أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الكبير الداديسي - بعض قضايا الربيع العربي الجزء الأول















المزيد.....



بعض قضايا الربيع العربي الجزء الأول


الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)


الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 17:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في بعض قضيايا الربيع العربي
الجزء الأول
ذ.الكبير الداديسي

متابعة منا لما عاشة العالم العربي منذ اندلاع ثورة الياسمين بتونس ، والتي أشعل شرارتها الأولى الشاب البوعزيزي ، حاولنا رصد بعض تفاعلات رياح ما أطلق عليه( الربيع العربي ) على مختلف البلدان العربية في مقالات قصيرة بدل الوقوف موقف المتفرج المستهلك ، سنحاول جمعها تعبيرا عن بعض مواقنا من الأحداث كما بدت لنا ، وهي مواقف شخصية أملت زاوية النظر التي تابعنا من خلالها الأحداث لا ندعي فيها الحقيقة المطلقة، ولا نفرضها على أحد لقناعتنا أن لكل قراءته من جهة ولأن الأحداث لا زالت تتفاعل من جهة أخرى ، ولذلك فهي أقرب إلى الانطباع والقراءة الآنية منها إلى القراءة الأكاديمية العلمية التي تتطلب انتهاء الأحداث ، وبما أننا نتفاعل مع المستجدات نقدم للقارئ الكريم الجزء الأول من هذه القراءة - وهو عبارات عن مقالات سبق نشرها في مجلات وصحف - في انتظار إصدار باقي الأجزاء
الربيع العربي كاد يزهر اتحادا مغاربيا حقيقيا

في عز الحراك العربي حلت يوم 17 فبراير 2012 الذكرى 23 لمعاهدة مراكش التاريخية في غياب للزعماء الخمسة الذين هندسوا انطلاقة اتحاد المغربي العربي منهم من مات ( الحسن الثاني ملك المغرب ) ومنهم من قتل شر قتلة ( العقيد معمر القدافي ) ومنهم من طرد من السلطة ومن بلاده ( زين العابدين بن علي ) ومنهم من أطيح به في انقلاب ( معاوية ولد الطايع ) ومنهم من أجبر على تقديم استقالته فهجر السياسة عامة (الشادلي بن جديد ). الآن – وفي خضم مخاض الربيع العربي ،الذي اندلعت شرارته من المغرب العربي - تدير عناصر جديدة دواليب الحكم في دول المغرب العربي ، فهل تنجح القيادات الجديدة في إذابة جبل الجليد وإعادة الدفئ للعلاقات المغاربية ؟
سبقت لقاء مراكش يوم 17 فبراير 1989 لقات كثيرة كانت أولاها قبل حصول دول المنطقة غلى استقلالها وتبلورت الفكرة أوضح في لقاء طنجة في أبريل 1958 بين زعماء الحركة الوطنية لكل من المغرب والجزائر وتونس وتعددت اللقاءات وتنوعت وظل الاتحاد يراوح مكانه ، لا تدور عجلات قطاره فغطاها الصدأ ، وظلت هياكله و أجهزته التي تشكلت عقب معاهدة مراكش جوفاء وحبرا على ورق .وظل مشكل الصحراء أكبر عقبة تقف في وجه حركة هذا القطار.. كل الأقطار تعتبر الاتحاد خيارا استراتيجيا وتعرف إيجابيته وواعية بالفرص الضائعة في غيابة ومع ذلك ظلت عاجزة على إحيائه ..
في السنوات الأخيرة تغيرت معطيات كثيرة وعاد بعض الأمل في إمكانية إنعاش الجثة الهامدة للاتحاد ، المغرب مافتئ يمد يده للجزائر وظل يطالب بفتح الحدود منذ جلوس محمد السادس على عرش المملكة ، وظلت الجزائر تقدم في كل مرة مبرراتها في انتظار إنضاج الشروط ... لكن يبدو أن رياح الربيع العربي كانت كافية لإنضاج ما لا ينضج ... إذ تعدد التصريحات وتنوعت اللقاءات الثنائية وكثرت الزيارات : فقرر المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الجديد جعل زياراته الأولى خارج تونس إلى كل من ليبيا والمغرب وموريطانيا والجزائر ، وكانت أول زيارة لوزير خارجية المغرب الجديد نحو الجزائر ... وصاحبت هذه الزيارات تصريحات متفائلة فقال مراد مدلسي وزير خارجية الجزائر لقناة روسيا اليوم :(أن اتحاد المغرب العربي بات أمل الجزائر وكل المغاربة بدون استثناء وأن هذا الحلم الذي نحلم به منذ زمن أصبح اليوم ضرورة ). فيما شبه منصف المرزوقي دول الاتحاد بأصابع الكف الخمسة لا يمكنها إلا أن تعيش متكاملة ومتحدة وغياب أحداها تتشوه أو تعطل اليد
والواضح أن نجاح الثورة التونسية والليبية كان لهما كبير الأثر في إخراج الاتحاد المغاربي من سباته فالمغرب والجزائر كان في حاجة لم يتوسط بينهما وها هي تونس تقوم بهذا الدور بعد فشل دعوات الشرق والغرب .فنجاح ثورة تونس أخرج تونس من الحياد السالب إلى الحياد الإيجابي في الدعوة إلى التشبت بالمغرب العربي كخيار استراتيجي وهو ما عبر عنه المغرب سواء في دستوره الجديد أو عقب دعوة دول مجلس التعاون الخليجي المغرب للانضمام إلى مجلسهم ،وهي الدعوة التي قد يكون لها أثر في تليين الموقف الجزائري ...
كل الظروف الجهوية والعالمية كانت مواتية لانطلاقة صحيحة لماكينة اتحاد المغرب العربي المعطلة فالظرفية العالمية الراهنة لم تعد تؤمن إلا بالتكتلات القوية بعد انهيار مفهوم الدولة القطرية . فلا دولة في العالم بإمكانها اليوم مواجهة كل التحديات التي تعترض سبيلها لوحدها ، بل هاهو الاتحاد الأوربي اليوم يجد صعوبة كبيرة في تخطي أزمته رغم اتحاده ورغم الملايير التي ضختها الترويكا الأوروبية لحل أزمة اليونان
جهويا مطلب بناء اتحاد مغاربي قوي أصبح مطلب كل شعوب المنطقة ، بل سيكون أنشاء هذا الاتحاد أهم أسباب تحسين ظروف عيش السكان عامة وليس سكان الحدود فقط كما قد يعتقد البعض ، لأن تعطيله يفوت على الدول الأعضاء فرصا استثمارية هائلة ، ويفوت عليها حوالي نقطتين في معدل النمو، فدول المغرب العربي دول متكاملة بإمكانها تحقيق اكتفاء غذائي وتكامل اقتصادي وجعل المغرب الكبير وجهة سياحية هامة فبعد أن شيدت الجزائر الطريق السيار شرق غرب وبعد أن ربط المغرب وجدة بآكادير مرورا بأهم المدن المغربية بطريق سيار يمكن للسائح الأجنبي في سيارته العائلية تناول وجبة الفطور في تونس والمبيت بمراكش ويستفيد من جولة سياحية يرى فيه خمسة دول متمتعا بثلوج الجبال ورمال الصحاري وأمواج الشواطئ ... فإذا ألغيت الحواجز المصطنعة بين دول المنطقة بإمكانها أن تصبح من أهم الوجهات السياحية في العالم كما يمكنها القضاء على ظاهرة التهريب التي تضر باقتصاد كل الدول الأعضاء فتعطيل الاتحاد وإغلاق الحدود وفرض التأشيرة لا يتأثر به إلا الذين يحترمون القوانين والذين في حرية تنقلهم فائدة للآخرين ... وعدا ذلك يستفيد المهربون وتجار الممنوعات خاصة مع استحالة مراقبة حدود طويلة مفتوحة ..
إعادة الدفئ لاتحاد المغرب العربي بعد الربيع العربي في هذه الأجواء الباردة يعود بالنفع داخليا بتوثيق أواصر القربى والأخوة بين سكان الدول الخمس والمساهمة في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشتركة بانتهاج سياسة مشتركة تعمل على تحقيق حرية انتقال الأفراد والسلع ورؤوس الأموال ،وخارجيا بجعل المغرب العربي مفاوضا قويا في مفاوضاته مع الاتحاد الأوربي وقوة اقتصادية لها وزنها على الصعيد العالمي ، كان هذا هو الاعتقاد الراسخ خلال ثورة بركان الربيع العربي ، لكن ما أن هدأت العاصفة حتى عاد التوثر من جديد لعلاقة المغرب والجزائر وكان اقتراح إعادة النظر في وظيفة المينورسو وتوسيع اختصصاتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية لمجلس الأمن القشة التي أعادت التوثر إلى أعلى درجاته لتنطلق البروبكاندا وتبادل التهم ويبدأ أمل تحقيق اتحاد مغاربي بالتلاشي في الأفق
الربيع العربي جعل الجزائر تدعو إلى الوحدة شرقا وإلى الانفصال غربا

ظل الطوارق أو أمازيغ الصحراء شعبا مسالما حرا يرتع في الصحراء الكبرى يهتدي بالنجوم ويتداوى بالأعشاب البرية، يعيش على حليب النوق هائما بين مالي وليبيا والنيجر والجزائر وبوركينافاسو .. وكانت تحركاته منذ دحر الاستعمار خجولة لأنه كان يفتقر للاستقرار والمال والسلاح . ومعظم مطالبهم كانت اجتماعية أو ثقافية ... لكن تدخل الناتو في ليبيا وإسقاط نظام القذافي قدَّم للطوارق الهدية التي لم يكونوا يحلمون بها أبدا ،فبعد أن تكالبت القوى الغربية على" النظام الجماهيري " وبعد أن تنّــكر "بني يعرب " لملك ملوك إفريقيا وعميد حكام العرب لم يجد القدافي أمامه سوى الطوارق الذين أمدهم بالسلاح والمال والسيارات الرباعية الدفع وأغراهم بأمواله لحمايته من راجمات الناتو ومن شعبه الثائر، دون أن يدري أنه سيشعل المنطقة بنار قد يتطلب إخمادها سنينا ، وحتى بعد رحيله ستظل أسلحة القذافي - الذي طالما ساند بها حركات التمرد الأفريقية في تشاد وأنغولا وغينيا بيساو وإريتريا وموزمبيق وناميبيا وزيمبابو والبوليزاريو - مصدر إزعاج للذين كانوا جيرانه .
باندلاع ثورة الطوارق ، وبإعلان تأسيس دولة أزواد يوم 6 أبريل 2012، و وبعد انقلاب العسكر على السلطة في مالي يكتمل اشتعال كل الحدود الجزائرية : فحدودها مع المغرب متوترة بسبب البوليزاريو ، وحدودها في الشرق ملتهبة بسبب ثورتي ليبيا وتونس ، واليوم يكتمل الطوق بثورة الطوارق لِتُقفل في وجهها كل المنافذ سوى منفذ البحر ، وتوضع الجزائر في موضع لا تحسد عليه ، موضع قد يربك كل أوراقها في المنطقة ، ويجعلها تتعامل بمكيالين ، فإذا كانت استراتيجيتها هي مساندة الشعوب في تقرير مصيرها كما تدعي ـ وهي بلاد المليون شهيد– فإن العزف على هذه النغمة بات مكشوفا بعد وقوفها مع القذافي ضد شعبه الثائرها ، وتخليها عن شعار التمسك الأبدي بشعار مساندة الشعوب في تقرير مصيرها ..
إن ثورة الطوارق على حكومة مالي وإعلان تأسيس دولة أزواد من جانب واحد وضع الجزائر اليوم بين مفترق الطرق : فإما أن تسبح ضد التيار من جديد وتغني وحيدة خارج السرب العالمي وتعلن مساندتها للطوارق وتساند الحركة الوطنية لتحرير أزواد الذين قد يهددون وحدتها الترابية بعدما أصبح شعارهم هو تحرير بلاد الأزواد وغدوا يتطلعون لتأسيس دولة خاصة بهم وهم المنتشون بانتصاراتهم وتحريرهم لمدن في شمال مالي كما تساند كل حركات التحرر ( حسب زعمها ) والبوليزاريو خير نموذج حتى تبدو الجزائر منسجمة مع مبدأ تقرير المصير الذي تتشدق به كل حين... أو تعلن أنها مع وحدة الدول وترفض انفصال الطوارق عن مالي .. وتكون هنا مجبرة على إعلان تنكرها للبوليزاريو وتحفظ ماء وجهها وتبدو منسجمة مع نفسها : فلا يمكن أن تكون الجزائر مع الانفصال في الغرب ومع الوحدة في الشرق وإلا ستكون كسربروس الوحش المتعدد الرؤوس... أو كالأم التي تميز بين أبنائها من خلال التمييز بين أبناء ولاية بشار المدللين الذين يساندون إخوانهم من أبناء الرقيبات في" الصحراء الغربية " ودعم "حركة تحرير واد الذهاب و الساقية الحمراء.. وبين أبنائها المغضوب عليهم من سكان تمنراست المتعاطفين مع إخوانهم الطوارق في مالي ورفض الاعتراف بالحركة الوطنية تحرير أزواد..
إن الجزائر ولكسب ود الطوارق ظلت تتجنب إجراء انتخابات لممثليهم في مجلس الشعب: فإذا كان ممثلو الأمة الجزائرية ينتخبون ولهم وظائف محدد فإن النائب الممثل للطوارق في مجلس الشعب لا ينتخب ، وإنما يعين وتعطى له صلاحية الاتصال المباشر برئاسة الجمهورية وقد تصل صلاحيته إلى إمكانية تحويل الوالي "إذا لم يتماشى مع خصوصية المنطقة " .. لكن الظروف اليوم تغيرت فالطوارق الذين كانوا مجرد رعاة جِمال سُدَّج ملثمون أصبحوا بأسلحة القدافي محاربين أشاوس استسلمت أمام جبروتهم السلطات المالية المدنية والعسكرية وغدت مدن شمال مالي تتهاوى أمامهم تباعا وقد يطمعون في تجاوز تمبوكتو نحو بماكو ...
فهل تتعظ الجزائر وتستفيد من تحرك الطوارق بعدما أصبحت تشرب من مثل كأس البوليزاريو الذي ظل يشرب منه المغرب أزيد من 35 سنة لتعمل على حل مشكلتها مع المغرب ؟؟ خاصة وأن حدودها مع جيرانها أصبحت مصدر خطر عليها بعدما كانت إلى عهد قريب مؤمنة ، وسيزيد من تأزيم الوضع إمكانية تحالف الحركة الوطنية لتحرير أزواد مع القاعدة في المغرب الإسلامي ، مع إمكانية الانفتاح على مجموعة بوكو حرام في شمال نيجيريا وكل التنظيمات التي تتوحد معهم في الهدف بما فيها جبهة البوليزاريو مما يؤهل منطقة الصحراء الكبرى لتكون برميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة ، وتحويلها لأكبر تجمع للإرهابيين وتهريب الأسلحة والمخذرات..ويجعلها بالتالي مهددة في أية لحظة بتدخل أجنبي وحرب استباقية وسياسة تجفيف للمنابع ، رغم إعلان ثوار الأزواد أنهم حركة تحررية لا علاقن لهم بالقاعدة وهو ما تقوله البوليزاريو فهل تعاملهم الجزائر كما تتعامل مغ البوليزاريو ...
إن اختلاط الأوراق في شمال مالي وجنوب الجزائر يؤهل المنطقة للدخول في نفق يصعب الخروج منه ما لم يتم الإسراع بإخراج إتحاد المغرب العربي للوجود وتكثيف جهود كل من الجزائر والمغرب لحل المسائل العالقة بينها وعملها سويا ومواجهة المشاكل القادمة من الساحل والمتمثلة في ضرورة محاربة الإرهاب والتهريب والجاف والمجاعة والبطالة وضرورة توفير الأمن والاستقرار وإلا تحولت المنطقة إلى برميل بارود قد يزعزع شمال إفريقا وشرقها وغربها ، خاصة بعدما أصبح الدخل الأجنبي وشيكا مما، وفي حالة ما إذا وقع ستتحول الصحراء الكبرى إلى أفغانستان جديد،والكل يعلم أن القاعدة وحلفائها تنمو وتنتشر حيثما يكون تدخل أمريكا والغرب ، فالدخل الأجنبي سيكون لا محالة عاملا يدفع مجاهدو القاعدة إلى شد الرحال نحو شمال مالي لمساندة إخوانهم أمام الهجمة الشرسة المحتملة (للغرب الكافر وحلفائه ) وفي حالة تضييق الخناق عليهم قد ينتشرون في جنوب الجزائر وفي الصحراء الكبرى المترامية الأطراف فيصبح الإرهاب والتهديد لا حدود لهما

