|
ناز تناديني
سرفراز علي نقشبندي
الحوار المتمدن-العدد: 3967 - 2013 / 1 / 9 - 03:59
المحور:
الادب والفن
• کان( هوگر) المقاتل النحيف بين حلقة النقاش دون أن يناقش ، يسند برأسە علي قامة شجرة بلوط عتيدة وکأن الأمر لا يعنيە ،تسلل بهدوء مبتعدا من من المجلس ومضي الي حيث الصخرة المطلة علي الوادي ، تربع في جلوسە وحاصرە الخيال. بدت الأشياء قاتمة حولە وکل الأحاديث خاوية الطعم والمعني ، إنة يبحث عن طريق يفک بها لجام تأزمە ، ينهکە الدوار في متاهات الحلول العقيمة وتنساب روحە نحو ( ناز) ، تذکر کيف قبلها لأول مرة وکيف ارتجفت هي بين يديە ، وکيف انە طوال ذلک اليوم کان يحس نفسە طائرا ، أقدامە مرتفعة عن الأرض وحلمە يرتفع معە ، تاق لإعادة تلک اللحظة وتلک القبلة التي لم ينسي طعمها . حاصرە طێف ناز الذي ينبع من شفافية الظلام ويحتل الرابية الصخرية ليکسح الوادي ويحول هدٶە الي هيجانا ، همس بحزن : - أحبک يا ناز أحبک !! هاجت غرائزە لمعانقة ناز ، رأسها الصغير فوق کتفە وخصلات شعرها السوداء تملأ حضنە وهو يداعب وجهها الغض، أحتوتە الرغبة کهيجان ثور في حلبة المصارعة لا سبيل لوقفە، ناز صارت قطعة القماش الحمراء التي يتراکض نحوها ، همس بأرتجاف: - سأتزوجک يا ناز ، لن تکوني لغيري. أحلامە تغور في حيثيات ليلة العرس حتي فقد نفسە ، العرق يتصبب من جبينە ، عنقە بلل و نبضە متسارع، تلازم جسدە رجفة لذيذة.. تکور علي شهوتە وألتف علي نفسە کالأفعي ثم همد برهة ، ليعود الي واقعە بشعور مٶلم و قد تبلل سروالە الداخلي ، أرتعب وأخذ ينظر حولە خشية من أن يکون قد لاحظە أحد. أطمأن هوگر الکل منشغل، تنفس بعمق وأخذ يحاور نفسە : - يجب أن أستعيد حياتي ، أنا هنا أعيش حياة الوحوش السائبة ، لا بل الوحوش أفضل ، فهي تلتقي أزواجا في مواسم الخصب وتحقق رغباتها ، نحن هنا رهبان نعلم الي الأبد. الحية هنا صعبة ، لقد محيت نتوءات معدتي من کثرة سقيها بالشوربة المالحة والحارة ،رائحة الفلفل الأحمر يفوح من دمي، أقدامي لم تعد تحملني. آە يا هوگر لقد رفعت حجرا أکبر من طاقتي ،أنا لا أطيق حملە، أتوق للنوم في فراش دافئ ، أخلع عن أقدمي هذە الأحذية التي تلازمە کجلدها، جلد نتن الرائحة ثقيل کهذا الرعب الذي يتکاثر داخل مسامات جلدي ويأکل خلايا رأسي ، حتي فقدت القدرة علي التفکير تماما، أنا لم أعد أتذوق نکهة الجمال ..أريد أن أعيش و يجب أن أعيش. يجب أن أنقذ روحي من هذا الجحيم ، ێجب أن أهرب ، سيتهمونني بالخيانة ..هذا أمر صعب علي نفسي ، لکني لست بخائن ولن أتقرب من السياسة ولا أعمل مع العدو..تبا للسياسة إنها لعبة مميتة ، أريد أن أعيش حرا وأضاجع ناز حين أشاء وأتوسد حضن أمي حين يتملکني الحزن .. حينها قالت أمي : - هوگر أنت ناعم الأيادي سوف لن تتحمل تلک الحياة القاسية . - صدقت يا أمي ، لکني سأعود . ساورە قلق ثقيل وهو يتفوە بکلمة العودة ، صار کالحبل يلتف حول عنقە: - ماذا سأقول لأصدقائي و أقربائي، أأقول لقد هربت من صفوف الثوار وبالأمس القريب کنت أشجعهم للأنضمام. لم يتحمل هوگر تخيل نفسە وسط نظرات السخرية التي سيوجهونها، سيفقد نفسە آنذاک..