أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر عبد زيد - نقد الفكر السياسي الغربي















المزيد.....


نقد الفكر السياسي الغربي


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 02:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نقد الفكر السياسي الغربي
عند هربرت ماركيوز

الحلقه الاولى


مقدمة

هربرت ماركيوز 1898-1979" له الدور الأبرز في تطور هذا الفكر .
وأحاول في هذا الفصل أن أقدم بحثا في إشكالية هذه المدرسة الآيديولوجية والأرضية المعرفية التي انطلقت منها في صياغة مشروعها السياسي والذي يعد جزءاً مهماً من الخطاب السياسي الغربي.
وسنقدم في هذه الورقة مبحثين:
الأول منهما دراسة المرجعيات الفكرية وأهم ملامح المدرسة و أبرز الأسماء المؤسسة.
أما المبحث الثاني فقد تناولت فيه موقف ماركيوز النقدي للفكر الغربي في ثلاث مطالب. الأول: أهم إحداث حياته الفكرية وابرز إعماله الفكرية. والثاني: عرض وتحليل الخطاب النفسي لدى فرويد، فيما جاء الثالث: في الرؤية النقدية البديلة.

المطلب الأول :
أهم ملامح مدرسة فرانكفورت

إن الحديث عن أهم ملامح مدرسة" فرانكفورت" يعد عتبةً أولى في تأصيل فكر"ماركيوز" التي تعتمد على أبعاد نقده وأصول الرؤية التي تعد المحرض الفكري على ذلك الموقف اتجاه الحداثة الغربية .إذ من أهم الملامح التي تميزت بها هذه المدرسة والتي تركت أثرها العميق في كل مفكريها سواءً كانوا المؤسسين أم الذين طوروا وأحدثوا إضافات إلا أنهم بقوا أمناء، انه المنهج النقدي الذي استندوا فيه على روح الفلسفة الماركسية مع ابتعاد معظمهم عن مقولاتها الأساسية، والذي يمكن أن نكثفه في كونه يقوم على ملفوظ هو (النظرية النقدية الجدلية أو الاجتماعية) الذي يمكن أن يكون معرفاً بشكل مكثف بـ(الجهود المشتركة لهذه المجموعة من المثقفين . ولهذا المنهج اثر بين في سلوك الجماعة التي جمعت بين ملامح ذلك المنهج الذي يعبر عن الماركسية الجديدة بكل تحولاتها في الغرب الأوربي يومها باختلاف عما عليه الحال في الجزء الشرقي من القارة ولعل هذا يحيلنا إلى المكان الذي يعد مهيمنة أخرى ممكن أن ندخلها في معيارية التصنيف للجماعة وبالتالي في كونه من صفاتها القريبة فالمكان مثلما الزمان عاملان مؤثران في تبيان الإشكالية الفكرية والسياسية للمدرسة التي جاءت بوصفها مشروعاً نقدياً للحداثة الغربية بكل إرهاصاتها وادعاءاتها من الشمولية والنسقية وبالتالي جاءت هذه المدرسة حتى تؤكد أنها لا تستغني في حياتها الواعية عن النقد، ولا يشك احد في ضرورة النقد، لمعالجة الواقع السائد في القيم الاجتماعية والأنظمة المعرفية ، وأنماط الفكر والفعل والسلوك، هذه كانت بمثابة المنطلقات