كيف أصبحت ليبيا الحديقة الخلفية لصراع المغرب الجزائر
أثارت الثورة الجزائرية وتقديم مليون شهيد ثمنا للحرية اهتمام العالم وقتئذن مما جعل الجزائر ونظامها تستغل شعار الوقوف إلى جانب الثوار وحركات التحرر في عدة بقع من العالم واستغلت هذا الشعار لإيواء ودعم حركة البوليزاريو ( التي تعتبرها الجزائر حركة ثورية ) مدعية أنها لا يمكنها التفريط في مبدأ (حق الشعوب في تقرير مصيرها ) لكن الغريب هو وقوف النظام الجزائري ضد الثوار في ليبيا فمنذ اندلاع الثورة الليبية والتهم توجه إلى النظام الجزائري بدعم ومساندة القدافي وكتائبه ، ورغم تسارع الدول والحكومات إلى الاعتراف بالمجلس الانتقالي، فالجزائر لا زالت إلى الآن تتلكأ في الاعتراف بهذا المجلس ، وتسعى إلى رفض هذه التهم بادعائها أنها (تلتزم الحياد وترفض التدخل في شؤون الداخلية للدول الشقيقة ) في مقابل ذلك تجعل الجزائر من الشؤون الداخلية للمغرب أهم محاورها السياسية مقدمة للبوليزاريو كل الدعم المادي والعسكري
الجزائر ترفض للاعتراف بالمجلس الثوري في ليبيا و تشترط على المجلس الانتقالي مقاتلة ومحاربة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لكي يحظى باعتراف النظام الجزائري ... في مقابل ذلك تتجاهل الدعوات الكثيرة التي وجهها لها المغرب من أجل فتح الحدود و التعاون في محاربة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة ومحاربة الهجرة السرية
وبعدما رفضت الجزائر عدة مرات وجود القدافي وأي واحد من أسرته على أراضيها ، جاء بيان وزارة الخارجية الجزائرية ليؤكد (إن صفية زوجة القذافي وابنته عائشة وابنيه محمد وهنيبعل دخلوا الجزائر صباح الاثنين 28-08-2011) وهو ما حدا بمجلس الثور إلى اعتبار ( إيواء الجزائر لأفراد من أسرة معمر ألقذافي عملا من أعمال العدوان) وقد طالب محمد شمام المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني الانتقالي الجزائر بتسليم عائلة القدافي لمحاكمتهم محاكمة عادلة فقد قال شمام ( إن المجلس يحذر الجميع من إيواء القدافي وأبنائه والسلطات الليبية ستتعقبهم في أي مكان للعثور عليهم واعتقالهم )
في الوقت الذي أبدت كل حكومات وشعوب شمال إفريقيا ( مصر تونس المغرب ) مساندتها للثوار تبقى الحكومة الجزائرية ضد طموحات شعبها المشبع بالفكر الثوري وقد يكون الموقف من نظام القدافي من بين الأسباب التي جعلت العديد من الجزائريين يحددون يوم 17 شتنبر موعدا للثورة في الجزائر فقد انتشرت على عدة مواقع وصفحات الفيس بوك إعلانات كثيرة مثل ثورة 17 سبتمبر الجزائر يوم الغضب على بوتفليقه /انتفاضة 17 سبتمبر 2011-لنجعله يوما للغضب في الجزائر ....ن المتتبع يجد نفسه أمام أسئلة محيرة من قبيل:
هل الجزائر بلد الثورة والثوار كما يحلو للنظام الجزائري تسمية بلادهم سيسمح لهؤلاء الثوار بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم ؟؟
ولماذا وقف النظام الجزائري إلى جانب كتائب القدافي وضد الثوار وهو الذي يدعى مساندة أي ثورة في العالم ؟؟
وهل الوقوف إلى جانب نظام القدافي هو مجرد تعبير عن الخوف من هبوب نسائم التغيير على الجزائر ؟؟
في مقابل موقف الجزائر كان المغرب ( وهو الذي عانى كثيرا من تراهق القدافي السياسي والعسكري )أكثر وضوحا وكانت سفارة ليبيا في الرباط من أولى السفارات التي تم نزع العلم الأخضر عنها .. ونظرا لموقف المغرب يبدو أن المجلس الوطني الإنتقالي ماض في اختيار أرض المغرب لاحتضان مقابلة ليبيا والموزمبيق في الأيام القادمة ، كما أن في إعلان المجلس الانتقالي رفض تدخل قوات أجنبية في ليبيا وإمكانية استضافة قوات عربية مباشرة بعد زيارة الفاسي الفهري وزير الخارجية المغربي لبنغازي احتمال طلب المساعدة من قوات الأمن المغربي لإعادة الأمن إلى ليبيا
وإذا حدث وتدخلت القوات المغربية لمساعدة ليبيا التي أعلن مجلسها الوطني الانتقالي أنه سيعمل على طرد البوليزاريو من المنتظم الإفريقي ، وإذا حدث ونجحت ثورة 17 شتنبر في الجزائر ستكون ضربة قاضية للبوليزاريو ويمكن لشعوب المغرب العربي أن تحلم بإنشاء الاتحاد على أرض الواقع بعدما عمل نظام العسكر كل ما بوسعه لإطالة أمد هذا الصراع الوهمي واستغلاله لتصدير أي توتر داخلي بدعوى الأطماع التوسعية للمغرب


الرببيع العربي يقلص دور المرأة
حكومة المغرب (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)

كان من النتائج المباشرة للربيع العربي تقلص عدد النساء في الحكومات الجديد فكانت حكومة الجزائر الأوفر حظا بثلاث وزيرات هن : سعاد بن جاب الله: وزيرة التضامن الوطنى والأسرة.وخليدة تومي: وزيرة الثقافة. و دليلة بوجمعة: كاتبة الدولة لدى وزير التهيئة العمرانية والبيئة والمدينة مكلفة بالبيئة.
فيما اقتصرت حكومة كل من مصر وتونس وليبيا على وزيرتين فقط : فضمت حكومة مصرن ووزيرة التأمينات الاجتماعية نجوى خليل، ووزيرة البحث العلمي نادية زخاري
واشتملت كومة ليبيا كلا من الدكتورة كاملة خميس عبد الله المزيني وزيرة للشؤون الاجتماعية و المهندسة إكرام عبد السلام باش أمام وزيرة للسياحة ، وكان نصيب نساء تونس وزيرة البيئة: مامية البنة ، وزيرة المراة والاسرة: سهام بادي
وكان منظرا أن يخلق المغرب المفاجأة وهو الذي شهدت حكوماته السابقة عدة وزيرات ، كما أن دستوره الجديد ينص على مبدأ المناصفة بين الجنسين ، هكذا وبعد حوالي 34 يوما من المشاورات تم الإعلان الرسمي عن تشكيلة الحكومة ، وإذا ما قورنت هذه الحكومة بسابقاتها يلاحظ أنها :
حكومة مكونة من 31 وزيرا مقابل 41 وزيرا بتونس و29 وثلاث نواب للرئيس بمصر ) ، وحتى إن تم تخفيض عدد الوزراء مقارنة مع الحكومة السابقة فإن عدد وزراء هذه الحكومة لم يكن كما كان يصرح رئيس الحكومة قبل وبعد تعيينه إذ كان يدعي تقليص عدد الحقائب إلى حوالي 18 وزيرا ، وهو عدد بعيد جدا عن عدد وزراء حكومة جيراننا في الشمال التي تشكت قبل قليل في اسبانيا ( 13 وزيرا) وحكومة سويسرا التي تضم ثماني وزراء) أربع نساء وأربع رجال (
حكومة مؤلفة من أربعة أحزاب (هي حزب العدالة والتنمية حزب الاستقلال حزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ) يختلط فيها اليسار(التقدم والاشتراكية) باليمين (االعدالة والتمية والاستقلال ) بالوسط (الحركة الشعبية )، مما يعكس خليطا هجينا وغير متجانس تسبب في تشتيت تحالفات تاريخية (الكثلة ) بإبعاد الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة وتحالفات حديثة ( 8G) باجتذاب الحركة الشعبية إلى الأغلبية ، وفرضت على وزير خلع جلباب الحزبية والتنكر لأصدقاء الأمس ( أخنوش) وخلق حالة استثنائية تبدو شبيهة بالترحال سياسي .التي يعاقب عليه الدستور الجديدبالحرمان من عضوية مجلس النواب .
حكومة احتفظ فيها ثماني وزراء سابقون بحقائب وزارية أربعة منهم غيروا حقائبهم هم مقابل ستة وزراء في مصر ، وعشرين وزيرا في الجزائر )
لكن الغريب وغير المنتظر هو أن تضم هذه الحكومة عنصرا نسويا واحدا وهو تراجع خطير لم يحدث قط طيلة عهد محمد السادس ، بل ومنذ أن عين الحسن الثاني أول امرأة في سلك الوزارة ، خاصة في ظل الدستور الجديد الذي عزز مكانة المرأة في أفق المناصفة ، فتعيين وزيرة واحدة في الحكومة الجديدة لا يتماشي مع وضعية المرأة في البرلمان ( أزيد من 12%) ، والأغرب هو عدم ترشيح أحزاب التقدم والاشتراكية والاستقلال والحركة الشعبية لأية امرأة على الرغم من توفر هذه الأحزاب على كفاءات نسوية خاصة حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية ، وحتى عندما فكر حزب الاستقلال بعراقته في اقتراح امرأة اقترح الغالي كنزة وهي امرأة ليست على نفس الكفاءة من الوزيرات السابقات ،وإن حاولنا البحث عن أي سند قانوني أو شرعي لتعيين امراة واحدة في هذه الحكومة فلن نجد خيرا من قوله تعالى ( وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ذلك أن أكبر ما يا يعترض هذه الحكومة (التي يترأسها حزب اختار له اسم العدالة ) هو العدل حتى وإن تولى حقيبة العدل وزير عرف بتمرده على وزارة العدل السابقة ونتمنى ان يكون اختيار وزيرة واحدة سببه الحرص على العدل وإن كنا شبه مقتنعين باستحالة العدل ( ولن تعدلوا ولو حرصتم )


ربيع الشباب حركة 20 فبراير نموذجا
انطلقت بوادر تشكل حركة 20 فبراير – كما هو الشأن لمختلف حركات الاحتجاج في العالم العربي – في العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي ، وتمثلت في عدة مجموعات لعل أهمها حركة ( حرية ديموقراطية الآن ) كأول حركة دعت للاحتجاج عبر إعلان رسمي صدر يوم الخميس 27 يناير 2011 قبل أن يصدر أول بيان يحمل اسم حركة 20 فبراير يوم 30 يناير 2011 تحت عنوان ( حركة 20 فبراير : من أجل الكرامة – الانتفاضة هي الحل ) وتشترك الوثيقتان في الدعوة إلى إصلاحات دستورية ومحاربة الفساد بمختلف أشكاله ( الرشوة المحسوبية ....) لكن بصدور الوثيقة الثالثة للحركة بدأ يظهر تأثير الهيآت السياسية الداعمة للحركة إذ تضمنت هذه الوثيقة المعنونة ب( الأرضية التأسيسية لحركة الشعب يريد التغيير) بعض أفكار وقضايا حزب النهج الديمقراطي وجاء إعلان 15 فبراير يدعو للخروج في مسير يوم الأحد 20 فبراير معنون ب (مسيرة 20 فبراير 2011من أجل الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وبعد ما ظلت البيانات والفيديوهات تظهر فيها وجوه شابة متعدد جاء يوم 16 فبراير في قاعة الندوات بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الطابق الأرضي من إحدى عمارات حي الليمون وسط العاصمة الرباط، بحضور عدد من الصحافيين ونشطاء منظمات المجتمع المدني والحقوقي، الذين حضروا حوالي الساعة الرابعة عصرا، في هذه الندوة وزع بيان بدا وكأن كوادر النهج الديموقراطي هي من سطرت مضامينه بل أكثر من ذلك لم يجلس على طاولة الندوة سوى خديجة الرياضي ورفاقها في النهج وفي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إضافة إلى أبناء مناضلي هذا التيار ( تهاني مضماض ابنة رئيس الجمعية بسلا /منتصر الإدريسي ابن خديجة الرياضي / كاميليا راويان ابنة أمينة بريدعة .وأسامة الخلفي ...)
والملاحظ هوالاختلاف الكبير في مواقف الأحزاب من الدعوة للتظاهر يوم 20 فبراير:
ففي الوقت الذي أعلنت فيه بعض أحزاب الأغلبية عن لا مبالاتها بحركة 20 فبراير : فقد أعلنت شبيبة حزب الاستقلال عما وصفته بالتحفظ على الشكل الذي تمت به الدعوة لأول تظاهرة يوم 20 فبراير كما أعلن حزب التجمع الوطني للأحرار عن تشبته بالخيارات الكبرى التي اعتمدها المغرب وجعلته في ريادة الدول العربية والإسلامية والإفريقية في مجال إرساء حقوق الإنسان ،داعيا إلى فتح نقاش وطني حول تمثيلية الشباب داخل المؤسسات البرلمانية ,كان حزب التقدم والاشتراكية أكثر وضوحا بإعلانه أنه لن ينخرط إلا في (الحركات السياسية والاجتماعية المنظمة والمسؤولة ..والهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية النابذة للفوضى وتحفظ الاستقرار الضروري لتحقيق التقدم ).... وقال سعد الدين العثماني إن حزب العدالة والتنمية غير معني بمسيرة 20 فبراير ....
في مقابل ذلك سعت هيآت إلى دعم الحركة وتبني أطروحاتها (حزب الطليعة / الاشتراكي الموحد / العدل والإحسان / النهج الديموقراطي / المؤتمر الاتحادي ...) إضافة لبعض جمعيات المجتمع المدني خاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
وجاءت مسيرة 20 فبراير التي اتخذت طابعا عنيفا في بعض المدن خاصة مراكش طنجة الحسيمة العرائش القصر الكبير.... خاصة مع تراجع قوات الأمن مما أسفر عن سقوط بعض الضحايا في الحسيمة وتخريب بعض الممتلكات العامة والخاصة واعتقال بعض الشباب

وبعد ذلك بدأت التنسيقيات المحلية في التشكل وغدا لكل تنسيقية برنامجها النظالي الخاص لا يربطها بما هو مركزي سوى تاريخ الخرجات والمسيرات وهذا نموذج للأنشطة المركزية لحركة 20 فبراير بمدينة أسفي
1. المسيرات 39 مسيرة أولها يوم 20 فبراير 2011 وآخرها يوم 13 غشت 2011 مع الإشارة أن بعض التواريخ نظمت فيها مسيرتان في اليوم الواحد تنطلق الأولى من آسفي الزاوية والثانية من آسفي بياضة وتلتقي المسيرتان في ساحة مولاي يوسف حيث تمتلأ مدرجات الساحة كما حدث أيام (20 فبراير – 24 أبريل – 12 يونيو – 17 يوليوز – 31 يوليوز) بل أكثر من ذلك نظمت ثلاث مسيرات في اليوم الواحد كما حدث في مسيرات ( 8 – 15 -22 ماي ) و مسيرة كل من 26 يونيو و23 يوليوز ) فيما عرفت باقي التواريخ مسيرة واحدة مركزية مع الإشارة أن المسيرات قد غيرت مسارها في المسيرات الأخيرة لتقتصر مسارها على شوارع آسفي الجنوبية ( الزاوية – القليعة – كاوكي – والكورس ...)
2. الوقفات ، نظمت تنسيقية 20 فبراير آسفي أربع وقفات حسب التواريخ التالية :6 مارس - و30 مارس 3 أبريل و فاتح ماي إذ اضطرت الأمطار المحتجين إلى التخلي عن مسيرة وتعويضها بوقفة احتجاجية
3. الاعتصامات نظمت تنسيقية آسفي اعتصامين الأول يوم 22 ماي والثاني يوم 17 يوليوز
مما جعل مجموع الآنشطة المركزية التي نظمتها الحركة بآسفي 39 نشاط مركزي.إضافة مجموعة من الوقفات التضامنية مع المعطلين ومع مجموعة من المناضلين الذين تعرضوا لتعسفات ...
كما نظممت الحركة يوما دراسيا حول واقع وآفاق الحركة يوم 06 غشت 2011 بمقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ينضاف إلى ذلك تنظيم عدة عروض حول تقييم التجربة واقعها وآفقها من طرف الهيآت الداعمة


