أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد حمزة - التعليم العالي العمومي المغربي : من التأزيم إلى التفويت و التسليع















المزيد.....

التعليم العالي العمومي المغربي : من التأزيم إلى التفويت و التسليع


محمد حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 22:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


«لا يمكن الحديث عن التحول الديمقراطي الحقيقي، أو الرقي بالذوق العام، أو إشاعة ثقافة حقوق الإنسان، أو بناء نظام اقتصادي متمكن وقادر على المنافسة، أو خلق الثروة، أو ضمان إشعاع البلد في محيطه الإقليمي والدولي… دون التأكد من أن المواطن يتمتع بتعليم جيد، والدولة تهتم وتدعم هذا التعليم، انطلاقا من سياسة عمومية متوازنة وخلاقة وفق استراتيجية مبدعة تمكن من تأهيل الموارد البشرية، التي يشكل التعليم والمعرفة والبحث العلمي أهم مداخلها».


لا أحد ينكر أن تعليمنا العالي العمومي أعطى للمغرب أغلب أطره و ساهم في " تحرير" البلاد، على الرغم من أن هذا التحرير لم يندرج في إطار تصور مجتمعي ديمقراطي حداثي متضامن . كما أن لا أحد يجادل أيضا في أن تعليمنا العالي العمومي يعيش اليوم أزمة بنيوية نتيجة الاختيارات الرسمية، التي لم تعتبر التعليم أولوية و لم تنظر إليه كاستثمار منتج و لم يحركه طموح نهضوي شامل. ففي مجال التعليم تظهر أعطاب برامج الاصلاح الرسمية، المرفوعة في بقية المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، حيث يعتبر التعليم أهم مجال تتجلى فيه أزمة الاصلاح اشامل للدولة و المجتمع.
فإذا كان اصلاح التعليم العالي يشكل مركز الثقل في الاصلاح الشامل للتعليم ككل و للدولة و المجتمع، فإن كل محاولات الاصلاح ،و لحد الآن، باءت بالفشل و لم تحقق أهدافها لأنها ظلت تقنية، بل تقنوية، انتجت مخططات استعجالية فارغة من محتواها بنفحة محاسباتية تجارية، كان من نتيجتها هدر المال العام بدون رقيب و لا حسيب، مع الاجهاز على المجانية و المس بالحق الدستوري في تكوين جامعي عمومي جيد، من غير اقصاء لجزء كبير من أبناء و بنات الشعب المغربي، و حرمانهم من فرصة التحول الى أطر مواطنة للمساهمة في بناء مغرب الغد، مغرب الديمقراطية و المساواة و العدالة الاجتماعية.
إن أزمة التعليم العالي مركبة ومأزومة، يفتقد أمامها صناع القرار إلى الإرادة الحقيقية في تجاوزها نحو منظومة تعليمية تحفظ الكرامة الإنسانية للمعنيين بها، وتؤهل المؤسسات المنتجة للمعرفة كمصدر أساسي لإنتاج النخب، وتقوية الاقتصاد وتأهيل مجالات التكوين.
فرغم الارتجاجات التي أحدثها الربيع العربي في البنيات الأساسية للمغرب الراهن، و رغم الانعكاسات المباشرة لحركة 20 فبراير على الحقل السياسي، و على رأسها إقرار دستور جديد و تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، و على الرغم من تنصيب حكومة جديدة يتبوأ فيها عضو سابق في النقابة الوطنية للتعليم العالي، منصب وزير التعليم العالي و البحث العلمي، فإن السياسة الرسمية المعتمدة في مجال التعليم العالي و البحث العلمي لم تتغير في مجملها؛ فالفضاء الجامعي لازال خاضعا لترتيبات عميقة تهدف " تصفية الجامعة العمومية " والقطاع العمومي لازال ينظر إليه من وجهة مالية صرفة، و البحث العلمي مجرد نشاط هامشي، و الكليات ذات الولوج المفتوح، فضاءات لحشر بنات و أبناء الأسر ذات الدخل المحدود، و هيئة التأطير و البحث مجرد مستخدمين " يثقلون " كاهل ميزانية الدولة.
إن التأزيم الذي تعيشه الجامعة الوطنية ،هو نتيجة لواقع تدبيري و مسؤولية ادارية وسياسية، حولت هذا الفضاء الاستراتيجي الى موضوع تدبير تقنوقراطي او إداري، بدل أن ينظر إليه كاستثمار استراتيجي و شأن تربوي تكويني علمي مجتمعي.