التي ارتبطت بالمكان والرؤية السياسية والمعرفية والتي تكاثفت في (مدرسة فرانكفورت) لتمثل حالة الجمع بين المنهج المتمثل بالنظرية النقدية والمكان وإرهاصاته وتحولات التي هي رهينة التحولات التي شهدها القرن العشرون، فكان (روادها أصحاب فلسفة اجتماعية أو علم اجتماع نقدي توحد فيه التأمل الفلسفي النظري مع العلوم الاجتماعية أو الإنسانية . إن النظرية هي رهينة التحولات الجدلية التي شهدها الفكر الألماني واشتباكه بالتحولات الغربية الأخرى بما يتعلق بالعلوم الإنسانية والطبيعية والنقد الاجتماعي الماركسي الذي جمع بين المنهج الجدلي الهيجلي عبر تحولاته على يد ماركس بالنقد السياسي الذي يؤكد على العامل الاقتصادي وفق هذا المفهوم، اتخذ مدلول النقد عند مدرسة فرانكفورت تجديداً للنظرية الفلسفية الاجتماعية، وانطلق مفكرو مدرسة فرانكفورت لشخصنة مشروعهم القاضي بإقامة نظرية اجتماعية قررت أن تستمد مصادرها من داخل الماركسية التي جددوا طاقتها النقدية ووطدوها بعلائق مضافة إلى نظرية التحليل النفسي والأبحاث الاجتماعية التجريبية . من هنا نستطيع ان نجمع بين المكان والزمان بوصفهما يحددان الإشكالية التي ولدت داخلها المدرسة إذ كانت البداية مع (معهد الأبحاث الاجتماعية)، الذي مارس نشاطه بمدينة فرانكفورت الألمانية في عام 1923، وافتتح رسميا عام 1924. تكون بوصفها حلقة فكرية أو حركة طلائعية، عبر المناقشات الجماعية لمؤسسيه، ممن شكلوا إحدى فصائل الموجه الراديكالية، وعاشوا صعود اليسار الألماني وانتكاسته، وشاركوا في هم رفض المشروع الثقافي البورجوازي، ورغبوا في القيام بنقد جذري لعصرهم آنذاك . ولقد كانت ظروف موضوعية وراء ظهور هذه المدرسة منها على سبيل الحصر مما رصده مؤرخو تواريخ الأفكار أنها نتيجة لإخفاق الثورة الشيوعية في ألمانيا عام 1918، وكذلك الانعطافات غير المتوقعة للثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، كل ذلك أسهم في دفع المفكرين الماركسيين الألمان إلى البحث عن نموذج آخر لتحقيق الثورة الاشتراكية غير أن الاسم كان قد تعرض إلى التغير ، غير أنه بقي مرتهناً إلى ذلك الخطاب المؤسس للمدرسة إنه الخطاب اليساري إلا أن للمكان وتحولات أثناء هجرت أعضاء المدرسة أو المعهد كانت هناك تحولات في تسميت الجماعة قد لا يعود هذا إلى تغير فكري بقدر ما كان للمكان ارتباط بالاستقطاب الفكري الغربي التي كانت تعادي الماركسية والتي جعلت الجماعة تسقط تسميات جديدة للمدرسة مثلا :مثلا في جنيف تغيرت التسمية لتغدو ب(المؤسسة العالمية للبحث الاجتماعي) وفي نيويورك باسم (المدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي) وغيرها من الأسماء التي صاحبت تغير المكان.

