أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - لحظة كونية في اللاوعي مع الأديب الشاعر والمترجم الرفيق حميد كشكولي .. -بؤرة ضوء- الجزء الأول















المزيد.....


لحظة كونية في اللاوعي مع الأديب الشاعر والمترجم الرفيق حميد كشكولي .. -بؤرة ضوء- الجزء الأول


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 11:27
المحور: مقابلات و حوارات
    


"بؤرة ضوء" الجزء الأول
قال:
نسبي ربما يصل إلى قصبة محترقة في الأهوار،
إلى سمكة سمراء في بحر "قزوين"،
إلى ذرات غبار تصعد من تحت سنابك خيول المغول،
إلى حجرة في قاسيون.

1.ما أعمقها فضاءاتك .. ! هل هناك من اتجاهات لها وهل أنت متصالح معها ؟ ، أين توقفت؟ ، ما نوع مدادك؟ ، وبأي لون تكتب؟ ماحدود مديات روحك وفضاءات قصيدك ؟

الجواب:
فضاءاتي تشكل عالما يتماهى مع العالم الواقعي، عالم يقيم فيه شاعر في داخلي يشعر بالقلق الأبدي و وتتصادم فيه العناصر و تتآزر إلى ما لا نهاية. واشعر أن في داخلي أنطوي على سلالات لا تعد ولا تحصى من اسلاف ومعاصرين و أخلاف. إنا مسكون بفضول الآخرين حتى في خلوتي و توحدي و عزلتي، أغذي خلالهم روحي باستمرار بلهب الحياة ، لئلا تنطفئ شمعتي . فلا تصالح لي مع فضاءاتي ، ولا توقف .. فالطير لا محالة زائل ، و لا بقاء إلا للطيران ، حسب الصورة الفروغية . ومدادي هو رماد العنقاء الذي تصعد منه الحياة. فالبيئة بمخلفاتها وتحولاتها العديدة ، والطفولة المعذبة ، والفقر و الحرمان القاسي ، كان لها تأثير كبير على شعري ، ووسمت أحلامي بميسمها ، وأثرت في تركيبة البنية الشعرية عندي.
وإن ّ لي خلف عالمي ذوات مشتّتة في الغياب؛ و أبحث في رفرفة الطير ، ولذعة البرد و الصقيع ، و دفء الغيوم عن أسرار الوجود ومأمن المواضع و موزيات الهامي ، حيث تطلّ عليّ نوافذ التّساؤل والتردد والحنين . و تحاورني بصمت أو بصخب دهشة الأساطير. تناديني شتّى أشكال التعبير الإنساني المنبعثة من وصايا الألم والمعاناة ومن ثنايا الحلم والأشواق التي تحمل إليّ الغيب ، بتموجاتها العنيفة و الرقيقة.
لقد كان هاجس الحياة والموت وسؤالهما ما يقلق الشاعر دائما ، الباحث عن الحقيقة و الجمال في الموت و البعث الأزليين ، الملتمس دربه خلل الظلام الى الحلم المشتعل برفرفة جناحي العنقاء لكي يطفئ فيه ألمه المنبعث من الحزن والانتظار ، هائما في دهاليز سبره غور المضي لمعرفة الذات و موسيقى الكون.

**
*
*
قد لمستَ ذكرياتي في أول كتاب أسرقه من مكتبتنا - العقب الحديدية لجاك لندن - كثيرا ما كانت تنكال علينا تحذيرات يومية بعدم التقرب من كتبها خوفا من إتلافها ، وَ " كل ممنوع مرغوب " ، دون أن أعرف ما كنهه، لاحظتُ اهتمام أخي الكبير فيه ، خبأته تحت كتبي المدرسية .. . زادتني قراءته سبر أغوار أحد الإتجاهات الفكرية ، والتعرف على قيمه وأهدافه ونتائجه المادية والمعنوية.

في نداء البراري_ صراخ المحرومين ،" ذكرت أن لينين أبدى وبعض قادة ومفكرين شيوعين آخرين إعجابهم بجاك لندن، مثل تروتسكي وبوخارين وراداك ، وأكدوا جميعهم على بعد نظر الكاتب ، وتوسع آفاقه الفكرية والسياسية في رواية" العقب الحديدية".

