|
بياض الصناديق مقابل لمعان الحجر:أي مصير نختار؟
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 4089 - 2013 / 5 / 11 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أفرزت خيارات الصناديق الاسكندنافية ذات 23أكتوبر من سنة2011، نتائج مدوية في الفضاء السياسي التونسي و الإقليمي. لقد صعد حزب حركة النهضة حائزا 89مقعدا و مليون و نصف المليون من الأصوات. تلاه المؤتمر من أجل الجمهورية و العريضة الشعبية ...و لم يعن ذلك غير خيبة أمل مريرة بعد سقوط التيّار "الحداثي التقدمي". خيبة الأمل تلك لم تجد صداها في الشارع ، و ظلت حبيسة المقاعد الوثيرة في الصالونات الفاخرة. و ظنّت نخب"التقدمية و الديمقراطية" أن التنسيق البيني وفق آلية ما، مثل تشكيل حزب موحد كما حصل للب دب و الجمهوري و آفاق، سيغيّر قوانين المسرح السياسي و يشكل التوازن المفقود . غير أن خيار التوحّد الحزبي ، لم ينتصر في كل الحالات، فنشأت صيغة مختلفة عبرت عنها الأحزاب الماركسية اللينينة و البعثية و القومية التقمية ضمن ما سمي لاحقا "الجبهة الشعبية" التي ضمت عناصر مستقلة و أطراف ليبرالية مثل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين. العمل الجبهوي في تونس وجد أمثلة أخرى مثل الاتحاد من أجل تونس ، و ربما قد يتسع المشهد لمزيد من الجبهات السياسية. إنه تشكّل سياسي يشكل ردة فعل على ارتباك "المقاربة الحداثية التقدمية" و هزيمتها الفادحة أمام "إسلام سياسي" غاب عن المشهد ل 20سنة أو ما يزيد، و غاب أثره السياسي و مقولاته و أدوات تبريره و حركته . و لم تنفع التفسيرات و عبارات الأسف في لملمة آثار الخسارة و معاودة الانطلاق مجددا نحو " عملية أكتوبرية أخرى" . كما لم تجعل خسارة الانتخابات، الفريق الذي طالما اعتبر نفسه ممثلا للتقدمية و الحداثة، يراجع خيار الصناديق ، و يعود إلى الميادين لاجتراح السبل النضالية التي أنتجتها الروح الثورية للتونسي . و قطع فريق الأكتوبريين المهزومين بشدة، كل علاقة بالشارع أو يكاد، حتى جاء الفعل السياسي الحكومي المتردد و المرتبك ثم الخاطئ و الفاشل و أخيرا الكارثي و المدمر...و عندها فقط، و بقوة الهبة الشعبية المغدورة من عسكر السياسيين جميعا، استعادت قوى الانتخابات شيئا من حركتها و تماهت مؤقتا و نسبيا مع الاعتصامات و الإضرابات و التجمعات الاحتجاجية العائدة بقوة أكبر و عنف أكثر صراحة. تلك العودة دفعتهم الى التسريع بتشكيل جبهات سياسية . فجاء نداء تونس ثم الجبهة الشعبية و الاتحاد من أجل تونس و الاتحاد الوطني الحر الذي ضم 10أحزاب، بانتظار جبهات أخرى. و إذا كانت الحاجة الى الجبهة ،حاجة الى توحيد القوى و تجميع الإرادات لبلورة مشروع يقترح على الجماهير ، فإن الجبهات في تونس مثلت الى حد الآن ، حركة ضديد و تصديا لمعسكر الآخر و ربطا لكل خطاب و عمل بالاعتراض عليه و نقده و رفض مشاريعه و إعلان الاحتجاج عليها. و يستتبع ذلك تغييب كلي للمشروع الخاص و المهام الجبهوية و الحلول المقترحة للتجاوز . و عندما تابع الشعب أخطاء الحكومة ، بحث عن جسم سياسي أفضل يزرع لديه أملا ما. فانشد إلى خطابات الرفض و صيحات الاستهجان ، قبل أن يراقب اجترار السياسيين لنفس عباراتهم و تنديداتهم و اختلافاتهم. فانقسم بين منسحب من مشاهدة معارك الثيران، و لا مبال بندوات التلفزة ، و ناقم مرتبك متحول . و مع ذلك يجمع الأفراد أن ثقتهم بالسياسيين تكاد تكون منعدمة، و يعودون إلى يومياتهم و تفاصيلها و يغرقون ضمن نفس الحلول التي وجدوها طيلة عقود من اللامبالاة و الذاتية المفرطة. المكناسي و منزل بوزيان و أصوات تصرخ تفقيرا و حرمانا و معركة ضدها. المعركة التي يخوضها الرأسمالي المسيطر ، بعد أن ضمن اصطفافات انتخابية ، توحي بالاختلاف، و لا تفعل غير تأكيد التكرار. فما الذي يجعل اليسار الانتخابي متأكدا من السند الشعبي؟ بل هل كانت رؤوس اليسار معنية بالمؤازرة الشعبية، أم استماتت في تقديم عرضها المسرحي الخاص، و نالت نصيبها من قطعة المرطبات الكبرى؟ لماذا نستبعد بحرص طفولي تواطؤ اليسار مع الكومبرادور المتجدد في تونس عشية الموعد التراجيدي :23أكتوبر 2011؟ إن العمل الجبهوي في تونس ، تماما كمصر و تيارها الشعبي و جبهتها الإنقاذية و تجمعات يمينها الفاشي، لا هدف له غير الحدث الانتخابي. لو يستدعي مرسي معارضيه إلى حوار من نقطتين محددتين أولاها موعد إنهاء العمل بالإعلان الدستوري، و ثانيها موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، سيهبون للحوار أو ينقسمون حول أنفسهم. و هو ما حدث بالضبط في تونس. لم تتأسس الجبهات لرصد أفق الجماهير المتطلعة للمقاومة، و إذن الاستجابة الطوعية التشاركية لتلك المطامح الثورية و تفعيل القاعدة التشاورية و الحوارية لضبط تشكيلات المقاومة تلك. ليس للجهوي من مدلول نضالي ، يلتحم بالعمومي و يعود طبيعيا تلقائيا ، ليشاهد حجم الاستغلال و كمّ الجوع المنتشر في فضاءات المنسيين. ماذا سميناهم بعد النسيان؟ كيف اعتبرناهم صعاليك و قطاع طرق و مجرمين؟ كيف شاهدنا دموعهم تنهمر قبل مغادرة مدارسنا و مستشفياتنا، دون كتاب و دواء؟ ما هي الجبهة السياسية ، إن لم تفترش أرض الجوعى و الحيارى و اليتامى و أولي النسيان؟ هل تكفي مهرجانات الخطابة و الأصوات العالية و الأبواق المرعبة؟ كم نحشد بعد اجتماع يسمى شعبيا ؟ كم مائة من المتحمسين الذين سينقلبون بعد أسبوع ضدنا، و هم يفهمون أن صيحاتنا تلك مثل طلعاتنا الإعلامية، عمل تراجيدي ضروري نؤديه لنربح و نكون في السلطة، أوصياء جدد على مصائرهم؟ العمل الجبهوي عندنا مرتبط في كل الحالات بموعد انتخابي ، يكون الفوز فيه مؤشرا على تشكيل سلطة نقتسم خلالها الكراسي و الرشاوي و الترفيه. (انظر مثلا الترويكا التونسية). هذا يدلّل أن المخرج من سيطرة الثورة المضادة ، و المدخل الى السيادة التشاركية على المصير، لا يرتبط بفونيم شكلاني ، و لا بمضمون إتيقي خطابي درامي أو ساخر. ليس غير المقاومة المستندة الى الحجارة و المعضودة بالقلم ، من خيار للقواعد الشعبية المطالبة بالحقوق الطبيعية لإنسان مغتصب. الثورة العمالية جزء اصيل و حيوي في تلك المقاومة، و العمال المنتظمون في اتحاد الشغل معنيون بإعادة قراءة واقعهم المهدد بالتفجير القادم من أعالي التفاهمات السرية بين ممثلي شركات الاحتكار و الاستغلال المعولمة.
رضا كارم.
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البديل المطرقة
-
الخبز ضد القمر
-
المطرقة النيتشوية
-
بمناسبة الثورة الكروية في بنزرت:شعب التكوير لا شعب التثوير
-
الصناديق تتحول إلى نعوش
-
الحقيقة-السيادة-التاريخ
-
شارع المُوازين و حرب الدلالات: تاريخ موضوعي للمقاومة
-
البغل و المقاومة
-
أبناء الخديعة
-
جزء من ذاكرة الثورة
المزيد.....
-
استمع لنصائح خبير أرصاد جوية حول ما يجب عليك فعله إذا تعرضت
...
-
ساويرس و-برج ترامب-.. تدوينة ساخرة تثير تفاعلا لرجل الأعمال
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: أكثر من 70 شخصا قتلوا في الس
...
-
حرب غزة في يومها الـ239: قصف مستمر على القطاع وبايدن يؤكد أن
...
-
-لا نستوعب ما نراه-.. كيف وجد فلسطينيون جباليا بعد انسحاب ال
...
-
سلسلة غارات جوية روسية توقع قتلى وجرحى في خاركيف شرق أوكراني
...
-
انطلاق المرحلة السابعة والأخيرة من انتخابات الهند.. هل ينجح
...
-
تقرير يكشف سبب إقالة السفير البريطاني لدى المكسيك (فيديو)
-
سرقة سيف -تمثال ميدان التحرير- حقيقة صورة تعود لـ 12 عاما..
...
-
خبير مصري: إعلان بايدن لغم سياسي في وجه إسرائيل ويصعب نجاحه
...
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|