أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - كفاية ظاهرة إعلامية وخطابها مسخرة، وأسعد التعيس سعيد باغترابه















المزيد.....

كفاية ظاهرة إعلامية وخطابها مسخرة، وأسعد التعيس سعيد باغترابه


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 1175 - 2005 / 4 / 22 - 11:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


نشر في موقع الحوار المتمدن مقال بعنوان "حركة كفاية – مصيرها إلى النهاية" لكاتبه أسعد أسعد، ردا على دعوة هويدا طه للمصريين المغتربين بدعم "كفاية"، ولفت نظري بعض الملاحظات الذكية التي وردت في مقال أسعد أسعد حول هذه الدعوة وتناقضاتها، ولكن لفت نظري أيضا بعض المغالطات التي وردت أيضا فيما كتبه، مما يطرح ضرورة توضيح طبيعة "كفاية" من ناحية، والإشارة إلى مغالطات أسعد من ناحية أخرى، وسوف أحاول الاختصار قدر المستطاع.

أولا ينبغي أن أؤكد على اختلافي الكامل مع ما تطرحه هويدا طه، ومع تصوراتها حول أهمية وحجم حركة "كفاية" المزعومة. فحركة كفاية على لسان بعض أعضائها الذين التقيت بهم لا تزيد عن كونها ظاهرة إعلامية جوفاء، أعضاؤها يتراوح عددهم في أقصى تقدير بين 150 و 200 عضوا، وجميع المظاهرات التي نظمتها الحركة اعتمدت على تسامح قوات الأمن معها أكثر مما اعتمدت على قوتها الذاتية، فمعظم هذه المظاهرات، وهي في آخر معلوماتي خمس مظاهرات لم يزد عدد المشاركين فيها عن 50 متظاهرا، وأعلى رقم وصلت إليه مظاهرة واحدة لكفاية بلغ حوالي 300 أو 400 متظاهر في أقصى تقدير.

الأهم من ذلك، أن هذه المجموعة النخبوية غير متجانسة في تكوينها بأي شكل من الأشكال، فهي تجمع بين أبو العلا ماضي، ممثلا عن حزب الوسط الذي ينتمي إلى نوع من التيار الإسلامي المخفف عن طرح الإخوان المسلمين، وعبد الحليم قنديل الذي يمثل الحزب العربي الناصري (وهو حزب هش إلى درجة تدعو للأسى وفاقد للمصداقية حتى بين عدد كبير من الناصريين أنفسهم)، وأيمن نور الذي يمثل حزب الغد المكون تحديدا من نخبة قليلة العدد من البرجوازية المصرية التي لا تجد لها نصيب داخل المؤسسة السياسية الحاكمة، ولا تطرح أي بديل حقيقي عن نظام مبارك حيث تتبنى الليبرالية الاقتصادية (بما في ذلك برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والخصخصة وتحرير التجارة وغير ذلك من السياسات الاقتصادية التي تعد سببا رئيسيا في افتقاد نظام مبارك إلى التأييد الشعبي ولجوئه إلى الاستبداد والقمع لحماية سلطته ومصالح من يمثلهم) بالإضافة إلى خطاب سياسي أجوف حول الحريات الديمقراطية الليبرالية أيضا وحقوق الإنسان على الطراز الأمريكاني ومواجهة الفساد، وهناك أيضا مشاركة رمزية من الإخوان المسلمين (وربما ينبغي أن نشير إلى تناقضات هذه المشاركة الرمزية حيث أن الإخوان لا يعولون عليها في شيء، كما أن الخطاب الليبرالي الديمقراطي الذي تتبناه "الحركة" لا يتفق مع التوجهات الاستراتيجية للإخوان)، علاوة على مشاركة ذيلية وهامشية من اليسار متمثلا في مركز الدراسات الاشتراكية (وهو ينتمي فكريا إلى التروتسكية)، ولكن لا يبدو له أي تأثير في خطاب أو توجهات كفاية.

