أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا يحبُ العربُ أمريكا كلَّ هذا الحب؟!















المزيد.....

لماذا يحبُ العربُ أمريكا كلَّ هذا الحب؟!


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

لماذا يحب العرب أمريكا كل هذا الحب الجنوني؟

سؤال يبدو غريباً ومستهجناً في هذه الأيام التي تزدحم فيه المقالات والتعليقات في الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد والتي تقوم بتعرية أمريكا حتى من جلدها وليس من ملابسها فقط، وتعتبرها الصيغة الجديدة للاستعمار الجديد. وتهاجم كل من يقف ضد هذا التيار الهجومي. وتتبنى هذه المقالات والتعليقات الخطاب الأمريكي السياسي الرسمي الحالي: (من ليس معنا فهو ضدنا)؛ أي أن كل من هو ضد التيار العربي المعادي لأمريكا فهو مع أمريكا. و "مع أمريكا" هذه ، أو "الأمركة" أو "التأمرك" الذي يرمي به "حماة القومية والدين" "عملاء الاستعمار الأمريكي الجديد" لم تظهر إلا بعد الحملة الأمريكية على العراق. في حين كان العرب قبل مائتي سنة أكثر وعياً واستنارة، وأفتح عقولاً، وأعمق ادراكاً، مما هم عليه الآن، حين لم يرموا المثقفين الليبراليين الذين نظروا إلى الحملة الفرنسية على مصر 1798 نظرة تنويرية بـ "التفرّنس" و "الفرّنسة" ، وبالعمالة للاستعمار الفرنسي الجديد، وكان رجال الدين الوحيدين الذين رفضوا وقاوموا كل منجزات هذه الحملة الحضارية التي كان من أهم نتائجها انفتاح مصر على الغرب، وارسال البعثات التعليمية المصرية المعروفة إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا وعهد أبنائه من بعده.

وهكذا يكون العقل العربي قد سجل نقطة بارزة في تخلف التفكير، وسوء التقدير.

-2-

لماذا يحب العرب أمريكا كل هذا الحب الجنوني؟

هل هذا سؤال ساخر من "كُتّاب المارينـز" في زمن المرارة العربية؟

جنون الحب العربي لأمريكا يتضح أول ما يتضح من هذا التهافت العربي الحكومي الرسمي على طلب الودِّ الأمريكي، وهذا التمنّي بالقرب الأمريكي، وهذا الرجاء في الرضا الأمريكي، وهذا الالحاح على المعونات والمساعدات الأمريكية المالية والغذائية والعسكرية والتعليمية والعلمية، وهذا التسابق على تأجير الأراضي العربية لاقامة القواعد العسكرية الأمريكية المرئية والمخفية.

جنون الحب العربي الحكومي الرسمي لأمريكا جنون حب فاضح وطائش، يصل إلى حدِّ احراج الإدارة الأمريكية بهذا الحب إلى درجة أن وجنات المسؤولين الأمريكيين تتورد خجلاً في معظم الأوقات من هذا الحب الجنوني، والذي يكون في معظم الأحيان من طرف واحد؛ أي من الطرف العربي الحكومي الرسمي الذي يرى في هذا الحب المجنون طريقه الوحيد إلى الخلاص والبقاء والاستمرار، وغفران المعصيات الديمقراطية، وذنوب حقوق الانسان. وبلغ هذا الحب الجنوني العربي الرسمي لأمريكا درجة كبيرة من الجنون الفاضح أن الحاكم العربي وطاقمه وأجهزته الخارجية والإعلامية تركبها قرود الأرض وعفاريت السماء وتقوم دنياها ولا تقعد ، فيما لو أشاح الحبيب الأمريكي وجهه ولو بُرهة عن المحب العربي، وأهمله وجفاه وهجره.

فالمحب العربي الرسمي يريد من الحبيب الأمريكي أن يكون الحب المجنون بينهما دافئاً بل ملتهباً دائماً، حتى لا تخبو نار الحب الأمريكي عن القِدر العربي المليء بالحصى والماء المغلي فقط، وتقع القارعة كما حصل في العراق.

-3-


لماذا يحب العرب أمريكا كل هذا الحب الجنوني؟

هل هو سؤال خبيث من "المتأمركين الليبراليين" في زمن الخيبة العربية؟

من لا يحب الآخر حباً جنونياً، ويكرهه كُره العمى، لا يتمثل ولا يتماهى في طعامه وشرابه وملابسه ورقصه وغنائه ويُقبل على فنونه وأفلامه وموسيقاه، ويركب سياراته وطائراته، ويحفظ طعامه في ثلاجاته، وينعم بهواء مكيفاته، ولا يجد أمامه غير كومبيوتراته، ولا وسيلة له للاطلاع على العالم ومنجزاته غير شاشة الانترنت التابعة له، والتي قدمها هبة علمية لمنفعة الإنسانية، ولا يحفظ قروشه في بنوكه، ولا يستثمر أمواله في أسواقه.

