أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حامد كعيد الجبوري - ( نلكح من طلع نخلتنه كل بستان ) / النخلة العاشقة















المزيد.....

( نلكح من طلع نخلتنه كل بستان ) / النخلة العاشقة


حامد كعيد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 4114 - 2013 / 6 / 5 - 00:01
المحور: الصناعة والزراعة
    


الكثير يعتبر النخل سيد الشجر وهناك بيت شعر للجواهري الكبير بمقصورته العصماء بهذا الباب يقول فيه ، ( على النخل ذي السعفات الطوال / على سيد الشجر المقتنى / على الرطب الغض إذ يجتلى / كوشي العروس وإذ يجتنى) ، وربما النخل الشجر الوحيد الذي يستفاد من كل جزء فيه ، بدءاً من الساق وصولا للجذع والسيقان والأوراق ، وحتى الجذر الذي بجوف الأرض له فوائد جمة يعدها المختصون بالزراعة ، ناهيك أن التمر من أغنى الفواكه بالفيتامينات التي تمد الجسم بما يحتاجه من طاقة وسعرات حرارية ، ( بيت لا تمر فيه جياع أهله ) هذا ما روّي عن الرسول الأعظم ( صلعم ) ، أضف لذلك أن الكحول تستخرج من التمر ، والكحول دخل الصناعات الطبية وغيرها ، وكذلك مادة ( الدبس ) التي تعتبر من متطلبات بيوت الفقراء ، وكثير من صناعة الحلوى تنتج من مادة التمر ، ونوى التمر مفيد كعلف لكثير من الحيوانات وفي مقدمتها الجمال لاحتوائه على الكثير من المواد ( البروتينية ) والدهون ، وجذع النخلة يستخدم كسقوف لبيوت فقراء الناس ، وما أكثر الفقراء في العراق ، و (( جريد )) النخل هكذا يسمى عند العامة ) أي السيقان ( الطرف ) بعد نزع الأوراق ((الخوص )) وهذه تسمية العامة أيضا ، ويستخدمه العمال المختصون بهذه الصنعة النادرة في كثير من الصناعات وهي ( الأسرة ، الكراسي ، أقفاص الطيور الأليفة والمهجنة ) ، وأما الأوراق ( الخوص ) فتستخدمه النسوة في كثير من الصناعات البدائية ومنها ، ( الزنبيل ) وهو السلة أو السلال الصغيرة لوضع ما يشترى من الأسواق فيها ، المروحة اليدوية ( مهفة ) ، مكنسة لتنظيف البيوت ، الحصر - الحصران -/ وهي عبارة عن نسيج من الخوص يخاط بعض لبعض ويفرش في بيوت الفقراء للجلوس والمنام عليه أيضا ، وأما الآن فأصبح من الصناعات التراثية لانقراض هذه الصنعة ) .
الحج لبيت الله الحرام خمسينات القرن الماضي يختلف عن حج أيامنا هذه ، كانت الرحلة تستغرق أكثر من شهرين وقد تصل لثلاثة أشهر متتالية ، وقسم من الحجاج ينطلق لبيت المقدس أولا ومن ثم الذهاب للديار المقدسة والعودة عن طريق إيران بعد زيارة مشهد الإمام الرضا ( ع ) ،ومنهم من يذهب لإيران ثم الديار المقدسة ثم العودة من بيت المقدس ، وتهيأت الفرصة لوالدي الفلاح أن يحج بيت الله الحرام ، أنطلق موكبهم لبيت المقدس مرورا بالديار المقدسة وعودة عن طريق المحمرة ثم البصرة ثم الحلة ، جاءنا يحمل بين يديه لينة ( فسيل نخل ) ، قلت له وأنا الطفل الصغير الذي لم يدخل صفوف المدارس بعد ، ما هذا يا أبي ؟ ، أين هديتي ( الصوغة ) ؟ ، ضحك بوجهي وقال لا تستعجل لنزرع هذه النخلة أولا ، لا يزال بملابس سفره وأقاربي تحيط به للسلام عليه وتهنئته بسلامة العودة وهو مشغول أين يزرع نخلته ، أختار لها مكانا قريبا لبيتنا الطيني وهيأ تربتها بعد أن مزجه بشئ من السماد العضوي وزرعها وأمرني بسقايتها وعاد ليرحب بضيوفه الأقارب والأصدقاء ، كان يرقبها ويحيطها بعنايته وسورها بسعف النخيل ليحميها من حيواناتنا المنزلية ، سألته ما هذه النخلة يا أبي ؟ ، أجابني بثقة تامة أني أكلت تمرا من أمها في المحمرة ولم أجد ألذ منه ، وسألتهم عن أسمه فقالوا أنه ( الشُكَر ) بضم الشين وفتح الكاف ، وأضاف أن هذه التمرة طرية وحلاوتها ليست من النوع الذي يحرق القلب ونسميه نحن أصحاب البساتين ( تمرة باردة ) ، قلت له في بستاننا نفس هذا الصنف ، قال لا فهو يختلف عنه وهو أي التمر قابل للجني اليومي وقابل للتخزين السنوي بعد أن يوضع بما نسميه ( كيشه ) ، وهي عبارة عن حاوية تصنع من سعف النخل لحفظ التمر فيها ، شاء الله أن تكبر نخلتنا ( الأحوازية ) وأكلنا من تمرها ، وفعلا كان لذيذا أفضل من ناتج نخلتنا شبيهتها بالتسمية ، ولأن والدي رحمه الله خصها بعنايته فقد ضَخُم جذعها وكبرت سيقانها – الأطراف - واخضرت بشكل ملفت لنظر من يدخل بستاننا الصغيرة ، لم نحصل من تمرها إلا القليل لأن والدي كان يوزعه لأصدقائه المقربين ولأقاربنا ، ومؤكد أن النخلة سيكون لها فسائل كثيرة لذا أحتفظ ببستاننا أكثر من فسيل ووزع الباقي لمن يحب ، فوجئنا أن رأس النخلة بدأ يميل جهة الشرق وبدا ذلك واضحا بمرور أشهر السنة ، ذهب لدائرة الزراعة ولم يحصل منهم على جواب شاف ، قال أحد الفلاحين المعمرين أنها أصيبت بداء ( الجرنيبه ) - تسمية محلية تختلف من مدينة لأخرى - وهي حشرة تشبه الأرضة تنخر رأس النخلة وجذعها لتصل إلى اللب وهو الغذاء لتلك الحشرة ، عالجها بمبيدات كيميائية ولم يحصل على نتيجة ، قالوا له أحرق رأس النخلة بالنار ، وفعلا حرقها وماتت الأطراف فترة واخضرت من جديد وبقي رأس النخلة مائلا أيضا ، أحتار في ذلك كثيرا وخاف أن يفقد نخلته النادرة ، ونصحته جارة لنا من أهالي الناصرية أتت مع أبنتها المعلمة التي عينت على ملاك تربية بابل واستأجرت دارا لنا قرب البستان وقالت له أن نخلتك عاشقة ، أجابها بتعجب واضح نخلتنا عاشقة !!!؟ ، قالت هكذا يقال لمثل هذه الحالة في الناصرية ، وحرام عليك أن تلقحها من طلع ( الفحل ) الموجود ببستانكم وعليك أن تطلب لها طلعا من ( فحل ) البستان الذي مالت أليه ، وفعلا السنة القادمة أخذ لها لقاحا من البستان التي مالت نخلتنا نحوه ، وأنتجت تمرها دون أن يعود رأسها للاعتدال مجددا ، لم يكترث لذلك وقال ربما السنة القادمة ، ومرت السنين ونخلته كما هي ، وتذكرت شطر بيت أستثمره الشاعر الشعبي الراحل ( كاظم الركابي ) بقصيدته ( مناجل ) بهذا المضمون الذي يقول فيه ( ونلكح من طلع نخلتنه كل بستان ) ، دلالة على الفكر ألأممي الذي أراد أن يسود الدنيا ، ولكن جهود والدي كلها باءت بالفشل وأستسلم لأمره معللا نفسه أنه طالما لم يتغير الناتج ولم تقل كميته عن السنين الماضية لذا أذعن لمصير نخلته وقبل بواقعها المر .
كبرنا ورحل والدي وأستملك بستاننا لتوسعة مركز مدينة الحلة الفيحاء ، وبنينا دارا كبيرة بنفس مكان بستاننا التي أصبحت جزءا كبيرا من حي يسمى ( الخسروية ) ، وزرعت بحديقة دارنا نخلة نادرة جلبتها من محافظة البصرة ( برحي ) ، وهي أفضل من نخلتنا التي مرضت وقصت من قبل بلدية الحلة ، وتمتاز نخلة ( البرحي ) بميزات تشبه نوعية ( الشكر ) وتتفوق عليها ، والنخلة التي رعيتها تعملقت ، وكبر جذعها وأطرافها بشكل ملفت للنظر و يسمونها الفلاحون ( طاغية ) ، و( للبرحي ) ميزات كثيرة تختلف عن بقية النخيل ، منها أن ( العثق / العثك ) يكبر بأكثر من ضعف عن بقية النخيل ، و( للعثق ) زند – ساق أخضر يوصل الغذاء لحبيبات التمر متصلا بقلب النخلة - أطول بكثير عن أخواتها النخيل ، وأطرافها أكبر وأضخم من بقية النخيل ، شاءت الظروف أن يميل قلب نخلتي كما مال قلب أو رأس نخلة والدي ، حزنت كثيرا لذلك وليس بيدي حيلة لأن والدي لم يترك سبيلا إلا وسلكه ، وأصبح الحصول على فلاح يقوم بتلقيحها وتنظيفها مهمة ليست بالسهلة ، وخاصة أنا سمنت وكبرت وليس بمقدوري تسلقها وعنايتها ، وأنا أتابع حالتها خطر ببالي شئ بخصوصها ، لاحظت أن النخلة مالت تجاه الشمال ولاحظت كثرة ( العثوق ) تجاه الشمال أيضا ، بمعنى أن ثقل ( العثوق ) تسحب قلب النخلة تجاه الوزن الأكبر ، تناسيت وزني وعمري وتسلقتها وصعدت لقلبها وبيدي السكين الخاص بقص ( العثوق ) واجتثثتها مع قسم كبير من الأطراف ، وأتبعت عملي هذا العام التالي فلاحظت أن رأس النخلة ( قلبها ) بدأ يعتدل شيئا فشيئا وعادت لما كانت عليه ، هرعت لقبر والدي في النجف الأشرف ووقفت قبالة قبره وقرأت سورة الفاتحة وقت له لقد وجدت علاج نخلتك العاشقة يا أبي .



