أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاطمة الفدادي - أسايس...تجليات المكان في رقصة أحواش















المزيد.....

أسايس...تجليات المكان في رقصة أحواش


فاطمة الفدادي

الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 08:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اختارالشعراء قديما التباري بالشعر في بلاطات الأمراء والخلفاء، وأقاموا أسواقا، كسوق "عكاظ"، يشدون إليها الرحال، فكانت تجود قريحة كل واحد منهم بأعذب الكلمات وأروعها، لازالت خالدة إلى اليوم شاهدة على عصور ذهبية بلغت فيها الفنون والآداب أوجها. لكن الشعراء الأمازيغ اختاروا "أسايس" ليكون مسرحا ومجالا لإبداعاتهم الشعرية، فإذا لم يكن هناك أسايس فلا وجود لشعر أحواش أو رقصاته، «فأسايس يجسد الإنسان الأمازيغي وارتباطه بهويته التي يمكن اختزالها في ثلاثة أشياء( الأرض والإنسان واللغة)، تعني هذه الثلاثية أن الأرض أم الإنسان باعتباره خلق من تراب وسيعود إلى التراب، واللغة هي ابنة الإنسان باعتباره المنتج الفعلي لها يتداولها كيفما شاء ويوظفها في خطابات عدة. وأسايس يجسد الأرض وارتباط الإنسان بها» .
« فأمارير لا يتواجد في أسايس بشكل عفوي تام كما قد يُعْتَقد، بل يدخل حلبة المبارزة الشعرية حاملا في ذهنه خطة لتدبير أمسيته بكاملها، وذلك حسب نوع الحضور والشعراء المشاركين له في الحوار الشعري والحدث المستجد والظروف العامة التي تتم فيها رقصة أحواش تلك الليلة» .
فلا غرابة أن يشكل "أسايس" منبع الفرجة وأصلها في المجتمع الأمازيغي، لكن لا يمكن اختزال دوره في الجانب الفرجوي فقط، إذ من خلاله يمكن التركيز على ثلاثة أبعاد يحققها داخل القبيلة، وهي كالتالي:
بعد تعليمــــــــــي: يمكن التركيز على أسايس باعتباره مدرسة لها خصوصياتها وآدابها داخل كل قبيلة أمازيغية، «فأسايس في توغمرت- أرغن له قواعد يجب أن تحترم من طرف كل راغب في تعلم رقصات أحواش، ويمنع أن يتم التعلم في الليل، وإنما في النهار من طرف الأطفال والشباب الذين لديهم عشق خاص لهذه الرقصات، وغالبا ما يشرف عليهم راقص ماهر في فرقة أحواش ينتمي إلى القبيلة، فيعلمهم مبادئ الرقص الأحواشي» .
كما أن «أسايس يمكن اعتباره مجالا ليس لتعلم المبتدئين، وإنما يتدرب فيه حتى أفراد الفرق المتمرسة التي لها مكانتها في الرقص الأحواشي، ويشرف مقدم الفرقة على تدريباتهم استعدادا لإحياء حفل أحواش داخل القبيلة أو خارجها، ويعمل على إخلاء أسايس لتوفير الظروف اللازمة من أجل تركيز الراقصين في أدائهم لرقصاتهم، أما الشباب والأطفال فيتابعون التدريبات كمتفرجين ومتعلمين» .
« إلا أن ما يلاحظ في السنوات الأخيرة هو عدم اهتمام الأجيال الناشئة بهذا الفن الأصيل، ولهذا بدأنا نشجع الصغار على تعلم أحواش من خلال فتح المجال أمامهم لدخول أسايس وتعليمهم بشكل بسيط وسهل يجعلهم يحبونه كلعب من خلال تعليمهم رقصات أولية تشد انتباههم، وفيما بعد نلقنهم الرقص بحركاته المختلفة، كما أن هناك رقصات لها أسماء نلقنها لهم، ويشرف على تعليمهم أحد شبان القبيلة المتمرس في المجال كلما سمحت له الفرصة » ، إن أي راقص لا يمكنه الوقوف في أسايس والانضمام لأحواش دون توفر الأشياء التالية:«
ـ اللباس التقليدي
ـ اتقان الشعر الأمازيغي المغنى لترديده أثناء الرقص
ـ القدرة على مواجهة الجمهور
فالرقص يمكن اعتباره شكلا تربويا، لذلك لا يمكن تأديته اعتباطا، وإنما يتأصل في الإنسان منذ الصغر ويعتاد عليه بتدربه المستمر وحفظه للشعر انطلاقا من حضوره احتفالات أحواش، فهذه الأشياء إذا ما اجتمعت هذبت النفس» .

فرقة أحواش أثناء قيامها بالتدرب داخل أسايس القبيلة، كما هو ملاحظ في الصورة هناك جمهور يحضر للمشاهدة، أما من لديه رغبة في التعلم فيحضر للاستفادة.

بعد فرجـــوي: إن حضور الفرجة داخل أحواش شرط أساسي لا يتوفر إلا بدخول الراقصين إلى ركحهم من أجل صنع الفرجة وحضور الجمهور الذي يساهم في رفع إيقاعها، «يتشكل في البداية صف طويل، يستقبل من طرف أعيان القبيلة، بعدها يدخل الراقصون أسايس يتمايلون الواحد إلى جانب الآخر، يشكلون صفا مستقيما يتحرك الصف في حركات متناغمة، لينفصل عن الصف ما يسمى "بالنقارة" مكونين دائرة صغيرة مع إيقاع موسيقي قوي يشد انتباه الجمهور، ويعلن بداية الفرجة، والضربات تتوالى على "البنادير"، وفي وسط الدائرة يقف رجل يحمل على رأسه قطعة من حديد ينقر عليها بقضيبين حديديين صغيرين، والجميع في تناغم فني يرددون (الله يا لله)، وبعدها يجلس الأفراد المكونون للدائرة، وتبدأ التصفيقات إيذانا بانطلاق ليلة أحواش» .

