حسان خالد شاتيلا - كاتب ومفكر يساري - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: دور ومهام اليسار الاشتراكي الثوري في ثورة الخامس عشر من آذار 2011 في سوريا.


حسان خالد شاتيلا
الحوار المتمدن - العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 17:44
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -100- سيكون مع الأستاذ د. حسان خالد شاتيلا - كاتب ومفكر يساري- حول: دور ومهام اليسار الاشتراكي الثوري في ثورة الخامس عشر من آذار 2011 في سوريا.
 

أولا: مرحلة الأزمة الثورية


1-) يُسجّل انفجار الثورة لعجزِ النظام الحاكم عن الاستمرار في حكم البلاد مهما استخدم من أدوات وأجهزة لقمع المجتمع وقهره. بالمقابل، فإن الثورة تؤكد أن المجتمع لم يعد يَحتمل استمرار نظام القمع السياسي والقهر والظلم الاجتماعي مهما كلَّف الأمر. الأمر الذي يشير إلى نشوب أزمة ثورية قوامها ظهور سلطتين اثنتين: سلطة الأجهزة، من جهة، وسلطة الشارع من جهة ثانية، والتي كانت وما تزال عفوية تتخاطف الطبقة السياسية قيادتها. ما يفيد أن القطيعة ما بين هذه الطبقة السياسية، الحاكمة والمعارضة على حد سواء، والمجتمع قد اتسعت. لكن غياب اليسار الثوري عن ساحة المعركة، يشكِّل السبب الرئيس وراء العقبات التي تَحُول دون أن تنتقل الثورة من العفوية إلى العمل الواعي المنظَّم.
هذه هي الأولوية في كل برنامج سياسي ثوري: النضال مع الطبقات الشعبية من أجل تنظيمها حزبيا وفي جبهة يسارية ثورية موحَّدَة، بحيث تشكل سلطة مضادة في المرحلة الحالية، وما يأتي مع المرحلة الانتقالية، وما بعد هذه الأخيرة.

آ-) السلطة استنفدت ما قبل نشوب الثورة أية إمكانية للاستمرار.
 وذلك لأسباب مرتبطة بالتكوين الاقتصادي الاجتماعي للمجتمع السوري. الأسباب كثيرة. من أهمها عجز الرأسمالية البيروقراطية التي تقود السلطة عن الاستجابة للاحتياجات المعيشية للطبقات الشعبية التي تشكل الأكثرية بين طبقات المجتمع: المواد الغذائية، الطبابة المجانية، التعليم المجاني والإلزامي حتى غاية التخصص المهني أو العلمي، ارتفاع الأسعار - التدهور الخطير لأحوال صغار الفلاحين بعدما تخلَّت السلطة عنهم لتشجِّع، بالمقابل، المزارعين – عصيان الأكراد في منطقة الجزيرة للمطالبة بحقوقهم القومية - نهب الرأسمالية البيروقراطية للقطاع العام، وفتح الأبواب مشرَّعة أمام الخصخصة، بما في ذلك البنوك، ناهيكم وسوق الأسهم والأوراق المالية – انتشار الفساد بصورة فاحشة، حتى أن السلطة القضائية أصبحت موضعا للبيع والشراء، والعقاقير والأدوية في المستشفيات العامة استبدلت بمياه الشرب والأسبرين – انهيار القانون بصورة عامة، تحت وطأة الفساد وممارسات الأجهزة القمعية – تفكّك الدولة بما في ذلك سلطاتها الثلاث، لاسيما وأن السلطة التنفيذية قُزِّمت إلى مجلس لإدارة الفساد والسهر عليه، في ما تحوَّل الجيش إلى أجهزة حاكمة استثمارية واستغلالية - إيديولوجية البعث العربي الاشتراكي سقطت بعدما وَضَعَت الأجهزة القمعية بالتحالف مع رأسمالية السوق يدها على المقدَّرات الاقتصادية والسياسية للسلطة والمجتمع.
