أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يعقوب ابراهامي - ردّي على عتريس المِدَح















المزيد.....

ردّي على عتريس المِدَح


يعقوب ابراهامي

الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 18:41
المحور: القضية الفلسطينية
    


"إن صدام حسين هو اكبر صهيوني" - ("الحوار المتمدن" - 2012 / 12 / 21) - ادم عربي يُلقي قنبلة إعلامية ويُحدِث ثورةً في مفهوم الصهيونية.

" يعقوب ابراهامي = سيلوس العراقي = الابارتهايد" - ("الحوار المتمدن" - 2012 / 12 / 22) - كاتب مجهول الهوية يحاول أن يُثبت المستحيل ويقع مباشرةً في قبضة الرقيب المتربص.

في الجزء الثاني من مقاله حول "الصهيونية اليسارية" يوجه السيد عتريس المدح كلامه بصورةٍ خاصة "إلى كل من يعقوب ابراهامي وسيلوس العراقي وحميد خنجي .... الخ من جوقة الرداحين (؟)"، ويحذّرهم قائلاً: "لا تهربوا أيها المتحذلقون من هذه الحقيقة" (وسبحان الذي حوّل "الرداحين" إلى "متحذلقين" بين عشية وضحاها. وسبحان الذي سرعان ما حوّل "المتحذلقين" إلى "متفهلوين").
قد أفهم أن سيلوس العراقي (الذي لا يدع معركةً فكرية تفوته إلاّ ويخوضها) ينتمي إلى جوقة "الرداحين" و"المتحذلقين" (أو باختصار: "الشلة") ولكن لماذا حميد خنجي؟ ما عدا مما بدا؟

على كل حال مقال السيد عتريس المدح (بكسر الميم وفتح الدال) يكشف عن نقاط الضعف التي يعاني منها خصوم "الشلة" وأقسامٌ كبيرة من اليسار العربي الشيوعي في فلسطين واسرائيل في موقفهم من "القضية الفلسطينية": إنعدام الرؤيا الواضحة، غموض الشعارات، التمسك بمفاهيم قديمة، نظرية المؤامرة، الإحجام عن مواجهة شعبهم بالحقيقة، عدم استخلاص الدروس من أخطاء الماضي، "لم ينسوا شيئاً و لم يتعلّموا شيئاً"، سايكس بيكو، الصهيونية الصهيونية الصهيونية، وأخيراً وليس آخراً الطامة الكبرى: حسين شعبان حسين الذي يعتقد أن مجرد وضع اسم "اسرائيل" بين "قوسين" كفيل بمحو دولة اسرائيل من الوجود (غلطة ارتكبها العرب في الماضي عندما أصرّوا على تسمية اسرائيل بالدولة "المزعومة"، إلى أن استيقظوا ذات يومٍ وإذا بهذه الدولة "المزعومة" قد ابتلعت كل فلسطين. لا مزعومة ولا بطيخ. مصير"اسرائيل" حسين شعبان حسين سوف لا يكون أفضل من مصير "مزعومة" أحمد الشقيري.)

المقال الحالي، وإن جاء متأخراً، هو بمثابة تعليق وعدتُ بتقديمه على مقال السيد عتريس المدح.
في هذا المقال-التعليق سوف أتناول باختصارٍ شديد أهم النقاط التي جاءت في مقال السيد عتريس وكذلك تلك التي أثارها المعلقون في النقاش الذي دار حوله.

