أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرفراز علي نقشبندي - ناز تناديني















المزيد.....


ناز تناديني


سرفراز علي نقشبندي

الحوار المتمدن-العدد: 3967 - 2013 / 1 / 9 - 03:59
المحور: الادب والفن
    


• کان( هوگر) المقاتل النحيف بين حلقة النقاش دون أن يناقش ، يسند ‏برأسە علي قامة شجرة بلوط عتيدة وکأن الأمر لا يعنيە ،تسلل بهدوء ‏مبتعدا من من المجلس ومضي الي حيث الصخرة المطلة علي الوادي ، ‏تربع في جلوسە وحاصرە الخيال.‏
بدت الأشياء قاتمة حولە وکل الأحاديث خاوية الطعم والمعني ، إنة يبحث ‏عن طريق يفک بها لجام تأزمە ، ينهکە الدوار في متاهات الحلول العقيمة ‏وتنساب روحە نحو ( ناز) ، تذکر کيف قبلها لأول مرة وکيف ارتجفت هي بين ‏يديە ، وکيف انە طوال ذلک اليوم کان يحس نفسە طائرا ، أقدامە مرتفعة ‏عن الأرض وحلمە يرتفع معە ، تاق لإعادة تلک اللحظة وتلک القبلة التي لم ‏ينسي طعمها .‏
حاصرە طێف ناز الذي ينبع من شفافية الظلام ويحتل الرابية الصخرية ‏ليکسح الوادي ويحول هدٶە الي هيجانا ، همس بحزن :‏
‏-‏ أحبک يا ناز أحبک !!‏
هاجت غرائزە لمعانقة ناز ، رأسها الصغير فوق کتفە وخصلات شعرها السوداء ‏تملأ حضنە وهو يداعب وجهها الغض، أحتوتە الرغبة کهيجان ثور في حلبة ‏المصارعة لا سبيل لوقفە، ناز صارت قطعة القماش الحمراء التي يتراکض ‏نحوها ، همس بأرتجاف:‏
‏-‏ سأتزوجک يا ناز ، لن تکوني لغيري.‏
أحلامە تغور في حيثيات ليلة العرس حتي فقد نفسە ، العرق يتصبب من جبينە ‏، عنقە بلل و نبضە متسارع، تلازم جسدە رجفة لذيذة.. تکور علي شهوتە ‏وألتف علي نفسە کالأفعي ثم همد برهة ، ليعود الي واقعە بشعور مٶلم و قد ‏تبلل سروالە الداخلي ، أرتعب وأخذ ينظر حولە خشية من أن يکون قد لاحظە ‏أحد.‏
أطمأن هوگر الکل منشغل، تنفس بعمق وأخذ يحاور نفسە :‏
‏-‏ يجب أن أستعيد حياتي ، أنا هنا أعيش حياة الوحوش السائبة ، لا بل ‏الوحوش أفضل ، فهي تلتقي أزواجا في مواسم الخصب وتحقق رغباتها ، ‏نحن هنا رهبان نعلم الي الأبد.‏
الحية هنا صعبة ، لقد محيت نتوءات معدتي من کثرة سقيها بالشوربة ‏المالحة والحارة ،رائحة الفلفل الأحمر يفوح من دمي، أقدامي لم تعد ‏تحملني.‏
آە يا هوگر لقد رفعت حجرا أکبر من طاقتي ،أنا لا أطيق حملە، أتوق للنوم ‏في فراش دافئ ، أخلع عن أقدمي هذە الأحذية التي تلازمە کجلدها، جلد ‏نتن الرائحة ثقيل کهذا الرعب الذي يتکاثر داخل مسامات جلدي ويأکل خلايا ‏رأسي ، حتي فقدت القدرة علي التفکير تماما، أنا لم أعد أتذوق نکهة ‏الجمال ..أريد أن أعيش و يجب أن أعيش.‏
يجب أن أنقذ روحي من هذا الجحيم ، ێجب أن أهرب ، سيتهمونني ‏بالخيانة ..هذا أمر صعب علي نفسي ، لکني لست بخائن ولن أتقرب من ‏السياسة ولا أعمل مع العدو..تبا للسياسة إنها لعبة مميتة ، أريد أن أعيش ‏حرا وأضاجع ناز حين أشاء وأتوسد حضن أمي حين يتملکني الحزن .. ‏حينها قالت أمي :‏
‏-‏ هوگر أنت ناعم الأيادي سوف لن تتحمل تلک الحياة القاسية .‏
‏-‏ صدقت يا أمي ، لکني سأعود .‏
ساورە قلق ثقيل وهو يتفوە بکلمة العودة ، صار کالحبل يلتف حول عنقە:‏
‏-‏ ماذا سأقول لأصدقائي و أقربائي، أأقول لقد هربت من صفوف الثوار ‏وبالأمس القريب کنت أشجعهم للأنضمام.‏
لم يتحمل هوگر تخيل نفسە وسط نظرات السخرية التي سيوجهونها، سيفقد ‏نفسە آنذاک..إلا أن تصور ناز في حضن رجل آخر تتزوجە، هذا التصور کان ‏کقطرات السم تسقط فوق فٶادە، فتعميە الغيرة و تمحي دونها من الأشياء ‏والمواقف .‏
عصر ذهنە بحثا عن حل آخر بحيث لا يلحقە عار الهروب، قال:‏