رفع شعار إسقاط الفساد: أغرق المغرب في الفساد
صفق معظم المغاربة لشعار ((أسقاط الفساد)) واعتبروه شعارا متميزا عن الشعارات التي رفعت في عدد من الدول العربية ((أسقاط النظام )) وشعارا يعكس تمسك المغاربة بالنظام الملكي ولا يتصورون نظاما آخر يصلح للمغرب غير النظام الملكي
إن شعار ((إسقاط الفساد )) وجه بالأساس للإدارة والأمن والعدل ... وكان هدفه القضاء على المحسوبية والزبونية واستغلال النفوذ.... بهدف تكريس الشفافية والمحاسبة وتكافؤ الفرص ....
لكن الإنسان المغربي البسيط يلاحظ أنه منذ رفع هذا الشعار غدا المغرب يعيش نوعا من اللامعيارية والأنوميا بل وانعدام القانون .. وسيادة حالة من الشك والاضطراب واختلال النظام في المجتمع ...
فأين تتجلى بعض مظاهر هذه الأنوميا واللامعيارية في المجتمع المغربي منذ رفع شعار (( إسقاط الفساد ))؟؟
الفساد الكبير نتحدث عنه لا أحد يراه لأنه يدور بعيدا عن العيون ، وأحيانا خارج الحدود ، لكن الفساد الصغير الذي نتعايش معه كل يوم غدا ينمو ويتطور منذ رفع هذا الشعار حتى ليمكن أن نطلق على بلادنا في هذه المرحلة (بلاد تنمية الفساد ) ولنقرب القارئ من بعض صور هذا الفساد الذي تنمى وترعرع مع هذا الحراك الذي يعرفه المغرب نعرض الصور التالية وهي مجرد نماذج :
1. خوف المسؤولين من اتخاذ أي إجراء عقابي في حق المخالفين ، وعدم جرأتهم على تطبيق القوانين إذ أصبح المواطن يشعر أن كل مسؤول أصبح همه هو ((سل الشوكة بلا بدم )) وعدم استفزاز أي مخالف للقانون ، وبل أكثر من ذلك أصبح رجال الأمن يتعرضون في مواقف كثيرة للإهانة ولا يستطيعون الدفاع على أنفسهم ، وإن حصل ودافع أحدهم على نفسه اتهم بمختلف التهم واعتبر رمزا للتسلط والقمع حتى وإن كان ضحية ...
2. احتلال الملك العام في عدد من المدن المغربية انتشرت الأسواق العشوائية والباعة المتجولون وأصحاب العربات من بائعي الخضر والفواكه الذين أقفلوا العديد من الشوارع مما خلق فوضى عارمة في بعض الأزقة والأحياء ومنع سكانها من الشعور بالراحة بل منعهم من استعمال سياراتهم الخاصة أو ركنها بعيدا عن الحي الذي تحول بقدرة قادر إلى سوق تعج بالحركة والرواج ، كما منع أبناءهم من اللعب أمام منازلهم . فحالة البوعزيزي منعت كل صاحب سلطة من الاقتراب من أصحاب العربات ....
3. نهب الرمال : في عدد من المدن الشاطئية (ونحن ننطلق من مدينة آسفي كنموذج ) أصبحت شاحنات نهب الرمال تتجول في وضح النهار وقد غطى أصحابها لوحاتها ، كانت حركة هذه الشاحنات- التي قتلت العديد من المواطنين- تنشط بالليل أما الآن فأصبحت تتجول بالمدينة نهارا (بالعلالي) وبسرعة جنونية دون إظهار أرقام لوحاتها ، ونعتقد الظاهرة عامة في مختلف مدن المملكة ....
4. انتعاش البناء العشوائي : كل ما حاربته الدولة وكل المجهودات المبذولة في محاربة البناء العشوائي ورغم صدور قانون يجرم البناء العشوائي ويعاقب كل من زاوله أو ساهم فيه أو شجع عليه فإن المتجول في مدن وقرى المملكة يرى بأم عينه مدى الإقبال المتزايد على البناء العشوائي سواء في تغيير واجهات المنازل أو إضافة طوابق بل خلق أحياء عشوائية دون مراعاة تصاميم التهيئة أو تصاميم التنطيق أو التصاميم المديرية ... والأكيد أن الدولة ستجد صعوبة كبيرة في كيفة التعامل مع هؤلاء المخالفين لقوانين البناء والتعمير بعد تجاوز هذه المرحلة ...
5. ارتفاع معدلات العنف والجريمة : حتى وإن كنا لا نتوفر على أرقام ومعطيات حول الظاهرة فإن حواراتنا مع أصدقائنا وجيراننا وعامة الناس في الشارع يؤكدون هذا الارتفاع كما يؤكدون شعورهم بالخوف من المستقبل وعدم شعورهم بالأمن .ففي العديد من الأسواق تنتشر عصابات النهب والسلب واعتراض سبيل الناس أمام أعين المارة ، وفي حادث بسيط يعكس هذه الفوضى يحكي قابض إحدى حافلات النقل العمومي قائلا (( لا أحد في هذه الأيام يريد دفع ثمن تذكرة الحافلة باستثناء بعض العجزة ونحن أصبحنا عاجزين على مطالبتهم بدفع الثمن ، أحيانا كثيرة تتحرك الحافلة العمومية طول النهار ولا يتجاوز مدخولها المائة درهم ))
6. ارتفاع نسبة الاحتجاج وتعدد الفئات والتنسيقيات المحتجة حتى أصبح احتجاجها لا يثير اهتمام الناس ، هكذا تنوعت الاحتجاجات القطاعية وتجاوز الاحتجاج القطاعات الرسمية إلى فئات لم يكن أحد يسمع عنها حتى كاد يوم من يشهد تنظيم عدد من الاحتجاجات أو وقفات أو المسيرات أمام العمالات أو البلديات أو الولايات أو... وكثيرا ما تعطل عمل هذه الإدارات وتوقفت مصالح الناس بعدما يتجاوز الاحتجاج الوقفات والاعتصامات إلى اقتحام أو احتلال للإدارات
7. ارتفاع حوادث السير : فمع تراجع قوات الأمن وتركيزها على الاحتجاجات ، وغياب عناصرها عن معظم ملتقيات الطرق داخل المدن سيطر في المجتمع نوع من التسيب وعدم احترام قانون السير فالقليل من يحترم علامات المرور وحق الأسبقية وحزام السلامة ... والأرقام التي تطالعنا بها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير كل أسبوع غير دليل على هذه الفوضى
هذه بعجالة نماذج لبعض المظاهر التي عمت المجتمع منذ رفع شعار(( إسقاط الفساد )) مما يجعل المواطن يتساءل هل الهدف هو إسقاط الفساد أم تعميم وتنمية الفساد ؟؟ وإلى أين يسير المغرب إذا استمر الوضع على ما هو عليه

الشعار الديني بين تحقيق المطالب ودغدغة المشاعر

رغم كثرة الحديث والكتابة حول علاقة الدين بالسياسية واختلاف الآراء بين من يدعو إلى عدم تسييس الدين ويحذر من خطورة ذلك ، وبين من يدعي أن السياسية والحكم وتدبير الشأن العام هي أمور من جوهر الدين .. فلا يختلف اثنان اليوم في المجتمعات العربية الإسلامية حول وجود وأهمية هذه العلاقة ،باعتبار الدين يشكل في مجتمعاتنا وعيا جمعيا واجتماعيا ، ومنهجا أخلاقيا وموضوع اعتزاز وحماس للفرد والجماعة.ويمكنه أن يكون وسيلة للتحرر ومحاربة الفساد يتضمن في عمقه مضمونا احتجاجيا قادرا على احتواء أنين المضطهدين والمحرومين .. لذلك يبدو أن الحديث عن علاقة السياسة بالدين أمر محسوم فيه مادام الإسلام يشكل أهم عنصر في هوياتنا الوطنية والقومية .
لكن ما يتخوف منه بعض عقلاء السياسة هو أن تسفر هذه العلاقة عن زواج مصلحة ، وتستغل براءة الدين للوصول إلى السلطة ، لتنكشف آنية الزواج ومصلحة الساهرين على هذا الزواج الأبيض عندما يُلبس الشهود و القائمون على هذا الزواج الدينَ ألبسة تكشف عن مدى البون الشاسع بين الدين كقيم وأخلاق وعبادات وشعارات.. وبين الممارسة السياسية ومعالجة الملفات الاجتماعية ، خاصة عند غياب برامج تنموية حقيقية وعدم وجود كفاءات - لها قوة اقتراحية سياسية جريئة قادرة على تقديم قيمة مضافة لمجتمعات ينهكها الجهل والتخلف والمرض- لدى معظم الأحزاب " الدينية " في ا لوطن العربي ، اللهم شعارات عامة تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وإقامة دولة الحق ومحاربة الفساد ... كل ذلك تحت شعار عام ( الإسلام هو الحل ) وتقديم شخصيات فقهية "نقية" تمثل نموذجا للدين والتقوى وتحفظ شعارات مذغذغة للحواس والمشاعر تخفي العملي النسبي المصلحي والاجتماعي خلف المقدس المطلق الروحي الوجداني و الديني ، وهي مقتنعة بأن تلك الشعارات عاجزة عن إشباع معدة الجائع ، وإيجال العمل للعاطل... ومتجاهلة أن النتائج ستكون مخيبة للآمال عند إدراك حجم المسؤولية التي يحملها الشعار الديني و ما ستصبح عليه صورة رجل الدين عندما يجد نفسه في السلطة ، إن الصدمة وقتها ستخلق حالة من التصدع والاحساس بالاغتراب والتمزق بين عجز الرجل الدعوي الذي قد يبدو "قزميا" أمام التطور الهائل الذي يقدمه العلم كل يوم ،
لذلك ينتظر، ما أن ترجع القواعد إلى هدوئها وتستأنف تمييزها في الممارسة الدينية بين الممارسة الشعبية التي ستظل عامة الناس قاعدتها ، والممارسة الرسمية أو السياسية التي ستقتصر على الماسكين بزمام السلطة ، وتدرك أنها لا زالت في القاعدة وأن من كانوا بالأمس معها أصبحوا في القمة ، (ينتظر )أن تثور من جديد في وجه أحبة الأمس ( حكام اليوم )..
على الرغم من سعي السلطة الساسية الدينية الحاكمة دائما إلى كسب مصداقيتها من الممارسة الدينية الشعبية بتأييد مواقفها وإيجاد المؤسسات التي تؤطرها من مساجد وجلسات وخطب وقنوات ومجالس محلية جهوية ووطنية أو من خلال تبني شعاراتها وتجنب إعلان أي تناقض في القيم والمواقف والإديولوجيا بينهما، فإن أساليب العمل وتطلعات طبقات الشعب وطريقة تدبير الشأن العام وإكراهات الممارسة الرسمية ستكون كفيلة بتفجير الصراع داخل نفس المنظومة ..بين عدوين أزليين هما الحاكم والمحكوم وان اتفقا على الشعار ، ولعل هذا ما حدا بالجماعات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في كل من مصر تونس واليمن والمغرب إيهام الجماهير أنها لا زالت تمثل المحكومين وربما اعتقد بعضهم أنها لا زالت تمثل المعارضة ،وتقف إلى جانب المظلومين وأنها عازمة على اجتثاث فلول الفساد محاولة تصوير "المعارضة" بأنها فاسدة ومعرقلة لمسيرة التطور، وأنها هي طاهرة نقية .. متناسية أنها أن مقاليد البلاد والعباد أصبحت تحت سيطرتها وأنها صاحبة الحل والعقد و المسؤولة الوحيدة عن أي تباطئ أو تراجع اقتصادي ، ونظرا لخصوصية المرحلة ولإن الجماهير لا زالت مذهولة مما تحقق ، فهي تصدق وتقبل هذه الأدوار التي تلعبها الحكومات الجديدة وتقبل منها ما لم تكن تقبله من حكومات سابقة كالزيادة في أسعار المواد ، والتراجع عن المكتسبات ، والتخلي عن اتفاقيات موقعة (وثيقة العاطلين نموذجا ) ، وتقليص عدد الوظائف وإرغام الشارع بقبول ضرورة ترشيد النفقات وسياسة شد الحزام.... كل ذلك وغيره كثير مع جعل الجماهير تقبل فكرة التعلق بوعود معسولة لم يكن يثق بها أحد قبل أشهر، بعدما ملوا شعارات من قبيل الحصول على سكن وعمل وتطبيب .. يحقق للإنسان العربي كرامته ، وكرس قناعة لدى معظم الجماهير بأن ذلك من رابع المستحيلات.،
إن إكراهات تدبير الشأن العام تربك أي مسؤول عندما يقف على حجم االتطلعات ومحدودية الميزانية المرصودة مما سيقوي لديه سياسة التبرير ، واختلاق لوبيات التصدي ، ومهادنة الغاضبين المتبنين لنفس الإديولوجية ، ولكم في حوار راشد الغنوشي مع السلفيين ، ومغازلة بن كيران لجماعة العدل والإحسان ، وطلب محمد مرسي ود كل من السلفيين والأقباط ... ما يكشف بالملموس أن السلطة تغري حكامها وتجعل الفئة الحاكمة حمّالة أوجه تلبس أقنعة حسب المخاطبين للحفاظ على كرسيها ، فهي في حوارها مع الغرب تقبل التفتح وتؤمن بالتعدد والديمقراطية ، وفي حوارها مع السلفيين محافظة دينية هدفها بسط السيطرة على كل المؤسسات العسكرية والمدنية في أفق دولة دينية ، والجماهير في كل ذلك لا تريد وعودا ونوايا "حسنة "، وإنما تتطلع لمشاريع تنموية تخلق فرص شغل حقيقية .



ربيع الوعود : ستعمل الحكومة على ....
قراء في أول تصريح لحكومة المغرب


كثر الحديث حول التصريح الحكومي بين المؤيدين والمعارضين وتركزت المداخلات حول إبراز مزايا التصريح ونواقصه ، بين أغلبية تنوه وأقلية تنتقد ... ونحن في هذه القراءة سنركز على إبداء بعض الملاحظات على أفعال التسويف الموظفة في هذا التصريح ...
جاء التصريح مليئا بالأفعال خاصة الأفعال التي اتصلت بها حروف التسويف ( السين وسوف ) في البداية نقدم للقارئ أهم هذه الأفعال كما وردت في البرنامج الحكومي قبل إبداء ملاحظاتنا عليها :
ورد في البرنامج الحكومي أزيد من 45 فعل مضارع متصل بالسين تكرر أكثرها أكثر من مرتين : ( ستعمل، سيتم ، ستسعى، ستقوم، ستتولى، ستعتمد،ستعطي ،ستحرص، ستضع، ستتابع، ستشمل،سيركز،ستحضى، ستتمحور، ستجعل، ستركز، ستتصل، ستساهم، ستستجيب، ستتكفل،ستتفاعل، ستسهر، ستتوخى،ستبقى،ستقدم،ستوفر،ستنكبّ،،ستضاعف، ستكرس، ستستفيد، ستتمكن، ستتصل ...)
وقد حضيت أفعال بعينها بأهمية خاصة لعل أهمها فعل (ستعمل) التي تكرر ضمن عبارة ( ستعمل الحكومة على ...) أزيد من 140 مرة وفعل (سيتم) الذي ورد في التصريح الحكومي أكثر من 81 مرة إضافة إلى أفعال ترددت في البرنامج أكثر من عشر مرات وهي : ستواصل الحكومة، ستسعى ستقوم ...ومن الأفعال التي تواثرت أكثر من خمس مرات : ستعتمد ، ستعطى الأولوية إلى ، ستساهم ، ستسهر، ستجعل ، ...بالإضافة إلى استعمال (سوف) في أربع حالات (، سوف تعمل ..ثلاث مرات ، سوف تستجيب الحكومة.. مرة واحدة )
ينضاف إلى ذلك عشرات الأفعال التي تحمل معنى التسويف وإن لم تتصل بها السين مثل : تهدف إلى تسعى ، تتوخى ، تعتزم ، ... أو بعض المصادر والمشتقات مثل : العمل على السهر على ...أو عازمة على ...
مقابل هذا الكم الهائل من أفعال التسويف يكاد التصريح الحكومي يفتقد لتحديد الآليات والأدوات الكفيلة بأجرأة هذا التسويف وتنزيله لأرض الواقع ، مما جعل من التصريح الحكومي في معظمه عبارة عن نوايا وغايات عامة في حاجة إلى أفعال إجرائية ..
السؤال الآن هو لماذا هذا الكم الهائل من أفعال التسويف ؟ وما دلالة دخول السين على الفعل المضارع ؟؟
السين حرف يختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال ، إلا أن مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف. ويعتبر اللغويون ( السين ) حرف تنفيس ومعناها حرف توسع لأنها نقلت المضارع من الزمن الضيق وهوالحال إلى الزمن الواسع وهوالاستقبال. وهي إذا دخلت على فعل فعل محبوب أومكروه أفادت أنه واقع لا محالة،
لقد تجنب التصريح الحكومي استعمال عبارة سوف تعمل الحكومة وبالغ في استعمال عبارة ( ستعمل الحكومة) ربما لأن سوف أوسع زمنا من السين، وأن سوف ترتبط في الغالب بالوعيد أكثر من ارتباطها بالوعد رغم أن سوف تفيد التأكيد وتتحمل إضافة لام التأكيد في قولهم (ولسوف تعمل ...) وهي العبارة التي لم يكن لها أي حضور في هذا التصريح التسويفي ... كما تختلف السين عن سوف في الإعراب : فالسين حرف تنفيس وسوف حرف تسويف والتسويف في الثقافة العربية مشحون بدلالات سالبة ومذمومة أحيانا .. لما له من إحالات على تعطيل الأعمال وتأخير المشاريع وتهرب من أداء الواجب في وقته .وكثرة الوعد وقلة الوفاء.ففي الحديث :لعن الله المسوفة من النساء .. وتقول العرب : فلان يقتات السّوْف أي يعيش على الأماني .. ربما لهذا السبب – بقصد أو بغير قصد- لم تحظر كلمة سوف إلا ناذرا في التصريح الحكومي .. في مقابل ذلك ترددت السين مئات المرات وهي حرف تنفيس وكأن التصريح كان همه تنفيس الشعب والشارع المغربي المحتقن ،وقد يكون نجح في ذلك إلى حد بعيد ...
ورغم كثرة التنفيس والتسويف في هذا التصريح الحكومي ، نتمنى أن أن تكون بالفعل الأفعال المحددة تنفيسا وليست تسويفا ، لأن في نجاح هذه الحكومة في عملها نجاح للمغرب ، وفشلها فشل للمغاربة جمعاء ، نتمنى فعلا أن يشكل المغرب النموذج والمثال في محيطه القاري والأقليمي

