أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - كلايست فى تُونْ - قصة: روبرت ڤالزر















المزيد.....


كلايست فى تُونْ - قصة: روبرت ڤالزر


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4007 - 2013 / 2 / 18 - 22:27
المحور: الادب والفن
    


كلايست فى تُونْ - قصة: روبرت ڤالزر
ترجمها عن الإنجليزية: خليل كلفت
وجد كلايست مأوًى ومطعما بالإيجار فى ڤيلا بالقرب من ’تُونْ‘، على جزيرة فى نهر’آره‘. ويمكن أن نقول اليوم، بعد أكثر من مائة عام، دون أىّ يقين طبعا، غير أننى أعتقد، أنه لا بد أنه سار فوق قنطرة صغيرة للغاية، يبلغ طولها عشرة أمتار، وأنه جذب حبل جرس. ولا بد أنه أتى فى الحال شخص ينسلّ كالسحلية هابطا على السلم الذى بالداخل، ليرى مَنْ هناك. "هل لديكم غرفة للإيجار؟". بعد ذلك بوقت وجيز، نَعِمَ كلايست بالراحة فى ثلاث غرف خُصصتْ له، مقابل سعر منخفض بصورة مدهشة. "فتاة محلية فاتنة من ’بيرن‘ تقوم على تدبير شئون بيتى". قصيدة جميلة، طفل، عمل بطولى؛ هذه الأشياء الثلاثة تشغل باله. وفضلا عن ذلك فهو معتلّ الصحة إلى حد ما. "الله يعلم ماذا جرى. ماذا دهانى؟ إن الحياة جِدّ جميلة هنا".
وهو يكتب بالطبع. ومن وقت لوقت يأخذ العربة إلى’بيرن‘، ويقابل أصدقاء الأدب، ويقرأ لهم كل ما يكون قد كتب. وهم يُثنون عليه شديد الثناء بالطبع، لكنهم يجدون كامل شخصه غريبا إلى حد ما. ويكتب "الجرة المكسورة". لكنْ لماذا كل هذه الجلبة؟ لقد أتى الربيع. الحقول حول ’تُونْ‘ ممتلئة بالأزهار، والشذا فى كل مكان، وهمهمة النحل، والعمل، وتخفت الأصوات، ويسترخى المرء متكاسلا؛ وفى حرّ الشمس يمكن أن يصيبك الجنون. ومتى يجلس إلى مكتبه ويحاول أن يكتب فكأن موجات مشعّة حمراء مخدِّرة حمراء تتصاعد إلى رأسه. ويلعن مهنته. وكان ينوى أن يصبح زارعا عندما أتى إلى سويسرا. تلك فكرة لطيفة. يسهل إنعام النظر فيها، فى پوتسدام. وعلى كل حال يُنعم الشعراء التفكير فى مثل هذه الأشياء بسهولة شديدة. والواقع أن كلايست يجلس فى كثير من الأحيان عند النافذة.
ربما حوالى العاشرة صباحا. إنه وحده تماما. ويودّ أن يكون بجانبه صوت؛ أىّ نوع من الصوت؟ يدٌ؛ حسنا، ثم ماذا؟ جسد؟ لكنْ من أجل ماذا؟ وبالخارج توجد البحيرة، محتجبة وضائعة فى العطر الثلجىّ الأبيض، تحيط بها الجبال الساحرة الغريبة. كم هو مُبْهِر ومُرْبِك كل هذا. الريف بأسره حتى البحيرة بستان بكل معنى الكلمة، ويبدو كأنه يصعد ويهبط فى الجوّ المزرقّ بالجسور الممتلئة بالأزهار والأراضى المحاذية للبحيرة والتى تعبق بالشذا. والطيور تغنِّى بوهن تحت الشمس كلها والنور كله. وهى سعيدة، وغارقة فى النعاس. و كلايست – ومرفقه على عتبة النافذة – يسند رأسه على يده، ويحملق ويحملق ويريد أن ينسى نفسه. وتنقضّ على خاطره صورة بيته الشمالى البعيد، ويمكنه أن يرى بوضوح وجه أمه، اللعنة على كل هذا – لقد وثب وهرول إلى الحديقة. وهناك يستقلّ زورقا ويجذِّف فوق بحيرة الصباح الصافية. وقبلة الشمس لا تتجزأ وفى كامل قوتها. وما من نسمة. وبالكاد صوت خفىّ. والجبال أداة بارعة فى يد رسام قدير للمناظر الطبيعية، أو هى تبدو كذلك؛ وكأن المنطقة بأسرها عبارة عن ألبوم، والجبال رسمها، على صفحة خالية، مُحِبٌّ للفن بارع من أجل السيدة التى تملك الألبوم، كتَذكار، مع بيت من الشعر. وللألبوم غلافان أخضران باهتان. وهذا أمر ملائم. والتلال الواقعة عند سفوح الجبال على حافة البحيرة نصف خضراء جدا، مرتفعة جدا، غبية جدا، شذية جدا. لا لَّا لَّا! خلع ملابسه وقذف بنفسه فى البحيرة. الحقيقة أن هذا يُمْتِعُهُ بصورة تفوق الوصف. ويسبح ويسمع ضحك النساء على الساحل. ويغيِّر القاربُ اتجاهه بتكاسل فوق الماء المخضرّ المزرقّ. والعالم الذى يحيط به أشبه بصدر واحد هائل يحتضنه. أىّ ابتهاج هذا، ولكنْ أىّ عذاب يمكنه أيضا أن يكون.