‏-‏ لماذا لا أخبرهم بأني أريد العودة الي البيت ، ربما اقتنعوا وترکوني أرحل ، ‏ولکن ماهو مبرر الاقتناع ، أأقول بأني ترکت خطيبتي ، کلهم قد فعلوا ذلک ، ‏بل فيهم من ترک الزوجة والأولاد أيضا، أأقول أمي مريضة ، وماذا يعني ‏مرضها عندهم ..لا شيء ، أهلهم يمرضون و يموتون.. لا شأن لهم بذلک.. ‏إنە نظام حديدي لا يطاق .‏
أختنق همسە الداخلي في حنجرتە ونزلت دمعة سريعة الجريان من عينيە ‏وهو يقول:‏
‏-‏ ليتني أجد من يحمل عن کاهلي هذا الحمل الثقيل ،حملا يحوي نقائض ‏الأمور .‏
الرحمة ..الرحمة لست قادرا علي تحمل هذە الحياة .. سوف أکتب لهم إنە ‏أنا الضعيف ، أنا لم أصقل شخصيتي الثورية ثم أرحل.‏
المهم أن أبرهن لهم بأني لست خائنا ولا جاسوسا ، سأعمل علي حماية ‏نهج الثورة ، سأتحدث عن عظمة رفاقي وأوصم نفسي بالضعف ولا قدرة ‏لي علي هذە المسيرة الصعبة ، إنها الحقيقة.. أجل الأمور الصعبة تحتاج ‏الي قوة ، وأنا لا أملکها.‏
حاول هوگر أن لا يتذکر أي قول ثوري حول الأرادة و بناء الشخصية الجديدة التي ‏هي من أوليات الدروس التي درسها في حلقات دروس الثورة ، شمع کل ما ‏تعلمە هنا ..نبع صوت من داخلە متجاوزا الحواجز التي أقامها حولە :‏
‏-‏ هل ترضي يا هوگر أن توصم نفسک بالضعف والخنوع أمام رفاقک و أقربائك و ‏حتى أمام ناز؟!!‏
جحظت عيونە وهو ينصت لهذا الهاجس المفزع :‏
‏-‏ نعم سأفعل ، سأصرح بضعفي ، أفضل من أن أقتل بطلقة هوجاء.‏
دوي الصوت ثانية :‏
‏-‏ لکنک يا هوگر سوف لن تربح نفسک ،عندها ستفقد حياتک بطلقة ‏الانحطاط الهوجاء.‏
‏-‏ کفي فما أقولە هە الصدق ، اني أشعر بالضعف ينخر عظامي .. أن کنت لم ‏أتعلم من الثورة الأرادة، فقد تعلمت منها الصدق مع الذات ،و ما أقولە هو ‏عين الصدق.‏
‏-‏ لکن الثورة علمتک لتکون صادقا مع سلبياتک ، تتعرف عليها لتزيلها ، وها ‏أنت تعمقها يا غبي.‏
‏-‏ هراء.. إنما أنا أعالجها و أعيد لذاتي راحتها .‏
مسح هوگر جبينە الجاف ،کأنە يروم مسح قطرات العار الذي لاحقە من جراء ‏إتخاذ هذا القرار الصعب .‏
ظل يساورە الخوف ، قد يفشل في تنفيذ خطتە ، أو قد يکتشفون نياتە :‏
‏-‏ نعم إنهم ذئاب ، فهم يکتشفون سر الهواء من حولهم، علي بالصمت ، کثرة ‏الکلام ستجلب المصائب.‏
‏***‏
أنتبە رزگار الي ابتعاد هوگر عن المجموعة فهمس في أذن أحمد:‏
‏-‏ ما بال الرفيق هوگر هذە الأيام ، فهو منزوي وقلما يتحدث مع أحد ، إضافة ‏الي شحوب وجهە الذي يوحي بألم دائم.؟!!‏
‏-‏ لقد لاحظت ذلک ، إنە جديد و ضعيف العود ولم يتوعد علي هذە الحياة .. ‏قال أحمد هذا ونهض متجها نحو هوگر ، أخذ مکانە علي طرف الصخرة ‏المسطحة قائلا:‏
‏-‏ الطبيعة جميلة هنا يا رفيق هوگر أنظر الي المنحدر ، فالسماء تبتلع قرص ‏القمر والطبيعة خاشعة ،رٶوس الأشجار والقمم تتلون بلون وردي.‏
قال هوگر :‏
‏-‏ هم ممهمم.‏
‏-‏ الطبيعة حزينة في هذا الوقت ، لکن حزنها ممزوج بأمل الشروق ، لذا نجد ‏في هذا الحزن بسمة شفافة کبسمة طفل ينام بسلام.‏
‏-‏ صحيح ، شئ وقتي .!!‏
‏-‏ يقال الليل والنهار عاشقان يتعقبان خطوات بعضهما دون لقاء.‏
‏-‏ ونحن ..! نرکض وراء الليل والنهار ..رکض مستمر ، نتعقب خطوات من لا ‏يلتقيان.!!‏
‏-‏ إنە الرکض فعلا، لکنە رکض لە مدلولە، حتي رکض الليل والنهار لە مغزاه ‏‏..لاشيء يحدث في الطبيعة دون مغزى .‏
‏-‏ بل کل شيء دون مغزي.‏
‏-‏ نحن سنمسک شمس الوطن بيميننا ونحرر هذه الأرض الطيبة ، أهناک ‏مغزى أکبر من هذا يا رفيق .؟1‏
أنظر ألا تشعر بالشموخ وأنت ترافق هذە القمم ، ألا تشعر بأذرع الجبل ‏الحنونة وهي تلتف علي الوديان.؟!‏
‏-‏ صحيح همهم.‏