إلا أن تصور ناز في حضن رجل آخر تتزوجە، هذا التصور کان کقطرات السم تسقط فوق فٶادە، فتعميە الغيرة و تمحي دونها من الأشياء والمواقف . عصر ذهنە بحثا عن حل آخر بحيث لا يلحقە عار الهروب، قال: - لماذا لا أخبرهم بأني أريد العودة الي البيت ، ربما اقتنعوا وترکوني أرحل ، ولکن ماهو مبرر الاقتناع ، أأقول بأني ترکت خطيبتي ، کلهم قد فعلوا ذلک ، بل فيهم من ترک الزوجة والأولاد أيضا، أأقول أمي مريضة ، وماذا يعني مرضها عندهم ..لا شيء ، أهلهم يمرضون و يموتون.. لا شأن لهم بذلک.. إنە نظام حديدي لا يطاق . أختنق همسە الداخلي في حنجرتە ونزلت دمعة سريعة الجريان من عينيە وهو يقول: - ليتني أجد من يحمل عن کاهلي هذا الحمل الثقيل ،حملا يحوي نقائض الأمور . الرحمة ..الرحمة لست قادرا علي تحمل هذە الحياة .. سوف أکتب لهم إنە أنا الضعيف ، أنا لم أصقل شخصيتي الثورية ثم أرحل. المهم أن أبرهن لهم بأني لست خائنا ولا جاسوسا ، سأعمل علي حماية نهج الثورة ، سأتحدث عن عظمة رفاقي وأوصم نفسي بالضعف ولا قدرة لي علي هذە المسيرة الصعبة ، إنها الحقيقة.. أجل الأمور الصعبة تحتاج الي قوة ، وأنا لا أملکها. حاول هوگر أن لا يتذکر أي قول ثوري حول الأرادة و بناء الشخصية الجديدة التي هي من أوليات الدروس التي درسها في حلقات دروس الثورة ، شمع کل ما تعلمە هنا ..نبع صوت من داخلە متجاوزا الحواجز التي أقامها حولە : - هل ترضي يا هوگر أن توصم نفسک بالضعف والخنوع أمام رفاقک و أقربائك و حتى أمام ناز؟!! جحظت عيونە وهو ينصت لهذا الهاجس المفزع : - نعم سأفعل ، سأصرح بضعفي ، أفضل من أن أقتل بطلقة هوجاء. دوي الصوت ثانية : - لکنک يا هوگر سوف لن تربح نفسک ،عندها ستفقد حياتک بطلقة الانحطاط الهوجاء. - کفي فما أقولە هە الصدق ، اني أشعر بالضعف ينخر عظامي .. أن کنت لم أتعلم من الثورة الأرادة، فقد تعلمت منها الصدق مع الذات ،و ما أقولە هو عين الصدق. - لکن الثورة علمتک لتکون صادقا مع سلبياتک ، تتعرف عليها لتزيلها ، وها أنت تعمقها يا غبي. - هراء.. إنما أنا أعالجها و أعيد لذاتي راحتها . مسح هوگر جبينە الجاف ،کأنە يروم مسح قطرات العار الذي لاحقە من جراء إتخاذ هذا القرار الصعب . ظل يساورە الخوف ، قد يفشل في تنفيذ خطتە ، أو قد يکتشفون نياتە : - نعم إنهم ذئاب ، فهم يکتشفون سر الهواء من حولهم، علي بالصمت ، کثرة الکلام ستجلب المصائب. *** أنتبە رزگار الي ابتعاد هوگر عن المجموعة فهمس في أذن أحمد: - ما بال الرفيق هوگر هذە الأيام ، فهو منزوي وقلما يتحدث مع أحد ، إضافة الي شحوب وجهە الذي يوحي بألم دائم.؟!! - لقد لاحظت ذلک ، إنە جديد و ضعيف العود ولم يتوعد علي هذە الحياة .. قال أحمد هذا ونهض متجها نحو هوگر ، أخذ مکانە علي طرف الصخرة المسطحة قائلا: - الطبيعة جميلة هنا يا رفيق هوگر أنظر الي المنحدر ، فالسماء تبتلع قرص القمر والطبيعة خاشعة ،رٶوس الأشجار والقمم تتلون بلون وردي. قال هوگر : - هم ممهمم. - الطبيعة حزينة في هذا الوقت ، لکن حزنها ممزوج بأمل الشروق ، لذا نجد في هذا الحزن بسمة شفافة کبسمة طفل ينام بسلام. - صحيح ، شئ وقتي .!! - يقال الليل والنهار عاشقان يتعقبان خطوات بعضهما دون لقاء. - ونحن ..! نرکض وراء الليل والنهار ..رکض مستمر ، نتعقب خطوات من لا يلتقيان.!! - إنە الرکض فعلا، لکنە رکض لە مدلولە، حتي رکض الليل والنهار لە مغزاه ..لاشيء يحدث في الطبيعة دون مغزى . - بل کل شيء دون مغزي. - نحن سنمسک شمس الوطن بيميننا ونحرر هذه الأرض الطيبة ، أهناک مغزى أکبر من هذا يا رفيق .؟1 أنظر ألا تشعر بالشموخ وأنت ترافق هذە القمم ، ألا تشعر بأذرع الجبل الحنونة وهي تلتف علي الوديان.؟! - صحيح همهم. - أنا في کل بقعة من هذە الأرض ، أشم رائحة وشاح أمي الأبيض. قال أحمد هذا وأخذ ينظر الي هوگر الذي طوي رأسە الي الأسفل بحزن مخبوء ، حدجە بطرف عينە وأضاف بدهاء مغلف بالحنان : - ألا تشتاق لأمک ياهوگر ؟ إنتفض هوگر لهذا السٶال غير المتوقع وکأن أحدا نغزە بأبرة حادةوقال بعصبية : - کلا ..کلا أنا أبن الوطن الآن ،هذە الأمور التي تحاول إثارتها لا معني لها يا رفيق أحمد !! نعم لا معني لها . - الوطن ..!! کم هو شقي هذا الوطن ، فأنهرە تنساب ولا تنساب وقمرە سرق الأعداء منە الضياء وزمن أعمارنا نحن الکورد تنبت فيها آثار الأحتلال. تنهد هوگر : - آە وألف أە لآثار الاحتلال يا رفيق . - نعم إنها تنمو في نفوسنا ، أحراشا سامة تفقدنا القدرة علي رٶية شقاء الوطن. کل الرياح في ربوع قلوبنا تفوح منها رائحة المأساة التي لم تقدر هذە الأمة أن تحدد عمقها خطورتها حتي الآن. لقد صرنا نحن الکورد کالدابة التي تحمل حملا ثقيلا دون أن تعرف ماهية الأشياء علي ظهرها. رفع هوگر رأسە وأرتفعت حواجبە الصفراء السميکة وقال : - کأنک شاعر يا رفيق أحمد؟ - المأساة ، قد جعلت کل کردي شاعرا دون أن يدري.! - أنا لست شاعرا ، ولکني قد سمعت بأن الشعر يحتاج الي مکان هادئ و راحة تامة ، هنا لامکان لنا للوقوف ، فکيف بالراحة يا رفيقي . - إننا هنا في صفوف الثورة لسنا کشعراء الدنيا حيث يسطرون القصائد علي الأوراق وتکون لهم دواوين منمقة الکلمات بأغلفة أنيقة و ملونة وعناوين ضخمة . لا يا رفيق ، نحن نجسد أفکارنا و هواجس قلوبنا وإلهام شعرنا نصوغە في هذە الثورة المقدسة .! کما ترێ يارفيق منذ (400) عام وسماء هذە البلاد تنتظر إکتمال الهلال وينحرە الأعداء.. وقوس قزح بلادي في کل ربيع يطل بعد انهمار المطر ويغتصب في لحظة الأطلال ..هذە هي قصيدة مأساتنا يا رفيق . - ما هذا يا إلهي ، أنت رائع في الوصف ، لما لا تکتب.؟! ضحک أحمد وبدا الأرتياح علي وجهە ، فهو قد أخرج هوگر من دوامة الصمت،، هذە بداية جيدة لمعرفة المزيد عما يقلقە ، فأضاف : - أکتب ..؟! ما أحسە يتجسد في طلقة بندقيتي يا رفيق .. خارج الثورة ، کل فصاحة الدنيا و کنوزها و دواوين الشعر المصقولة الأغلفة لا تشعرني بشيء طالما الهواء في ربوع وطني محصور بين مخالب الاحتلال .. خارج الثورة و بعيدا عن حلقات الرفاق و همومهم أشعر بالاغتراب .! والمجتمع حين لا يجعل الوطنية دون محور بقاءە ، سوف يسبح في هامات الضباب، تغرق فيها العوائل و تدور في متاهات معدومة الهدف. ظل هوگر في صمتە أمام هذە المحاورة الثقيلة والمٶنسة ، فبادرە أحمد : - ما بالک يا رفيق هوگر ، لماذا لا تتکلم .. هل تشعر بتوعک صحي ، أم انک لا تتفق مع ما أقول ، ناقشني إذا ؟!! - لا ..لا شيء ..فقط أريد أن أکون وحيدا ، قالها هوگر و اختفت نبراتە و کأنە يروم ابتلاع لقمة کبيرة من الکلمات يدفعها بعيدا عن لسانە ، فهو لا يريد التحدث . بادرە أحمد : - منذ أسبوع و أنت جالس وحدک وفي المسير ، تسير دون التفات ، أمتزج بالرفاق و أفتح باب مشاعرک.! - ها أنا معهم .. أسير معهم أأکل معهم فهل بدر مني ما يستوجب المحاسبة يا رفيقي القوميتان ، ثم الحساب عادة يکون في الاجتماع الرسمي.؟! - هذا ليس حسابا و لا أنا أحادثک من موقع مسٶوليتي کقوميتان ،و ما حدثتک بە طوال ذە الساعة لم يکن شعرا و لا من تراتيل الکنائس ، ولا من مواعظ رجال الدين في المساجد ، إنما کان من صميم امتزاج الروح بالثورة والرفاق ..الرفاق قلقون عليک ، نحن هنا عائلة واحدة ، عليک هضم الحوار بشکل أفضل.
نهض هوگر بعصبية وفتح حزامە العسکري مع العتاد جانبا وبدأ بفتح حزام حزام القماش الطويل الملفوف علي خصرە والذي هو جزء من الزي الکوردي و تمتم قائلا : - فليقلقوا علي أنفسهم ، أنا بخير ، عذرا يا رفيق سأذهب الي النهر . - هل تريد أن أرافقک ؟ - لا شکرا.. وأنحدر نحو الوادي يدوس علي الأحراش والصخور بسرعة ، الي حيث خرير الماء وعبق أوراق الجوز الممتزجة بالرطوبة. شعر بارتجافة برد خفيفة تسري في جسدە الدافئ ، فتنفس بعمق کأنە يتخلص من بقايا مأزق مهلک ،کاد رفيقە أحمد يحاصرە و يرغمە علي الاعتراف. بينما بقي أحمد جالسا علي الصخرة يعلک کلمات هوگر في رأسە ويحاول أن يفهمها بشکل أفضل ، عاد هوگر بارتياح جزئي وبدأ بلف أحزمتە المتکومة فوق بعضها يدور حول نفسة وهو يلف حزامە القماشي دورانا أشبە شبيها بدوران أفکارە ولأول مرة يبادر هو بالحديث : - لم تخبرني يا رفيق ،أين سيکون اتجاهنا في المسيرة القادمة ، نحو العراق أم الي إيران ؟ - لا أدري.. حين نصلا لمثلث الحدودي ونستقر في منطقة خاوکورک سنتلقى القرارات الجديدة ،هدا ما قالە القوميتان العام في اجتماع المساء .. ألم تکن حاضرا ؟! - بلا .. کم يبعد المکان الذي تحدثت عنە عن العراق أو إيران ؟ - لم أزرها قبل ، يقال إنها نقطة حدود ، لکن لماذا تسأل ، هل أتبعک السير ؟! - کلا لم أتعب ، لکنە مجرد فضول ؟ - ثم ما بالک يا رفيق ،تسمي المکان بالعراق و إيران؟! - لماذا ؟! - کأنک لست معنا منذ سنة ، ألا تعرف بأن هذە التسميات نابعة من مفهوم التقسيم الذي نرفضە ، أنها کوردستان الأولي هي جنوب کوردستان ضمن الحدود العراقية والثانية هي شرق کوردستان ضمن إيران ، عليک بالتحدث وفق مفاهيم الثورة. - صحيح يا رفيق أنا آسف .. لکن هذا ما تعلمناە عبر الزمن - أشياء کثيرة عودنا عليە واقع التقسيم المرير ، أمورا زرعها الأعداء في عقولنا و حتي عواطفنا كسيحة وهي امتداد لسياسة الأحتلال. کما تدري بأننا هنا في صفوف الثورة نرفضها ونبني لأنفسنا شخصية وطنية حرة ، بدونها لا نقدر علي المقاومة .