أحيانا، وخاصة فى الأمسيات الرائعة، يشعر أن هذا المكان هو نهاية العالم. وتبدو له جبال ’الألپ‘ كأنها بوابات صعبة المنال لجنَّة فوق القمم. ويتجول فوق جزيرته الصغيرة، يمشى على مهل، جيئة وذهابا. وتنشر الفتاة الغسيل بين الشجيرات، حيث يومض ضوء، متناغما، أصفر، جميلا جمالا مَرَضِيًّا. وواجهات الجبال المتوَّجة بالجليد شاحبة جدا؛ ويهيمن فى كل شيء جمالٌ ختامىٍّ خفىٍّ لا يُدْرّك. والبَجَع السابح جيئة وذهابا بين أغصان الأسل يبدو مفتونا بسحر الجمال وبسحر الغسق. والجو غير صحى. و كلايست يريد حربا وحشية، ليقاتل فى المعركة؛ وهو يبدو لنفسه شخصا بائسا ولا حاجة بأحد إليه.
ويخرج للقيام بجولة. لماذا، يسأل نفسه بابتسامة، لماذا يكون هو مَنْ لا يجد شيئا يفعله، ولا شيئا يهدف إليه، ولا شيئا يتخلى عنه؟ ويشعر أن الحيوية والقوة فى جسده يشكوان برفق. ويرتعد كامل روحه من جراء الإجهاد الجسمانى. ويتسلق بين الجدران القديمة العالية، التى يلتفّ اللبلاب الأخضر الداكن بشهوانية على ركام حجرها الرمادى، حتى تل القصر. وفى كل النوافذ هنا يتوهج ضوء المساء. وعلى حافة سطح الصخر ينتصب مبنى يدعو إلى البهجة، ويجثم هنا، ويدع روحه يطير، مهزوما صوب الأفق الصامت المقدَّس المتألق. ولا بد أنه كان سيُدهشه أن يشعر أنه الآن فى حالة حسنة. هل يقرأ جريدة؟ كيف سيكون ذلك؟ هل يدخل فى جدال سياسى أحمق أو مفيد بوجه عام مع موظف محترم أحمق أو غيره؟ نعم. إنه ليس سعيدا. وهو فى سرِّه لا يَعُدّ سعيدا إلا الشخص الذى لا عزاء له: لا عزاء له بصورة طبيعية وبقوة. والموقف بالنسبة له أسوأ بفارق واحد ضئيل باهت. إنه أكثر حساسية من أن يكون شقيًّا، وتُلازمه أكثر مما ينبغى كل مشاعره المترددة، الحذرة، غير الموثوقة. وقد يودّ أن يصرخ بصوت مرتفع، أن يبكى. يا إله السموات، ماذا دهانى، ثم يندفع نحو التلّ الآخذ فى الإعتام. ويهدِّئه الليل. ومن جديد يجلس فى حجرته – عاقدا العزم على أن يعمل إلى أن تأتى النوبة - إلى منضدة كتابته. ويزيل ضوء المصباح من ذهنه هاجس مكان وجوده، ويُعيد الصفاء إلى عقله، ويكتب الآن.