برنامج اليسار الثوري يتضمن أولوية المطالب المعيشية التي تنادي بها الطبقات الشعبية على غيرها من الأولويات، من حيث أن هذه المعطيات الموضوعية للتكوين الاقتصادي الاجتماعي لسورية هي السبب الرئيس وراء الأزمة الثورية. أضف إلى ذلك، أن هذه المعطيات ليست ظواهر طارئة، عارضة، وإنما هي بنيوية، لا حلَّ لها إلا بتغيير المعطيات الليبرالية للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، أي وضع الاقتصاد في خدمة الاحتياجات الاجتماعية، ورفع مستوى الأحوال المعيشية للطبقات الشعبية، والتنمية المستمرة، الاقتصادية منها والبشرية. لذا، فإن برنامج اليسار الثوري يناضل على المدى القريب والبعيد لتغيير مكونات الأزمة ما بين المجتمع والسلطة، وهي تلبية الاحتياجات المعيشية للطبقات الشعبية، التنمية الوطنية والاجتماعية للاقتصاد، التحرر من الإمبريالية والصهيونية، من جهة، والنضال الثوري بصورة مستمرة من أجل تغيير مكونات التكوين الطبقي الاستبدادي، الاقتصادي والسياسي، للدولة. إن الثورة هي، اليوم، المعيار المادي التاريخي، المعيار السياسي أولا وأخيرا، الحد السياسي الأوحد للتعريف بالصراع الطبقي في سورية. فالطبقات الاجتماعية تنقسم في ما بينها، ليظهر الحد الطبقي لكل منها، حسب مشاركتها في الثورة. الطبقات الشعبية هي المعادل الاجتماعي للثورة. الطبقة الوسطى منشطرة ما بين مؤيد للثورة، ومؤيد للنظام الحاكم، ومتردد ما بين الطرفين. الشرائح المنعمة من الطبقات الوسطى، ورأسمالية السوق المتحالفة مع الرأسمالية البيروقراطية، هي المعادية للثورة.

ب-) المجتمع لم يكن غافلا عن سياسة الجيش من حيث هو المُكَوِّن الأساس للسطلة.
 الجيش غير الوطني ما دام يدافع عن مصالح الطبقة الحاكمة، بعدما تخلى عن سياسته التحررية التي كانت سائدة حتى نهاية الستينات. ممارسات الجيش السوري، منذ سقوط الجمهورية العربية المتحدة وحتى غاية الآن، سارت في منحى واحد، ألا وهو قمع الشعب السوري، ومحاربة المقاومة الفلسطينية، والتواطؤ مع الإمبريالية في كل ما يتعلق بالعراق، والهدنة غير المعلنة مع إسرائيل، وحصر المقاومة بأقلية من الطائفة الشيعية في جنوب لبنان، وأقلية من أهل السنة في غزة، والتفاوض مع إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة
- وزير دفاع حرب حزيران حافظ أسد تخلى عن الجولان قبل دخول العدو الصهيوني إليها، ولم يحرِّك ساكنا عندما دخل أرييل شارون إلى بيروت، ووقف حجر عثرة أمام يسار حزب البعث أو حركة 23 شباط، وحال دون أن ينفِّذ سياسته، لاسيما في ما يتعلق بدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة بصورة عامة، وفي الأردن ولبنان بصورة خاصة.
- جيش حافظ أسد هو الذي اعترف بالقرارين الدوليين 242 و338 والذي يتضمن إلزاما لسورية بالتفاوض مع إسرائيل لاسترجاع "أراضٍ" محتلة.
هذه المعطيات العسكرية، السياسية والاجتماعية، تملي على برنامج اليسار الثوري أن يناضل من أجل تحرير الجولان المحتل، والتضامن مع الثورة الفلسطينية، ورفض الكيان الصهيوني. الأمر الذي يستدعي إعادة بناء الجيش وإلحاقه بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وتشييد الجيش الشعبي تحت شعار "كلنا جنود للوطن"، والسهر على الوحدة الوطنية لتكون حامية للجيش الشعبي، أو كي تحول دون حروب هامشية داخل المجتمع السياسي.



2)- الآزمة الثورية بدأت مع ظهور سلطة الشارع المناهضة لهيمنة النظام الحاكم. إلاَّ أن هذه الأزمة انتقلت إلى حالة معقَّدة مع ظهور "جيش سورية الحر"، وتنازع القيادة ما بين "هيئة التنسيق الوطنية"، من جهة" و" المجلس الوطني" الّذي تمخَّض عن "الائتلاف الوطني"، من جهة ثانية.
