أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية تنقسم إلى إثنين: نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية - - الماوية : نظرية و ممارسة -عدد -13-















المزيد.....



الماوية تنقسم إلى إثنين: نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية - - الماوية : نظرية و ممارسة -عدد -13-


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3935 - 2012 / 12 / 8 - 22:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الماوية تنقسم إلى إثنين: نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية

مقدّمة " الماوية تنقسم إلى إثنين"
" الماوية : نظرية و ممارسة "عدد -13-
شادي الشماوي
صراع خطين جديد صلب الحركة الأممية الثورية ! نعم ! عقب صراع الخطين الذى عرفته هذه الحركة الماوية و كان محوره مسار الثورة فى النيبال ( و الذى أفردنا له كتابا عنوانه " صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية " و تجدونه على موقع الحوار المتمدّن )، تشهد اليوم ذات الحركة صراع خطين محتدم صار فى المدّة الأخيرة علنيّا ، منشورا على صفحات الجرائد و على الإنترنت.
منذ سنوات تعطّل النشاط العادي للحركة الأممية الثورية و لم يفهم الكثير من الثوريين و من الماويين عبر العالم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك و ظلّت أسئلة عدّة مثارة قد يعثر على أجوبة لها جزئية فى وثائق متناثرة هنا و هناك وقد تتّخذ حجم الجبال عندما يقرأ المرء نصوصا تهاجم هذا الحزب و ذاك من نفس الحركة و تنعته بنعوت أقلّها التحريفية دون الخوض بعمق فى النقاط الخلافية الحقيقية. و فى ماي 2012 ، أعلنت ثلاثة أحزاب هي الحزب الشيوعي الإيطالي (الماوي ) و الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني و الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي-اللينيني)(نكسلباري) عن موت تلك الحركة و إقترحت بناء منظّمة ماوية عالمية جديدة على أساس قراءة قدّمتها لكن لم تمض مدّة طويلة حتى نشر علنا الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية رسالة توجّه بها إلى كافة الأحزاب و المنظّمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية و بيّن محتواها بوضوح بلوغ صراع الخطين الذى له جذوره التاريخية فى الحركة مرحلة متقدّمة جدّا.
لا ينبغى على الشيوعيين كماديين جدليين تعمّقوا فى دراسة تطويرات ماو تسى تونغ للمادية الجدلية أبدا أن يستغربوا صراع الخطين فالأمر طبيعي و عادي للغاية ذلك أنّ فى كلّ وحدة أضداد الصراع هو المطلق و الوحدة عرضية و مؤقتة و نسبية و سواء تعلّق الأمر بالأحزاب أو المنظّمات أو الحركات السياسية ، الصراع هو الحياة ، الصراع هو النموّ حسب إنجلز و إنعدامه يعنى الموت ، أمّا الوحدة الثورية فتبنى على الأرقى و يعاد بناؤها على أسس أمتن وأرسخ علميّا و شيوعيّا . ببساطة ما يجدّ اليوم ليس سوى الماوية تنقسم إلى إثنين ، الماوية تخضع هي الأخرى إلى القانون الجوهري للجدلية ، قانون التناقض/ وحدة الأضداد او بصيغة جعلها ماو شعبية فى الصين الإشتراكية " إزدواج الواحد".
لقد أكّد ماو تسى تونغ على هذه الحقيقة الموضوعية و المادية الجدلية فى " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " قائلا :
" تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون. وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان. فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أن طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدد هي ظاهرة مقيدة ، و مؤقتة ، و إنتقالية، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد." ( "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ"، صفحة 226).

و قبل ذلك فى " فى التناقض " ، أعرب عن أنّ :
" الصراع يكمن بالضبط فى الوحدة ، و لا وحدة بدون صراع ".
و من الواجب أن يعمل الشيوعيون الثوريون أينما كانوا من أجل المسك بأرقي حلقات تطوّر علم الثورة البروليتارية العالمية و يتخلّصوا من النواقص و الأخطاء و يحاصروا التيارات التحريفية و يلحقوا بها الهزيمة ليبقى لون المنظّمة و لون الحزب او الحركة أحمرا وليتمكّنوا من النهوض بمهامهم الثورية فى قيادة البروليتاريا و شعوب العالم و أممه المضطهدة فى تغيير العالم تغييرا ثوريّا بإتجاه الشيوعية عالميّا. و إن فشلوا فى ذلك تغيّر لون المنظمة أو الحزب او الحركة و باتوا تحريفيين برجوازيين و بئس المصير! ومن واجب الشيوعيين الثوريين أن يتحلّوا باليقظة الدائمة كيما يشيّدوا فى كلّ مرحلة وحدة ثورية حقّا ، لا وحدة إنتهازية تمزج فيها الماركسية و التحريفية معا فتؤول الغلبة فى النهاية إلى التحريفية و بئس المصير !
و مع علمنا بوجود منظّمات و احزاب ماوية أخرى خارج الحركة الأممية الثورية ، فإنّنا نعنى فى المصاف الأوّل بهذا الصراع بالذات و أساسا لإعتبارنا أوّلا أنّ هذه الحركة هي محور ومركز الماوية تاريخيّا ، سياسياّ و إيديولوجيا فمثلا هي التى رفعت راية الماركسية - اللينينة –الماوية و تبنّتها أحزاب و منظمات أخرى من خارجها ؛ و ثانيا أنّ مستقبل الماوية مرتهن إلى درجة كبيرة بهذا الصراع الدائر الآن لمدى أهمية و القضايا المطروحة و دلالتها.
لفهم خطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو أحد الخطين المتصارعين ، كنّا قد نشرنا كتابا كاملا يشمل أهمّ وثائقه الجديدة ،" المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ..." المنشور على موقع الحوار المتمدّن. ومن هنا تأتى أهمّية العودة إليه. و قصد توفير جملة من الوثائق الأخرى باللغة العربية للذين يتطلعون لفهم صراع الخطين الحيوي فهما شاملا و عميقا ، موضوعيّا ،لا ذاتيّا ، سعينا قدر الطاقة إلى الإطلاع على مادة كثيفة إنتخبنا منها ما نعدّه الأكثر تعبيرا عن وجهات نظر الخطّين المتواجهين فجاءت فصول الكتاب الحالي حاملة نصين متعارضين فى كلّ فصل منها على النحو التالي :
يتضمّن الفصل الأوّل المعنون "خطّان متعارضان حول المنظمة الماوية العالمية " :
أ- الشعوب تريد الثورة ، البروليتاريون يريدون الحزب الثوري ، الشيوعيون يريدون الأممية و منظمة عالمية جديدة .( بيان مشترك لغرّة ماي 2011)
و القرار 2 الصادر عن الإجتماع الخاص بالأحزاب والمنظمات الماركسية – اللينينية – الماوية المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية من أجل ندوة عالمية للأحزاب و المنظمات الماركسية – اللينينية – الماوية فى العالم . ( غرّة ماي 2012. )
و ب- رسالة إلى الأحزاب و المنظمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية،
الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية – غرّة ماي 2012.
و مضمون الفصل الثاني ،" نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية " ، هو :
أ-" نظام الدولة الإشتراكية "، لآجيث ، الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي- اللينيني) ( نكسلباري).
و ب- " النقاش الراهن حول نظام الدولة الإشتراكية "، ردّ من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية / 2006.
و ينطوي الفصل الثالث الوارد تحت عنوان " موقفان متعارضان من " الخلاصة الجديدة " لبوب آفاكيان " على :
أ- " موقفنا من الخطّ الجديدة للحزب الشيوعي الثوري و بيانه و قانونه الأساسي"، الحزب الشيوعي (الماوي ) الأفغاني ، أكتوبر 2010.
و ب - " ردّ أولي على مقال" دراد نوت" بشأن " الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان"، سوزندا آجيت روبا سنغى ، رئيس الحزب الشيوعي السيلاني (الماوي) ، 18 أفريل 2012.
و هذه النصوص جميعها متوفّرة باللغة الأنجليزية على الأنترنت و تحديدا على موقع :
www.bannedthought.org
و نظرا لكون صراع الخطين بالكاد إنطلق علنيّا فمن الأكيد أنّ عدّة وثائق أخرى ستصدر و من أطراف مختلفة . و كلّما عثرنا على وثائق قيمة ، غير إنطباعية و لا تتوخى الشتم و التشويه المجاني أسلوبا بل تبحث عن الحقيقة ، سنبذل قصارى الجهد لوضعها بين أيدى القراء باللغة العربية كفصل أو فصول إضافية لهذا الكتاب. و مقترحات الرفيقات و الرفاق مرحّب بها بالطبع.
و لا يفوتنا هنا أن ندعو رفاقيّا كافة الماويين و الماويات إلى أن يضعوا نصب أعينهم دائما و أبدا تعاليم لينين عن الحقيقة الثورية و تعاليم ماو عن صحة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء و أن يتفاعلوا تفاعلا علميّا رصينا مع هذا الصراع المصيري ، فلن تنفع لا سياسة النعامة و تجاهل الصراع و لا سياسة إصدار الأحكام العشوائية قبل الدراسة المتأنية و المتمعنة على أسس الشيوعية الثورية. و فى تحويل هذا الصراع إلى مدرسة لرفع الوعي الطبقي و تعميق المسك بالخطّ الإيديولوجي و السياسي الشيوعي الثوري بهدف تغيير الواقع ثوريّا بإتجاه الشيوعية عالميا، سيتحمّل لا سيما الماويون و الماويات المتقدّمون فى إستيعاب علم الثورة البروليتارية العالمية، مسؤولية تاريخية ذلك أنّ الماوية فى منعرج تاريخي و الرهان ليس أقلّ من مستقبل الشيوعية و مثلما قال لينين:
" ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له. فعلى توطد هذا " الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية – الديمقراطية الروسية [ الشيوعية ] لسنوات طويلة ، طويلة جدا." ( لينين ؛ " ما العمل؟ ").
=======================================================
================================================

الفصل الثاني : نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية
================================================
-1-
------------------------------------------------------
نظام الدولة الإشتراكية
آجيث ، الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي- اللينيني) ( نكسلباري)
( هذه نسخة منقحة و موسعة من مقال كتب سنة 1998 كجزء من القطيعة مع اللجنة المركزية لإعادة التنظيم ، الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) ، تحت عنوان " حول نظرية المظاهر غير الطبقية " ) .
لقد إنطلق ، فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية ، جدال حيوي حول بعض المسائل الجوهرية ، مثل دكتاتورية البروليتاريا ، ومؤسساتها و الديمقراطية الإشتراكية. و بعيدا عن الممارسات الأكاديمية لفحص الجثّة بصدد المشروع الإشتراكي ، تقود هذا النقاش مواضيع نظرية و عملية ملحّة بشأن الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية . وقد جاء هذا النقاش فى وقته ، فى إطار الموجة الجديدة الصاعدة للثورة البروليتارية العالمية التى تشاهد ليس فقط فى الحروب الشعبية و فى الحركات الثورية الأخرى بقيادة الماويين لكن أيضا فى الصفوف النامية للنضال و المقاومة للعدوان الإمبريالي و الإحتلال و العولمة. واليوم ، صفوف الجماهير الثورية منقسمة جدّا. فهناك عديد الرايات الخاطئة منها الحلول الإصلاحية و التحريفية للعولمة ، متمحورة حول المنتدى الإجتماعي العالمي. و الأصولية الإسلامية راية أخرى. إلاّ أنّ التناقضات التى تتحكّم فى الثورة تشتدّ و الثورة هي التيار الأساسي . و هذا بحدّ ذاته يشير إلى أنّ الوضع العالمي اكثر مواتاة للجماهير الثورية منه للإمبرياليين . و يستدعى تحويل ذلك إلى واقع ، و تركيز الماوية على رأس موجة الثورة العالمية الصاعدة خطوات جريئة إلى الأمام فى الممارسة الثورية ، لا سيما حرب الشعب. و فى حين أنّ فهمنا الحالي للماركسية- اللينينية - الماوية بالتأكيد قادر على إنجاز هذا ، فإنّه يقتضى أيضا تقدّما فى النظرية . و للنقاش حول نظام الدولة الإشتراكية علاقة بكلّ هذه المهام ذلك أنّ مسألة " ماذا سيحدث بعد كسب الثورة للنصر" مدار نقاش كبير فى عالم اليوم. و يستعمل مداحو الإمبريالية و الرجعية هذه المسألة لحرف الجماهير عن الثورة بحجّة أنّه " ليس بإمكان المرء القيام بالثورة دون الإجابة عن هذا ". و يوقف مثل هذا التوجه كلّ إمكانية لحلّ المسألة و يعبّد الطريق للتصفوية .
ليس النقاش حول دكتاتورية البروليتاريا نقاشا جديدا. ففى بدايات التسعينات ، خيض جدال حاد داخل الحركة الأممية الثورية ضد المواقف التصفوية لما كان يسمى سابقا اللجنة المركزية لإعادة التنظيم ، الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي- اللينيني) بصدد هذه المسائل . و فيما يتقدّم هذا النقاش على أرضية أفضل للممارسة الثورية الحالية ، فهو يطال بعض المسائل المتعلّقة بالماضي و رؤاه . و بعض المسائل المفاتيح لهذا الجدال هي دحض الديمقراطية البرجوازية و دروس الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و تلخيص تجارب مؤسسات الحكم البروليتاري . وقد عالجت المواقف التصفوية للجنة المركزية لإعادة التنظيم ،الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) هي كذلك هذه المواضيع من وجهة نظر برجوازية . و بهذا تبقى مفيدة كمثال سيئ. و بالتالى لن يكون غير مجدي أن نعود من جديد إلى المسائل التى طرحها الصراع فهي متصلة بالفلسفة ، مثل الموقف الطبقي ، و المنهج و أسس الماركسية و الإشتراكية العلمية ، كدور الحزب فى نظام الدولة الإشتراكية.
سننطلق مع المفاهيم الكامنة وراء نقد اللجنة المركزية لإعادة التنظيم لدكتاتورية البروليتاريا (1) .
و يمكن إجمالها كالتالي ذكره : 1- التناقض بين الفرد و المجتمع مختلف عن التناقض الطبقي . 2- بينما الديمقراطية شكل من أشكال الدولة ، فهي أيضا شكل من التنظيم الإجتماعي ، يعالج فعلا تناقض الفرد – المجتمع. 3- و هكذا ، رغم أنّ الديمقراطية كشكل من أشكال الدولة دكتاتورية طبقية ، فإّن لها كذلك مظهر غير طبقي.