وفى الأيام الماطرة يكون الجو باردا وفارغا بشكل فظيع. ويرتجف له المكان. وتنتحب الشجيرات الخضراء وتنشج ويذرف المطر الدموع من أجل شمسٍ ما. وفوق رؤوس الجبال تتراكم سُحُبٌ بشعة بغيضة مثل أيدٍ ضخمة صفيقة قاتلة فوق الجباه. ويبدو الريف وكأنه يودّ أن يزحف مبتعدا وأن يختفى من هذا الطقس الشرير، وأن يذوِى. والبحيرة رصاصية وقارسة، ولغة الأمواج قاسية. والعاصفة الرعدية، التى تُعْوِل مثل تحذير عجيب، لا يمكن أن يعوقها شيء، فيما تشقّ طريقها بجلبة من قصاصة إلى أخرى. والمكان هنا مظلم وضيّق، ضيّق. وكل شيء مكبوس بكل معنى الكلمة نحو أنف المرء. ويودّ المرء أن يمسك بمطرقة ثقيلة ويشقّ طريقا بضرباتها ليخرج من كل هذا. اهربْ من عندك، اهربْ!
وتشرق الشمس من جديد، واليوم هو الأحد. الأجراس تدقّ. ويغادر الناس كنيسة قمة التلّ. الفتيات والنساء يرتدين صدارات ضيّقة سوداء مزركشة وموشّاة بترتر مفضض، أما الرجال فيلبسون ببساطة ووقار. وهم يحملون كُتُب الصلاة فى أيديهم، ووجوههم هادئة، جميلة، وكأن كل قلق قد تلاشى، كأن كل تجاعيد القلق والصراع قد املاسَّتْ، كأن كل المتاعب قد نُسيت. ثم هناك الأجراس. كم تُجلجل، وتقفز بجلجلات وموجات الصوت. وكم يتألق النهار ويتوهج باللون الأزرق وأنغام الجرس فوق المدينة الصغيرة التى تسبح فى الشمس طوال يوم الأحد. ويتفرَّس الناس. ويقف كلايست، تستثيره مشاعر غريبة، على دَرَج الكنيسة وتُتابع عيناه تحركات الناس الهابطين عليه. ويرى كثيرا من أطفال الفلاحين، يهبطون الدَّرَج مثل أميرة بالولادة، الجلال والحرية يجريان فى دمها. ويرى شبانا مفتولى العضلات وَوُسَماء، من الريف، وأىّ ريف، ليس السهل، وليسوا شبانا من سكان السهول، بل هم صبية قذفت بهم وِدْيان عميقة تغور كالكهوف فى الجبال بشكل غريب لافت للنظر، وهى ضيّقة غالبا، مثل ذراع رجل طويل وشائه بعض الشيء. إنهم صبية من الجبال التى تنخفض فيها الأراضى المزروعة والمراعى لتستحيل إلى شقوق عميقة غائرة، وحيث ينمو العشب المحترق الشذىّ فى رُقَع مسطحة بالغة الصغر على حوافّ الوِهاد المرعبة، وحيث تبرز المنازل كالبُقَع فوق المروج و- عند وُقوفك بعيدا فى الأسفل على طريق القرية العريض وتنظر إلى الأعلى مباشرة، لترى ما إذا كان ما يزال من الممكن أن تكون هناك منازل للناس الذين هناك فى الأعلى.