‏-‏ أنا في کل بقعة من هذە الأرض ، أشم رائحة وشاح أمي الأبيض.‏
قال أحمد هذا وأخذ ينظر الي هوگر الذي طوي رأسە الي الأسفل بحزن مخبوء ‏، حدجە بطرف عينە وأضاف بدهاء مغلف بالحنان :‏
‏-‏ ألا تشتاق لأمک ياهوگر ؟
إنتفض هوگر لهذا السٶال غير المتوقع وکأن أحدا نغزە بأبرة حادةوقال بعصبية :‏
‏-‏ کلا ..کلا أنا أبن الوطن الآن ،هذە الأمور التي تحاول إثارتها لا معني لها يا ‏رفيق أحمد !! نعم لا معني لها .‏
‏-‏ الوطن ..!! کم هو شقي هذا الوطن ، فأنهرە تنساب ولا تنساب وقمرە ‏سرق الأعداء منە الضياء وزمن أعمارنا نحن الکورد تنبت فيها آثار الأحتلال.‏
تنهد هوگر :‏
‏-‏ آە وألف أە لآثار الاحتلال يا رفيق .‏
‏-‏ نعم إنها تنمو في نفوسنا ، أحراشا سامة تفقدنا القدرة علي رٶية شقاء ‏الوطن.‏
کل الرياح في ربوع قلوبنا تفوح منها رائحة المأساة التي لم تقدر هذە الأمة ‏أن تحدد عمقها خطورتها حتي الآن.‏
لقد صرنا نحن الکورد کالدابة التي تحمل حملا ثقيلا دون أن تعرف ماهية ‏الأشياء علي ظهرها.‏
رفع هوگر رأسە وأرتفعت حواجبە الصفراء السميکة وقال :‏
‏-‏ کأنک شاعر يا رفيق أحمد؟
‏-‏ المأساة ، قد جعلت کل کردي شاعرا دون أن يدري.!‏
‏-‏ أنا لست شاعرا ، ولکني قد سمعت بأن الشعر يحتاج الي مکان هادئ و ‏راحة تامة ، هنا لامکان لنا للوقوف ، فکيف بالراحة يا رفيقي .‏
‏-‏ إننا هنا في صفوف الثورة لسنا کشعراء الدنيا حيث يسطرون القصائد علي ‏الأوراق وتکون لهم دواوين منمقة الکلمات بأغلفة أنيقة و ملونة وعناوين ‏ضخمة .‏
لا يا رفيق ، نحن نجسد أفکارنا و هواجس قلوبنا وإلهام شعرنا نصوغە في ‏هذە الثورة المقدسة .!‏
کما ترێ يارفيق منذ (400) عام وسماء هذە البلاد تنتظر إکتمال الهلال ‏وينحرە الأعداء.. وقوس قزح بلادي في کل ربيع يطل بعد انهمار المطر ‏ويغتصب في لحظة الأطلال ..هذە هي قصيدة مأساتنا يا رفيق .‏
‏-‏ ما هذا يا إلهي ، أنت رائع في الوصف ، لما لا تکتب.؟!‏
ضحک أحمد وبدا الأرتياح علي وجهە ، فهو قد أخرج هوگر من دوامة الصمت،، ‏هذە بداية جيدة لمعرفة المزيد عما يقلقە ، فأضاف :‏
‏-‏ أکتب ..؟! ما أحسە يتجسد في طلقة بندقيتي يا رفيق .. خارج الثورة ، ‏کل فصاحة الدنيا و کنوزها و دواوين الشعر المصقولة الأغلفة لا تشعرني ‏بشيء طالما الهواء في ربوع وطني محصور بين مخالب الاحتلال .. خارج ‏الثورة و بعيدا عن حلقات الرفاق و همومهم أشعر بالاغتراب .!‏
والمجتمع حين لا يجعل الوطنية دون محور بقاءە ، سوف يسبح في هامات ‏الضباب، تغرق فيها العوائل و تدور في متاهات معدومة الهدف.‏
ظل هوگر في صمتە أمام هذە المحاورة الثقيلة والمٶنسة ، فبادرە أحمد :‏
‏-‏ ما بالک يا رفيق هوگر ، لماذا لا تتکلم .. هل تشعر بتوعک صحي ، أم انک لا ‏تتفق مع ما أقول ، ناقشني إذا ؟!!‏
‏-‏ لا ..لا شيء ..فقط أريد أن أکون وحيدا ، قالها هوگر و اختفت نبراتە و کأنە ‏يروم ابتلاع لقمة کبيرة من الکلمات يدفعها بعيدا عن لسانە ، فهو لا يريد ‏التحدث . ‏
بادرە أحمد :‏
‏-‏ منذ أسبوع و أنت جالس وحدک وفي المسير ، تسير دون التفات ، أمتزج ‏بالرفاق و أفتح باب مشاعرک.!‏
‏-‏ ها أنا معهم .. أسير معهم أأکل معهم ‏
فهل بدر مني ما يستوجب المحاسبة يا رفيقي القوميتان ، ثم الحساب ‏عادة يکون في الاجتماع الرسمي.؟!‏
‏-‏ هذا ليس حسابا و لا أنا أحادثک من موقع مسٶوليتي کقوميتان ،و ما ‏حدثتک بە طوال ‌ذە الساعة لم يکن شعرا و لا من تراتيل الکنائس ، ولا من ‏مواعظ رجال الدين في المساجد ، إنما کان من صميم امتزاج الروح بالثورة ‏والرفاق ..الرفاق قلقون عليک ، نحن هنا عائلة واحدة ، عليک هضم الحوار ‏بشکل أفضل.‏