وهذه المفاهيم توسّع فيها لاحقا ك. فينو الذى كان يحاول منذ أواسط الثمانينات أن يصوغ " نظرية المظاهر غير الطبقية ". و تشترك هذه النظرة فى الكثير مع النقد البرجوازي و البرجوازي الصغير للماركسية و فى الولع الشديد ب " ما بعد المعاصرة " ؛ و فى الإطار الهندي ، تدعم الذين يحاججون بأنّ الماركسية ليس بوسعها تفحّص مسألة الكاست أو مواضيع مشابهة بسبب موقفها الطبقي. و تدّعى " نظرية المظاهر غير الطبقية " أنّ هذا الضعف ينشأ عن " التقليص الطبقي" و تدّعي أنّها " تصحيح جدلي " له.
الديمقراطية كشكل من التنظيم الإجتماعي :
....................
التمسّك بالأسس و تطوير الإيديولوجيا :
من الدروس الهامة المستخلصة من الصراع ضد مواقف اللجنة المركزية لإعادة التنظيم ، الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) التصفوية ، درس التذكير القوي بكلمات ماو تسى تونغ "... المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، إن نقضت فسترتكب أخطاء. " (11)
و هذا يعطى أيضا توجّها لمهمّة تطوير الماركسية لأجل مواجهة التحدّيات الجديدة النابعة عن الممارسة والنظرية. و مثلما رأينا فى الأقسام السابقة ، فإنّ حجر الزاوية فى إنحراف اللجنة المركزية لإعادة التنظيم هو إبتعادها عن الموقف الطبقي البروليتاري و الفلسفة و المنهج اللذان يطبقهما لتحليل الأصناف مثل الفرد و الديمقراطية ، و مثاليته و ميتافيزيقيته و معالجته اللاتاريخية للموضوع ، كانت النتيجة. و من ثمة وضع هذا فى خدمة إنكار تطبيق الموقف الطبقي فى تحليل مختلف الأصناف الإجتماعية. و لاحقا ، صاغ ك. فينو ، بصراحة ، ،إثر تصفية اللجنة المركزية لإعادة التنظيم ، الحزب الشيوعي الهندي ، (الماركسي – اللينيني) ، هجومه على ما يسمى " الأصولية الماركسية " . و على هذا النحو إختار أن يصف الدفاع الثابت عن المبادئ الأساسية للماركسية. وقد حاول فينو أن يقدّم هجومه كصراع شرعي ضد الدغمائية.
و تتميّز القفزات فى تاريخ تطوّر الإيديولوجيا البروليتارية بكلّ من القطيعة و الإستمرار . ويرى المرء العلاقة الجدلية بين الإثنين. الإستمرار عبر القطيعة و القطيعة تصبح ممكنة بالإستمرار . بمعنى ما ناقشنا أعلاه ، يمكن أن نصف هذا بالوقوف بصلابة على المبادئ الأساسية ( أو الجوهرية ) للماركسية بتطويرها من خلال التطبيق الخلاّق لتتناسب و الواقع الإجتماعي المعاصر و المهام. و على العكس من هذا ، فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية هناك أيضا عدد كبير من الأمثلة عن الإنحرافات التحريفية و جميعها وقع تبريرها بالقطع مع المبادئ " التى عفا عنها الزمن" . و فى تعارض ظاهري تام ، نجد التيار الدغمائي. و كان تأكيده على التمسّك الحرفي نداء لتجاهل جوهر المبادئ الماركسية و تطبيقها فى الظروف المعطاة. تنكر كلّ من التحريفية و الدغمائية القطيعة و الإستمرار. لكن ما الذى يسمح بإستيعاب الجدلية ؟ الحقيقة العالمية للماركسية و موقفها الطبقي و منهجها و ، فوق كلّ شيء ، مهمّتها الثورية. إذا وضع هذا موضع السؤال عندئذ نفقد رباطة الجأش. و هذا ما حصل لك. فينو . و اليوم و نحن نثير الأسئلة حول " إعادة تفحّص أسس الماركسية " سيكون من المجدي أن نتذكّر هذه المبادئ الأساسية. و فضلا عن ذلك ، تحمل ضبابية الحديث ذاته عن " إعادة " تفحّص " أسس الماركسية " دون صياغة ما هي بالضبط ، بذور تقليص الماركسية إلى منهج منفصل عن موقفها البروليتاري المتحزّب. و من المهمّ جدّا أن نشدّد على هذا اليوم فى الوقت الذى يقع فيه الضغط على التهمة القديمة للفكر التقليصي ضد الماركسية من قبل التيار ما بعد المعاصرة المأثّر .
كمثال ، خلال السنوات الخمسين الماضية أو ما يناهزها ، قد تعمّق الفهم الماركسي للجندرية و الكاست و المواضيع المشابهة. لقد أتى ذلك نتيجة النضال من أجل القطع مع التفكير الدغمائي و التقليص الذى وضع حدّا لمعالجة المسائل الضاغطة التى طرحتها حركات إجتماعية متنوّعة. لكن هل يعنى هذا إنكار الدور المركزي للطبقة فى فهم الواقع الإجتماعي ( أساس من أسس الماركسية) ؟ أو هل هو تقدّم نحو فهم أعمق لهذا الدور؟ و على الدوام ، قد كان التمظهر السياسي للفكر التقليصي هو الإقتصادوية ( سواء فى شكل يميني أو " يساري" ). لذا ما بلغناه اليوم ليس فقط فهما عميقا لكن إستردادا للجوهرالثوري للموقف الطبقي البروليتاري. إنّه تعزيز للأسس.
غالبا جدّا ، تعرقل الدغمائية التطبيق الخلاّق للماركسية . إنّها تقاوم ذات فكرة إعادة تفحّص مواقفنا على ضوء الواقع الراهن أو على ضوء الخصوصيات. كيف نناضل ضد هذا دون فقدان التمسّك بالمبادئ الأساسية ؟ و يعنى تقدّم فى الفهم ، ومزيدا من التطبيق الخلاّق الذى يطوّر الماركسية ، أيضا القطع مع بعض النماذج المقبولة. إلاّ أنّ النماذج ليست من الأسس. و التقدّم بالماركسية ممكن فقط حين يتمّ تطبيق المبادئ الأساسية. و رغم أنّ مثل هذا التقدّم الجديد فى الماركسية يتأتّى من التطبيق العملي و التثبّت من الصحّة عبر الممارسة فى بلد معيّن ، فإنّه يتضمّن بُعدَ العالمية بالتحديد لأنّ الأسس تقوده. و البُعد العالمي يكمن بالضبط فى هذا . و الحديث عن بلوغ العالمية كميّا أو نوعيّا فى إطار الإيديولوجيا لا معنى له. لكن رغم تضمّن العالمية ، يحتاج مثل هذا التقدّم إلى بلوغ " قفزة " تبرّر التوصيف ك " فكر" أو " طريق " . و لا يمكن أن يوجد تقدّم إيديولوجي مفيد لبلد خاص فقط ، و لفيلق خاص من البروليتاريا (5).
هناك أيضا قضية منهج فى المسألة بكاملها. الماركسية أيضا علم. لذا لا يمكن مقارنتها مع العلوم الطبيعية ، حيث الإكتشافات الجديدة قد أدّت إلى إعادة تفحّص المفاهيم الأساسية . و الطابع المميّز لهذه الأخيرة هو تحزّبها الطبقي . و بينما الوقائع الإجتماعية جزء من الواقع الموضوعي ، فإنّ سيرورة التعرّف عليها و البحث عن الحقيقة ، و كذلك مدى إمكانية تلخيص الحقيقة ، تنزع إلى الإرتباط وثيقا بالموقف الطبقي . إن كان شيء جديد حقّا جديد فى حدّ ذاته مسألة صراع طبقي ، فى المجال النظري و كذلك فى مجال الممارسة . و كل هذا ينبع من سحب بسيط لمناهج العلوم الطبيعية على إعادة تفحّص المواقف الماركسية .
الديمقراطية الإشتراكية و خطر إعادة تركيز الرأسمالية :
لقد تحدّد الأفق السياسي التصفوي للجنة المركزية لإعادة التنظيم ، الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسية – اللينينية ) فى مؤسسات الديمقراطية الشكلية – المؤسسات التمثيلية و مبدأ الإقتراع . لكن ، بناة الإشتراكية أبقوا أنظارهم بصلابة على تخطّي " حقّ اللامساواة " الذى ظلّ موجودا فى ظلّ الديمقراطية البروليتارية وعلى مبدأ التوزيع الإشتراكي . لقد أعرب لينين عن فخره ، وهو على حقّ ، لأنّ الدولة السوفياتية الجديدة كانت مليون مرّة أكثر ديمقراطية و نوعيّا أفضل من الديمقراطية البرجوازية. كان واضحا جدّا كذلك أنّها لا تزال بعدُ " دولة برجوازية دون برجوازية ! " (12) ، بما أنّ الحق البرجوازي لا يزال موجودا فى شكل مساواة .
الحق البرجوازي ذاته هو أحد أهمّ العوائق للإلغاء النهائي للطبقات. و دون إلغاء الطبقات لن يوجد أبدا " مزيج الأفراد" و المشاركة الأتمّ للأفراد كأفراد فى الحياة الإجتماعية . فى ظلّ الإشتراكية ، يوجد الحق البرجوازي فى القاعدة الإقتصادية و كذلك فى البناء الفوقي. ( فى البناء الفوقي يوجد فى تناقض بين القادة و المقودين و بين الدولة و الجماهير) . وتنشأ العناصر البرجوازية الجديدة أساسا عن هذه العلاقات المادية. خيار الإشتراكية أو الرأسمالية يجيب عنه الذين يقفون من أجل الحفاظ عليه و توسيعه و تعزيزه . و الحقّ البرجوازي ذاته يغدو موضوع صراع طبقي.
ملخّصا تجارب الإتحاد السوفياتي ، طوّر ماو تسى تونغ بصفة لامعة المفهوم الماركسي للحزب و نظرية مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا. ونقده لمفهوم " الحزب ذى الوحدة الصماّء " و تطويره لصراع الخطين معروفان للغاية. و كانت لذلك صلة مباشرة بالدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا و تطوير الديمقراطية الإشتراكية. و أثبتت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و طوّرت كلّ هذا فإعتبرت حجر الزاوية الذى حقّق تماما القفزة من الماركسية – اللينينية إلى الماركسية – اللينينية – الماوية . و دلّلت قطعيّا على أنّه بإمكان الشيوعيين أن يطلقوا المبادرة الثورية للجماهير بصورة باهرة ، إلى درجة أنّها تثابر على الصراع الطبقي و تمضي قدما فى التقليص من الحقّ البرجوازي. و الجماهير لم تشارك فى تصريف شؤون الدولة على نطاق لم يسبق له مثيل و حسب ، و إنّما كان النضال من أجل تقليص الحقّ البرجوازي كذلك قد تعمّق نظريّا و عمليّا . و نشأت الأشكال الجديدة و الغنية لمساعدة الجماهير و تشريكها فى تسيير الدولة و الحزب ، مثل " اللافتات ذات الحروف الكبيرة " [ الدازيباو] و إنتداب أعضاء حزب جدد خلال الإجتماعات الجماهيرية ، و صارت مؤسساتية. و قد ضمّن هذا ، ومنه حقّ الإضراب ، فى الدستور الجديد لجمهورية الصين الشعبية. وتمّ كسب ذلك بواسطة صراع طبقي مرير ضد أتباع الطريق الرأسمالي و لا يمكن الحفاظ عليه و تطويره سوى بواسطة هذا النضال. و إستهدف كلّ هذا تعزيز الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية. و مثلما أشار ماو ، " أي غياب للوضوح بهذا الصدد سيؤدى إلى التحريفية "(7).
و قد أملت إعادة تركيز الرأسمالية فى الأخير فى الصين على الماويين أن يبنوا إنطلاقا من هذه القمّة العالية التى بلغتها البروليتاريا ، نظريا و عمليّا. غير أّنه ليس بوسعهم القيام بهذا إلاّ إذا تحلّوا بالحذر تجاه مخاطر رؤية مثالية ( بمعنييها ) للديمقراطية الإشتراكية التى تجهل خطر إعادة تركيز الرأسمالية . يجب أن نتذكّر الضرورات المادية التى تواجه الطليعة خلال الإنتقال الإشتراكي . و علاوة على ذلك ، ينبغى أن لا تغيب عن أذهاننا المشاكل الخاصة بالدولة كدولة.
تمثّل كلّ الدول السلطة السياسية للطبقة الحاكمة ، و وسائل فرض مصالحها الطبقية. و لهذا بالذات لا يمكن أن نسحب نقد مفهوم الوحدة الصماء على الدولة ، لا يمكن لامركزة سلطة الدولة . و بالفعل ، هذه الحجّة عن " لامركزة السلطة " التى إستعارها فينو من غاندي ، مثال حاد عن النظرة المثالية للدولة . و تحتاج الدولة بطبيعتها إلى بعض المؤسسات التى تضمن تواصل هذه المصلحة الطبقية . و مؤسسة النظام الملكي فى الإقطاعية و البيروقراطية و الجيش القائمين فى الرأسمالية امثلة على ذلك. لكن مثل هذه المؤسسات التى " تقع فوق" المجتمع كقوّة منبوذة ، غير مقبولة بالنسبة للدولة البروليتارية نظرا لأنّ مهمّتها هي إعادة هذه السلطة المنبوذة إلى المجتمع . و مع ذلك ، لكونها دولة ، لا يمكنها أن تتجنّب مؤسسة تضمن ( أو تجتهد لضمان) تواصل مصالح الطبقة البروليتارية. و الحلّ الذى تفرضه الظروف ، ولاحقا ينظّر له، كان الموقع القيادي الشامل للحزب فى نظام الدولة فى الإشتراكية ، الدور القيادي المؤسساتي للحزب فى دكتاتورية البروليتاريا. و لا مجال للتخلّى عن هذا الدرس التاريخي .
فى المدّة الأخيرة ، قدّمت نظرة عن إدماج مبدأ السماح بالمعارضة ، و السماح بالمواقف التى يدافع عنها غير الشيوعيين فى المجتمع الإشتراكي . إنّها تنادي بالمشاركة و المبادرة النشيطتين لقطاعات واسعة من الجماهير و الفئات الوسطى، حتى إذا لم تنتمى إلى الإيديولوجيا الشيوعية ، أو يمكن حتى أن تعارض مظاهرا من خطّ الحزب و سياساته. هذا صحيح. لكن بالنسبة لكافة الدعاوى المقدّمة ، ليس هذا بالشيء الجديد . فأفكار مماثلة حول السماح بتنافس الأفكار المتعارضة قد تضمّنها عمل ماو الريادي " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات صلب الشعب" حيث تتمّ المحاججة من أجل أساسه الفلسفي و السياسي. لقد أرسى قاعدة ندائه الشهير " لتزدهر مائة زهرة و تتنافس مائة مدرسة فكرية ". و حدود التطبيق الفعلي لهذه السياسات هي الأخرى جزء من التجارب التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا التى تجب معالجتها بالملموس؛ أي ليس فقط على مستوى المقاربة و المنهج لكن أيضا بمعنى نظام الدولة . و لم يكن الصراع الإيديولوجي كافى ليجعل الهجوم اليميني الذى شنّ خلال خمسينات القرن الماضي فى الصين يتراجع بينما يتمّ الإبقاء على إزدهار مائة زهرة . كان من اللازم أن تستند إلى ممارسة دكتاتورية البروليتاريا .(8) وقد صار هذا هيّنا بفعل الموقع القيادي للحزب فى نظام الدولة .