حدود النقاش:
أريد أن أؤكد في البداية أن النقاش بيني وبين السيد عتريس المدح (وبين "الشلة" وخصوم "الشلة") لا يدور حول الإحتلال الأسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أو حول مسؤولية حكومة اسرائيل واليمين الأسرائيلي عن الفشل في الوصول إلى اتفاق سلام اسرائيلي-فلسطيني. الخلاف الوحيد الذي يمكن أن ينشأ بيننا في هذا الصدد هو أنني أحمل اليمين الإسرائيلي المتطرف مسؤولية أكبر مما يحمله أياها عتريس المدح واليسار العربي الشيوعي. أنا أحارب اليمين الإسرائيلي المتطرف لأنه يقود اسرائيل في طريق ستؤدي في نهايتها، إذا نجحت، إلى نهاية اسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية وإلى القضاء على المشروع الصهيوني برمته.
لا عتريس المدح، لا علي الأسدي ولا أحدٌ غيرهما (حتى ولا "الفارس" المغوار وبالتأكيد لا ادم عربي) يمكنه أن ينافسني في عدائي لليمين الإسرائيلي المتطرف، للإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، للمستوطنين الفاشست اليهود ولكبير المحتالين والمراوغين بنيامين نتنياهو.
خلافي مع عتريس المدح (ومع خصوم "الشلة") لا يدور في هذا النطاق على الإطلاق.
هذا إيضاح كان لا بد منه بعد أن ألصق بي علي الأسدي في أحد تعليقاته الإتهام التالي: "ابراهامي يحاول دائما أن يحسن صورة الصهيونية ويحاول اسقاط الطرف الآخرالذي يفضح وجهها القبيح الشوفيني العنصري والنازي". وسوف لا أعود إلى هذا الموضوع ثانية.

خلافنا مع خصوم "الشلة" يدور حول نقطة تؤلف في نظري محور الصراع اليهودي-العربي منذ أن ظهر هذا الصراع على مسرح التاريخ: العرب (وأنا أعرف أن الجانب اليهودي لم يكن مؤلفاً دائماً من ملائكة وحمامات سلام) رفضوا، بصورة مطلقة، قيام وطنٍ قومي لليهود في أي جزءٍ من فلسطين، مهما كان حجم هذا الجزء ومهما كان شكل النظام الذي يسود فيه. وقد عبر عتريس المدح عن ذلك عندما أوضح بصورةٍ لا تقبل الشك ان الحل الذي يراه للصراع ولمستقبل العلاقة بين الشعبين لا مكان فيه لإسرائيل:
"قد تكون اسرائيل امر واقع لكن بالنضال الاممي سنزيل دولة اسرائيل لنحل محلها دولة اخرى للعرب واليهود يعيشون فيها متساوين بالحقوق والواجبات لا تمييز فيها بين عرق وعرق ودين ودين واشكنازي و سفارديم. هل يمكنكم أن تقبلوا ذلك؟ ردوا ان كنتم تستطيعون ودون مواربة"
لن أتهرّب وسأرد في نهاية المقال على سؤال السيد عتريس المدح دون مواربة، وحتّى دون أن أسأله من هم هؤلاء ال"نحن" في "سنزيل"؟ وإلى أن "نُزيل" اسرائيل ونعيش في رغدٍ وبحبوحة ماذا نفعل؟ يقتل بعضنا بعضاً؟ في الوقت الحاضر أريد أن أرد على بعض الأسئلة الأخرى التي أثارها عتريس المدح في مقاله.

"عرفوا لي مفهوم الشعب وبطريقة علمية إن كنتم على هذا القدر من الثقافة واليسارية" – يتحدانا عتريس المدح.
لا أعرف ما علاقة اليسارية بتعريف مفهوم الشعب. "الشعب" هو حقيقة موضوعية تاريخية، قد تكون غامضة وعسيرة على التعريف، ولكن لاعلاقة لها بالمواقف اليسارية أو اليمينية لأفراد هذا "الشعب" أو ذاك.
كما أنني لا أعرف بالضبط ماذا يقصد عتريس المدح ب"الطريقة العلمية" لتعريف مفهوم "الشعب". ما هي المقاييس التي سنقرر بموجبها ما هو التعريف "العلمي" وما هو التعريف "غير العلمي"؟ ومن الذي سيقرر ذلك؟
لنفترض مثلاً أن هناك تعريف (أ) لمفهوم "الشعب" وهناك تعريف (ب) لمفهوم "الشعب". كيف سنعرف أيّاً من هذين التعريفين هو التعريف "العلمي"؟
ولنفترض أيضاً أن مجموعة بشرية معيّنة تشعر وترى نفسها شعباً وفقاً لتعريف (أ)، أو حتّى دون أن تجهد نفسها في البحث عن تعريف مناسب، وبناءً على شعورها الذاتي هذا تعمل على تنظيم نفسها في دولةٍ مستقلة. هل سيطالبها عتريس المدح بأن تحلّ نفسها بحجة أن تعريف (ب) لا تعريف (أ) هو في نظره التعريف "العلمي" الصحيح لمفهوم "الشعب"، وكل تعريفٍ آخر لا يمكن أخذه في الحسبان على الرغم من الشعور الذاتي الحقيقي لهذه المجموعة البشرية؟
هل المجموعة البشرية نفسها هي التي تقرر إذا كانت شعباً ، أم إن من هو خارج المجموعة البشرية هو الذي يقرر لها ذلك ويفرضه عليها؟ ألا يذكّرنا هذا بظاهرة القطة التي تحرس سطل الحليب؟