- کلامک صحيح ، أنا آسف ، أحيانا تبدر مني کلماتا هي من سلوک المجتمع القديم . - قبل قليل غضبت مني ورفضت قولي بأنک لازلت متأثرا بالحياة القديمة.. هيا أبدأ يا رفيق هوگر بالخطوة الأولي مع نفسک ، وحاول أن تغير مفاهيمک القديمة ، تستبدلها بأخرى تتعلمها من حياة الرفاق والثورة . أعلم بأن الأمر ليس سهلا ولا يمکن إزالة کل التراکمات التي تحوي المرة بلمح البصر. - معک حق . - وأنت أيضا معک الحق ، فالعار الذي لحق بنا عبر التأريخ لا يزول بمسحة منديل.. إنما بالقرار الثابت، فهي الخطوة الأولي نحو الشخصية الحرة. - ماذا يا رفيق ها أنا قد قررت والتحقت بالثورة ، هذا الحديث قد مضي زمانە. - الخطوات أعني بها خطواتنا داخل الذات، نتصارع مع مفاهيمنا القديمة البالية و المزروعة عنوة في شخصياتنا. - أنا معجب بمفاهيمک و أسلوبک يا رفيق - شکرا ، هذا ما تعلمتە من الثورة ولازال الکثير الذي يجب أن أتعلمە، لکي أکون الشخصية الحرة الأبية التي تحتاجها الثورة. صمت هوگر وأخذ يلف الورق علي التبغ و يدخن بشراهة يسحب الدخان بشهيق عميق ويغرق في حوارە القديم الذي تخلخل ميزانە أمام کلمات رفيقە أحمد . إنە يري التحديث ويستمتع بە ، يريد أن يکون جزء من هذا التجديد ، والقديم يقبض علي خطواتە بأنياب حديدية تشدە نحو تلک الحياة.. وهو لايري في نفسە الجرأة للصراخ في وجە الوحش القائم في ذاتە منذ الزمن الغابر المتمثل في تعلقە بأمە و بحياة العائلة وخطبيتە التي ترکها . ***
بدأت فجوة السماء المعتمة بالإنفراج ، هب نسيم الصباح هادئا يترنح في هبوبە ويضرب سحنة الأحراش ضربات حنونة ، توقضها لإستقبال الفجر. لاحت تباشير الضياء فوق القمم الجبلية دبت الحرکة في المجموعة ، يعدلون هندامهم ويعيدوا ربط أشرطة إحذيتهم للإتجاە نحو الساحة التي تتوسط الوادي . کانت زوزان قد تهيأت قبل غيرها ، فجلست علي إحدي الصخور تنتظر رفيقاتها .. فجأة برزت إحدي المقاتلات من بين الأحراش ، إقتربت من زوزان وهي تلهث وقد تتجمد اللعاب في فمها، بادرت زوزان قائلة. - ماذا جري يا رفيقة خبات وکأن سربا من الذئاب تلاحقک.؟!
- تعالي لدي ما أقولە لک وبسرعة ، إنە أمر مهم. أمسکتها زوزان من معصمها وقالت في إهتمام : - هيا تحدثي ، قولي ما لديک. - کلا الکلام لا ينفع هنا ، تعالي معي وسوف أخبرک. نهضت زوزان بخفة وحملت سلاحها ، سارا عدة خطوات ، همست خبات: - لقد هرب الرفيق هوگر . إنتفخ وجە زوزان وجحظت عيناها الدائريتان کحبة العنب الأسود ، وقالت بتعجب مشوب بالغضب: - کيف و متي حدث هذا ، أين ذهب يا تري ؟!! - هيا سأروي لک التفاصيل ، أسرعي يجب أن نبلغ المقر قبل تحية الصباح . - کان معنا منذ أن بدأنا المسيرة من منطقة شمزينان ، کان القنوط يکتنفە ، تصورت بأن السير قد أتعبە ، ربما لم يهرب بل حدث لە مکروە ، فهو لا يعرف طرق المنطقة . بلعت زوزان ريقها وأضافت: - حاذري من إطلاق کلمة الهارب عليە بدون أدلة ، فأنت تعرفين عقوبة الإدعاء الکاذب . - أنا أيضا في البداية وضعت جميع الاحتمالات ، لکنە قد هرب فعلا. مدت خبات يدها الي جيب شروالها العسکري وأخرجت ورقة مطوية وهي تقول : - کان قد علق هذە الورقة علي بندقيته ، ترکها مع العتاد والراديو الصغير عند نبع الماء. - کان متوترا طوال الوقت ، لماذا لم ننتبە ؟!! فتحت