ولنتذكّر نقد روزا لكسمبورغ للبلاشفة لمنعهم المعارضة. بالتأكيد كانت على حقّ فى لفت النظر إلى خنق الحياة السياسية فى ظروف منع المعارضة . لكن ، فى ظروف معينة ، التمسّك بهذا كمسألة مبدئية سيقود إلى تحطيم الدولة البروليتارية الجديدة الناشئة . و عرف موقف لينين حول ممارسة دكتاتورية البروليتاريا عبر الحزب تبدّلا نسبة لموقفه السابق الذى كان يقبل بإمكانية وصول المعارضة للحكومة بكسب الأغلبية فى السوفياتات . و قد إضطرّ إلى ذلك جراء الصراع الشرس ضد خطر الثورة المضادة .
فى إطار مغاير و فى علاقة بمسألة تشريك الجماهير فى تصريف الدولة ، كان على ماو أيضا أن يتخلّى عن الكمونة. و مع ذلك ، كان مبدأ كمونة باريس للإقتراع لتشكيل الأجهزة الجديدة للسلطة أحد النقاط المركزية من " قرار ال16 نقطة " الذى كان يرشد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . و هذا يشير إلى تناقض حقيقي سيكون على الحزب الشيوعي فى السلطة أن يواجهه ، التناقض بين توجهه و تطبيقه الملموس فى شتى الظروف . إنّه ينبع من التناقض بين المهمّة الوحيدة لدولة البروليتاريا وهي إيجاد ظروف إضمحلالها الخاص و ما تشترك فيه مع كافة الدول كأداة للقمع. يجب معالجة هذين المظهرين معا .
و الموقع القيادي للحزب الشيوعي هو بالفعل المراقبة الحيوية للسلطة السياسية ، بمعنى أن الأحزاب الأخرى مستبعدة من مراقبة الأدوات الحيوية للدولة . و هذا صحيح حتى حين تتمّ ممارسة السلطة بجلب المزيد و المزيد من الجماهير إلى تسيير الدولة و ظروف إضمحلالها تلقى التشجيع. و المخاطر المتربّصة ظاهرة هي الأخرى . و إلى جانب العناصر البرجوازية الجديدة و القديمة التى ستلتحق بصفوف الحزب الشيوعي الحاكم،و فساد المتاع البيروقراطي الناجم بطريق الحتم عن أي دور مؤسساتي سيدفع أيضا بعيدا عن هدف التقدّم نحو الشيوعية . لقد كان كلّ من لينين و ماو واعين بهذا و حاولا تطوير الهياكل و المناهج لمعالجته . و علينا أن نتقدّم أكثر فى هذا الإتجاه لسببين إثنين ، إحداهما هو الحدّ من ما لا يمكن تجنبه من تصلّب و بيروقراطية الناجمين عن الدور القيادي المؤسساتي للحزب ، و الآخر هو إعداد الظروف الأنسب للشيوعيين و للجماهير الثورية لتصارع من أجل إعادة تركيز الإشتراكية فى حال إفتكاك اتباع الطريق الرأسمالي للسلطة .
و بهذا المضمار ، صحيحة هي بعض المواقف المقدّمة حول تسليح الجماهير و خطوة مدوّية إلى الأمام ، حتى ولو أنّها لن تكون الحلّ الوحيد . فى وضع عالمي معيّن ليس بوسع الدولة البروليتارية أن تعيش دون جيش دائم . بيد أنّ التجارب إلى حدّ الآن، قد بيّنت أهمية إيجاد أفضل الظروف لمقاومة أو خوض ثورة مسلّحة شديدة ضد الإنقلاب الرأسمالي . كذلك ثمة درس هام آخر هو تطوير مناهج أفضل للإبقاء على اللون الأحمر للجيش الشعبي ، على غرار إبقائه ضمن الجماهير. و ليس بلا سبب أن مثل هذه الخطوات قد تصدّى لها و بشراسة أتباع الطريق الرأسمالي فى الصين ؟ و المقارنة بين الجيش الأحمر السوفياتي ، لا سيما بعد ثلاثينات القرن العشرين ، و النموذج الذى كان ماو يحاول تطويره بالإعتماد على تجربة يانان ، معروفة أيضا. و هذا يحذّرنا من الإستهانة بأهمية مثل هذه السياسات بالتشديد كثيرا على ضرورة تحسين إحترافية الجيش الدائم .
هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، لا تتلاءم المقترحات بالسماح لأحزاب أخرى بالتنافس مع الحزب الشيوعي من أجل سلطة الحكومة مع الدروس التاريخية المريرة. و أتباع الطريق الرأسمالي ، المرتبطين حتما بالإمبريالية ، لن يحترموا أبدا الدستور الإشتراكي عندما يبلغون السلطة. و كذلك يسمح تداول قطاعات من الحزب على مواقع السلطة بمراقبة البقرطة لكن ماذا عن خطّ الذين يمارسون السلطة أو الذين أتى دورهم للقيام بذلك ؟ هل يجب على الذين لهم خطّ خاطئ أن يحصلوا على دورهم أيضا كمسألة مبدئية ؟ و من سيتحكّم فى الجيش ؟ فى ما يتصل بنظام الدولة الإشتراكية ، جوهر المسألة هو الدور القيادي المؤسساتي للحزب الشيوعي . و مثلما أشرنا إلى ذلك أعلاه ، كان هذا نتاج ظروف ، و لا وجود لشيء فى الماركسية مفاده أنّ هذا هو الحلّ الوحيد. لكن ، طالما ظلّت هذه الظروف قائمة ، ينبغى على الماركسية أن تأكّد على شيء واحد – يجب على المبادرة الجديدة أن تقدر على التعاطي مع الدوافع التى جعلت ضروريّا هذا الدور للحزب الشيوعي فى نظام الدولة الإشتراكية .
لقد هزمت الكمونة نظرا لضعف مركزيتها . و فى حين عالجت الثورة الروسية هذا ، فإنّ هزيمتها فى النهاية أبقت لنا درس أنّ المركزية عبر الحزب ليست الجواب الشامل. وهو شيء حاول ماو تسى تونغ التعاطي معه خلال بناء الإشتراكية فى الصين – فى تسيير الدولة و التخطيط و منع إعادة تركيز الرأسمالية. و علينا أن نتقدّم إنطلاقا من ذلك . إلاّ أنّه علينا أن نقوم بذلك دون نسيان الدروس التاريخية و دون تجاهل الحاجة إلى تكريس المقاربة الصحيحة بالبحث عن هياكل للدولة البروليتارية تكون أفضل و أنسب . فكافة أشكال الحكم البروليتاري المعروفة إلى الآن ، الكمونة و السوفيات و اللجان الثورية ، أطاح بها التقدّم العاصف للجماهير الثورية الصانعة للتاريخ . و سيكون هذا صحيحا أيضا فى المستقبل . و الهزائم التى مُنيت بها الإشتراكية قد ألهمت الماويين لتسلّق قمم جديدة . و الموجة الجديدة من الثورة بالتأكيد ستنشأ أشكالا أجدّ و أفضل لدكتاتورية البروليتاريا ، أكثر تقدّما من السوفياتات و اللجان الثورية . ستوجد أشكال جديدة أقدر على ممارسة الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية بجلب الجماهير إلى تسيير الدولة و تسليحها لإيجاد بحر من الجماهير المسلّحة .
1- أنظروا " نبذ وجهات نظر اللجنة المركزية لإعادة التنظيم ، الحزب الشيوعي الهنجي (الماركسي – اللينيني) حول الخطّ العسكري"، " رعد الربيع " عدد 1، 1998، من أجل نقد لتطوّر إنحرافات اللجنة المركزية لإعادة التنظيم ،الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي – اللينيني ) . و قد وقع نشر مقتطف من هذا المقال فى " عالم نربحه" عدد 26 ، ص 78-88 . و أنظروا أيضا " الديمقراطية ، أكثرمن أي زمن مضى ، بوسعنا و ن واجبنا أن ننجوز أفضل من ذلك" ، بوب آفاكيان ، " عالم نربحه" عدد 17 ، من أجل جدال ضد وثيقة اللجنة المركزية لإعادة التنظيم : " حول الديمقراطية البروليتارية " .
11- " خطاب فىندوة الحزب الشيوعي الصيني الوطنية حول أعمال الدعاية " ، ماو تسى تونغ ، الأعمال المختارة ، المجلد الخامس ، منشورات بالغات الأجنبية ، بيكين 1977، ص 434 .
5- " الإيديولوجيا الألمانية "، ص 65-66.
12- أنظروا " القتال من أجل تركيز الماوية " ، آجيث ، نكسلباري عدد@ . ويمكن مطالعته على الأنترنت على الرابط :
www.briefcase/naxalbari_in/yahoo.co.in.

7- " ضد دوهرينغ" ، ف. إنجلز ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكيكن ،1976، ص 134 - 135.
8- " نقد برنامج غوتا " ، كارل ماركس ، الأعمال المختارة ، ص 10.
-2-
النقاش الراهن حول نظام الدولة الإشتراكية
ردّ من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية / 2006
كتب المقال التالي فى الأصل للترويج فى صفوف أحزاب و منظمات الحركة الأممية الثورية فى جوان 2006. وهو ردّ على مقال صاغه آجيث من الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني ) ( نكسلباري) ، تحت عنوان " نظام الدولة الإشتراكية " و قد نشر فى مجلّة " الموجة الجديدة ". و إعتمد ذلك المقال بصورة واسعة على مادة سابقة من سنة 1998 و فيها كان نكسلباري نقد ك. فينو، قائد سابق للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) [ اللجنة المركزية لإعادة التنظيم]. و بضعة الفقرات المضافة لمقال آجيث ، تعلّق على بعض كتابات الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ، و كذلك على كتابات بوب آفاكيان بما فيها عناصر من الخلاصة الجديدة للشيوعية لآفاكيان .
لقد إعترض مقال آجيث على صيغة آفاكيان " لبّ صلب مع الكثير من المرونة " فى ما يتصل بالمرحلة الإشتراكية الإنتقالية ، و يدافع آجيث عن أنّ حجج مقاربة آفاكيان ليست فى الواقع مختلفة عن ما حاجج من أجله ماو بسياسة " لتتفتّح مائة زهرة ، لتتنافس مائة مدرسة فكرية " و أنّ ذلك تبيّن غير ممكن جراء الظروف الفعلية للثورة الإشتراكية .
و إضافة إلى ذلك ، يحاجج بأنّه بسبب " الموقف البروليتاري المتحزّب " للماركسية ، ليس بوسعها (و لا ينبغى أن تحاول ) أن تتطابق مع المنهج العلمي المستعمل فى العلوم الطبيعية. و هكذا يعبّر مقال آجيث عن نزعات نظرية و ابستيمولوجية موجودة منذ مدّة طويلة فى صفوف الحركة الشيوعية و التى حدّدها بوب آفاكيان و صارع و لا يزال يصارع من أجل أن تقطع معها الحركة الشيوعية .
مقال آجيث متوفّر على الأنترنت ، و فى شهر جوان 2012 ، أمكن الحصول عليه على الرابط التالي :
http://thenewwave.files.wordpress.com/2007/10/nw-2-full-final-1.pdf
منذ هذا التبادل الأوّلى للمقالات ، صارت الإختلافات المنعكسة هنا أحدّ و صار النزاع أشدّ فى صفوف القوى التى توحّدت فى إطار الحركة الأممية الثورية . و نعتقد أنّ هذا التبادل للمقالات ليس مهمّا فقط للذين يبحثون عن فهم جذور الخلافات صلب الحركة الشيوعية العالمية ، و إنّما تساعده هذه المقالات أيضا على تبيان بعض معاني و تبعات الخطّان السياسيان و الإيديولوجيان المختلفان .
هنا ننشر المقال كما كتب سنة 2006 مع تغيير طفيف فقط إحتراما لسرّية المبادلات داخل الحركة الأممية الثورية .
----------------------------------------------------------------------------------
لقد صاغ الرفيق آجيث من الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) ( نكسلباري) مقالا بعنوان " نظام الدولة الإشتراكية " فيه عرض بعض المواقف الواضحة و المطوّرة بشأن جملة من المسائل التى هي بصدد النقاش فى صفوف الحركة الأممية الثورية و الحركة الشيوعية العالمية بصفة أعمّ . معظم المقال يعتمد على مادّة سابقة لنقد تقديس ك. فينو للديمقراطية البرجوازية و"نظريته للمظاهر اللاطبقية ". و قد كتب حزبنا نقاشا طويلا لإنحرافات فينو فى مقال عنوانه " الديمقراطية ، الآن أكثر من أي زمن مضى ، بوسعنا و من واجبنا أن ننجز أفضل من ذلك "، ألّفه رئيس حزبنا بوب آفاكيان و نشر فى العدد 17 من مجلّة " عالم نربحه " . و ليس هدفنا هنا التركيز على إنحرافات فينو أو تفحّص متمعّن لحجج نكسلباري ضدّها. سنركّز بالأحرى ملاحظاتنا على مقاطع المقال التى أضيفت فى المدّة الأخيرة كمشاركة فى النقاش الراهن فى صفوف الحركة الأممية الثورية .
لمقال الرفيق آجيث الفضل فى كونه نافذة على مقاربة الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي – اللينيني ) ( نكسلباري) و تفكيره ، و مقاربة و تفكير البعض الآخرين ايضا، ليس بشأن نقاط خاصة محلّ النقاش فقط ، و إنّما بشأن المسائل الأساسية لإيديولوجيتنا. فى مقال آجيث نعثر على حجّة تبحث عن تعليل التشبّث ببعض ذات ملامح حركتنا و التفكير القديم الذين يحتاجون فى معظمهم إلى إعادة تفحّص. و هذا لا يعنى بأية حال أن الحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي – اللينيني) ( نكسلباري) أسوأ المدافعين عن هذا ؛ بالعكس ، أمر جيّد أنّهم إعترفوا بأهمّية النقاش الجاري و أنّهم يجتهدون للإشتراك فيه مشاركة تامة. و فضلا عن ذلك ، أصاب الرفيق آجيث فى تشديده على الأهمّية الكبرى لدروس تجربة فينو التى تعنى جوهريّا تعويض الماركسية – اللينينية – الماوية بنوع من الإيديولوجيا الديمقراطية البرجوازية. و مع ذلك ، إنّنا لمقتنعون بأنّ نضال الرفيق آجيث فى الدفاع عن مبادئ الماركسية – اللينينية – الماوية عرقله رفضه أن تعالج واقعيا نواقص المشروع الشيوعي . و تعكس حججه قيادة أجنحة فى حركتنا ما يستدعى منّا نبذها إن أردنا حقّا الصعود إلى القمم التى هي معا ضرورية و ممكنة فى ظروف اليوم . بهذه الروح ، أعددنا هذا الردّ على الرفيق آجيث ، آملين أنّه عبر النقاش المحتدّ داخل الحركة الأممية الثورية ، سنكون قادرين على أن نمضي عبر القفزات و التغييرات الضرورية التى نحن فى حاجة ماسة إليها.