إن أول ملحوظة تسترعي الانتباه في هذه الظاهرة المسماة "كفاية" أو "الحركة المصرية من أجل التغيير" هي وجود هذا العدد الكبير من المنظمات في تكوينها ومع ذلك يظل عددها محدودا إلى هذا الرقم التافه – 200 عضو على أقصى تقدير. السبب في ذلك أن كل هذه "المنظمات" باستثناء الإخوان المسلمين ضئيلة في حجمها ومعزولة عن أي تأثير في الشارع المصري، فجميعها تكوينات نخبوية بلا جذور بين جماهير العمال والفلاحين وفقراء المدن، الذين يعانون فعلا من وطأة نظام مبارك ويتعطشون للتغيير. أما الإخوان المسلمون فمشاركتهم كما قلنا رمزية لا يرغبون منها سوى التواجد في أي منبر يمكنهم استخدامه للكشف عن أنفسهم عند الضرورة، ومعاركهم الحقيقية تدور في ميادين أخرى – مثل النقابات المهنية، والجامعات، والأحياء الفقيرة وأحياء الطبقة الوسطى ومراكز الشباب وغيرها – كما أن حساباتهم الحقيقية يراهنون فيها على عقد اتفاقات مع النظام والحصول على تنازلات مقابل المهادنة. ومن يتابع تاريخ علاقة الإخوان بالنظام القائم يدرك ذلك بوضوح تام. كما أن أي مقارنة بسيطة بين مظاهرات "كفاية" الاستعراضية والضعيفة رغم مشاركة الأخوان في "الحركة" وبين مظاهرات الإخوان المستقلة في الجامعات أو في بعض المناسبات تكشف عن أن الإخوان لا يرمون بثقلهم وراء هذه "الحركة/الظاهرة".

أما خطاب "الحركة" فهو في أفضل وصف له هش ومتناقض، وفي أصدق وصف له مسخرة. فقد أصرت "كفاية" على أن تعزل نفسها عن هموم الغالبية العظمى من المصريين، فلا تنتقد الخصخصة وبرامج التكيف الهيكلي ولا تقترب من نقد سياسات السوق، وإنما يقتصر خطابها في أغلبه كما يتبين من موقعها على شبكة الإنترنت على مطالب النخبة السياسية التي ترغب في أن تمنحها مؤسسة الحكم فرصة للتواجد في إطارها، مثل الإصلاحات الدستورية والإنتخابية، وبعض الحريات الديمقراطية الليبرالية مثل التظاهر والتعبير والتنظيم السلمي. الغريب أن المؤسسة الحاكمة نفسها لا تقف ضد هذه المطالب إلا في حدود الحفاظ على استقرارها، واستقرار مصالح الطبقة الحاكمة، وهو نفس ما ستسعى القوة المؤثرة في داخل كفاية إليه إذا لعبت الظروف في صالحها!

"كفاية" نفسها لم تكن أبدا تصدق نفسها فيما تطرحه، أو بالأحرى في قدرتها على تحقيق ولو جزء واحد منه، فقد فوجئت بقرار مبارك تعديل مادة دستورية تعديلا هامشيا يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح، ولم تدرك إلا بعد فترة من الوقت أن هذا التعديل فارغ المضمون بسبب القيود المقترحة على هذا الترشيح. ولكنها سرعان ما قامت باستيعاب الموقف، واعتبرت هذا القرار تنازلا قدمه مبارك لها وانتقدت هذا "التنازل" باعتباره لا يكفي، والحقيقة غير ذلك تماما، وسوف أحاول توضيحها فيما بعد.

