أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد الحميد عبود - مفكرة ثورجي في الثورة السورية (1)















المزيد.....


مفكرة ثورجي في الثورة السورية (1)


عبد الحميد عبود

الحوار المتمدن-العدد: 3946 - 2012 / 12 / 19 - 16:08
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


ملاحظات لا بد منها
ملاحظة أولى : النص يحترم قواعد اللغة العربية اجمالا الا في حالة الأسماء الخمسة أبو فلان ، فهي جامده في حالة الرفع (أبو ) لا أعربها نصبا ولا جزما (أبا أبي ) الا فيما ندر
ملاحظة ثانية : هناك بعض الكلمات المحكية أقحمت قصدا حفاظا على جمالية الكلام وعفويته ، فالناس في سوريا تتكلم بالدارجة السورية المحكية وليس العربية الفصحى ،أحاول قدر المستطاع التخفف من حالات الاعراب ، آملا ان يأتي يوم ونتخفف منها نهائيا ،
ملاحظة ثالثة : اخترت العنوان المباشر " مغامرات ثورجي في سوريا " حفظا للوضوح وللعقل العربي المباشر ، اما كلمة ثورجي فقد استعملتها حفظا للالتباس ، فهي في سوريا تعني ثوري بينما حسب الاصطلاح العربي تعني ثوري مزيف
ملاحظة رابعة : أسماء السوريين الواردة هي أسماء حقيقية ، فهم يحاربون النظام علنا ولم يعودوا يخشونه
ملاحظة خامسة : أسماء غير السوريين من أيور الثقافة هي ايضا حقيقية وأن لم يعجبهم كلامي فليبلطوا البحر
ملاحظة سادسة ، نشرت هذا السرد في موقع المندسة السورية بعض القراء الذين تحاملت على قريتهم تحاملوا علي وقالوا انت ايش جابك لقريتنا؟ وبعضهم أعجب به فقال لي انت ليش ما مريت على قريتنا ؟
ملاحظة أخيرة : أعرف إني مجرد كومبارس أخرس ولكني سأظل أصرخ نكاية بالطرشان فكل حقيقة أكتمها تصير غرغرينا في دمي

سوريا يا حبيبتي

ما أحوجني لأن أكون سورياً ولو لمرة أخيرة
ما أحوجني لأن أكون في سورية ولو لمرة أخيرة
تحتاجني سوريا لأني بأمَسْ الحاجة إليها
سوريا أنثى جميلة وكل ما لا يُؤنَّثْ لا يُعوَّل عليه
أحتاج لمغامرة جمة حتى أتسوْرَن أنا الذي رفضت ان أصير فرنسيا
ترى لماذا لا يشكل العربان فيالقا جمهورية لنصرة الثورة السورية ؟ هل يكون الرابط الذي يربط الأمريكي همنغواي والفرنسي مالرو بالجمهورية الإسبانية الوليدة أقوى من الرابط الذي يربط الغيطاني ومستغانمي بالثورة السورية ؟ بقناعتي فإن الكلمة الحرة أقوى من هدير الميغ المغيرة، لكن المثقفين العربان ( الله يستر عليهم كلهم ) مُش خَرْج، لا يحبون الموت لأنهم يكرهون الحياة ،يفضلون مهرجان الشعر في لوديف على مهرجان الثورة في حلب، يفضلون النوم في فنادق خمس نجوم على النوم في خنادق الثوار، لا يحبذون الخطر ولا ينزلون من أبراجهم العاجية، ان أبعد مدى يمكن ان تذهب اليه مغامرة المثقف "أبو عرب" هو ان يسافر على صفحات النت، لهذه الأسباب (وغيرها ) أضع نفسي خارج سرب الثقافة، وأعرِّفُ نفسي على إنني رحالة ومغامر مش مثقف، أنا