المطلب الثاني:
ابرز الأسماء المؤسسة

على الرغم من كثرة أعضاء مدرسة فرانكفورت، ممن كرسوا أفكارهم لتأسيس وتطوير النظرية النقدية للمدرسة، إلا انه يمكن القول إن هذه النظرية قد بلغت نضجها بجهود ثلاثة منهم (بالإضافة إلى فيلسوفنا ماركيوز) هم: (ماكس هوركهايمر، ثيودور ادورنو).
1- ماكس هوركهايمر ( ) . (1895-1971)
يعد مؤسس النظرية النقدية لمدرسة "فرانكفورت"عندما جعلها متمايزة عن النظرية التقليدية التي اشتملت على حقائق معيارية وعملية تهدف إلى جعل المجتمع أفضل؛ إلا أن التناقض الذي أشار إليه "هوركهايمر" في موقف كل منهما من مفهوم العلم في وقت غابت لدى" النظرية التقليدية "الوظيفة الاجتماعية الحقيقية للعلم الذي كثفه "هوركهايمر"في ثنائية معرفية للعقل :العقل الاداتي/ العقل النقدي(التنويري)، اما العقل الاداتي: فهو غايته التسلط والسيطرة ويؤدي إلى المادية والعدمية. ويعد هذا العقل من المصطلحات الاساسية والجوهرية في قضايا النظرية النقدية .فقد ظهر اول مرة من هوركهيمر من خلال كتابه "جدل التنوير" بالاشتراك مع ادورنو، وظهر كذلك في كتاب اخر وهو "أفول العقل" وظهر مع ماركيوز من خلال مؤلفه "الانسان ذو البعد الواحد"، والعقل الاداتي لدى هؤلاء هو منطق التفكير وأسلوب في رؤية العالم .يرى" أيان كريب "أن مصطلح الاداتية يحمل مضمونين ، فهو أسلوب لرؤية العالم ، وأسلوب للمعرفة للنظرية ،حيث يهتم بالإغراض العملية ويفصل الواقعة عن القيمة وأصبح يحكم العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية سواءً بسواء ( )، اما العقل: العقل النقدي (التنويري):غايته التحرر والعدالة وإلغاء التشيؤ والاغتراب.والتشيوء يحيلنا إلى العقل الاداتي حيث يظهر في عملية توحيد الحاجات وتقنين أنماط السلوك اما الاغتراب Alienatio وهو اسم يستمد معناه من الفعل Alienare بمعنى الانتماء إلى الأخر ،وهذه الكلمة مشتقة من الكلمةAlius بمعنى الآخر أو آخر ومن هنا فالاغتراب يحيلنا إلى أن البشر مغتربون عن إمكاناتهم وماهياتهم ، فالمجتمع الصناعي المتقدم يكشف عن اغتراب الإنسان وتشيئه في ظواهر عديدة ومتنوعة، وتظهر مقولة التشيؤ والاغتراب أيضا في تسلط النظم البيروقراطية وأساليب القمع الإداري ، والاغتراب الإنساني يظهر في عملية توحد الحاجات البشرية وتقنين أنماط السلوك .
أولا: من هنا فان النظرية النقدية حاولت جاهدة نظريا ان تعالج علاقة النظرية بالممارسة Praxis من منظور المادية الجدلية، وهذا واضح من خلال تأكيد هوركهيمر على أن قيمة النظرية انما يتحدد من خلال علاقتها بالممارسة. يبدو ان الخطاب التحرري الذي يشير إليه "هوركهايمر" الذي يقوم عليه فكر ذو بعد يوتوبي ماركسي يسعى إلى إقرار تلك التصورات الماركسية عن العدالة الاجتماعية عبر جملة من الخطاطات الاقتصادية التي ولدت مع ماركس بالضد من رؤية المثالية الهيجلية يومها والتي تغدو المثالية هنا صفة لكل الفكر الغربي وهذا ما أشار إليه "هوركهايمر" عندما أكده تمايز خطابه التحرري بالقول (أن أصل النظرية النقدية هو قولها بوجوب أن تخلي الفلسفة التقليدية المثالية غير المهتمة بالممارسة السياسية مكانها لنظرية تشتمل على الممارسة التاريخية وتكون قادرة في الوقت نفسه وبالاعتماد على الأسس الماركسية ، على نقد الاقتصاد السياسي أي هذا الميدان المميز للحياة الاجتماعية والذي تنشا فيه علاقات السيطرة في المجتمع) .