إذا كانت هذه هي حدود قدرة "كفاية" وحدود خطابها وأحلامها، فلماذا كل هذا الحديث الذي يدور حولها، رغم أن بعض أعضائها عن حق لا يرون فيها أكثر من "ظاهرة إعلامية"؟ لإجابة هذا السؤال ينبغي أن ننظر أبعد قليلا من حدود القطر المصري، وتحديدا إلى تطورات الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق واحتلاله. لقد دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا بعدد من المبررات لكسب تأييد الرأي العام الأمريكي والأوروبي لهذه الحرب. وبدأ بوش وبلير هذه المبررات بالزعم بوجود أسلحة دمار شامل في العراق ووجود علاقات بين صدام حسين وتنظيم القاعدة. ولكن هذه المزاعم تبين كذبها فيما بعد، كما أن الحرب والاحتلال حتى لم ينتج عنهما أي مكاسب للشعب الأمريكي والشعب البريطاني اللذان يعانيان من ركود اقتصادي تسبب في بطالة واسعة بالولايات المتحدة وتكبيد الشعب البريطاني أعباء اقتصادية جديدة بالإضافة إلى صدور قوانين مقيدة للحريات المدنية في كلا البلدين. فلم يجد بوش وبلير مبررا للحرب إلا تلك الحجة الغبية التي استخدمها كل المحتلين في الماضي، وهي نشر الديمقراطية في المنطقة، بناءا على تصور يغالط حقائق التاريخ، يزعم أن الديكتاتورية في هذه المنطقة هي السبب الرئيسي في ظهور تيارات الإسلام السياسي المسلحة (الإرهاب) الذي قام بعمليات إرهابية في الولايات المتحدة خاصة تفجير برجي مركز التجارة العالمي في سبتمبر 2001. وكان من الضروري البحث عما يدعم هذه التبريرات المفبركة، وبالتالي يكسبها بعض المصداقية لدى الرأي العام الأمريكي والبريطاني. فبدأت الولايات المتحدة في ممارسة بعض الضغوط على حلفائها من النظم الديكتاتورية في المنطقة. وقد بلغت هذه الضغوط حدودا، جعلت الإدارة الأمريكية بعد وقت قصير تشعر بخطورتها على أصدقائها أنفسهم، فقررت إقناع النظم بإدخال هذه الإصلاحات وبشكل هامشي يحافظ على استقرارها واستقرار مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وتصاعد خطاب المشاركة والإصلاح من خلال الدول وليس بالدوران حولها كما كان الشعار السابق للإدارة. وبالفعل استجاب نظام مبارك لذلك حتى يوفر للأمريكيين المبرر الذي يخدعون به الرأي العام مقابل أن يستمر تأييدهم له ولنظامه، حتى ولو كان ذلك في الواقع ولم يظهر في الخطاب العلني للإدارة الأمريكية. ولهذا السبب قامت الصحف الأمريكية والبريطانية بإحداث ضجة هائلة حول قرار مبارك بتعديل الدستور وروجت ذلك باعتباره أحد النتائج الإيجابية للحرب ضد العراق، وكأنهم كانوا في حاجة إلى شن هذه الحرب وغزو العراق إذا أرادوا إجبار مبارك على هذا النوع من التعديل الفارغ من أي مضمون. وبالطبع تغافلت وسائل الإعلام طبيعة هذا التعديل تقريبا بشكل كامل، وركزت الأضواء فقط على كونه لأول مرة في تاريخ مصر سينتخب الرئيس من بين أكثر من مرشح.

ومن سخرية الأقدار أن مبارك استغل هذه المبادرة في لعبة صراعات القصر في الداخل، حيث يرغب الرئيس الذي بلغ من الكبر عتيا في توريث عرش مصر لابنه جمال مبارك، وهو الشاب الذي تربى في بنوك الاستثمار الأمريكية، ولا تجد الولايات المتحدة مشكلة في شخصه إلا في التصاق اسمه باسم مبارك الأب وحزبه. ولكن هناك مشكلة يواجهها مبارك، حيث أن هذه الخطوة أيضا غير مسبوقة في مصر الجمهورية، لم يجرؤ عبد الناصر على التفكير فيها وكذلك لم يجرؤ السادات. كما أن عددا من قيادات الجيش يرفض التوريث وقد عبروا عن ذلك في أحد المقالات المنشورة في مجلة Atlantic Monthly الأمريكية، وإن كانوا غلفوا رفضهم بالزعم بضرورة أن يتولى مؤسسة الرئاسة قائدا عسكريا. وقد أوضحت مناورات مبارك في هذا الشأن في مقال سابق على الحوار المتمدن حول "كفاية" أيضا. المهم أن هذه الخطوة (خطوة تعديل الدستور) ستسمح لجمال مبارك بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية وبالنجاح أيضا، حيث لن تكون هناك منافسة حقيقية بين مرشحين متساوين في الفرص.