علامة فارقه مع القطيع الثقافي، أنا فلسفة مضادة، هناك ألف من يحمل اسمي ولكني وحيد وفريد، شهادة بوعزيزي أيقظت النخوة في الكسالى الأغبياء والبليدين من أمثالي، أصبحت أجيد الكلام الطليعي في التكتيك والاستراتيجية وأميِّز التناقض الرئيسي من الثانوي، لور صديقتي قالت " سوري ضد سوري، ما دخل الفلسطيني ؟" دخلني ونص، حرية سوريا حريتنا كلنا، هذا البلد مش أي بلد، فيه مقامات صلاح الدين الأيوبي ومحي الدين بن عربي وخالد بن الوليد وأضرحة آل البيت والقديس سمعان العامودي ومار مارون، كان يحكم نصف العالم من الجامع الأموي، ان تموت(ي) علشان حلب أشبه بأن تموت(ي) من أجل غدانسك، لكن الذين سكتوا عن موت غدانسك، ماتوا بدورهم في معسكرات الموت، فالصمت مشاركة في الجريمة، وسيف الاستبداد مسلط على رقاب الكل، (فلسطينيين وسوريين ) عندما قطع رقاب الأخوان المسلمين سكتتُ لأني مش إخونجي، إذ نكَّلَ بالمعارضين قلتُ يصطفلوا فأنا مش معارض، وحين سفك دماء الكرد لم أعترض لأني عربي، وعندما شُهر هذا السيف بوجهي لم يقل أحد شيئا لأنه لم يبق هناك من يعترض، تفهميني، أنا الواحد في لعبة الجميع، وأصرخ اليوم من حذري غدا، ان تكون (ي) حرا يعني ان تريد(ي) الحرية للسوريين، ليس المهم هو تفسير العالم بل هو تغييره، اذا لم تكن الفكرة عبثية في البداية فلا حظ لها بالنجاح، أنا غاوي أفلام أكشن، أنا مجنون ولكن بشكل عاقل، لور تريدني في الملموس وأنا دائما في المجرد، تظن ( وهي محقة تماما) أن كتابتي عن المغامرات غير مجدية ماديا، فليس ثمة عرب يقرئون، روايتي الأولى نُشرت ولم تنتشر، مقالاتي لا تُنْشر، فأنا من الممنوعين من الصرف بالنسبة لجرائد تعتاش من النفط الذي أطالب بحرقه ،روايتي الثانية لم ينشرها أحد ،لور أصرّتْ عليّ لأغيِّر مهنتي، ان أبحث عن عمل في مكتب العمل قلت لها " الكتابة ( بالعربية) مهنتي، الفوكاسيون بتاعي، أنا مثل قسيس يخدم كنيسته بكل قلبه، لو فرضنا ان الكنيسة فرغت من المؤمنين فهل يجب على القسيس ان يغير مهنته ! أم يقفل الكنيسة ! أم يتشبث بها أكثر، لفراغها ! أيوه، سأبحث عن عمل في حلب، أنا مُشْ كسلان ولكني لا أعمل إلا ما يشبهني، من عنده عقل لا يجهد جسده، فبعد إسقاط الموزة بواسطة عصا طويلة إختصر الإنسان على نفسه الصعود للشجرة، هذا المجتمع الشرموط يحتاج لوعَّاظ من طراز عمرو خالد، لشيوخ من طراز قرضاوي، لممثلين من شاكلة هيفاء وهبي، لمهرجين من فصيلة عادل إمام، ألا يحتاج لكُتّاب؟ لمغامرين ؟ لا أستطيع ان أقترف نفس الأعمال التي يعملها القطيع لأني أستطيع ان أعمل أشياءاً يعجز عنها القطيع، بوسعي ان أكتب عن الطابو الذي يتجنبه الكتبجية، ان أسافر حيث لا يسافر السياح، أن أغامر حيث لا يغامر العربان، أنا العربي الوحيد الذي بوسعه ان يكتب عن حلب من قلب حلب، أنا المثقل بطمأنينتي، كنت دائما أشعر ان أرضُ ميعادِي هي تلك التي لست فيها، وأن المكان الذي أنا فيه هو المكان الخطأ، ان تغامر هو ان تعيش أبعد، أعلى، أقوى، أخصب، أخلص، أنقى، أن تبدأ كل شيء من جديد، فتصنع أصدقاء جدد وأعدائا جدد وتشرع بتعلم الحياة من فوق الصفر بقليل، انها الرّغبة السّوداء بالمخاطرة، توقي إلى عالم آخر، أنا من صنف طيور الحبارى التي إن مكثت بمكانها تفقد ريشها، أنا لن أتغير فليتغير العالم، أعرف إني مجرد كومبارس أخرس ولكني سأظل أصرخ نكاية بالطرشان، انها زوبعة الثورات، جاء وقت التدمير، أطلقوا النار على العصافير التي لا تغرد، غنّوا للعواصف، أنشدوا أناشيد المستقبل، تمتّعوا بلا موانع وأزمنة ميّتة، كسّروا وخرّبوا واسحقوا العار، أنا فلسفة مضادة، أنا مسكون بطاقة مدمّرة لكونها عاجزة أن تكون بنّاءة، هذه ثورتي وحلم حياتي، هذا زمننا العربي، نحن الذين نفخنا في الحديد وفي الانضباط الصارم، نحن نأتي متأخرين دائما بقرنين عن البشرية ولكننا نأتي في النهاية، فمن صنع جزئا من التاريخ لا يمكنه أن يستمر على هامشه، بوعزيزي أعلن النفير وما تبقّى هو من مسؤوليتنا، سنحيا أحرارا ويكون لنا مضاجع سماوية بعمق القبور، ومواسم تتفتح لأجلنا، لا بد من حلب، قررت يعني قررت، عنادي هو أجمل ما فيَّ، كسرتُ القجة الحصالة وأخرجت المدخرات، حصلت على تأشيرة تركية، وضَّبتُ متاعي في حقيبتي، اشتريت تذكرة سفر روحة بلا رجعة فأنا حقا لا أعرف متى أرجع، يعتمد الأمر على الظروف، الطريق، الحياة الموت، المجهول، جوزيف صديقي اللبناني أوصلني بسيارته لمطار أورلي والطائرة حملتني لمطار اسطنبول، حيث تنتظرني طائرة أخرى إلى أنقره، من هناك حملتني حافلة إلى مدينة غازي عنتب ومنها إلى كلس الحدودية،


اعزاز التي تستحق اسمها
هذه هي الحدود التي رسمها السيدان سايكس وبيكو وحافظنا عليها بالرموش والأهداب، خرجنا من الجمارك التركي واقتربنا من الجمارك السوري ( الحر)، أنا الآن نفسي في مكاني الطبيعي مجردا من الكارما الفرنسية الخبيثة، في كوكبي الخاص، نبض السوريين يتوتر في نبضات قلبي، أنا في سوريا، أنا حقا في سوريا، كنت أبحث عن بلد يشبهني فوصلت، شلحتُ الشورت ولبستُ السروال، شلحت الشبشب وانتعلتُ البوسطار، أنا هنا في في دائرة الحرب وعليَّ ان أستعد لها شكليا على الأقل، "الجيش الحر داعس على رأس الأسد " هذه أول عبارة صادفتني على حيطان الجمارك، انتظرت بالمكتب الاعلامي فلم ينتبه لي أحد، هذا كويس جدا ويترك لي فسحة ان أنتبه لهم، الوجوه منرفزة بعصبية ما قبل الإفطار، الغرف المكيّفة التي كان يسكنها ضباط بعثيون مكرشون الآن يحتلها شبان متحمسون ولا عهد لهم بالبيروقراطية والبقشيش، ثمة فوضى منظمة، حماس عفوي يذكرني ببواكير الثورة الفلسطينية، قلت لمأمور المركز "أنا إنسان حر وأضع نفسي تحت تصرف الجيش الحر "، أنا أجيد استعمال السلاح كما أجيد استعمال القلم " فنظروا لي باستغراب، المجاهدون عادة ما يكون لهم ذقون شرعية وليس شكل سياح، جاء شاب ملتح وقال "إصعد معي في السيارة" فصعدتُ، سرنا في عتمة كالحة ،قال لي" نضمك إلى جبهة النصرة " الذقون تخيفني كما يخيفني شبيحة النظام، شعرت بالحرج فقلت "ما عندي مانع ولكني لا أصوم ولا أصلي"، اهتزت السيارة من المفاجئة ،" كيف رايح للجهاد وأنت لا تصوم ولا تصلي، ولماذا تجاهد أساسا؟ قلت "في سبيل الحرية وفي سبيل سوريا " فأفهمني بنبرة شرعية ان الجهاد لا يكون الا في سبيل الله "، قلت له " هذا البلد هو بلد السني والعلوي والمسيحي والدرزي والكردي" لم أتفاهم معه فنزلت من السيارة في عز الليل ووجدتني في طريق وعر مهجور، ليس من الكياسة أن تكون وحدك حيث لا يتجرأ إثنان ان يمشيا ،لكني لم أقطع 4000 كيلومتر من أجل ان أرجع، أنا عنيد وحيثما ذهبتُ أذهب بكل قلقي، العتمة أمامك والعتمة خلفك فعلى أي جانبيك تميل ؟ ولا يهم أنك تمشي ببطئ، ولكن المهم هو ألا تتوقف، توقف لي موتورسيكل قال السائق "حظك كويس ولو وقعت بيد شبيحة النظام لذبحوك "، أردفني خلفه، انه أبو أيوب الحاجولي، مزارع يستغل الأراضي التي تركها المؤيدون الهاربون، بالمناصفة مع الثورة، أحسست بقلق شديد ماذا لو كان هذا الرجل نفسه من الشبيحة، رأيت دبابة محترقة على الطريق وأطفال صغار يلهون فوقها، هاهي " اعزاز" ( تُلفظ عْزازْ )قرية سورية حدودية تشتغل بالتهريب مع تركيا ولكنها الآن تشتغل بالثورة، أبو أيوب أوصلني لبيته "الليلة تبيت عندنا والصباح رباح " دخلت عليهم مثل ساعة الغفلة، كان ثمة عشرين نفرا، أربعين عينا تبحر فيَّ، ينظرون لهذا السائح الذي انشقت عنه ليلة القدر، جائت الحامولة برمتها، أولاد أبو أيوب وأولاد أخيه وأخته، وضعوا قدامي صحون الفستق الحلبي والبطيخ، أهلا بالضيف، حياالله النشامى، السوري قلبه فلسطيني، والشيخ عز الدين القسّام علمنا ان الجرح العربي لا يتجزأ، أمطروني بالأسئلة ( الغريب دائما مريب ويثير التساؤل) من أين انت ؟ /صحافي فلسطيني / بأي قناة، /بجريدة القدس العربي، هكذا خطر ببالي ان أقول فأنا من وقت لآخر أكتب للقدس التي تنشر او لا تنشر تبعا لمزاج سيدها، ولكن أين كاميره التصوير ؟ العربي لا يمكن ان يتصور الصحافي بدون كاميرة تصوير، الكلام هنا مثل أكل الفستق الحلبي، تعرف متى يبدأ ولا تعرف متى ينتهي، انتشر الخبر بسرعة في الحارة، صحافي في بيت الحاجوله، جاء الجيران وجاء جيران الجيران، وابتدأ السين والجيم، من يخاطر من باريز إلى حلب ؟الاسم الكريم ؟ قديش عمرك ؟ متزوج ؟ ليه ما عندك أوّلاد ؟ أحدهم سألني كم راتبك بالجريدة ؟ حسن أهداني سيجارة فلم أرفضها، كيف ترفض سيجارة مع قهوة بالهال، مدوا السماط للعشاء، المشكلة مفيش خبز والخبز في سوريا أساس الطعام، استعاروا رغيفين من بيت الجيران، تعشيت، تحممت على ضوء الفانوس، أزلت عن بدني كل غبار وأوساخ تركيا، سألوني عن موقف فرنسا من الثورة، قلت لهم لا أعرف شيئا عنها ،أعيش فيها كالغريب ولا أقرأ صحفها ( الإنسان يعيش في لغة وليس في بلد)، سهرنا على ضوء القمر حتى ساعة متأخرة، فرشوا الفراش تحت العريشة في الفناء المفتوح على السماء، راحوا يتسحرون بالشاي والجبنة والبطيخ الأحمر ( الجبس)، بمجرد ان أغمضت عيني أيقظوني " الطيران الحربي يحوم "، هرعنا باتجاه البرية، حيث الخطر أقل، خيمنا تحت شجرة الجوز، البرية تعج بنازحين، حسن عمل لي جولة حول مقر الأمن العسكري، دمار هائل أكثر من عشر دبابات محترقة ( اعزاز مقبرة الدبابات) جال بي أيضاً في مطرح الغارة، القنبلة الفراغية لم تترك حجرا على حجر، كم كفر قاسم يوجد هنا كم دير ياسين ؟ كم دكتور فولامور ؟ معقول هذا البشار الآدمي، أبو عيون بريئة، دموي لهذه الدرجة ! البلدة تبدو فقيرة، البيوت بائسة باستثناء بعض دور المتنفذين وكبار مهربي المازوت الذين كتبوا على قصورهم "هذا من فضل ربي " على الحيطان تستطيع ان ترى الشعارات الشعبية " سوريا بدها ( تريد) حرية، حرية وبس، "إرحل يا كلب"، الموت ولا المذلة "، ثمة شعارت كتبها الشبيحة " الأسد او لا أحد "، "الله للعبادة والأسد للقيادة"، "شبيحة للأبد كرمال عيون الأسد"، "الأسد او نحرق البلد "، حيثما توجهنا نجد الدمار، الدمار أيضاً وأيضاً( الروس كذلك يريدون أن يجربوا سلاحهم الجديد في لحم الشعب السوري)، سجلتُ في الكراس الملاحظات التالية :
الحرب خلفت جيشا من الأرامل والثكالى، الطحين مفقود والمازوت والمواد التموينية وجرة الغاز تباع بالعملة الصعبة، عمال النظافة هجروا أعمالهم فتحولت البلدة إلى مزبلة كبيرة، الأطباء تخاذلوا وغادروا البلدة باستثناء ممرض درعاوي أسمه أنس رقى نفسه من ممرض إلى طبيب وقام بدور خارق لإسعاف الجرحى، الجرحى متروكون لمصيرهم والمصاب برجله قد يموت من شدة النزيف، أحيانا تتكون الحياة من شدة الموت، وهم يتكلمون كنت أخالهم في الثلاثين ولكنهم لم يبلغوا العشرين، الثورة أنضجتهم قبل الأوان، وكان السؤال الذي يتردد دائما " هل اسرائيل تضرب الفلسطينيين بهذه الوحشية ؟ لا يمكن المفاضلة بين السل والطاعون ولكن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة، ومن هنا نقمتهم على النظام، النظام الناقم على اعزاز لأنها بؤرة الثورة في ريف حلب ،كان يحاول إذلالها بقطع الماء والكهرباء، الجيش النظامي اقتحمها وأحد الحلونجية كان يعرف ان الجنود سيمارسون نهب المحلات فسمّم حلوياته، القناصة والشبيحة فيما بينهم كانوا يتراهنون على علبة دخان لمن يقدر ان يصيب ذلك المواطن العادي الذي يعبر الشارع، معركة الثوار للسيطرة على مقر الأمن العسكري ( الباستيل الاعزازي) دامت 21 يوما، بعد قصف البلدة بالطيران قالت قناة الدنيا (المؤيدة ) ان اعزاز أصابها زلزال (حتى غوبلز لا يستطيع ان يجيد أفضل من هذا )، الأسد خسر المواجهة المباشرة فقصفها بالطيران، استأسد عليها من فوق، حتى عشيرة العجيل المؤيدة قُتل بعض أفرادها في الغارة الجوية فصارت معارضة، الأهالي يخشون غارة جديدة مفاجئة تحوّل العيد إلى مأتم، أحدهم من شدة جزعه صار يرتعد من صوت محرك السيارة، آخر صار ينقز من رؤية المئذنة لأن قناصة النظام كانوا يتمترسون بها
