أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - الذبذبات المتوغِّلة عبر الجدار ـ قصّة قصيرة














المزيد.....

الذبذبات المتوغِّلة عبر الجدار ـ قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1146 - 2005 / 3 / 24 - 12:07
المحور: الادب والفن
    


استقبلته الجدران الأربعة .. تمزّقَت أجنحة روحه ورضوض زرقاء ارتسمَت على سهولِ قلبه.. لا يصدِّق نفسه أنّه يعيش في واقع. تحوَّل الواقع إلى كابوس مفزع .. ودّع نسيم الحرّية إلى أجلٍ مفتوح.. ودَّع ربيع الشباب والحبّ والأبوّة.. وأفكاره هل ودَّعها؟..زمّ شفتيه، متمتماً..أفكار، رؤى، وجهة نظر ..تساءل: ما هو مصير والدته ووالده، هل ستتحمّل زوجته هذه الصدمة أم أنَّها ستعتاد على حياتها الجديدة مع الزمن .. وابنته الصغيرة! هل سيتحمّل أن يبقى هنا بعيداً عنها، لا يداعب شعرها ولا يقصُّ لها أقاصيص شيّقة قبل أن تنام ..اجتاحت غربة حارقة كيانه الأخضر، وحرقَت الظلمة الظالمة ما تبقَّى من قلبـه المدمى .. أنينٌ متواصل امتزج بشهيقه وزفيره، وارتشفت مقلتيه كآبة سرمديّة .. بدأت التساؤلات تنهمر عليه من كلّ جانب.. قشعريرة مشوَّكة التصقَت في أعماق القلب.. الجدرانُ الأربعة تصفعه بدون رحمة في صباحات نيسان النديّة .. أحدهم يفتحُ (الطاقة) الصغيرة في مواعيد محدَّدة ويقدِّم له طعاماً خاوياً ومقزَّزاً .. ينظرُ إلى الطعام بقرفٍ .. يشعر في هذه اللحظات أنَّ مرارات الحياة تغزو وجوده الحيّ .. ما كان يقدِّم هكذا طعام لقطّته .. ينظر من خلال الكوّة الصغيرة إلى السماء .. يتمنّى لو كان طائراً يحلِّق عالياً يغرِّد لخرير السواقي .. يجفلُ!
ألم تأكل طعامكَ بعد؟
ينظر إلى الطعام بتقزُّز، يهزُّ رأسه .. لا لم آكل طعامي بعد.
ولماذا لم تأكله، هل تظنُّ نفسك في بيت أبيك؟
لا لست في بيت أبي ولكنّي لا أشتهي هذا الطعام.
لا تشتهي هذا الطعام. (لفظ عبارته بشيءٍ من السخرية والازدراء).
أنا...
قاطعه بغضب، ثمَّ أخذ الطعام، تاركاً خلفه كلمات مهينة وبذيئة ترنُّ صداها بين الجدران الأربعة.
عادةً عقارب الساعة تسير نحو الأمام، أمّا عنده فعقارب الـساعة تسير نـحو الخلف .. نحو الـهلاك .. نحو الهاوية السحيقة .. يشهقُ شهيقاً مشنفراً بالأحزان .. إلى أين ينتهي بنا هذا يا قلبي؟! كم من التمتمات وكم من الانكسارات!.. عقاربُ الساعة تقترب من الثامنة .. يشدُّ قبضته بقوَّة ثمَّ يلكم الهواء بغضب .. تحوَّلَت عقارب الساعة إلى عـقارب مـسمومة في هذا الزمن القميء .. آهٍ .. في مثل هذا الوقت كان يقبِّل ابنته الوحيدة قبل أن تخلدَ للنوم .. تساءل نفسه:
هل يا تُرى ابنتي نائمة الآن أم أنَّها تسأل والدتها عن أسباب غيابي عنها؟ ماذا ستقول أمُّها لها؟
هل ستقول لها الحقيقة؟ .. أيّة حقيقة أتكلَّم عنها؟.. وهل ثمَّة حقائق في هذه الظلمة الظالمة؟!
آهٍ .. أيَّتها الأزمنة القميئة! .. ما هذه الأكاذيب والسيوف المسمومة المسلَّطة على رقابنا؟! .. مَنْ بلَّغ هؤلاء الأوباش؟.. ماذا قلتُ؟.. أوباش! أخشى أنْ يكونَ أحدهم خلف الباب ويسمع صوتي!.. فليسمعوا صوتي، هل سيحصل لي أكثر ممّا حصل؟!
تلمَّسَ صدره .. كان الألم معشعشاً في قدميه وظهره وخدّيه الحزينين وجبهته وأذنيه وعينيه المحدَّقتين في هذا الجحيم! .. كان يشعر أنَّ عظام ظهره مفتَّتة وفروة رأسه مهشَّمة .. هزَّ رأسه مناجياً نفسه بانكسار عميق، ما ذنبي لو كنت مختلفاً معهم في قضـايا الحياة؟ .. أيّةُ جريمة اقترفت يداي كي يكبِّلونها بتلكَ السلاسل الغليظة ثمَّ يحرقوا شـفتاي وجـفناي بأعقابِ سجائرهم وينفخون بوجهي زفيرهم الملعون؟.. مرّةً أخرى آهٍ.. أيَّتها الأزمنة القميئة!.. صمتٌ مخيف وظلمةٌ طويلة تجثمُ على صدره .. وتبتلعه الهواجس وتصارعه الأفكار .. يغلي دمه غلياناً .. ينهضُ وآلام العالم مبرعمة على مساحات جلده ثمَّ يتابع مناجاته، هل خلقت الآلهة شفتاي وعيناي كي يأتوا هؤلاء السفلة ويطفئوا أعقاب سجائرهم بها؟!.. هل يتصوَّرون شفتاي وعيناي منفضة لسجائرهم؟ .. هل هم مثل سائر البشر من لحمٍ ودمّ، أم أنَّهم تعفَّروا بدماء الوحوش الضارية فتحوَّلوا إلى مصَّاصي دماء البشر متجاوزين بوحشيّتهم آكلي لحوم البشر.
رأسه كان يدور وأسئلة لا حصر لها كانت تدور في ذهنه ولا تتوقَّفُ عن الدوران!


ستوكهولم
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فراخُ العصافير ـ قصّة قصيرة
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 500
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 499
- ترتيلةُ الرَّحيل
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 498
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 497
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 496
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 495
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 494
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 493
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 492
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 491
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 490
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 489
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 488
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 487
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 486
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 485
- أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 484
- أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 483


المزيد.....




- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - الذبذبات المتوغِّلة عبر الجدار ـ قصّة قصيرة