الترويج الإعلامي المذهل لتحركات "كفاية" سواء في الصحف البريطانية أو الأمريكية والغربية أو حتى بعض وسائل الإعلام العربية التي انساقت وراءها، جاء أيضا في نفس السياق – سياق مبررات الحرب الأمريكية البريطانية ضد العراق واحتلاله. ويقوم ذلك على الزعم بأن ضغوط الولايات المتحدة من أجل الديمقراطية في المنطقة شجعت قوى محلية في التعبير عن رغبتها في هذه الديمقراطية والتحرك من أجل تحقيق مكاسب ديمقراطية من النظم المستبدة، خرافة هذا الزعم تتجلى في أن هذه النظم المستبدة لم تكن أبدا تتحرك وتتصرف في فراغ، بل واجهت طوال تاريخها حركات معارضة من كافة التوجهات، واستطاعت قمعها بمساعدة الولايات المتحدة نفسها، فلم تخلو السجون المصرية أبدا من معارضين بالآلاف لنظام مبارك يلاقون أشد ألوان العذاب والتنكيل بتكنولوجيا وتدريب أمريكي وبأيدي عسكر مصريين تلقوا تدريبهم وأدواتهم من الولايات المتحدة. وإذا كانت الغالبية العظمى من المعارضين السياسيين المعتقلين حاليا في مصر ينتمون إلى التيار الإسلامي – من الجماعات الإسلامية الجهادية – فإن ذلك يرجع فقط إلى الظرف التاريخي الذي جعل هذا التيار يتصدر المعارضة السياسية للنظام في مصر، ولكن ذلك لم يمنع أن تمارس كل أشكال القمع والتنكيل ضد الإضرابات العمالية والمظاهرات الطلابية التي تزيد في حجمها وتأثيرها بمراحل على مظاهرات "كفاية" الاستعراضية رغم أنها لا تحظى بنفس التغطية الإعلامية. لقد هتف الطلاب في مصر بسقوط مبارك في كل مظاهراتهم المؤيدة للانتفاضة وبعدها ضد الحرب على العراق وقبل أن تظهر "كفاية" ولو في صورة فكرة، ولكن الصحف الأمريكية والبريطانية الرئيسية والإعلام الغربي بوجه عام تجاهل تقريبا الحديث عن هذه المظاهرات، وتجاهل انتقاد أسلوب النظام في التعامل معها. ولكن هذا الإعلام يثير الضجيج كلما تحركات "كفاية" أي تحرك بسيط وذلك للمساعدة في تضليل الرأي العام الغربي حول حقائق ما يدور في منطقة الشرق الأوسط بعد غزو العراق، وبالذات حقيقة أن التيار الإسلامي يكسب تأييدا أوسع وينمو أكثر، وأن فرص كسب معركة الديمقراطية تراجعت أكثر، خاصة بعد فضائح الاحتلال الأمريكي البريطاني في العراق، وفضيحة أبو غريب. صور تعذيب الجنود الأمريكيين والبريطانيين لأبطال المقاومة العراقية اتخذتها النظم الحاكمة مبررا لممارستها للتعذيب على نطاق واسع، فها هي الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان تتحدثان ليل نهار عن الديمقراطية وحقوق الإنسان تمارسان التعذيب ضد المعارضين للاحتلال، وتشيعان جوا من الاستبداد والفساد والإرهاب الرسمي المنظم في جميع أنحاء العراق. بل تبين أن الولايات المتحدة تستخدم سجونا في الأردن وفي مصر وغيرهما من الدول لممارسة التعذيب داخلها بعيدا عن رقابة الرأي العام الغربي، ومن يرغب في التأكد من ذلك فليرجع إلى تقارير منظمة Human Rights Watch الأمريكية التي أصدرت عدة تقارير في هذا الشأن.