انتخابات الربيع العربي
تخلق الانتخابات في الدول العربية،رغم اختلاف المواقف ، حراكا إقتصاديا ،نفسيا، سياسيا ، ثقافيا واجتماعيا ،فهي فرصة موسمية ليست متاحة دائما ، لذلك فهي تحتاج :لدراسة متخصصين نفسانيين يقاربون السلوك الانتخابي سواء للمرشح أو الناخب في هذه المرحلة الحرجة التي سترسم ملامح ترهن البلاد برمتها لمدة خمس أو ست سنوات ،ومقاربة الاقتصاديين يدرسون فيها الرواج الاقتصادي خلال مرحلة الانتخابات سواء في المطابع أو فرص الشغل التي يتم فيها توظيف شبان وشابات في الحملات الدعائية ناهيك الأموال التي تدفعها الدولة دعما للهيآت السياسية أو التي يصرفها المرشحون على حملاتهم دون الحديث عن الرشاوى وشراء الذمم أو التزكيات .....
لكننا سنقتصر في هذا المقال على سوسيولوجيا الانتخابات لنؤكد على بعض التمظهرات الاجتماعية المصاحبة للانتخابات مشيرين أن الموضوع مجرد مقال يتضمن محاور عامة كل محور قابل لأن يكون مجال بحث خاص كما يتضمن فرضيات عامة سنعود لتأكيد أو دحض هذه الفرضيات بعد إعلان النتائج:
تتميز الانتخابات في المغرب بخصائص وتفاعلات اجتماعية يتداخل فيها الديني بالاقتصادي بالسياسي بالأنتروبولوجي ويمكن مقاربة سوسيولوجيا الانتخابات في المغرب من خلال محاور كثيرة اهمها :
جغرافية الانتخابات بين القرية والمدينة : للجغرافيا دور هام في الانتخابات المغربية سواء في الحملات أو التفاعل مع أجواء الانتخابات ، فأجواء البادية غير أجواء المدينة ، ففي البادية يتم اغتنام الأسواق الأسبوعية المواسم والأعراس والمآثم لتمرير الخطابات وقد تتحكم في ذلك العلاقات العشائرية والقبلية خاصة مع اتساع مساحة الدوائر الانتخابية في ظل تبني الاقتراع باللائحة ، وغالبا ما يسود شعار ( انصر ابن قبيلتك ظالما أو مظلوما ) فتميل بالطبع والفطرة كل قبيلة إلى مناصرة ابنها على ابن القبيلة الجارة أو على المنافس الغريب وربما هذا ما يفسر ارتفاع نسب المشاركة في القرى والبوادي عليها في المدن والحواضر : كما يمكن التمييز داخل المدينة بين المركز والضاحية ، وبين الآحياء الراقية والشعبية
الأمية والانتخابات : تتجاوز نسبة الأمية في المغرب ثلث سكان المملكة حسب آخر إحصاء ،وتزداد هذه النسبة في صفوف كبار السن وهم الذين يمثلون القاعدة العريضة في الهيئة الناخبة ، بتخلي المغرب عن نظام الاقتراع الفردي المباشر واعتماد نظام القوائم وضرورة استعمال القلم في الاقتراع يبدو أن الأمية ستلعب دورها في نتائج الانتخابات ، فأكيد أن عددا هائلا من الناخبين (كبار السن في المغرب العميق خاصة ) سيجدون أنفسهم مجبرون على التعامل مع القلم لأول مرة في حياتهم وسيكون القلم أثقل من الفأس بين أناملهم ، وإذا أضفنا إلى ذلك تعدد اللوائح ( لائحة وطنية للنساء وأخرى للشباب وثالثة محلية ) سنعرف أن الأمية ستكون حجرة عثرة أمام الناخبين في اختيار مرشحيهم خاصة أمام تعدد الرموز ( 33رمز في كل لائحة = حوالي 99 رمز) يختار منها رجل أمي ثلاثة رموز ويضع علامة دقيقة في إطار صغير محدد دون أن يخرج على الإطار سيكون ذلك من رابع المستحيلات ، وهو ما يبشر بارتفاع نسبة البطائق الملغاة
مقاربة النوع بين المرأة والرجل الانتخابات في المغرب وفي العالم العربي انتخابات ذكورية بامتياز فعلى الرغم من كون المغرب من الدول العربية السباقة لإدماج المرأة في الحياة السياسية ، فلا زال حضورها محتشما ، وقلما تجرأت أحزاب على وضع امرأة على رأس لاوائحها الانتخابية من هذه الناحية تبدو اللائحة الوطنية للنساء والتمييز الإيجابي مقبولا رغم أنه يضرب مبدأ تكافؤ الفرض ورفض كل أشكال التمييز في العمق ، وسيكون للمرأة دور هام في العملية الانتخابية فهي غدت تمثل أكثر من نصف المجتمع ، ومن غير المنطقي أن يضل نصف المجتمع مشلولا
هل من دور للحملة الانتخابية : لا شك أن معظم المتتبعين للحملة الانتخابية هذه السنة مدركون أن أنها حملة باردة ، بل من السكان من لم يشعر بوجودها ، وأنها حملة تكاد تعمل في السر ولا ظهور لها على الشوارع لولا وجود بعض الأوراق تلاعبها الرياح في بعض ملتقيات الطرق أو بعض الأطفال الذين يستهويهم جمع قصاصات الأوراق وترتيبها واكتشاف صور بعض الوجوه والرموز ، وكأن الأحزاب اقتنعت أن وضع ملصقات ولافتات في الطرف وعلى واجهة البنايات لن يؤثر في الناخبين ، كما أن تجنيد الشبان وتكليفهم بتوزيع أوارق تضم وجوها ورموزا على المارة لن يغير في الواقع شيئا ، ولن يكون كافيا لإقناع الناخب بتغيير رأيه والاقتناع بالمرشح ، ربما لهذه الأسباب تكاد تكون الحملة الانتخابية عديمة الجدوى ، ولن يكون طبع الأوراق والملصقات وطبع صور المرشحين ورموزهم على الملابس والقبعات ... سوى تبذير للمال والجهد
التدخل الديني في الانتخابات العربية : على الرغم من كون العملية الانتخابية عملية سياسية صرفة ، وعلى الرغم من منع القوانين المغربية لتوظيف الدين لأغراض سياسية ، فإن للدين دورا أساسيا في الانتخابات المغربية مثلا ولعل أول تجل للدين في هذه اللعبة هو اختيار يوم الجمعة موعدا لجميع عمليات الاقتراع في الانتخابات الحديثة في المغرب ، يضاف إلى ذلك كون عدد كبير من اللاعبين السياسيين في هذه الانتخابات يعزفون من قريب أو من بعيد على وثر الدين سواء كانوا من الداعين للانتخاب ( حزب الاستقلال ، حزب الفضيلة وحزب العدالة والتنمية )أو من الداعين لمقاطعة الانتخابات ورفض اللعبة برمتها ( جماعة العدل والإحسان ) ومن تمة فللعامل الديني دور أساسي في العملية الانتخابية
المراهنة على الشباب : يراهن المتحكمون في خيوط اللعبة السياسية بالمغرب على الشباب باعتبارهم يشكلون قاعدة هامة في هرم الساكنة المغربية ، لذلك خفظ المشرع سن التصويت وسن الترشح ووضع لائحة خاصة بالشباب في محاولة لاستقطاب الشباب إلى ولوج غمار اللعبة السياسية ، لكن ليكون لكل هذه المحاولات إلا أثر ضئيل ما لم تشارك الأحزاب في تأطير الشباب وإعادة إحياء شبيبة الأحزاب كجمعيات فاعلة في الحياة السياسية ، واقتناع قادة الأحزاب بهذا الدور ، وهم الذين استفادوا من الفرص التي أتيحت لهم عندما كانوا شبابا : فمعظم قادة الأحزاب حاليا سمح لهم بالقيادة في شبابهم سواء من خلال تشجيعهم على الكتابة في جرائد الأحزاب أو ترأس شبيبة الحزب وتمثيله في الوطن وخارجه ، والاستفادة من التكوين والتأطير الذي يخوله الحزب لمنخرطيه ، ولما تولوا مسؤولية الأحزاب حولوا مقراتها إلى أوكار للدعارة السياسية الموسمية وهمشوا الشباب فأكثر الشبان لا يعرفون الأحزاب السياسية ولا يسمعون عنها إلا خلال مرحة الانتخابات مما أفقد الثقة بين الشباب والآحزاب ..كما أن معظم الشبان مقتنعون بميلاد طبقة جديد من التقنوقراط مؤهلة أكثر من غيرها للإستوزار والمناصب العليا أكثر من غيرها إما بسبب تعليمها أو بسبب علاقاتها لذا قد يكون الرهان على الشباب رهانا خاسرا ، فالشباب ليس مجرد أصوات انتخابية وإنما هو قضايا معاشة تتعلق بالتشغيل ،والتعليم ،والتنشئة الاجتماعية ووو
بين المقاطعة /العزوف : لن نتحدث في هذه النقطة عن العزوف أو المشاركة في الحياة السياسية ، لأن السياسة حاضرة بقوة في صفوف الشباب ونقاشاتهم واهتماماتهم ولكن سنقف على العزوف / المشاركة في الانتخابات إيمانا منا بأن الشباب واع بخيوط اللعبة السياسية ،وما نسبة المشاركة في انتخابات 2007 إلا دليل واضح على هذا العزوف ، وإذا حاولنا البحث عن أسباب عزوف الشباب عن الانتخابات فيمكن إرجاعها لى غياب كاريزم الحزب القادر على تقديم القدوة ، وغياب المثقف العضوي الفاعل والمؤثر في الشباب ، إضافة إلى كون فئة الشباب عرفت انتكاسات كبيرة راجعة إلى اختلاط الأوراق أمامها, وانتشار البطالة في صفوف الفئة المتعلمة منها , مما دفع بالعديد من الشباب المغربي إلى البحث عن ملاذ لم يكن سوى العزوف عن كل شيء , عن التعلم عن الرياضة وعن السياسية .. ومنهم من اختار العزوف عن الوطن كله وركوب قوارب الموت
البرنامج أم الشخص : على الرغم من تقدم31 حزبا للانتخابات التشريعية 2011بالمغرب فأن معظم المغاربة لا يختارون الأحزاب والبرامج الحزبية ، بل إن الكثير منهم لا يعير أي اهتمام لتلك الخطب الخشبية التي يتفضل أعضاء الأحزاب على إلقائها عبر الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية ، وهذا ما جعل معظم الأحزاب تتخلى على مناضليها ومثقفيها وتزكية شخصيات يعتقد أنها قادرة على كسب أصوات الناخبين إما لشهرتها أو لمالها أو مكانتها الاجتماعية ، فوجدنا منها من يرشح فنانين أو إعلاميين أو مقاولين مع شبه غياب للمثقفين ، كما أن عدة احزاب اختارت رؤساء الجماعات القروية لقناعتها ان هؤلاء الرؤساء يخبرون دواليب العلاقات في القرى مع التخوف من ضعف نسب المشاركة في المدن
هذا مجرد وصف لبعض جوانب سوسيو لوجيا الانتخابات في المغرب ولنا عودة بعد إعلان النتائج لمقاربة هذه المظاهر وتحليل النتائج

موعد الانتخابات في المغرب والمأزق السياسي والدستوري

بعد التصويت على الدستور لم يبق أما المغاربة سوى تفعيل بنوده وإنزال مواده لأرض الواقع ... وكا طبيعيا أن تتم انتخابات مبكرة وإلا أصبحت المؤسسات القائمة خارج التغطية ، ومنتهية مدة صلاحيتها لتعارض بعض بنود الدستور الجديد مع المؤسسات الحالية خاصة البرلمان بغرفتيه ...
بعد انتظار طويل ، وبعد أخذ ورد واختلاف وجهات النظر بين من يستعجل الانتخابات لإخراج المغرب من المخاض الذي يعيشه .. ومن يسعى تأجيل هذه الانتخابات ورفض التسرع ، وأخذ الوقت الكافي لإنضاج الشروط حتى تعكس هذه الانتخابات تطلعات الشعب المغربي .... بعد كل ذلك حدد موعد الانتخابات التشريعية في يوم الجمعة 25 نونبر مباشرة بعد عيد الضحى . وقد حدد هذا التاريخ بالتراضي بين قيادات حوالي 20 حزبا سياسيا ...
لكن السؤال هو كيف اتفقت كل هذه التنظيمات على هذا التاريخ ؟؟ وكيف سيتم التعامل مع المأزق السياسي والدستوري الذي سينتج عن هذا التاريخ ؟؟؟
في الدستور الجديد تفتتح الدورة التشريعية : الجلسة الأولى للبرلمان برئاسة جلالة الملك يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر فقد جاء في الفصل 65 من الدستور الجديد (( يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل.))
هذا يعني ان افتتاح الدورة التشريعية سيتم بأعضاء البرلمان الحالي والحكومة الحالية ، وأن القانون المالي سيقدم من طرف حكومة عباس الفاسي وستصادق عليه الأغلبية الحالية
في حين ان الدورة الثانية من السنة التشريعية التي ستفتتح في الجمعة الثانية من شهر أبريل 2011 ستكون بحضور برلمان جديد وحكومة جديدة وستكون الحكومة الجديدة مجبرة على تطبيق بنود قانون مالي صادقت عليه حكومة سابقة...
يبدو إذن أن اختيار تاريخ الانتخابات سيضع المغرب في مأزق سياسي ودستوري ، والمطلع على بنود الستور المغربي الجديد سيرجح إمكانية استئناف البرلمان الجديد لأعماله بعقد دورة استثنائية يتم فيها نسخ أعمال الحكومة والبرلمان السابقين ، ذلك أن الدستور الجديد يتيح إمكانية جمع البرلمان في دورة استثنائية فقد ورد في الفصل 66 من الدستور (( يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية، إما بمرسوم، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين. تعقد دورة البرلمان الاستثنائية على أساس جدول أعمال محدد، وعندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال، تُختم الدورة بمرسوم.))
وبالتالي فمن المرجح أن يستهل البرلمان الجديد أشغاله بدورة استثنائية يناقش فيها جدول محدد وتفتتح وتختتم بمرسوم ... وكان المغرب يعيش حالة استثناء أو طوارئ
والغالب أن هذه العجلة والارتجال سيعيدان نفس الوجوه السياسية رغم كثرة الدعوات إلى تشبيب وتجديد النخب السياسية بالمغرب
وإذا كان الدستور قد منع الترحال السياسي على المنتخبين ، وقرر تجريد كل عضو من صفته في حال تغيير انتمائه السياسي إذ جاء في الفصل 61 (( يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي، الذي ترشح باسمه للانتخابات،)) ....ولكن ماذا عن الذي يغير انتماءه السياسي قبيل الانتخابات فكثير من النخب السياسية ستغير انتماءها السياسي بحثا عن تزعم اللوائح الانتخابية
أما في ما يخص تجديد النخب السياسية فالأكيد ان النخب الموجود حاليا قد استأنست بالكراسي ولن تحيد عنها مهما كانت الخطابات ، لقد ألفت الرضاعة ويستحيل فطامها إلا بقانون يمنع على المنتخب البقاء في البرلمان أكثر من ولايتين أو ثلاث ولايات على الأكثر فثلاث ولايات تعني 15 سنة وهي مدة جد كافية ليترك المنتخب كرسيه لوجه جديد


