|
معذرة لكل المتحمسين للعصيان المدني
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 05:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
على الرغم من محاولاتي المتكررة لأكثر من شهرين في أن أكون ضيفا على فضائية عربية تتجرأ بعرض وجهة النظر الداعية للعصيان المدني في الثاني من مايو، فقد باءت محاولاتي كلها بالفشل مع ( العربية )و( دبي ) و( أبو ظبي )و ( المستقلة ). وكان هناك أمل يبرق ويخفت مع ( الجزيرة ) في برنامجها الأكثر شهرة ( الاتجاه المعاكس ). وتمت توسعة نطاق الدعوة للعصيان المدني رغم اختلاف كل قوى المعارضة المصرية معنا في التوقيت ورفضهم المشاركة فيه، بل اعتبار بعضهم أن الموعد المحدد قد يضر فكرة العصيان لأنه محدد سلفا بفشل تراه كل رموز المعارضة أمرا حتميا لأنها أيضا غير مشتركة فيه. وتضاعف الحماس، وتوهج من شباب يرون أن الانتظار حتى الانتخابات المقبلة يبدو كأنه مشهد عبثي لا يحتمل التأجيل، فالوطن يحترق، والرئيس حسني مبارك التصق بكرسي السلطة ولا تستطيع قوة أن تزحزحه عن موقعه إلا أن يكون عصيانا مدنيا أو انقلابا عسكريا أو زيارة خاطفة من عزرائيل إن لم يجده في قصر العروبة فربما يعثر عليه في قصر عابدين أو يتوجه للمهرب الأخير في ثكنته الأمنية بشرم الشيخ . خلافنا نحن دعاة العصيان المدني في 2 مايو مع قوى المعارضة ينطلق أساسا من رفضنا رد الروح لنظام يترنح، واعتبارنا الانتخابات والترشيحات مهانة مذلة لشعبنا فهي صك براءة لكل الجرائم التي ارتكبها الرئيس حسني مبارك وأعوانه في حق شعبنا طوال أربعة وعشرين عاما. ولكن قوى المعارضة لها حساباتها ورؤيتها التي لا تجعلنا نطعن في وطنية أحد حتى الذين صفعهم الرئيس على أقفيتهم عندما وافقوا على تأجيل الاصلاحات إلى ما بعد الاستفتاء، فجاءهم بقطعة جزرة وقرر تغيير المادة 76 بشروط أكثر صعوبة من شروط صاحب عمارة لبيع شقة لزوجين لا يملكان قيمتها! وهنا ينبغي أن ننحني احتراما للحزب الناصري الذي لم يسقط في فخ الاصلاحات بعد الاستفتاء، وجلس الآخرون على ركبتي السلطة ترضعهم وتهديء من روعهم ثم تطلب منهم النوم المبكر! ذكرت من قبل بأنني حاولت اقناع الدكتور أيمن نور أن ينسحب من الترشيح أمام سيد القصر، فالرجل الهارب في شرم الشيخ تتعلق شرعيته الوحيدة الآن بالخوف الكامن في الصدور، لكن الحقيقة أن مصر العظيمة بشعبها الصابر المسكين لم تبغض وتكره زعيما كما هي مع الرئيس حسني مبارك. وطلبت من الدكتور أيمن نور أن ينضم للعصيان المدني فهو أشرف له من الحصول على 49% من أصوات المصريين أمام مبارك الأب أو الابن. وتمنيت على المناضل الوطني حمدين الصباحي أن ينضم معنا إلى العصيان المدني، ولكن الرجل الذي تدعمه شعبية كبيرة وتسنده مواقف وطنية كثيرة اعتذر قائلا بأننا في حزب الكرامة غير مشتركين في العصيان المدني. أعترف بأن كتابات الدكتور عبد الحليم قنديل كانت هي الأقرب للدفع ناحية حركة تمرد سلمية واسعة، خاصة وأن له قدرة كبيرة على التأثير ولم يقدم تنازلات للنظام كما فعل الآخرون وتدعمه كوكبة من المثقفين والوطنيين، لكن الرسالة