ثانيا :للنظرية النقدية دور مهم وبارز في الجوانب الاجتماعية في المجتمع .فهي تحاول الكشف عن مواطن التناقض وعدم الاستقرار في النسق الاجتماعي ، وتطوير هذه المواطن ، بحيث تلعب دورا مهماً في تغيير النسق الذي أصبح يعاني قدرا من التناقض بهدف خلق تكامل جديد.
ثالثا: قد مارست النظرية النقدية نوعا من الانفصال النظري مع بنية العلم التقليدي معرفيا، ومع خلفيات المثالية الألمانية فلسفيا، فهي- النظرية النقدية – تظهر وكأنها تقوم بمهمة انفتاح إزاء كل ما يريد أن يكون مستقلا ومكتفيا بذاته من الناحية النظرية لهذا كانت النظرية تؤكد على العلاقة بما هو قائم وبين ما يجب أن يقوم.
يبدو أن الخطاب التحرري الذي يقدمه هنا كان يحاول تفعيل الوظيفة السياسية للفكر النقدي الذي يجعلنا نستعيد مفهوم الفكر السالب عند هيجل ومفادها اذ ا كان الوجود القائم يحمل صفات الاغتراب والضياع والزيف فان تحقيق حالة الانتماء إلى العالم لن تتم الا بتغيير هذا العالم ( ) والمفهوم الثاني المثقف العضوي لدي غرامشي والعائد إلى المنظومة الماركسية الذي فترض أنه لا بمعرفة العالم كما تقول "الفلسفة المثالية" بل العمل على تغير العالم من حالة إلى أخرى .لهذا يطرح "هوركهايمر" مفاهيم التغير او التحرر من هذه المفاهيم :الاقتصاد الحر، رفض الهيمنة ، صيانة حياة المجتمع محاربة الفقر ...الخ انها مفاهيم تحاول تغيير الواقع لا مجرد وصفه .
انه يعمل على تغيير وظيفة العلم والخطاب التقني الذي على الرغم من ان ماركس دافع عن دور التقانة؛ إلا أن الأمر لا يقود إلى الاغتراب والهيمنة الاداتية التي رصدها "هوركهايمر" في الفكر الغربي الحداثوي الذي على الرغم من ادعائه بالتنوير: إلا انه سرعان ما تحول إلى فكر يعبر عن هيمنة طبقه ما على مقدرات الأمور،وهذا ما يرصده "هوركهايمر" في وظيفة العلم كما تطرح: الوضعية المنطقية لدى حلقة فينا التي عبرت عنها الحلقة في مفهوم العلم الموحد، والتي غيبت أية وظيفة نقدية للفلسفة اتجاه العلم ومنهجه وهي بالتالي لا تهتم بأهداف الإحداث بل بأسبابها .بالمقابل فان الفلسفة النقدية (مرتبطة بشكل واضح بأسس العلوم الاجتماعية وكذلك الفلسفة السياسية المسؤولة، في مواجهة أحداث القرن الماضي وإشكاليات الإنسان المعاصر . إلا انه من اجل تحقق تلك الغاية للفلسفة النقدية التي هي بمثابة لاهوت تحرري فإنها انتقدت الخطابات المهيمنة على الساحة الفكرية والسياسية الوضعية المنطقية ومفاهيم النسبية ومن ناحية ثانية ضد الوثوقية السياسية للشوعية .
يمكن أن نجمل رؤية "هوركهايمر" في وصفه للغرب إجمالا على انه هو نتاج متكامل :فلسفي، اجتماعي –تاريخي وقيمي. وان هذا الإنتاج يشكل في النهاية إيديولوجيا شمولية متكاملة أنتجت فاشيات أحدثت قطيعة أساسية مع أوروبا الأنوار.لذا يلجأ "هوركهايمر" إلى اقتراح مهام ثلاث ينبغي على النظرية النقدية الجديدة أن تلبيها حصرا:
1. ضرورة البحث في كل نظرية عن المصلحة الاجتماعية التي تحركها وتحددها في النهاية، وإخضاعها للنقد والتحليل.
2. التحرر والانعتاق من خلال عقلنه الواقع، بعث ديالكتيك جديد من الذات والصيرورة التاريخية.
3. البحث في مصير العقل وتفكيكه لتمييز أوجهه المختلفة، ولمعرفة السبب الذي أدى بهذا العقل إلى الانحدار إلى مستوى اللاعقل، بل إن الأداة التي يمارس القمع بها وفيها .