ومن رسالة ليون تروتسكي إلى جوان لندن
الرفيقة العزيزة
يعتريني بعض الإرتباك بالإعتراف لك بأنني فقط خلال هذه الأيام الأخيرة، أي بعد تأخر دام ثلاثين عاما، قرأت لأول مرة رواية العقب الحديدية، لجاك لندن.
وقد خلف فيَّ هذا الكتاب تأثيرا قويا – أقول ذلك بلا مبالغة-. ليس بسبب ميزاته الفنية وحسب، إذ لا يقوم شكل الرواية هنا سوى بإتاحة إطار للتحليل والتوقع الاجتماعيين. وعن عمد أقتصد الكاتب كثيرا في استعمال الوسائل الفنية. ما يهمه ليس مصير أبطاله الفردي، بل مصير الجنس البشري. وليس قصدي بتاتا بخس القيمة الفنية للرواية لاسيما فصولها الأخيرة، بدءا من كومونة شيكاغو. الجوهر لا يكمن هنا. لقد أدهشني الكتاب بجرأة واستقلال توقعاته في مجال التاريخ.

2. فهل هناك من جاك لندن آخر يعجب به قادة العرب ، و يسعى إلى زعزعة الذين يستسلمون لسكون الروتين بكتاباتهم ، وإجبارهم على فتح أعينهم، وفهم الواقع وتحولاته؟ هل هناك صرخة للحد من الكوارث الدامية وتراكم الحقد الاجتماعي ،والتمايز الطبقي في تنامي الثروة والقوة عند أغنيائه، وتفاقم البؤس والمعاناة عند فقرائه. ؟

الجواب:
ذكرياتك جميلة في هذا الميدان ، يا فاطمة ، إذ كنا نعيش دائما حالة فقدان الأمان الروحي و الوجودي حتى عند توفر الأمن . كنا نفتقد في الوطن و لا نزال إلى سلام الروح و القلب حتى في الحالات التي توفرنا فيها على حالات سلامة الحجر و سلم الشجر. أتذكر ان كثيرين من عندنا كانوا يتمتعون في اكتشاف الممنوع المرغوب. كل هذا نتيجة التراكم التاريخي لسيادة الاستبداد و الطغيان على مجتمعاتنا.
آراء القادة لينين وتروتسكي و بوخارين تنطوي على مدى حرصهم على تنوير الناس و اشعارهم بأوضاعهم و معاناتهم في ظل النظام الرأسمالي الذي يعيشون في ظله حالة اغتراب واستلاب لا علاج لها إلا بزوال نظام الاستغلال والعمل الأجير.
وأما رواية "العقب الحديدية التي جعلت من الكاتب من أكثر الكتّاب شعبية عند العمال والكادحين والمثقفين ذوي الإتجاهات الإشتراكية، فهي تصوير لمستقبل البشرية، ورواية تمثل أحداثها ثورة المضطهدين ، ونضال العمال الدامي في أمريكا، و تنبئ باقتراب ظهور الفاشية في أوروبا. هذه الرواية كانت تعتبر لفترات طويلة إنجيل الإشتراكيين، لقد وضعها جاك لندن عام 1907 فصور فيها حتمية انتصار الإشتراكية وانهيار الرأسمالية، والصراع الرهيب الذي لا بد أن يدور بين معسكري التقدمية والرجعية، والأساليب الجهنمية التي تلجأ إليها الرأسمالية في صراعها من أجل البقاء.
وقد رأى تروتسكي أن "العقب الحديدية" أفضل وثيقة توضح عملية تشكّل الفاشية، واعتبرها اطارا تحليليا للمظالم التي تتعرض لها البشرية على يد الراسمالية، وأن بطل الرواية يمثل مصير البشرية كلها وهي تعاني في عصر عبادة الربح وفظاعة الإستغلال.
ولا اعتقد بوجود جاك لندن آخر عند العرب في هذا العصر ولم ولن يعجب قادة العرب بأي كاتب ومفكر تقدمي والأمثلة صارخة فيما أقول وطوال التاريخ ، منها أخيرا ما جرى للمفكر الروائي الكبير تركي الحمد من سجن و انتهاك لحقوقه وشخصيته وحرياته . فجاك لندن الأصل وجد في ظروف تختلف كليا عن ظروف العرب المعاصرة، لا لأنه كاتب عظيم ومبدع كبير، وظاهرة أدبية عظيمة ظهرت في أمريكا في القرن الماضي ، ولا لأن آثاره مثلها مثل حياته ملؤها التناقصات، فهي تحتوى على الداروينية، والإنسانية المسيحية، والعدمية الطبيعية، والجبرية الاجتماعية، والبطولية الفردية الاشتراكية. فقد كان مثال المناضل الطليعي في سبيل الإشتراكية، وتحقيق العدالة والمساواة في نظر الإشتراكيين. فالقضايا التي ينبغي للكاتب العربي أن يتصدى لها لا تشبه بتاتا القضايا التي واجها جاك لندن و أمثاله الاشتراكيون حيث كانت الرأسمالية في طور نشوئها ، و اخطر قضية كانت تواجه الانسان هي النضال ضد استغلال العمال و الكادحين ، رغم ذلك كانت البرجوازية تقدمية و تحارب الخرافات و الاقطاع و تقف بوجه سلطة الكنيسة و الاكليروس . ورغم انني لست عالم اجتماع لكنني ارى القوى التقدمية من يسار و علمانيين و متنورين حتى من رجال الدين يمكنهم التضامن والتآزر للوقوف بوجه الهجمة الظلامية التي تجتاح العالم العربي والاسلامي.