الشفوية التي تسلمتها عن طريق طرف ثالث في المؤتمر القومي في الجزائر كانت واضحة: تمنياتي لكم بالتوفيق لكننا لسنا مشتركين في العصيان المدني لأننا نرى الثاني من مايو موعدا غير مناسب، وأن محمد عبد المجيد حدد يوما للعصيان دون أن يستشير أحدا! بقي شباب عراة من دون قيادة، يتحركون بشجاعة نادرة في مدن مصر، ويوزعون بيان ( خمسون إجابة لخمسين سؤال عن العصيان المدني ) في الجامعات والمصانع والشوارع وينتظرون معجزة من جبهة معارضة أو أحد رموز القيادات الوطنية داخل مصر ليدفع بقوته ناحية العصيان والرفض الكلي لاستمرار الرئيس حسني مبارك يوما واحدا في الحكم بعدما وضع مصر كلها تحت قدميه ودهسها احتقارا وازدراء. وفشلت كل محاولاتنا لأقناع رموز المعارضة الشريفة أن بلدهم ووطنهم وشعبهم لم يعودوا يستطيعون الاستمرار في هذا القمع والقهر والانتهاك والعدوان، وإذا لم يغضبوا الآن فمتى تخرج الجمرة من هذه الصدور. وفجأة ظهرت في الأفق نجمة أكثر سطوعا من كل ما يبرق أو يضيء أو يشتعل في الكون. وافقت ( الجزيرة ) على حلقة خاصة من ( الاتجاه المعاكس ) في 26 ابريل عن العصيان المدني في مصر، على أن أكون أحد الضيفين بدون أي خطوط حمراء لم يكن يهمني الضيف الآخر، وقلت للدكتور فيصل القاسم هاتفيا: حتى لو جاء جمال مبارك أو والده! شريط طويل من جرائم الحكم اختلط بمشاعر الفرحة في نفسي وكدت أرى مشهد حلم يتحقق بعد الثاني من مايو، وطائرة الرئيس تقلع من شرم الشيخ في عيد ميلاده فيجبرها سلاح الجو المصري بأبطاله الوطنيين على العودة ليحاكم على جرائم ربع قرن. وأبلغت الكثيرين بأن لدي أخبارا سارة قد تفجر يوم العصيان المدني لتحرير وطننا في تحريض علني فضائي يتجاوز كل الخطوط الحمراء وحواجز الأثير. وأعترف للحقيقة أن الدكتور فيصل القاسم كان أمينا مع معطيات الحلقة، وكان متحمسا لها على الرغم من أن مقالا في ( ايلاف) كتبه عبد الله كمال يحذر فيه الفضائيات من الحديث عن العصيان المدني وكأنه يتحدث بلسان حاكم شرم الشيخ. وانتظرت على جمرات تشعل الفرح والغضب بنفس القدر، وقرأت أثناء تلك السويعات الطويلة خبر اعادة تلميع الرئيس على مدى سبع ساعات لاعادة تأهيل شعبنا على مزيد من الذل والقمع والصمت، فاختار الرئيس عماد الدين أديب محاورا وشريف عرفه مخرجا والحزب الوطني متفرجا. واكتمل استعدادي النفسي والذهني، وتم الاتفاق المبدئي، وحجز الغرفة في فندق في الدوحة، وانتظار تحديد موعد السفر. وكنت أريد أن أتحدث في ( الاتجاه المعاكس ) عن مظاهرات ( كفاية ) في اليوم التالي داعما إياها، ومحرضا على الخروج مع هؤلاء الرجال والنساء الذين يتصدرون حركة التمرد والنضال والرفض للاستبداد والتوريث والتمديد حتى لو لم تتبن ( كفاية ) دعوتنا للعصيان المدني وجاءني الخبر الصدمة فلم تصدق أذناي شيئا مما سمعت. واتصلت بالدكتور فيصل القاسم وقلت له بأنك لو دخلت في أعماقي لوجدت مناحة من الحزن! كان الرجل شجاعا، وصريحا جدا، وقال بأنه أعد البرنامج بالفعل وكتب المقدمة، وكان واثقا من نجاح الحلقة بعدما قرأ البيانات والمقالات والتعليقات بعين