من لا يحب الآخر حباً جنونياً، ويكرهه كُره العمى، لا يرسل أبناءه إلى جامعاته ومعاهده دارسين ومدرسين، تلاميذ وأساتذة، حتى أصبحت أمريكا "مدرسة العالم العربي" والنسبة الكبرى من الطلبة العرب الدارسين في الغرب يدرسون فيها.

من لا يحب الآخر حباً جنونياً، ويكرهه كُره العمى، لا يمنح الجوائز المالية الكبرى إلى علماء الحبيب وأطبائه ومكتشفيه وأساتذته، ولا يتبرع بملايين الدولارات لمستشفياته ومراكز أبحاثه ولمعاهده وجامعاته لاقامة الكراسي العربية والإسلامية العلمية والثقافية، ولا ينشر في صحفه ولا يستضيف في فضائياته معلقيه ومحلليه وكُتّابه.



-4-
لماذا يحب العرب أمريكا كل هذا الحب الجنوني؟

هل هو سؤال تسويقي مكشوف لحب أمريكا من قبل "الطابور الخامس" الليبرالي الأمريكي؟

من يكره أمريكا ويعتبرها "رأس حربة الاستعمار الجديد في الشرق الأوسط" لا ينكر أن أمريكا هي التي أقامت السلام الجزئي في الشرق الأوسط، عندما أصر جيمي كارتر في 1978 على توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية ودفع ثمنها (حوالي خمسة مليارات دولار سنوياً منذ 1979 حتى الآن) التي كانت مرفوضة رفضاً قطعياً من قبل الكنيست الاسرائيلي والحكومة الإسرائيلية والرأي العام الإسرائيلي. ولولا أمريكا وثقلها المالي والعسكري والسياسي على الطرفين المصري والإسرائيلي لما تم توقيع معاهدة كامب ديفيد، ولما تم استرجاع أرض سيناء المصرية.

والفلسطينيون هم أكثر العرب كرهاً لأمريكا الآن ومعهم كل الحق في ذلك. ولكن هذا الكره في حقيقته هو "عتبُ المحبِ على الحبيبِ الغادرِ". فالفلسطينيون يعلمون علم اليقين بأن أمريكا على مدى الربع الأخير من القرن العشرين حاولت بكل الطرق حل القضية الفلسطينية حلاً مرضياً في رأي الشرعية الدولية (وليس في رأي القومية العربية) ولكن أصحاب القرار الفلسطيني في ذلك الوقت وعلى رأسهم عرفات لم يكونوا بمستوى تحمل مسؤولية مثل هذه الحلول الصعبة على العقلية القبلية السياسية الفلسطينية والعربية. وأن الفلسطينيين الآن يعلمون بأن الحل الفلسطيني ليس في جيب محمود عباس أو مبارك أو شارون، وانما هو في جيب بوش وديك تشيني ورايس. وأن منطق السادات ما زال قائماً حتى الآن ورؤيته النادرة ما زالت هي الحقيقة، وهي أن 99 بالمائة من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط، ما زال في يد أمريكا. وكان هذا اليقين قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، فما بالك بالحال الآن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي؟

والفلسطينيون يعلمون بأن أمريكا هي الوحيدة القادرة مالياً وعسكرياً - لو شاءت وأعقلت وتوكّلت - على اقامة الدولة الفلسطينية وتمويلها ومساندتها شرعياً في الأوساط العالمية. وأن الوعود العربية والشعارات العربية ما هي غير رعود وبروق كاذبة، لا تأتي بقطرة ماء واحدة تُشفي الغليل الفلسطيني.

من يكره أمريكا في الشارع العربي يعلم علم اليقين أن لا دولة ولا قوة في العالم قادرة على تثبيت الحقوق العربية المغتصبة من أعداء العرب اليهود والمسلمين والحكام العرب غير أمريكا - لو شاءت وأعقلت وتوكّلت – فمن الذي حرر الكويت، وحرر العراق، وحرر لبنان، وجعل الحكام العرب يتسابقون إلى دعوات الاصلاح السياسي الصادقة والكاذبة، ليس سباق الهجن، ولكن سباق الغزلان؟

-5-
لماذا يحب العرب أمريكا كل هذا الحب الجنوني؟

هل هو سؤال "أبناء الأفاعي" من الليبراليين العرب الجُدد الذين يرددون شعارات المحافظين الأمريكيين الجُدد؟

لماذا يكره العرب أمريكا في حين أن الطوابير العربية الطويلة أمام القنصليات الأمريكية في العواصم العربية، تمتد منذ فجر كل يوم متحايلة بشتى الوسائل للحصول على تأشيرات الهجرة أو الدراسة أو العمل أو التطبيب.. الخ؟ وقد قال قائل أنه لو فُتحت أبواب الهجرة الأمريكية للعرب على مصراعيها لما بقي في العالم العربي غير الحكام وجيوشهم وشرطتهم ورجال أمنهم.