إن دخول فرقة أحواش أسايس يخضع لمعيار الزمان، بحيث «لا تنطلق الاحتفالات إلا بعد صلاة العشاء لتستمر إلى الفجر في سمر فني. ويزين أسايس بأضواء وأعلام في ألوان مختلفة تثير البهجة في النفس» . «فقد تساءل بعض الباحثين عن علاقة الليل بهذا الحفل، وما إذا كان لذلك ارتباط بعبادة القمر» .
فالزمان والمكان عادة ليسا مجردين، بل ينطويان على دلالات فنية وموضوعية متعددة، فهما يجسدان الوسط الطبيعي الذي يتنفس فيهما الإنسان، كما يجسدان أخلاقه وصفاته وأسلوبه في الحياة، وهكذا يتجاوز الزمان والمكان وظيفته الدلالية بوصفها الزمان والمكان لاحتضان أحواش، بل يمكن النظر إليهما في بعدهما الثقافي وما يؤديانه داخل القبيلة، باعتبارهما عنصران رئيسان في صنع الفرجة.
يمكن القول إن أحواش تصنع الفرجة انطلاقا من وجود أسايس الذي يشكل مسرحا لأداء الرقصات، واللباس والآلات الموسيقية، والجمهور في مواجهة العرض مكانيا ويتفاعل مع إيقاعات الموسيقى والرقص والغناء، وكأنه جزء من العرض لتكتمل اللوحة الفنية.
بعد اجتماعــــي: ولأسايس دور آخر هو التحام القبيلة واجتماعها قبل انطلاق أحواش، حيث «يجتمع سكان القبيلة لتدارس بعض الأمور الخاصة بهم، بينما تجلس النساء في مكان خاص بهن ينفردن بحواراتهن الخاصة حول أعباء الحياة ومشاكلها» ، كما أن «أسايس يجعل القبيلة تجتمع بكل أطيافها نساء ورجالا شبابا وصغارا، فهو فضاء للتواصل والتقارب على مستوى العلاقات الإنسانية، ليمتد حبل التواصل الثقافي والفني والاجتماعي» .
ويجسد أسايس تفاعل الإنسان الأمازيغي مع مداره القبلي بشكل بسيط وعفوي، ويجعل الفن ذاكرة حية تتحرك عبر الكلمات والرقصات والزي التقليدي بكل تلويناته. وهذا التفاعل ليس قائما فقط بين من يمارس أحواش؛ بل حتى المهتمين بها والمتابعين لها. وإن خرجت أحواش عن ركحها الأصيل، أسايس، يمكن ربطها بتغني النساء والرجال بها داخل الحقول وأثناء غزل الصوف والنسيج، وهي في الغالب أشعار تمدح الرسول عليه السلام، فتخرج من دائرة الزمان والمكان، لكن لا يمكن لأحواش أن تنسلخ عن مكانها الأصلي أسايس، وتخرج عن فضائها الواسع، لأنها تراث شفهي عريق له امتداداته، وجذوره، وليست كما أصبحت تمارس اليوم بشكل فولكلوري لاستقطاب السياح، فالشعر الذي ينتج في أسايس بشكل عفوي انطلاقا من محاورات ثنائية هو منبع للقيم التي تنتقل من جيل لآخر يتم توارثها وتنميتها ليستوعبها كل جيل حسب القيم التي يؤمن بها وتتحكم به داخل السياق الثقافي الذي ينهل منه، «فهو مجال لتنافس الرواد وتباريهم، وميدان لتنافس المواهب، فالأجداد حافظوا عليه لحماية رقصة أحواش الأصيلة انطلاقا من تشجيع أبنائهم على تعلم الرقص وحفظ الشعر، كي لاتضيع هويتهم الجماعية، إلا أنه في السنوات الأخيرة صارت تسوق أحواش كرقصة فولكلورية داخل الحفلات والسهرات تؤدى على شكل فرجة وتسلية مؤقتة خاصة للأجانب الذين يفدون إلى المغرب لتسليتهم، فتحضر الحركات الجوفاء من أي معنى وتغيب الكلمات، هذا ما يجعلها تفرغ من مضمونها الجمالي والفني» .
إن أحواش لايمكن إدراك مغزاها ومعناها إلا داخل أسايس الذي تحويه أسوار القبيلة بكل تجلياتها، وبعيون جمهورها الذي يوجد داخله المثقف والإنسان البسيط والفلاح و المرأة الأمازيغية التقليدية والمثقفة والفاعلة الجمعوية، هذه الفئات لا يمكن اجتماعها إلا داخل أسايس لتصدر أحكامها حول حفل أحواش.



#فاطمة_الفدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات امرأة لا مبالية
- زوبعة الكلمات
- شذرات من المغرب الأقصى
- تسونامي الثورات العربية
- دور الإعلام في خلق تنمية مجتمعية.
- المقاربة الجندرية... التربية الدور والإشكالات
- رمزية الموت في الفكر اليهودي
- عاشوراء... الطقوس والعادات
- الثقافة الشعبية المغربية ... عادات وتقاليد تقاوم النسيان
- عندما تسقط الاقنعة
- ضياع أمة


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاطمة الفدادي - أسايس...تجليات المكان في رقصة أحواش