- في ما يتعلق بالجيش الحر، فإن، برنامج اليسار الثوري يناضل مع الطبقات الشعبية من أجل:
إعادة الأولوية للنضال الاجتماعي السياسي بعدما تغلبت اللغة العسكرية على البرنامج الاجتماعي
- ظهر الجيش الحر قبل أن تنضج البرامج السياسية، اليسارية منها بوجه خاص. ما أدى إلى عرقلة البناء السياسي للثورة. فضلا عن ذلك، فإن الجيش الحر اتسع ليشمل الجهاديين الإسلاميين. هذا، وإن الجيش الحر يفتقد إلى أية استراتيجية سياسية، ناهيكم وأن أيديولوجيته، وإن كانت لا تختلف عن نموذج الأفكار السائدة (براديغما)، كالديمقراطية، والوطنية، إلخ، فإنها لا تكفي لبناء دولة، باستثناء سلطة الجيش. فضلا عن ذلك، فإن تكوينه يتألف من خليط مزيج من القوى المتنابذة. علما أن موقف هذا الجيش من التدخل العسكري الخارجي متناقض ويشوبه الغموض. أما في ما يتعلق بمصادر تسليحه، فإن أموال الرجعية العربية والشراكة التركية الأوروبية والأطلسية، تفسح المجال أمام شتى أنواع التكهنات. ناهيكم وأن هذا "الجيش الثاني" يرفض الانصياع للقيادة السياسية، أيا كان لونها، القيادة السياسية الموحّدة للثورة، وذلك بافتراض أن هكذا قيادة قد تأسست. في ما لا تزال الثورة العفوية تحتاج إلى جيش شعبي لإسقاط النظام، وليس الدفاع عن المدنيين والأهالي، بين جدران الأحياء والبلدات والضواحي المكتظة بالسكان.
- يعتمد الجيش الحر على استراتيجية الحرب الكلاسيكية، شأنه شأن الجيش النظامي. بيد أن الطوبوغرافيا الجغرافية لسورية الطبيعية، وتخطيط المدن، يحول دون أن ينتصر هكذا جيش على جيش النظام، ليس فقط، المدجج بالأسلحة الآتية إليه من روسيا وإيران وغيرهما، وإنما تكوينه السياسي من حيث هو جيش النظام، وليس جيش الدفاع عن الوطن. الأمر الذي تَكشف عنه أنواع الأسلحة التي تنهار على الأهالي مخلِّفة الدمار والهجرة.
برنامج اليسار يَعتَبِر أن الجيش الحر غير مفيد للثورة، ويصب في جبهة الثورة المضادة. إن برنامج اليسار الثوري يدعو إلى تبني تكتيك المقاومة الشعبية السرية، والتي تعتمد على توزيع تنظيمها على مجموعات قليلة العدد، تعتَمِد على العمليات السريعة، المباغتة، والخاطفة، ضد كل مؤسسات السلطة بدون تمييز. ويؤكد البرنامج أن فتح جبهة حرب عسكرية كلاسيكية سينتهي إلى تكوين جيش طفيلي، ويرهن المجتمع والدولة بمستقبل مجهول، إن لم يكن بدكتاتورية عسكرية. وذلك بخلاف المقاومة الشعبية التي تنجح بتسليح الأكثرية من المواطنين، في كل مكان وعلى مدى الزمن. لذا، فإن برنامج اليسار لثوري يناضل من أجل إعادة التكوين السياسي لجيش سورية الحر، ويتبنى تكتيك واستراتيجية المقاومة الشعبية التي تبدا با/"لنضال الثوري المسلح" (حرب العصابات)، فتعبئئ كل الثوريين في "المقاومة الشعبية"، قبل أن تنتقل إلى الحرب الشاملة لإسقاط النظام، عبر تحرير المناطق الإدارية الواحدة تلوى الأخرى، وإقامة سلطة ثورية في كل محافظة محرَّرة.
- تعدُّدُ السلطات يؤدي إلى إلحاق الخلل بالأزمة الثورية، ويفرغها من مضمونها الاجتماعي والطبقي والوطني، لاسيما في ظروف الحالة السورية، حيث تَفتقد الطبقات الشعبية إلى التنظيم السياسي الذي يوحدها وراء قيادة مركزية واحدة.