نهض هوگر بعصبية وفتح حزامە العسکري مع العتاد جانبا وبدأ بفتح حزام حزام ‏القماش الطويل الملفوف علي خصرە والذي هو جزء من الزي الکوردي و تمتم ‏قائلا :‏
‏-‏ فليقلقوا علي أنفسهم ، أنا بخير ، عذرا يا رفيق سأذهب الي النهر .‏
‏-‏ هل تريد أن أرافقک ؟
‏-‏ لا شکرا.. وأنحدر نحو الوادي يدوس علي الأحراش والصخور بسرعة ، الي ‏حيث خرير الماء وعبق أوراق الجوز الممتزجة بالرطوبة.‏
شعر بارتجافة برد خفيفة تسري في جسدە الدافئ ، فتنفس بعمق کأنە ‏يتخلص من بقايا مأزق مهلک ،کاد رفيقە أحمد يحاصرە و يرغمە علي ‏الاعتراف.‏
بينما بقي أحمد جالسا علي الصخرة يعلک کلمات هوگر في رأسە ويحاول ‏أن يفهمها بشکل أفضل ، عاد هوگر بارتياح جزئي وبدأ بلف أحزمتە ‏المتکومة فوق بعضها يدور حول نفسة وهو يلف حزامە القماشي دورانا ‏أشبە شبيها بدوران أفکارە ولأول مرة يبادر هو بالحديث :‏
‏-‏ لم تخبرني يا رفيق ،أين سيکون اتجاهنا في المسيرة القادمة ، نحو العراق ‏أم الي إيران ؟
‏-‏ لا أدري.. حين نصلا لمثلث الحدودي ونستقر في منطقة خاوکورک سنتلقى ‏القرارات الجديدة ،هدا ما قالە القوميتان العام في اجتماع المساء .. ألم ‏تکن حاضرا ؟!‏
‏-‏ بلا .. کم يبعد المکان الذي تحدثت عنە عن العراق أو إيران ؟
‏-‏ لم أزرها قبل ، يقال إنها نقطة حدود ، لکن لماذا تسأل ، هل أتبعک السير ‏؟!‏
‏-‏ کلا لم أتعب ، لکنە مجرد فضول ؟
‏-‏ ثم ما بالک يا رفيق ،تسمي المکان بالعراق و إيران؟!‏
‏-‏ لماذا ؟!‏
‏-‏ کأنک لست معنا منذ سنة ، ألا تعرف بأن هذە التسميات نابعة من مفهوم ‏التقسيم الذي نرفضە ، أنها کوردستان الأولي هي جنوب کوردستان ضمن ‏الحدود العراقية والثانية هي شرق کوردستان ضمن إيران ، عليک بالتحدث ‏وفق مفاهيم الثورة.‏
‏-‏ صحيح يا رفيق أنا آسف .. لکن هذا ما تعلمناە عبر الزمن ‏
‏-‏ أشياء کثيرة عودنا عليە واقع التقسيم المرير ، أمورا زرعها الأعداء في ‏عقولنا و حتي عواطفنا كسيحة وهي امتداد لسياسة الأحتلال.‏
کما تدري بأننا هنا في صفوف الثورة نرفضها ونبني لأنفسنا شخصية وطنية ‏حرة ، بدونها لا نقدر علي المقاومة .‏

‏-‏ کلامک صحيح ، أنا آسف ، أحيانا تبدر مني کلماتا هي من سلوک المجتمع ‏القديم .‏
‏-‏ قبل قليل غضبت مني ورفضت
قولي بأنک لازلت متأثرا بالحياة القديمة.. هيا أبدأ يا رفيق هوگر بالخطوة ‏الأولي مع نفسک ، وحاول أن تغير مفاهيمک القديمة ، تستبدلها بأخرى ‏تتعلمها من حياة الرفاق والثورة .‏
أعلم بأن الأمر ليس سهلا ولا يمکن إزالة کل التراکمات التي تحوي المرة ‏بلمح البصر.‏
‏-‏ معک حق .‏
‏-‏ وأنت أيضا معک الحق ، فالعار الذي لحق بنا عبر التأريخ لا يزول بمسحة ‏منديل.. إنما بالقرار الثابت، فهي الخطوة الأولي نحو الشخصية الحرة.‏
‏-‏ ‏ ماذا يا رفيق ها أنا قد قررت والتحقت بالثورة ، هذا الحديث قد مضي زمانە.‏
‏-‏ الخطوات أعني بها خطواتنا داخل الذات، نتصارع مع مفاهيمنا القديمة ‏البالية و المزروعة عنوة في شخصياتنا.‏
‏-‏ أنا معجب بمفاهيمک و أسلوبک يا رفيق
‏-‏ شکرا ، هذا ما تعلمتە من الثورة ولازال الکثير الذي يجب أن أتعلمە، لکي ‏أکون الشخصية الحرة الأبية التي تحتاجها الثورة.‏
صمت هوگر وأخذ يلف الورق علي التبغ و يدخن بشراهة يسحب الدخان ‏بشهيق عميق ويغرق في حوارە القديم الذي تخلخل ميزانە أمام کلمات رفيقە ‏أحمد .‏
إنە يري التحديث ويستمتع بە ، يريد أن يکون جزء من هذا التجديد ، والقديم ‏يقبض علي خطواتە بأنياب حديدية تشدە نحو تلک الحياة.. وهو لايري في ‏نفسە الجرأة للصراخ في وجە الوحش القائم في ذاتە منذ الزمن الغابر المتمثل ‏في تعلقە بأمە و بحياة العائلة وخطبيتە التي ترکها .‏
‏***‏