الربيع العربي والقمم العربية

تستضيف العراق يوم الخميس 29 مارس 2012 القمة العربية وهي ثالث قمة تعقد ببغداد بعد قمة 1978 والتي شاركت فيها كل الدول العربية عدا مصر بسبب توقيع أنور السدات لاتفاقية كومب ديفيد مع إسرائيل وتقرر خلالها تعليق عضوية مصر ونقل مقر الجامعة إلى تونس ...
والثانية حملت رقم 12 سنة 1990 والتي لم يحضرها حافظ الآسد الذي كان في حالة عداء مع صدام حول زعامة البعث العربي وموقف سوريا من الحرب ضد إيران ... وبعد سنة من تلك القمة كان غزو العراق للكويت مما أدخل العالم العربي في دوامة لازال يعاني تبعاتها إلى اليوم ..
إثنان وعشرون سنة بين أخر قمة شهدتها بغداد وقمة اليوم ، أثنان وعشرون سنة شهد فيها العالم العربي أحداثا – يشيب لها الولدان - كان لها تأثيرها على العالم بأسره :
فإذا كانت قمة 1990 قد شهدت وحدة دولة عربية هي اليمن بحضور الرئيسين علي عبد الله صلح وسالم البيض وغياب حافظ الأسد ..فإن قمة 2012 جاءت بعد انقسام دولة عربية هي ( السودان ) وغياب بشار بن حافظ الأسد
تنعقد قمة بغداد إذن وقد تغيرت أشياء كثيرة في العالم العربي : تغير الملوك والرؤساء الذين حضروا قمة 1990 ،وتغيرت النظرة للعراق إذ كان الرؤساء والملوك يتسابقون على بغداد واليوم كثير منهم متردد في الحضور ومن حضر لن ينام في فندق الرشيد ولا في أي قصر من قصورها إذ تم اختزال القمة في نصف يوم يتيم تطبخ فيه الطبخة ويغادر كلٌ من حيث أتي وربما لن يتم توقيف محركات بعض الطائرات ..
كانت بغداد مركزا قوميا يرأسها حزب قومي يرفع شعار العروبة و لتوحيد العرب أولا ، اليوم العراق عاجز عن توحيد ذاته: ملل ونحل وعراك شيعي سني . والعرب غيروا جبتهم بعد انتصار الإسلاميين أصوليين وسلفيين ووهابيين ... وأصبح شعار العروبة باهتا ينبئ باحتمال إعادة النظر في مواثيق الجامعة وبرامجها وتغييرها من مواثيق قومية إلى مواثيق إسلامية دينية.
تأتي قمة بغداد إذن لتعن نفسها قمة استثنائية وقمة من نوع خاص ، قمة مختلفة عن كل القمم التي سبقت : فإذا كانت القمم الأربع وعشرون الماضية تجعل دائما فكرة الصراع مع الآخر هي المحور ( الصراع العربي الإسرائيلي / الصراع العربي الإيراني ...) فإن قمة بغداد اليوم قد لا تناقش صراع الآخر لأن الذات العربية مريضة و ليس فيما ما يصارع أحد ، ويا رب لن تجد القوة لتنظر لحالها ...
القمم السابقة كانت تنظم في جو من التنافس حول الزعامة بين الدول العربية الكبرى ( سوريا مصر العراق السعودية ..) وهذه الدول اليوم لديها ما يشغلها عن التفكير في الزعامة فسوريا على شفا جرف هار، والعراق لا زال ينفض عن جسده تراب وغبار تحالف دولي قضى على الأخضر واليابس ومصر لا زالت تلملم جراح ثورتها مما فسح المجال أمام دول قزمية للتطلع نحو الزعامة ...
عوامل كثيرة إذن تجعل المتتبعين يتنبئون بالسقف الذي قد لا تتجاوزه قمة بغداد ، فهي قد تتضمن كما هومعهود تنديدا بأعمال إسرائيل ، ودعوة لوقف العنف بسوريا لأن الكثير من الدول العربية لا زالت لم تحسم موقفها بعد من الثورة السورية ولم تعترف بالمجلس الانتقالي ... وعدا ذلك لا تعدو أن تكون مأدبة وحفلة للتعارف بين الحكام العرب الجدد الذين يحضرون أول قمة عربية وهم الأكثرية
دون نسيان أن هذه القمة تعقد في جو عراقي هش أمنيا رغم الحيطة والمقاربة الأمنية التي رصدت لها بغداد ميزانية ضخمة وتجاوزت حدود الحيطة إلى الشك في العديد ن المواطنين وملاحقتهم واعتقالهم وحال لسان بعضهم يردد ( اللهم أزح هذه القمة عن هذه الأمة )

لماذا كان الربيع في الجزائر خافتا

منذ اشتعال لهيب ثورات الربيع العربي بعد الشرارة التي تطايرت من البوعزيزي بسيدي بوزيد وسقوط نظام زين العابدين بن علي رشح المتتبعون هبوب نسيم هذه الثورات على النظام الجزائري وجعلوا عبد العزيز بوتفليقة على قائمة الرؤساء الذين قد تتهاوى عروشهم لأسباب كثيرة منها :
• اختفاء كل أبناء جيل عبد العزيز بوتفليقة من على الركح السياسي العربي فهو من جيل الحسن الثاني والملك الحسين وحافظ الأسد وحسني مبارك والقذافي ....
• استنفاد خطاب الشرعية الثورية التي بني عليها النظام الجزائري لمخزونه التاريخي وظهور جيل لا يكاد يرى في الشرعية الثورية التاريخية أية مشروعية ...
• قرب الجزائر فوهة البركان العربي ، فالثورات العربية انطلقت من حدود الجزائر الشرقية واكتسحت دول شمال إفريقيا شرق الجزائر ، والتاريخ يؤكد تأثر هذه الدول بنفس العبق كلما مر على إحداها والزحف العثماني خير دليل على ذلك ...
• موقف النظام الجزائري من ثورة ليبيا جعل المتتبعين يعتقدون أن الجزائريين المتشبعين بالفكر الثوري سيثورون على نظامهم المتحالف مع القدافي ضد الثوار
• استشراء الفساد في كل ثنايا النظام فالجزائر لها احتياطي مالي هام وعائدات البترول والغاز تذر على خزينة الدول الملايير من العملة الصعبة ومع ذلك تصنف الجزائر في رتب غير مشرفة في التنمية البشرية ومحاربة الرشوة والأمية مما عمل على انتشار رائحة فساد أثارت مشاعر الجزائريين وملف شركة خليفة الذي تورطت فيه شخصيات نافذة في النظام وملفات سونطراك التي زعزعت الشارع الجزائري خير مثال وما خفي أعظم فقد صنفت ترانسبراني الدولية الجزائر في المرتبة الـ 99، حيث حلت الجزائر بمؤشر(3.0)، ويتراوح سلم المؤشر المعتمد بين (10) التي تعني نظيف جدا، و(0) التي تعني فاسد جدا ....
• تحكم العسكر في كل دواليب الدولة مما جعل من المؤسسة العسكرية دولة فوق الدولة جنيرالاتها يوزعون موارد الاقتصاد في ما بينهم ويتحكمون في مفاتيح التصدير والاستيراد دون حسيب أو رقيب ....
• ضعف أنشطة الاقتصاد الجزائري واعتماده على المحروقات فالجزائر تحتل المرتبة 136 في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2011 الصادر عن البنك الدولي من بين 183 دولة، وذلك علاوة على ضعف إسهام القطاع المصرفي في تمويل الاقتصاد.....
أسباب كثيرة إذن كانت ترشح اندلاع الثورة في الجزائر قبل أي بلد عربي آخر لكن لا شيء من ذلك حدث ،ولازالت أركان النظام ثابتة في وجه كل رياح الربيع العربي إذن لا بد من وجود أسباب جعلت الجزائر بمنأى عما يقع عند جيرانها في الشرق ومن ذلك :
• الجزائر وشبيهاتها (قطر الكويت الإمارات والسعودية ) تتمتع بريع بترولي كبير قادرة على أن تشتري به الذمم والمسكنات، فبواسطة المخزون الاحتياطي من العملة تمكنت الجزائر من دعم المواد الأكثر استهلاكا، ورفعت من أجور جميع الموظفين ، وساعدت المستثمرين الشباب بقروض دون فوائد وإعفائهم من الضرائب لمدة ثلاث سنوات إضافة إلى تقديم معونات مالية للأسر المعوزة ....
• استفادة الجزائر من حماية أمريكا وفرنسا والغرب الذين عادة ما يغمضون أعينهم عن إنتهاكات حقوق الإنسان في الدول البترولية كماحدث في الجزائر سنة 1992. . والبحرين في خضم الربيع العربي لحماية هذه الثروة الطبيعية التي يُعدّ الغرب أول مستفيد منها ....

• الخوف من تدخل الغرب وفقدان الثقة في أي نوع من التدخل الأجنبي وأمثلة أفغانستان والعراق وما استشري فيهما من قتل وخرق لحقوق الإنسان ماثلة للعيان
• الجزائر قدمت ما يكفي من الشهداء والقتلى سواء في ثورة التحرير، أو ثورة 1988 أو خلال التسعينيات والإنسان الجزائري الحديث العهد بهكذا أحداث ليس على استعداد لتقديم المزيد من الدماء فالأرض الجزائرية تشبعت بالدماء ...
• وجود المغرب (الذي ينعم باستقرار سياسي نسبي) إلى غرب الجزائر يحرك في نفوس الجزائريين الرغبة في الحفاظ على استقرارهم خاصة وأن النظام الجزائري قد غرس في أذهان الجزائريين أن أي فوضى في الجزائر سيكون المستفيد الأول منها هو المغرب الذي يصوره النظام الجزائري بالمستعمر والتوسعي الساعي إلى التوسع على حساب التراب الجزائري ، وبذلك يكون النظام الجزائري مستفيدا من صراعه مع المغرب ويوظفه للحفاظ على توازنه وهذا ما يفسر تلكؤ الجزائر في حل مشكلها مع المغرب لأنها مقتنعة أنها لو فعلت ، ولو أقفل باب المغرب ( البعبع ) فإن الشعب سينقلب لمحاسبة النظام ، فمن مصلحة النظام في الجزائر الإبقاء على العلاقة متوترة مع المغرب والعزف على أوتارها في الظروف المناسبة ...
• دون نسيان محاولات النظام الإصلاحية لتلميع صورته والخطاب الذي ألقاه بوتفليقة يعد فيه الجزائريين بإصلاحات دستورية وسياسية ،مع فسح المجال لحرية التعبير والسماح بتعدد الأحزاب (في الجزائر أزيد من 30 حزب وأكثر من 78 جريدة خاصة ...) بعد إنهاء عمل الحزب الوحيد مما سمح للشعب الجزائري بالتنفيس عن مشاعره والتعبير عن آرائه
هذه بعض الأسباب في نظرنا التي أجلت ثورة الشعب الجزائري وجعلت الدعوات المتكررة على صفحات الفيس بوك والتويتر للتظاهر لا تلقى التأييد من كافة أبناء الشعب الجزائري ، واقتصر التظاهر على مظاهرات فئوية تهم قطاع التعليم والصحة ... دون أن تتوحد حول هدف واحد ومن تم لم تتصاعد الاحتجاجات في الجزائر بالشكل الذي عرفته الدول شرق الجزائر

محاكمة الرؤساء المخلوعين هل يجب قتل الأب المتسلط

إعلن مؤخرا على بداية محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك و قد وجد البعض في هذا الإعلان لذته في الانتقام من الحكام المخلوعين وتقديم رقابهم للمقصلة ، تحت تأثير الحماس والاندفاع ورغبة في أسكات الأصوات المتعالية وكسب ود وعطف الشباب الثائر. ....
لكن الصواب هو استخدام العقل ،والاحتكام للقانون ، نعم للمحاسبة .... نعم للمحاكمة ... لكن لا للقتل ...ولا للانتقام لأن القاتل /المنتقم سرعان ما يتحول إلى مجرم حقير حتى ولو قتل باسم القانون ....
والثورات التي تبدأ مسيرتها بالدم والقتل أكيد ستنتهي بالدم ...
فالحكام المخلوعون والآخرون الموجودون في لائحة الانتظار كانوا إلى وقت قريب رموزا تبح الحناجر هتافا لحياتهم ، ومنهم من شارك شعبه حروبه المقدسة ، حتى غذا البعض يعتبره أب الأمة ، فهل يحق قتل الأب حتى ولو كان متسلطا
المطلوب من الثورات ترسيخ دولة القانون . محاكمة المخالفين للقانون ، والمسؤولين على قتل الأبرياء وإصدار أحكام غير الإعدام وترك الطاغية وجها لوجه أمام القانون ... وأمام جرائمه تلاحقه كظله أينما حل وارتحل وقد يكون إعدامه راحة له ، لكن الإعدام سيحول الطاغية إلى رمز عند البعض
فماذا استفاد الذين أعدموا صدام حسين غير تحولهم إلى مجرمين جدد فيما ذهب صدام رغم جرائمه بكبرياء وعزة وأنفة ما كان سيحضى بها لو ترك حيا.....
مقتل القدافي بين رحمة القانون ووحشية الانتقام

بعد أن قتل القدافي وعمت الفرحة مدن ليبيا وغيرها لا بد من العودة لمناقشة مقتل القدافي . الأكيد أن معظم سكان العالم كانوا يتمنون التخلص من طاغية حير العالم يتظاهر بالفقر وهو من أغنياء العالم يدعي الجماهيرية ولا أحد يحبه ، يتنصل من السلطة ولا قانون يحكمه، يجاهر بالديمقراطية ولا مؤسسات في بلاده ...لذلك ساند أغلبُ الناس ثوار ليبيا الذين ما فتئوا يرددون تحقيق العدالة وتأسيس دولة الحق والقانون لكن صور مقتل الطاغية القدافي وما تناقلته مختلف الشاشات من سحب وضرب وتنكيل بالقدافي حيا وميتا وضع مئات من علامات الاستفهام حول مستقبل الثورة الليبية ومدى سيطرة المجلس الانتقالي على الثوار ، ومدى خضوع الثوار وانضباطهم والتزاماتهم بقرارات الانتقالي .... إن الانتقام والأخذ بالثأر ظل مرافقا لشعارات الثوار وتجلى قانون الأخذ بالثأر خير تجل في تعامل الثوار مع القدافي الأسير، تعامل أعاد إلى الأذهان سلوك الجاهليين الذين كان شعارهم (الدم لا يشفي منه إلا الدم )،فأسقطوا كل القيم الإنسانية ،والمواثيق الدولية والشرائع الدينية والقوانين الوضعية ، وغلبوا منطق الوحشية والبربرية الهمجية التي لا تعترف بقانون ،وقانونها الوحيد هو قانون الغاب والانقضاض على الفريسة وتمزيقها . لقد قدم الثوار صورة قاتمة عن قيمنا ""العربية والإسلامية ""، وبيّنوا للعالم أننا شعوب متعطشة للدماء في وقت تتجه الإنسانية نحو تكريم الإنسان : ففي الوقت الذي أسر فيه الغرب الذي ينعته أغلب المسلمين ب (الكافر ) صدام حسين واسروا ميلوزوفيتش وأسروا المسؤولين عن أحداث 11 شتنبر وغيرهم وقدموهم للعدالة لتقول فيهم كلمتها ... لكن ما أن ألقت الكواسر القبض على الطاغية القدافي حني غلب عليهم الحماس وغاب العقل والقانون ،إن الطريقة التي قتل بها القدافي تنبئ أن ليبيا قد تتحول إلى أفغانستان جديد حيث يهيمن القتل والعنف والانتقام خاصة والسلاح في يد كل من هب ودب ، مع غياب تام للمؤسسات فلا برلمان ولا أحزاب ولا سلطات ولا قضاء ... فالخوف كل الخوف هو تحول ليبيا لغابة تناحر يحكمها قانون الأخذ بالثأر الذي قد يصبح هو الشريعة المقدسة فتستل سيوف العشائر ويتعدد القتل والانتقام والثأر حتى يقض على النسل والحرث الغير موجود أصلا في ليبيا بعدما قضى الثوار على كل يابس وأخضر وغدوا لا يقبلون استعطافا ولا دية وتحولوا إلى مصاصي دماء وأكبر ما يهتمون به وينصتون إليه هو نداء الدم
وبما أن الثوار أطياف وملل ونحل سنحاول في هذا المقال إبراز أن قيام الثورة على الدم ، وتأسيس دعامات الدولة على القتل مؤشر سلبي ينبئ بدخول ليبيا نفق قد لا تخرج منه ولإظهار أن مقتل القدافي بتلك الطريقة خطأ يجمع بين تحريم الدين وتجريم المواثيق الدولية للانتقام من الأسير والتنكيل بجثته، فآخر صور لجثة القدافي تظهره وقد سملت أعينه وآثار نذوب على مختلف مناحي جثته لم تكن هذه النذوب عند مفارقته للحياه ...
إن اتفاقية جونيف بشأن معاملة الأسرى منعت الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، و الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، وألزمت الدول الموقعة على الاتفاقية ضرورة معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات. فحظرت اقتراف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ومنعت تعريض أي أسير حرب للتشويه و حمايتة في جميع الأوقات، وعلى الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير وحجزه في مبان مقاومة فوق الأرض تتوفر فيها كل ضمانات الصحة والسلامة,وأن تكون هذه الأماكن محمية تماما من الرطوبة، ومدفأة ومضاءة بقدر كاف، ...

