أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - زاهر الزبيدي - شوارع الوجوه الدامية














المزيد.....

شوارع الوجوه الدامية


زاهر الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3943 - 2012 / 12 / 16 - 13:16
المحور: المجتمع المدني
    


على حين غرة أنحرفت إحدى سيارات الأجرة على سيارة أخرى حديثة ونزل الرجلات ليتقاتلا قتالاً شرساً لم تنفع معه كل محاولاتنا في فك اشتباكهم المميت ، ثوان مرت حتى بدأت الدماء تغطي وجوههم كالأقنعة الحمراء وما عدا أحدهم يرى الأخر ، تتطاير القبضات بوجه أحدهما الآخر والنساء تصرخ ونحن عاجزين عن عزل أحدهما عن الآخر .. لقد أفرغ كل منهم ضيم الدنيا وقهرها بوجه الأخر .. حتى تعبا من ذلك وما أن قاربت جولة القتال على الأنتهاء حتى تمكنا من إبعدنا سائق الأجرة الذي أنتظر متوعداً الثاني عند مفترق الشارع مما حدا بنا أن نجبر الآخر على أن يعود أدراجه ، وبعكس الإتجاه ، ليغادر مبتعداً عن مكان الحادث ، لم ينته الأمر عند القتال بل استمر التنابز بأبغض العبارات ، شباب وشتائم ، التي تخدش الحياء .. عبارات ما أنزل الله بها من سلطان كانت أقسى حتى من ضرب الفؤوس وقسوة القبضات.
اقتربت من سائق التكسي الذي كان ينظف وجهه من الدماء لأرى أن فتحة كبيرة برأسه كان قد احدثها القتال لأستعلم عن سبب هذا العراك المميت بينهم .. فقال لي أن صاحب السيارة الأخرى كان قد نعته بـ "الحصان" عند منعطف الطريق مما أثار غضبي وجعلني أعترض طريقه لتأديبه !
انها ليست المرة الأولى التي نراقب بها تلك الأشتباكات بين ابناء الشعب الواحد ، اشتباكات قاتلة ومؤلمة لا تدري ما تفعل حيالها وكيف وصلنا لتلك الدرجة الكبيرة من البغض لبعضنا البعض وكيف نتحامل على بعضنا البعض ننتظر الفرصة المؤاتية للأنقضاض عليه .. لم نعد معها ذلك الشعب المسالم الطيب لقد تغير طباعنا بشكل كبير وتحولت كل اخلاقنا التي توارثناها عن أجدادنا الى ذكريات حلوة لم تعد هي الأخرى قادرة على انشالنا مما نحن فيه من اختلاف كبيرة .
لقد تنوع المجتمع وتغيرت أحوال الكثير منهم بعد الأنفتاح الكبير على العالم بعد 2003 وتلك المساحة الهائلة من الحرية التي يقابلها حالة من اللانظام التي تشيع على اغلب مفاصل حياتنا .. النفوس تغيرت وما غيرها إلا تلك المراحل الصعبة التي عشناها ابان العهود السابقة والعهد الجديد الذي منحنا حرية بلا قيود .. حرية بلا ضوابط ولا تعليم ولا تأهيل متكامل للمجتمع أن يقابل بعضه البعض ويتعايش معه على أمل أنا نواجه العالم بأسلوب حضاري جديد يتناسب وما وصل العالم المتحضر اليه من تقاليد حضارية حديثة وطدت العلاقة بين ابناء الشعب الواحد .
كان من المهم جداً أن لا ندع الأمور تفلت من بين ايدينا فاليوم نحن غير قادرين على التحكم بالبناء الأجتماعي والنفسي لأبناء شعبنا لكوننا ، بصراحة ، بعيدين كل البعد عنه وعن مشاكله الحقيقية التي برمجة العنف فيما بينه ، بل وجعلتنا يخاف أحدنا الآخر .. العنف ومشاهد القتل اليومي كانت أشد المحفزات التي أذكت النزعة العدوانية في نفوسنا ناهيك عن التأثيرات الأخرى التي تترواح بين البطالة والفقر والشعور بالظلم والغبن وضياع الذات ولم وعد قابلية القائم على الأمر في العراق من الوصول بشعبنا الى تحقيق ذاتهم وحب التعالي من البعض مما صّعدت إمكانياتهم المادية تلك الرغبة في التعالي على ابناء شعبهم .
نحن بحاجة ماسة اليوم من منظمات المجتمع المدني ومن المؤسسات الحكومية وكل المرجعيات الدينية الخيرة أن تبادر الى تقديم النصح والخدمات لأبناء شعبنا .. وأن تقابلهم بأحترام بالغ عسى أن ينفع ذلك في زيادة إحترامهم لأنفسهم وبالتالي إحترامهم للآخرين .. كذلك فعلينا إيجاد السبيل الى يعود العراقيون لحبهم لوطنهم فحبهم لوطنهم قد يخفف من وطأة التأثيرات السلبية على واقع حياتهم اليومي .
قد ينتظر الجميع عدواً يأتي من الخارج ليحتلنا ويعيث بأرضنا فساداً ولكن الأخطر من ذلك أن أنفسنا المريضة التعبة وتقاليدنا التي علاها الصدأ هي من أضحت عودنا الخفي الذي ينهش في لحمتنا الأجتماعية وحبنا واحترامنا لبعضنا البعض وستصبح يوماً أشد أمراضنا ومن الصعوبة معه إيجاد الحلول النفسية لها وستكون سبباً مهماً من أسباب تفتت وحدتنا وضياع وطننا .
اليوم نحن بحاجة الى خلية أزمة من خبراء نفسيين ومن مختصي الفلسفة وخبراء علم الإجتماع لدراسة واقع الشعب العراقي وتقديم التقارير الدورية لتحيلها الحكومة الى واقع تطبيقي بقرارات وأنظمة ، فتشخيص الأسباب قد يتيح المجال أمام إنشاء حزم التشريعات التي تقلل من الضغط النفسي وتقلل من الأحتقان داخل نفوسنا المعذبة قبل أن .. تنفجر بوجه أحد ما !



#زاهر_الزبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين غريق ومطرود .. العراقيون حول العالم
- عاجل .. مسابقة سياسية !
- الى العراقية الفضائية .. مع التحية !
- لكي لا ننسى !!
- ماذا عن الأمن الغذائي العراقي؟
- هل وجدتم زوجي ؟
- الترشيد .. ثقافة الأمم المتحضرة
- إعدام طفل !
- مخطط لهجوم ارهابي افتراضي
- الهلال الشيعي والهلال السني وما بينهما
- الموظف الكسول .. مسؤولية مَنْ ؟
- مضى عيد للموت .. وبأنتظار آخر !
- إختلاس الحشيش .. وأشياء أخرى !
- إعدام .. شجرة !
- اليابان وجسر الصرافية !
- إيجارات المباني للمؤسسات الحكومية
- ما بين - بنين وعبير - نكسة إخلاقية كبيرة
- الفساد في زمن الكوليرا !
- كي لا نظلم الحمير!
- الدور الثالث .. نعمة أم نقمة


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - زاهر الزبيدي - شوارع الوجوه الدامية