- و إنني أرى أن العقب الحديدية ليست الرواية الأفضل لجاك لندن في هذا العصر لشحة العناصر الفنية فيها التي تتوفر في قصصه القصيرة . أنا تمتعت أكثر بمطالعة روايته مارتين ايدن التي تصور التداعيات الجوانية في الانسان اثر علاقاته الرومانسية والاجتماعية ، ومجموعة قصصه القصيرة المسماة " تحت سماء الجليد" . و قصة تحت سماء الجليد قرأتها قبل التحاقي بحركة الانصار ، ولكنني عايشت ُأجواءها أثناء المسير في الثلوج و التعب ومخاطر الموت.

**
*
*

3. ما أفهمه عن الربيع العربي هو نهضة الضمير العربي ضد جور وخنوع الحكام ، ليأتوا بحاكم يعيد حقوقهم المهدورة ويعيشوا في ظل دولة واحدة - أمة - هل قيام ثورات الربيع العربي هو نتاج مؤامرات (من أجندة تفتيت الشرق الاوسط) أم نتاج شعوب ، وما توقعاتك لمساراتها ؟

الجواب:
لقد كتبت مقالا عن الربيع العربي منشور في الحوار المتمدن ، لخصت فيه رؤيتي و أفكاري عنه. نعم ، كان الربيع العربي نهضة للضمير و حركة تحررية للتخلص من الجور والدكتاتورية و الاستغلال و السلطات المافياوية ضاقت الجماهير ذرعا بالحكام الحرامية و القبائلية المتخلفة . لم ينتفضوا ليأتوا بأي حاكم ، بل ليكونوا سادة أنفسهم ، ويستعيدوا كرامتهم و حرياتهم و يحظوا بخيرات بلداانهم . لم يكن عند ثوار الربيع العربي أمة واحدة أو أكثر ، بل كان همهم الانسان أن يتحرر . وللأسف استطاعت قوى الشر والظلام ركوب الموجة بدعم واسناد من القوى العظمى تحريف الثورة عن مسارها و اجهاضها بهدوء و بمختلف وسائل الخداع والتضليل و البلطجة في مقدمتها توظيف الجهل والأمية المتفشية عند الجماهير . المهم كانت تجربة تراكمت عند الجماهير و اكتسبت منها خبرة مفيدة ، و درسا ثمينا للقادم من الأيام و الثورات .. والمثال الساطع في هذا المجال هو اصرار جماهير مصر على تحقيق أهداف ربيعهم الجميل.

