أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 26 - تحت ظل الشجرة














المزيد.....

خرائب الوعي .. 26 - تحت ظل الشجرة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4089 - 2013 / 5 / 11 - 16:52
المحور: الادب والفن
    


وحيد كنبتة برية وسط هذه الصحراء المهجورة، يتنسم رائحة الأرض المحروقة، مشاهدا طقوس حرقه حيا وسط المرايا وصفحة النهر العكر وفي عيون الغجر وانعكاسات العقيق الأزرق في أعناق الأنهار الجافة . يمارس موته كنبتة برية شاهدة على العقم والتفاهة والعفن البشري، يرش جراحه بالملح، ويلعق الدماء الجافة على جسده، وينبش ذاكرته المسودة باحثا عن قطرة مطر متحجرة، عن أغنية قديمة لمركب سكران ضيع طريقه وسط الصحراء. ويفقد وعيه .. يفقد وعيه ثانية، ويصير جسده رمادا، وأحلامه تشتعل فيها النيران، تنمو الطحالب في عينيه، ويخنقه الوجد، وتنشق الأرض لحظة تحت قدميه، ويغوص عميقا .. عميقا حتى القاع، يغوص في جذوره الأولى .. ينصهر.. ويعود .. أبدا يعود. يا لهذا الشيء المزري الذي لاينتهي .. هذه ال "أنا" التي لا تفارقه والملتصقة بوجوده كقملة. لم يستطع أن يتذكرأسماء كل الشوارع المخزونة بذاكرته، كل الشوارع، وكل أرقام الحجرات الضيقة التي كانت جزءا من أحلامه وكوابيسه الليلية، هناك غرف بلا أرقام وبلا نوافذ، وأخرى تحمل أرقاما وحروفا وألوانا، والشوارع التي لا تحمل أسماء، تركت هي الأخرى خطا صدءا في ذاكرته. ففي شارع ضيق ومعتم، في المبنى رقم 46، وبالتحديد في الطابق الثاني .. محاصر مثل جرذ مبلل بالمطر، بعد أن اجتاز عشرات الالآف من الكيلومترات مستعملا جميع وسائل المواصلات المعروفة، وبعد عدة سنوات من التسكع على أرصفة الدنيا، وجد نفسه، كالعادة محاصرا في هذا المكان بدون أية مقدمات. لا يعرف لماذا وصل إلى هذا المكان ولا في أية ظروف، ولا إلى متى سيبقى سجينا بين جدران حجرته في الطابق الثاني، ولا إلى أين سيتجه فيما بعد. لا يعرف في الواقع إن كان هناك منفذ من هذا الكهف المرعب المطل على شارع يملأه ضجيج المحلات التجارية والمارة والسيارات. مكان مناسب، جد مناسب للتعذيب البشري وإجترار الذكريات البعيدة والنواح والتحسر عن الحياة التي - ربما - ألقى بها عمدا في سلة المهملات. يمكن أن يموت الإنسان من الملل أو الصخب أو في حادث سير أو مشويا بحرارة الشمس الحارقة أو غريقا في عرقه أو دموعه أو دمائه، أو من الخوف أو الغثيان في أحسن الأحوال، في أي مكان، أسباب الموت واحدة. أو يموت منتظرا، الإنتظار يشبه وحشا خرافيا ينهش لحم الحياة، كالصقر الذي ينهش كبد بروميثيوس من الفجر حتى غروب الشمس، هذا الكائن الذي يتغذى بأيام البشر ولياليهم الطويلة، ملتصق بجلودهم ووجوههم وملابسهم. منذ تعرف على الشمس والنور والبحر ورذاذ المطر، كان الإنتظار واقفا أمامه في كل لحظة، يسائله بعينين تشعان مللا، سيظل معه إلى القبر، لن يستطيع أن يتخلص من رفقته الثقيلة، سيظل الرفيق الوحيد الذي لن يسأم منه ولن يهتم بنزواته. وأدرك في نهاية الأمر، أنه وصل إلى هذه المغارة من الجحيم مباشرة، لذلك بدت له في البداية مثل جنة مزخرفة بالأزهار وبأوراق البرتقال والزيتون، تجري من تحتها الأنهار والمياه الباردة الرقراقة، وما عليه إلا أن يواصل الإنتظار في الظل.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفقر عدو الوطن ..
- الجهل
- خرائب الوعي .. 25 - البحر
- تجارة الكلام
- أول مايو .. عيد الأناركية
- الجوع .. كارثة طبيعية
- الله .. وبعرة الجمل
- المثلية الجنسية .. حق من حقوق الإنسان
- هوموفوبيا
- خرائب الوعي .. 24 - نوستالجيا
- خرائب الوعي .. 23 - الهروب
- جربوا الحب قبل الموت
- خرائب الوعي .. 22 - الصدى
- الفقراء وبؤس الثورة
- العصيان والعقاب .. 3 - ثورة إبليس
- العصيان والعقاب .. 2 - سارق النار
- العصيان والعقاب
- السلطة .. وسرير بروكست
- خرائب الوعي .. 21 - مربع ماليفيتش
- خرائب الوعي .. 20 - المصدر


المزيد.....




- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 26 - تحت ظل الشجرة