2- ثيودور ادورنو ( ).
إن اللاهوت التحرري القائم على خطاب اليوتوبيا الماركسية وخطابها التحرري بتغير العالم وجعله أكثر عدالة والذي يظهر عند "هوركهايمر" ذا بعد سياسي معرفي؛ إلا أن هذه المرة أخذ بعداً جمالياً بالتعاون مع "ثيودور ادورنو" حيث اشترك الاثنان في إنتاج رؤية جمالية تنتمي إلى العقل النقدي وخطابه التنويري أي اللاهوت التحرري من القيم التي يفرضها "العقل الاداتي " فقد ظهر هذا في مؤلفات مثل ( فلسفة الموسيقى الجديدة، الشخصية التسلطية، محاولة حول فاجنر، الجدلية السلبية، جدلية العقل( )، والنظرية الجمالية).( )
في مجال الفلسفة والمنهج: نجد أن مفهوم "الديالكتيك السلبي" هو المفهوم المركزي في فكر "ثيودور ادورنو" وهو مناقض لمفهوم الهوية في الفلسفة الشمولية الهجلية مبني على جملة من الملفوظات مثل: التناقض، والتنافر، الحرية ،المتباعد ،...الخ وهذا المفهوم يعيدنا إلى موقفه من العقل التنويري الذي كان في البداية كان يمجد العقل بوثوقية الحداثة التي جعلت منه خطابا دوغمائيا شموليا ميالاً إلى الوثوقية بقدراته التي ادعت تجريد العالم من أطياف السحر والخطابات التخيلية لصالح إقامة معرفة بديلة تعتمد العقل والتجربة؛ إلا أنها سرعان ما سقطت رهينة العقل الاداتي القائم على التقنية الصناعية الذي يقوم على مفاهيم الهوية والذات التي برزت بشكل كبير بعد انهيار الأنظمة المثالية في الفلسفة من هنا جاء نقده للفلسفة فعلى الرغم من اهتمامه بنقد الخطاب الفلسفي من خلال طرحه مناهج في التحليل هو التحليل المادي للواقع فطرح مادية التحليل هو الانعكاس السالب الذي اتخذه ادورنو في مواجهة ( ميتافيزيقية) لوجوديته، حيث طبق عليها ادورنو منهجية النقد الباطني . فالأنوار تعارض الأسطورة وتتجنب بهذا الشكل الخضوع لسلطانها ويضع هوركهيمر وادورنو مقابل لهذا التعارض الذي يوقن به الفكر المستنير موضوع تواطؤ سري :"إن الأسطورة ذاتها هي العقل (Raison) والعقل ينقلب إلى ميثيولوجيا "وهذا الموضوع المعلن عنه في التمهيد شرح في المقالة الرئيسة ووضح بتفسير "للأوديسة" وبعد تبيان التحول الذي أصاب المنهج فانه أيضا تحول إلى انتقاد الطابع الفوقي الذي يهيمن على خيارات الفلسفة والذي جعلها بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الإنسان لهذا جاء منهجه التحليلي الجديد وهو القائم على الأفق الواقعي الذي يعيد للفلسفة واقعيتها ويجعلها قريبة من خيارات الإنسان ورهاناته الواقعية لهذا كان تحليله يعتمد التحليل المادي للواقع لهذا انتقد الفلسفة الذاتية منطلقا من الوضع الراهن للإنسان المعاصر بتناقضات الذات والهوية التي برزت بشكل جلي بعد انهيار الأنظمة المثالية في الفلسفة، فخرجت للعيان كينونة متناقضة تقيم تواجدها باختراق الفرد المعاصر بواسطة تصور معين لهويته ولشموليته التي تذوب في المؤسسات الراهنة والمغتربة) ، وبالتالي تحولت تلك الفلسفة إلى آليات تبرر السيطرة ولعل هذا ما يكشفه دور العقل فيها فقد تحول سعيه إلى (المعرفة من أجل السيطرة) .
إما في مجال الجماليات: فقد كانت نزعته الموسيقية الفنية، تدفعه إلى الاتهمام بالجمال والحياة الهادئة؛ إلا أن البعد الجمالي هو صاحب الحظ الأوفر إذ كان لفلسفة الجمال ، التي حفزته إلى أن يتحقق من صحة تشخيص العصر من خلال نتاج الفن الروائي الحديث ؛ إلا انه كان قد فعل رؤيته النقدية، في جماليات الموسيقى، اذ اخذ ادورنو بتطبيق وجهة نظره النقدية: الجدلية الاجتماعية على الفن والأدب والإبداع، وحاول أن يستخرج الدلالات الاجتماعية للأعمال الأدبية والفنية وتعبيرها عن السياق التاريخي والحضاري والاجتماعي الذي نشأت فيه ومدى تقدميتها وحداثتها او رجعيتها وتخلفها لقد كانت مرجعيته الثقافية في باب البحث الجمالي تقوم على رؤية ماركسية مفادها بأن الفنون يجب ان تخضع لخدمة القضية الثورية ... وان للفنانين رسالة وهي أن يضاعفوا معنويات الشعب ووحدته السياسية ، وهكذا كان (لينين) يستخدم الفن وسيلة اعلامية من أجل حزب الشعب ،فكان الفن خاضعا لأنظمة الحكم. وهنا نجد أمرين:
الأول: فهمه للجمال فإن كان الفكر الجمالي منذ كانت يقدم تحليلا فلسفيا، لنشاط متخيل ، فان الماركسية تقدم هذا أيضا ،ولكن الفرق الجوهري بينهما أن كان يتوقف عند الذات الفردية، بينما تحليل الماركسية الإنتاج الإنساني في سبيل تحسين شروط عالم يبحث عن إيقاعه الداخلي، وتشترك الجمالية الماركسية مع الاتجاهات السابقة في أن الفن ليس استعادة لما سبق أن شاهدناه أو تقليدا أعمى لما سبق أن وجد بل خطة رمزية تطل على المستقبل وتكشف بالتالي عن إمكانات الإنسان المبدع وجاء جورج لوكاش بتجاوز إشكالية (أي العلاقة بين تطور الاقتصاد وتطور الثقافة) ورأي وحدة الشكل والمضمون هي التي كانت الماركسية توليها أهمية كبيرة، في حين ميز لوكاش بين الانعكاس العلمي والانعكاس الفني ، فالأول يقدم صورة للواقع، في حين يصور الأخر الواقع من خلال المخيلة، وهذا يعني أن الفن لا ينشأ إذن عن مجرد إدراك حسي بل عن التمثيل الحكائي وليس التصور، اما جماليات كانت ورؤيته القائمة على حصر الجماليات العقلية في الجانب الشكلي وإهمال العمق الوجداني العاطفي التي هي بنسبة له شخصية ونسبية معا ، أما المرجعية الثانية فهي النزعة الوحشية في الفن التي انتشرت في الغرب. من هنا نستطيع أن نبين كل هذا من خلال المخيلة فالتخيل الفني يعطي للتذكر اللاشعوري صورة التحرر الذي قمعه قوانين الواقع التي تهتم بالمردود المباشر وقد اوضح أدورنو هذا في كتابه(فلسفة الموسيقى الحديثة)حيث بين ان الفن- تحت سيطرة مبدأ المردود الواقعي –يعارض المؤسسات القمعية بصورة الإنسان من حيث هو ذات حرة من هنا فالعمل الفني الحقيقي يسعى لنفي استلاب حرية الإنسان ، وذلك عن طريق تأكيد الشكل الاستطيقي، لأن قوانين هذا الشكل تنفي القوانين المضادة للحرية.( )
الثاني: نقده للهيمنة السياسية على الفن اذ في الوقت نفسه انتقد اثر الإعلام غير المحمود على الجماليات من خلال تصنيع الثقافة ومن النماذج التي انتقدها التوظيف النازي للثقافة من اجل إسباغ المشروعية على النظام عبر خلق صور تخيلية توثر على الواقع وتعمل على تزيفه أو من خلال الإعلام السلعي الأمريكي الذي أشاع نمط من الجماليات الشعبية التي تبدو بالنسبة إلى ادورنو ثقافة مصنوعة من اجل خداع الجمهور الشعبي( ) تلك الأعمال التي تقيس قيمة العمل بمردوده فانها تستخدم العقل بوصفه أداة للقمع وكبت الحريات فيما العقل الجمالي يسعى إلى اكتشاف مبدأ جديد للحياة، خارج مبدأ المردود، الذي تحول البنية العقلية للعصر،مما جعلت من هوركهايمر وأدورنو يوجها نقدهما للعقل المعاصر. من هذه المنطلقات النقدية المعرفية والجمالية ظهرت مشتركات في الرؤية النقدية التي سوف تترك أثرها على الجيل التالي للمدرسة هي الآتية :
1. نقد الاتجاه الوضعي .
2. التحليل النقدي للفاشية .
3. نقد القمع والتسلط في المجتمع الصناعي .
3: ماركيوز موقف النقدي من الفكر الغربي:
المطلب الأول : أهم إحداث حياته الفكرية وابرز إعماله:
نحاول هنا التطرق إلى تلك الأفكار التي تعد الخلفية النظرية لنقده بوصفه ينتمي إلى مدرسة "فرانكفورت" من خلال إشارته إلى هذا الأمر بقوله (فاني أتحمل بمسؤوليتي الكلية عنه وما يتعلق بموقفي النظري فاني أدين به إلى صديقي (ماركس هوركهايمر) وزملائه في (معهد الأبحاث الاجتماعية)القائم حاليا في مدينة فرانكفورت ومن اجل المضي في هذا العرض التحليلي لموقف ماركيوز فإننا سوف نقوم بالتطرق إلى المرجعية الفكرية التي تركت أثرها في فكره ولهذا سوف نتطرق إلى الأفكار عبر العرض والتحليل ثم العمل على ربطها بفكر ماركيوز في المبحث الثاني ومؤلفاته .