لننطلق من العالم الموضوعي :
لا يركّز مقال آجيث على تحليل الوضع الموضوعي الراهن فى العالم و هذا الردّ ليس مجال شرح مطوّل لفهمنا نحن الخاص المختلف، إلاّ أنّه من المفيد أن نشير إلى أنّ آجيث بدأ مقاله ب " تأطير" النقاش الجاري بما يجب أن نسميه نظرة ذاتية للوضع العالمي الحالي. فهو يقول لنا إنّ " الثورة هي التيار الأساسي" فى عالم اليوم و إنّ " الوضع العالمي أكثر مواتاة للجماهير الثورية منه للإمبرياليين".
لقد حان الوقت منذ زمن لأن يكفّ الشيوعيون عن تعويض الواقع بالأماني. التصريح بتقييم أن ّ كلّ نزاع رجعي ، ديني أو قومي جزء من " الموجة الصاعدة " من الثورة البروليتارية لا يعدو أن يكون" إدعاء". فمثلا قد شاهدنا أنّ عديد القوى الشيوعية خارج الحركة الأممية الثورية ، مثل الحزب الشيوعي الفليبيني و الحزب الشيوعي الهندي(الماوي) ، قد رحّبت دون نقد ب " المقاومة العراقية " ، متجاهلة القيادة الرجعية و متعاملة معها كما لو أنّها تلعب نفس الدور الثوري الذى لعبته جبهة التحرير الوطني خلال حرب الفيتنام .
ثمّ يمضى آجيث قدما ليدّعي أن " خطوات جريئة إلى الأمام فى الممارسة الثورية " ، لا سيما شنّ حرب الشعب ، ستخدم وضع الماوية على رأس النضال الثوري العالمي. و رغم أنّ فهمنا الحالي هو أنّه " بالتأكيد قادر" على إنجاز هذا حسب وجهة نظر آجيث ، فإنّ مزيد تطوير النظرية مطلوب " أيضا ".
لاشكّ فى أنّ الرفيق يعتبر تأكيده هذا و إعتبار أنّ خطّ الحركة الأممية الثورية و فهمها قادر على شنّ حرب الشعب و هكذا تركيز الماوية فى قيادة النضال، مظهر من التفاؤل الثوري ؛ فى حين أنّ الوضع الموضوعي يتطوّر بشكل شامل فى الإتجاه المعاكس و الصورة المزوّقة عن الواقع هي مثال آخر على " الحقيقة السياسية " ، أي الإعتقاد فى أنّ الحقيقة معتمدة ليس على ما يوجد فعليّا لكن على ما يعتبر مفيدا للتقدّم بالنضال السياسي .
إن كان فهمنا حقّا مناسبا و إن كان الوضع الموضوعي إيجابيّا بصفة شاملة ، ما الذى يشرح عدم قدرة الحركة الأممية الثورية أو غالبية الأحزاب و المنظّمات على ترسيخ ذاتها كقيادة للنضال الثوري فى عالم اليوم ؟ يتمّ تقليص القراءة إلى فهم ذاتي ، " إرادوي" فإذا " تجرّأ " المرء على خوض حرب الشعب ، فإنّ الوضع العام سيتغيّر على نحو ما .
هذه نظرة خاطئة من جوانب عدّة . أوّلا ، فى الواقا هي لا تقدّم خدمة للرفاق الذين قد حاولوا فى مناسبات عديدة و بصورة متكرّرة الإنطلاق فى الكفاح المسلّح و المحافظة عليه و قاموا بذلك ببطولة و بتضحيات جسام. كيف يشرح الفهم الذى يعبّر عنه آجيث ، مثلا، الإخفاق المتكرّر للثورة فى تركيا أو بنغلاداش فى بلوغ مرحلة حرب الشعب المستمرّة و الثابتة ؟ لن تقود مقاربة ذاتية ، و لن يقود العمى إزاء المشاكل التى تواجه الثورة فى مختلف البلدان و على النطاق العالمي ، إلى التقدّم فى الثورة.
و من جديد ، لا نرغب فى هذا المقال فى أن نناقش مطوّلا فهمنا للوضع العالمي الراهن (1) فالصورة الأساسية هي ان إحتداد تناقضات النظام الإمبريالي العالمي قد تفاقمت بصورة كبيرة و هذا يولّد كلاّ من هجمات جديدة للإمبرياليين وموجات جديدة من الصراعات و النزاعات ، و كلاّ من المخاطر و الفرص فى خضمّ هذه التناقضات ، و يترافق هذا مع ظهور أساس أقوى للثورة فى كلّ من البلدان المضطهَدَة و القلاع الإمبريالية ذاتها . و من غير الصحيح أن " الثورة هي التيار الأساسي" فى عالم اليوم بالمعنى الذى وضعه ماو فى أوج النهوض العالمي لستينات القرن العشرين.( من الصحيح أيضا أن التحليل العام الصائب الذى صاغه ماو إمتزج بفهم مرتبط بلين بياو و مطوّر فى عمله " عاش إنتصار حرب الشعب" الذى يتطرّق للتناقض الرئيسي بين الأمم و الشعوب المضطهَدَة و الإمبريالية بإعتباره التناقض المهمّ الوحيد للعالم الإمبريالي المعاصر و يجعل من مسألة خوض النضال ضد الإمبريالية " خطّ التمايز" بين الثوريين و التحريفيين. و من اليسير رؤية كيف أنّ هذا النوع من التحليل ، لا سيما فى ظروف اليوم ، يؤدّى إلى التذيّل للقومية البرجوازية أو الرجعية فى عديد النضالات (مثل المقاومة العراقية) ).
لا يتميّز الوضع الحالي بدرجة الإنجذاب و التوجه العفوي نحو الإشتراكية التى ميزّت تلك الفترة. و على الشيوعيين " السير ضد التيّار" على الدوام ، بكلمات ماو ، و هذا صحيح بوجه خاص فى الظروف المعقّدة اليوم التى تظلّ غير مناسبة جدّا إيديولوجيا على النطاق العالمي . و إذا أردنا أن ننجز ثورة ، يحتاج الشيوعيون إلى فهم العالم الموضوعي كما هو فعلا بكلّ تناقضاته و حركته و النضال إنطلاقا من ذلك. لسوء الحظّ ، سنرى أنّ مقال الرفيق آجيث يحاجج لصالح ما سيؤدى إلى معارضة الفهم المادي .
و فى الأساس ، سنركّز ملاحظاتنا على القسم الأخير من مقال نكسلباري إبتداءا من " التمسّك بالأسس و تطوير الإيديولوجيا ". على مستوى معيّن ، يمكن أن يبدو العنوان الفرعي معبّرا عن ذات الشيء السليم و العميق جدّا فى بيان الحركة الأممية الثورية بأنّ " لقد بيّن التاريخ فعلا أن التجديدات الحقيقية للماركسية (على عكس التشويهات التحريفية ) إنما كانت متصلة إتصالا وثيقا بمعارك ضارية للدفاع عن المبادئ الجوهرية للماركسية – اللينينية- الماوية و تدعيمها . " (2) لكن الرفيق آجيث يفهم "التمسّك بالأسس" بطريقة مغايرة و خاطئة.
يحاجج الرفيق آجيث : " حجر الزاوية فى إنحراف اللجنة المركزية لإعادة التنظيم هو إبتعادها عن الموقف الطبقي البروليتاري والفلسفة والمنهج اللذان يطبقهما لتحليل الأصناف مثل الفرد و الديمقراطية ، و مثاليته و ميتافيزيقيته و معالجته اللاتاريخية للموضوع ، كانت النتيجة." ( التسطير مضاف)
هنا بوضوح يفصل آجيث " الموقف الطبقي " عن الفلسفة و المنهج ؟ بيد أنّه بالنسبة للماركسيين" الفلسفة و المنهج " مركزيين بالنسبة للإيديولوجيا البروليتارية و ليسا مجرّد " نتيجة " للموقف الطبقي . ماذا يعنى " الموقف الطبقي البروليتاري" منفصلا عن الفلسفة و المنهج اللذان بمعية الموقف الطبقي يمثّلان الإيديولوجيا البروليتارية ؟ حقّا ، لا يمكن إلاّ أن يعني مجرّد المشاعر الطبقية من مثل التماثل مع الجماهير و كره الطبقات المستغِلّة و ما إلى ذلك . بهذا الصدد من المفيد النظر فى ملاحظات تشانغ تشن شياو (3) الذى يروى أنّه حاجج بأنّ " النظرية هي العامل الأكثر ديناميكية فى الإيديولوجيا " فى تعارض مع مجرّد المشاعر الطبقية. بإمكان نظرية و فلسفة و منهج صحيحين أو يؤدّوا إلى تغيير المشاعر الطبقية نحو التماثل مع الطبقات المستغَلة و هكذا ، بينما نظرية تنحرف عن الماركسية –اللينينية – الماوية ستفسد حتما أية مشاعر بروليتارية حقيقية . ألم نشاهد هذا المرّة تلو المرّة فى علاقة بالقادة التحريفيين ، و العديد منهم أتوا من صفوف الجماهير و بدأوا نشاطاتهم الثورية و مصالح الجماهير ملئ قلوبهم لكن توجّههم الطبقي تغيّر مع تقدّم الثورة و ظهور تحدّيات جديدة ؟ لم يقدروا على مواجهة ذلك تحديدا لأنهم لم يقطعوا مع المنهج و الرؤية البرجوازيين. غير أنّ عكس هذه العلاقة ، و المحاججة بأنّ الناس طوّروا خطوطا ومناهجا تحريفية بالأساس كنتيجة لمشاعرهم أو أحاسيسهم ، عملية قلب للجدلية . و بينما من المؤكّد أن تجربة الحياة و الأصول الطبقية و المشاعر الطبقية و نحوها يلعبون دورا فى تشكيل أي فرد و بالتالى يمكن أن يأثروا فى " فلسفته و منهجه" ، ليس هذا هو المظهر الرئيسي الذى يحدّد إيديولوجيتهم او الدور الذى سينهضون به . يجب أن تحكم المادية الجدلية و التاريخية سيرورة تطوّر الخطّ و النظرية و السياسات و هذا الخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى سيحدّد فى الأساس ما إذا و كيف بصراحة يمثّل قائد أو حزب مصالح البروليتاريا الطبقية. بإعطاء الأولوية ل " الموقف الطبقي " يدّعى آجيث أنّ هناك شيء آخر غير المادية الجدلية و التاريخية ، شيء آخر غير هل أنّ الخطّ يتناسب فعليّا و العالم المادي و قوانينه ، وهو هكذا مرشد للممارسة ، معيار آخر يمكن إستخدامه لتقرير هل أنّ خطّا أو قائدا قد إنحرف عن الإيديولوجيا البروليتارية .
لعلّ القرّاء سيتهموننا بأنّنا نستخرج الكثير من بضعة كلمات فى مقال آجيث إلاّ أنه من الممكن رؤية أنّ مع مزيد تطوّر حججه يبرز أنّ الأولوية المعطاة " للموقف الطبقي البروليتاري " على حساب " الفلسفة و المنهج " ( المادية الجدلية ) ليست أمرا عرضيّا.
فإثر ذلك بقليل ، فى نفس القسم من المقال ، يطلق نكسلباري تحذيرا : " تحمل ضبابية الحديث ذاته عن " إعادة " تفحّص " أسس الماركسية " دون صياغة ما هي بالضبط ، بذور تقليص الماركسية إلى منهج منفصل عن موقفها البروليتاري المتحزّب. "
إنّا غير متأكدين على ما تحيل " إعادة تفحص أسس الماركسية " بالنسبة لآجيث. فحزبنا لم يصدر نداء عاما قصد أية " إعادة تفحّص" من هذا القبيل إلاّ أنّه شدّد على مهمّة تطوير الماركسية و تطبيقها لمعالجة مشاكل المجتمع و الثورة. و مع ذلك ، فإنّ تعليق آجيث يكشف أمرين إثنين : أوّلا ، مرّة أخرى يأكّد على التعارض بين " الموقف و التحزّب " من جهة و المنهج من جهة أخرى. و ثانيا ، يشير آجيث إلى مسائل " أسس الماركسية " كصنف خاص يمكن بطريقة ما أن يتجنّب مجال المعالجة النقدية. وهو يقوم بذلك ، يقدّم آجيث الماركسية ، و " مبادئها الأساسية " ، ليس بمنهج و مقاربة علميين ، ليس معا كإفراز و كذلك وسيلة للبحث الإجتماعي ، و إنّما أساسا خارج هذه السيرورة .
و يواصل آجيث ليناقش بالتفصيل الخاص العلاقة بين تطوير الماركسية و مزيد مراكمة التجربة ( الممارسة) قائلا :" رغم أنّ مثل هذا التقدّم الجديد فى الماركسية يتأتّى من التطبيق العملي و التثبّت من الصحّة عبر الممارسة فى بلد معيّن ، فإنّه يتضمّن بُعدَ العالمية بالتحديد لأنّ الأسس تقوده . "
و ينطوي هذا المقطع على خطئين إثنين. قبل كلّ شيء ، من غير الصائب أن الخطوات إلى الأمام فى الماركسية تنشأ بالضرورة عن " التطبيق العملي و التثبّت من الصحّة عبر الممارسة فى بلد معيّن ". هذا ببساطة أمر غير صحيح إذا نظرنا فى السيرورة ذاتها لنشأة الماركسية عينها. فقد طوّر ماركس و إنجلز نظرتهم للعالم ليس فى الأساس إنطلاقا من أية ممارسة خاصة شاركوا فيها و أقلّ حتى إنطلاقا من نشاطات " فى بلد معيّن". و مثلما شدّد على ذلك لينين فى مقال شهير للغاية " المكونات الثلاثة و المصادر الثلاثة للماركسية " ، فإنّ الماركسية تكوّنت من عناصر من الإشتراكية الفرنسية و الإقتصاد السياسي الإنجليزي و الفلسفة الألمانية. و يستمرّ لينين فى ذات المقال ليناقش كيف أنّ الماركسية لم " تقف بعيدا " أبدا عن التطوّرات التى شهدها المجتمع الإنساني عموما و نعلم أنّ فى الواقع خلال حياة ماركس و إنجلز تواصل تطوّر نظريتهم على قاعدة المزيد من مراكمة تجربة البشرية ككلّ ( او على الأقلّ الكثير من هذه التجربة المراكمة مثلما توفرت لهما أثناء حياتهما ). لم يتناول ماركس و إنجلز بالبحث كافة مجالات الصراع الطبقي ( بما فى ذلك تعبيراته الإيديولوجية ) فحسب بل كذلك إستفادا كثيرا من التقدّم فى العلوم و تقنيات الإنتاج فى القرن 19 . وأعار إنجلز بوجه خاص ، إنتباها كبيرا لتلخيص التقدّم المعاصر فى العلم ، مثلا ، عمل داروين ، و أدمج هذه الإكتشافات الجديدة فى تفكيره .