لقد أصبحت "كفاية" ظاهرة إعلامية هائلة رغم ضعفها وافتقادها إلى أي جذور حقيقية في الشارع المصري لأن الإعلام الغربي يستهدف خداع الرأي العام الغربي حول جدوى غزو العراق وأهداف هذا الغزو، ولأن بعض وسائل الإعلام العربية انساقت وراء الظاهرة التي صنعها هذا الإعلام الغربي دون تقييم حقيقي لحجم "الحركة" وتأثيرها في الواقع.

إشارة أخرى تلغرافية إلى "كفاية" ودعوة هويدا طه للمصريين المغتربين إلى التبرع لها ببعض الدولارات. إنني أعتقد أن هذه الدعوة في حد ذاتها تكشف عن ضعف شديد تعاني منه "كفاية"، حيث أن "الحركة" التي تثار هذه الضجة الهائلة حولها لا تستطيع تمويل أعمالها البسيطة، لأنها ببساطة لا تضم في عضويتها عددا كبيرا من المناضلين المستعدين لتمويل نشاطها والمقتنعين برسالتها، وذلك رغم أن بين هؤلاء الأعضاء في داخل مصر عدد غير قليل نسبيا من الأثرياء، وصدق من قال إن حزب الفقراء أغنى الأحزاب.

وأعود الآن – وقد تأخرت كثيرا – إلى أسعد التعيس، أو أتعس السعيد بتعاسته. إن انتقادي لك لا يعني أنني أوافق على طرح هويدا طه، ولا أنني أرفض بعض الملاحظات الذكية التي أثرتها حول التناقضات في دعوتها وطرحها. إنما فقط ضرورة الإشارة إلى بعض الملاحظات السريعة في ردك عليها، ذلك أن المسيطرين على السياسة الأمريكية، على غير ما تزعم، يهتمون فعلا بمصر، بل يهتمون بالسودان وليبيا وهايتي، بدليل تدخلاتهم في كل هذه الدول ودول أخرى لتغليب مصالح أمريكا والذي يكون دائما ضد مصالح شعوب هذه الدول، ولا أعرف من أين جئت بزعم أن الطبقة الحاكمة الأمريكية لا تهتم ببسط سيطرتها على شعوب العالم وتعزيز مصالحها على حساب هذه الشعوب في كل مكان على الكرة الأرضية. وثانيا، أنا لا أعرف ولا يهم كثيرا أن أعرف كيف تعيش أنت شخصيا في الولايات المتحدة، ولكنني أعرف من الأمريكيين من هم على الأقل لا يعتبرون أمريكا أجمل بلاد الأرض وأعظمها والهدف المنشود بالنسبة لهم، وذلك مقابل عشقك أنت لهذا البلد من منطلق أنها مصر التي فقدتها أو التي ينبغي أن تكون كما تزعم. فهناك من يرون في أميركا العنصرية، والفساد، والمشردين، والفوارق الهائلة بين الأغنياء والفقراء، وذلك رغم أنها تمتلك أكبر اقتصاد في العالم. أظن أنك نوع من الأمريكيين يشبه جورج بوش ولكن من منطلق استلاب الدوني، لأنك بالتأكيد لن تكون مساويا لجورج بوش أبدا في الولايات المتحدة حتى لو ادعيت ذلك، فملايين الأمريكيين لا يملكون مزرعة تشبه مزرعته، ولا يملكون ثروة تقترب من واحد على مائة من ثروته. أما في مسألة أمريكا والصهيونية، فالحديث فيها يطول، ولا يمكن لهذه المقالة أن تتطرق إليه لأني أريد أن أنهيها الآن، كل ما أرغب أن أقوله فقط في هذا الصدد أن مصر لن تشهد أي نوع من التغيير لصالح جماهير المصريين إلا إذا واجهت أمريكا وإسرائيل، وهي مواجهة سوف تفرض عليها حتى إذا لم تسع مصر إليها، فالضباط الذين قادوا الانقلاب العسكري في يوليو 1952 لم يكونوا يطرحون مواجهة مع إسرائيل في البداية، ولكن إسرائيل هي التي بادرت بغزو مصر في عام 1956، ثم في عام 1967، الأولى بدعم من بريطانيا وفرنسا، والثانية بدعم من الولايات المتحدة، ولا نحتاج هنا إلى تفصيل علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة وأهداف هذه العلاقة والدور الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة خدمة لمصالح وأهداف أمريكا.

