أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاسم العزاوي - تأهيل الفراغ















المزيد.....

تأهيل الفراغ


قاسم العزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 18:39
المحور: الادب والفن
    


الفراغ على حد تعبير (برجسون)كثافة غير مرئية ، وما على الفنان إلا ان يقشر هذه الكثافة ويغوص في عوالمها الساحرة ... ان السياحـــة في عالم الفراغ الغير مؤهل تشكيليا ،يتـطلب تصورا مسبقـــــا والولوج داخل الفراغ واستخلاص رؤية داخلية للمجسد التصويـري ،وتأمــــل وحدات التجريد (اللون وما يشكل من توازن متحرك داخل الفراغ ) اضافة الى معرفية مدربة للخلمات المراد نقلها بدقة ودراية لسد عين الفراغ المدقة صوب عوالم تنتظر المزيد من اشكال وموجودات تؤنس وحدتها وفراغها وإخراجها من حالة التصحر والسكون واللامعنى، الىحياة تعج با لحيوات والصور والا لوان المتراقصة كأجنحة الفراشات الشفيفة، تجذب المتلقي وتشده في مكانه مندهشا ،متأملا ،وغائصا في عمق بحرها وإن كان متلاطما.... الراغ اللا مؤهل اشم فيه رائحة القبر ،وأراه نفقا لااعرف متى اصل الى نهايته.....التحليق في عالم الفراغ (الطبيعة وما عليها من صحراء مترامية وبحار تحتضن الافق وجبال متوجة بندف الغيوم وسماء تحدد الكون الاحدب ،أو الفراغ المحدد باربعة جدران (الغرف المغلقة ’قماشة اللوحـــة ،فاركــونات القطارات ’الزنازين الرطبة’......... او التى تحدد بشتة اوجه(كتلة الصخر ’ كتلة الخشب ’ كومة الطين .....) التحليق والتأمل فيهاتشكيليا يتطلب تفريغها وابقاء الجزء المالئ للفراغ والذي سيشغل فنيا ويحقق المنجز التشيكيلي المرئي او الملموس ’باعتباره افراز ابداعي يؤهل الفراغ ويخرجه من اللاصيرورة الى الصيرورة العيانية ،ليست العشوائية بطبيعة الحال ،بل التي تحمل سمات ومواصفات الفن ...هنا ،لااقصد الفراغ بمعناه(الفيزيائي)وألا لايكون فراغا ،لأنه علميا يكون مشغولا بالذرات الدئره بمدارتها ،وهي عناصر ماديه ،ولكن مااعنيه تشكيليا هو تاهيله وشغله بوحدات صوريه مجسده او مجرده ...ترى ،هل يراها الفنان قبل الشروع بمشروعه البصري التشكيلي ...؟ باعتبار ان الصورة تشكل مقدماتها قبل ظهور الصورة الفنية بمعناها الاصطلاحى ،اي،يكون الفراغ مؤهلا قبل الشروع بتاهيله، وهذا بطبيعة الحال مقتصر لدى الفنلن المبدع وعينه الثاقبة ومرجعياته البصرية ونظرته المستقبلية فهو يرى الاشياء قبل ان يراها من ليس متمرسا بهذا الفن الجميل وهنا يحضرني رد (مايكل انجلو) على تلميذه الذي سأله (كيف ينحت فيلا في كتلة صخر )حينها قال له :اقطع من الحجر ماهو ليس فيلا تحصل على فيل ...انه تصور مستقبلي وإن كان انجلو سبقنا بقرون،وهذا ديدن من اشتغل بالفن والادب وجميع مفاصل الثقافة المبدعة.. لقد اهل انجلو الفراغ قبل الشروع بطرح منجزه وشذب ببصيرته الثاقبة كل ما لايمت ولاينتمي الى مجسده الذي يريد ،فيراه قبل انجازه ،شامخا ،شاخصا امامه قبل أن يلامس ازميله ايما قطعة من حجر...... اذا هكذا يرى منجزه التشيلي قبل انجازه ،لماذا اذن يضع الفنان التشيكيلي (اسكيشاته) او تخطيطاته على الورق قبل البدء بمشروعه ...؟ انه تساءل مشروع كما اعتقد،اقول ،وعودة على بدء انه ،اي الفنان،أهل سطح الورقة البيضاء قبل ان يبدأ التنفيذ،رمى
بمالايمت بموضوعه جانباً قبل التخطيط وراى موضوعه متكاملا بعد التشذيب ، وسينقله بعد ذلك على سطح قماشة اللوحة او على كتلة الصخر او الطين وعلى خاماته التي يريد ان يشغلها .
وما التخطيط الاتمرين بصري ، سيساعد الفنان على تنمية مخيلته وتحفيز الخلايا الداعية الساكنة كي لاتطول فترة سباتها وتموت ( بايولوجيا ) طالما لم تستخدم وتنشط وتحفز ( حسب نظرية دارون البايولوجية ) والتخطيط يعطي لهذه الخلايا شحنات اضافية للتأمل والتأمل الجمالي داخل الفراغ اللامؤهل...
ان التصور المسبق للاشياء داخل الفراغ وماسيكون لاحقا ، تنتمي الى حالات وصور حلمية ، موجودة اصلا في الواقع تخثرت وخزنت داخل العقل الباطني وما على الفنان الاالعمل على استيقاضها وتنشيطها كي تنهض من سباتها ، بالاستثارة والاسترجاع ، يتخيل موضوعه داخل الفراغ وسرعان ماتخفق اجنحته وتسد فضائات الفراغ وتنقله من حالة اللامعنى الى المعنى ، وما على الفنان الحادق الا ان يمرر ريشته وينقر بأزميله حتى يمسك بمنجزه التشكيلي البصري اوالمجسد ...