- ما أشبه، اليوم، الطبقة السياسية والمثقفين، من حيث مقاربتهم للثورة، بمقاربتهم، بالأمس، لاحتلال فلسطين في العام 1948، ومقاومة الأحلاف النيوكولونيالية في الخمسينات، وسعيهم للوحدة السورية المصرية، ومحاربتهم للشيوعية، ونضالهم ضد جريمة الانفصال الأسود، ومقاومتهم لانقلاب الثامن من آذار. هذه الطبقة التي وقفت تتفرَّج على جيش حافظ أسد وهو يسحق المقاومة الفلسطينية والحركة التقدمية في لبنان. ووقفت مكتوفة الأيدي عندما تغلب البعث على الناصرية والشيوعية. وتناست دوما أن الإخوان المسلمين يتلوُّون كالأفعى في شتى الاتجاهات وبسرعة عجيبة. والتزمت في مقاومتها لنظام حكم بشار أسد بشعار "الانتقال التدريجي والسلمي"، إلخ، وهكذا دواليك، حتى غاية الوصول إلى الاجتماع لمدة ساعة بين رئيس الائتلاف الوطني وسكرتير الدولة الأمريكي في روما. وكانت هيئة التنسيق، على غرار المجلس والائتلاف، عقدت اجتماعات على أعلى المستويات مع القيادات الروسية والصينية والإيرانية.
- لقد فشلت هذه الطبقة، وهي من مخلَّفات الطبقة الوسطى التي كانت تمارس ما بعد الاستقلال "دورا ثوريا"، في استرجاع فلسطين، والدفاع عن الوحدة العربية، واضطهدت الأكراد، وحافظت على التنظيم البورجوازي للمدن. فقراء الفلسطينيين والأكراد، كلٌ إلى حارته أو مخيمه. اليهود منبوذون في حارتهم. هي التي كرَّسَت للانفصال عن مصر. هي المسؤولة عن "هزيمة حزيران" التي انتهت إلى تكريس نظام حكم المهزومين. وفي ما كان جيش الجنرال أسد يدك الحصن الفلسطيني والتقدمي في لبنان، كانت مجموعات قومية يسارية وشيوعية ملهية بتشكيل ائتلاف سياسي يجمع الشيوعيين ب"البعث العراقي" والإخوان. هي التي حَكَمَت على الفلسطينيين "اتفاقية آوسلو" بعدما أرغمتهم على الهجرة إلى تونس، حيث لقي عددٌ من قادتهم حتفه بأيد إسرائيلية. إلى أن مرَّ طير سنونو شارد في سماء النظام الحاكم، يوم ألقى بشار أسد "خطاب العرش" أمام النواب، فهلَّلوا ل/"الربيع السوري"!! وهم الذين قاوموا نظام الرأسمالية البيروقراطية بجمعيات حقوق الإنسان، والمنتدى الماركسي (تيم) و"ميثاق دمشق" السنِّي. كل هؤلاء فوجئوا مصعوقين بثورة الخامس عشر من آذار. إن إيديولوجيات والبرامج السياسية للطبقة السياسية والمثقفين، والتي مُنيت كلُّها بالفشل طوال العقود السبعة الأخيرة، ما هي سوى نماذج فكرية سائدة (بَراديغما)، متقلبة ومتغيرة لا ثوابت لها. إنها (شعبوية)، تَرفع الشعارات الطنانة، ولم تفعل شيئا من أجل تحويل الثورات العامية، طوال ما يزيد عن نصف قرن، إلى ثورة واعية منظَّمَة ومستمرة.
- غير أن الخلل الذي يلحق، الآن، بالثورة، من جراء تعدُّد السلطات المناهضة للنظام الحاكم، يسلب الثورة من جماهيرها، ويفرِّغها من مضمونها الطبقي، ليمسخها إلى مسألة إقليمية أو عالمية. إن هيئة التنسيق، إذ هي تعول على كل من روسيا والصين وإيران، من أجل حل الأزمة الثورية، بما في ذلك التخلُّص من السلطات متعدِّدة الرؤوس ل"المعارضة"، وتنادي بمؤتمر دولي يُعقد بالعاصمة السورية، بمشاركة جميع الأطراف، بما في ذلك السلطة، وهي لم تَرفَع النزاع الاجتماعي بين الطبقات الشعبية وسلطة الرأسمالية البيروقراطية إلى المقام الأول في سلم الأولويات في برنامجها السياسي، فإنها لا تختلف، من هذا الجانب، عن المجلس الوطني وائتلافه الذي يتنقَّل ويقفز ما بين القاهرة والدوحة وباريس والرياض وبروكسيل وواشنطن ولندن، إلا من حيث الرفاهية والشراهة.
