أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - مبدأ التكافؤ بين العلم والفهم















المزيد.....

مبدأ التكافؤ بين العلم والفهم


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4114 - 2013 / 6 / 5 - 01:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لقد ظهرت اتجاهات علمية تعبر عن امكانية التعويل على نظرية قبال اخرى تكافؤها، او على مفهوم قبال اخر يكافؤه، نظراً لاعتبارات لا تتعلق بمبدأ التطابق، مثل الطريقة الاصطلاحية التي بشر بها بوانكاريه، لاعتبارات الملائمة وليس التطابق ودرجات المعرفة. وبعد ذلك ظهرت طريقة التكافؤ لاينشتاين، حول الكتلتين العطالية والثقالية، أو بين الأخيرة والتسارع، وقد وظف اينشتاين التكافؤ لحساب الجاذبية من خلال التسارع. ومثل ذلك التكافؤ بين ميكانيكا الموجات لشرودنجر وميكانيكا المصفوفات الجبرية لهايزنبرغ في عالم الجسيمات المجهرية. ومن ثم اخيراً ظهر ما يُعرف بالثنائيات او الازدواجيات لدى نظرية الاوتار الفائقة او كما اطلق عليها ادوارد ويتين نظرية (M) في منتصف التسعينات من القرن الماضي.
لنبدأ باصطلاحية بوانكاريه التي طبقها على الهندسة الكونية ومن ثم على الميكانيكا، وإن لم يعممها على سائر مجالات الفيزياء واعترض على معاصره الفرنسي لي روي الذي قام بهذا التعميم. فقد اعتبر بوانكاريه انه في مجال الهندسة لا فرق من حيث التطابق والتحقيق بين الهندسة الاقليدية وغير الاقليدية، فكلاهما ليسا قبليين ولا مستخلصين عبر التجربة، كل ما في الامر ان الذهن هو الذي يقوم بتعريف وافتراض الحالين، ومن ثم يكون من المفضل الاعتماد على الاولى لملائمتها. لكن برتراند رسل رفض هذا الموقف معتبراً ان الهندسة الفضائية باطلاق من القبليات، أما معرفة حقيقتها ان كانت اقليدية او غير اقليدية فهي تجريبية، وبذلك يختلف رسل حتى مع عمانوئيل كانت الذي اعتبر الهندسة الاقليدية بالذات قبلية انسجاماً مع الرؤية النيوتنية. كذلك فان بوانكاريه طبق نظريته في مجال علم الميكانيكا لنيوتن، فاعتبر قوانينها ليست سوى اصطلاحات يفترضها الذهن دون علاقة لها بالقبليات ولا حتى بالتجربة. فقانون العطالة مثلاً لا يعد قبلياً ولا تجريبياً. وهو يستشهد على عدم قبلية هذا القانون من خلال ما اعتقده اليونانيون العقليون من ان الجسم اذا ترك وشأنه دون ما يعيقه على الحركة فانه سيتحرك دائرياً وليس في خط مستقيم كما هو افتراض قانون نيوتن للعطالة. وبالتالي فميكانيكا نيوتن تختلف عما كانت لدى ارسطو صاحب النزعة العقلية. كما ان القانون ليس تجريبياً، فليس هناك حادثة يمكن ان تكون بمعزل عن تأثير سائر القوى الطبيعية الخارجية.
والحقيقة هي ان قانون العطالة الدائري الذي اشار اليه بوانكاريه لم يكن لليونانيين العقليين من امثال ارسطو، بل يعود الى غاليلو، فهو من كان يعتقد بان الجسم لو ترك لحاله يتحرك دون اي قوة مؤثرة عليه فانه سيستمر في حركة دائرية وبسرعة منتظمة حول الارض دون توقف. وقد كان سانتهلير هو الاخر قد اظهر تقدم ارسطو على ديكارت ونيوتن في عدة مبادئ تتعلق بالطبيعة وحركتها، كما في قوانين نيوتن الثلاثة في الحركة، واولها قانون العطالة القائل: إن كل جسم إذا لم يعترضه عائق ما؛ يمكث في حالة ثبوته وسكونه، وكذا في حالة حركته التي تقع مستوية على خط مستقيم.
في حين كان ارسطو يربط حركات الاجسام بالعلل المؤثرة، وهو يقسم هذه الحركات الى طبيعية وغير طبيعية، وتتمثل الحركات الطبيعية بالعناصر الاربعة، فلكل منها ميل طبيعي، فالميل الطبيعي للتراب مركز الارض، والماء سطحها، والهواء فوقها، والنار قريب مدار القمر. اما الحركات غير الطبيعية فانها تحتاج الى اسباب عرضية، فالعربات مثلاً تحتاج الى خيول لجرها، وهكذا.. وهناك من يقول بان ارسطو يرى بان الجسم لا يظل محافظاً على حركته الا اذا بقي على تماس مباشر مع محرك فاعل باستمرار، وهو ما يعود الى الاسباب غير الطبيعية.
مع ذلك أوضح (ارنست مودي) بأن هناك صلة بين شروح الفيلسوف العربي إبن باجة على أرسطو وبين نظرية غاليلو الخاصة بالسقوط الحر، بل نسب لإبن باجة دوراً رئيساً مكّن غاليلو من تعميم نظرية بوريدان المتعلقة بالزخم أو قوة الدفع الذاتي وتحويلها إلى نظرية عامة في ديناميات القصور الذاتي أو العطالة.
اما مبدأ تكافؤ اينشتاين فهو ذلك الذي حدده بين التسارع والجاذبية والذي يلعب دور المحور الرئيسي في النسبية العامة باعتبارها تتعلق بالتسارع خلافاً للنسبية الخاصة. ويعني هذا المبدأ عدم القدرة على التمييز بين الحركة المتسارعة والجاذبية، لكون كل منهما يضغط على الجسم. ففي غرفة مغلقة (مصعد) سوف لا يعرف ان كان هذا الضغط هو بسبب تسارع حركة الغرفة ام بسبب الجاذبية. وقد سعد اينشتاين حينما توصل الى معرفة هذا التكافؤ، اذ الجاذبية شيء غامض خلافاً للتسارع، لذلك جعل من التسارع مقياساً لفهم مماثل للاولى. فمثلما يحصل تباطؤ في الزمن في حالة التسارع فانه يحصل تباطؤ مكافئ في حالة الجاذبية، كذلك مثلما يحصل انحناء المكان لدى احدهما فانه يحصل ذات الشيء لدى الاخر. وبالتالي يمكن القول ان التسارع يفضي الى انحناء المكان والزمان، وان الجاذبية تعطي ذات هذا المعنى من انحنائهما. كما انه من حق المتسارع ان يرى نفسه ساكناً وان القوى التي يشعر بها هي نتيجة مجال الجاذبية، وكذا العكس حيث من حق الساكن ضمن مجال الجاذبية ان يرى نفسه متسارعاً في الحركة. وطبقاً لهذه النسبية فانه في حالة سقوط مصعد سقوطاً حراً يرى الراصد الخارجي للمصعد ان السقوط ناتج عن حركات غير منتظمة نتيجة التثاقل في الجاذبية او الكتلة الثقالية، فهناك تسارع مستمر. في حين يرى الراصد الداخلي ان الامور ساكنة ومنتظمة تبعاً للكتلة العطالية. والرؤية النسبية المختلفة للراصدين تنعكس فيما لو تم سحب المصعد بقوة ثابتة للاعلى، اذ سيكون مرجع الراصد الخارجي عطالي حيث يرى المصعد يتحرك بتسارع ثابت تحت تأثير القوة الفاعلة به، وان المصعد في حركة حرة مطلقة، في حين يرى الراصد الداخلي المصعد ليس عطالياً بل هناك حقل تثاقلي يجعله مربوطاً بارضية المصعد، وكل شيء يتركه كالقلم والمنديل فانه يسقط على ارضية المصعد المتصاعد. وكلا الرؤيتين صحيحة، اذ الحركة اما مطلقة غير منتظمة دون حقل تثاقلي كما يرى ذلك الراصد الخارجي، او هناك سكون يتسلط عليه حقل تثاقلي كما يرى الراصد الداخلي. ومن وجهة نظر اينشتاين فان كلا المرجعين متكافئين رغم ان الحركة لدى احدهما غير منتظمة او متسارعة خلافاً لما يراه الاخر. وهو ما يجعل حقل الجاذبية التثاقلي يصف الحالتين في المرجعين ممكناً، وانه مثلما يحصل الانحناء في الحقل الثقالي فانه يحصل مثله في حالة التسارع عند رصده من اطار مرجعي غير متسارع من دون فرق. والشيء ذاته يكون في حالة الكتلة العطالية. وبالتالي فان ذلك يجعل التكافؤ بين الكتلتين الثقالية والعطالية متاحاً، والحال ذاته يحصل بين الثقالة والتسارع. بمعنى ان التكافؤ يحصل لدى اينشتاين في حالتين: السقوط الحر والتسارع، ففي كلاهما يحصل التكافؤ مع الثقالة. فعطالة الجسم مثل ما يبديه من مقاومة هي ذات الثقالة مثل ما يبديه الجسم من وزن. وبالتالي انهما مظهران لحقيقة واحدة من دون فرق.
ونلفت النظر الى ما اشار اليه اينشتاين من ان غاليلو كان من الممكن ان يتوصل الى التكافؤ بين الكتليتين العطالية والثقالية في بعض تجاربه الخيالية لولا انه مر عليها مرور الكرام. اذ كان يدرك بان سقوط حجر ثقيل مع شيء اخر خفيف من مرتفع تلقائياً في نفس اللحظة يؤدي الى وصولهما الى الارض في الوقت نفسه. فتساوي تساقط الاجسام الخفيفة والثقيلة تعني بحسب مبدأ اينشتاين ان هناك قانوناً في الطبيعة يجعل الكتلة اذا ما عظمت فانها تكون اكثر مقاومة للتغيير او التسارع وهو معنى الكتلة العطالية، لكن يكافؤها ويساويها انها تكون اكثر قابلية للجذب وفقاً لقانون نيوتن، وهو معنى الكتلة الثقالية، وهما امران متعاكسان ومتكافئان في القوة. لذلك لم يلتفت غاليلو الى مثل هذا التكافؤ في التأثير المتعاكس بين الكتلتين. وبحسب وجهة نظر المؤلف بان العلماء منذ عصر نيوتن كانوا يعرفون التكافؤ بين الكتلتين الثقالية والعطالية، وقد استنتج من ذلك اينشتاين بوجود تكافؤ ايضا بين الثقالة والتسارع. ووفقاً لنظرية نيوتن فان هذا التساوي لا يخلو من غرابة غير قابلة للتفسير، فهي ‹‹محض اتفاق مستغرب››. وان كان بحسب اينشتاين فليست العطالة ولا الثقالة مقبولة للتفسير لدى النسبية العامة. بل ان ما يؤثر هو المجال الزمكاني المنحني عندما ينحني الفضاء بفعل الكتل الموجودة فيه، ومن ثم فان هذا الانحناء هو ما يؤثر على مسارات الاجرام وتحركها.
وينقل ان ما سماه اينشتاين بمبدأ التكافؤ قد سبق اليه ارنست ماخ باكثر من 20 سنة، كما استخدمه بوانكاريه بعده في كتابه العلم والفرضية.
وحول التكافؤ بين ميكانيكا الموجة لشرودنجر وميكانيكا المصفوفة لهايزنبرغ فهو ان ما قام به شرودنجر هو تطوير الفكرة التي اتى بها دي بروي حول التصور الموجي للجسيم كالالكترون، اذ كان دي بروي يتصور بان كل جسيمة يقودها موجة مرتبطة بها، وان طول موجي واحد للالكترون مثلاً هو عندما يكون اقرب للنواة، ومن ثم طولين موجيين في المدار الذي يليه وهكذا.. وقد قام شرودنجر بتحويل افكار دي بروي حول التصور الموجي الى صياغة رياضية متماسكة جعلت ميكانيكيته مكافئة لميكانيكا المصفوفة لهايزنبرغ. فقد استخدم شرودنجر معادلة جبرية من النوع المألوف عام 1926، وكان الغرض من ذلك هو انقاذ روح النسق الميكانيكي القديم بدل معادلة المصفوفات المعقدة، خصوصاً وان تصور شرودنجر قائم على الموجات المتصلة دون انقطاع كما هو التصور الخاص بالمصفوفات. لذلك فانه يمكن تفسير مبدأ الارتياب في الحالتين الموجية والجسيمية. ومع ان لديراك محاولة للتنويع تجعل من نظريته شاملة في تفسير الظواهر الكوانتية، اذ الجبر الكمي الخاص به يتضمن كلاً من المصفوفات والموجات كحالة خاصة، وهو اكثر اناقة وجمالاً بحسب المعنى الرياضي، لكن مع ذلك فقد اختار فيزيائيو العشرينات من القرن الماضي موجات شرودنجر الاكثر الفة من المعادلات، رغم انها تعاني من مشكلة اللانهائيات، والتي تم تطبيعها عبر بعض الحيل الرياضية. في حين اعتبرت طريقة المصفوفات حتى تلك التي طورها بورن ومعاونوه اثر هايزنبرغ خرقاء واقل ملائمة، لكنها مع ذلك فعالة.
يبقى مفهوم التكافؤ لدى نظرية الاوتار الفائقة، فقد لوحظ ان هذه النظرية كانت تعاني من كثرة الاشكال، فليست هناك نظرية واحدة للاوتار، وانما ظهرت خمس نظريات اساسية متنوعة، وهي تتضمن اشكالاً رياضية كثيرة للغاية، وكلها تعتمد على فكرة الاوتار، فكان لكل نظرية سمات مختلفة مثل قيمة ثابت الازدواج والشكل الهندسي واطوال الابعاد الوترية والتجعد وما اليها، وكان هذا الاختلاف مزعجاً للفيزيائيين الذين يتبنون الفكرة، كما انه شكّل علامة تهافت لدى المعارضين للنظرية. لكن في المؤتمر المنعقد حول الاوتار (عام 1995) القى ويتن محاضرة اشعلت فتيل ما يسمى بالاوتار الثانية، مستلهماً في ذلك الابحاث السابقة لكل من دوف وهول وتاونسند واخرين، فقد اقترح بان النظريات الخمس المختلفة للاوتار ما هي الا طرق مختلفة لوصف نفس الاساس الفيزيائي، فعلى الرغم من ان هذه النظريات تبدو مختلفة في بنيتها الاساسية لكنها تصف الاساس ذاته. فهي بمثابة خمس نوافذ للاطار النظري الواحد. وبالتالي وجد ان هناك ادلة متزايدة تثبت بان هذه النظريات الخمس للاوتار ما هي الا ثنائيات، وراى ان هناك نظرية سادسة ستدخل ضمن هذا الهجين المختلط. ومعنى الثنائية هو ان النماذج النظرية التي تبدو متباينة يمكن اثبات انها تصف بالضبط نفس الفيزياء. فالنظرية المختلفة ظاهرياً تعكس حقيقة واحدة في الواقع، فمثلها كمثل من يعرف لغتين ويعرض نظرية ما الى هذه اللغة او تلك حسب ما يفرضه الواقع. فهي من هذه الناحية متكافئة، وبالتالي قد يكون تطبيق بعض النظريات على بعض الظواهر الفيزيائية اكثر ملائمة من غيرها، وكذا العكس صحيح ايضاً.
فنظريات الاوتار كلها اوصاف ثنائية لبنية اساسية واحدة، مثل الثلج والماء، فهما اوصاف ثنائية لـ H2O. فالمسلك الازدواجي القوي لاية نظرية من النظريات الخمس له وصف ثنائي بمدلول مسلك الازدواج الضعيف لنظرية اخرى.
فعندما تكون احدى النظريات ذات ازدواج ثابت قوي فانها تكون مساوية لنظرية غيرها عندما تكون ذات ازدواج ثابت صغير، والعكس صحيح ايضاً. وبحسب هذه الثنائية فانه اذا كانت احدى النظريتين ليس بامكانها حل معضلة معينة فان بالامكان التعويض عنها بالاخرى التي تساويها عندما يكون ثابت الازدواج بينهما عكسياً احدهما قوي والاخر ضعيف. فهي طريقة تستخدم لقياس المسافة والطاقة في حالتين، فتارة يستخدم نصف قطر دائرة R عندما يكون صالحاً، واخرى يستخدم 1/R عندما لا يصلح الاول، لكنهما متكافئان فيزيائياً او هما ثنائيان.