صحيح انه ليس كل شيء في تعليمنا العالي موضوع كساد و أزمة و فشل، فهناك جنود الخفاء الذين يقومون بالتضحيات الجسيمة، في كل المواقع الجامعية، من أجل الرقي بمنظومة التكوين و البحث، رغم كل الاكراهات المتعددة و ضعف الامكانات المادية والمعنوية.
فبدل وقف سياسة التهميش و التأزبم، لرد الاعتبار و الثقة للجامعة العمومية في عصر يتأسس على الانسان في علاقته بمجالات المعرفة و العلم و التكنولوجيا، نرى أن الحكومة تتبنى سياسة الهروب الى الأمام، بتهيئ الظروف المواتية لتسليع و خصخصة التعليم العالي، و بالتالي حرمان شرائح عريضة من بنات و أبناء الشعب المغربي من حق أساسي من حقوق الانسان، ألا هو حقه في تعليم عالي، مجاني و منتج و عصري. إن الرهان على التعليم العالي الخاص لحل أزمة التعليم العالي ببلادنا هو رهان فاشل، لأن فلسفة الجامعات الخاصة التي تقوم على الربح، فلسفة سلبية، تضر بالمجتمع و تهدف الى التخلص من مبدأ تكافؤ الفرص، تكرس التفاوت الاجتماعي و دخول الخدمة العمومية التعليمية الى عمل تجاري استثماري.
فإذا كانت فرص التعليم للجميع غائبة، في ظل ارتفاع كلفة التعليم الخصوصي، فإن هذه الجامعات الخاصة لن تخرج طلابا بمهارات و معارف تواكب متطلبات العولمة في الألفية الثالثة، بل طلابا مناسبين لسوق الشغل معززين بعقلية نيوليبرالية و قيمها، عبر إخضاعهم لإملاءات قوى سياسية و اقتصادية عالمية لا تمت بصلة الى التربية و التعليم؛ فالجامعات الخاصة تختار تخصصات فروعها وفقا لمعايير الربح و الخسارة، شعارها استثمار أقل بأرباح أكثر.
كما أن استخدام الجامعات الخاصة لأساتذة الجامعات العمومية، يهدد الجامعة الوطنية من جهة، ومستوى الأساتذة الجامعيين من جهة أخرى، لكونها في الغالب، لا تتكلف بالرفع من مستوى الكادرالإطار التعليمي و البحثي .
مخاطر الجامعات الخاصة هي مخاطر تؤثر على مستقبل البلد و تضرب العمود الفقري لها، و هم الشباب، فالعمداء في هذه الكليات يتم اختيارهم بمعايير غريبة للغاية، و هي مدى قدرة العميد على تحصيل الأموال من الطلاب.
و في هذا السياق يجب فهم البيان الاخير للجنة الادارية للنقابة الوطنية للتعليم الرافض للمنحى الحكومي الرامي الى تهميش و تأزيم الجامعة العمومية، و لتفويت التعليم العمومي للرأسمال المحلي و الأجنبي، وتهيئ الظروف المواتية لهدا الرأسمال للربح الخبيث والاستغلال البشع لأزمة المجتمع المغربي، والمنندد بانصياع الحكومة لضغوطات لوبيات الرأسمال الطفيلي، باعتباره يقتات من الأزمة، و ترفض بشكل قاطع استهانة الحكومة بصحة وسلامة المغاربة وتعريضها لمخاطر مؤكدة، حالا واستقبالا من خلال محاولة خصخصة التكوينات الطبية.
إن البيان الأخير للجنة الادارية، يعكس إرادة القيادة النقابية الجديدة للرجوع للخط الكفاحي النضالي، التقدمي الديمقراطي، للدفاع عن عمومية التعليم العالي و صد كل محاولات تسليعه و خصخصته، والمطلوب هو ببلورة برنامج نضالي استراتيجي يتمثل المخاطر التي تهدد الجامعة العمومية الوطنية كمرفق عام، لوقف الزحف الجارف نحو بلقنة الفضاء الجامعي، عبر الخوصصة والانفتاح الأعمى على استيراد النماذج و الجامعات الأجنبية، بما يكرس التفاوت الاجتماعي و يهدد التماسك الوطني.
إن المعركة التي تقودها النقابة الوطنية للتعليم العالي، بقيادة المكتب الوطني و المكاتب المحلية في كليات الطب، هي معركة ضد خوصصة التكوينات الطبية و تسليعها ، فعوض الاهتمام بايجاد حلول للإختلالات التي يعيشها التكوين الطبي الجامعي، من نقص في الموارد البشرية و كذا تقلص مجالات التدريس، تعتزم الوزارة الترخيص بطرق ملتوية و غير قانونية لخلق كليات الطب "خاصة"، مما سيؤدي حتما الى تخريب التكوين الطبي الجامعي بالمغرب و إفراغ الكليات الحالية من كفاءاتها العلمية عبر الهجرة الجماعية للأساتذة الباحثين إلى القطاع المؤدى عنه.
