أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شايع - عندما يصمت المغني














المزيد.....

عندما يصمت المغني


علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 1170 - 2005 / 4 / 17 - 13:49
المحور: الادب والفن
    


ذات كتاب فكري هام، قال الفيلسوف الألماني هايدغر:" بشعريةٍ عالية يتجاور الغناء والفكر كجذعين،إنّهما ينموان من الكينونة/ ليبلغا حقيقتهما"..الشاعر مغن والشعر غناء هكذا قالت اليونان القديمة أيضاً..وأقولها تعزية لمغن ٍومفكّر وشاعر وموسيقي.. وصاحب موقف نبيل وكبير يشهد به كل من يتذكّره..
رحل بصمت، الفنان العراقي الكبير رضا علي.. زرياب بغداد الحديثة؛حديثة في مرور الزمن بغباره وقذائفه، وقديمة بأزقتها وأحلام أهلها بالتغيير..
رحل بجسده الوقر المهيب..و بيد بيضاء كالكفن !! لم تصافح طاغية أو ديكتاتوراً..
غاب الملحن الفذ بعد أن غنّت له عشرات الأصوات العربية والعراقية..
رحل بصمت في زحمة الأخبار السياسية،وزمن التجاهل والتجهيل الفني الكبير..
رحل بصمت إعتاده هو بعد أن صمت لأكثر من ثلاثين عاماً..قبيل وصول مدّ الطغاة الى ذروته المخيفة..
مؤلم أن يصمت المغني، لكنه عظيم حين يكون موقفاً سيتـّخذ بعداً فلسفياً آخر،قديم مثاله وقليل ونادر من يعمل به..
يذكرُ ابن الجوزي البغدادي في كتابه(أخبار النساء) خبراً عن الأصمعي يوم صادف أعرابية لا تتكلـَّم،فسألَ عنها فقيل له ليست بخرساء ولكن كان لها حبيب متولّه بنغمتها قد غيّبه الموت..فأقسمت أن لا تتكلم بعده أبدا..
رحل الفنان الكبير رضا علي بعد رحلة فنية حافلة،صَمَتَ في منتصف طريقها ليؤسس لموقف ما سبقه إليه إلا قلّة نادرة من الأبطال..حيث كان يجاهد وضعاً معيشياً صعباً يضطر خلاله للعيش في بؤس تجاهلٍ حكومي كبير. كان خلاله الفنان سعيدا لأنهم نسوه بعد أن الحّوا عليه كثيراً في حملاتهم التدنيسية التي هدّمت أسماء فنية عراقية وعربية كثيرة بسبب لحن أو أغنية للطاغية.
رحل ليبقى أبدي الحضور(ولو بعد حين) في قلوب عراقيين يشغلهم الآن عن الغناء عزاءات كثر فيها قليل مبرّر الحزن، وكثير غير مبرّر..
ربما بحجج دينية ما كان ليعرفها أهل بلاد مابين النهرين.. بعد أن كان كهنتهم يتلقون دروس الغناء في المعبد المقدّس..وبعد أن كان كاهن المعبد لا يستحق مكانه ما لم يكن عذب الصوت و مجيد لعزف عدّة آلات موسيقية..
وقيل عن هذا الإرث الجنوبي إن ملكاً مبجلاً من تلك الأرض كتب على حجر سومري اعتزازه الكبير بقدرته على الغناء والعزف على آلات موسيقية عدّة..
رحل الفنان رضا علي ولما يمتع قلبه بعد بعراق محرر يغني أهله..
رحل وأشباح الرعب الديكتاتوري "الجديد" تطارد الموسيقى وآلاتها في شوارع البلاد..

يوم عدت الى العراق، و لشهر بقيته في مدينة من جنوب الغناء الأصيل..لم أسمع أغنية!..
أين ذهب الغناء ؟. سألت، وما كان من مجيب على سؤال يدخل في الحرمة والجدل.. قلت لشيخ معمم: إما قرأت يا شيخ حديث الجاريتين..قال وما ذاك قلت: ما روته عائشة : ان ابا بكر دخل عليها والنبي عندها يوم فطر او أضحى , وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الانصار يوم بعاث، فقال ابو بكر: مزمار الشيطان , مرتين فقال النبي(ص) دعهما يا ابا بكر ان لكل قوم عيدا وان عيدنا هذا اليوم . *

وكنت في طريق جامعي لإيصال طالبة من الأهل إلى حيث ستنهي سنتها الدراسية الأخيرة..وإذا بها تـُـلمِّح قولاً بحرمة فيروز..قلت: بل قد أوتيت تلك المرأة مزمارا من مزامير داوود..وأكملتُ لها حديث عائشة عن الغناء:
وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي وإما قال تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى اذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم , قال : فاذهبي.

يومها كان الفنان رضا علي مريضاً في بغداد..
وكنت أجوب شوارعها الكئيبة بعد فراق دهر،أغني دامع العينين، ومصاباً بدوار وأنا أخترق رمادَ فوضى أشهر تحررها الأولى.. يهفو الدوار برأس من يشتاقها ويصابُ وهو يخافها بدوار
كان الجواهري حاضرا في خوفي من بغداد..وحاضراً في الأغنية بينما يسأم المغني من أنينه الطويل..
في منطقة الباب الشرقي ضحك مني بائع أشرطة الكاسيت الصوتي وأنا أسأله،بل ظنَّ ذلك الشاب العشريني أني أمزح وأنا أسمي ملحنا ومغنيا بأسم رضا علي..
كان الجواهري حاضرا وقتها في بيت أشد ألما:
أشكو إليكَ وإن زَوَى ألمي غَضَبٌ تقاصرَ دونهُ الألم
وسيحضر حزني في جنازة هذا المبدع العراقي الكبير.. ربما سيتساءل فنان عراقي عن ألوان العلم حيث يودّع هذا الرمز الوطني ملفوفا به.. هل لفَّ بالعلم حقاً؟.
هل حضر ممثل عن وزارة الثقافة العراقية جنازته؟..
هل عُـزِفَ السلام الوطني العراقي إكراماً لموسيقاه؟..
متى يـُنتبه الى مبدعينا؟..
سأقول حزينا: رحل وليته فكّر في مثل هذه الأيام العراقية،حيث أول رئيس منتخب،وأول برلمان في الطريق الى الديموقراطية..
رحلّ.. وليت هذا الملحن الكبير تخاطر عن مثل هذا الفرح العراقي حيث نقف حيارى وسط إرث موسيقي وشعري هائل بينما يعزف على استحياء نشيد وطني عراقي من كلمات شاعر فلسطيني وألحان أخوين سوريين!.. ربما ثمة ما يبرّر هذا في الحديث عن فنان كبير مثل رضا علي جدد في الأغنية البغدادية وأنطلق بها الى العرب ليكون نجماً لوقت طويل.ولكن ..ترى هل ذكره أهل العراق، ليذكره العرب الآن؟.
----------------------------------------------------------
* صحيح الـبخاري, كتاب العيدين, باب الحراب والدرق يوم العيد ج 1 / 118 ـ 119, وصـحـيـح مـسـلـم , كـتـاب صلاة العيدين , باب الرخصة في اللعب ج2 / 609



#علي_شايع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وماذا عن الجنجاويد البعثي،والآخر الإعلامي؟
- المربد العراقي ومرابط الكلام
- الدجيلي وباطل القول بأفضال الأردن على الشعب العراقي
- !أكان سيفعلها ملك الأردن؟
- المكيال أردني
- أيها العراقيون:آثاركم في المزاد الهولندي
- اضحك مع الإعلام العربي
- الإعلام العربي والشراكة في الجرم !
- حكاية رئيس تحرير
- ! مؤامرة القول بنظرية المؤامرة
- عاليا يا سبابة التشهد الديموقراطي
- حوار أثار استغرابي
- دعوة لإحراق السفن
- رسالة الى الشيخ بن لادن في العام الجديد
- ما كان الحوت ذئب يونس ..يا أيها السفير
- هل يستحق محمود درويش تلك الجائزة؟
- قبل أن يبطشوا بسيد القمني
- الأكراد..والندم الماركسي!
- حين يـُقرأ ُُالشعر من على شجرة
- الى الصحفيين العرب.. بوح عراقي بما يشبه رسالة


المزيد.....




- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شايع - عندما يصمت المغني