عيّدنا، صلينا صلاة العيد بالجامع الكبير، قرئنا الفاتحة في مقبرة الشهداء، كان ثمة قبور جماعية وقبور فارغة تنتظر شهداء مقبلين وكل الموتى( وعددهم يفوق المئة ) ماتوا في يوم واحد 15 آب، زرنا جهاد حاجولي الجريح، الرئيس صلى صلاة العيد في أحد مساجد دمشق وخرج قبل ان يسلم الامام، في القرداحة أُقيمت صلاة ابتهال إلى الله ليحفظ الأسد ويرفع عدد المسلمين السنة ويسعدهم ويقوي إيمانهم في حدود معينة حتى لا يتقاسموا حكم البلد مع العلويين، الأطفال يعبثون وكأنه لا يوجد حرب، عند عتبة كل بيت يقرفص مجموعه رجال يرمقونني من هذا الغريب، شكله مش بلدي، البلدة فيها خمسين ألف نسمة ( ناقص النازحين) ولا مقهى واحدة، بدأت أتحرقص، لازم أفعل شيء، أنا مغامر حركرك مش بيتوتي، أين أتحرك وكل القرى تتعرض للقصف ؟ ولكن اعزاز نفسها تتعرض للقصف من مطار منغ القريب، عرجنا ( أنا وحسن الذي صار دليلي) على المشفى وطلبنا لقاء الدكتور أنس، قيل لنا انه غائب ويرجع بعد الخامسة، استعرنا الموطور الصيني من ديبو، ملأناه بالبنزين وركبنا إلى يحمور، التوقيت ليس موفقا في عز الظهيرة ،نار جهنم، في البساتين كان ثمة فصيلة ثوار بثياب مرقطة، كانت الدوشكا تلمع تحت أشجار الفستق، بلغنا قرية "صوران" ليس بها آثار دمار، قال حسن ان أغلبها مؤيدة، من شدة الحر توقفنا استرحنا في بيت من معارفه، جيء بالتفاح بالعنب بالتين، الجو تلطف، انطلقنا إلى مارع، بلغنا السوق، تغذينا سندويش فلافل، صاحب المطعم حين عرف اني صحافي فتح لي قنينة كازوز مجانا، قادنا إلى مكان الفرن حيث قصف الطيران، التم علي الناس ،أخرجت الكراس والقلم، هات كلام، هات صراخ، هات مسبات على بيت الأسد، كله يريد ان يتكلم ،" لم يبق عند الأسد سلاح لم يستخدمه ضدنا الا الكيماوي" قالت السيدة التي جائت من حلب إلى مارع فقصفها الطيران ورحلت من مارع إلى حلب فقنصها القناصة، قصفنا بالميغ 21 بالميغ 27 ثم بالميغ 33(كذا)، الطيران الحربي مرعب وعيون السوريين دائما مرفوعة نحو السماء، صاروا ينفعلون لأدنى ضجة ويدخنون بتوتر، السوري يتجمهر حين يعرف بوجود صحافيين، يطنب في الكلام ليعوِّض سنوات الخرس( الشعوب الخرساء هى التى عندما تتكلم تصرخ ) السوري يتكلم ويبالغ بالكلام، يفلش ما في قلبه من وجيعة، يحكي، يبكي، يسرح، يشرح، يشطح، يستطرد، يفرح، يتألم، يرثي، يهجي، يكسكس، لكنه لم يعد يمدح أحدا، لأول مرة يشعر انه مش مطمئن ولكنه مش أخرس ،مع الصحافة يتكلم بالعامية ثم ينتقل للفصحى ثم من الفصحى