و ثانيا ، ماذا عن التطوّر فى الماركسية الناجم بشكل مباشر أكثر عن الصراع الطبقي ، مثل أطروحة ماركس بخصوص دكتاتورية البروليتاريا و الحاجة إلى " تحطيم جهاز الدولة القائمة " الذى إتخذ صيغة أوضح بعدما لخّص ماركس تجربة كمونة باريس؟
هنا ينبغى أن نشير إلى أن ماركس لم يكن يقود كمونة باريس، و بالفعل كان أتباع ماركس قلّة قليلة من الناشطين ضمن الكمونة لذا فى الواقع لا يمكن أن نقول إنّ الماركسية كانت " تطبّق" إبّان كمونة باريس. و من الأكيد أنّه صحيح أنّ كمونة باريس وفّرت تجربة أغنى لماركس للتلخيص و كذلك صحيح أنّ كمونة باريس لم تثبت فى الممارسة العملية صحّة الأطروحات المركزية للماركسية التى حاجج من أجلها ماركس و إنجلز لعدّة عقود، و أهمّها الحاجة إلى ثورة بروليتارية . غير أنّ هذا المثال يبيّن انّ العلاقة بين التقدّم النظري و إثبات صحته و مزيد التقدّم فى الممارسة العملية سيرورة أعقد بكثير ممّا يبدو أنّ آجيث يقترح فى مقاله .
و سيكون أيضا من غير الصحيح أن نفكّر أنّه كان صحيحا و ضروريا بالنسبة لماركس و إنجلز أن يصوغا نظريتهما من التجارب المراكمة للبشرية لكن بعد تركيز هذه " الأسس" ليس بوسع الماركسية أن تتطوّر أكثر إلاّ عبر سيرورة تطبيقها فى الممارسة العملية . و بالفعل هذا خطأ شائع يبرّره لسوء الحظّ آجيث و ينظّر له فى مقاله .
و تجربة الصراع الطبقي ( على الأقلّ إذا ما فهمناها بجميع أبعادها ) هي إلى حدّ بعيد أهمّ عامل عند دراسة أو تلخيص التاريخ الإنساني. لكن هنا نحتاج إلى قول أمرين إثنين هما لا يمكن تقليص الصراع الطبقي إلى ذلك الذى تقوده قوى شيوعية حقيقية فى " بلد معيّن". فنظرة من هذا القبيل لن تكون قطّ سليمة حتى فى ظلّ ظروف حيث قطاعات واسعة من العالم كانت تحت حكم البروليتاريا ، ناهيك عن وضع اليوم و الحال أنّ الحركة الشيوعية غاية فى الضعف . و أية محاولة لتسوية تجربتنا المباشرة بالصراع الطبقي ككلّ ستكون فى منتهى الضيق . و إن كانت الماركسية ستتطوّر فى ظلّ الظروف الحالية ، فيجب بالـتأكيد أن تنتبه إلى دروس شتى النضالات فى المجالات الإقتصادية و السياسية و العسكرية و الإيديولوجية وأن تلخّصها . و عدد ضئيل من هذه النضالات يجرى فى ظلّ قيادة البروليتاريا و الكثير من الصراع الطبقي تشارك فيه طبقات وسطى أخرى ، كذلك الصراعات صلب الطبقات البرجوازية و الرجعية ذاتها ( مثل صراع القاعدة ، وهو جوهريّا صراع بين الطبقات و الفئات الرجعية ضد الإمبرياليين الغربيين ).
و فى حين أنّ التحليل الطبقي يمثّل حجر الزاوية فى التحليل الماركسي للأحداث المعاصرة ، فإنّه ينبغى أن يجري بصورة ملموسة و صحيحة . مثلا ، بوسعنا أيضا أن نلاحظ نزعات لدي عديد القوى نحوالتأويل الخاطئ لمختلف النضالات و الحركات على أنّها تعابير عن التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية وهي ليست كذلك أصلا. و مجدّدا ، للعودة إلى مثالنا عن الأصولية الدينية ، محاولين شرح هذا كتعبير عن التناقض بين الطبقتين الرئيسيتين ، أو رؤيته كجزء من الموجة الصاعدة من الثورة البروليتارية مثلما يكاد يخاطر آجيث بفعله فى المقدّمة الإنتصارية لمقاله ، سيقود إلى التذيّل و التخلّى عن مسؤولياتنا. بطبيعة الحال ، يوفّر الموقف ووجهة النظر و المنهج الماركسيين أساسا للتحليل الصحيح لظاهرة مثل نموّ الأصولية الدينية و تحديدها فى إطار تناقضات المجتمع المعاصر إلاّ أنّ هذا مغاير لكلّ من نزعة فينو ( التى يفضحها آجيث) لإعلان أنّ مثل هذه الظاهرة خارج مدى الماركسية ، و من ناحية أخرى ، تقليص الماركسية إلى جملة من المفاهيم و الصيغ المفروضة بقوّة على الظاهرة الموضوعية .
و المشكل الآخر بشأن جملة آجيث التى تناقش " عالمية " الماركسية هو ما يقدّمه كسبب كون خطوات التقدّم فى الماركسية عالمية . لا يحاجج بأنّها عالمية لأنّها صحيحة عالميّا ، بل بالأحرى لأنّها تتناسب مع أو لأنّها تقوم على ،" مبادئ " الماركسية. لقد غيّب المعيار الموضوعي للحقيقة ، أنّها تعكس الواقع المادي ، و يترتب عنها معيار آخر مناقض حيث حقيقة بعض الأفكار أو النظرية ( " عالميتها " ) يحدّدها إنسجامها مع الأسس التى أقيمت عليها . لو كان هذا صحيحا فإنّ أسس الماركسية لن تستطيع بتاتا أن تتطوّر أو تتغيّر وفق التحديد الذى يقترحه آجيث. ليست صورة واعدة لمستقبل إيديولوجيتنا العلمية .
العلم الطبيعي و العلم الإجتماعي :
يدعى آجيث أنّ هناك إختلاف جوهري فى المنهج و المقاربة بين العلوم الطبيعية و العلوم الإجتماعية. و فى حين يقبل بأن تتمّ إعادة تفحّص المبادئ الأساسية للعلوم الطبيعية بصورة دورية ( مثلا ، مثلما كان على أينشتاين أن يعيد تفحّص المبادئ الجوهري لنيوتن لأجل تفسير العالم تفسيرا ادقّ و أشمل ممّا إستطاع فعله نيوتن ) ، فإنّ هذه الضرورة ذاتها تنكر على العلوم الإجتماعية . حسب آجيث ، علم الإجتماع مختلف نوعيّا عن علم الطبيعة نظرا " لتحزبه الطبقي" .
" بينما الوقائع الإجتماعية جزء من الواقع الموضوعي ، فإنّ سيرورة التعرّف عليها و البحث عن الحقيقة ، و كذلك مدى إمكانية تلخيص الحقيقة ، تنزع إلى الإرتباط وثيقا بالموقف الطبقي. إن كان شيء جديد حقّا جديد فى حدّ ذاته مسألة صراع طبقي ، فى المجال النظري و كذلك فى مجال الممارسة. و كل هذا ينبع من سحب بسيط لمناهج العلوم الطبيعية على إعادة تفحّص المواقف الماركسية."
إنّ حجّة آجيث تتداخل مع حجة العديد من البرجوازيين المعارضين للماركسية مثل الفيلسوف كارل بوبر الذى أكّد على انّ الماركسية لا يمكن أن تعتبر علما حقيقيا .
موقف الرفيق آجيث مضطرب ، لكن وراء الإضطراب ثمّة تكرار لفكرة " الحقيقة السياسية " كما حاجج بصراحة البعض ضمن حركنا . نعم ، من الصحيح أنّ " سيرورة تحديد" الأحداث الإجتماعية مرتبطة بالصراع الطبقي ، كما يحاجج آجيث ، لكن ليس بالطريقة التى يعيّنها . أوّلا ، للطبقات المسيطرة مصلحة فى تعطيل إكتشاف بعض الحقائق ، و الأهمّ من ذلك ، هو أنّ الإنحراف الطبقي الخاص بها يمكن أن يتحوّل إلى معرقل ، ك" عمّامتين" متداخلا مع قدرتها على إكتشاف الحقائق ، بما فى ذلك فى العلوم الطبيعية ، حيث ، مثلا ، وقفت المفاهيم الدينية حجر عثرة فى طريق القبول بعديد الخطوات إلى الأمام كواقع أنّ الأرض تدور حول الشمس و ليست مركز الكون أو الرفض الأوّلي لأينشتاين لمبدأ هيزنبارع بعدم التأكّد لأنّ " الإلاه لا يخاطر بالعالم ". فى العلوم الإجتماعية ـ تدخّل الإنحراف الطبقي أبرز للعيان مثلما يمكن مشاهدة ذلك ، مثلا ، فى التمثّل العنيد لنظريات دونية بعض " الأعراق " أو النساء . يجب أن يوجد صراع حاد بالفعل بين البروليتاريا و البرجوازية فى مجال المنهج العلمي و الإبستيمولوجيا ( دراسة كيفية تطوّر المعرفة) . لكن أن تكون الفكرة أو النظرية صحيحة أو لا ، لا يرتهن بالصراع الطبقي بل يرتهن بالأحرى بما إذا كانت أم لا تعكس الواقع الموضوعي؛ و لو أنّ الإقرار بالحقيقة فى حدّ ذاته يمكن أن يكون مرتبطا بالصراع الطبقي . لنضرب مثالا ، نظرية قيمة العمل. هذا قانون موضوعي يحكم المجتمع الرأسمالي و قد وجد قبل أن يصوغه ماركس و إنجلز. و بالفعل فإنّ الإقتصادي السياسي البرجوازي الإنجليزي ريكاردو فهمه إلى درجة هامّة. و مع ذلك فإنّ الموقف الطبقي لريكاردو و تحديده لمصالحه الطبقية بالحفاظ على الوضع القائم على الأرجح هما اللذان جعلاه لا يرى مصدر الإستغلال الرأسمالي و لا يقدر على متابعة فهمه لقانون القيمة إلى درجة فهم طبيعة الإستغلال الرأسمالي القائم على المظهر الخاص لقوّة العمل كسلعة قادرة على إنتاج القيمة. لذا هنا بالملموس ندرك كيف أنّ النظرة الطبقية للعلوم الإجتماعية يمكن إمّا أن تسرّع أو تعرقل سيرورة بلوغ الحقيقة ، لكنّها لا تأثّر فى الحقيقة ذاتها .
الماركسية متحزّبة و هذا صحيح بيد أنّه ليس بوسع المرء أن يقول إنّ الماركسية صحيحة لأنّها متحزّبة. هناك بون شاسع بين المفهومين . بكلمات أخرى ، ليست للبروليتاريا مصالح طبقية تمنعها من فهم العالم الموضوعي و بالعكس ، تحتاج إلى فهم العالم الموضوعي على أتمّ و أكمل وجه ممكن لإنجاز مهمّة تحرير الإنسانية من المجتمع الطبقي . الماركسية فهم علمي للطبيعة و المجتمع يعكس حقّا كأفضل و أشمل ما يكون بمستطاع البشر فى هذه المرحلة من التاريخ. و تكشف الماركسية إمكانية الثورة البروليتارية وضرورتها- إنّها متحزّبة لكن ماركس و إنجلز لم يبحثا عن بناء نظرية ل" خدمة " البروليتاريا ، و إيجاد " حقائق" ستكون نوعا ما مفيدة للطبقة العاملة فى إنجازها لمهمّة إختارها ماركس و إنجلز إعتباطيّا أو ذاتيّا . لقد أراد ماركس و إنجلز أن يغيّرا العالم ؛ ودون هذا التوجه لم يكونا ليكتشفا أبدا الحقائق التى إكتشفاها . غير أنّ قدرتهما على لعب مثل هذا الدور العظيم فى سيرورة التغيير الثوري تتأتى على وجه التحديد من كون أنّهما بالفعل طبّقا مبادئا علمية و منهجا علميّا لفهم المجتمع الإنساني و تطوّره. و إن إرتأى ماركس و إنجلز أن سقوما بعملية تركيب عوض إكتشاف الحقيقة ، فمهما كانت نواياهما حسنة و " متحزّبة " ، لم يكونا لينجحا أبعد من الإشتراكيين الطوباويين و إصلاحيين آخرين يندّدون بظلم الإستغلال الطبقي لكنّهم لم يستطيعوا أن يفهموا أين تكمن جذور الإستغلال الطبقي أو بأيّة سيرورة يمكن تجاوز هكذا مجتمع .
حجّة آجيث حول المقاربات المختلفة فى العلوم الطبيعية عنها فى العلوم الإجتماعية ، بالضبط عكس ما يشدّد عليه إنجلز فى "ضد دوهرينغ" فإنجلز يحاجج بأنّه فى حين أنّ كافة العلوم يمكنها فقط مقاربة الحقيقة ( يأكّد حتى على أنّ الرياضيات ليس بوسعها أن تدعي الحقيقة المطلقة ) ، فإنّ بعض العلوم ، بسبب كلّ من الحدود فى معرفة الإنسان و تعقيد موضوع البحث (أشار إلى البيولوجيا)هي أكثر" نسبية " و هكذا تحتاج أكثر فأكثر بصفة مستمرّة إلى إعادة تفحّص مقدّماتها و مناهجها و مقارباتها. و فى ما يتصل بدراسة تاريخ الإنسانية ، يشدّد إنجلز على أنّ معرفتنا حتى محدودة أكثر وهو يسخر من أية محاولة للبحث عن حقائق أبدية .