ويحب كلايست أيام الأحد، وأيام السوق أيضا، عندما يتموّج كل شيء ويعجّ بالعباءات والثياب الزرقاء للنساء الفلاحات، فى الطريق، وفى الشارع الرئيسى الضيّق. وهناك، فى هذا الشارع الضيّق، على الرصيف، تتكدس البضائع فى أقبية حجرية وفى أكشاك مهلهلة. ويعلن البقالون عن كنوزهم الرخيصة بصيحات ريفية خادعة. ومن المعتاد فى يوم سوق كهذا أن تشرق الشمس الأكثر تألقا والأشد حرارة والأوفر حماقة. ويحب كلايست أن يدفعه إلى هنا وهناك الزحامُ المرِح الرقيق للناس. وفى كل مكان هناك رائحة الجبن. وتدخل القرويات الوقورات، والجميلات أحيانا، بشيء من الحذر، أفضل الدكاكين، ليتسوَّقْنَ. وفى أفواه كثيرات منهن پايپات. وتُساق الخنازير، والعجول، والأبقار، باندفاع. ويقف رجل هناك ضاحكا ويجبر خنزيره الصغير الوردىّ على السير بضربه بعصًا. وهو يرفض، وهكذا يأخذه تحت إبطه ويحمله مواصلا سيره. وترشح الروائح البشرية عبْر ملابسهم، وتتدفق من الفنادق أصوات الاحتفال الصاخب المخمور، والرقص، والأكل. كل هذ الصخب، كل حرية الأصوات! وأحيانا لا يمكن للعربات أن تمرّ. والخيول يطوّقها تماما أشخاص يتاجرون وينشرون الشائعات. وتشرق الشمس بإحكام شديد على الأشياء، والوجوه، والملابس، والسِّلال، والبضائع. كل شيء يتحرك وضوء الشمس الباهر ولا بدّ بالطبع أن يتحرك بلطف جنبا إلى جنب مع كل شيء آخر. ويود كلايست أن يصلِّى. وهو لا يجد موسيقى ولا روحا لطيفا بمثل جمال ولطف وموسيقى وروح كل هذا النشاط البشرى. ويودّ أن يجلس على درجة من الدَّرَج المؤدِّى إلى الشارع الضيّق. ويواصل السير، ويمرّ بنساء يلبسن جونلَّات مرفوعة إلى أعلى، ويمرّ بفتيات يحملن سِلالا على رؤوسهن، هادئات، نبيلات تقريبا، مثل النساء الإيطاليات اللائى يحملن الأباريق واللآلئ رآهن فى الصور الزيتية، ويمرّ برجال يصيحون وبرجال سُكارَى، ويمرّ برجال شرطة، ويمرّ بتلاميذ يتقدمون ومعهم أغراضهم المدرسية، ويمرّ بخلوات ظليلة تفوح منها رائحة البرودة، ويمرّ بحبال، وبعِصِىّ، وبمواد غذائية، وبمجوهرات تقليد، وبفُكُوك، وأنوف، وقبّعات، وخيول، وستائر، وبطاطين، وجوارب صوف، وسُجُقّ، وكرات من الزبد، وشرائح من الجبن، ومن الجلَبة على جسر ’آره‘، حيث يتوقف، وينحنى على السياج لينظر تحت إلى الماء الأزرق العميق الذى يتدفق مبتعدا بشكل رائع. وفوقه تتلألأ أبراج القصر الصغيرة وتتوهج مثل نار سائلة مسمرّة. هذه يمكن – إلى حد كبير – أن تكون إيطاليا.
وأحيانا فى أيام الأسبوع العادية تبدو له المدينة الصغيرة بأسرها وكأنها مسحورة بالشمس والسكون. ويقف بلا حراك أمام قصر المدينة الغريب القديم، بالأرقام الحادّة الحوافّ لتاريخه منقوشة فى الجدار الأبيض الوامض. إنه شيء يتعذر استرداده تماما مثل طريقة أداء أغنية شعبية نسيها الناس. إنه حىّ بالكاد، لا ليس حيا على الإطلاق. ويصعد كلايست على الدَّرَج الخشبى المسيَّج إلى القصر الذى كان يعيش فيه "الإيرلات" القدامى، ويبعث الخشب برائحة العصر ورائحة المصائر البشرية التى زالت من الوجود. وهنا فى الأعلى يجلس على مقعد عريض، متقوس، أخضر، ليستمتع بالمشهد، غير أنه يُقفل عينيه. ذلك كله يبدو مفزعا للغاية، كأنه ميّت، مدفون تحت التراب، وقد انسلّتْ منه الحياة. ويرقد أقرب شيء منه كأنه على بُعد قصىّ وكأنه وراء ستار فى حلم. وكل شيء مغلَّف بغيم حارّ. صيف، لكنْ أىّ نوع من الصيف؟ إنه يصيح قائلا لستُ حيا وهو لا يعرف إلى أىّ اتجاه يستدير بعينيه، ويديه، ورجليه، ونَفَسه. حلم. لا شيء هناك. لا أريد أحلاما. ويقول لنفسه فى النهاية أنه يعيش منفردا أكثر مما ينبغى. ويرتعد، مجبَرا على الإقرار بمدى وحشية علاقته بالعالم من حوله.