بدأت فجوة السماء المعتمة بالإنفراج ، هب نسيم الصباح هادئا يترنح في ‏هبوبە ويضرب سحنة الأحراش ضربات حنونة ، توقضها لإستقبال الفجر.‏
‏ لاحت تباشير الضياء فوق القمم الجبلية دبت الحرکة في المجموعة ، يعدلون ‏هندامهم ويعيدوا ربط أشرطة إحذيتهم للإتجاە نحو الساحة التي تتوسط ‏الوادي .‏
کانت زوزان قد تهيأت قبل غيرها ، فجلست علي إحدي الصخور تنتظر رفيقاتها ‏‏.. فجأة برزت إحدي المقاتلات من بين الأحراش ، إقتربت من زوزان وهي تلهث ‏وقد تتجمد اللعاب في فمها، بادرت زوزان قائلة.‏
‏-‏ ماذا جري يا رفيقة خبات وکأن سربا من الذئاب تلاحقک.؟!‏

‏-‏ تعالي لدي ما أقولە لک وبسرعة ، إنە أمر مهم.‏
أمسکتها زوزان من معصمها وقالت في إهتمام :‏
‏-‏ هيا تحدثي ، قولي ما لديک.‏
‏-‏ کلا الکلام لا ينفع هنا ، تعالي معي وسوف أخبرک.‏
نهضت زوزان بخفة وحملت سلاحها ، سارا عدة خطوات ، همست خبات:‏
‏-‏ لقد هرب الرفيق هوگر .‏
إنتفخ وجە زوزان وجحظت عيناها الدائريتان کحبة العنب الأسود ، وقالت ‏بتعجب مشوب بالغضب:‏
‏-‏ کيف و متي حدث هذا ، أين ذهب يا تري ؟!!‏
‏-‏ هيا سأروي لک التفاصيل ، أسرعي يجب أن نبلغ المقر قبل تحية الصباح .‏
‏-‏ کان معنا منذ أن بدأنا المسيرة من منطقة شمزينان ، کان القنوط يکتنفە ، ‏تصورت بأن السير قد أتعبە ، ربما لم يهرب بل حدث لە مکروە ، فهو لا يعرف ‏طرق المنطقة .‏
بلعت زوزان ريقها وأضافت:‏
‏-‏ حاذري من إطلاق کلمة الهارب عليە بدون أدلة ، فأنت تعرفين عقوبة الإدعاء ‏الکاذب .‏
‏-‏ أنا أيضا في البداية وضعت جميع الاحتمالات ، لکنە قد هرب فعلا.‏
مدت خبات يدها الي جيب شروالها العسکري وأخرجت ورقة مطوية وهي ‏تقول :‏
‏-‏ کان قد علق هذە الورقة علي بندقيته ، ترکها مع العتاد والراديو الصغير عند ‏نبع الماء.‏
‏-‏ کان متوترا طوال الوقت ، لماذا لم ننتبە ؟!!‏
فتحت زوزان الورقة وقالت :‏
‏-‏ هذە الحروف العربية لا أفهمها ، أقرئيها بدقة
‏-‏ الحروف بالعربية ،لکنها مکتوبة بالکوردية ، في الجنوب يستعملونها ، الحروف ‏اللاتينية کانت ممنوعة .‏
‏-‏ هيا أسرعي أرجوک ،ليس لدينا وقت لشرح تأريخ الحروف.‏
‏-‏ العبرة ليست في القراءة إنما الخط رديء ، لقد قرأتها أکثر من مرة ، الذي ‏فهمتە ( ها هي بندقية الثورة والراديو والعتاد ، فهي أمانة أردها الي ‏أصحابها ، أنا لست بلص ولا بخائن، إني راحل لأنني لا أتحمل هذە الحياة ) ‏‏..همهمت خبات و أضافت :‏
‏-‏ هناک أشياء أخري قد کتبها ، رسالة أمە و موضوع خطيبتە التي خيرتە بينها ‏و بين الثورة ..کلها عبارة عن شرح ظروفە الذاتية.‏
‏-‏ من وجد الورقة ؟
‏-‏ أنا ، انتهت خفارتي قبل الفجر ، أيقظت الرفيقة ليلي لتحل محلي ثم ‏اتجهت نحو النبع لأغتسل ، وجدت البندقية مسندە علي جذع شجرة قرب ‏الطريق المٶدي الي الساحة.. تعجبت وقلت من يکون هذا الذي ترک ‏سلاحە هکذا ، ظننت بأن صاحبها قد ذهب لقضاء الحاجة.‏
انتظرت عودة صاحبها ، تهيأت لانتقادە علي هذا الإهمال ، بقيت أکثر من ‏ربع ساعة دون جدوى ، وأخيرا اقتربت لأرجع السلاح الي لجنة الانضباط ‏ويدفع صاحبە ثمن إهمالە ، عندها رأيت الورقة معلقة في رأس البندقية.‏
وصلا الي مقر قيادتهم وبلغا عن هروب هوگر وسلموا الرسالة الي قائد الرتل ‏وکأنهم يسلمون وصايا ميت الي عائلتە.‏
بعد صمت قليل قال القائد :‏
‏-‏ هناک من يدعي بتکامل شخصيتە الثورية ، إنما يخدعون أنفسهم بهذا ‏الإدعاء، فبمجرد ظهور الظروف الملائمة تظهر شخصيتهم القديمة ، حالة ‏هروب هوگر قد حصلت لحظة الانقياد الي الماضي.‏
قالت زوزان : نحن متأسفين لهذا الحدث غير المتوقع يا رفيق .‏
‏-‏ إنها حقيقة الثورة فالضعفاء لا يقدروا العيش فيها،و لکن کيف لم تلاحظوا ‏وضعە ، کان لابد من مٶشرات ظاهرة عليە ، هذا إهمال غير مقبول من ‏الرفاق ، هيا أنت يا رفيقة زوزان بلغي مجموعتک بکتابة تقاريرهم حول وضع ‏هوگر ، وليأتي قوميتان مجموعتە فورا .‏
صار الرتل خلية نحل هائجة الحرکة ، يعصروا ذاکرتهم ليسطروا المعلومات علي ‏الأوراق..وأکثرهم هياجا کان القوميتان أحمد ، فحسابە أعسر لأن الهارب هو ‏من مجموعتە.‏
قبل أن يحل المساء کانت التقارير قد سلمت ، والرفاق الذين ذهبوا للبحث عن ‏هوگر في جميع الأتجاهات عادوا خائبين وساد الصمت في المکان.‏