وقد كانت رؤيته النقدية تقوم على تحليل المفاهيم الأساسية، ثم العمل على البحث في أصولها المادية، ومن ثم أعادت التأسيس لها من خلال تحديد دقيق للوظائف السياسية، وقد تباينت تلك الرؤية من خلال تمظهراتها في أنتاجه الفكري بحسب الزمان والنضج الفكري الذي مر به فكره ومنهجه النقدي الاجتماعي والجدلي إلى الإرث الفكري لمدرسة فرانكفورت وعلامة فارقة في تطورها من نقد الماضي والحاضر-نقد العقل الاداتي أو الحضارة القمعية- إلى التبشير بالمستقبل من خلال العقلانية الجديدة التي تمظهرت في مفهوم الحضارة غير القمعية والتي سوف تظهر في رؤية جديدة مع فلسفة ما بعد الحداثة ، إلا أن ماركيوز كان خطوة مهمة في هذا السياق ، وعلى صعيد آليات النقد فإنها تقوم على:
1- قيام عقلانية جديدة وحساسية جديدة: تعتمد النقد ذاتيا من الداخل ، وموضوعيا من الخارج انه هنا يدمج المعرفي بالسياسي، من تغيير العالم من اجل العمال والطلبة إنها سياسة ومعرفة تربط الثورة بالحساسية الثورية لهذا يعنون كتابة "نحو حساسية ثورية جديدة ".
2- ضرورة تجذير القناعة"بالوعي النقد" لدى الأفراد: أي ضرورة وجود وعي بالثورة خارج التلقين الرسمي للأنساق الثقافية التي تنمط السلوك الاغترابي من خلال الإعلام وبالتالي هنا تكمن العلاقة الجدلية بين العقلانية الجديدة وما لها من حساسية والوعي لدى الأفراد الذين تعرضوا إلى الثقافة الاستهلاكية وبالتالي تحولوا إلى أداة مطيعة بيد أصحاب الرأسمال الثقافي (إن الأفق الأرحب والأوسع للاستغلال، وضرورة دمج سكان إضافيين به داخل البلاد وخارجها على حد سواء، يفسران ميل الرأسمالية الاحتكارية واتجاهها الغالب :تنظيم المجتمع بأسره لصالحها وعلى صورتها ) .
3- ضرورة وجود لغة جديدة: فان الحساسية الجديدة تفترض وجود لغة جديدة تعيد تحرير ملكات الإنسان وهي ما أشار إليها من قبل ادورنو في نقده العقل الاداتي ، وهذه اللغة تحرر الإنسان من إشكال الفكر العادي الذي يرمي إلى مجرد الفهم إلى تفكير جديد جدلي تعمل على التغير وليس مجرد الفهم أي تغير العالم لا مجرد فهمه/ معرفة من خلال ميدان رحب يحقق الحرية والإشباع انه يعيد معالجة الأولويات في الخطاب الماركسي حتى يستجيب إلى الواقع الغربي مما يعني إعادة تأويل تلك الرؤية (إن الثورة تستدعي تحولا جذريا للحاجات عينها وللمطامح والصبوات، سواء الثقافية منها أو المادية؛ وتحويلا للوعي والحساسية ولصيرورة العمل ووقت الفراغ على حد سواء) . ويرى أن التحرر يتحقق من خلال تحرير الزمان والطاقة خارج الاغتراب والسلب الذي ينمط السلوك ويجعل الإنسان لا يميل إلى النقد، إلا أن التحرير الذي يأخذ طابعاً طوباوياً متحرراً من القمع وكل هذا لا يتم إلا بتحرير الايروس أي الغريزة الجنسية من القمع .ممكن متابعة هذا من خلال أعماله الثلاثة المهمة؛ الأول:"الإنسان ذا البعد الواحد"، والثاني :"الثورة والثورة المضادة"، والثالث: "ايروس والحضارة".



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر السياسي الليبرالي عند جون لوك والتنوير الفرنسي
- الفكر السياسي الليبرالي - عند مكيافلي
- أصول نقد الخطاب الابوي
- رهانات الخطاب العلماني وتحولاته داخل الفضاء الغربي
- السلطة وأثرها في تشكيل المخيال السياسي العراقي القديم
- الحلم العراقي القديم
- قراءة في كتاب قراءات في الخطاب الهرمنيوطيقي للدكتور عامر عبد ...
- أطياف مدني صالح
- اشكالية النهضة ج1 -من كتاب اشكالية المثقف -
- اشكالية النهضة ج2
- الحضارات صراع أم حوار
- التأويل اللاهوتي لتاريخ عند أوغسطين
- نظرية المعرفة
- إشكالية الخطاب الإعلامي والتحول الديمقراطي العربي
- من اجل إحياء العقلانية العراقية الغائبة
- آراء أهل المدينة الفاضلة
- رهانات الحداثة الإسلامية
- التأويل والريبة عند ماركس
- مفهوم الهوية وقبول الأخر
- مقاربة في رواية -الحنين إلى ينابيع الحب -


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر عبد زيد - نقد الفكر السياسي الغربي