* * *
*
*
- يرى ابن خلدون : "أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لسانيٌّ، فلا بد أن تصير مَلَكَة مُتقرِّرَةً في العضو الفاعل لها وهو اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم ،و قال : " اعلم أن اللغاتِ كلَّها ملكاتٌ شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني، وجودتها وقصورها بحسب تمام المَلَكَةِ أو نقصانها
- وتشومسكي : اللساني ، ومؤسس مفهوم مصطلح " الملكة " اللغوية قد وضح ذلك من خلال منطلقين
• الملكة استعداد فطري
• الملكة حركة ابداعية ، تقابل ثنائية اللسان عند سر سور
- وحميد كشكولي قال : يومئذ شعرتُ بمدى أهمية اتقان أكثر من لغة حيّة ، فقد ترجم أحد اصدقائي من الالمانية كراس كارل ماركس " طروحات فيورباخ" إلى الكردية من الالمانية .. لفت نظري مقطع " أن روحا عفنة تهب .. " و كان واضحا لي أن الترجمة كانت غير صحيحة ، فادركت أنه لا بد أن هناك علاقات شائكة قي كثير من اللغات بين " الروح" و" الريح" ، و في العربية نقول" ذهبت ريحهم " حين يصابون بالذل و الهوان.
- وأضاف :
عند قراءتي قصة " أجمل غريق في العالم" رأيتها من أجمل القصص القصيرة للكاتب الكولمبي غبرييل غارسيا ماركيز. قرأتها مترجمة إلى السويدية و الفارسية ، و منذ أيام خلال بحثي في الشبكة العنكبوتية وقعت عيني على ترجمة إلى العربية قام بها د. محمد قصيبات ، لكني بعد مقارنتها مع الترجمتين السويدية و الفارسية اكتشفت عدم الدقة في بعض المقاطع من الترجمة العربية ، وارتأيت تغييرها وفق ما رأيت متطابقا مع الترجمتين الفارسية والسويدية.
- وأنا - ما أعرفه أن ترجمة النص تبنى على أساس فهم المعنى ، تعويض الكلمات والعبارات والتعبير عنها بلغة اخرى بأمانة، رغم أن هناك الکثير من المفردات و الألفاظ ليس لها بديل في اللّغة المترجم إليها. فإن كانت الترجمة رديئة او ترجمة حرفية ( آلية ) سيصعب على المتلقي اكتشاف التأويل في سياق الترجمة التحريرية ، لأنها كامنة في شعور المترجم ولن تاتي كما أراد المؤلف أن يعبر عنه في نصه.

**
*
*
4. هل حميد مع النصوص المترجمة، تكون أقل وضوحا ،وضبابية المعالم، وقد تضعفه وتغتال روحه التي يحملها كاتب النص عند ترجمتها إلى لغة أخرى عن لغاتها الأصل وفق ملكات اللسان ، وجودتها وقصورها بحسب تمام المَلَكَةِ أو نقصانها ؟ هل على المترجم أن يبتكر مفردات جديدة وفق ماقاله ابن خلدون "أن اللغات كلَّها ملكاتٌ شبيهة بالصناعة " ؟، وهل يجب أن يكون أديبا وملماً بثقافة اللغة المنقول عنها؟ إلى أي مدى تعتبر الترجمة وسيلة اتصال نعبر من خلالها الى باقي‌ المجتمعات‌ من‌ دون‌ جوازسفر ؟