للعامية ثم يخلط الاثنتين " بدنا ( نريد) حظر جوي، بدنا سلاح، بدنا منطقة عازلة، كُ... أم الأسد وعائلة الأسد وقبيلة الأسد، مجرم ابن مجرم "، حتى "أسماء" اللبوة أخذت نصيبها ومن الزنار ونازل، هذه الرغبة المسعورة بالكلام ليست نزقا ولكنها فكرة جديدة عن الحرية، السوري ما كان يحلم بهذا ولا حتى في المنام، كان يخاف من الكلام حتى مع نفسه، المخابرات كانت تتسلل إلى أفكاره السرية، الناس كانوا متشابهين مثل أعواد الكبريت، كانوا مُسَيَّرين هتّيفة مصفّقين يفكرون بنفس الطريقة ( طريقة عدم التفكير)، لكن السوري يكتشف الحرية بخوف، وبلذة أيضاً، مثل طفل يتحسس العالم بحواسه الخمس،
رجعنا إلى المشفى للقاء الدكتور أنس، أحس بأهميته فصار يعطي أوامر صارمة للممرضين وللمرضى، تظاهرت بالكتابة فقط فكلامه ممل، مزقت الورقة، لا شيء يستحق التسجيل من ثورجياته، اشترينا بطيخة صفراء أكلناها على الطريق، لو تكن حلوة كفاية، بحثتُ عن صندوق قمامة لرمي النفايات ؟ ضحك حسن " البلدة كلها صندوق قمامة، إرْمِ حيث تشاء " رجعت لبيت مضيفي، وضعت مفتاح الUSB في جهاز الكمبيوتر وبدأت أكتب عليه ما دونته على الكراس، الكهرباء انقطعت لم أحفظ ما كتبته فضاع، هنا يمكن ان تشارك في جنازتين في يوم واحد، اعزاز بلد مفارقات، بيوت رخام لم أر مثلها ولا حتى في فرنسا وبيوت أكواخ لم أر مثلها في الصومال، أحد الاعزازيين بنى بيته بشكل باغودا معبد بوذي، ويمكنك ان تجد في شارع واحد صالوني تجميل للنساء دون ان ترى امرأة واحدة سافرة بالشارع، اعزاز مقسومة الى سلملك وحرملك، ومقسومة بين الأستاذ أحمد عبيد ( قائد كتيبة عمرو بن العاص ) وعمار الداديخي ( قائد كتيبة أحرار الشمال )، الاثنان في تنافس كيدي مثل الضرائر، يعاديان بعضهما ولا يعرفان لماذا، لفيت البلدة حارة حارة برفقة حسن حاجولي، ملاكي الحارس، ثلاث أيام كانت كافية لأسئم منها، بصلتي محروقة، أنا متحرق لحلب، المدينة تشدني كما تشد الأنواء سفينة غارقة، كل بني آدم من حقه ان يتمتع بصوت الصواريخ والهواوين، أخذني حسن إلى المكتب الإعلامي تعرفت على محمود أبو زيد، لحسن الحظ كان يوجد سيارة على وشك الانطلاق لحلب



#عبد_الحميد_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفكرة ثورجي في الثورة السورية
- حلب التي لا تستحق اسمها
- اصبح عندي الآن بندقية الى حلب خذوني معكم
- الفساد ، ماركة سورية مسجلة
- ظبية خميس ، فاجرة في هيئة شاعرة
- أيها النساء ، أبو القاسم الأمين هو الداء وقاسم أمين هو الدوا ...
- بيان لرجل واحد ضد أيور الثقافة
- عن الثورات العربية والمناعة الخليجية
- بيان لرجل واحد مع النساء وضد الشريعة
- بلا بوكر بلا جوكر ، نريد جائزة باسم البوعزيزي


المزيد.....




- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عبد الحميد عبود - مفكرة ثورجي في الثورة السورية (1)