أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كمال الدين - العلم الطبيعي: أمية نبي الإسلام















المزيد.....

العلم الطبيعي: أمية نبي الإسلام


كمال الدين

الحوار المتمدن-العدد: 4046 - 2013 / 3 / 29 - 10:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


آه، لم أعرفكم بنفسي من قبل، لعل بعضكم يعرف اسمي -كمال الدين- لكن الاسم ليس كافيا لتعريف شخص، ولعل بعض بعضكم الذي يعرف اسمي واطلع على بعض مما كتبت يؤمن أن لكل إنسان نصيب من اسمه، لكني لا أؤمن بذلك، ولا أحمل لذلك ذرة تقدير، فأنا أعتبر الاسم شيء التصق بالإنسان دون إرادة منه، فقد اختاره له أبواه لأسباب قد تتعدد، فتلك الأسباب غير ثابتة وليست لها معايير محددة.

ولأني لست من أنصار النصيب، بأي حال من الأحوال، فأنا لم أحظى على شيء من اسمي الأول وهو كمال الدين برمته، فلست كمالا لدين، ولست كمالا من الأساس، كما أني لا أدين بدين. ولعل هذا التصريح كفيل بسد أنفس الكثيرين ولقد يحملهم على صرف النظر في متابعة ما تأخر، لكني لن أطيل أكثر من ذلك، فمقال اليوم كما يتضح باسمه يتعلق بني الإسلام، خاصة أميته، وربما تعد هذه الأمية إحدى الثوابت المتفق عليها من قبل المسلمين وغير المسلمين، يقول كل من له علم بالإسلام أن محمدا كان أميا، من ثم يجزم أن محمدا، وهو الأمي حقا، لا يجيد القراءة ولا الكتابة وكان جاهلا بهما، وإني لأرى في ذلك ضرب من ضروب الحماقة والسذاجة، استنادا إلى معنى لفظ في القرن العشرين في تأويل لفظ من القرن السابع الميلادي.

إن شبهة جهل محمد القراءة والكتابة جهلا تاما شبهة تمكنت في عقول جل البشر تقريبا، وأحاول هنا إبعاد تلك الشبهة عن تلك العقول، وربما أرجع غضب طائفة من البشر غضبا شديدا عندما تقول لهم إن مؤسس الديانة الإسلامية كان يقرأ ويكتب، وهذا أمر غريب وكأنك توجه إليه سبة، أقول إن تمسكهم الشديد بأمية محمد لا لشيء إلا للتدليل على حقيقة النبوة، والحق إن نبوة محمد لأمر مريب.

لقد استترت نبوة محمد على كتبة السيرة، ولا يعود استتارها إلى سوء نية لديهم بقدر ما يعود إلى نقل ما وصل إليهم منحولا بعض الشيء بعد مائة وخمسين سنة من بدء الرسالة وتوسعها فى معظم البلاد الآسيوية والإفريقية، إنهم لم يحققوا فيما بلغهم، ولم يدركوا بالتالي نيته، ولم يعرفوا كيف تنقل النبوة، ولم يعلموا أن النبوة لا تحتاج إلى من يدافع عنها ويقضي بصحتها، ولو أنهم قد أيقنوا كل ذلك لما اضطروا إلى إثبات نبوة محمد بألف ألف دليل، ولا الدفاع عنها بألف ألف حجة، ولخوفهم من ألا يكون محمد نبيا أرجعوا الأدلة عليه إلى زمن آدم، وأقرأوا اسمه في السماء تحت سدرة المنتهى، وسمعوا الأحبار والرهبان والكهنة والسحرة والجن والشياطين والحيوانات والأصنام والأشجار والحجارة تعلن نبوته، وأروا اسمه في التوراة والإنجيل، واسترقوا أخباره عند ملوك العجم والعرب؛ كل ذلك كان من أجل الدفاع عن نبوة محمد، وهل يحتاج نبي من عند الله إلى من يبرر له نبوته ويدافع عنها؟ وإذا كانت لك دراية بالأنبياء الذين سبقوا محمد، فلسوف تجد أنه ما من نبي احتاج إلى الدفاع عن نبوته كما هو الأمر مع محمد، والحقيقة أن القرآن المكي لا يسمي محمدا نبيا على الإطلاق، بل بشيرا ونذيرا ومبلغا رسالة ربه ولا شيء آخر.

الإسلام بادئ ذي بدئ لم يكن دينا جديدا بالمعنى المخصوص للكلمة، ولم تكن دعوة محمد إلى دين جديد من الأساس، بل تعاليم من اليهودية تتمثل في عقيدة التوحيد، واقتبس المسيح من طوائف النزاريين، والتعاليم المتعلقة بالحسنات والصدقات كانت أبيونية صرفة، كما أن طقوس التطهر تتطابق مع طقوس التطهر التي كانت للقيسيين، وتلخص كل ذلك في التبشير بالجنة والتحذير من النار والتذكير بيوم القيامة، بل يكاد أبو موسى الحريري يذهب إلى أن محمدا لم يكن في نيته أن ينزل وحيا من السماء، أو أن يدعي علم الغيب بقدر ما كان يقصد إعلان كلمة الله بلسان عربي مبين مفصلة وميسرة للفظ والذكر، فالوحى المحمدى إذن هو وحى لاحق لوحى سابق، وكتابه العربي هو تصديق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، ودعوته دعوة كانت قبله مع أهل الكتاب. لكن نختلف كما نشاء مع كتاب الحريري، وأنا نفسي لا أثق في صحة كل ما جاء به، ولنا الآن أن إلى أصل موضوعنا وهو أمية محمد.

إن آية النبي الأمي الواردة فى القرآن تعني شيئا آخر غير الذي يقصده المذهولون، وينبغي لنا إذن أن نميز بين ما كان يعلمه محمد وبين ما كان لا يعلمه وتعلمه بعد حين؛ أما العلم الذى كان يعلمه فهو علم القراءة والكتابة، وهو العلم الذى اكتسبه فى صغره؛ وأما العلم الذى كان يجهله ثم تعلمه فهو -ما يمكن أن نطلق عليه- علم الإلهيات والروحانيات والتشريع، وهو العلم الذى اكتسبه من لدن خبير حكيم.

لقد تعلم محمد القراءة والكتابة منذ صباه وهو في حماية جده وكفالة عمه، ولقد أراد المتدينون إنكاره عليه قصد الدلالة على تدخل الله مباشرة فى النبوة، وقصد إظهار جدة القرآن والإسلام واعتبار كل شيء فيه من لدن الله، وعلى هذا العلم أدلة نعرضها:

أولا: إن الأمي بحسب القرآن هو من ليس له كتاب منزل، فاليهود أبناء إسحق بن إبراهيم هم كتابيون، فى حين أن العرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم هم أميون، ولقد دلل القرآن على هذا التمييز دلالة واضحة وصريحة، فهو يدعو الكتابيين والأميين إلى اتباع الإسلام: (قل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم ٣/٢٠)، ويشير إلى تمني الأميين معرفة الكتاب: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ٢/٧٨)، ويفتخر أن بعث الله رسولا من غير الكتابيين: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ٦٢/٧)، وقد عرف أهل الكتاب أن التمييز بينهم وبين الأميين شيء محتوم: (قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ٣/٧٥)، وبهذا المعنى القرآنى الصحيح ينبغي لنا أن نفهم قول الكتاب عن أمية محمد فى الآيتين التاليتين: (الذين يتبعون الرسول النبى الأمى ٧/١٥٧)، (آمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله ٧/١٥٨).

فالأميون إذن هم العرب أبناء إسماعيل، واليهود هم الكتابيون أهل الكتاب أبناء إسحق، وبالتالى إن أمية محمد لا تعني جهله بالقراءة والكتابة بقدر ما تعني انتماءه للعرب الأميين أبناء إسماعيل الذين ليس لهم كتاب منزل من الله.

ثانيا: الدليل الثاني من دعوة جبريل للنبي في السورة الأولى من تاريخ القرآن، ففيها يدعو الملاك محمدا قائلا: (اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ٩٦/١-٥)، ولقد أجمعت كتب تفسير القرآن، وكتب أسباب النزول، وكتب السيرة النبوية والأخبار والأحاديث والصحيح والباحثون المسلمون والمستشرقون على أن هذه السورة هي الأولى فى تاريخ الوحى، واتفق الجميع على أن جبريل جاء محمدا يحمل إليه كتابا ويدفعه إليه ليقرأه، فلولا معرفة محمد بالقراءة لما اتفق الجميع على سرد الوقيعة، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر لئن كان الله يمكر بالناس وهو خير الماكرين، أيمكر أيضا بنبيه ويكلفه شيئا لا يستطيعه؟

ثالثا: إن العلم الطبيعي الذى تعلمه محمد لابد أنه تعلمه فى بيت أبي طالب عمه وتحت حمايته، إذ احتضنه أبو طالب بفضل واحترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه ويبسط عليه حمايته، كان يحبه حبا لا يحبه لأحد من ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصب أبو طالب به صبابة لم يصب مثلها بشيء قط، وكان يخصه بأحسن الطعام ويحفظه ويحوطه ويعضده وينصره إلى أن مات، إن تلك العناية الجليلة اقتضت من أبي طالب اهتماما بالغا بشؤون ابن أخيه اليتيم الذي حظى في بيته ما حظى به ابن عمه علي صاحب البلاغة المأثورة ومنتهج نهجها في نهج البلاغة، ولا يعقل أن يمنع أبو طالب عن ابن أخيه ما تمتع به ابنه وتنعم وأبدع فى مجالاته.

ولئن فرق المتدينون بين ربيبي أبي طالب فلغاية في النفس لا مبرر لها سوى إظهار حقيقة النبوءة في كل شىء، فأبو طالب لم يكفل محمدا ليوفر له حاجاته المادية وحسب، بل وفر له كل شيء مما وفره لابنه من علم وتربية وأخلاق.

أخيرا: مهما تعددت تأويلات لفظة (إقرأ) الواردة في أمكنة عديدة من القرآن، فإن المقصود منها القراءة الكتابية، أى قراءة الكتاب، والآيات التى تدل على معرفة محمد بالقراءة كثيرة، منها نذكر: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان ١٦/٩٧)، (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ١٧/٤٥)، (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ١٧/١٠٦)، (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ١٧/١٤). هذه الآيات وغيرها يفيدنا أن محمدا كان يعرف القراءة ويجيدها، وكان يقرأ الكتاب الذى بين يديه، فكانت قراءته له قرآنا -- فالقرآن لغة يعنى قراءة، وهو قبل كل شيء مصدر آرامي للفعل الثلاثى المعتل الآخر (قرُو-نِقْرِى-قِرْيُونُو) ويعني قراءة أو تلاوة نص مكتوب. هل أكمل لكم الآن قصة اسمي ولماذا سميت بكمال الدين؟



#كمال_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بحث في مفهوم الأسطرة
- في رحاب الكعبة
- الحنين إلى الفردوس
- منظور جديد حول الصراع العربى الإسرائيلى
- حليف السام للعم سام


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كمال الدين - العلم الطبيعي: أمية نبي الإسلام