إن المرافعة العلمية و القانونية و الاجتماعية التي قامت بها القيادة النقابية باسم الاساتذة الباحثين في اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي، أفشلت سياسة المرور بالطرق الملتوية نحو خوصصة و تسليع قطاع التكوين الطبي والمعماري.
إن تأجيل المصادقة على اعتماد كليات الطب "الخاصة"و المؤدى عنها لا يعني أن لوبيات الخصوصة انهزموا، وهذا يتطلب تعبئة وطنية للأساتذة الباحثين و كل القوى الحية في البلاد للتصدي للمنحى الحكومي الرامي لتسليع و تبضيع التعليم العالي، لأن خطرخوصصة كليات الطب ، يسائل نوعية الأطباء الذين ستدفع بهم أرحام هذه التكوينات ، لأن هدفها الأساسي هدف تجاري محض، خال من أي جانب أكاديمي من شأنه تطوير واقع الطب في بلادنا، فبدل الرفع من الطاقة الاستيعابية لكليات الطب و الرفع من مجال التداريب الاستشفائية و زيادة عدد الأساتذة و تأهيل المستشفيات الجامعية الحالية، يتم الرهان على كليات "خاصة" كمدخل لتهميش كليات الطب العمومية و استنزاف لكوادرها، مما يهدد مستقبل الآلاف من الطلبة الأطباء.
و في الاخير ، ما هو جوهر الخلاف بين الوزارة و النقابة الوطنية للتعليم
العالي ؟جميع المؤتمرات النقابية أكدت على الدفاع عن جامعة عمومية،عصرية، جيدة و منتجة، و شعار مؤتمرها الأخير "من اجل تعليم عال جيد عمومي ديمقراطي و موحد" يؤكد على هذا المطلب. فبدل ان تسير الحكومة بسياستها في القطاع في اتجاه تدعيم هدا المطلب الاستراتيجي و فتح النقاش الشفاف و المنتج حول تأهيل التعليم الجامعي العمومي ليصبح أكبر شأن استراتيجي في الدولة والمجتمع و بلورة ميثاق مواطنتي حول الجامعة العمومية، نراها تخضع من جهة للامر الواقع اي لما ورثه من الحكومات السابقة ، بل و تجتهد في تقليص فضاء الجامعة العمومية و توسيع فضاء الخوصصة و التفويت للمؤسسات الاجنبية.
ان النقابة الوطنية للتعليم العالي كانت ولازالت تحذر من التطبيع مع واقع "التمييز الجامعي "القاضي بتوزيع الفضاء الجامعي الى مؤسسات "خمس نجوم "خصوصية و اجنبية ومؤسسات ذات الولوج الحر المتروكة الى امرها و المفتوحة على المجهول ، لذلك اكدت النقابة ولازالت على الواجب الوطني القاضي بالدفاع عن جامعة وطنية ،عمومية، تكون هي العمود الفقري لنظام التكوين العالي و البحث العلمي,
ان دفاع الوزارة عن استمراريتها في تطبيق النهج السابق القاضي بتركيز
" الميزالجامعي" في التعليم العالي ، لن يزيد إلا من تأزيم الجامعة العمومية ومن تم اقصاء لبنات و ابناء الشعب المغربي الراغبين في تعليم مجاني ،منتج ،جيد و عصري.



#محمد_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقابة الوطنية للتعليم العالي و ملحاحية البرنامج النضالي ال ...
- ثورات «الربيع العربي» وسؤال العقلاتية السياسية
- الحاجة إلى ابن رشد أم الحاجة إلى مجتمع المعرفة
- الحاجة الى عولمة ديمقراطية اشتراكية متحضرة
- الثورة المصرية و مخاض الانتقال الديمقراطي
- العدل و الإحسان و سؤال الحكمة الإنسانية
- من اجل جبهة وطنية للدفاع على الجامعة العمومية
- المطالب الديمقراطية لحركة 20 فبراير و شعار إسقاط الفساد
- العلم و المواطنة و دحض فكر-الكل لغز -
- الإصلاحات الديمقراطية و مجتمع العلم و المواطنة .
- إضراب هيئة التدريس و البحث و سؤال الجامعة الوطنية العمومية
- اليسار و أزمة المهام النضالية
- علم و مواطنة : تأملات حول العدالة و القانون
- حُراس الهيكل (تاج السر عثمان نموذجاً )


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد حمزة - التعليم العالي العمومي المغربي : من التأزيم إلى التفويت و التسليع