أخيرا، إن التغيير في مصر بالتأكيد سوف يحتاج إلى دعم من أمريكا، ولكن ليس دعم من أمريكا البيت الأبيض كما تزعم، ولا من أمريكا الكونجرس، ولا من أمريكا رجال الأعمال والشركات من أصحاب المصلحة في سيطرة الطبقات الحاكمة المسيطرة الآن في مصر، ولا دعم المصريين الأمريكيين باعتبارهم مهاجرين مصريي الأصل، وإنما سيحتاج إلى دعم الشعب الأمريكي لرغبة ومبادرة المقهورين في التخلص من القهر والاستبداد والاستغلال، هذا الدعم لن يكون حفنة من الدولارات، وإنما دعم سياسي ومعنوي يقدمه عمال الولايات المتحدة وفقراؤها لمبادرة جماهير مصر، وهناك آلاف الأمريكيين من هؤلاء مستعدون لتقديم هذا الدعم الحميد والخالي من أي أغراض مشبوهة مما تخشاها هويدا. وأعتقد أن جماهير مصر لا تحتاج إلى دولاراتك، ولا إلى وجودك داخل البيت الأبيض، كل ما تحتاجه لن تحصل عليه من أمثالك، إنما ستحصل عليه من جماهير أمريكا التي تحتاج أيضا إلى تقديم هذا الدعم والحصول عليه من شعوب العالم حتى تتخلص بدورها من البيت الأبيض وحكمه الأسود.

القاهرة – 21 أبريل 2005



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كفاية – دجل الرؤية الذاتية للتغيير وجدل الواقع
- الوجه الآخر للحرب الأنجلو-أمريكية ضد العراق وأفغانستان
- عام على الاحتلال الأمريكي للعراق نهاية الحرب الباردة والإمبر ...
- رسالة سندباد اليانكي – أيها الراعي، لابد أن تنسى
- الأزمة في هايتي وخرافة الديمقراطية الأمريكية في العراق - تصح ...
- أوهام وحقائق مشروع الشرق الأوسط الكبير
- تفجيرات أربيل وحق الأكراد في تقرير المصير
- أحيانا أندهش!
- متى تكون الديمقراطية من مصلحة الأمريكيين في العراق؟
- محكمة بلا ذراعين، وقادة بلا أنصار!
- طريق التغيير لا يمر عبر -مرآة أليس
- الطريق إلى الحرية – معادلة لم تجد لها حلا بعد!


المزيد.....




- أين يمكنك تناول -أفضل نقانق- في العالم؟
- ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع ...
- بلينكن: إدارة بايدن رصدت أدلة على محاولة الصين -التأثير والت ...
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمارات ...
- أطفال غزة.. محاولة للهروب من بؤس الخيام
- الكرملين يكشف عن السبب الحقيقي وراء انسحاب كييف من مفاوضات إ ...
- مشاهد مرعبة من الولايات المتحدة.. أكثر من 70 عاصفة تضرب عدة ...
- روسيا والإمارات.. البحث عن علاج للتوحد
- -نيويورك تايمز-: واشنطن ضغطت على كييف لزيادة التجنيد والتعبئ ...
- الألعاب الأولمبية باريس 2024: الشعلة تبحر نحو فرنسا على متن ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - كفاية ظاهرة إعلامية وخطابها مسخرة، وأسعد التعيس سعيد باغترابه