لا شكّ فى أنّ رفض آجيث ل " إعادة تفحّص الأسس" جزء من ردّ على نبذ ك. فينو لمبادئ الماركسية الأساسية. نهائيّا ، إنّ قول إنّ الماركسية صحيحة فقط " نسبيّا " قد إستعمل عادة فى محاججة من قبل الذين يقدحون فى جوهرها ذاته مثلما هو حال التحريفيين من نمط خروتشوف ، و ما بعد المعاصرة و معارضين آخرين للماركسية على غرار فينو، لكن نقّاد الماركسية ومحرّفوها لا يمكن دحضهم ببساطة على أساس أنّهم يعارضون الماركسية ، يجب أن نبيّن كيف و لماذا يشرح المنهج الماركسي شرحا صحيحا العالم الموضوعي و المهام الثورية ولماذا تفسيرات معارضينا و مقترحاتهم لا يمكن أن تفسّر العالم بصورة تامة و صحيحة أو تستعمل كمرشد للعمل . و عبر هذه السيرورة من مواجهة نقادها " سيعاد تفحص الماركسية بإستمرار" فى كلّ مجال، بما فى ذلك " أسسها " و هذا جزء هام من السيرورة التى عبرها ستتطوّر الماركسية - بما فيها تلك " المبادئ الأساسية "- و ستصبح أصحّ و تعكس الواقع بصورة أتمّ .
تعترف الماركسية بوجود الحقيقة المطلقة ، أي وجود العالم الموضوعي و إمكانية معرفته ، لكنّها تعترف أيضا بأنّ فهمنا يمكنه فقط الإقتراب من هذه الحقيقة و أنّه يمرّ عبر مراحل فهم من الأدنى إلى الأرقى (4). و المشكل هو أنّ فى حركتنا غالبا ما جرى قلب مشكل الحقيقة النسبية و المطلقة " رأسا على عقب " ؛ بمعنى أنّه تترافق معالجة الفهم السائد ( التى هي بالضرورة نسبية ) للحركة الشيوعية العالمية بطريقة " مطلقة " ( محاججة بعدم إعادة تفححص الأسس) مع الإخفاق فى إعطاء الأولوية إلى وجود العالم الموضوعي و قوانينه . فى هذه المقاربة المقلوبة رأسا على عقب ، يمكن إعتبار الأفكار مطلقة الصحّة لأنّها لا تحتاج إلى أن تتناسب و العالم كما هو فعلا .
حسب آجيث ، يمكن أن نتخلّى عن " النماذج" ، لكن لا نعيد تفحّص الأسس . و مثلما يشير هو ذاته فى مثاله عن بلوغ فهم أعمق لمسألة الكاست فى الهند ، يمكن لفهمنا للأسس أن يتعمّق مع تطبيقها فى مجالات بحث جديدة. لكن من الميتافيزيقا قول إنّ " التعمّق" و " إعادة التفحّص " لا علاقة لهما الواحد بالآخر. فالماركسية لم تثبت ( يتم تفحصها ) " مرّة واحدة فقط " ؛ إنّها لا تدعى أنّها تمثّل الحقيقة المطلقة ، و عليها بإستمرار أن تواجه مشاكلا جديدة للتحليل و هجمات جديدة و فى مسار القيام بذلك ، سيتغيّر فهمنا للمبادئ الأساسية ، و ما نسميه " المبادئ الأساسية " سيشهد أيضا تغييرا. مثلا ، فى السابق ، كان يعتبر " مبدأ جوهريّا " أن الثورة ستندلع أوّلا فى البلدان المتقدّمة الأكثر تصنيعا و ليس فى المستعمرات و بلدان و مناطق العالم الأكثر تخلّفا . و الآن هل انّ هذا المبدأ " نموذج" فحسب ؟ لقد إستدعت التغيرات فى العالم ، لا سيما تطوّر الإمبريالية ، التخلّص من هذه الفكرة . و الشيء ذاته بالنسبة لعديد تعاليم ستالين الخاطئة مثل فكرة أنّ الطبقات المتناقضة لم توجد فى ظلّ الإشتراكية و إعتبرت " مبادئ أساسية " ليس فقط من قبل ستالين ذاته بل من قبل الحركة الشيوعية العالمية عامة. بيد أنّنا توصلنا إلى فهم أهمّية القطع مع تلك المظاهر فى تفكير ستالين التى لا تتوافق و العالم الموضوعي، و الحقيقة .
و ليست المسألة فقط مسألة أنه يجب أن " يعاد تفحص " الإستنتاجات و التحاليل إلخ السياسية و أحيانا تغييرها جذريّا أو حتى إستبعادها . لننظر فى بعض الحالات حيث حتى المبادئ الأساسية للإيديولوجيا إحتاجت إلى إعادة تفحّص . لقد إعتبر ماركس و إنجلز " نفي النفي" [ إنكار الإنكار] المأخوذ عن هيغل مبدأ أساسيّا للمادية الجدلية (5) و قد دافعت الحركة الشيوعية العالمية عن هذا " المبدأ الأساسي" . و مع ذلك ، ببساطة ما كان الفهم صحيحا إذ كان يذهب ضد فهم جوهر المادية الجدلية فبات ضروريّا لماوتسى تونغ أن ينقد مفهوم " نفي النفي" هذا .
و مثل مفهوم " نفي النفي" ( وفى الواقع فى إرتباط به ) هناك مفهوم غير علمي آخر هو " حتمية إنتصار الشيوعية " الذى لطالما دافعت عنه الحركة الشيوعية العالمية. و حتى اليوم ثمّة رفاق لا زالوا مثقلين بهذا المفهوم الميتافيزيقي . ألا يعقل أن تتحطّم الأرض بنوع من الكارثة الطبيعية ( إصطدام بمذنّب مثلا ؟. و إن حدث ذلك الأمر المستبعد فى غضون القرون القليلة القادمة ، ألن يحول دون إنتصار الشيوعية ؟ و هنا علينا أن نشير إلى أنّه حتى و لو أنّ إحتمالات حدوث مثل هذه الكارثة ضئيلة فهي واقعية و ممكنة علميا ما يكفى لإستبعاد المفهوم الفلسفي المختلّ ل" الحتمية " حتى و لو أنّ إمكانية مستبعدة يمكن أن تكون لها إنعكاسات طفيفة أو لا تكون لها إنعكاسات على المهام الثورية لإنجاز الثورة على الأرض. و إضافة إلى ذلك ، توجد إمكانية ( و للأسف يجعلها حكم الطبقات المستغِلة أقرب من مذنّب يحطم الأرض ) أن الإنسانية ذاتها ، عبر حرب نووية شاملة أو تحطيم شامل للبيئة ، يمكن أن تقضي أو على الأقلّ أن تضر النوع البشري ، إلى درجة أنّ الشيوعية تصبح غير ممكنة. و بالفعل تجنّب مثل هذه الإمكانية الأخيرة من التحطيم الذاتي للبشرية مجال هام و مركز نضال و أحد أسباب كون الثورة البروليتارية ، و إن لم تكن حتمية ، ضرورية و ملحّة. لذا هنا أيضا نرى أنّه يجب التخلص من ذلك المبدأ ، مبدأ " حتمية إنتصار الشيوعية " الذى كان معظم الشيوعيين فى السابق يعتبرونه من " الأسس ". و من الأصحّ رؤية أنّ هناك " إنسجام" فى التاريخ الإنساني يفرز نزعة نحو الشيوعية و كذلك ضرورة بلوغها. و لكن متى و حتى ما إذا كانت الشيوعية ستتحقّق يرتهن كذلك بالأنشطة الواعية للنساء و الرجال فى تطوير و قيادة الثورة البروليتارية إلى الإنتصار .
و زيادة على ذلك ، مثلما جرت الإشارة أعلاه ، فإنّ الماركسية فى سبيل أن تظلّ الإيديولوجيا الأكثر علمية و صحّة و ثورية يترتب عليها أن تتعلّم من و أن تستوعب كافة الحقائق الأعمق التى يقع بإستمرار إكتشافها فى كافة مجالات النشاط الإنساني. و هذا جزء هام من ما قدمه ماو فى تصريحه بأنّ الماركسية " تشمل و لا تعوّض " الفروع العلمية الأخرى. و كمية هائلة من المعرفة الجديدة الأعمق يحصل عليها فى كلّ الميادين و من غير الممكن أن تبقى الماركسية دون تأثير و دون تغيير فى هذه السيرورة. و أية محاولة للقيام بهذا ل" غلق أبواب " الماركسية دون العلوم الأخرى لن تضمن سوى أن تعرف الماركسية التغيّر الأسوأ كلّيا - أن تتحوّل إلى دوغما متحجّر و عديم الحياة غير قادر على قيادة ثورة إلى الأمام و إكتشاف حقائق جديدة فى السيرورة .
فقط لننظر فى القدر الأكبر من المعرفة فى العقود الأخيرة حول تاريخ الإنسانية بفضل التقدّم فى اللسانيات و فى دراسة الجينات و الأركيولوجيا و ما إلى ذلك . أو لنأخذ الإكتشافات الهامة للعقود الأخيرة لأصل العالم و النقاشات التى إندلعت فى صفوف المشتغلين فى مجال العلم و غيرهم بصورة أعمّ . أيمكن أن لا تأثّر هذه الإكتشافات فى فهمنا للمادية الجدلية و التاريخية ؟ لنسأل أنفسنا ما هو الموقف الذى كان ماركس و إنجلز سيتخذانه لو كانت لديهما فرصة مشاهدة هذه التطورات المثيرة . هل كانا سيخشيان إعادة تفحّص "الأسس"، أم هل ننتظر منهما أن يرحّبا بالفرصة لمزيد إختبار(" تفحّص"!) نظريتهما بالمكتسبات المستمرّة للإنسانية و لتعديل و تحوير و حتى إستبعاد تلك الأجزاء من النظرية التى يمكن أن يتبيّن عدم توافقها الكلّي مع التعميق المستمرّ للإنسانية لفهم العالم الموضوعي؟ لاحظوا كيف أنّ لينين وضع : " بالنسبة للماديين العلم أغنى و أكثر حيوية و تنوّعا ممّا يبدو عليه ، مع كلّ خطوة فى تطوّر العلم يتمّ إكتشاف مظاهر جديدة "(6) و نحن الذين نتبع خطى ماركس و لينين و ماو يجب أن يكون هدفنا بمستوى علوّ ما كان عليه هدفهم .
الخلاصة الجديدة الناشئة لبوب آفاكيان :
التشديد على أنّ الفهم الراهن للحركة الشيوعية يناسب المهام الثورية اليوم ، و التشديد على أنّ الماركسية يجب أن يتمّ التعاطي معها بشكل مختلف نوعيّا عن الأشكال الأخرى من العلم ، و الخلط بين العلاقة بين المبادئ الجوهرية و التحليل الملموس ، كلّ هذا يجعل من العسير على آجيث أن يفهم أو يقبل بالخلاصة الجديدة التى يتقدّم بها بوب آفاكيان فى علاقة بالتجربة التاريخية لدكتاتوري البروليتاريا .
كتب الرفيق آجيث " يشير خطاب جديد للرفيق بوب آفاكيان إلى الحاجة إلى " تلخيص للنقاط التى وقع التشديد عليها فى الجدال ضد ك. فينو و بعض الحجج التى تقدّم بها جون ستوارت ميل " مشيرا إلى رأي مثل أنّه " غير كاف سماع مواقف تميّز الذين يعارضونها ، من الضروري سماع دعاة متحمسين يدافعون عن هذه المواقف" و يحاجج بأنّ علينا أن ندمج المزيد من هذا فى دكتاتورية البروليتاريا . هذا هو أساس صيغة " لبّ صلب مع الكثير من المرونة " . و من الدال أنّه لا وجود هنا لدور قيادة الحزب البروليتاري المؤسساتية فى نظام الدولة الإشتراكية " .
تتضمّن حجة آجيث عدّة مشاكل ، لكن للشروع فى الردّ عليها من الضروري أوّلا أن نحتجّ بشدّة على تشويه ما يقوله فعلا الرفيق آفاكيان. يريد آجيث من القارئ أن يعتقد أنّه " لا وجود هنا لدور قيادة الحزب البروليتاري المؤسساتية فى نظام الدولة الإشتراكية " فى حين أن ذات الإستشهاد بآفاكيان الذى ينقده يتحدّث عن " تلخيص النقاط التى وقع التشديد عليها فى الجدال ضد ك. فينو " . و ما هي النقاط التى صيغت فى الجدال ضد فينو؟ تمّ التشديد على الحاجة إلى الحفاظ على " دور قيادة الحزب البروليتاري المؤسساتية " مرارا و تكرارا عبر المقال و يمكن بطرق شتّى إعتبارها نقطته المحورية . لذا يجب أن يكون جدّ واضح أن آفاكيان ينادي بصورة خاصة بالدفاع عن الموقف و المقاربة الأساسيين اللذين طورهما فى جداله ضد فينو ، بما فى ذلك ذات المسألة المركزية للدور القيادى للحزب ، بينما يدمج و يعيد صياغة المظهر الصحيح المنعكس فى المبدأ المشار إليه أعلاه من قبل ستيوارد ميل عن الحاجة إلى سماع آراء مختلفة يعبّر عنها أهم المدافعين عنها ( و ليس فقط تصوير حججهم من قبل معارضيهم ) .
و يحاجج الرفيق آجيث بأنّ ماو تسى تونغ بعدُ قد إعترف بأهمّية " السماح بالأفكار المعارضة " ضمن ندائه الشهير " لتتفتّح مائة زهرة و تتنافس مائة مدرسة فكرية " إلاّ أنّ " حدود التطبيق الفعلي لهذه السياسات هي أيضا جزء من التجارب التاريخية للبروليتاريا العالمية : جوهريّا ما يحاجج به آجيث هو أنّه لا جديد فى ما يتقدّم به بوبآفاكيان ، و فوق ذلك ، تناقضات العالم الحقيقي تجعل من غير الممكن رؤية طريق مختلفة لمعالجة مشاكل دكتاتورية البروليتاريا .
قبل ذلك فى نفس الفقرة ، يشير آجيث إلى أنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كانت تجربة هائلة فى إطلاق العنان للجماهير و ممارسة الديمقراطية الجماهيرية على قاعدة صيانة و تعزيز دكتاتورية البروليتاريا . و بالفعل ، يمثّل هذا حجر الزاوية فى الفهم الذى صاغته الحركة الأممية الثورية فى بيان 1984. لكنّه لا يكفى أنّ نحجز أنفسنا فى هذا الفهم و نظلّ فرحين بمجرّد الدفاع عن هذا ضد معارضي الماركسية الثورية ، مع أنه من المهمّ أن نحافظ على هذه المهمّة. مع مرور عدّة عقود و بالنظر إلى حقبة تاريخية كاملة للثورة البروليتارية إلى اليوم ، من الممكن أكثر أن تحدّد بعض الأخطاء المرتبطة بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و كيف أنّ ماو و الثوريين فى الصين كانوا ينظرون إلى مشاكل إنجاز الثورة الإشتراكية فى الصين و إنطلاقا من نقطة المزية الجديدة ، يمكننا أن نستوعب بصورة أفضل المكاسب الجوهرية و الإختراقات الحقيقية للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى ظلّ قيادة ماو.