- إن هذه الطبقة كانت وما تزال تمارس السياسة في الدهاليز المظلمة للدولة والسياسة الدولية.
- ثمة تشابه ملموس بين السلطة، من جهة، وهيئة التنسيق والمجلس والائتلاف، من جهة ثانية، من حيث المسعى إلى تدويل الثورة الاجتماعية السياسية في سورية !!!
- هذه الطبقة السياسية مسؤولة عن تحويل النزاع الاجتماعي السياسي في سورية إلى محض قضية إقليمية مدرجة على برنامج عمل السياسة الدولية. لذا:
فإن برنامج اليسار الثوري يَعتَبر أن هذه المؤسسات السياسية تصب بجبهة الثورة المضادة. ما يُلزِم اليسار الثوري باتِّباع سياسة مناهضة للثورة المضادة وتشكيلاتها السياسية والعسكرية. والنضال أجل تشكيل جبهة يسارية ثورية ذات أهداف استراتيجية مرحلية، تضع المجتمع السوري على مسار الحرية السياسية، والتنمية الاقتصادية والبشرية، والتحرر من الإمبريالية والصهيونية، وترافق تطور المعركة السياسية للنزاع الاجتماعي على طريق الانتقال الثوري، من الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة القانون، بافتراض إنجازها، إلى نمط الإنتاج الاشتراكي.
هذا البرنامج ينبِّه منذ الآن، وفي ضوء المعطيات الموضوعية للأزمة الثورية، إلى أن استراتيجيته المرحلية تَجمع ما بين إسقاط النظام، والنضال مع الطبقات الشعبية من أجل تأسيس جبهة تكون بمثابة سلطة المجتمع المستقلة عن الدولة، أثناء الأزمة الثورية الراهنة، وخلال المرحلة الانتقالية، وما يليها، وذلك من أجل إعادة تنظيم التكوين الاقتصادي الاجتماعي في المرحلة الانتقالية الليبرالية، ومن أجل إعداد الجماهير الشعبية واليساريين الثوريين لحيازة السلطة، ومن أجل تشييد أوسع أنماط الديمقراطية السياسية والاجتماعية. إن المعركة من أجل سورية الحرية والتنمية والتقدم وسلطة الطبقات الشعبية لن تتوقف مع سقوط النظام المهيمن، وإنما ستستمر عبر المرحلة الانتقالية وما يليها، ما بقيت الثورة مستمرة، وما بقي اليسار الثوري الموحَّد منتميا إلى الطبقات الشعبية. إن التأسيس للسلطة اليسارية للمجتمع، في تكوينه الطبقي، وليس على صعيد الدولة، مهمة مستمرة، ولن تتوقف برامجنا عن النضال من أجلها. وهو الأمر الذي يعطي للتنسيقيات دورا هاما في معركة بناء سلطة وطنية، ديمقراطية، إنمائية وتحررية.
- من أحشاء هذه الطبقة تظهر إلى العلن مبادرات تدعو إلى الحل السياسي. فالائتلاف الوطني وهينة التنسيق، يتسابقان في تقديم المقترحات للحل السياسي بالتفاوض مع السلطة، أو مع من "لم تلوَّث أيديهم بدماء الشعب"، وكلاهما يرضى بالمشاركة "الدولية".