الاعلامي المتمرس. لقد جاءت أوامر وتوجيهات من أعلى الأعلى برفض الحلقة رغم أن هذا لا يحدث إلا نادرا جدا مع الدكتور فيصل القاسم، فالدوحة ترفض توجيه ضربة لنظام شرم الشيخ الذي يحتضر. رفضت دولة قطر ازعاج النظام المصري في الوقت الذي يأتمر وزير الاعلام في ماسبيرو بتوجيهات الرئيس للهجوم على قطر والتشكيك في ( الجزيرة ) بتهديد صريح ومبطن. لم أشك لحظة واحدة بعد الحديث المؤثر مع الدكتور فيصل القاسم بأن الرجل كان منحازا للحرية، وأنه كان متحمسا للحلقة بعدما طلب مني في المكالمة الأولى أن أكون مستعدا لطرح قوي ومنطقي ومعلوماتي وساخن. هل يعني هذا أن العصيان المدني سيتوقف؟ معاذ الله أن نكون من المتخاذلين. وسنحضر بإذن الله وقائع محاكمة الرئيس حسني مبارك، ونهنئ هيئة المحكمة، ونستمع للائحة اتهامات تطول بطول الوطن الحزين. أما العصيان المدني فحتى لو خرج عدة آلاف أو بضعة مئات أو لم يخرج أحد في الثاني من مايو والأيام التالية، فإن فجرا مشرقا سيبزغ على مصر الطيبة، ويمسح دموع الوطن، ويطهر جروح أم الدنيا، ويعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سينجح العصيان المدني بدون قيادة؟
-
من الذي يفرط في كرامة السوريين؟
-
هل يصبح 2 مايو 2005 يوم التحرير من نظام مبارك؟
-
المأزق المغربي .. ملك في مهب الريح!
-
معذرة أيها الأحمق، دع لنا الرئيس مبارك وخذ عصيانكم المدني
-
الإعلام السعودي .. ثورة من الداخل أم النوم في العسل؟
-
المخاض الكويتي .. قراءة في المستقبل أم رجم بالغيب؟
-
الوصف الإيجابي في صناعة الإرهابي
-
الحركة المصرية من أجل التغيير والعصيان المدني وانتقام الرئيس
...
-
رسالة من الرئيس حسني مبارك إلى المصريين .. سأجعلكم تلعقون تر
...
-
أيها المصريون ماذا تنتظرون .. لقد هرب الرئيس ؟
-
البحث عن زعيم لمصر
-
العصيان المدني بين حمدين صباحي وعبد الحليم قنديل
-
نداء هام إلى مؤتمر ( كفاية ) المنعقد 14 مارس 2005
-
الرئيس حسني مبارك يدعو للعصيان المدني!
-
سنقتل الدعوة للعصيان المدني في مصر
-
خمسون إجابة لخمسين سؤالا عن العصيان المدني في مصر
-
حوار بين إبليس والرئيس حسني مبارك .. حديث عن العصيان المدني
...
-
قائد الفاتح يسقط في المصيدة
-
المسكوت عنه بين السعودية والكويت
المزيد.....
-
حزب الله يعلن مسؤوليته عن هجوم بطائرات بدون طيار على مشارف ت
...
-
في مذكرات تنشر للمرة الأولى.. المعارض الروسي الراحل أليسكي ن
...
-
الشيشان: مقتل 4 أشخاص في انفجار محطة وقود في العاصمة غروزني
...
-
التزام أميركي بالتوصل إلى حل دبلوماسي دائم عبر تطبيق قرار مج
...
-
كيف خاطر مؤثرون بحياتهم من أجل المشاهدات والأرباح؟
-
تسريع الترحيل- برلين تستعد لتنفيذ نظام اللجوء الأوروبي الجدي
...
-
هدف ألمانيا في مجال الهيدروجين الأخضر في خطر
-
تواصل القصف المكثف بين إسرائيل وحزب الله في يوم الغفران
-
ضابط أوكراني يعترف بعجز قوات كييف أمام المسيرات الروسية
-
مرشح للرئاسة في مولدوفا ينتقد قرار رئيسة البلاد إعلان روسيا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|