ثم تأتى الأمسيات الصيفية. ويجلس كلايست على الجدار العالى لفناء الكنيسة. كل شيء رطب، وكذلك شديد الحرارة أيضا. يفتح قميصه، ويتنفس بحرية. تحته البحيرة، كأنما قذفت بها إلى هناك اليد العظيمة لإله، متوهجة بدرجات من الأصفر والأحمر، ويبدو كأن كل توهجها ينبعث من أعماق الماء. إنها تُشْبه بحيرة من نار. جاءت جبال الألپ إلى الوجود وبإيماءات خرافية لا تصدَّق غطست جباهها فى الماء. وهناك فى الأسفل يحيط بَجَعُهُ بجزيرته الهادئة، وقمم الأشجار فى الظلام، وهى تُغَنِّى، ويطفو الابتهاج الشذىّ فوق – فوق ماذا؟ لا شيء، لا شيء. ويرنو كلايست إلى كل هذا بابتهاج. ويشعر أن البحيرة المظلمة المتألقة بأسرها هى عنقود الماس على جسد امرأة ضخمة، نائمة، مجهولة. وتبعث أشجار الزيزفون وأشجار الصنوبر والأزهار عطرها الشذىّ. وهناك صوت خفيض، لا يكاد يُسمع؛ أما هو فيمكنه أن يسمعه، غير أنه يمكنه أيضا أن يراه. ذلك شيء جديد. وهو يريد غير الملموس وغير المفهوم. وهناك فى البحيرة قارب يتأرجح؛ و كلايست لا يراه، لكنه يرى المصابيح التى تُرشده، ويتمايل يمنة ويسرة. وهناك يجلس كلايست، ووجهه ينتأ إلى الأمام، وكأنه ينبغى أن يكون مستعدا ليقفز قفزة الموت فى الصورة التى لها ذلك العمق الفاتن. ويريد أن يفنى فى الصورة. وهو يريد العيون وحدها، فقط لتصبح عينا واحدة وحيدة. لا، بل شيئا مختلفا بصورة تامة. وينبغى أن يصبح الهواء جسرا، وكامل صورة المشهد الطبيعى مسندَ كرسى ليسترخى الواحد عليه، حسيا، سعيدا، مرهقا. ويأتى الليل، لكنه لا يريد أن ينزل، ويقذف بنفسه على قبر يختفى تحت الشجيرات، والخفافيش تطنّ من حوله، والأشجار المسنَّنة تهمس عندما تهبّ عليها النسائم الرقيقة. ورائحة العشب لذيذة جدا، وهو يغطِّى الهياكل العظمية للموتى. و كلايست سعيد بأسًى شديد، سعيد أكثر مما ينبغى، ومن هنا اختناقه، وجفافه، وأساه. لماذا لا يكون بوسع الموتى أن يظهروا للعيان وأن يتحادثوا نصف ساعة مع الرجل المتوحِّد؟ الحقيقة أنه فى ليلة الصيف ينبغى أن يكون لدى المرء امرأة يحبها. وفكرة الصدور والشفاه الهائجة الشبقة تقذف ﺑ كلايست إلى أسفل التل نحو شاطئ البحيرة ثم فى الماء مرتديا ملابسه بالكامل، ضاحكا، باكيا.
وتمرّ أسابيع، ودمَّر كلايست عملا أدبيا، عمليْن، ثلاثة أعمال. إنه ينشد أعلى تمكُّن، طيّب، طيّب. ماذا يعنى ذلك؟ لست واثقا؟ مزِّقْهُ إذن. شيء ما جديد، أعنف وأجمل. ويبدأ فى كتابة "معركة زمباخ"، ويدور محورها حول شخصية ليوپولد ملك النمسا الذى يجذبه مصيره الغريب. وفى نفس الوقت، يتذكر روبرت جيسكارد الذى يعشقه. ويريد له أن يكون رائعا. والحظ الطيب المتمثل فى أن يكون رجلا متوازنا بصورة معقولة وصاحب مشاعر بسيطة يراه كلايست ينفجر ليستحيل إلى شظايا، ويتحطم ويُزْعِج مثل الجلاميد التى تنهار تحتها حياته. ويساعده مع ذلك، وقد صحَّ عزمه الآن. وهو يريد أن يستسلم لكامل كارثة أن يكون المرء شاعرا: أفضل شيء لى أن أتحطم بأسرع ما يمكن.
