رسالة إلى أقدم أسير سياسي لدى إسرائيل الصهيونية والإمبريالية (رسالة شخصية غير ممنوعة من النشر)


حسان خالد شاتيلا
الحوار المتمدن - العدد: 6966 - 2021 / 7 / 22 - 09:33
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

رسالة إلى أقدم أسير سياسي لدى إسرائيل الصهيونية والإمبريالية
(رسالة شخصية غير ممنوعة من النشر)

حسان خالد شاتيلا


المفدَّى، الرئيس القائد جورج إبراهيم عبد الله
يا جورج يا رفيقي، يا جورج يا صاحبي،

إذا ما رميتَ حجرا من باب الهوى على الحدود السورية التركية، فإنه يتدحرج بدون ان يلقى أمامه سوى تقاطع سياسي دستوري علمي مزيف لا علاقة له بعلم التضاريس. تقاطع مزعوم بين مخافر الأمن العربية ذات المنشأ الاستعماري، وبين الجغرافيا. تقاطع، أيضا، لا جغرافية ولا تاريخية له غير تلك التي تُحفظ في الخزائن الحديدية بالعواصم الكبرى. أي تقاطع هذا ! كذا. فإذا كانت الكولونيالية متأصلة في السياسة العربية، بالرغم من الخطاب التحرري الرسمي الذي يؤكد بتفاخر هستيري على استقلال أصحابها، أي الدول العربية، وهي في الواقع الملموس تابعة للمتروبول، فإن هذا (الاستقلال) لا يعدو كونه استقلال البلدان العربية إحداها عن الأخرى. استقلال ما بين (الأشقاء) العرب. النكسة العظمى في تاريخ العرب المعاصر منذ استقلال دمشق عن الأستانة قوامها هذا الحجر الذي يتدحرج بحرية مواصلا مسيرته نحو خليج العقبة، غير أنه يفاجأ بمباغتة خفر له من رجال الأمن العام والاستخبارات والعسكر، إنشقت الأرض عنهم، لينتصبوا أمامه كجدران شاهقة لسجون يصل إرتفاعها إلى العواصم الأوروبية، آمرين إياه بصورة ناهية أن يلزم مكانه، أن لا يتحرك فصبطنات أسلحتهم الرشاشة الموجَّهة صوبه محشوة خزَّانتها بالساسة العرب الذين يبيدون مجتمعاتهم بأسلحة الدمار الشامل أفرادا وجماعات، والبنوك، وغيرها وسواها من منتجات الاستغلال الرأسمالية. هؤلاء يأمرونه بأن يُبرز هويته أو جواز سفره، قبل أن يخبروه بأن ما عليه إلا أن ينقلع، وأن المرور ممنوع إلا للحكام، أسرهم وأتباعهم. إن حدود سائر دول العالم (الديمقاراطية) رُسِمت خلال الأزمنة الحديثة، أوهي خُطَّت عبر التاريخ والعصور، بعدما امتدت وتقلَّصت مخترقة القارة الواحدة أو القارات ناهيكم والعالم، وفق الظروف الموضوعية للطوبوغرافيا من أنهر، جبال، صحارى، إلخ؛ كل هؤلاء وأولئك إلا نحن العرب، عرب المشرق بخاصة.

الإقطاع، النخاسة في سوق العبيد، البورجوازية، فَرضت، إن لم يكن بقوة السلاح فبحيازتها لرأس المال أو كلاهما معا، حالات مستمرة من النزاعات، الأزمات، والتخلف الاقتصادي. هذه تشكيلات باقية عبر الزمان ما بقيت القطرية الانفصالية للسلطات العربية تتجذر،وذلك في حين تدخل الوحدة العربية في حالة من العدم الكوني. سورية العربية، الأردن، لبنان، فلسطين، تشكِّل دولة واحدة طبيعية تمتد عبر صحارى شبه الجزيرة العربية حيث شيِّدت دولا لا تاريخ لها، تمتد إلى جبال طوروس، زغرستان، وكردستان. السياسة التاريخية أي "المادية التاريخية"، على نقيض من السياسة الإيديولوجية البورجوازية، تناضل، بافتراض ذلك، من أجل استعادة الطبيعة المادية لوحدتها السياسية. غير أن السياسة الدولية، أي السياسة البورجوازية الإيديولوجية، في صراعها مع السياسة التاريخية، سياسة الثورات الاقتصادية الاجتماعية، هي التي تمعن أكثر فأكثر في تكريسها للتقسيم. تقسيم ما ينفك بتكويناته العصبية، القبائلية، الطائفية، الدينية، والطبقية، هذه وتلك، الموروثة عن التاريخ الطويل لطغيان سلطة الاستبداد الشرقي، ما ينفك يزداد في عدائه للوحدة العربية صلابةًماضيا قدما في تعزيز الدولة القطرية المتحالفة مع إسرائيل والإمبريالية. هذه السياسة الإيديولوجية هي التي ، في سياق هذا التناقض بين السياسة التاريخية وثيقة الارتباط بالطبيعة المادية، وبين السياسةالبورجوازية، هي التي تُحتِّم مستفيدة من فشل الشيوعيين وحلفائهم من جراء استراتيجياتهم غير المادية، عديمة الصلة بالتاريخ المادي، المغرقة بالإيديولوجية، تحتِّم الإغلاق على المجتمع في سجن حصين لا أبواب له ولا نوافذ.
في هذا السياق لصيرورة الصراع ما بين هاتين السياستين ظهرت، منذ النصف الثاني لستينات القرن الماضي، تكوينات تاريخية سياسية ، منها حركة 23 شباط (1966)، على غرار مثيلتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كانت تمثِّل بوادر حيَّة للقطيعة مع الإيديولوجيات السياسية، بورجوازية كانت أم غير ذلك، انسياقا منها مع واقع اقتصادي اجتماعي جديد. واقع جديد غني بما كان يأتي به من أنماط متغيِّرة للتغيير الثوري، منها العنف الثوري الاستراتيجي، في سياق صيرورة مادية. الأمر الذي قاد هذه التكوينات، ما قبل هزيمة حزيران 1967، إلى اختراق حدود التقسيم القطري الدولي، العشائري العربي، منتقلة على هذا النحو إلى تنفيذ عمليات حربية ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة. عمليات فدائية كانت إحدى الأسباب المباشرة لنشوء حرب حزيران1967 .

جورج إبراهيم عبد الله، أسير الإمبريالية وإسرائيل الصهيونية المعتقل في سجن لميزمان بفرنسا منذ 38 سنة، يمثِّل حالة القطيعة مع الحاضر الموروث عن الماضي. إذ إن الشيوعي العربي جورج، هو نفسه، المستقبل وقد تحوِّل إلى الحاضر الماثل هنا والآن. حاضر حرب التحرير الشعبية، مستقبلها. مستقبل العنف الثوري الاستراتيجي لتغليب الطبيعة المادية على الإيديولوجيات وسياستها البورجوازية. النكبة الفلسطينية المتطورة، فإنها، في هذه الظروف التاريخية الموضوعية، لن تبلغ حالتها النقيض، فتعود إليها حدودها الطبيعية، سياسية، اجتماعية، إنسانية شعبية، وجغرافيَّة، ما لم يتكوِّن أحد حلَّين اثنين. فإما دولة فدرالية، عربية عبرية، أو إما دولة واحدة، علمانية ديمقراطية. سوى ذلك، فإن حرب التحرير الشعبية، العنف الثوري الاستراتيجي، هو وحده الكفيل بالقضاء على الدولة القطرية ذات الحدود الكولونيالية، إسرائيل وأشباهها ممن رجَِحوا َّ التطبيع معها، على التخلي عن دولهم الانفصالية. القائد المفدَّى جورج إبراهيم عبد الله هو الآن يمثِّل، في السياق الثوري، المستقبل ماثلا في الحاضر. مستقبل حرب التحرير الشعبية والعنف الثوري الاستراتيجي. لذا فإنه يشكل أقوى المرشحين لرئاسة الدولة العربية العبرية الفدرالية، أو الدولة الموحَّدة، العلمانية الديمقراطية .

المفاهيم ليست مقولات فلسفية ثابتة لا تتغير. إنها حالات للتاريخ من التاريخ، تتغيَّر، تُغيِّر،تنقرض، تَتَجدَّد، هذه هي حالة تجدُّد السياق المتحوِّل للصراعات الطبقية، وما يطرأ من تكوينات إنتاجية جديدة أو قديمة ضمن تقسيم العمل في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية. هي، هذه الحالات للممارسة والعمل، ليست في شكلها دائمة من حيث معانيها، بخلاف مضمونها المجبول بالأحداث السياسية المجتمعية الذي يبقى هو نفسه عبر التاريخ، كالصراع الطبقي على سبيل المثال، الذي يبقى عبر الأزمنة التاريخية للإنتاج وتقسيم العمل، هو نفسه، وإن كان ظاهره وشكله مقرٌ دائم لإقامة المفاهيم والمقولات، علمية، فلسفية، إيديولوجية، متغيرة،زائلة، وإن كان الصراع الطبقي، بحد ذاته، من حيث مادته، ومضمونه النافي لوحدة الأنماط الجامدة للنظرية والممارسة، المنفصل بالقطيعة مع المفاهيم، مستمرٌ استمرار أزمنة الاقتصاد والمجتمع المتغيرة. لذا، فإن ما أتى أعلاه من تنويه بأهمية الحاضر من حيث هو المستقبل بالمعنى الاستراتيجي المادي للتاريخ، إنما يَشغَل حيزا مركزيا لدى إدراك الاستراتيجية الثورية للتغيِّر الشامل. إن حاضرنا الثوري المتقدِّم على المستقبل بزمانيته في الحاضر الراهن، ما يأتي منه حسب ما تقدَّم أعلاه أو لا يأتي، رهن باستراتيجية ثورية مؤهلة لإنجاز المستقبل الثوري في حاضر ثوري. فإذا كانت هذه الأسطر تتوخى إشعار الشيوعيين والديمقراطيين والمتضامنين مع أسيرنا بما يلي من كلمات هي نفسها أفعال، وما سبق من أسطر، فإن هذا النقد المتواضع يقول لهم: إن إطلاق سراح الأسير، البطل، الرئيس، والرفيق المفدى جورج إبراهيم عبد الله، ليست مسألة تكتيكية.إنما هي تشكِّل أحد مكونات استراتيجية ثورية تريد، بين ما تسعى إليه من ثورة شاملة، إلحاق الهزيمة بالهزيمة.

تموز/يوليو 2021