الجواب على هذه التساؤلات هو في نظري كما يلي:
ليس هناك تعريفٌ "علمي" واحدٌ لمفهوم "الشعب" يصلح لكل الشعوب في كل مكان وفي كل زمان.
كل المحاولات لإيجاد تعريف واحدٍ ل"الشعب"، ينطبق على كل الشعوب، باءت حتى الآن بالفشل. الحياة نفسها تغلبت على التعريفات المصطنعة، تجاوزتها وألقت بها في مزبلة التاريخ.
كلّنا تثقفنا على التعريف الستاليني الشهير لمفهوم "الشعب". هذا التعريف "العلمي" حصر مفهوم "الشعب" في اربعة مزايا لا بد أن تتوفر كلها في المجموعة البشرية لكي يحق لها أن تطلق على نفسها لقب "الشعب"، ويكفي إنعدام ميزة واحدة فقط من هذه المزايا لكي تفقد المجموعة البشرية حقها في أن تُسمّى "شعباً". خلال عشرات السنين كان هذا التعريف (الميكانيكي، غير الماركسي وغير الديالكتي) يؤلِّف الأساس الذي بنت عليه الحركة الشيوعية العالمية موقفها من "القضية اليهودية". ولكن هذا التعريف فشل، أول ما فشل، في الإتحاد السوفييتي نفسه عندما قامت الجمهورية اليهودية السوفييتية ذات الحكم الذاتي: بيروبيجان.

(في كل هذا البحث تجنبتُ الخوض في موضوع معقد آخر هو التمييز بين مفهوم "الشعب" ومفهوم "الأمة". هذا تمييز لا أريد الدخول فيه لسببين (إضافة لضيق المجال): الأول هو أنني لا أملك الآليات الفكرية اللازمة لخوض هذا الموضوع. السبب الثاني هو أن النقاش يدور دائماُ حول السؤال: هل إن اليهود يؤلفون شعباً أم لا؟)

اليهود: شعبً أم طائفة دينية؟
الحياة نفسها أجابت على هذا السؤال ومن العبث الإعتمادعلى ما قاله لينين حول هذا الموضوع قبل أكثر من قرن في نقاشه مع "البوند"، على الرغم من أهمية ذلك من الناحية التاريخية. (وبالمناسبة، عزيزي خالد أبو شرخ، منظمة "البوند" لم تكن منظمة صهيونية بل كانت الخصم اللدود للحركة الصهيونية في أوساط العمال اليهود في روسيا وشرق أوربا. يمكنك أن تثق بمعلوماتي هذه. أنا لستً ممن "يخترع" أحداثاً تاريخية أو "يصحّح" التاريخ).
إذا كان من الصعب إيجاد تعريف لمفهوم "الشعب"، أي شعب، فإن هذا يصدق بصورةٍ خاصة على "الشعب اليهودي"، وليس من المستبعد أن تكون ظاهرة "الشعب اليهودي" ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ.
ليس هناك جوابٌ حاسمٌ متفقٌ عليه حتى الآن على السؤال: "من هو يهودي؟".
كل تعريف ل"الشعب اليهودي" يُخطئُ هدفه إذا انحصر في جانبٍ واحد فقط من العلاقات التي تربط يهود العالم ومن الخصائص التي تميّزهم: الدين، العرق، التاريخ الحقيقي أو الإسطوري، الحنين إلى "أيريتس يسرائيل"، الثقافة، التقاليد، الذكريات، اللغة، الشعور بالمصير المشترك، إلخ.
الشعب اليهودي هو مجموعة بشرية صهرتها تاريخيّاً عوامل مختلفة ومتباينة ترك كل منها أثره فيها: عوامل عرقية، دينية، ثقافية وقومية.
المنشأ التاريخي لليهود يرتبط بفلسطين. ألفي سنة قبل الميلاد ظهر العبريون بني اسرائيل القدامى على مسرح التاريخ في إيريتس يسرائيل (أرض اسرائيل : فلسطين). وبعد أن شُرِّدوا منها على أثر الإحتلال الرومي حافظ اليهود، عبر مئات السنين، على ارتباطهم التاريخي والديني والقومي والعاطفي بفلسطين.
دولة اسرائيل التي قامت بعد المأساة (الهولوكوست) التي حلّت بالشعب اليهودي في الحرب العالمية الثانية، هي تحقيقٌ لهذه الصلة التاريخية التي ربطت الشعب اليهودي، خلال حوالي 4000 سنة، بإيريتس يسرائيل (فلسطين).