اليساريون الثوريون ليسوا هواة حرب. فالثورة الاجتماعية، وما يرافقها من أزمة ثورية تتكشف عبر تعدُّد السلطات المناهضة للسلطة الحاكمة، هي، بالمعنى المادي التاريخي، كالصراع الطبقي، معركةٌ سياسية أبعد ما تكون عن تصنيفات علم الاجتماع والاقتصاد، وغير ذلك من علوم. الصراع الطبقي ، في نهاية التحليل، حربٌ أو معركةٌ سياسية، لذا، فإن الساحة السياسية، من حيث هي ميدان الصراع الطبقي، والمقاومة المسلحة وغير المسلحة، للنظام المهيمن، هي، علاوة على ذلك، وفي نهاية الأمر، مسرحٌ لحل الآزمة الثورية التي تتكون من مجوعة من العمليات السياسية. لذا، فإن برنامج اليسار الثوري يناضل، في نهاية المطاف، من أجل حل سياسي لا يطيل في عمر النظام المهيمن، بل وإنه ينتهي إلى القضاء عليه. حلٌّ يَمنَح كل السلطات للشعب، فيسحب من الجيش كل سلطة سياسية،. لا يناهض اليسار الثوري، بل، وإنه يفتح أمام الطبقات الشعبية مسارات سياسية لرفع مستواها المعاشي. يؤكد على السيادة القومية لسورية، فلا يكون مرتبطا بالسياسة الدولية واالإقليمية التي تنقاد في المرحلة الراهنة للإمبريالية والصهيونية. حل سياسي يرفض ارتباط سورية يأية معاهدات سياسية، اقتصادية وعسكرية، تخلُّ بسياستها التحررية, إن برنامج اليسار الثوري يناضل مع الطبقات الشعبية من أجل حل سياسي لا يقف عقبة أمام تسليح مجتمع الطبقات الشعبية بسلطة مستقلة عن سلطات الدولة، مُعتَرَفٌ بها بموجب الدستور، بما يحمي الثورة المستمرة، ويحُول دون أن تتحول إلى ثورة بورجوازية "ديمقراطية" ترسِّخ استبداد البورجوازية والعولمة النيوليبرالية.
 


3-) التنسيقيات، بالرغم من افتقادها للبرنامج السياسي الثوري، وبالرغم من أن العمليات العسكرية للجيش الحر قد رّمت بالدور الاجتماعي السياسي للتنسيقيات إلى مصاف المرتبة الثانية أو الثالثة في سلم الأولويات التكتيكية والاستراتيجية، إلا أنها كانت وما تزال إحدى خصوصيات ثورة الخامس عشر من آذار.
- تُعتَبَر ظاهرة التنسيقيات إحدى المكونات الاجتماعية السياسية للثورة. إنها، وإن كانت تصطدم بالعثرات التي تُنصَب أمامها من قِبَل الثورة المضادة التي استولت على الثورة سياسيا وعسكريا، واحتكرتها لنفسها، إلا أن التنسيقيات، من حيث هي إحدى المكونات الاجتماعية السياسية التي انبثقت من رحم الثورة، وطالما تَجمع بين لجانها الطبقات الشعبية، فإنها تشكل حيزا ذات طاقة ثورية متجدِّدة. إن بناء السلطة اليسارية، الجبهة اليسارية الثورية، يتوقف على التطور السياسي للتنسيقيات.
- يقتصر برنامج عمل التنسيقيات، بعدما استولى الجيش الحر على النضال الاجتماعي السياسي، على نشاطات قوامها نشر المعلومات الإخبارية عن الأحداث، ومساعدة المواطنين على سد احتياجات الحياة اليومية، وتنظيم المظاهرات من حيث توزيع المتظاهرين في صفوف وأرتال.
- لم يُسَجَّل أي أثر سياسي يُذْكر للتنسيقيات، بالرغم من أن قوى الثورة المضادة تزعم أنها تتعاون بصورة وثيقة مع التنسيقيات، وأنها ممثَّلَةٌ في مجالسها.
- إن ساسة الثورة المضادة، إذ هم استولوا على السياسة وانتقلوا، بها إلى العواصم الإمبريالية، فإن خوفهم من الثورة، ومن الطبقات الشعبية والتنسيقيات، هو الذي حَرَمَ التنسيقيات من تشكيل مجالس بلدية ومحلية وسياسية. وكان من المفترض، أن تقضي المقاومة الشعبية على هذه المراكز، وتحتل مبانيها، بحيث تستطيع تنسيقيات الطبقات الشعبية أن تمارس الحكم الإداري والسياسي في المناطق المحرَّرَة، على حد سواء.
إن البرنامج السياسي للجبهة اليسارية الثورية الموحَّدَة يعتقد أن التنسيقيات مؤهلة، بما لديها من طاقات ثورية لا تنضب، لإعادة بناء اليسار الثوري في المجتمع. والبرنامج يناضل مع الطبقات الشعبية والتنسيقيات المنبثقة عن الثورة، كي تتحول لجان التنسيق إلى مجالس إدارية، بلدية، محلية وسياسية.
 


ثانيا: المرحلة الانتقالية وما يليها


1-) الحالة السورية للأزمة الثورية، وهي تُشرف على بدء السنة الثالثة من تاريخها، ليست كما تزعم هيئة التنسيق لتبرير حالات كثرٍ من الاعوجاج اليميني والانتهازي لسياستها، عندما يؤكد قادتها، إنها، هي والثورة، واقعة أسيرة بين عنفين اثنين: عنف السلطة، وعنف الجيش الثاني. وذلك على خلفية "المؤامرة الدولية" التي تُحبك تفاصيلها ما بين القاهرة والدوحة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
- الحالة السورية تكوين ثوري متغيِّر للنزاع الاجتماعي السياسي بين الثورة العفوية التي تفتقد إلى قيادة ثورية، والثورة المضادة التُي تفرِّغ الثورة من مضامينها الاجتماعية والتحررية، وتمسخها إلى صراع دولي وجيش مجهول الهوية السياسية.
- معطيات الأزمة الثورية لن تزول مع سقوط النظام، لاسيما وأن كفة الثورة المضادة في موازين القوى، على المدى القريب، إن لم يكن المتوسط، وذلك حتى غاية مرحلة متأخرة من المرحلة الانتقالية، هي الراجحة. وستبقى كذلك إلى أن ينجح اليسار الثوري في بسط سلطة يسارية مجتمعية مناهضة للدولة وسياستها.
- الثورة المضادة، هي التي ستنتزع الثورة من الطبقات الشعبية لتقود المرحلة الانتقالية وفق ما تقضي به مصالحها، وبما ينسجم مع النظامين العالمي والدولي السائدين.
- سيخرج الاقتصاد السوري من الأزمة الثورية الأولى شبه منهار. ولن تتأخر الإمبريالية العالمية بشتى مراكزها القارية عن إغداق شتى أنواع المساعدات، بما في ذلك العسكرية، لليبرالية الجديدة وريثة الرأسمالية البيروقراطية. وكان النظام السائد فتح الأبواب أمام توصيات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي ل/"إصلاح الاقتصاد" الذي ضاعف من نسبة الفقراء والجوع والمرضى في المجتمع السوري، أو عمق الصراع الطبقي على وتيرة من ارتفاع حجم ثروات الرأسمالية البيروقراطية والشرائح العليا من الطبقات الوسطى. الثورة وثيقة الصلة بانفتاح الرأسمالية البيروقراطية نحو العولمة النيوليبرالية.
- إن متوسط ساعات العمل لدى أصحاب الدخل المحدود، بما في ذلك موظفي الدولة، يتجاوز 18 ساعة يوميا، ما دام هؤلاء يشغلون وظيفتين اثنتين أثناء أيام الأسبوع، ووظيفة ثالثة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وذلك من أجل سد الاحتياجات المعيشية لأسرهم.
- الطبقة اليمينة الانتهازية الحاكمة خلال المرحلة الانتقالية بمقتضى السلطات الثلاث للنظام الديمقراطي، ستنفِّذ سياسات صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والاتحاد الأوربي أو الشراكة السورية الأوروبية، بحجة أن الثورة دمرت البلاد، وشردت الأهالي، وحطَّمت الاقتصاد. الأمر الذي يُذَوِّب الاقتصادي الوطني في جحيم العولمة النيوليبرالية، ويُلْحِق السياسة السورية، إن من الناحية الاقتصادية أم من جهة السيادة القومية، بالسياسة الدولية التي تقع تحت هيمنة الإمبريالية منذ سقوط حائط برلين.
- النظام الحاكم خلال المرحلة الانتقالية سيعقد مفاوضات مع إسرائيل حول الجولان، ويقيم علاقات دبلوماسية متبادلة مع الدولة الصهيونية، بحجة أن الجيش السوري قيد الترميم وإعادة التنظيم، وأن النظام البائد لم يترك لسورية جيشا يدافع عن شعبه.
- إن المعطيات السائدة خلال مرحلة الأزمة الثورية، ومن جراء غياب السلطة اليسارية المجتمعية، تنبئ منذ الآن بأن سورية، وإن كانت ستأخذ بمنحى تشييد جديد للدولة وأيديولوجيتها، بما في ذلك الانتخابات الدستورية والتشريعية، إلا أن هذا المنحى سيكون معوجا، وسينحرف عن مسار بناء الاقتصاد بما يلبي احتياجات الطبقات الشعبية والبنية التحتية للمجتمع والدولة، وسيُحارَب أنصار المقاومة الشعبية للصهيونية والإمبريالية.
برنامج اليسار الثوري يناضل مع الطبقات الشعبية من أجل بناء هذه السلطة المجتمعية الثورية، والمقاومة الشعبية المسلحة، المؤهلة وحدها لتنفيذ برامج سياسية مرحلية على مسار استراتيجي يقود المجتمع، من الديمقراطية الوطنية والاجتماعية، عبر المراحل، إلى الاشتراكية.
- لما كانت موازين القوى راجحة لصالح الثورة المضادة، وكان اليسار الثوري يحتاج لمزيد من المعارك، حاجته إلى كسب الوقت، فإن البرنامج يأخذ بتكتيك قوامه الإطالة، ما أمكن ذلك، من المدة اللازمة لتشييد مؤسسات الدولة الديمقراطية .
- إن البرنامج إذ هو يناضل مع الطبقات الشعبية من أجل بناء الدولة الديمقراطية والتحررية، ومن أجل منح الطبقات الشعبية ولجان التنسيق ومجالسها أوسع السلطات السياسية، فإنه يطالب ب:
توزيع الانتخابات العامة خلال المرحلة الانتقالية حول توقيت ثلاثي. انتخاب مجلس دستوري يقترح دستورا مؤقتا يُستفتى عليه من قِبَل الشعب، ويلي ذلك انتخاب مجلس نيابي تمتد صلاحياته لمدة سنتين فقط. تعاد الكرة مرة ثانية، على أن يمنح المجلس النيابي صلاحياته لمدة ثلاث سنوات فقط. وبعد مضي خمس سنوات على المرحلة الانتقالية، فإن الشعب ينتخب مجلسا دستوريا لوضع دستور صالح لمدة عشر سنوات، تتعاقب خلال ذلك دورتان برلمانية، كل منها لمدة خمس سنوات.
ويناضل البرنامج مع الطبقات الشعبية كي يَمنح المجلس النيابي الأول الجنسية للأكراد المحرومين منها،
وأن يَعترف البرلمان الثاني بالمطالب القومية للشعب الكردي، وأن يمنح البرلمان الثالث الأكراد حق تقرير المصير.
إن البرنامج إذ هو يدافع عن الديمقراطية بأوسع معانيها، إلا أن قيادات الجبهة اليسارية الثورية الموحدة تمتنع عن الترشح للانتخابات، وتكرس برامجها لنقد السلطات، من جهة، وتشييد سلطة مجتمعية ثورية مستقلة عن الدولة ومؤسساتها، من جهة ثانية. إن السلطات الثلاث للدولة الديمقراطية ما هي سوى أجهزة للدولة، وإن كل من يلتزم بدستورها مُلزم بالانصياع له، أي التخلي عن الاستحواذ الثوري للسلطة. الأمر الذي يملي على برامجنا، طالما بقيت السلطة المجتمعية لليسار ضعيفة، مقاطعة صناديق الاقتراع، بحيث يولي البرنامج أهمية فائقة لبناء السلطات الشعبية.



2-) تقضي الوحدة الوطنية بالتساوي بين المواطنين، على اختلاف ثقافاتهم السياسية والدينية، أمام الدستور. وفي ما يتعلق أيضا بتساويهم أمام الواجبات والحقوق، إن من حيث الحياة السياسية، أم من جهة الحياة المدنية.
- الوحدة الوطنية لن يكتمل تكوينها مالم يَفصل الدستور الدين عن الدولة، وما لم يترك الدستور للمواطن حرية الاختيار ما بين القضاء الشرعي والقضاء المدني.
- المساواة بين الرجل والمرأة والشراكة المتساوية من حيث فرص العمل، ودخول المرأة بصورة واسعة في كل المؤسسات والمنظمات، شرط ضروري لبناء مجتمع وطني متين البنيان ومتحرر.
حرصا من اليسار الثوري الموحد على متانة الوحدة الوطنية خلال هذه المرحلة الثورية والتحررية،
فإن برامجه السياسية تناضل من أجل فصل الدين عن الدولة، والمساواة والشراكة بين الرجل والمرأة.