وما يكتبه يجعله يقطِّب ألما: إن إبداعاته تُجْهَض. ومع الخريف يسقط مريضا. وتذهله الرقة التى تغمره الآن. تسافر أخته إلى ’تُونْ‘ لتعود به إلى الوطن. وفى وجنتيه غضون عميقة. وفى وجهه تعبير وسيماء رجل تآكل روحه. وعيناه أكثر موتا من الحاجبين اللذين يعلوانهما. ويتدلَّى شعره متلبِّدا فى لفائف كثة مدبَّة على صدغيه، اللذين التويا من جراء كل الأفكار التى يتصور أنها جرَّتْه إلى حُفَرٍ قذرة وإلى جحيم. وتبدو له الأشعار التى يتردد صداها فى دماغه مثل نعيب الغربان؛ ويودّ أن يمحو ذاكرته. ويودّ أن يضع حدًّا لحياته؛ غير أنه يريد أوَّلا أن يحطم قواقع الحياة. ويثور غضبه فى ذروة ألمه، وازدراؤه فى ذروة بؤسه. عزيزى، ماذا جرى، تعانقه أخته. لا شيء لا شيء. كان ذلك هو الخطأ الجوهرى، أنْ يقول ماذا جرى له. ومخطوطاته مُلقاة على أرض حجرته، مثل أطفال تخلَّى عنهم الأب والأم بشكل مرعب. ويضع يده فى يد أخته، وهو قانع بأن ينظر إليها، طويلا، وهو صامت. والحقيقة أنها النظرة المحدِّقة الخاوية لجُمْجُمَة، وترتعد الفتاة.
ثم يرحلان. الفتاة الريفية التى كانت تقوم بتدبير شؤون بيت كلايست تودِّعهما. إنه صباح خريفى ساطع، وتتمايل العربة فوق الجسور، وتمرّ بالناس، عبْر الأزقة المطلية بالجص بخشونة، وينظر الناس من خلال النوافذ، وفوق الرأس السماء، وتحت الأشجار أوراق نبات مُلقاة مصفرَّة، وكل شيء نظيف، خريفىّ، وماذا أيضا؟ فى فم الحوذى پايپه. وكل شيء كما كان من قبل دائما. يجلس مغتمًّا فى ركن من العربة. وتختفى أبراج قصر ’تُون‘ خلف تلّ، وفيما بعد، ومن مسافة أبعد، يمكن لأخت كلايست أن ترى البحيرة الجميلة مرة أخرى، وفى الحقيقة قارسة البرودة حقا. وتظهر المنازل الريفية. حسنا، حسنا، ضياع ضخمة كهذه فى ريف جبلىّ كهذا؟ ويتواصل السفر بلا انقطاع. ويتلاشى كل شيء ويمرّ وأنت إلى جانب الطريق ويسقط خلفك، كل شيء يرقص، ويدور، ويتلاشى. والحقيقة أن الكثير مختبئ تحت غلالة الخريف، وكل شيء ذهبى اللون قليلا فى ضوء الشمس القليل الذى يبدد الغيوم. مثل هذا الذهب، كم يومض هناك، ويظل لا يمكن العثور عليه إلا فى التراب. تلال، نفايات، وديان، كنائس، قُرى، ناس يُجْفلون، أطفال، أشجار، ريح، سُحُب، قَشّ، هُراء – هل يمثل كل هذا شيئا خاصا؟ أليس كل هذا زبالة، وسقطَ متاعٍ مُبتذلا؟ و كلايست لا يرى شيئا. إنه يحلم بالسُّحُب، وبالصُّوَر، وقليلا بالأيدى الإنسانية العطوفة، المواسية، الملاطفة. كيف حالك؟ تسأله أخته. فَمُ كلايست يتغضن، ويرغب فى أن يمنحها ابتسامة صغيرة. وينجح، لكنْ بجهد. لقد بدا أن عليه أن يُزيح عن فمه كتلة من الحجر قبل أن يكون فى مستطاعه أن يبتسم.