وكذلك الدين الإسلام أخضع معاملة الأسير لضوابط وقوانين وحدد من لا يجب أسره. كما يكاد يجمع الفقهاء على ضرورة توفير الأكل واللباس للأسير وعدم تعذيب الأسرى فالله سبحانه وتعالى يعد الأسرى بالعفو والمغفرة إن كان في قلوبهم خير قال تعالى في سورة الأنفال: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) ، كما قرر الإسلام ضرورة إطعام الأسير وعدم تجويعه، وأن يكون الطعام مماثلاً في الجودة والكمية لطعام المسلمين، أو أفضل منه إذا كان ذلك ممكناً، استجابة لأمر الله تعالى في قوله في سورة الإنسان: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) كما حدد مصير الأسير في المن أو الفداء قال تعالى :(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا(
نحن هنا لا يهما استعراض بنود اتفاقية جونيف ولا سرد الأمثلة من القرآن والسنة على كيفية التعامل مع الأسرى وإنما كل همنا إبراز أن قتل القدافي بعد أسره والتنكيل بجثته وافتخار الفاعل بذلك عمل شنيع لا تقبله الديانات ولا الشرائع ولا القوانين ، إن افتخار المجلس الإنتقالي بالطريقة التي قتل بها القدافي وظهور أحد الثوار يعترف بأنه هو من أطلق النار على الطاغية دون أن ينتقد سلوكه أحد لدليل واضح على نوعية الدولة المرتقبة في ليبيا ... بالافتخار قتل أسير حرب أعزل يكون الرئيس الفرنسي ساراكوزي الذي قادت دولته طلعات حلف الناتو على ليبيا أرحم بكثير من الثوار لأنه في إعلانه قال ( لايمكن أبدا لأي أحد ان يفرح لمقتل إنسان ) في وقت يتفاخر اللبيون بقتله
إن قتل القدافي انتقام لا مبرر له سوى الحماس ودفن الكثير من الحقائق ...والعقل والمنطق كانا يحتمان الاحتكام للقانون محاسبة الطاغية وتمتيعه بمحاكمة عادلة ...
إن قتل القدافي جعل من المنتقم قاتلا ومجرما حقيرا حتى ولو قتل باسم القانون أو باسم تخليص اللبيين من طاغية ... وكل ثورة تبدأ مسيرتها بالدم والقتل أكيد ستنتهي بالدم ...والأكيد أن أسر القدافي ومحاكمته كان سيظهر المجلس الانتقالي في صورة مثالية يقدمون من خلالها للعالم وللطغاة درسا في القيم والقانون ...



الربيع العربي والمسألة الدستورية
مدى دستورية حكومة بن كيران في المغرب


أسالت حكومة عبد الإله بن كيران مدادا كثيرا ، وأثارت نقاشات كثيرة سواء مند إعلان نتائج الانتخابات التشريعية وتعيين الوزير الأول وانتهاء بإعلان التشكيل النهائية ، ورغم كل ما أثير حول هذه الحكومة تبقى إشكالية دستوريتها أهم هذه الإشكاليات ، فالحكومة الجديدة جاءت بهدف تنزيل الدستور فإذا بها هي أول من تخرق بنود هذا الدستور ، فأين يتجلى هذا الخرق ؟؟
قبل معالجة القضية نقدم للقارئ الكريم هذين البنودين من الدستور لتكون منطلقا ومرجعا للنقاش :
الفصل 87
تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة.
يُحدد قانون تنظيمي، خاصة، القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.
ويحدد هذا القانون التنظيمي أيضا حالات التنافي مع الوظيفة الحكومية، وقواعد الحد من الجمع بين المناصب، والقواعد الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية.

الفصل 88
بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.
يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب.
تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي.))

انطلاقا من هذين الفصلين يلاحظ أن الحكومة قبل مباشرتها لمهامها وتسلمهما لمقاليد السلطة التنفيذية يجب عليها أن تمر عبر ثلاث مراحل دستورية ضرورية :
الأولى وهي تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الذي احصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب ويبدو أن الملك خضع لقوانين الدستور واختار عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة .
النقطة الثاني هي عرض الحكومة على الملك وتعيين الملك للوزراء ، وعلى الرغم مما صاحب مرحة اختيار الوزراء من تجاذبات بين الأحزاب المشكلة للحكومة فقد كانت الأمر وفق بنود الدستور ، وإن تم إنزال عبد العزيز أخنوش في آخر مرحلة بعد تنكره للحزب وللقواعد التي انتخبته مفضلا البقاء في وزارة الفلاحة لابصفته السياسية ولا بصفته التقنية ولكن بصفته الاستثمارية راضيا بحكم الفصل 61 من الدستور الذي يقول (يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. )فاختار الاستوزار بدل البقاء خارج الدار ومع ذلك قد يجد الكثير لذلك مخارج دستورية .
المرحلة الثالثة وهي التي تهمنا اليوم ، هي مرحلة تنصيب الحكومة ، ذلك أن الحكومة في الدستور الجديد لا تكون دستورية إلا بعد
إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ، ومجلس المستشارين ) بعد أن تعرض عليهما البرنامج الذي تعتزم تطبيقه في مختلف المجالات وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية ، وأن يتعقب هذا العرض نقاش للبرنامج ومصادقة الغرفتين عليه
لذلك كان من الواجب دستوريا على حكومة بن كيران إعداد البرنامج الحكومي أولا قبل الجري نحو الكراسي وتسلم المهام مما جعل من الحكومة المعينة حكومة غير منصبة وحكومة تعمل في حالة شرود دستوري : مادامت تعمل وفق برنامج الحكومة السابقة ، ووفق القانون المالي لحكومة عباس الفاسي ، فأجرة الوزراء الجدد هذا الشهر وما بعده واستخلاص ضرائب السيارات ومختلف التعويضات والأجور والضرائب تتم وفق ما صادق عليه البرلمان والحكومة السابقين ، وأكثر من ذلك حكومة بن كيران ستقدم برنامجها الحكومي لغرفتي مجلس البرلمان وهما غرفتان مختلفتان : مجلس النواب منتخب وفق الدستور الجديد والأغلبية فيه للحكومة المعينة ، بينما مجلس المستشارين مشكل وفق الدستور القديم ، والأغلبية فيه ليست للحكومة المعينة ، فإذا كانت الحكومة تضمن المصادقة على البرنامج الحكومي في مجلس النواب فماذا سيكون مصير هذه الحكومة إذا ما رفض مجلس المستشارين البرنامج الحكومي
يبدو إذن أن فرحة حكومة بن كيران بتعيينها ونجاحها في مفاوضات الاستوزار قد أنساها بعض فصول الدستور ، بل أكثر من ذلك سارع مجلس الحكومة لعقد أولى جلساته ، وتسابق الوزراء المعينون على الكراسي وتسليم المهام ، وربما منهم من بدأ بتوقيع قرارات قبل حصول الحكومة على ثقة البرلمان وقبل أن تكتمل شرعية وزرائها .
دون نسيان أن الفصل 87 ينص أيضاعلى صدور قانون تنظيمي خاص ب بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها ولحد علما أن هذا القانون لم تتم صياغته والمصادقة عليه بعد ، كما يمنع نفس الفصل الجمع بين المناصب ومعظم الوزراء المعينون لازالوا برلمانيين وبالتالي يجمعون بين منصب وزير ومنصب نائب برلماني .

الخلاصة هي أن الفقيه الذي ننتظر بركته دخل المسجد ببلغته ، الحكومة التي ننتظر منها تنزيل الدستور كانت هي أول من افتض بكرة هذا الدستور ، وكان يستحسن أن تستمر حكومة تصريف الأعمال في مهامها إلى أن تنتهي الحكومة المعينة من إعداد برنامجها الحكومي وتنال ثقة البرلمان بغرفتيه وتكتمل شرعيتها قبل تسلم الوزراء الجدد لمهامهم

من البنية التبعية إلى البنية العبودية
أن تموقع العالم العربي في وسط خريطة العالم جعله يعيش في بؤرة الأحداث العالمية مند القديم ، وقدر له أن يدفع ثمن الصراع بين الفرس والروم قديما وبين الشرق والغرب حديثا وأن تمكن في مرحلة تاريخية من إضعاف طرفي الصراع فكاد يتسيد العالم وكاد يوحد طرفي المعادلة ، بعد أن شكل حلقة وصل واكتفى بلعب دور الوسيط لعقود طويلة دون أن يتمكن من بناء بنية اقتصادية تجعله يجابه الهزات الاقتصادية والسياسية، لذلك ما أن جعلت النهضة والثورة الصناعية و اكتشاف العالم الجديد ... الغرب في غنى عن وساطة العربي حتى أصبح العالم العربي لقمة سائغة بين فكي الحركات الاستعمارية ، وأرضا مؤهلة لتقبل أي استعمار ، ومع ذلك توسل الغرب بكل الوسائل (التنصير، الاستشراق ،الماركونتيلية ...) لاتخاذ الاحتياط اللازم واستهداف مواطن الضعف ... لقد كان الصراع عاما والمعركة شاملة و أمام عجز الواقع العربي اقتصاديا ،عسكريا وسياسيا تم توجيهه نحو الصراع الإيديولوجي فقط ، فحصر دفتي الصراع بين الاسلام والمسيحية وما تفرع عن هذه القضية من مشاكل القيم والتراث ومحاولة دحض فكرة أن التراث العربي ليس سوى نسخة للتراث اليوناني ، فوجد نفسه في موقف المدافع عن تراثه وقيمه ، بعد أن تغلغل الاستعمار ، ونهبت الثروات ، وصار العالم العربي حلقة تابعة لبنية مركزية متحكمة في الإنتاج والغذاء والتقنية والعلم ... مع خلاف كبير بين بنية مركزية الانتاج عندها وليد الحاجة ، العلم والتقنية ورأس المال في خدمة الإنسان ، وبنية تبعية مستهلكة يفرض عليها الإنتاج ، فتم تقسيم العمل العالمي على أساس هاتين البنيتين تحت شعار ( لنا العلم والتقنية ولكم الفلاحة السياحة والمواد الأولية ) . ولما اكتشفت بعض الدول خطورة تقسيم العمل وحاولت الخروج عن البنية التبعية ، لجأ الغرب إلى سياسيات مثل الاحتواء ، الضرب العسكري و التفتيت ( تقسيم منطقة الشام إلى أربع دول ، وفصل السودان عن مصر ...)
فطنت الفئات المثقفة للمأزق لكنها اختلفت في تحديد الأولويات للتخلص من التبعية ؛ بين من يحدد الأولوية في المشكل السياسي فاتجه إلى تنظيم الأحزاب وتأسيس النقابات وقلب الأنظمة في مزج واضح للسياسي بالوطني ...وبين من يحدد الأولوية في محاربة التخلف الفكري من خلال محاربة الأمية ونشر التعليم في خلط للسياسي بالديني ...
و لما كان طريق الإصلاح والتخلص من التبيعة طويلا في مجتمع يسود فيه النمط الزراعي دون أن يحقق الاكتفاء الذاتي لأبنائه ، وترتفع فيه نسبة الأمية لتحطم الأرقام العالمية ، إضافة إلى ارتفاع نسبة الإعالة وضعف العمالة ، لم يجد أبناء هذه الأوطان طريقا مفتوحا أمامهم للتخلص من هذه التبعية سوى الهجرة الجماعية نحو الغرب ، أو التزلف إلى المستفيدين من التبعية وحراس مصالح الغرب ... وعندما تم تضييق منافذ الهجرة ، وضاقت حاشية الحكام بالقلة المستفيدة ، كان لا بد من التغيير ( فالضغط يولد الإنفجار ) ، فكان الانفجار ربيعا انطلقت نسائمه مع ياسمين تونس، وانتشرت روائحه مع فل مصر قبل أن تتطاير دماء عشتار على شقائق نعمان ليبيا واليمن ... وهي تحمل شعارات رافضة للتبعية ، ومنددة بالأخر وحلفائه في الداخل ...
وفي ظل الحماس ، وبعد سنوات القمع ، وحنينا إلى ماضي براق ، وتحت شعارات مدغدغة للحواس والمشاعر ، وبعد تهاوي أنظمة كان يعتقد أنها عتيدة ، وبعد فشل تجربة اليسار المعتدل في بعض البلدان العربية كانت الطريقة معبدة للتيار الإسلامي ، باعتبار الأقرب من حيث الشعار السياسي إلى فكرة التخلص من التبعية ، في محاولة الاستفادة من تجربة اليسار والمجتمع المدني ..
لكن المجتمع المدني في الوطن العربي غير مهيكل و وهو مجتمع مشتت بين جمعيات تتسول ، همها الوحيد هو إشكالية التمويل ، وقد تعددت اهتماماتها بين كم هائل من الجمعيات ، لدرجة تكاد تكون لفئة جمعية مع تناسل الجمعيات التي تهتم بالفئات الهشة كالأمراض المزمنة ( السكري ، السيدا ، السرطان ....، ، وقضايا المرأة المعنفة والمطلقة ، والأم العازبة .. وأطفال الشوارع ،و ضحايا الاعتداء والتحرش الجنسي ... ، وجمعيات البيئة ... فأمام ضعف الموارد المالية ، وقلة تجربة الموارد البشرية اصبحت جمعيات المجتمع المدني في أوطاننا عبئا على الدول بدل أن تكون مساعدا لها ،
وإذا كانت هذه حال المجتمع المدني فإن حال اليسار العربي أكثر قتامة !!! فهو أكثر تشتتا بعدما اتسعت الهوة بين اليسار المعتدل الذي أصبح يصنف ضمن التيار الخائن ، واليسار الراديكالي الذي فقد جماهيره واعتزل كبار مفكريه الساحة ، فغدا لا يقوى على المجاهرة بمواقفه ، ويخاف من مجابهة خصومه ، فترك مفاهيم الاشتراكية يعلوها الصدأ ، وأصبحت في نظر العامة متجاوزة ...
كل ذلك جعل التيار الإسلامي وحيد في الساحة لكنه تيار لا يتوفر على الكفاءات المتخصصة الكافية في كل المجالات ، فليس كل من يحفظ جزءا من القرآن وقادرا على التظاهر بمقدوره تسيير دولة ، في ظل تحكم ثالوث الفقر الجهل والمرض بأغلبية أفراد الشعوب العربية ...
الأكيد ان نجاح التيارات الإسلامية بعد الربيع العربي ، لن تخرج العالم العربي من تبعيته في ظل اقتصاد هش ، وبطالة عالية وأمية متفشية ، ومجتمع مدني مشتت ، ومعارضة يسارية غائبة ، وتخوف غربي من أي سلوك أرعن غير محسوب العواقب ....
لقد كان العدو بالنسبة للجماهير واضحا ، وآليات الصراع محددة ،أما بصعود الإسلامية فقد أصبح العدو هلاميا وآليات الصراع ملتبسة ، وحتى أن كان لبعض الدول في هذه البنية التبعية موارد مالية هامة ( دول الخليج) فإن تنمية المال ليس كافية لتنمية الإنسان ، ولن تؤهلها ا الأموال وحدها لتجد لها مكانا ضمن المتحكمين في التوازن الدولي ، إلا إذا قبلت أن تكون أداة مسخرة لمصالح الغرب وإن لضرب إخوانها
إن العالم العربي اليوم مؤهل أكثر من أي وقت مضى للتخلص من التبعية ، لا للتخلص منها بل لكي ينتقل إلى وضع أدني حيت يصبح في بنية عبودية ، تسقطب الصناعات الغربية تعفيها من الضرائب وتقدم لها التسهيلات وتقدم لها يد عاملة بأثمان زهيدة ، وتكون مقبرة لنفاياتها ، ومقيدة بسلاسل ديونها ، وقواعد لجيوشها ، ومنفذة لأوامرها وشروطها .... وهذه إذن هي قوانين الليبراية المتوحشة ، مما ينبئ بأن فكرة (علم أخر ممكن) هي الآن أبعد بالنسبة للعالم العربي مما كانت عليه قبل الربيع العربي


الربيع العربي والقضية الفلسطينية
من حق العودة إلى حق الرؤية
أثار الحوار الذي أجراه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع القناة الثانية الإسرائيلية نقاشا كبيرا داخل الفصائل الفلسطينية أو خارجها خاصة فيما يتعلق بحق العودة عند قوله :) لا يحق لي العودة لصفد )القرية التي طرد منها سنة 1948( ولا العيش فيها ولكن يحق لي رؤيتها ... وأن دولة فلسطين هي حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية وهذا الوضع سيبقى إلى الأبد ... وما دمت في السلطة لن تحدث الثورة المسلحة الثالثة أبدا (....
بحثت كثيرا عن الحوار بكامله لكنني لم أتمكن من مشاهدة إلا الجزء الذي بثته قناة الجزيرة والذي يقف عند المقطع المشار إليه أعلاه فقط ، مع العلم أن هذه القناة فقدت الكثير من مصداقيتها بعدما نصبت نفسها طرفا في الصراعات التي يشهدها العالم العربي والإسلامي ، لذلك نعلن في البداية أنه لا يمكننا الحكم انطلاقا من جملة مأخوذة من حوار مطول ومع ذلك يبدو موضوع حق العودة فارضا لنفسه بعد هذا التصريح ..
اعتبر حق العودة بالنسبة لمختلف الفصائل الفلسطينية خطا أحمرا لم يتجرأ أحد على مناقشته والحسم فيها، وقدم ياسر عرفات الزعيم التاريخي للقضية نفسه للموت دون أن يتمكن من طرحه للمفاوضات ، وظل هذا الحق مقدسا بالنسبة لكل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ينطبق حق العودة على كل مواطن فلسطيني طبيعي سواء ملك أرضاً أم لم يملك طرد من أرضه سنة 1948 أو بعدها لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه يحرمه من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ومن تم فحق العودة مرتبط أيضاً بحق الفلسطيني في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه.
و حق العودة منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ نص هذا الميثاق الذي صدر يوم 10 دجنبر 1948 م على أن {لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده والعودة إليه } وهو الحق الذي كرسته كل القوانين الدولية والجهوية الأمريكية و الأوروبية والإفريقية... بل بعد ذلك بيوم واحد صدر عن هيئة الأمم المتحدة القرار 194 الشهير الخاص بحق عودة الفلسطينيين والقاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض ) العطف بالواو وليس بأو ( ،وتأكد هذا القرار أزيد من 135 مرة ولم تعارضه أية دولة باستثناء إسرائيل، وقد اعتبر هذا الحق حقا قانونيا وسياسيا وليس حقا إنسانيا أخلاقيا فقط، وأكثر من ذلك اعتبره الفلسطينيون {حقا مقدسا، لا يجوز المساس به أو التنازل عنه أو التفريط أو الإنابة، بل هو حق فردي وجماعي تتوارثه الأجيال، ولا يسقط بالتقادم}.
لهذه الأسباب اعتبر تصريح محمود عباس خطيرا ،وما أن أنهى حواره حتى انهالت عليه الاتهامات بالتخلي على حق العودة ، واستغله المناوئون لحركة فتح وللسلطة الفلسطينية للنيل من السلطة ومواقفها، واتهام رئيسها محمود عباس بالتخلي كن كل الخيارات الممكنة والاعتماد على خيار وحيد هو سكة المفاوضات في الوقت الذي تسير إسرائيل في توسيع دائرة الاستيطان وتهويد القدس الشريف ... إذ صرح إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة بغزة {ليس الحق لأي كان أن يتخذ قرار التخلي عن حق العودة منفردا }، بل منهم من رأى بأن توقيت الحوار غير مناسب فهو حوار جرى في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بذكرى وعد بلفور المشؤوم ، وإعلانها المسؤولية في قتل أبي جهاد بتونس. وانتقلت عدوى التنديد لأوساط الشعبية ونقلت بعض القنوات خروج مظاهرات في عزة منددة بتصريحات الرئيس الفلسطيني داعية إلى الاعتذار للشعب ....
في مقابل ذلك حاول مؤيدو عباس الدفاع عن تصريحاته معتبرين التصريح لا يتضمن أية دعوة للتخلي عن حق العودة ،وإنما هو حوار موجه للجمهور الإسرائيلي قبيل الانتخابات الإسرائيلية من جهة ومن أجل تأثير اللوبي الصهيوني على الانتخابات الأمريكية وبالتالي فالحوار رسالة للرئيس الأمريكي القادم من جهة أخرى. ومؤكدين إن مسألة حق العودة من الملفات النهائية العالقة في المفاوضات مثلها مثل الحدود والمياه والقدس... كما أشادت شخصيات إسرائيلية بشجاعة عباس فصدر عن الخارجية الإسرائيلية { يسعدنا أن نرى عباس في أي مكان بإسرائيل شريطة المضي قدما في السلام } واعتبر رئيس الكيان الصهيوني كلمات عباس بالشجاعة التي تثبت أن إسرائيل لديها شريك حقيقي للسلام ...
ورغم اختلاف الآراء وتبادل التهم فإن حق العودة الذي ظل خطا أحمر في القضية الفلسطينية منذ 1948 قد تراجع للظل منذ انطلاق مسلسل السلام بأسلو وليست المرة الأولى التي يتخوف فيها مهجرو 1948 ونازحو 1967 وفلسطينيو الداخل والخارج من التخلي عن هذا الحق ، وهو تخوف مشروع قد يصبح حقيقة إذا ما استمر تشرذم الجسد الفلسطيني ودول عربية تظهر عكس ما تبطن في نعاملها مع القضية ...

الربيع العربي يكشف سبب مقتل عرفات :وماذا بعد إعلان موت ياسر عرفات مقتولا ؟؟؟

وأفادت قناة «الجزيرة»، في شريط وثائقي بثته يوم أمس الأول الثلاثاء 3 يوليوز 2012 ما اعتبرته قنبلة الموسم بعدما حققت واستقصت واهتدت لفك لغز ظل مختفيا لمدة ثماني سنوات واكتشفت وأعلنت أن: "خبراء معهد رادييشين فيزيكس، في لوزان بسويسرا الذي حلل عينات بيولوجية، أخذت من بعض أغراض عرفات، سلمتها أرملته سهى إلى المستشفى العسكري في بيرسي جنوب باريس حيث توفي، عثروا على كمية غير طبيعية من مادة البولونيوم...)."

ويعتبر البولونيم مادة خطيرة شديدة الإشعاع ،ومعدن مشع يصدر عنه إشعاع ألفا ، وهو معدن عديم الخطورة خارجبا ، لكن إذا تسرب إلى الجسم عبر الأكل أو الحقن أو الاستنشاق تكون له خطورة شديدة على الجسم ، فواحد على مليون من الغرام من هذه المادة تكفي لقتل أي إنسان ، وهو أكثر ألاف المارة من سيانيد البوتاسيوم الذي يعتبر من أخطر السموم المتعارف عليها كميائيا ..إضافة إلى خطورته الإشعاعية . وحتى وإن كان هذا السم يعمل على تدمير الجينات داخل الجسم وإتلاف الخلايا وفشل كل الأجهزة داخل الجسم فإن هذا الإشعاع قدي يتسرب خارج الجسم من خلال إفرازات الجسم كالعرق أو اللعاب أو التبول ، وهذا سبب اكتشاف هذه النسبة من الإشعار في ملابس عرفات الداخلية وقبعته وفرشاة أسنانه.
وتجدر الإشارة إلى لأنه ليس سهلا العثور على هذا السم (البلونيوم ) فهو لا ينتج إلا في المفاعلات النووية أو المراكز المتخصصة وليس في منتاول كل الدول وبالأحرى الأفراد لذلك لا يستبعد أن تكون وراء مقتله دول لمها مفاعلات ومهاهد نووية متخصصة ....
ولا زال الخلاف قائما حول الاحتمالات التي يمكن أن يكون هذا السم قد تسرب بها إلى جسم ياسر عرفات وإن كانت أغلب الاحتمالات ترجح أنه تناوله عبر الأكل أو الدواء.خاصة وأن أغلب الأدوية والأغذية التي كانت تصل إلى ياسر عرفات في مرحلة الحصار كانت تصل تحت إشراف إسرائيل ... مما يرجح أن إسرائيل قد تكون هي المسؤولة عن القتل ، بل إن معظم أصابع العرب تشير إلى قاتل واحد .. بل منهم من لا يشك أن شارون هو المتورط الأول في هذه الجريمة ، وقد يكون تلقى مساعدة من بعض العرب سواء داخل أو خارج فلسطين ..بعدما رجح أن المادة التي قتل بها عرفات هي التي كانت السبب في وفاة الجاسوس الروسي السابق، ألكسندر ليتفيننكو، الذي صار معارضًا للرئيس فلاديمير بوتين، بعدما سمم بها في لندن العام 2006
ومباشرة بعد إعلان هذا الخبر تعالت الأصوات بفتح تحقيق شبيه بالتحقيق الذي فتحت بعد مقتل الحرير بل إن الفقيد سهى عرفات ذهبت إلى إمكانية استخراج جثة الفقيد إذا كان ذلك قادرا على كشف الحقيقة بل سمعنا عن استعداد أطباء عرب أعربوا عن رغبتهم في الانضمام لفريق التحقيق .
السؤال المهم الآن هو ما بعد إعلان مقتل ياسرعرفات ؟؟؟ وهل تستطيع الجزيرة والعرب الذهاب بعيدا في التحقيق ؟؟ وما حدود العمل العربي ؟؟وما هو المسار الذي سيتخذه التحقيق ؟؟ ومن هي الجهة التي سيوكل لها المطالبة بفتح التحقيق؟؟ ومن هي الجهة التي ستقوم بالتحقيق ؟؟ ومن سيواكب التحقيق ؟؟ ومن سيبث في قرارات وتوصيات التحقيق إذا ما تم ؟؟
أسئلة كثيرة يستعصي الإجابة عنها . ويستحيل أن يتفق العرب حول جواب واحد لها ، لأن منهم من له يد فيها .. كما أن التاريخ علمنا أن العرب مجرد ظاهرة كلامية . وأن العرب يتكلمون أكثر مما يفعلون ، وأنهم متفقون على ألا يتفقوا ... وغير ذلك من الأحكام التي التصقت بالعرب ،
الوقت ليس وقت توزيع التهم وإنما وقت جمع الأدلة الكافية للتحقيق إن فتح .. أما الاكتفاء بتوزيع التهم والإشارة إلى القاتل دون قرائن وأدلة فلن يجدي في شيء ..
إسرائيل سبق لها أن قتلت زموزا كبيرة وكثيرة في فلسطين مع سبق الإصرار والترصد وبقي العالم متفرجا يتدوال صور القتل .. فما الذي تغير لكي يدين العالم اليوم إسرائيل بعد أن خلصته من مشاكس لا يتنازل ،بالعكس العالم قد يشكر إسرائيل على فعلها لأن قتل ياسر عرفات دق أخر مسمار في الوحدة الفلسطينية ، وحوّل الصراع من صراع فلسطيني إسرائيلي إلى صراع فلسطيني فلسطيني ، وقسم الفلسطينيين إلى شعب الضفة وشعب القطاع ، والحكومة الفلسطينية إلى حكومة مقالة وحكومة معنية وباعد بين خلفية حكومة رام الله التابعة للروم وحكومة غزة التابعة للفرس ... هكذا كان العرب في التاريخ وهكذا سيظلون إلى الأبد شرذمة تابعة للفرس ( إيران ) وشرذمة تابعة للروم ( الغرب) ، مع وجود حمّالة الحطب من العرب همهم إشعال نار الصراع بين الإخوة ، وما تحقيق الجزيرة الذي تعتبره اكتشافا غير مسبوق إلا جزءا من إذكاء الفتنة بين الفلسطينيين غدا سرعان ما يتحول النقاش إلى تبادل التهم بين من سهل إدخال البلونيوم إلى ياسر عرفات ، وسيزداد النقاش احتداما بعدما تتدخل فيه الأطراف الخارجية ، وسيم التركيز على الحلقة الضعيفة وهي اليد التي وضعت السم في الدواء أو الطعام .. بدل من له الفائدة في إزالة ياسر عرفات من مسرح الأحداث الدولية .. وإن غدا لناظره لقريب



وهم الديمقراطية في مصر يضع الكرسي بين شفيق ومرسي
ويجبر المصريين على الإختيار بين شيئين أحلاهما أمر من الآخر

