أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ناهده محمد علي - وإنما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت ..... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا














المزيد.....

وإنما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت ..... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا


ناهده محمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 3941 - 2012 / 12 / 14 - 14:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد رأيته منذ عامين في إحدى الفضائيات , ثم رأيته قبل أيام , وأحسست أن شيئاً ما قد تهشم في داخلي وتساءلت لماذا يقل عدد الشرفاء في هذه الأرض يوماً بعد يوم ويزداد عدد الوحوش المتحركة والتي تُعَفن كل ما تمسه ! .
كان هذا فلماً تسجيلياً يتحدث عن مجموعة من الأطفال المشردين في العراق يعيشون كالقطط تحت الأشجار , تحت سماء بغداد الملبدة بالغيوم الكيمياوية الحارقة , يأكلون من فُتات المارة ومن المزابل , يعتدي عليهم المُخدرون ليلاً ونهاراً , ويُسلب منهم أجمل ما في الأرض , تُسلب منهم براءة الطفولة , كنت أرى البؤر المضيئة في النفس العراقية الطاهرة , رأيت السباح الذي أنقذ العديد من النساء والأطفال في نهر دجلة ثم هده التعب فغرق , ولم يسأل هذا السباح عن طائفة أو مذهب , ورأيت الآن هذا المعلم الفقير الذي يستجدي المال لا ليطعم أولاده بل ليُطعم هؤلاء المشردين ويأويهم , ثم رأيت من يقوم بتدنيس الطفل العراقي البائس من موظفين أو من كبار المشردين , حيث يتصَرف المُغتصَب حسب ذكرياته المريرة , وحيث يتم إغتصاب صغار المشردين من قِبل هؤلاء الواحد تلو الآخر في دار الإيواء , على مرأى ومسمع من الجميع .
لقد قرأت عن عالم الحيوان الكثير وأعلم كما تعلمون بأنه محكوم بالغريزة لكنه لم يُسجل له بأنه يغتصب صغاره أو يتكاتف ليعتدي على صغير من جنسه جسدياً أو جنسياً , وأعجب لِمَ يفعل هذا الإنسان .
يقول الكثير من علماء البايولوجي أن الإنسان قد أخذ يقترب رويداً رويداً من عالم الحيوان عدا أنه ناطق وذكي , لذا أصبح يصيبه ما يصيب الحيوان من أمراض كثيرة والتي قد لا تقتل الحيوان لكنها تقتل الإنسان , وهذا هو العدل بعينه . إن الإنسان قد تميز بقيمه غير الفطرية ومتى ما نُزعت أو إنتزعها هو لا يعود يستحق الحياة , ولا أستطيع هنا إلا أن أتذكر بيت الشعر العربي القديم لأحمد شوقي :
وإنما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت ..... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
كيف يُمكن لبشر أن يتحول الى قرد للحظات , ولماذا يدفع الأبرياء منا ثمناً للتلوث النفسي والروحي للبعض منا , ولماذا يضطر هؤلاء الأطفال أن يعيشوا في الطرقات ولدينا من الموارد ما يكفي لبناء بيوت لهم وصرف رواتب لكل طفل مُشرد مع توظيف مشرفين تربويين لإدارة حياتهم , لأن دور الإيواء هذه هي دور إصلاحية لمجرمين ماهم بمجرمين , ومُوصى عليهم بموظفين هم بطبيعتهم مجرمين .
إن فقدان القيّم الإجتماعية في الكثير من زوايا المجتمع العراقي وإندثار معظمها قد أدى الى أن يبقى مجتمعنا بلا قيّم , وهناك آثار وذكريات لقيّم الماضي , وليس هناك قيّم جديدة تحل محل تلك القيّم فتكون مثلها أو أفضل منها , ولأن المجتمع قد فقد القاعدة المادية القديمة ذات التكنيك البسيط والتراثي , ولم تُخلق للآن قاعدة مادية جديدة مُمكننة تعتمد على التكنولوجيا والتحديث الصناعي الفني , وكما تعلمون أن كل قاعدة مادية متطورة تخلق مجتمعاً متطوراً وتفرز قيماً جديدة تلائم الأوضاع المعاصرة , وقد تأخذ شيئاً أو أشياء من الماضي ومن قيمه .
إن الثروات المادية غزيرة في عراقنا , وعباقرتنا ينتشرون في بقاع الأرض فأين هو الخلل يا تُرى ؟ . لا يحتاج القاريء الى الكثير من الجهد ليرى ضمن هذا الدهليز وسيلاحظ بأن الخيوط كلها تُمسك من أعلى وتتحرك الى أسفل , وإذا إنقطعت هذه الخيوط بفعل فاعل ستنقطع الصلة بين القاعدة والقمة , وتظهر ظواهر إجتماعية فاسدة مثل المخدرات بأنواعها والبطالة بأنواعها العلنية والمُقنعة , وتظهر حالات الطلاق السهل , وتظهر الرشوة وسرقة الأموال والأملاك , وتنمحي قيّم جميلة وتراثية وأولها ( العطف على الصغير وإحترام الكبير ) , فلا عطف ولا إحترام فهذه دور العجزة مليئة بالآباء والأجداد والذين نُبذوا من قِبل الأبناء .
لقد تغيرت طريقة تفكير الطفل العراقي وتغيرت لغته ولُعَبه حتى أصبح مُساوماً بارعاً مع أصدقائه وزملائه , فهو يساومهم على أشيائهم ولعبهم , يبيع بعضهم بعضاً أشيائه وينصب بعضهم على البعض الآخر , تعلموا اللغة الشارعية والبذاءة , وتعلموا العنف , وتعلموا أنه لا جوار إلا بالفائدة , ولا زمالة إلا بالفائدة , ولا صداقة إلا بالفائدة .
حيما تجولت ذات يوم في بغداد قلت في نفسي , ألست في كوكب آخر , إنه تكوين جغرافي غريب لا هو في الحاضر ولا هو في المستقبل ولا في الماضي , وتساءلت أين أنا إذاً , ومن المؤكد أن كل فرد عراقي يسأل نفسه يومياً هذا السؤال , أين أنا ؟ ومن أنا ؟ .