#حامد_كعيد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءة / الحلة واسطنبول وقاسمهما المشترك !!!!
- الشعر الشعبي ... ومهرجان بابل للثقافات والفنون العالمي الثا ...
- الشاعر الشيخ ( حسن العذاري )
- د . صباح نوري المرزوك ... قلم لا ينفد مداده !!!
- منتدى النخبة الثقافي و ... الشعر رسالة وقضية !!!
- منتدى النخبة الثقافي و ... الشعر رسالة وقضية !!!
- إضاءة / الحملة الوطنية العليا لهدر المال العام !!!
- إضاءة / أحسان الحلي وطن مغترب !!!
- إضاءة ( هواي الصوِّر وشويه الحياطين )
- قصيدة ( أبيع الصوت )
- إضاءة ( من لم يمت بالسيف مات بقندره )
- إضاءة / عبد الكريم قاسم ونوري المالكي !!!
- معمل سجاد الحلة اليدوي ... أنتاج نوعي مميز !!!
- ( لا دار أله ولا لحد )
- إضاءة / دار ..دور ..السياسة الطائفية !!!
- ( سوله بينه ) الى قلبي الذي رحل !!!!
- إضاءة / حذارِ من دعوات الشيخ الإبراهيمي !!!!
- الإتحاد العام للشعراء الشعبيين في العراق يشكر السيد طاهر الم ...
- غرفة تجارة بابل تخرج عن ما تألفه الغرف التجارية !!!!
- إضاءة / سوريا والذبح الإسلامي !!!


المزيد.....




- أضاءت عتمة الليل.. لحظة تفجير جسر لاستبداله بآخر في أمريكا
- إطلاق سراح محسن مهداوي.. كل ما قد تود معرفته عن قضية الناشط ...
- بسبب جملة -دمروا أرض المسلمين- والدعوة لـ-جحيم مستعر-.. القب ...
- من النكبة ثم الولاء للدولة إلى الاختبار -الأكبر-... ماذا نعر ...
- كلمة محمد نبيل بنعبد الله خلال اللقاء الوطني تحت عنوان: “ال ...
- سلطات تركيا تنفى صحة التقارير عن عمليات تنصت على أعضاء البرل ...
- بلدان الشرق الأوسط بحاجة إلى حلول
- تزايد معاناة عمال فلسطين بعد 7 أكتوبر
- إسرائيل تطلب مساعدة دولية جراء حرائق ضخمة قرب القدس وبن غفير ...
- المرصد السوري: 73 قتيلا غالبيتهم دروز في اشتباكات طائفية وار ...


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - حامد كعيد الجبوري - ( نلكح من طلع نخلتنه كل بستان ) / النخلة العاشقة