أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - فراخُ العصافير ـ قصّة قصيرة














المزيد.....

فراخُ العصافير ـ قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1145 - 2005 / 3 / 23 - 12:49
المحور: الادب والفن
    


إهداء: إلى طفولتي،
إلى أسرتي التي كانت تعانقها
سهول القمح وأيام الحصاد!

أحنُّ إلى أيامِ الحصاد. أتوه بكلِّ شغفٍ في متاهاتِ الحقول، ألملم النباتات الملوّنة بأبهى أنواع الزهورِ، تتراقصُ أمامي صوراً ومشاهداً مسربلة بين طيّاتِ الغمام. آهٍ أتذكّر جيّداً عندما كنتُ طفلاً، كنتُ أعبرُ البراري الفسيحة، أركضُ خلفَ الفراشات والجراد الأخضر. أهربُ من لملمةِ باقات الحنطة. كانت أمّي تقول لأسرتي دعوه يفرحُ معَ عوالمِ الفراشات والعصافير.. أتذكّرُ جيداً كيف قادتني إحدى الفراشات إلى أعماقِ الحقل وإذ بي أمام عشّ عصفور فيه فراخ صغيرة تفتح مناقيرها عطشاً.. تساءلتُ، هل هذه الفراخ عطشى مثلي أم أنّها تتوقُ إلى أحضانِ الأمِّ ..
ركضتُ نحو جرّةِ الماءِ ثمَّ عدْتُ حاملاً في يدي الصغيرة طاسة ماء، فقالت أمّي لمن هذا الماء يا ابنيّ؟ ركضتُ نحو الجهة المعاكسة لأهلي قائلاً، لفراخِ العصافير، ضحكَتْ أمّي ثمَّ قالت، ونحن ألا نستحقُّ قليلاً من الماء يا ابني؟ سآتي حالاً يا أمّي، تهتُ عنِ العشِّ ولم أهتدِ إليهِ لأنّه كانَ وسطَ الحقلِ ثمَّ جلستُ وحيداً وسنابل القمح تحضن دمعي ..
قَلِقَ الأهل عليّ عندما طال بهم الإنتظار، وخافوا أن تكونَ قد لسعتني أفعى في قيظِ تلكَ الظهيرة في رحاب الحقلِ.. ثمَّ استنفروا يبحثون عنّي فوجدتني أختي، زغردَتْ وقالت هوذا صبري ثمَّ حملتني وهي تمسح دمعي، فبكيتُ أكثر، سألتني أمّي ماذا تريد يا ابني؟ قلتُ لها ضيّعتُ الطريق إلى عشِّ فراخِ العصافيرِ! .. ضحكوا، فجنَّ جنوني وطلبتُ منهم أن يمشّطوا الحقل بحثاً عنِ العشِّ. تلكؤوا في بادئِ الأمرِ لكنّي بدأتُ أبكي بصوتٍ عالٍ، فما وجدوا بدّاً إلا أن ينصاعوا إلى أمري، وبدؤوا يبحثون عن العشِّ، أمسكَتْ أختي يدي ونحنُ نمشي. بعد لحظات سمعتُ أمّي وهي تهلهلُ (كليليليليلي!)، هوذا العشُّ يا صبري! ركضتُ بفرحٍ، آهٍ .. ولكن أين طاستي؟ قلتُ لأختي اركضي، نسيتُ طاستي هناك عند دمعتي، ركضَتْ أختي مثل البرقِ ثمّ جاءَت تحملُ رغبتي، أمسكتُ الطاسة ثمَّ وضعتُ اصبعي في الماءِ وبدأتُ أنقِّطُ قطرات الماء في حلقِ الفراخِ وهي تفتحُ مناقيرها الغضّة، نظرَ والدي إليَّ بتمعُّنٍ ثمَّ همسَ متمتماً مع أمّي، كنتُ غائصاً في عوالمِ الفراخِ، أُغدِقُ على حلوقهم العطشى مطري، سمعتُ والدي يقول لأمّي هذا الولد (مو عادي)، فقالت أمّي (خلّي) يفرح مع فراخ العصافير، فقال لها (خلّي) يفرح لكنّه شديد الحساسية إلى درجةٍ لا يتصوّرها عقلي، وأخافُ عليه من الجنون، جنونُ الحبِّ والعشقِ، جنونُ التواصل مع اخضرارِ الكونِ! ..
فَرَحْتُ عندما شبعَ الفراخُ ثمَّ أمسكتُ الفراخ بيدي وبدأتُ أداعبُ زغبها النديِّ، أتذكَّرُ أنّني قبَّلتها ..كنتُ أشعرُ وكأنّها تشكرني، كانت عيونها الصغيرة تنظرُ إلى عيوني، هل فهمَتْ أنّني لستُ أبيها ولا أمّها؟ هل عرفَتْ أنّني دمعةٌ ساخنة تخرُّ على فضاءِ الروحِ؟..
شوقٌ جامح إلى هلالاتِ العشقِ، ومضةُ فرحٍ طريّة فوقَ جباهِ النسيمِ، طفولةٌ مفروشة فوقَ أمواجِ البحرِ. تعالي يا طفولتي أريدُ أن أفترشَكِ فوقَ أجنحتي لعلَّكِ تفتحي أمامي أبوابَ النعيمِ.


ستوكهولم: آب (أغسطس) 2003
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 500
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 499
- ترتيلةُ الرَّحيل
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 498
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 497
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 496
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 495
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 494
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 493
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 492
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 491
- أنشودةُ الحياة ـ 5 ـ ص 490
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 489
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 488
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 487
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 486
- أنشودُة الحياة ـ 5 ـ ص 485
- أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 484
- أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 483
- أنشودة الحياة ـ 5 ـ ص 482


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - فراخُ العصافير ـ قصّة قصيرة