‏***‏
خرج هوگر من تحت الصخرة التي اختبأ فيها طوال النهار بعد مسيرة ليلة کاملة ‏‏.حرک جسمە يمينا ويسارا، ترأي لە وکأنە عاري بدون حزام العتاد الذي لم ‏ينزعە طوال سنة إلا وقت الأستحمام ..وبدون بندقية فقد أنستە الآمنة.‏
‎-‎ أخذ يسير باتجاە عکسي لسيرە وهو يعلک کلمات رفيقە أحمد: ( تنمو في ‏نفوسنا ، أحراشا سامة تفقدنا القدرة علي رٶية شقاء الوطن) (أشم رائحة ‏وشاح أمي الأبيض في کل بقعة من هذا الوطن) .‏

عندما صار الفجر يعلن عن نفسە کان هوگر جالسا وسط الساحة بعيون دامعة ‏، ينتظر قدوم مجموعتە لأداء تحية الصباح.‏



#سرفراز_علي_نقشبندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المندیل الأبیض
- ولیمة الفطر
- المکیال
- أأنت عارف بشیمة المطر
- لا لسنا سیان
- صباحیات أربیل
- مجنون عند عتبة لوزان
- حصیلة النداء
- من سیکون (فیلي براندت ) العراق


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرفراز علي نقشبندي - ناز تناديني