بأعتبار ان الفن رمز والعمل الفني صورة رمزية تبدع اشكالا قابلة للادراك الحسي بحيث تكون معبرة عن الوجدان البشري كما تقول ( سوزان لانجر ) فالفنان يدرك فعلا اهميات الوعي بالفضاءات المعرفية ومسالكها وعلاقاقتها المتداخلة في الثقافة والتبصر ، وفي الادوات التي تنسجم اكثر من غيرها مع كل محاولة لولوج التجريد وتخليق مقتنياته كمعادلات للعالم بوصفه موضوعا.
ينطبق تأهيل الفراغ على الفنان المعماري وهو يشيد وحدته العمرانية داخل حيزها ( الفضاء حاضن للوحدة المعمارية ) قبل الشروع برصف طابوقها او شق اساسها ، وقد يشيد مدينة مترامية بوحداتها العمرانية ، لا بل ويحيطها بحدائق غناء وأنهر من فرات ، يبتنيها على صحراء ممتدة بأمتداد الافق ، هكذا يتصورها برؤيته قبل ان يخط رملها المنسرح كأمرأة غنوج ... فأي مخيال هذا الذي يقتحم فراغ الصحراء وسرابها ويحوله بنظرة واحدة الى كتل ووحدات عمرانية وحدائق وشوارع تزدحم بالعجلات المارقة كخطف البصر ...؟
( الميدوزا تحول من تنظر اليه الى حجر ) والفنان بنظرة يحول الفراغ الى حياة تمتلئ بالجمال .
هكذا - كما اظن - تخيل الفنان الرائد والمجدد جواد سليم وحدات نصبه قبل تنفيذها ، وقبل ان يصمم المعمار ( رفعت الجادرجي ) قاعدتها بأبعادها وشكلها المتخذ هيئة ( لافتة للمتظاهرين).
ان أي محاولة ( للتحرش ) بالفراغ من قبل الفنان سيطفح سطحه بأشكال ورؤى ورموز وموجودات كما يطفح بالالوان المتحركة التي تدور حولها هالاتها وتشكل عالما متناغما ينبض بالحياة والبهجة ...
( فالحجر المتشكل ، يعامل بالنظر الى شكله الخاص ، لا على انه مجرد اداة او خامة ،أنه يقدم نفسه حلا من خلال اللمس البصري له فيحضر الوجدان البشري للتعبير المرئي ، هنا يكون التعبير بالمعنى التصويري ...)
عندئذ يكون الوجدان الجمالي هو الادراك الفني ، او الحدس الخاص بالمعنى الفني ، والتجسيد يعني وضوح التعبير او الاسقاط الرمزي للوجدان المدرك داخل الفراغ الغير مستغل فنيا ، ليصبح بالتالي موجودا ونابضا بالرمز والوجدان المدرك والمرئي والملموس في آن واحد ...
لقد كان الفنان شاكر حسن آل سعيد ، يبحث وينقب في طبقات سطح الجدار ، والجدار هو عالم ترك بصماته على سطحه ، لذا اهتم آل سعيد بالجدار كذاكرة وحفريات ،من خلال الطبقات المتراصة فوق بعضها من الطلاء والخربشات ... اذ ان كل طبقة تحمل ذاكرة معينة عن ساكني فراغ الغرفة التي تمثل جدرانها ( سبورة ) تحمل ذاكرته وتمد الجسور الصوفية المتآلفة مكانيا وزمانيا مع توالي الساكنين ... هل اراد آل سعيد ان ينقب جيولوجيا على سطح الجدار ؟ نعم ، بالاضافة الى التنقيب والبحث عن الاثر وماتركه الاخرون مطبوعا ومبصوما على هذا الجدار ، وحتى رجع صدى اصوات من تعايش في فراغ الغرفة منعكسا ومرتدا على جدرانها ...
الجدار لايعني شئ بدون تأهيل فراغ الغرفة كما في فلسفة ( التاو ) ... اصنع للغرفة جدران وباب ونوافذ ، ولكن اعلم ان الفراغ هو الذي يصلح للسكن ...
ولكن فراغ الغرفة ، لايشكل ولايمت للحياة بدون ساكنيه ، ... الفنان يرى هذا الفراغ وسط جيد لمنطقة اشتغاله الفني ، يرى اثاثها وبلاطاتها ولوحاتها المعلقة على الجدار ، بل ويرى ساكنيها ، ويرصد حركتهم ايضا ... ماعليه الا ان يوثقهم فوق قماشة اللوحة ، من هنا يكون قد اهل الفراغ مرتين ، الاولى فراغ الغرفة والثانية فراغ قماشة اللوحة ...
الفراغ مرتبط بالذاكرة الشعبية الجميلة ، فراغ اليف ( الغرف ، فاركونات القطار ، ملاعب الرياضة ، مساحات الاراضي ... ،) وفراغ معادي ( القبور الفاغرة الافواه ، الشوارع بعد منتصف الليل ، الصحراء عند الظهيرة ، الزنازين الرطبة ، السجون ، الكهوف المظلمة ..)
يراه الناس البسطاء موحشة وقاتلة ، الفنان يرى عكس ذلك ويتعامل معها على انها مؤهلة مسبقا ، بمخياله ورؤاه يبث فيها نفحات ابداعية فيما تيسر له من منجز متحرك ومتفاعل مع فضاء الفراغ المشذب ، فيحولها الى امكنة تعكس الذاكرة الشعبية وتنقل احاسيسهم وانفعالاتهم وتعايشهم ايضا .