إنّ الخلاصة الجديدة التى يتقدّم بها بوب آفاكيان متجذّرة بعمق فى المقاربة العلمية النقدية التى صاغها أوّلا ماركس و إنجلز و واصل تطبيقها لينين و ماو. و المسألة هي أنّه الآن من الممكن أكثر رؤية كيف أنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى " إنقسمت إلى إثنين" ، أي ، تحديد تلك المفاهيم و المقاربات و السياسات المطبقة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى تساهم حقّا فى معالجة مشاكل الإنتقال الإشتراكي ؛ وتلك التى كانت متناقضة معها و تضمّنت أوجها خاطئة وقفت فعلا فى طريق ما كان ماو يحاول قيادة الجماهير فى الصين لإنجازه وما يمثّل المظهر الرئيسي بصورة طاغية . و عندما يصبح من الممكن رؤية النواقص فى التجربة الثورية ، و عندما يتمّ تحديد بعض هذه النواقص و يتمّ تحليلها مثلما فعل الرفيق آفاكيان ، لا ينبغى أن نخشى التخلّى عن مظاهر فهمنا السابق التى كانت غير تامة او خاطئة .
لقد لخّص الرفيق آفاكيان ذلك على النحو التالي : إنّ الخلاصة الجديدة " تتعاطى مع التناقضات العالمية - الواقعية ، ملخصة نهاية مرحلة ( المرحلة الأولى من الثورات الإشتراكية ) و ما يمكن تعلّمه من تلك المرحلة ، محاولة إستخلاص الدروس من ذلك و تتعاطى مع التناقضات العالمية – الواقعية فى المظاهر الهامة الجديدة . إنها خلاصة تعنى ما كان إيجابياّ من التجربة السابقة ، متوغّلة فى ومستبعدة ما كان سلبيّا ، و معيدة صياغة ما كان إيجابيّا و مقدّمة إيّاه فى إطار جديد " (7)
إنّ لمفهوم " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة " ، وهو مفهوم مركزي فى الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان ، تطبيقات على أصعدة كثيرة. حينما يتحدّث آفاكيان عن " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة " و تطبيقه على المجتمع الإشتراكي ، فهو يتحدّث عن كيفية الحفاظ على " اللبّ الصلب" ، أي دكتاتورية البروليتاريا ، و الدور القيادي للحزب و إيديولوجيته العلمية ، و على ذلك الأساس تشجّع " المرونة " ، أي ، التشريك و المبادرة النشيطين لقطاعات عريضة من الجماهير و الفئات الوسطى و العديد منها لا تتبنّى الإيديولوجيا الشيوعية ، أو على الأقلّ ليس كلّيا ، و يمكن أن تعارض مظاهرا حتى هامة من خطّ الحزب و سياساته و يمكن حتى أن تختلف معه حول التغييرات التى تتطلع إليها فى المجتمع . بهذا المعنى ، تحدث الرفيق آفاكيان عن " الجبهة المتحدة " فى ظلّ قيادة البروليتاريا و " المرونة " تعنى كذلك فهما على نطاق أوسع للجدال و النقاش فى المجتمع الإشتراكي ممّا كان قد مورس عموما فى البلدان الإشتراكية فى الماضي. و نهائيّا يعنى تشريك الجماهير الأساسية فى كافة مظاهر الحياة السياسية لكن أيضا يعنى أنّ آراء و وجهات نظر غير الشيوعيين وحتى بعض المعارضين للحزب و للنظام الإشتراكي يجب أن تكون جزءا من النقاش السياسي و الصراع الفكري فى المجتمع الإشتراكي ، مدمجا فى إطار وحدة و صراع مع العناصر غير الشيوعية فى المجتمع الإشتراكي و مثلما سنعالج الأمر لاحقا ، هو مرتبط بكيف أنّه يجب على الجماهير البروليتارية ذاتها أن تكون اكثر " إستعدادا للحكم" ( -- )
------------------------------------------------------------------------------------------------- ( -- ) منذ زمن كتابة هذا الردّ ، وجد تمفصل ملموس له دلالة كبرى لما سيكون عليه " نظام الدولة الإشتراكية " و ما سيبدو عليه ، فى فهم الخلاصة الجديدة – لا سيما " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا (مشروع مقترح)" ، للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية . و تعبّر هذه الوثيقة بشكل ملموس عن " المبادئ الأساسية و المؤسسات و الهياكل و السيرورات التى ستميّز هذا المجتمع الإشتراكي الجديد و بخاصة سير حكومته " – و فى هذا السياق ، مفيدة هي هذه الوثيقة بوجه خاص لمواضيع مثل طبيعة الإنتخابات و دورها فى ظلّ الإشتراكية و المعارضة إلخ – وهي مسائل محلّ نقاش فى هذا الردّ.
وعلى سبيل المثال ، يأكّد الردّ الأصلي أنّ " آراء و وجهات نظر غير الشيوعيين وحتى بعض معارضي الحزب و النظام الإشتراكي يجب أن تكون جزءا من النقاش السياسي و الصراع الفكري فى المجتمع الإشتراكي" ، لكن الدستور يعرض مقاييسا أوسع للمعارضة محدّدا فى الفصل الثالث من القسم الثاني ، الحقوق القانونية و المدنية و الحريات :
" أ- أ- حرّية التعبير و التجمّع و التنظيم و المعارضة و الإحتجاج لا ينبغى تحديدها ، إلاّ فى حالات خرق القانون و عبر السيرورة القانونية المطلوبة .
لا يجب منع التعبير عن معارضة هذه الجمهورية و دستورها و حكومتها - بما فى ذلك الدعاية للإطاحة بهذه الجمهورية و تعويضها بنوع آخر من المجتمع و من الحكم - و بالعكس ، يجب السماح بذلك و حمايته ، إلاّ إذا عني الأمر إرتكاب أو مؤامرة لإرتكاب أو الدعاية المباشرة أو غير المباشرة لأعمال عنف ليست للدفاع عن النفس ، ضد الحكومة أو أعضاء الحكومة ، أو آخرين مقيمين فى هذه الجمهورية ، أو لأعمال اخرى تخرق القانون ( لكن من جديد ، التعبير عن معارضة هذه الجمهورية و حكومتها ، أو مجرّد الدعاية لتعويض هذا الشكل بشكل آخر من المجتمع و الحكم ، لا ينبغى أن يعلن و يعامل كخرق للقانون) . "
( " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا (مشروع مقترح )" للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة ( شيكاغو ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 2010، ص 68). http://revcom.us/socialistconstitution/SocialistConstitution-en.pdf
و أعمال أخرى نشرت منذ زمن كتابة هذا الردّ كانت كذلك مفيدة للغاية و على وجه الخصوص ، نظرا للمسائل المناقشة للشيوعية كعلم ، و مسائل الفلسفة و الإبستيمولوجيا ، ننصح ب :
- بوب آفاكيان ، " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، أكتوبر 2007- فيفري 2008. وهو كذلك
متضمّن فى " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" ، كرّاس نشر فى شيكاغو ( منشورات
الحزب الشيوعي الثوري ، 2008) و إنظروا خاصة ،
- بوب آفاكيان " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة، و العلم و الفلسفة ( شيكاغو، إنسايت براس ،2005).
- " الشيوعية كعلم " ملحق " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري.
http://revcom.us/Constitution.html
و بالفعل فى كل المجتمعات الإشتراكية السابقة ، وجد مظهر " جبهة متحدة " لأنّه ضروري و أمر لا
يمكن تجنبه أنّ كثيرا من الذين لا يوافقون على البرنامج الشيوعي من مختلف الطبقات و الفئات
سيتحدون فى مسار الثورة البروليتارية و التغيير الإشتراكي . و فى نفس الوقت ، يجب كذلك أن نقول
إنّه بالإخفاق فى الإعتراف بهذه " الجبهة المتحدة " كطابع للمجتمع الإشتراكي ، إقترفت اخطاء فى كيفية
معالجة الشيوعيين للعلاقات بينهم و بين الفئات الأخرى. و كان لهذه الأخطاء طابع يميني أو " يساري".
مثلا، إذا ما إعتقدنا عن خطإ بأنّ الغالبية العظمى فى المجتمع الإشتراكي تقبل أو تتبنى النظرة البروليتارية فإنّ عديد الأخطاء فى الفهم سيتمّ الإسهانة بها ، و سيقلّص من مدى الحاجة إلى الصراع الإيديولوجي و سيسمح لكثير من المفاهيم التحريفية أن تروّج على أنّها " ماركسية " طالما أنّ المناصرين يعلنون الولاء ل" دور قيادة الحزب المؤسساتية "، هي و كلّ الإنحرافات اليمينية الكلاسيكية. هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، سيخنق إعتبار تبنى الماركسية شرطا للمشاركة الحقيقية فى الحياة الإيديولوجية فى المجتمع الإشتراكي مبادرة العديد من الذين يمكن و يجب الإتحاد معهم فى سيرورة الثورة الإشتراكية. لقد شاهدنا كلا النوعين من الأخطاء فى تاريخ البلدان الإشتراكية ، عادة فى صيغة مزدوجة – أي الخنق البيروقراطي للنقاش مرفوقا بالتحريفية المتفشّية و المسموح بها. ألقوا نظرة على إعلان أنور خوجا ان ألبانيا صارت " أوّل دولة ملحدة فى العالم " و حظره القانوني لكافة أشكال العبادة الدينية ( بإستثناء ، طبعا ، الشكل الخاص للدغمائية – التحريفية التى أقامها خوجا كدين دولة جديد فى ألبانيا ).
و على وجه الخصوص يمكن أن نلاحظ أن أخطاءا جدّية قد إرتكبت فى السياسات المتبنّاة فى علاقة بالفنّانين و المثقّفين فى المجتمعات الإشتراكية السابقة ، أوّلا فى الإتحاد السوفياتي بصفة خاصة خلال حقبة ستالين و كذلك ، بدرجة أقلّ لكن مع ذلك ذات دلالة ، فى الصين الثورية فى ظلّ قيادة ماو . أكيد أنه من الصحيح أن ماو كان يصارع هذا المشكل فى حياته و مثلما يشير إلى ذلك آجيث ، قد نادي ب"لتتفتح مائة زهرة و لتتنافس مائة مدرسة فكرية " ، و حتى أهمّ هي التجربة الشاملة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى مثّلت خطوة هائلة إلى الأمام فى حماية دكتاتورية البروليتاريا و تعزيزها و إطلاق العنان و توفير وسيلة جماهيرية للجدال و النقاش فى صفوف الجماهير و التفحّص النقدي لكلّ مظهر من مظاهر المجتمع الإشتراكي . لكن تقديرنا لماو و دفاعنا عنه لا يعنى أن فهمنا يجب أن يراوح مكانه - و بالفعل ، لا يمكنه أن يراوح مكانه و كلّ مجهود لمحاولة القيام بذلك لن يضمن سوى تراجع التفكير و تكلسه إلى حدّ أنّه سيكون له القليل من التشابه مع فهم ماو الجريء و محدث الإختراقات .
وجدت حالات فى البحث فى العلوم الطبيعية فى البلدان الإشتراكية حيث ما كان معتبرا ملائما سياسيا أو ما كان يبدو متناسبا مع الماركسية ، قاد إلى إنحرافات جدّية عن المنهج العلمي و إلى إستنتاجات خاطئة. و أكثر هذه الحالات المعروفة جيّدا كانت مسألة ليزنكو فى الإتحاد السوفياتي فى ظلّ ستالين. كان النقاش فى صفوف الأوساط العلمية السوفياتية يدور حول ما إذا كانت الميزات الجينية قابلة لأن تكتسب ثمّ تمرّر إلى الأبناء مثلما حاجج ليزنكو. و أسرع الحزب إلى إستنتاج ان ليزنكو على صواب و رمي بثقل سلطته تماما فى مساندته. ولم تكن النتيجة إستنتاجا خاطئا فى علم الجينات فحسب بل جمودا عميقا فى الأوساط العلمية بصفة أعمّ. وفى الصين ، يبدو أنّ الحال هو أنّ الثوريين قد هاجموا عن خطإ بعض علماء الرياضيات لعملهم على مسائل نظرية ( مثل تخمين غرباتشاف) لأنّه لم تكن لذلك تطبيقات عملية معلومة، و هكذا أظهروا فهما محدودا ضيقا جدّا للعلاقة بين النظرية و الممارسة العملية و الحاجة إلى أن يخدم عمل المثقفين جماهير الشعب(8). من السليم و الضروري النضال من أجل ربط المشتغلين بالعلم و التقنية بالجماهير و من أجل تلبية حاجيات الجماهير و المجتمع – مفهوما بشكل واسع- لكن هذه الجدلية معقدة و لا يجب أن تعالج على نحو خطّي أو ميكانيكي مباشر .
تبيّن هذه الأمثلة نوعا من النظرة النفعية تجاه العلم و الرياضيات ، معتبرة هذا المظهر من المعرفة الإنسانية فقط من منظور ضيّق لكيف أنّ العلم والرياضيات يمكن " أن يخدما " البروليتاريا ، سواء كان ذلك فى الصراع الطبقي أو فى الصراع من أجل الإنتاج .
و فعلا ، من الصائب و الضروري بالنسبة لبروليتاريا ان تقود العمل على الجبهة العلمية و التكنولوجية
وكان هذا أحد اهمّ محاور صراع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى . فعلى سبيل المثال ، كان من الضروري تركيز مبدأ " أحمر و خبير" ، بمعنى أنّ الوعي الشيوعي يجب أن يكون المظهر الرئيسي القائد للعمل فى هذه المجالات فى تعارض مع الحجّة التحريفية لتقديم مفهوم غير طبقي عن " الخبراء" المسؤولين – وهو فى الواقع يفيد أنّ الخبراء القدامى سيسيّرون هذه المجالات من الحياة الإجتماعية وفق العلاقات البرجوازية و عاداتها و تقسيمها للعمل . لكن هناك مسألة كيفية القيادة . و هنا أيضا نرى أهمّية تعليق ماو بأنّ الماركسية " تشمل و لا تعوّض" العلوم الأخرى ، فليسوا و لا ينبغى أن يكونوا " خارج الحدود " بالنسبة للبروليتاريا و إيديولوجيتها الثورية. لكن فى بذل الجهد لتثوير هذه القطاعات ، ثمة نزعة أكيدة نحو تطبيق مقاربة ميكانيكية مباشرة بين العمل على الجبهات العلمية و التقنية و الحاجيات الآنية للثورة البروليتارية . و لا ينبغى أن نقول مثلا إنّ الجهود الفكرية التى ليس لها تطبيق عملي مباشر فى الصراع الطبقي أو فى الصراع من أجل الإنتاج ليس لها دور إيجابي فى المجتمع الإشتراكي . كلّ الحقائق التى يقع إكتشافها عبر التجربة العلمية ، مثلا ، تصبح جزءا من المواد الأولية التى منها نحصل على فهم أشمل و أصحّ لما يمكن أن يظهر فى العالم .