ومع ذلك: من هو يهودي؟
موشيه سنيه (أحد قادة الإنشقاق عن الستالينيين في الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الستينات من القرن الماضي) كان يقول: يهودي هو كل من يقول عن نفسه، بحسن نيّة، أنه يهودي.
جان بول سارتر كان يقول: يهودي هو كلّ من يقول عنه الآخرون أنه يهودي.

عتريس المدح يتحدّث في مقاله عن "ما يُسمّى الشعب اليهودي". سبق أن أشرتُ، في مناسبةٍ سابقة، إلى السخرية في ظاهرة عجيبة هي أن إبناً لشعبٍ لم يستطع حتّى الآن أن يقيم لنفسه حكومة موحدة، يهزأ من شعبٍ آخر (ما يُسمّى (!!) الشعب اليهودي) قام من بين الأنقاض وأنشأ دولةً عصرية.

"الفكر الصهيوني الاوربي قام على أساس أن اليهود شعب الله المختار":
ليس واضحاً لماذا يلجأ عتريس المدح إلى هذه الأكاذيب. هناك الكثير مما يمكن مناقشته ومعارضته وتفنيده في "الفكر الصهيوني الأوربي". لماذا اللجوء إذن إلى إكذوبة "شعب الله المختار"؟
أين قرأتَ ذلك عتريس المدح؟ قل للقراء في أي كتابٍ من كتب مؤسسي الفكر الصهيوني في أوربا وجدت إشارة إلى أن البهود هم "شعب الله المختار"؟ كي استنتجت أن الفكر الصهيوني الأوربي قام على أساس أن اليهود هم "شعب الله المختار"؟ على ماذا استندت في ذلك؟
هذه أسئلة عليك أن تجيب القراء عليها إذا كنت تريد أن يتناولوا ما تكتبه بجدية واحترام.

(قد يكون من الشيق هنا أن نذكر كيف كان العلاّمة والفيلسوف المتدين، يشعياهو لايبوفيتش، يفهم "الآية الإلهية" التي جاء فيها: "لقد اخترتكم من بين كل الشعوب لكي تعبدوني".
هذا ليس امتيازٌ مُنح لشعب اسرائيل يميّزه عن باقي الشعوب – كان العالم المتدين لايبوفيتس يقول - بل هذا هو واجبً فُرِض على شعب اسرائيل بأن يكون في سلوكه الأخلاقي قدوةً لباقي الشعوب.)

على أمرٍ واحد نتفق أنا وعتريس المدح دون أدنى شك: إن شعباً ينتخب بنيامين نتنياهو زعيماً له لا يمكن أن يكون "شعب الله المختار". وأن جنديّاً إسرائيليا يمنع عتريس المدح من رفع العلم الفلسطيني فوق أرض وطنه لا يمكن أن ينتمي إلى "شعب الله المختار".

نظرية المؤامرة:
الصهيونية ليست مؤامرة حيكت بليل ضد الشعوب العربية وضد عرب فلسطين. اسرائيل لم تقم لأن "إقامة الكيان الصهيوني كحارس لمصالح الغرب الامبريالي ودعمه بالمليارات والموارد والاسلحة أرخص كلفة باستغلال الدم اليهودي من الوجود العسكري المباشر لقوى الاستعمار". هذا لغو يشير إلى قصور ذهني في أحسن الأحوال وإلى شعوذة في أسوئها.
التاريخ ليس سلسلة من مؤامرات تُحاك في الخفاء بل سلسلة من حركات وهزات وثورات إجتماعية وفكرية واقتصادية. (التاريخ هو أيضاً سجل لحماقات الإنسان، مآسيه وجرائمه - كما يقول المؤرخ من القرن الثامن عشر إدوارد جيبون).

