أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون جاويد - ادعاء دين واداء مُشين















المزيد.....

ادعاء دين واداء مُشين


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 1164 - 2005 / 4 / 11 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


لدى الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز ، وفي روايته ( عن الحب وشياطين اخرى ) يقتل الانسان في مدفن على قيد الحياة لمجرد تصور ان شيطانا قد تسرّب داخله . ومن ياترى يدعي هذا التصور ؟ ..انها السلطات العليا ...
وازاء مفارقة تراجيدية مثل هذه ، يغدو الجمال في طهرانيته وعذرائيته الاولى ، واصالته في الكون والانسان والمجتمع ، حقيقة مضطهدة ، تحمل بذرة سبيها واستباحتها في سير الحركة التاريخية الصاعد ، والصراع اللآمتناهي له .
اما ( الضيقون ) وهو مصطلح سياسي قديم استعملته بعض الأحزاب الاشتراكية ، فيعني فيما يعنه هنا ، تلك النظرات والمواقف لفئآت ترى الى الامور وفق أسبقيات مشروطة . وبلا أدنى شك فان في كل اشتراطٍ تحديداً للحرية . والشرطنة هنا ، لو اتيح لها دولة وتحكمت بمسطرة الحريات ، فانها ستعمل على تحديد نمو أقدام الآخرين وفق حذائها الصيني ، لا بل تذهب الى أبعد من ذاك اذ ستعطي لنفسها حق اتهام الآخر بأن الشياطين قد سكنته ، كما هو الحال عند غارسيا في الرواية اياها ، وهذا بطبيعة الحال أرخص مبرر يلجأ اليه ( الضيقون ) أعداء الحرية .
انه بدلا من الاقرار الواقعي بحق الانسان الذي يمارس رغباته الانسانية ، يجري الحط من الرغبة والحاجة الطبيعية فيقال مثلا ( شيطان فاوست ) بدلا من رغبة فاوست الذي انتهى به غوته الى ( مأساة ) .
ان النهاية المأساوية تبدأ ، عند الكاتب اللوذعي غابرييل غارسيا ماركيز وبالذات في رسم مصير ( سييرفا ماريا ) ، من الخرافة ، يقول ديلاورا : ( ..." حاذري اننا نعزو الى الشياطين في بعض الاحيان امورا لانفهمها " ..) كما يقول في محفل آخر " انهم لم يأتوا بها الى هنا – الى دير الكنيسة – ليعذبوها وانما لأرتيابهم بأن شيطانا قد دخل في جسدها ليسرق روحها " .
لقد كانت سييرفا ماريا هي الفراشة الحالمة التياهة الرفراف ، كانت رمز الحرية ووهجا فاتنا لحياة عذراء فيها من البداءة والتلقائية والغناء وتعدد اللغات الأفريقية مايجعلها قطعة موسيقى حنون وجمالا سحريا ومعبدا للعشق لايضاهى .
لكنهم لجمالها وغرائبيتها ، عملوا ، بادعاء معالجتها وطرد الشياطين من اعماقها ، على دفنها ( في منامات الدير ) واضطهادها ومن ثم تعهيرها في احدى الزنزانات بحجة ان شيطانها قد سرب العدوى لأحد الرهبان فراح يمارس معها رغباته ( الشيطانية ) .
ولماذا الشيطان ؟ ولماذا لانقول الانسان ذاته ؟ الا يصلح ان يكون الانسان بجرائمه الهائلة على الارض أكثر شيطنة من اية شخصية اخرى ندعيها ؟ .
انها السلطة ابدا ، على تنوعاتها المعروفة ( الشرطي السياسي + الشرطي الذاتي أي التحجر الفكري المتغلغل فينا + الأب + سطوة الحزب + المعتقد او المعتنق + أي سلطة اخرى ) هي العامل الحاسم في تصفية الفرد بادعاء الحقوق التاريخية الأزلية وهي ايضا عدا تخبيل الآخر وتعهيره وقتله ، هي مركز الجوسسة المحلي والعالمي :
قال ديلاورا في ص 166 :
- هذا لايتلائم مع معتقداتك
- قال ابرينو نيثو
- انا نفسي لا اعرف ماهي معتقداتي
- قال ديلاورا :
- محكمة التفتيش تعرف ذلك .
وهكذا يتحدى غارسيا السلفين والاصوليين والكنسيين ، ليس في روايته هذه فقط وانما، في اتخاذ موقف مضاد نبيل وبطولي يعمل على انقاذ الانسان من براثن الادعاء والفعل المشين ...كم من كاتب مثل غارسيا يكشف ليتصدى ، يكتب لينير، يناضل ليحشد ويحرض ؟ تلك هي مسؤولية الكاتب الغيور والحقيقي والشجاع . .
اذن فعملية التغلغل في تاريخ ( البيرو ) وسلطة الكنيسة هناك ، عبر القرون ، ترينا أي مسؤولية خطيرة قد اضطلع بها ماركيز وغيره من الكتاب العظام في الكشف عن الاضطهاد حتى لو كان ذلك في دولة قريبة ام بعيدة . ان مصباح الحرية الذي يحمله ماركيز لهو أهم الف مرة من مغزى مصباح ديوجين .
يظل الجمال وحركته الطافحة بالحرية والتي تشي بالنزق والاختلاف والمراهقة و – الجنون – والخروج على القاعدة يظل محط ريبة وخوف . انه يثير شهية الماضي وهو – هذا الماضي – في شكل من اشكاله حيوان تقطر اسنانه بالدم وتتجمر شفاهه برغبة الافتراس . وبذا على المرء ان يتأمل اغواره متسائلا كم من الجديد وكم من القديم فيه و ( تلك هي المسألة ) كما قال الأمير هاملت .
ان احتمال اصابة سييرفا ماريا بداء الكلب الذي بنى ماركيز كامل لعبته الروائية بل والفلسفية عليه يفضي بنا الى ان السلطات قد مارست الكلبنة بل والقردنة أيضا بحق مريض يعجز العلم ان يشخص مرضه او يعالجه .
وارجاع الآخر الى الصواب ( مفهوم الصواب نسبي ) فانه ديدن الأقدمين ، أي ان السلطة السلفية لها الحق في تناول الآخر – أي الخارج على القاعدة – بالنقد والتعنيف والعقاب .
لقد مورس العقاب وتطبيق القوانين الاجرامية الطابع بحق الشعوب . ان تبرير عفلق مثلا لتسليط القصاص ضد الخصوم ( من ابناء الشعب العراقي ) بل والتعذيب الجهنمي في المسالخ البشرية هو اعادة – في رأيه – للتربية والعودة بالشخص المعذَب الى البيت القديم او الى الأصالة وادراك الذات ! وهذا طرح جرى ترويجه والكتابة عنه والعمل بموجبه في نهاية السبعينات وضد قوى سياسية وطنية مختلفة .
ان هناك من أعطى نفسه الحق بتصفية النظير في الخلق أو الأخ في المعتقد ، وقتل وأباد وخرب ، الاّ انه لن يحصد في مسار الحركة التاريخية للتحرر السياسي والاجتماعي سوى ثمار الندم . ان الأطفال في رواية سيد الذباب لوليم غولدن ، لم يحصدوا غير الخيبة وتعليق الجماجم على الأعواد . لكن هناك أمل بل وشفيعنا أيضا بأن الصراع يكتسب طابعا سلميا ، طابعا يتناسب مع الخاصة الأثيرة : الانسان والانسانية وقدرة الوعي المتميز كثيرا عن ( مملكة الكواسر ) كيما نخلص الى عالم التعايش حيث لا يحق لأحد ان يفكر بمكان احد او يكفر أحدا أو يدعي جنونه او شيطنته . ان ما دعا اليه ( أبو محمد ! ميشيل عفلق ) من تعذيب للشيوعيين العراقيين ، على سبيل المثال ، وارغامهم بالتوبة من الفكر والمعتقد عن طريق الضرب المبرح وايضا الارغام على التوقيع والبراءة ، كل ذاك يذكرنا ببطلة ماركيز ( سييرفا ماريا ) تلك التي ارادوا اخراج الشيطان من رأسها ! لكنهم غابوا من مسرح الحياة و وظلت ( ماريا ) رمزالحرية والبهاء ... وظل العراق عامرا بأبنائه.
ولابد لدعاوى التحرر والتجدد من ان يقابلها الفكر القديم بالعنف والسلفية . فأمام كل رغبة توجد يافطة ممنوع وأمام كل قصيدة مشنقة وأما كل قيثارة بندقية وأما كل فرحة غصة وكل وردة خنجر وكل اغنية هراوة وكل كتاب رقابة ! وأمام كل فتاة عراقية جميلة مثل ماريا وأحلى هناك قبضة حديدية !... وهكذا لايريد القديمون ( الضيقون منهم ) وهم الشياطين او الشياطنة حقا وفعلا ، أن يتمتع الأنسان المعاصر بحرية الاختيار والانطلاق . لكن ورغم نزيف الدماء فالخطى سائرة والدموع تمسح والابتسامات باقية . هكذا يلقنهم التاريخ الدرس في كل مرة وهناك من ينساه .



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظرية السامية والواقعية الدامية
- كونانبايف شاعر التراث الطليعي
- الحب وفقا لماركس
- العراقيون وأدب الرسائل العاشقة - عبد الغني الخليلي نموذجا
- هل ستبقى ليلى بلا ذئب ؟
- اللآقاعدة الفكرية في العراق ستكون هي القاعدة الذهبية
- الشاعربدر شاكر السياب .... هل هو من جماعة القاعدة ؟!
- الجواهري روح العراق وعنفوانه الفكري والعاطفي ...هل سيعمم شعر ...
- الموسيقى باعتبارها نوعا من السجن
- كتابات في الحرية ألمعية الأديب في كسر القاعدة والمسلّمات
- اوروك والتاو الصيني والآخرون
- قوس الفلسفة في قزح الشعر
- أُمهات البلاد الحبيبة
- الذباب بين الفكر الفلسفي والواقع المحسوس
- على هامش الفلسفة الوجودية


المزيد.....




- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون جاويد - ادعاء دين واداء مُشين