللت من عدد الضحايا إذ لم تعترف بأكثر من 300 ألف قتيل كنتيجة "لانتشار الأوبئة!" خلال فترة الحرب، وأن الترحيل القسري كان من ضروراتها، خلافاً لشهادات العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين التي تدين السلطات التركية بتدبير العملية عن نية مبيتة، وخاصة أن المجزرة الأرمنية ترافقت مع مجازر وترحيل قسري للآشوريين من سريان وكلدان، ولليونانيين القاطنين للأناضول، كما أن الصحف المحلية التركية حينها كانت تتباهى بقتل "الكفار". أما بعد هزيمة العثمانيين ونزول قوات الحلفاء في الأناضول، فقد أنشأ السلطان مضطراً محكمة لمجرمي الحرب المسؤولين عن إبادة الأرمن ونفذ عدد من الإعدامات، توقفت نهائياً بعد اندلاع الحركة الوطنية التركية للتخلص من القوات الأجنبية.
المجزرة الأرمنية جرح جائر ودائم يلاحق الحكومة التركية خلال قرن بعد فشل جهودها لطمسها، وتزايد الدول والمؤسسات الإنسانية العالمية التي تعترف بها وتطالب بتصفية آثارها. وقد أثبت الشعب الأرمني إصراراً عنيداً بعدم التخلي عن حقوقه، فقد حول "المجزرة المنسية" لعنوان أنساني عالمي لا يمكن تجاهله، ففي كل مكان تتواجد فيه جالية أرمنية عملت بنجاح لدفع دول ومؤسسات للاعتراف بالمجزرة ومنها العدد الأكبر من الدول الأوروبية والبرلمان الأوروبي وكندا ودول أخرى. وفي الذكرى التسعين أقامت مهرجانات ومسيرات وأحيت المناسبة في عدد من بلدان العالم، وخاصة المسيرة العالمية إلى نصب الشهداء في يريفان كتعبير عن عدم نسيان الكارثة، الجرح المفتوح الذي لم يندمل بعد.
الأرمن من جهتهم أبدوا استعداداً للمصالحة أكثر من مرة شرط اعتراف تركيا الرسمي بالمجزرة والاعتذار للشعب الأرمني والتعويض عن مأساته معنوياً ومادياً، فالأرمن لا يعادون الشعب التركي والمشكلة مع السلطة التركية رغم عدم مسؤوليتها مباشرة عن المجزرة. أما تركيا فلا تستطيع التصالح مع ماضيها ومع الشعب الأرمني المجاور إلا بالبدء بالتخلي عن إنكارها الكاذب. لقد دعا رئيس الوزراء أردوغان الأرمن للحوار ولفتح الملفات والوثائق القديمة في أرشيف الحكومة، لكن هذه الدعوة لن تؤدي لنتائج إذا كانت مخططة مسبقاً لإظهار أن التفسير الرسمي للمجزرة هو الحقيقة الوحيدة.
إلا أنه لا يمكن فقدان الأمل بالحكومة الحالية التي أثبتت اعتدالها ورغبتها في حل جميع المشكلات العالقة مع الجوار وخاصة المسألة القبرصية، وأنها قد تعمل لتطوير هذه المبادرة للتقارب مع المطالب الأرمنية والدولية، وخاصة أن المسألة ليست فقط مبدئية أو أخلاقية، بل تتعلق أيضاً بمصالح تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي لا يمكن أن يتحقق دون حلها، بالإضافة للمسألة الكردية التي قطعت خطوات قليلة على طريق الحل رغم أنها أعقد بكثير.
المجزرة الأرمنية ليست الوحيدة في القرن العشرين، فقد تبعها مجازر عديدة ومنها التي قام بها الحكم الستاليني ضد شعوب روسيا، ومجازر هتلر التي اعترفت ألمانيا بمسؤوليتها عنها، وخاصة المحرقة اليهودية "الهولوكوست"، واعتذرت للشعب اليهودي ودفعت المليارات كتعويضات. بالإضافة للمجزرة الكمبودية في عهد بول بوت في العام 1978، ومجزرة تدمر وحماة وصبرا وشاتيلا وحلبجة والأنفال، وآخرها مجزرة راو ندا في العام 1994، وهي كلها وغيرها جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ومسؤولية المجتمع الدولي ألا يدعها تمر دون عقاب، للحؤول دون وقوعها في أماكن أخرى.
لا بد من قوانين دولية تلزم جميع الدول بالتدخل لوقف المجازر ومحاسبة مرتكبيها بصرف النظر عن المصالح التي تتذرع بها العديد من الدول للسكوت عن المجازر، فالأولوية للمصلحة الإنسانية الشاملة، علماً بأن أميركا تغاضت عن الاعتراف بالمجزرة الأرمنية لكي لا تتضرر مصالحها وتحالفها مع تركيا وغيرها من الدول، وإسرائيل أيضاً فضلت علاقتها مع تركيا رغم تعرض اليهود للإبادة ومعاناتهم من المتنكرين لحدوثها. كما أن الدول العربية والإسلامية، التي احتضن بعضها الأرمن الناجين، المتوجهة نحو الديمقراطية وتفضيل العلاقات الإنسانية بين الدول، لا مصداقية لتوجهها هذا، مع الاستمرار في تجاهل المجزرة الأرمنية وكافة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية قديمها وحديثها.



#جورج_كتن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يتسارع الإصلاح السوري السلحفاتي؟
- هواجس معارضين سوريين وعقدة عدم الاستقواء
- انعطافات هامة في حياة الأيزيديين
- الربيع السياسي السعودي
- الزلزال اللبناني - كرة الثلج الديمقراطية
- لكي لا تتكرر أحداث القامشلي
- المستقبل للليبرالية: سمة العصر
- أيمن نور بعد رياض سيف
- هل تنبع السياسة من صندوق الاقتراع أم من فوهة البندقية؟
- انتصاران عربيان للديمقراطية والسلام والتنمية
- عبر لبنانية برسم المعارضة السورية
- هل يقود إصلاح الأمم المتحدة نحو حكومة فيدرالية عالمية؟
- الحصاد الهزيل للإصلاح في -منتدى المستقبل-
- حلول جذرية لوقف التمييز ضد القبط
- انتهاء صلاحية الشعارات السياسية العربية للقرن العشرين
- لجان إحياء المجتمع المدني..هيئة أهلية أم حزب
- هل تدب الحياة في أوصال الديمقراطية الفلسطينية ؟
- المعارضة السورية بين الديمقراطية العلمانية والمحافظة
- الامازيغية والكردية صنوان
- محمد سيد رصاص وصب الماء الكردي في طاحونة المعارضة السورية


المزيد.....




- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جورج كتن - المجزرة الأرمنية المنسية في ذكراها التسعين