الجواب:
للشاعر الكردي الكلاسيكي نالي بيت شعر يقول فيه إنه ملك الاتجاهات الأربعة بعد أن صار صاحب ديوان ينطق بألسنة أربعة ، هي الكردية والتركية والفارسية والعربية. وإنني أشعر بسعادة فائقة حين أقرأ نصوصا بلغتها الأصلية من روايات و شعر و دراسات.
و من البديهي أن المترجم يجب أن يكون ضليعا باللغتين المصدر و المترجم اليها ، و بالمادة التي يترجمها. ترجمة دراسات و ابحاث يجب أن تكون دقيقة ومفهومة وبعيدة عن التلاعب بالمصطلحات و التصرف . يبتكر المترجم مصطلحات ومفردات ان اقتضت الضرورة. ترجمة النصوص الابداعية تتطلب مؤهلات أكبر من قبيل أن يكون مبدعا أيضا و ملما بثقافة اللغة المنقول عنها، وكافة العلوم والمجالات الانسانية ، على الأقل مبادئها الأولية.
فإنني اعتقد أنه لا يمكن تصور حضارة إنسانية بدون الترجمة ، فهي حصيلة جهد إنساني مشترك، أسهم فيه أهل العلم والمعارف والأدب في المجتمعات المختلفة عبر التاريخ و العالم . واضطلعت الترجمة بدور الوسيط الفاعل المؤثر في التعارف والتعاون بين مختلف الجماعات البشرية، وتخصيب معارفها وتلاقحها، وبها تمكّنت الأفكار من التحليق في عوالم جديدة وكُتب لها البقاء والانتشار والنماء. وبالترجمة استطاعت شعوب كثيرة أن تواكب تطور المعرفة وتقف على عتبة الحداثة و الرقاء ، وتحقق تقدّمها ورفاهيتها. و إن أهم ميزة أراها في الترجمة هي أننا نقدر بواسطتها أن نعرف الآخر وندرك الذات ونقيم حواراً بناء ينهي التنازع ويؤسس سلاماً ينعم فيه الجميع.
ولكن ينبغي التنبيه إلى أن قدرة الترجمة على تحقيق التفاعل الثقافي المنشود يتوقف على كميتها ونوعيتها وانتقائيتها وأهدافها، وعلى رغبة المجتمع في الانفتاح على الآخر والإفادة منه وإرادة نخبه في التغيير والتطوير. وهذا ما يجعل الترجمة من أهم بنود السياسة اللغوية للدولة وإستراتيجياتها الثقافية والتنموية. وكثيراً ما تبقى الترجمة مجرد كتابات معزولة لا تؤطرها منظومة فكرية فتعجز عن بلوغ المراد. وإن الترجمة الجيدة لا تحقق التفاعل الثقافي بطريقة متساوية وتلقائية، وإنما قد ينتج عنها تغلغل ثقافي في اتجاه واحد، لأن الثقافة المُنتِجة تكون أبعد أثراً في الثقافة المُستهلكة. الترجمات يجب أن تكون أمينة و أن تنقل الافكار سليمة غير مشوهة ، وارى من الضروري أن تتعدد الترجمات لنفس المادة و تجري مقارنات مستمرة مع ترجمات أخرى لها لكشف الانحراف و الأخطاء التي تحرف و تشوه الفهم .

* * *
*
*

5. قرأت ترجمات عديدة لحميد من الكردية والفارسية والانجليزية والسودية إلى العربية ، ولمست اهتمامك بالمخيال الشعري الوجداني والنزعة الصوفية لحافظ الشيرازي والشيخ جلال الدين الرومي ، هل من سيترجم لهذين المتصوفين يكون حريصا على الروح الصوفية المغموسة بها حروفهما ، وأن يكون له رصيد بالاصطلاحات الصّوفيّة المؤسّسة لرمزيّة قصائدهما الشعرية؟ .. لماذا فقط حافظ الشيرازي وأنا أرى روحك أقرب لسعدي الشيرازي من حافظ ؟

الجواب :
ترجمة النصوص الصوفية عمل ليس بالسهل ،مثلما تفضلت ِ عليه أن يكون حريصا على الروح الصوفية المغموسة بهما حروفهما ، وأن رصيد باصطلاحات الصوفية ورموزها. يمكن عمل مقارنة بين عظيمي شيراز بكل اختصار بأن حافظ كان حقا لسان الغيب بينما كان سعدي يرى الواقع بعقله وفكره . حافظ يغني روحي و خيالي بينما سعدي يوسع آفاق فكري وعقلي.
سعدي الشيرازي من أولئك المصلحين الذين عاشوا في أحلك الظروف الاجتماعية حيث ادلهمت خطوب الجهل الداخلي والغزو الخارجي لتمزق الناس و تذيقهم شتى أنواع الدل والمهانة ، فحمل قيثارة أدبه وظل يعزف عليها في أرجاء العالم الإسلامي، ليكون له الدور الخالد في مخاطبة جيله وكل الأجيال بلغة تنفذ إلى القلب والروح فتوقظ المشاعر الإنسانية من سباتها، وترفع الإنسانية إلى مدارج العزة والكرامة.
وقد ظل الذين جاؤوا بعده يفيضون كثيراً من ألوان التقدير له. وحتى" حافظ الشيرازي "شاعر العرفان الكبير يجعل" سعدي "أستاذاً في جميع فنون الشعر، ليس في نظره – فحسب – بل في نظر جميع الناس.
استاد سخن سعديست نزد همه كس أما
دارد سخن حافظ طرز سخن خواجو
أي: " أستاذ الأدب سعدي باتفاق الجميع / أما لحافظ أدب يحذو فيه حذو خواجو".
وهل ثمة أحد مهتم بحقوق الإنسان ولم يطلع على قصيدته المعلقة في الأمم المتحدة؟
بني آدم اعضـاي يكديگـرنـد
كـه در آفرينش زيك گوهـرنـد
چـو عضوي بـدرد آورد روزگار
دگـر عضـوها را نمـاند قـرار
تـو گر محنت ديگران بي غمـي
نشايد كـه نامت نهند آدمـي
أي: " بنو آدمٍ جسد واحد
إلى عنصر واحدٍ عائد
إذا مس عضواً ألم السقام
فسائر أعضائه لا تنام
إذا أنت للناس لم تألم
فـكيـف تسميـت بالآدمـي"؟
... إنني أشبّه صلة حافظ بسعدي مثل المعادلة التي تربط بين افلاطون وارسطو في اللوحة التي رسمها لهما رافائيل حيث ينظر افلاطون الى السماء بينما ارسطو يتأمل الأرض.
* * *
*
*

6. في الخيال الشعري ذكرت أن كل الفنانين هم شعراء ، إذ يتساوى عندهم التكوين الذهني الذي تنبعث منه الحالة المتميزة التي تؤدي إلى الخلق والإبداع ، أو بتعبير آخر يقومون بنفس الوظائف الذهنية التي تؤدي إلى الخيال ؛ لكن الاختلاف يبرز في التعبير عن تلك الحالة و ترجمتها. فالذي يترجم عن طريق الكلام شاعر والذي يترجم بواسطة نوتات موسيقية ؛ هو موسيقي وبالألوان هو رسام.
حميد كشكولي هل سيقتنص لحظة كونية في اللاوعي يكتب فيها قصائد بدم الشعر، ومن شهق عليك بلعنة الشعر وأورثك حريقه ؟

الجواب:
أرى أن أجمل القصائد هي تلك التي تتسامى من قاع اللاوعي. وكلامي هذا ناتج عن مفهومي للشعر ، إذ لا يمكنني تعريف الشعر ، بينما استطيع أن أقول لك ما هو اللا شعر. عندما تعرفين الماء بأنه اتحاد بيم جزيئين من الهيدروجين و جزيء من الأكسجين مثله أن تعرفي الشعر ككلام منظوم ومقفى او حتى منثور فإنني كشاعر لا استسيسغ هذا التعريف فإنني أتصور الماء انهارا وينابيع متدفقة ، و أو بحارا مائجة ، وأمطارا تهب الحياة للأرض العطشى و تنتعش تحتها الأجساد التعبى . إنني أرى في الماء استمرار الحياة ومثلما جاء في القرآن كل شيء حيّ.
أنا أحببت ُ جدا شعر السياب و عبد الله كوران و لوركا و نيرودا وحين أترجم لفروغ و حاافظ و كارين بويه و إميلي ديكنسون ارى ذاتي ذائبة فيهم ، وكأن قصائدهم تنزف من روحي.

**
*
انتظرونا مع الأديب الشاعر والمترجم الرفيق حميد كشكولي عند " حميد كشكولي الكاتب في كل الأجناس الأدبية" في الجزء الثاني من بؤرة ضوء ..يتبــــعـــــــ



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفقد
- -يالها من حماقة - ..لكارلوس مونييز (مونييث) - الأدب العالمي ...
- حشرجات
- إرهاصات
- ذاكرة من غياب
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- أدلجة الأجناس وحرية الفكر ، حوار مع الأديب والكاتب سنان أحمد ...
- يا مليكي
- ميكافيلية استلاب المراة .. الغاية والمآلات ، حوار مع الأديب ...
- ميكافيلية استلاب المراة .. الغاية والمآلات ، حوار مع الأديب ...
- ميكافيلية استلاب المراة .. الغاية والمآلات ، حوار مع الأديب ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...
- أنت الوحيد
- إسلاموتوبيا العصر في الدين والسياسة ، حوار مع الدكتور جعفر ا ...


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - لحظة كونية في اللاوعي مع الأديب الشاعر والمترجم الرفيق حميد كشكولي .. -بؤرة ضوء- الجزء الأول