زوزان الورقة وقالت : - هذە الحروف العربية لا أفهمها ، أقرئيها بدقة - الحروف بالعربية ،لکنها مکتوبة بالکوردية ، في الجنوب يستعملونها ، الحروف اللاتينية کانت ممنوعة . - هيا أسرعي أرجوک ،ليس لدينا وقت لشرح تأريخ الحروف. - العبرة ليست في القراءة إنما الخط رديء ، لقد قرأتها أکثر من مرة ، الذي فهمتە ( ها هي بندقية الثورة والراديو والعتاد ، فهي أمانة أردها الي أصحابها ، أنا لست بلص ولا بخائن، إني راحل لأنني لا أتحمل هذە الحياة ) ..همهمت خبات و أضافت : - هناک أشياء أخري قد کتبها ، رسالة أمە و موضوع خطيبتە التي خيرتە بينها و بين الثورة ..کلها عبارة عن شرح ظروفە الذاتية. - من وجد الورقة ؟ - أنا ، انتهت خفارتي قبل الفجر ، أيقظت الرفيقة ليلي لتحل محلي ثم اتجهت نحو النبع لأغتسل ، وجدت البندقية مسندە علي جذع شجرة قرب الطريق المٶدي الي الساحة.. تعجبت وقلت من يکون هذا الذي ترک سلاحە هکذا ، ظننت بأن صاحبها قد ذهب لقضاء الحاجة. انتظرت عودة صاحبها ، تهيأت لانتقادە علي هذا الإهمال ، بقيت أکثر من ربع ساعة دون جدوى ، وأخيرا اقتربت لأرجع السلاح الي لجنة الانضباط ويدفع صاحبە ثمن إهمالە ، عندها رأيت الورقة معلقة في رأس البندقية. وصلا الي مقر قيادتهم وبلغا عن هروب هوگر وسلموا الرسالة الي قائد الرتل وکأنهم يسلمون وصايا ميت الي عائلتە. بعد صمت قليل قال القائد : - هناک من يدعي بتکامل شخصيتە الثورية ، إنما يخدعون أنفسهم بهذا الإدعاء، فبمجرد ظهور الظروف الملائمة تظهر شخصيتهم القديمة ، حالة هروب هوگر قد حصلت لحظة الانقياد الي الماضي. قالت زوزان : نحن متأسفين لهذا الحدث غير المتوقع يا رفيق . - إنها حقيقة الثورة فالضعفاء لا يقدروا العيش فيها،و لکن کيف لم تلاحظوا وضعە ، کان لابد من مٶشرات ظاهرة عليە ، هذا إهمال غير مقبول من الرفاق ، هيا أنت يا رفيقة زوزان بلغي مجموعتک بکتابة تقاريرهم حول وضع هوگر ، وليأتي قوميتان مجموعتە فورا . صار الرتل خلية نحل هائجة الحرکة ، يعصروا ذاکرتهم ليسطروا المعلومات علي الأوراق..وأکثرهم هياجا کان القوميتان أحمد ، فحسابە أعسر لأن الهارب هو من مجموعتە. قبل أن يحل المساء کانت التقارير قد سلمت ، والرفاق الذين ذهبوا للبحث عن هوگر في جميع الأتجاهات عادوا خائبين وساد الصمت في المکان.
*** خرج هوگر من تحت الصخرة التي اختبأ فيها طوال النهار بعد مسيرة ليلة کاملة .حرک جسمە يمينا ويسارا، ترأي لە وکأنە عاري بدون حزام العتاد الذي لم ينزعە طوال سنة إلا وقت الأستحمام ..وبدون بندقية فقد أنستە الآمنة. - أخذ يسير باتجاە عکسي لسيرە وهو يعلک کلمات رفيقە أحمد: ( تنمو في نفوسنا ، أحراشا سامة تفقدنا القدرة علي رٶية شقاء الوطن) (أشم رائحة وشاح أمي الأبيض في کل بقعة من هذا الوطن) .
عندما صار الفجر يعلن عن نفسە کان هوگر جالسا وسط الساحة بعيون دامعة ، ينتظر قدوم مجموعتە لأداء تحية الصباح.
#سرفراز_علي_نقشبندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المندیل الأبیض
-
ولیمة الفطر
-
المکیال
-
أأنت عارف بشیمة المطر
-
لا لسنا سیان
-
صباحیات أربیل
-
مجنون عند عتبة لوزان
-
حصیلة النداء
-
من سیکون (فیلي براندت ) العراق
المزيد.....
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|