صباح نيسان
الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 00:36
المحور:
الادب والفن
ديك سيادته الصباحي / قصة قصيرة
في وسط المدينة عند الفجر ، صاح الديك ، فأستيقظ الرجل غاضباً كعادتهِ كل يوم ، لكنه هذهِ المرة قرر ان يوقف فوضى صباحاتهِ الكئيبة ، وان يتخلص من صداعهِ اليومي الى الابد ، نظر الى زوجتهِ النائمة في فراشها الوثير ، فأراد ان يقول لها ( أنكِ الوحيدة التي تترفه بما أملك ) لكنه لم يجرؤ لأن قافلة الكلام كانت ستبدأ رحلتها دون توقف ، فتح باب جناحهِ المؤطر بالفضة والنحاس ، ونادى على حارسهِ الشخصي ، كانت علامات الغضب الصباحية هذا اليوم لها دلالات جديدة ، فعيناه حمراوان جداً ، واوردة رقبتهِ كانت منتفخة ، ولم يكن يرتدي ثوب النوم الفاخر فوق سروالهِ الطويل وفانيلتهِ البيضاء ، وبصوت يشبه الصراخ امر حارسهِ أن يأخذ دورية عسكرية في الحال للبحث عن الديك الذي يصيح كل يوم وينتشله من ميدان احلام نومه الشاسعة .
فتح باب الشباك ، ومن خلف الزجاج المضاد للرصاص ، نظر نحو نهر دجلة والى بستان حديقتهِ التي تغرز اوردتها في النهر ، نظر الى ازواج الفخاتي وهي تحلق بين اشجار النارنج والبرتقال والليمون ، فأستبعد فكرة قتلها ببندقية الصيد ، لأن صياح الديك لازال يثير فيهِ جزئية صغيرة من ذاكرته الكبيرة المدورة .
دخل صالة الطعام وأمر مجموعة خادماتهِ الاسيويات الجميلات بأعداد وجبة فطور كبيرة ، لأن هرمونهِ العصبي يفتح له ابواب الشهية على مصراعيها ، تناول علبة سكائره الكوبية الاصلية ، تحسس احداها ، فتجدد شعوره مع كل ملفوفة يشمها ، ( ان فكرة لمس افخاذ العذراوات من خلال السيكارغير مجدية ) فأزدادت أمارات غمهِ اليومي ، كان وجهه متجهماً ، ونبرة صوتهِ تزداد خشونة مع مجموعة اوامره اليومية المعتادة ، الموجهة كل يوم الى مدير مكتبهِ في الطابق السفلي ، الى رئيس حرسهِ الشخصي ، الى رئيس حمايات موكبهِ ، الى طبيبتهِ الخاصة ، الى رئيس فلاحي القصر ، الى خياطهِ الخاص .
عاد حارسه الشخصي بعد ساعة من الزمن ، وهو يطمأنه بأنه تم بعون الله قتل كل الديكة ومصادرة الآف الدجاج من البيوت ، وتكسير كل البيوض التي من الممكن ان يفقس منها ديك في المستقبل ، واعتقال كل اصحاب محلات بيع الطيور ، ومصادرة اقفاصهم وأخذ تعهدات منهم بمزاولة مهنة اخرى ، واستجواب الباعة المتجولون ، واصحاب ( البسطيات ) لأن صياحهم احياناً يشبه صياح الديكة .. بحركة صغيرة من يدهِ انسحب الجميع ، وبقي وحيداً مع ذاتهِ ومع مائدة الطعام الطويلة ، شعر براحة نفسية مفاجئة ، فهي المرة الاولى التي يواجه فيها احدى جوانبه النفسية المظلمة ، أذ بقي سنوات طويلة يخشى الاعتراف لنفسهِ بأنه كان فلاحاً بسيطاً ، ينام باكراً بأمرمن والدهِ ويستيقظ فجراً بصيحة اولى من ديك المزرعة الاحمر .
في فجر اليوم التالي .. صاح الديك .. استيقظت حاشية القصر على اصوات تحطم ادوات القصرالثمينة ، وعلى اصوات صراخ سيادتهِ ، كان الحارس الشخصي هو اكثر من تلقى الشتائم والاهانات والتهديد والوعيد ، وهو الوحيد الذي ظل مندهشاً فعمله كان متقناً للغاية ، وهي المرة الاولى التي يفشل فيها في اتمام مهمة موكلة اليه ، وبدون اوامر عليا اعددن مجموعة الخادمات وجبة صباحية كبيرة ، قبل ان تستيقظ سيدة القصر الغارقة في النوم .
في الليلة ذاتها ، نام الجميع الا الحارس الشخصي ، فقد بقي يترقب الفجر ، على الرغم من مصادرة كل الاناث من طيورالبط والدجاج الشامي والاوز وبعض النعامات خوفاً من ان تكون احداها قد تزاوجت مع احد الديكة ، فتنتقل جيناته الوراثية الى افراخها ومنها جينة صياح الديك .. عند الفجر وبينما لايزال الحارس في دائرة الامان سمع صوت اطلاقات نارية كان مصدرها جناح سيادتهِ ، فهرع الحارس اليه فوجده يطلق النار من الشرفة في الهواء ، بأتجاه طيور البستان من عصافير وبلابل وانواع اخرى ، كان وجهه ينم عن غضب عظيم ، ويداه ترتعشان ، فنظر الى حارسه قائلاً ( اخرج قبل ان ارديك في الحال ) وقبل ان يخرج من الغرفة سمع صوت سقوط سيادتهِ على الارض مغشياً عليه ، بينما لاتزال زوجته نائمة .
في غفوتهِ الاجبارية والقسرية ، تراءت له صور حياتهِ ، كان حلماً ربما هو ما اوصله الى لجة معاناتهِ في قريته الصغيرة ، حيث لايوجد فيها سوى ساقية وحيدة ، واعشاب برية ، وبيوت طينية متناثرة ، وقسوة اب ، وفقر شديد ، وعمل في الزراعة ، ولقب التصق فيه عمراً ، كانت صورته وهو صبياً يحاول قتل ديكهم الاحمر هي المشهد الرئيس للحلم .
في اليوم ذاته وصل الطبيب الاجنبي على عجالة ، وبعد فحوصات علمية وتحليلات دقيقية مكثفة ، وادعية حاشية قصرهِ كل حسب ديانتهِ ، تبين انه يعاني من اضطراب نفسي حاد ، يحتاج الى الراحة التامة ، بقي الطبيب عنده حتى فجر اليوم التالي ، عندما فتح عينيه على سعتهما ، وعلامات الغضب والخوف بادية على وجههِ ، وهو ينادي ويطلب ويأمر بأسكات صوت صياح الديك ، فتدخل الطبيب بسرعة بأن اعطاه جرعة كبيرة من المهدئات ، وامر بنقلهِ على الفور الى المستشفى الرئاسي على الضفة الاخرى ، بينما عادت زوجتهِ الى غرفتها للنوم .. وهناك وبعد جهود حثيثة وكثيفة ، بعد حملة وطنية مكثفة للقضاء على كل انواع الطيور على ضفتي نهر دجلة ، تبين ان صوت الديك يتعالى من رأسهِ مع كل اطلالة شمس جديدة ، وولادة نهار آخر، وهنا كتب الطبيب وصفته الوحيدة في تقريره الاخير ( أما ان يتصالح سيادته مع كل الديكة في العالم ، او يطلق رصاصة على ديك رأسهِ ) .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