بدل "نظرية المؤامرة" أريد أن اقترح "نظرية القصتين".
الحركة الصهيونية هي حركة قومية وليست "مؤامرة". الصهيونية هي حركة لأقامة وطن قومي للشعب اليهودي في وطنه القديم. في هذا الوطن، فلسطين، اصطدمت الحركة القومية للشعب اليهودي (الصهيونية) بحركة قومية لشعبٍ آخر يرى هو أيضاً في فلسطين وطناً له.
الصراع الإسرائيلي-العربي هو في جوهره صراع قومي بين شعبين على قطعة أرضٍ واحدة. في هذا الصراع لكل طرفٍ من الطرفين قصته الخاصة عن هذا الصراع. شعبان- قصتان.
المصالحة التاريخية الكبرى بين الشعبين سوف تتم لا بأن يتنازل أحد الشعبين عن قصته هو، بل بأن يتبنى كل شعبٍ قصته هو في الوقت الذي يعترف بشرعية قصة الشعب الثاني.
مُعقّد؟ بالتأكيد. لكنه أسهل بكثير من أن يحاول كل طرفٍ أن "يُزيل" الطرف الآخر.

"الشلة المتصهينة":
الحرب التي يشنها خصوم "الشلة" على الصهيونية واتهام اعضاء "الشلة" ب"التصهين" هي حربً دونكيشوتية على طواحين هواء.
الحديث السياسي في اسرائيل لا يدور حول الصهيونية. لا أحد في اسرائيل يتناقش حول الصهيونية. الإستقطاب السياسي في اسرائيل هو ليس بين "صهاينة" و"معادين للصهيونية" بل بين مناوئين للإحتلال ومؤيدين للإحتلال.
كثيرون في اسرائيل يعتقدون أن الصهيونية أنهت مهمتها التاريخية بإقامة دولة اسرائيل وأننا نعيش الآن في عهد "ما بعد الصهيونية". لا شيء يربط الصهيونية باستعباد شعبٍ آخر واحتلال أراضيه.
الحرب التي يشنها خصوم "الشلة" على الصهيونية واتهام أعضاء "الشلة" بالتصهين تخفي وراءه جدباُ فكرياً وعجزاً عن مواجهة الخصوم الفكريين بالحجة المقنعة. أحياناً تفوح منها رائحة كريهة لا تليق بمثقفٍ يساري.

هل هناك يسار صهيوني؟
هذا ليس سؤالاً نظريّاً بل سؤالاً عمليّاً. الجواب على هذا السؤال لا نجده في كتبٍ صدرت قبل أكثر من قرن بل في الواقع العملي اليوم في اسرائيل.
هل هناك اليوم في اسرائيل قوى سياسية تدافع عن حق اسرائيل في الوجود وتحارب كل محاولةٍ لنزع الشرعية عنها (وهذا في الواقع هو كل ما تعنيه الصهيونية اليوم) وفي الوقت نفسه تدافع هذه القوى السياسية نفسها عن حقوق الإنسان الفلسطيني ، تناضل ضد السيطرة على الشعب العربي الفلسطيني، تعمل من أجل أنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية ومن أجل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل؟
إذا كان الجواب على هذا السؤال بالإيجاب فأن هناك يسار صهيوني. وللإجابة على هذا السؤال يمكننا أن نتكفي بقراءة الصحف الإسرائيلية. من أجل هذا لا يجب الرجوع إلى ما كتبه لينين.

دولة يهودية ديمقراطية:
"دولة يهودية" ليس معناها دولة تسير وفقاً للشريعة الدينية اليهودية. "دولة يهودية" تعني فقط (وهذا ال"فقط" هو طبعاً شيءٌ كبيرٌ جدّاً) إن دولة اسرائيل هي التعبير العملي، على أرض الواقع، لحق تقرير المصير للشعب اليهودي.
"دولة ديمقراطية" تعني أنها دولة كل مواطنيها. "دولة ديمقراطية" تعني أن دولة اسرائيل لا تميّز بين مواطنيها على أساس الجنس، العرق، القومية أو الدين (هذا طبعاً بعيدٌ جداً عمّا يجري على أرض الواقع اليوم).

هل هناك تناقض بين مفهوم "الدولة اليهودية" ومفهوم "الدولة الديمقراطية"؟
هناك بالتأكيد تناقض بين المفهومين. لكن الحياة الحقيقية (لا الخيالية) مليئة بالتناقضات. وهذا التناقض هو من نوع التناقضات الديالكتيكية التي أحبها. كل الحكمة في الحياة هي أن تعرف كيف تحلّ التناقضات الديالكتيكية.

"وثيقة الإستقلال"، التي هي بمثابة القانون الأساسي لدولة اسرائيل، عبّرت عن هذين المفهومين كما يلي:
"ستكون دولة إسرائيل مفتوحة الأبواب للهجرة اليهودية وللم الشتات، تدأب على تطوير البلاد لصالح كل مواطنيها، تستند إلى دعائم الحرية والعدل والسلام مستهدية بنبوءات أنبياء إسرائيل, تحافظ على المساواة التامة في الحقوق اجتماعيًا وسياسيًا بين جميع موطنيها دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس، تؤمن حرية العبادة والضمير واللغة والتربية والتعليم والثقافة وتحافظ على الأماكن المقدسة لكل الديانات وتكون مخلصة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
ليس هناك اليوم في اسرائيل عدوٌّ ل"وثيقة الإستقلال" أكبر من اليمين الإسرائيلي.

"دولة يهودية ديمقراطية" هو شطرٌ واحدٌ فقط من المعادلة.
الشطر الثاني من المعادلة (ومن قرار التقسيم) هو "دولة عربية ديمقراطية": دولة تعبر عن حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وتكون في الوقت ذاته دولة كل مواطنيها.

حل الدولتين:
حلم "حل الدولتين" يبتعد يوماً بعد يوم وفي الأفق يلوح غول "الدولة الواحدة".
هذه "الدولة الواحدة"، عزيزي عتريس المدح، سوف لا تكون "دولة للعرب واليهود يعيشون فيها متساوين بالحقوق والواجبات لا تمييز فيها بين عرق وعرق ودين ودين واشكنازي و سفارديم"، بل ستكون دولةً يذبح فيها العرب واليهود بعضهم بعضاً.
نحن لا نعيش في عالمٍ مثالي. كل المحاولات في التاريخ المعاصر لحل النزاعات القومية في إطار دولة واحدة انتهت في نهاية الأمر لا بتعايش مشترك بل بتقاتل مشترك.
لا بديل في الوقت الحاضر عن حل الدولتين وإن كان هذا الحل يبدو بعيداً. كل حل آخر هو ضمانة أكيدة لاستمرار الصراع .
لذلك فعلى التحدي الذي تلقيه نحوي: "هل يمكنكم أن تقبلوا ذلك؟ ردوا إن كنتم تستطيعون ودون مواربة، إعلن ذلك يا سيد أبراهامي ان كان ممكنا ولننهي هذا السجال " - جوابي هو: لا.



#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى علي الأسدي
- بعد العاصفة - 2
- شعبان - دولتان
- بعد العاصفة-1
- بيان شخصي
- ذو الرأيين : جوابي لعلي الأسدي
- صهيوني عجوز يتصابى
- المواقف الخاطئة لخالد أبو شرخ
- علي الأسدي يدافع عن الشرّ المطلق
- سنة 5773 للخليقة : عام سعيد
- علم أسود في سماء الربيع العربي
- خارطة طريق إلى الوراء
- هل أنت صهيوني يا غروميكو؟
- هذا هو ردي على الأسدي
- هل أنت صهيوني يا يعقوب؟
- لم يفهموا كارل ماركس في يومٍ من الأيام
- أين أخطأ كارل ماركس؟
- والتيار الكهربائي ما زال منقطعاً
- حسني مبارك هو ليس صدام حسين
- فائض الحماقة : ردي على حسين علوان حسين-2


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يعقوب ابراهامي - ردّي على عتريس المِدَح