وتستجمع أخته بحذر شجاعتها لتتحدث عن اضطلاعه قريبا بنشاط عملىّ ما. ويُومئ موافقا فهو أيضا من نفس الرأى. وترفّ الموسيقى وأشعة الشمس المتوهجة حول حواسِّه. والحقيقة أنه إذا كان قد أقرّ بذلك بصراحة تامة فى قرارة نفسه، فإنه يشعر الآن أنه فى حالة جيدة تماما؛ يتألم، لكنه بخير فى نفس الوقت. ويؤلمه شيء ما، أجل، حقا، صحيح تماما، لكنْ ليس فى الصدر، وليس فى الرئتين أيضا، أو فى الرأس، ماذا؟ ليس فى أىّ مكان على الإطلاق؟ حسنا، ليس تماما، إلى حد ما، فى مكان ما بحيث لا يستطيع المرء أن يعرف بدقة تامة أين هو. وهذا يعنى: أنه ليس شيئا يمكن الحديث عنه. ويقول شيئا ما، ثم تأتى لحظات يكون فيها سعيدا دفعة واحدة، وعندئذ بالطبع تقطِّب الفتاة وجهها ليبدو إلى حد ما قاسيا وعقابيا، لمجرد أن تبيِّن له قليلا كيف يعبث بحياته بشكل شديد الغرابة. والفتاة من آل كلايست وقد حصلت على قسطها من التعليم، وهو على وجه التحديد الشيء الذى رغب أخوها فى أن يقذف به فى البحر. وهى سعيدة طبعا فى صميم قلبها لأنه يشعر بتحسُّن. وتتواصل الرحلة، حسنا حسنا، وأية رحلة. غير أن على المرء فى نهاية الأمر أن يدعها تمضى، مركبة السفر هذه، وأخير يمكن أن يسمح المرء لنفسه بملاحظة أنه فى واجهة الڤيلا التى عاش فيها كلايست توجد لوحة من الرخام تُبيِّن مَنْ الذى عاش وعمل هناك. وبوسع المسافرين الذين ينوون أن يطوفوا فى أنحاء الألپ أن يقرأوها، ويقرأها أطفال ’تُونْ‘ ويتهجَّوْنها، حرفا حرفا، ثم ينظر كلٌّ منهم فى عينىْ الآخر متسائلا. وبوسع يهودىّ أن يقرأها، والمسيحى أيضا، إنْ كان لديه الوقت وإنْ كان قطاره لن يرحل فى نفس تلك اللحظة، أو مسلم من الرعايا العثمانيِّين، أو سنونوة بقدر ما تكون مهتمة، وأنا أيضا، يمكننى أن أقرأها مرة أخرى إنْ أحببتُ ذلك. وتقع ’تُونْ‘ عند مدخل مرتفعات ’بيرن‘ ويزورها كل عام آلاف الأجانب. وأنا أعرف هذه المنطقة وإنْ قليلا، لأننى عملت كاتبا فى مصنع جعة هناك. والمنطقة أجمل كثيرا من الوصف الذى استطعتُ تقديمه هنا، والبحيرة أكثر زرقة مرتين، والسماء أجمل ثلاث مرات. وقد أقيم فى ’تُونْ‘ معرض تجارى، لا أدرى متى على وجه التحديد لكننى أعتقد أن ذلك كان منذ أربعة أعوام.
[والقصة مؤلفة فى 1913 ومترجمة فى 1985]
إشارات للمترجم: * كلايست Kleist: المقصود هنا (بين مشاهير ألمان يحملون نفس الاسم) هاينريش فون كلايست Heinrich von Kleist (18 نوڤمبر 1777-21 نوڤمبر 1811) شاعر وكاتب مسرحى وروائى وقاصّ ألمانى ** تُونْ Thun: مدينة سويسرية تقع بالقرب من بحيرة تُونْ *** نهر آره Aare بالألمانية و آر Aar بالفرنسية والإنجليزية: رافد من روافد نهر الراين يبدأ وينتهى داخل الأراضى السويسرية بطول يقلّ قليلا عن ثلاثمائة كيلومتر **** بيرن Bern بالألمانية Berne بالفرنسية: العاصمة الفعلية لسويسرا ***** معركة زمباخ: معركة دارت عند قرية زمباخ sempach السويسرية انتصرت فيها سويسرا على النمسا (1386) بقيادة أرنولد ڤينكلريد البطل السويسرى، الفلاح ****** روبرت جيسكارد Robert Guiscard (1020 تقريبا – 17 يوليو 1085): أحد المغامرين النورمانديِّين الذين أسسوا الولايات النورماندية فى جنوب إيطاليا وصقلية.
قصة الكاتب السويسرى روبرت ڤالزر Robert Walser (15 أپريل 1878 – 25 ديسمبر 1956) وهو من كُتّاب اللغة الألمانية المهمّين فى هذا القرن. وقد برز بفضل رواياته الأربع التى نجت من الضياع (منها رواية "يعقوب فون جونتن" Jakob von Gunten) وكذلك بفضل كتاباته النثريّة القصيرة، التى لا تعوق الحبكة موسيقية كتابتها أو تدفقها الحرّ إلا بدرجة أقلّ. وأنتج الشاعر الإنجليزى كريستوفر ميدلتون Christopher Middleton ترجمات رائعة كما يقول النقاد لكثير من قصصه وكتاباته النثرية القصيرة إلى جانب روايته "يعقوب فون جونتن" وعمل على مدى سنوات طويلة على جعل ڤالزر معروفا لدى قراء اللغة الإنجليزية.
قال عنه هرمان هيسّه: "لو كان لديه مائة قارئ لغدا العالم مكانًا أفضل".
وقد أعجب به كثيرون من كبار كتاب اللغة الألمانية وكان تأثيره قويا بصورة خاصة على كافكا الذى نظر إليه بعضهم فى بداية الأمر على أنه حالة خاصة من روبرت ڤالزر.
قال ڤالزر عن فنه:
أنا نوع من الروائى الحرفىّ. ولا شك فى أننى لستُ كاتب حكايات قصيرة. وعندما أكون متعاطفا، أىْ عندما أحمل مشاعر طيّبة، فإننى أخيط أو أرصف أو ألحم أو أسوِّى بالفارة أو أقرع أو أطرق أو أثبّت بالمسمار: سطورًا يفهم الناس محتواها فى الحال. وإنْ شئت أمكنك أن تصفنى بالكاتب الذى يذهب إلى عمله ومعه مخرطة. وكتابتى عبارة عن لصق ورق حائط. سيغامر قليل من الأشخاص العطوفين بأن يعُدّونى شاعرًا، الأمر الذى يدعونى التسامح وآداب السلوك إلى التسليم به. وقطعى النثرية لا تزيد ولا تنقص - فى نظرى - عن كونها أجزاء من قصة واقعيّة طويلة بلا حبكة والاسكتشات التى أنتجها من حين لآخر هى فصول قصيرة بعض الشيء أو طويلة بعض الشيء من رواية. والرواية التى أكتبها بلا انقطاع هى دائمًا نفس الرواية. ويمكن وصفها بأنها كتاب عن نفسى تمّ تقطيعه إلى شرائح أو تمزيقه إلى أجزاء بأشكال شتىّ.



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكس هوركهايمر والنظرية النقدية*
- الحوار مع مرسى خط أحمر
- لكيلا تتبنَّى الثورة إستراتيچية الثورة المضادة
- الاحتمال الأرجح: مفارقة انتصار الثورات والثورات المضادة فى - ...
- ثورة 25 يناير - مقالات النصف الثانى من 2012
- تحالفات الإخوان المسلمين وأوهام الديمقراطية
- عربدة فى قمة السلطة.. الاستفتاء والدستور ومجلس الشورى ومجلس ...
- السلطة التشريعية فى مصر بين الأسطورة والحقيقة بقلم: خليل كلف ...
- الاستفتاء مصيدة خبيثة.. مقاطعة الاستفتاء من ضرورات إنقاذ الث ...
- الثورة تتسع وتتعمَّق والحركة الجماهيرية تتجاوز قيادات جبهة ا ...
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الثالث
- إلغاء الإعلان الدستورى إلغاء مشروع الدستور مقاطعة الاستفتاء. ...
- يسقط حكم المرشد.. والتراجع كارثة
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الثانى
- الكتب معرفة ومتعة - كتاب إلكترونى 1
- ادوار الخراط وإبراهيم أصلان وجمال الغيطانى مقال عن مجموعة قص ...
- عملية -عَمُود السَّحَاب- وأقدار مصر وسيناء وغزة بقلم: خليل ك ...
- روبرت ڤالزر (مقالان: 1: سوزان سونتاج، 2: كريستوفر ميدل ...
- كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى
- غزة وما بعد غزة


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - كلايست فى تُونْ - قصة: روبرت ڤالزر