ففي قياس المسافة يكون اعتماد نظرية الاوتار على الطريقة الاسهل والقابلة للتحول من الاولى الى الثانية بحيث يضمن ان الطول لا يتجاوز اقل من طول بلانك. فنصف قطر الكون المقاس باستخدام مجسات الاوتار الخفيفة يكون دائماً اكبر من طول بلانك، وذلك عند الانهيار الكوني الى حجم صغير جداً. فبدلاً من الانهيار الى احجام اصغر من طول بلانك فان نصف القطر عند قياسه بواسطة الاوتار الاخف يتناقص ليصل الى طول بلانك ثم ينعكس لحظياً لينمو ويستبدل الانهيار بالانفجار.
ويعود السبب في اختلاف تقدير المسافة لدى الاوتار الى الاختلاف في كتلة المجسين المستخدمين في القياس. فالوتر الملفوف حول الدائرة هو ذات طاقة دوران عالية لكن طاقة اهتزازه ضعيفة، او العكس بالنسبة للوتر غير الملفوف. الا ان المحصلة في الحالتين واحدة وهي نوع من التناظر.
فهناك تناسب عكسي في الطاقة بين الاهتزاز ودوران الوتر، فنصف القطر الاصغر للدائرة يتحكم باحكام اكثر في الوتر، لذا تزداد كمية الطاقة في حركته. فالتناسب عكسي طبقاً للكوانتم. لكن في المقابل فان طاقة اللف تتناسب طردياً مع نصف القطر اعتماداً على الطول الادنى لالتفاف الوتر. ومن خلال هاتين المعادلتين فان انصاف الاقطار الكبيرة تعني طاقة دوران كبيرة وطاقة اهتزاز صغيرة، بينما انصاف الاقطار الصغيرة تعني طاقة دوران صغيرة مع طاقة تذبذب كبيرة. لكن حيث ان الخواص الفيزيائية تعتمد على الطاقة الكلية لهيئة الوتر لذا لا فرق بين هذين الشكلين السابقين، وهما بالتالي متساويان.
فطاقة اهتزاز الوتر ودورانه متساويان، فطاقة الاشكال الوترية تأتي من مصدرين هما الاهتزاز والدوران، فتارة الاهتزاز عال والدوران منخفض، وتارة العكس اي الاهتزاز واطئ والدوران عال. لكن المحصلة واحدة.
مع ذلك فهناك بعض المشاكل التي تواجهها الثنائيات المتعلقة بنصف قطر الدائرة R و 1/R. فمثلاً ان شكلين من اشكال كالابي ياو ذات ستة ابعاد فضائية تبدو لاول وهلة وكأنهما متباينان في وصفهما للكون الا انهما يؤديان بالضبط الى نفس الخواص الفيزيائية فهما يعطيان اوصافاً ثنائية لنفس الكون. اما المثال الثاني فيتعلق بنصف قطر الدائرة R و 1/R، حيث انهما قابلان لوصف الكون وصفاً ثنائياً.
وعادة ما يشار الى ان نظرية الاوتار تواجه مشكلتين اساسيتين، فأولاً انها تتضمن خمس صور مختلفة. اما ثانياً فهي ان لها حلولاً رياضية كثيرة، لكل حل يتضمن عالماً له خواصه المختلفة عن الحل الاخر، لهذا عدت النظرية بانها الاف النظريات، وهي ما لا تتلاءم مع الواقع الذي نعرفه.
وباختصار فانه ظهر في السنوات الاخيرة بأن للظواهر الفيزيائية توصيفات ثنائية، فمثلما يمكن اعتبار الجسيم يتحرك حول شيء ثابت، فكذا العكس صحيح ايضاً، وهو انه يمكن اعتبار هذا الشيء يتحرك حول الجسيم، كإن يتحرك الزمكان حول الجسيم مثلاً. وبالتالي فالكوانتم تتيح السفر في الزمان في المجالات المجهرية. ونحن نعتبر ان التوصيفات الثنائية ما هي الا تطوير للاصطلاحية التي نادى لها بوانكاريه مطلع القرن العشرين.
هذا فيما يتعلق بمبدأ التكافؤ في العلم، اما في الفهم فعادة ما يتجلى الامر لدى طريقة المتكلمين في تفسير النص الديني. فهم لا يفترضون ان يكون معنى التفسير والتأويل مطابقاً للمراد عادة، بل يقدمون معان عديدة متكافئة للدلالة على المطلوب، شرط ان لا تكون هذه المعاني المتكافئة تعارض القبليات العقلية المسلم بها سلفاً. اما في العلم فالتكافؤ مطلق غير مشروط سوى كونه قائماً على نسق علمي.
فالقاعدة التي يعتمدها المتكلمون في الفهم هي ملاحظة ما يتقرر لدى العقل من إعتبارات (الإمكان والإستحالة). فكل شيء يراه العقل في النص ممكناً فهو مقبول، وكل شيء يراه مستحيلاً فإما أن يتم طرحه أو يمارس في حقه التأويل. وعليه فحقيقة التأويل لدى هذه الدائرة هي النفي لا الإثبات. فالتأويل لا يقطع بمضمون حقيقة ما يتضمنه الخطاب، لكن يكفيه نفي الظاهر منه فحسب. لذا اعتاد أصحاب هذه الدائرة بأن يطرحوا وجوهاً ممكنة متعددة للتفسير والتأويل، كالذي فعله المفسر الزمخشري في (الكشاف)، والشريف الرضي في (حقائق التأويل). وقديماً سأل الخياط جعفر بن بشر المعتزلي عن معنى قوله تعالى: ((يضل من يشاء ويهدي من يشاء)) (النحل/93)، وعن (الختم والطبع)، فقال في جوابه: «أنا مبادر إلى حاجة، ولكني أُلقي اليك جملة تعمل عليها، أعلم أنه لا يجوز على أحكم الحاكمين أن يأمر بمكرمة ثم يحول دونها، ولا أن ينهى عن قاذورة ثم يدخل فيها، وتأوّل الآيات بعد هذا كيف شئت». وواضح من العبارة الأخيرة أنه ليس الغرض إثبات التأويل وتحديد معنى النص كما هو، بل يكفي نفي الظاهر المتعارض مع قبليات العقل المعياري، خلافاً للفهم الجاري وسط النظام الوجودي بشقيه الفلسفي والعرفاني، إذ يعمل على إثبات وتعيين صور التفسير من التأويل والإستظهار والإستبطان وفق ما تحدده منظومة القبليات الوجودية. وإذا عدنا إلى العقل المعياري وما يحمله من ضوابط (الإمكان والإستحالة) سنرى بأن مشكلته تكمن في إعتباراته المتضادة والمتناقضة، فما يكون لدى بعض الإعتبارات ممكناً، يكون لدى البعض الآخر مستحيلاً. وبالتالي فإن العقل يتناقض بتناقض إعتباراته، ومنه ينشأ التناقض في القانون الكلي للمعارض العقلي (أي ترجيح الدليل العقلي على الدليل اللفظي)، ومن ثم التناقض في فهم النص الديني.



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظم العلم والهرمنوطيقا (3)
- نظم العلم والهرمنوطيقا (2)
- نظم العلم والهرمنوطيقا (1)
- الدليل الصناعي وأساليب العلم والوجدان
- ثلاث بنى عقلية منتجة: المثقف العلماني والديني والفقيه
- الفضاء الكوني والعلم المعاصر
- نظرية التجاوز المذهبي
- الفلسفة اليونانية والمصادر القديمة
- الإتجاهات الحديثة وتوظيف الواقع للفهم الديني
- أزمة الإجتهاد الشيعي
- الدليل الاستقرائي عند المفكر الصدر (قراءة نقدية)
- المعنى ومشكلة اللغة
- العرفاء والتنزلات الالهية للوجود
- جواب على سؤال مطروح
- المصلحة ودورها في التشريع
- الواقع وضبط الفتوى
- نظرية الطوفي والفكر الإمامي
- مقارنة بين علم الكلام والفقه
- القراءة الوجودية للنص والفهم السائب
- العقل والإجتهاد


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - مبدأ التكافؤ بين العلم والفهم