#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واقع الطفولة في البلدان العربية ( الجزء الثالث ) .
- واقع الطفولة في البلدان العربية ( الجزء الثاني ) .
- واقع الطفولة في البلدان العربية ( الجزء الأول ) .
- شخصيات نسائية متفردة
- الغضب الفردي والغضب المجتمعي .
- المرأة العربية المهاجرة الى أين ...
- سمفونية الشارع العربي .
- تأثير البيئة العراقية على نفسية الإنسان العراقي .
- العُنف ضد المرأة .
- أن تسمع للآخر أم حوار الديناصورات .
- أُمهات عراقيات .
- هل أصبح أطفالنا أشراراً !؟
- الكذب مرض أم ضرورة .
- الحب والكراهية .
- الأعلام النفسي
- اللا إنتماء في الشارع العراقي .
- أسئلة مراهق .
- الإدمان وأنواعه
- إذا كان ربُ البيتِ بالدفِ ضارباً ... فشيمة أهل البيت كلهم ال ...
- اللاعُنف منذ الطفولة .


المزيد.....




- أبرز المشاهير ونجوم هوليوود في زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز ...
- رئيس مجلس النواب الأمريكي يوجه رسالة لإيران بشأن المفاوضات - ...
- خان أمريكا ودخل السجن.. من هو نوشير غواديا مهندس طائرة الشبح ...
- روسيا تستولي على مستودع ليثيوم استراتيجي في أوكرانيا.. هل تن ...
- التطلعات الأوروبية في الخليج - مجرد صفقات سلاح؟
- مخرجات قمة الناتو في لاهاي في عيون الصحافة الألمانية والغربي ...
- السلوقي التونسي: كنز تراثي مهدد بالانقراض
- غرينلاند .. حين ينكسر الصمت
- -أطباء بلا حدود- تطالب بوقف مؤسسة غزة الإنسانية وسط اتهامات ...
- جامعتا هارفارد وتورنتو تضعان خطة طوارئ للطلبة الأجانب


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ناهده محمد علي - وإنما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت ..... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا