|
تشكل الوطن
محسن حبيب فجر
(Mohsen H. Fagr)
الحوار المتمدن-العدد: 4147 - 2013 / 7 / 8 - 17:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكل فرد منا دوائر انتماء متعددة. فهو من هذه الاسرة ومن ذلك البيت ومن هذه العشيرة، ثم هو من تلك المدينة وتلك المحافظة، وكذلك هو من هذه الطائفة ومن تلك القومية .. وهكذا. وانطلاقا من الدوائر الأصغر مرورا بالاكبر فالاكبر يأخذ المجتمع، ومن ثم الوطن، بالتشكل استنادا الى درجة مقبولة من الانسجام بين افراده ورضاهم بالواقع وشعورهم بالامتنان والاعتزاز بانتمائهم المجتمعي ومن ثم الوطني. وليس المقصود بالانسجام المجتمعي ان يكون المجتمع بلون واحد، كما لايقصد به غلبة لون وطغيانه على بقية الألوان. فصحيح ان وحدة اللون او الطيف الاجتماعي عنصر قوي من عناصر الانسجام، الا ان طبيعة تشكل المجتمعات وخصوصا المدنية منها (أي مجتمعات المدن) تؤشر بوضوح على صعوبة تحقق ذلك. فلو تتبعنا تشكل المجتمع عندنا انطلاقا من اللبنة الأساسية المتمثلة بالفرد فاننا سنرى ان هذا الفرد ينتمي الى عائلة كأصغر دائرة انتماء ثم الى اعمامه في دائرة اكبر، ثم الى عشيرته. وعند دائرة العشيرة نحصل على مجتمع بلون واحد في اهم انتمائين، الدين والعرق. ومع الاستمرار في توسيع دائرة الانتماء بعد العشيرة تظهر لدينا المناطقية (بحدودها الصغرى والكبرى) والقومية والطائفية والدينية.. وهكذا. وعندما تعجز دائرة الانتماء الاوسع عن انتاج مجتمع منسجم فان فئات تلك الدائرة ستضطر الى الانفصال عن بعضها البعض واللجوء الى الدوائر الاضيق ثم الاضيق لتتوقف في نزولها عند اكبر دائرة انتماء اجتماعي منسجم، ليتحدد عند تلك الدائرة شكل المجتمع وبالتالي الوطن من حيث عناوينه العامة، أي انتماءاته وفئاته، وكذلك من حيث الجغرافية، أي حدود ارضه التي يملكها. فالديانة الإسلامية مثلا نراها اليوم، وبالرغم من مناداتها بوحدة المسلمين، عاجزة عن إيجاد الانسجام بين المسلمين. لذلك انسحب المسلمون الى دوائر طوائفهم وخصوصا الدائرتين الكبيرتين، الشيعة والسنة طلبا للانسجام. وكذلك القومية العربية، كدائرة انتماء لكل فرد عربي، عاجزة اليوم عن انتاج مجتمع منسجم من شأنه ان يكون أساس تشكيل وطن للعرب، مما دفع العرب الى التوجه الى دائرة انتماء اضيق من القومية، وهنا برزت المناطقية فالكويتيون العرب في الكويت واليمنيون العرب في اليمن ..وهكذا باقي العرب. صحيح ان المناطقية العربية قد فرضت فرضا على العرب من قبل الحلفاء المنتصرين على العثمانيين في الحرب العالمية الاولى، وبغض النظر عن دوافعهم في ذلك اذ لامحل له هنا، لكننا نرى ان العرب اليوم عاجزين عن مغادرة هذه المناطقية باتجاه دائرة العروبة الاوسع مما يفرض عليهم القبول بالمناطقية وان كانت من صنع غيرهم. ان مغادرة الدائرة الأكبر لايعني التنصل من الانتماء لها بسبب عجزها عن انتاج الوطن، وانما يعني ضعف حضورها في المجتمعات او الأوطان المنتمية لها، وبالتالي عدم قدرتها على صياغة التزامات على المنتمين لها كما نلاحظ في حالة تعرض احد البلدان العربية الى مشاكل او اخطار داخلية او خارجية فان العروبة كانتماء لا تفرض على بقية البلدان العربية التدخل في مشاكل ذلك البلد وحلها. ان الانسجام ثقافة وقناعات توجِد في داخل افراد المجتمع حالة من الرضا بالانتماء والاستعداد للالتزام بالانظمة والقوانين المتحكمة بحياتهم. فكما استطاعت ثقافة الطائفية ان تخلق انسجاما بين افرادها مكنهم من تجاوز انتماءهم العشائري والمناطقي فان ثقافةً للدين الاب من شأنها في حال نجاحها في استيعاب اتباع الدين وشدهم اليه ان تجعلهم يتوجهون في الانتماء لدائرة دينهم الكبيرة ومغادرة دوائر الطوائف الاضيق. كذلك فان ثقافة إنسانية، من قبول الآخر المختلف معي في الدين والعرق واحترام حقه في الحياة والاقرار المتبادل بالحقوق والواجبات بين الافراد المختلفين، من شأنها ان تنتج وطنا يضم الوانا شتى. ينبغي الإشارة هنا الى ان الانسجام المجتمعي الذي يرسم شكل الوطن لايمكن ان يفرض فرضا، وفيما اذا حُشرت كتل اجتماعية غير منسجمة في حدود جغرافية بدعوى الوطن (في تغليب صارخ للتراب على الانسان في صياغة مثل هكذا وطن) فان عدم انسجامها يمثل قنبلة موقوتة من شأن انفجارها، وهو مسألة وقت فحسب، ان يمزق تلك الجغرافيا ويذهب بالوطن المزعوم، وهذا ما تكرر حدوثه في عدة اوطان ترابية كاقتطاع باكستان من الهند وتشظي الاتحاد السوفيتي الى جمهوريات مستقلة عن بعضها تماما وتشظي يوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا وانفصال جنوب السودان مؤخرا. وهكذا ستستمر المجتمعات الغير منسجمة، والتي حُشرت في يوم من الأيام في لسبب او لآخر في سجن الجغرافيا، بالتشظي وترك الدائرة التي عجزت عن توفير الانسجام والرضا الى دوائر اصغر طلبا لما فقدته في دائرة الانتماء الأكبر.
#محسن_حبيب_فجر (هاشتاغ)
Mohsen_H._Fagr#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطن ام الوطن ايهما يتقدم على الآخر
-
هيبة المواطن
المزيد.....
-
العثور على جثث 4 أطفال في الجزائر عليها آثار حروق
-
-إعصار القنبلة- يعصف بالساحل الشرقي لأمريكا مع فيضانات ورياح
...
-
في خطوة رائدة.. المغرب ينتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في
...
-
أذربيجان تتهم الخارجية الأمريكية بالتدخل في شؤونها
-
ماكرون يسابق الزمن لتعيين رئيس للوزراء
-
نائب روسي ينتقد رفض زيلينسكي وقف إطلاق النار خلال أعياد المي
...
-
ماكرون يزور بولندا لبحث الأزمة الأوكرانية مع توسك
-
الحكومة الانتقالية في سوريا تعلن استئناف عمل المدارس والجامع
...
-
رئيس القيادة المركزية الأمريكية يزور لبنان للتفاوض على تنفيذ
...
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|