فهل أصبحت أمريكا كطعام البخيل: مأكول مذموم؟

فالأكل لن يتوقف في ظل الجوع العربي، ولكن متى ينتهي الذمُّ يا ترى؟

لن ينتهى الذمُّ العربي لأمريكا على ما يبدو، إلا عندما تدفع أمريكا الاستحقاقات الفلسطينية والاستحقاقات الديمقراطية المنتزعة من الأنظمة العربية، بعد أن عجز الجُباةُ العرب من السياسيين والعسكريين على انتزاعها!

-6-
كراهية العرب لأمريكا ليست بالكراهية الوحيدة المستهجنة من قبل الفقراء للأغنياء، أو الضعفاء للأقوياء، أو الجهلاء للعلماء، أو المتخلفين للمتقدمين، أو المهزومين للمنتصرين. بل إن هذه الكراهية جزء من الطبيعة البشرية على مرِّ العصور، حيث يقول لنا التاريخ أن الأديان والعقائد والأساطير لعبت دوراً مهماً في ترسيخ كراهية الشعوب لبعضها بعضاً. كما أن علم نفس الشعوب يقول لنا أن الشعوب القوية والضعيفة على السواء تبحث دائماً عن عدو لها، وهي تقوى بأعدائها. وأن العدو الحقيقي أو الخيالي هو الذي يمكنها لكي تدافع عن نفسها في الداخل والخارج. فلا شعب مُتحفّز بلا عدو. لكن المهم في الأمر أن لا تتحول هذه الكراهية إلى رُهاب أو (فوبيا) دائمة لا تزول حتى بزوال الأسباب المُسببة لها، كما هو حاصل الآن في العالم العربي الذي يُعاني الآن من حالة مزمنة منذ ربع قرن ويزيد مما يُسمّى بـ "الأمريكانوفوبيا Americanophobia" وهو الرُهاب الذي جعل العالم العربي يجفل ويحذر ويرفض كل ما هو أمريكي حتى رغيف الخبز المصنوع من القمح الأمريكي، والذي يُشاع أنه يُضعف القدرة الجنسية عند العرب!

ففقراء أمريكا اللاتينية يكرهون أمريكا الغنية، واليابان والمانيا المهزومتان تكرهان أمريكا المنتصرة، وفرنسا الطامحة في زعامة أوروبا تكره أمريكا الطامحة في زعامة العالم. ولكن هذه الكراهية من قبل بعض دول وشعوب العالم لأمريكا هي كراهية موسمية تتبدل وتتغير إلى حب وودٍّ وصداقة عندما تندمل الجراح وتتبادل المصالح. والشعوب القوية بإرادتها هي التي تحوّل الكراهية القومية والدينية والسياسية إلى مصالح اقتصادية وتنموية ومعرفية.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولويات العهد العراقي الجديد
- ما أحوجنا الآن الى ثورة التغيير في الإسلام
- فوبيا التغيير تفتك بالعالم العربي
- أحمد البغدادي و- الميديا كارتا
- العرب بين تحديات العصر وعوائق التغيير
- العراق في العام الثاني بعد الميلاد
- لماذا ننادي بثقافة التغيير؟
- عودة الوعي السياسي الفلسطيني: -حماس- أنموذجاً
- البغدادي وتجديد الفكر الديني
- محنة العقل العربي: البغدادي أنموذجاً
- الإرهاب الحلال والإرهاب الحرام!
- هند وأحمد وبينهما لينا النابلسي - إن أردتم!
- ماذا بعد -الاستقلال اللبناني الثاني- ؟
- كيف يغسل الأردنيون عارهم بالعراق؟
- عار أعراس الدم الأردنية
- لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟
- بورقيبة ينهض من قبره
- أسطورة الحريري في الحياة والممات
- شمس العراق تسطع على لبنان ومصر
- الملك عبد الله والإعلام الظلامي


المزيد.....




- منهم آل الشيخ والفوزان.. بيان موقّع حول حكم أداء الحج لمن لم ...
- عربيا.. من أي الدول تقدّم أكثر طالبي الهجرة إلى أمريكا بـ202 ...
- كيف قلبت الحراكات الطلابية موازين سياسات الدول عبر التاريخ؟ ...
- رفح ... لماذا ينزعج الجميع من تقارير اجتياح المدينة الحدودية ...
- تضرر ناقلة نفط إثر هجوم شنّه الحوثيون عليها في البحر الأحمر ...
- -حزب الله- اللبناني يعلن مقتل أحد عناصره
- معمر أمريكي يبوح بأسرار العمر الطويل
- مقتل مدني بقصف إسرائيلي على بلدة جنوبي لبنان (فيديو+صور)
- صحيفة ألمانية تكشف سبب فشل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكراني ...
- ما عجز عنه البشر فعله الذكاء الاصطناعي.. العثور على قبر أفلا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا يحبُ العربُ أمريكا كلَّ هذا الحب؟!