في احدى زياراتي للفنان فائق حسن ، كانت فراشاته تتحرك بسرعة وعصبية فوق قماشة اللوحة ، وهو يسد عيون الفراغ بألوان متداخلة قلت : ماالذي يريد ان يرسمه فناننا الكبير ؟ وكأنه قرأ مايدور بخلدي ، قال: مالذي اريد ان ارسمه مطبوع هنا ، وأشر صوب رأسه ، فيما تدلى غليونه من فمه وهو ينفث الدخان كصافرة قطار ... وبعد عدة ( ضربات ) من فرشاته ، كانت الخيول الجامحة تصهل وتضرب سطح اللوحة بسنابكها ... هكذا استحال الفراغ الى دربكة وصهيل وغبار فيما تطايرت عباءة الاعرابي مع كل لكزة للجواد
(والانفعال الفني ليس انفعالا معقدا او انفعالا جماليا فحسب ، بل هو ايضا انفعال جديدا واصيل وعلى هذا يرى (برجسون ) ان الفنان العظيم انما هو الذي يصدر في عمله عن انفعالا جديد وأصيل ، بحيث يولد في انفسنا احاسيس جديدة ، او عواطف لم يكن لنا بها عهد او انفعالات لم تكن في الحسبان ... )
الحلم ايضا فضاء مفتوح يؤهله الفنان السوريالي بمشهد بصري باذخ .

ارفع قبعتي عاليا لكل من اهل الفراغ وجعله حدائق تضوع برائحة القرنفل والياسمين
الى / جواد سليم ، فائق حسن ، عطا صبري ، حافظ الدروبي ، كاظم حيدر ، خليل الورد ، خالد الرحال , خالد الجادر ، محمد غني حكمت ، اسماعيل فتاح الترك ، اسماعيل الشيخلي ، عبد الجبار البناء ، نوري الراوي ، نداء كاظم ، حسن عبد علوان ....، والقائمة تزدحم بالقامات الطويلة التي تركت بصمتها عميقا في المشهد التشكيلي العراقي المعاصر.



#قاسم_العزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية قصصية .....سيدة بن علي تستنطق عِلّيسة
- نافذة الريح......
- اليها...........
- صراخ اخرس...!
- كلمات عارية.....................................(الى حسين مر ...
- إستدارة القمر المثلوم........................(الى سيدة الحرو ...
- نشيج داموزي.............(اليها ايضاً)
- ابتكارات............... (الى ر.ص...شاعرة وناقدة)
- عزلة....!
- صدى الصفير..............
- أمخر صوب غرب السموات............. الى من علمتني ا ...
- مسالك صوفية
- استنساخ................................(قصة قصيرة جدا)
- قمري الذي في الاعالي....
- رقيم أول ...
- محنة البدويّ...!
- هالة القمر.............(اليها طبعا)
- هذيان...
- عزلة
- المهرج


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاسم العزاوي - تأهيل الفراغ