الفكر العربي عبر تاريخه الطويل تتحكم فيه تنائيات أهمها : التحرر/ التقليد ، الشرق/ الغرب ، العقل/ النقل ، وجهت اهتمامات الإنسان العربي وشغلت تفكيره وغالبا ما عاش ضحية طرف دون آخر : هكذا قضى العرب ردحا من جاهليتهم يقتلون تحت أقدام الفرس والروم طرف منهم يناصر الروم (المنادرة ) وطرف منحاز للفرس ( الغساسنة ) والضحية في كلتا الحالتين هم العرب وحتى في أوج وقمة الحضارة العربية في العصر العباسي تشتت العرب بين قطبي ثنائية العقل والنقل ، الحكمة والشريعة ودخلوا في مناقشات مجانية وكلام عن صفات الذات الإلهية والقدر والجبر ووصلت نيران المناقشة ذروتها مع الأشاعرة والمعتزلة دون أن يستفيد العرب من الفلسفة اليونانية الذين ترجموا معظم كتبها سوى مبادئ السفسطة والجدل ، ليدخلوا بعد ذلك في سبات طويل دام منذ سقوط بغداد في يد التتر سنة 656 هـ لم يوقظهم منه سوى حملة نابوليون على مصر وقد تقوى الغرب واستأسد ، فحاولوا وهم المبهورون بالتقدم الغربي البحث عن السبل التي قد تخرجهم من تخلفهم ، وتساعدهم للحاق بقطار التقدم وهم الذين كانوا إلى عهد قريب يسوقون قاطرة التقدم ( هكذا علمونا في المدارس قبل أن نفقد الثقة في كل شيء ، ففقدناها حتى في التاريخ الذي تعلمناه من أفواه أساتذتنا)
فطرح الفكر النهضوي أسئلة مثل : لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم ؟؟ كيف الخروج من أزمة الانحطاط والتخلف ؟؟ ما السيبل إلى التقدم ؟؟ فتعددت الأجوبة بين التيار السلفي ( محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ) والتيار القومي ( شكيب أرسلان ) وتيار التحديث واللبيرالية ( سلامة و طه حسين ..) ... كل قدم تصوره لنوعية المجتمع والقيم التي يؤمن بها ...
اليو م ، وبعد مرور أزيد من قرن ونصف على على فكر النهضة يجد العربي نفسه على وشك الوقوف على خط الانطلاق من جديد ، يجد نفسه في نقطة الصفر لكن للأسف دون منظرين ومثقفين يخططون ، ودون مفكرين مؤمنين بالقيم التي يدافعون عنها : كانت ثورات الربيع العربي شبيهة إلى حد ما بثورات وانقلابات ما بعد الاستقلال إلا أن تلك الثورات سواء في مصر أو سوريا أو العراق أو الجزائر كان متزعموها متشبعين بالأفكار التحررية والقيم الوطنية ، وكان همها بناء دولة وطنية قوية ومع ذلك فشلت وإن انخرطت فيه الطبقات الوسطى والبرجوازية والمثقفون والفلاحون ( ثورة عرابي ) وما رافق ذلك تشكيل نقابات وأحزاب ساهمت في تأطير التحركات ، خاصة وأن معظم القياديين يحضون (بشرعية ) وطنية ورثوها من مناهضة المستعمر .. لكن سرعان ما استبد هؤلاء ( الحكام الثوار) بالحكم وتخلصوا من منافسيهم إما باحتوائهم وإدخالهم لدواليب السلطة والحكم أو بالتخلص منهم بالسجن أو القتل أو النفي لتبدأ المجتمعات العربية في الاحتقان من جديد وتنطلق سياسة شعرة معاوية في علاقة الحكام بشعوبها إلى أن وصلت حد الانفجار وانطلقت الشرارة الأولى من بلد لم يرشحه أحد في العالم كله ليكون منطلق الثورات العربية ، ولكن رغم تعدد هذه الثورات ( تونس ، اليمن ، ليبيا سوريا مصر ..) تبقى مصر دائما محور الفكر العربي لتاريخها العريق ولموقعها الرابط بين المغرب والمشرق وربطه بين القارات الثلاث عبر قناة السويس.. لذلك ستظل ثورة مصر تثير الكثير من اللغط كما أثارت ثورة ( أو انقلاب )الضباط الأحرار نقاشا عميقا إذا ما قورنت بانقلاب القذافي في ليبيا أو انقلاب صدام حسين في العراق أو حافظ الأسد في سوريا أو هوراي بومين الجزائر أو غيرها من الانقلابات الأخرى في السودان وموريتانيا وقطر ...
اليوم يجد المصري والعربي عامة نفسه وكأنه في مطلع القرن العشرين يسائل ذاته عن نوع الدولة التي يريد بناءها : هل هي الدولة العسكرية التي تضع الأمن ضمن أولى أولوياتها ، أم هي الدولة الدينية التي تدغدغ العواطف بشعارات القيم والهوية والثوابت والعيش على هدى السلف الصالح ، أم هي الدولة المدنية التي تعزف على مبادئ وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية وكرامة الإنسان ....
كانت هذه الشعارات والطموحات في مطلع القرن العشرين مشروعة على الأقل لأنها مفاهيم جديدة ، ويحملها مثقفون ومفكرون كبار ، والدول العربية خارجة للتو من صراع مرير مع الآخر وتصفية الاستعمار ، أما اليوم فنرى سيزيف العربي في مصر ( وهي النوذج العربي ) يعيد دحرجة نفسه في عمل شاق وغير ذي منفعة ،بعد أن ركب وهم الديمقراطية والاحتكام غلى صناديق الاقتراع فأحكم إغلاق كل المنافذ على نفسه ، وحصر مصيره بين بابين لا ثالث لهما ووضع كرسي ربان سفينة أرض الكنانة بين يدي شفيق آخر رئيس وزراء النظام البائد والذي لم يتمتع بكرسي رئاسة الوزراء إلا حوالي خمسين يوما أنست المصريين تضحية الرجل من أجل وطنه أزيد من خمسين سنة ، وبين مرسي ممثل الإخوان المسلمين الذي كانوا أكبر المستفيدين من ثورة 25 يناير وغدوا أكثر تغلغلا في دواليب الحياة السياسة وهم الذين ظلوا يرفضون تأسيس حزب سياسي ، ليجد الثوار الحقيقيون أنفسهم مجرد متفرجين على المشهد السياسي بعدما أوهمتهم تقارير الاستطلاعات وكوميدية مناظرة أبي الفتوح ومعمرو موسى أن مستقبل مصر قد يكون في يد إسلامي متفتح أو رجل ليبرالي قد تساعد تجربته مصر على تجاوز أزمتها ، لكن ديمقراطية الصناديق لا تعني دائما أن ينجح من يختاره الشعب ، خاصة إذا كان هذا الشعب مشتتا ومرشحيه كثيرون فتتفرق الأصوات بين الإخوة ليفوز من كان خارج الحسبان ، إن ما يقع في مصر مثل ما يقع في المغرب للأجزاب الاشتراكية التي غدت تتناسل وتأكل من نفس الصحن الانتخابي فتكون النتائج دائما في صالح "الأحزاب الإدارية " التي يعتقد المغاربة أنها بدون قاعدة ...
إن انحصار السباق نحو كرسي الرئاسة بمصر جعل سناء محفوظ وزملائها الذين نزلوا للميدان أول الأمر مجرد متفرجين على آخرين يسرقون ثورتهم ويجنون غلالها باسم الديمقراطية في وقت يصبح التهديد بالنزول إلى الشارع بلا معنى مادام الكل قد اتفق على قانون اللعبة الديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، خاصة ولا أحد في الداخل والخارج يتحدث عن تزوير الانتخابات ، ويكاد يكون إجماع حول شفافيتها ونزاهتها ، هكذا وجد العديد من المصريين أنفسهم أمام الباب المسدود وضرورة الرضوخ لأمر الواقع والاختيار بين مرشحين لا يمثلان الأغلبية ، مما جعل أغلب المصريين اليوم يقتنعون أن لا شيئ اصعب على النفس من الاختيار عندما يجبر المرء على الاختيار بين شيئين أحلامهما أمر من الآخر

لقد ظلت أرض الكنانة تعيش على صفيح ساخن منذ اندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك ، ومن يومها والأفعال الصادرة عن أطراف الصراع تفاجئ المتتبعين، فقد كان الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري في شهر يونيو محاولة لفرض حكم الإعدام على مؤسسة الرئيس ، وجعل الرئيس رئيسا صوريا دون سلط بإلغائه للمؤسسة التشريعية واحتكاره للتشريع ، لكن اللجوء إلى صناديق الاقتراع جعل أغلبية الشعب المصري يختار رئيسا تمكن من سحب البساط من تحت أقدام المجلس العسكري ، وفي الوقت الذي كان المصريون يتطلعون للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ، وبعد أن بدأ الرئيس الجديد يكسب بعض الشعبية من خلال مواقفه اتجاه بعض القضايا الوطنية والقومية ، فاجأ المصريين والرأي العالمي بإقالته للنائب العام عبد المجيد محمود وتعيين نائب عام جديد وإصداره لإعلان دستوري يُحصِّن الرئيس من أية ملاحقة قضائية ،ويحصن الجمعية التأسيسية الحالية المكلفة بوضع الدستور من الحل عن طريق القضاء، ، ويدعو إلى إعادة المحاكمات السابقة الخاصة بقتل متظاهري الثورة.، الشيء الذي أعاد الثورة لبدايتها ، وأعاد الغليان للشارع، بعد أن اعتبِر قرار الرئيس تدخلا سافرا في السلطة القضائية ، ومخالفا لكل المواثيق الدولية ، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي وغيرهما من المواثيق التي تنص على فصل السلط واستقلالية القضاء ، فقرار الرئيس بإقالة النائب العام يتيح له اتخاذ قرارات أخرى كحل المحكمة الدستورية وفصل أي قاضي حكم ضد الرئيس أو حزبه أو أي شخص من حاشيته وهو ما جعل المصريين يتخوفون من العودة إلى الديكتاتورية ، ولعل ما أثار المخاوف أكثر الشعور باعتبار الرئيس فوق القانون مادام في الإعلان بند يمنع الطعن على قرارات رئيس الجمهورية حتى إقرار الدستور الجديد ، وبند آخر يتيح للرئيس اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة أي خطر يهدد مصر أو الوحدة الوطنية إضافة .إلى العجلة في استصدار الدستور إذ تضمن الإعلان الدستوري الرئاسي تمديد فترة عمل الجمعية التأسيسية لشهرين آخرين لتنهي عملها في الثاني من شهر فبراير/شباط عام 2013 الشيء الذي يوحي بأن الدستور قد يكون جاهزا ومحسوم فيه سلفا . هذه التخوفات وغيرها أعادت الاحتكام إلى الشارع من جديد ، فما أن أعلن الدستور الرئاسي حتى تعاقبت ردود الفعل المنددة فاختار أزيد من 15 تنظيم سياسي النزول إلى ميدان التحرير مدعومين بالعديد من جمعيات المجتمع المدني ، وسارع نادي القضاة إلى عقد جمعه العام وإصدار بيان يتضامن فيه مع النائب العام المقال ، ويدعو النائب العام المعين إلى الاعتذار عن قبول المنصب الجديد ، وإعلان أن لا حوار مع الرئيس إلا بعد إلغائه للإعلان الدستوري والتهديد باللجوء إلى القضاء للنظر في مدى دستورية قرار الرئيس بعزل النائب العام . كما شن مرشحوا الرئاسة السابقون هجوما شرسا على قرار مرسي فاعتبره كل من محمد البرادعي ، وعمرو موسى وخالد علي وحمدي صباحي وغيرهم انقلابا على الثورة وخيانة للديمقراطية والوطن ... ولم تقتصر ردود الفعل على داخل مصر إذ أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها وأعلنت شجبها وخوفها من العودة إلى الديكتاتورية ودعت إلى حل الخلاف سلميا
في مقابل ذلك اعتبر الرئيس مرسي عزل النائب العام والإعلان الدستوري ضمانا لتحقيق الاستقرار والعدالة ، وبرر المدافعون عن قرار الرئيس بكون مصر تعيش وضعا استثنائيا وبالتالي يحق للرئيس اتخاذ قرار استثنائي ، ويجوز له الجمع بين السلطتين التنفيذية والقضائية لإخراج البلاد من وضعها الاستثنائي .وصرح المتحدث باسم حزب النور السلفي نادر بكار تأييده لقرارات الرئيس وقال (من كان يريد قصاصا بحق فليدعمها) .
ورغم الاختلاف في تأويل قرارات مرسي يبقى توقيت الإعلان له دلالاته ، وهو توقيت يعكس ما تعيشه مصر من صراع بين قوة القانون ،وقانون القوة ، وبما أن مرسي فشل في إعادة الاستقرار بقوة القانون فقد لجأ إلى قانون القوة لقطع الطريق أمام معارضيه الذين يعتبرهم فلول النظام السابق ، وهو قانون يعطي الرئيس صلاحيات مطلقة ، وتمكنه من جمع السلط الثلاث في يده وهو ما لم يتح لأي رئيس مصري سابق كما أن الإعلان يفهم منه تقييد الحريات العامة وكل ذلك تعبير واضح بعودة الديكتاتورية المطلقة ، وإعلان بأن الثورة المصرية الحديثة أنجبت فرعونا جديدا
دستور مصر بين المد والجزر

شكل استصدار دساتير جديدة ، أو إدخال إصلاحات على الموجودة منها أهم الشعارات التي صدحت بها الحناجر خلال ثورات الربيع العربي ، فبادرت بعض الدول في مبادرة استباقية ( المغرب نموذجا ) إلى طرح دستور جديد للاستفتاء، وأعلنت دول أخرى نيتها في تعديل الدستور ( الجزائر والبحرين ) وتلكأت دول أخرى في إعلان هذه الإصلاحات ،فتجاوزتها الثورات وتمكنت من الإطاحة بالأنظمة مما جعل من المسألة الدستورية أولى الأولويات . وتبقى مصر أهم دولة عربية اسأتر فيها وضع الدستور بالاهتمام. فما أن يعتقد طرف بأنه أصبح الآمر الناهي في البلاد حتى يسرع إلى تحصين نفسه بإعلان دستوري ، ويوهم العامة بأن مصر لست مستعجلة في استصدار دستور جديد.
فقبيل رحيله تعجل الرئيس المطاح به حسني مبارك وأعلن تغيير بعض البنود في الدستور عساها تساهم في انتقال سلس للسلطة ، .وبعد أن تولى المجلس العسكري شؤون البلاد والعباد في ارض الكنانة تعجل في إعلاناته الدستورية فقام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإصدار عدد من الإعلانات الدستورية في المرحلة الانتقالية. بدءا بالإعلان الدستوري الأول في 13 فبراير 2011 بعد يومين من تنحي مبارك. والإعلان الثاني في 30 مارس بناءً علي نتيجة الاستفتاء . وقد أدخل المجلس العسكري تعديلين علي إعلان 30 مارس، مرة في 25 سبتمبر 2011 . ومرة في 19 نوفمبر 2011. وكان إعلان 17 شهر يونيو 2012 أهم هذه الإعلانات لأنه جعل المجلس العسكري سلطانا جامعا السلطتين التشريعية والتنفيذية في محاولة لإعدام مؤسسة الرئاسة وهو يتنبأ باكتساح التيارات الأصولية للمشهد السياسي ، متفطنا لما يدور في كواليس زواج المصلحة بين السياسة والدين وما قد يترتب عن هذا الزواج، هكذا حاول في إعلانه تقزيم دور رئيس الدولة وتغليب كفة القضاء معتقدا أن القضاة سيظلون إلى جانبه فنص في إعلانه الدستوري المكمل (مادة 30: الرئيس الجديد يؤدى اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا.) ومرتبا الحلول لكل ما قد يحدث في ( المادة 60 مكرر: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده، وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستور الجديد.)) ويبدو من خلال التواريخ مدى العجلة في استصدار الدستور
لكن قوانين لعبة الديمقراطية أسفرت عن بروز قوى إسلامية يستحيل اليوم على أي تنظيم سياسي الفوز عليها إذ ( يستحيل الفوز على تنظيم يجتمع أعضاؤه خمس مرات في اليوم ويعقد جمعه العام أسبوعيا كل جمعة ويستغل المساجد والجلسات في المساجد والبيوت ...) فكان التمكين للإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، وساعد هذا التمكين الرئيس المنتخب في سحب البساط من تحت أقدام المجلس العسكري ، و تقليم أظافره، وتحصين مؤسسته الرئاسية ، وإبعاد كل مَن مِن شأنه فرملة و تعجيل عمل الإخوان والرئيس ، أمام ذهول المتتبعين من داخل مصر أو خارجها ، فأصدر إعلانه الدستوري يوم 12 غشت يتضمن ثلاث مواد تتمحور حول إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وتعجيل مباشرة الرئيس لمهامه وتحديد مواعيد وضع الدستور وإجراء الانتخابات، لكن النقطة التي أفاضت الكأس ، وكشفت المستور كانت الإعلان الدستوري الجديد الصادر عن الرئيس مرسي يوم 22 نونبر وهو إعلان مكون من سبع مواد ولن نعيد مقاربة مضامين هذا الإعلان لأننا تناولناها في مقالات سابقة ، وسنقتصر على تنائية التأجيل والتعجيل فيه :
فقد جاء في المادة الرابعة: تستبدل عبارة تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 8 أشهر من تاريخ تشكيلها بعبارة تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها وبعدما وعد بتأجيل عمل اللجنة المكلفة بوضع الدستور شهرين إضافيين وتمديد فترة عمل الجمعية التأسيسية لشهرين آخرين لتنهي عملها في الثاني من شهر فبراير/شباط عام 2013 يفاجؤ المصريون بتعديل الدستور والمصادقة عليه في يومين : ففي الوقت الذي يعتصم فيه الرافضون للإعلان الدستوري بمن فيهم القضاة بميدان التحرير تم تعديل الدستور والمصادقة عليه وتقديم نسخة منه للرئيس في أفق عرضه على الاستفتاء في طبخة مستعجلة لم تزد الشارع المصري إلا غليانا واتساعا ، فاندلعت المسيرات والمواجهات في عدد من المحافضات ،كما تم تحويل مركز التظاهر في القاهرة من ميدان التحرير إلى مقر الاتحادية ، بل تجاوزت المواجهات ما شهدته مصر الثورة على مبارك ، إد تغلغلت داخل القصر الرئاسي وأسقطت قتلى وجرحى بداخله ، كما تم إحراق مقر الاخوان المسلمين ، والهجوم على منزل الرئيس مرسي ، ورفع شعار إسقاط النظام ، وفي خطوة لأخماد فتيل الثورة الثورة الجديدة ، بادر مرسي إلى إلغاء الإعلان الدستور مع الإبقاء على موع الاستفتاع على الدستور يوم 15 دجنبر الجاري ، وهو موقف لم يعجب جبهة الانقاد الرافضة للدستور
إن المتتبع يدرك للوهلة الأولى أن هناك إسراعا وهرولة نحو المصادقة على الدستور . مما يجعل المتتبع يتساءل : لماذا العجلة في وضع دستور سيرهن البلاد لسنين طويلة ؟؟ ومن المستفيد من هذه العجلة ؟؟
انتظرونا في الجزء الثاني






#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)       Lekbir_Eddadissi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوزيرة والرئيس انتهى عرض الغزل سيدي
- من البنية التبعية إلى البنية العبودية
- تأثير الساعة المضافة على التلاميذ
- بيان المغرب بعد صدور القرار الأممي حول الصحراء
- الدم من القداسة إلى النجاسة
- هزيمة المغرب أمام طنزانيا رب ضارة نافعة
- هل اقتربت ساعة الأغنية المعصرية في المغرب
- أكبر من صدفة أن يقطع رأس طه حسين والمعري في نفس الوقت
- الإقبال المتزايد على البضائع والملابس المستعملة
- التقبيل بين الحب والتضليل
- كرتنا التي تنهزم بشرف
- عارك عليك أستاذ
- المغاربة يخلدون رأس السنة الأمازيغية في غياب أي احتفال رسمي
- منظر بيداغوجا الأهداف والكفايات والإدماج في المغرب يتنكر ... ...
- العنف المدرسي يغير جلده في المغرب
- هل أتاك حديث الدستور الذي قسم المصريين
- الدولة متهمة بقتل الفكر الإنساني مع سبق الإصرار
- دستور مصر العجلة والاستعجال
- مصر تصنع فرعونها الجديد
- عيد عاشوراء الثنائيات المتناقضة


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الكبير الداديسي - بعض قضايا الربيع العربي الجزء الأول