و فى سياق مماثل ، جزء من الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان التى بصدد التطوير تعنى التمييز بين الدور التاريخي للبروليتاريا كوسيلة لبلوغ الشيوعية ( ما وصفه بسخرية ب " تجسيد البروليتاريا " ) و تثبيت النظر على البروليتاريين كما هم فى أية لحظة من الزمن . و لهذا علاقة وطيدة بكيفية فهم دكتاتورية البروليتاريا و صلتها بالطبقات و الفئات الأخرى . يمكننا أن نلاحظ أن كلّ هذه المفاهيم المختلفة راديكاليّا لدور البروليتاريا شكّلت جزءا من تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ، بدرجات متفاوتة و عادة معقدة. و ينبغى أن تعوّض الثورة الإشتراكية دكتاتورية الطبقات المستغلّة بدكتاتورية المستغَلين سابقا لكن الغاية يجب أن تكون إيجاد الظروف التى تخوّل للإنسانية أن تتخطّى خطوة خطوة كامل عصر المجتمع الطبقي و تقسيم العمل الذى يتضمّنه . لا نبحث عن إيجاد " المرآة العكسية " للمجتمع القائم الذى يكون فيه قد حصل تغيير فى مواقع المضطهِدين بل يجب على البروليتاريا أن تحكم – لكن ليس لأنّها كانت فى السابق مضطهَدة أو حتى لأنّها ، مع حلفائها ، تمثّل غالبية السكّان- يجب على البروليتاريا أن تحكم لأنّه دون دكتاتوريتها ، دون تحكمها فى القواعد السياسية و الإقتصادية للمجتمع ( فى وحدة عريضة مع الطبقات و الفئات المتحالفة ) ، سيكون من غير الممكن إجتثاث جذور الرأسمالية و المجتمع الطبقي. إن لم تتدرّب البروليتاريا و لم تكن واعية بمهمّتها هذه ، فإنّ الثورة البروليتارية سرعان ما ستقلّص إلى مجرّد تحسين لأوضاع الكثير من الذين كانوا سابقا مضطهَدين ( وهو أمر فى النهاية قد حققته عديد الأنظمة الإصلاحية إلى هذه الدرجة أو تلك) و الأهمّ هو أنّ القوّة العفوية الشديدة للإنتاج السلعي و تقسيم العمل و غيرها ستؤدّى بسرعة إلى إعادة ظهور برجوازية جديدة . و قد أدرك ماو هذه الجدلية حينما نشر شعبيّا موقف ماركس القائل بأنّه " ليس بوسع البروليتاريا أن تحرّر نفسها إلاّ بتحرير الإنسانية جمعاء ".
كثيرا ما ركّز ماو على هذا المشكل خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، لا سيما على كيفية جعل البروليتاريا واعية بدورها التاريخي و بتغيير ذاتها عبر الثورة. بيد أنّ هذا لا يعنى أنّه هو أو الثوريين فى الصين كانت لهم مناعة تجاه بعض الفهم الخاطئ السابق داخل الحركة الشيوعية . و قد برز ذلك فى عديد المظاهر أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، و من ذلك توجه غالبية كتل الحرس الأحمر نحو حصر العضوية فى الشباب المنحدر من عائلات " ذات أصول طبقية جيدة " ، و/ أو نزعات نحو التشجيع على مشاعر " الثأر" من الأوساط الثقافية ذات الإمتيازات، و هكذا لم يقدروا على توحيد و تغيير تلك القطاعات إلى الدرجة الممكنة . و بالفعل يمكن أن نلاحظ تقدّما فى خضمّ العقد القصير العاصف للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بإتجاه فهم أصحّ لبعض هذه المسائل. فمثلا ، أساس فضح ليو تشاوتشى إشتمل على جهد هام لتصويره على أنّه إستسلامي منذ الأيّام الأولى للثورة الصينية . و هذه الصورة تبدو مغلوطة ، و مثال آخر عن " الحقيقة السياسية " توجيه الإنتباه بعيدا عن المصدر الحقيقي للبرجوازية فى الصين.(9)
و أخطاء مشابهة لرسم علاقة مباشرة ميكانيكية بين السياسة و مظاهر أخرى من الحياة الإجتماعية إقترفت فى الحقل الفنّي أيضا. كيف تمارس الطليعة الشيوعية قيادتها فى هذا المجال؟ فى الإتحاد السوفياتي ، وجدت أحيانا نزعات للإبقاء على مجالات ثقافية كما هي لا تمسها الثورة أو بدلا من ذلك وجدت بالتأكيد نزعة لدي نقاد مقبولين لإصدار أحكام سريعة كاسحة حول الأعمال الثقافية ، ما نحى نحو خنق الإبداع فى الفنون و تشجيع الفهم الإحادي الجانب للعلاقة بين الفنّ و السياسة . و خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، شدّد بصفة صحيحة على كون الصراع الطبقي يجد تعبيرا عنه فى مجال الأدب والفنّ و أن هذه المجالات يمكن أن تظلّ تحت هيمنة البرجوازية . و إحدى أهمّ ثمار الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بالنسبة للبروليتاريا و الجماهير هو ولوجها مجالات لم تكن فى السابق فى متناولها و القيام خلال الثورة الثقافية بإختراقات فعلية فى إبداع " أعمال نموذجية " ذات قيمة فنّية عالية مثل أوبيرا " فيلق النساء الحمر" أو شريط " القطع مع الأفكار القديمة " الذى قدّم صورا بطولية عن الجماهير الشعبية و رفع راية نضالها الثوري. لكن فى هذا المجال كذلك ، من الممكن و الضروري أن نسجّل نزعة سلبية ، ثانوية لربط لصيق جدّا للعمل على الجبهة الفنّية بالأهداف السياسية المباشرة. نعم ، ثمّة حاجة لأعمال نموذجية و لعب ذلك دورا محوريّا فى رسم طريق جديد و فتح المسارح أمام الجماهير لأوّل مرّة غير أنّه من الضروري أيضا السماح بجهود فنّية أخرى كذلك و تشجيعها و إدراك أنّه غير صحيح و ليس ضروريّا بالنسبة لكلّ عمل أن يكون مباشرة تحت إشراف ممثلي البروليتاريا فى المجال الثقافي. نعم ، ضرورة مطلقة بالنسبة للبروليتاريا أن تمارس قيادتها فى الحقل الفنّي والثقافي والتعليمي ، لكن كيف تكرّس هذه القيادة و مضمونها ليسا بالأمر الهيّن. إذا أسيئ فهم القيادة البروليتارية على أنّها تعنى أنّ كافة الأعمال الفنّية يجب أن تخدم مباشرة الصراع السياسي ، فإنّ النتيجة ستكون مقاربة جدّ حصرية لن يمكن تجنّب أخطاء جدّية . و فضلا عن ذلك ، من الممكن ان نرى فى " القطع مع الأفكار القديمة " ، مثلا ، بعض الفهم الإحادي الجانب لما يعنيه بالنسبة للبروليتاريا قيادة العمل الفكري ، مثل نقد تدريس علم تشريح الأحصنة ، موضوع الشريط ، لأنّه ما من حصان موجود فى المنطقة أين تقع مدرسة التقنيين. وكذلك يصوّر الفلم قراءة الكتب الأجنبية ببساطة ك " معرفة العدو" كما لو أنّه لا وجود فى هذه الكتب لشيء إيجابي نحتاج إلى تعلّمه وإستيعابه ، و أيضا نقده. و مثال آخر عن المقاربات الخاطئة فى الحقل الفنّي يمكن أن نعثر عليه فى كلّ من الإتحاد السوفياتي فى ظلّ ستالين و خلال الثورة الثقافية إذ أنّه هناك نزعات نحو إعتبار شكل ثقافي أو آخر صميميّا بروليتاري أو صميميّا برجوازي . و القومية فى هكذا مقاربة تقفز للعيان أيضا مثلما يمكن أن نلمس ذلك، مثلا ، فى ملاحظات جاهلة فى الصحافة الصينية حول " الإنحطاط الغربي" لموسيقى الجاز و الروك آن رول بينما فى الواقع الكثير من أكثر التيارات تقدّمية وحتى ثورية فى الثقافة الغربية نجده فى هذين الشكلين . فى ظلّ الإشتراكية ستكثر الأشكال و ستتنوّع و تزدهر .
هنا أيضا ، نرى أهمّية " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة " الذى حاجج من أجله بوب آفاكيان. ينبغى أن يوجد مركز قيادي بروليتاري وقيادة للمجتمع غير أنّ هذا المركز لا يمكن و لا يجب أن يبحث عن أن يألّف بين كافة مظاهر الحياة السياسية و الإجتماعية و الثقافية. يتعيّن أن يفسح مجالا للإختلاف و التجريب و المدارس المتعارضة و المعارضة . ولهذا المشكل أهمّية خاصّة فى التعاطي مع المثقّفين تحديدا لأنّهم متدرّبون على " الإشتغال بالأفكار" و ستكون للطرق الفجّة و الميكانيكية فى التعاطي معهم إنعكاسات سلبية مباشرة. و جوّ من الحيوية و الحماس هو ببساطة ضروري بالنسبة للجماهير أيضا. ستصبح حقّا سيدة المجتمع و عليها إلى ذلك أن تتسلّح بصفة متصاعدة للإشتغال بالأفكار على نحو شامل و نقدي .
لقد دعا ماو و الثوريون فى الصين الجماهير " للإعتناء بشؤون الدولة " و دعوها للنهوض بدور نشيط فى صراع الخطّين و هذه الديمقراطية الجماهيرية على نطاق لم يسبق لها مثيل فعلا مدرسة كبرى للشعب. إلاّ أنّه علينا ايضا أن نعترف بأنّه ليس بالأمر الهيّن أن نتجاوز عوائق التعليم و الثقافة و التقسيم الإجتماعي للعمل ، التى فرضت على الجماهير و أنّه تلزم سيرورة كاملة من " إعداد أنفسهم للحكم" مثلما وضع ذلك ماركس ؛ و هذه السيرورة يجب أن تنطوي ، كعنصر مركزي ، على إستيعاب ليس فحسب الإستنتاجات الماركسية و إنّما أيضا المهمّة الأصعب ألا وهي التمكّن من المقاربة و المنهج الماركسيين النقديين.
ستكون كافة المرحلة الإشتراكية الإنتقالية مضطربة مليئة صراعات و تناقضات. و بينما بمعنى شامل ، تجب قيادة هذه السيرورة ، لا يمكن قيادتها بطريقة ميكانيكية خطّية . و يعنى " جزء " من القيادة إطلاق سيرورة لا يمكن رؤية نهايتها مسبّقا ، لجعل الجماهير فى موقع المركز من النقاش الدائر، إلى جانب الحزب ، لجلبها إلى سيرورة إكتشاف ما هو صائب و ما هو خاطئ و تلخيص فهم صحيح لكيفية التقدّم بالتحويل الإشتراكي فى كلّ مرحلة معطاة.و فى هذا السياق بالذات ، يشدّد الرفيق آفاكيان على أهمّية إدراج " مبدأ جامس مايل " فى إطار دكتاتورية البروليتاريا ، أي السماح للمعارضين الأكثر إقناعا والأكثر حماسا بأن يقدّموا حججهم و أن يشاركوا فى النقاشات العامة و أن ينشروا بعض الكتب . إن أردتم الإزدهار التام للجدال و النقاش فى صفوف الشعب – و إستيعاب الدور الضروري لذلك فى السيرورة المعقّدة لجعل الجماهير بصورة متصاعدة سيدة المجتمع - يجب أن نتجرّأ على عرض الجماهير و إشراكها فى نقاش جملة واسعة من وجهات النظر السياسية و الإيديولوجية . صحيح أنّ التجربة تبيّن أنّه من الصعب تكريس هذه السياسة – فالرجعيون و أعداء الثورة سيحاولون على الدوام إستغلال أيّة فرصة و السعي لإفتكاك السلطة. إلاّ أنّ الثورة مليئة بالصعوبات و المخاطر و بالفعل قد بيّن التاريخ أيضا أنّه لا وجود لطريق آخر للتقدّم بالإشتراكية بعيدا إلى الأمام .
" اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة " وصف لكيف يمكن للمجتمع الإشتراكي أن يقود نحو التقدّم فى خضمّ تناقضات معقّدة و متغيّرة صوب المستقبل الشيوعي . إنّه مفهوم يمثّل مزيدا من القطيعة مع المفاهيم الخاطئة السابقة للحزب ذى " الوحدة الصمّاء" و ما إلى ذلك و كذلك يتمايز بوضوح مع التعدّدية البرجوازية و الديمقراطية البرجوازية . و مثلما أشار الرفيق آفاكيان ، ليس من الصعب المحاججة من أجل المرونة كلّها ( التعدّدية) رغم أنّ طبيعة المجتمع الطبقي تجعل تطبيق هكذا سياسة لا يكون إلاّ تعدّدية برجوازية ( أي ، إخفاء الحكم الطبقي للبرجوازية تحت يافطة الديمقراطية ) . لقد تقدّم بوب آفاكيان بأهداف حيوية أربعة " للبّ الصلب" : المسك بالسلطة السياسية ؛ توسيع اللبّ الصلب؛ النضال من أجل ظروف تؤدي إلى إلغاء اللب الصلب ؛ و تكريس أقصى المرونة فى كلّ خطوة من السيرورة .
و يتوافق هذا و يعبّر بعمق أكثر عن هدف جعل الدولة البروليتارية نوعا جديدا من الدول ، مختلفة جدّا عن أي شكل من الأشكال السابقة للدول ، هدفها ليس ممارسة الدكتاتورية على البرجوازية و حسب ، و إنّما تحقيق المهمّة التاريخية للبروليتاريا أي إيجاد مجتمع خالى من الطبقات و إلغاء نفسها كطبقة و الحاجة إلى دولة فى خلال هذه السيرورة .
مشاكل الثورة الإشتراكية متنوّعة و معقدة ، لكن مسألة معالجة المعارضة معالجة صحيحة تعبّر بصورة مركّزة و إلى درجة ذات دلالة عن التناقض بين ضمان أن تتقدّم الثورة صوب الشيوعية و تعبئة كافة القوى الإيجابية الممكنة فى المجتمع و إطلاق العنان لها من أجل تلك الغاية بينما نتمكّن من الحفاظ على الدكتاتورية على قوى إعادة تركيز الرأسمالية التى ستسعى بطريق الحتم إلى إستغلال هذا النوع من الديمقراطية الإشتراكية الواسعة المنادي به وإلى حرفه .
يحاجج آجيث بأنّ التجربة فى الإتحاد السوفياتي و الصين تبيّن أنّ لينين و ماو قد كانا على إستعداد للسماح بالمعارضة و النقاش الديمقراطي على نطاق واسع و الإنتخاب المباشر من طرف الجماهير لممثليها ( مبدأ كمونة باريس) ، و ما إلى ذلك لكن ضرورات الحفاظ على السلطة السياسية أجبرتهما على القيام بشيء آخر. و يتحدّث آجيث عن " التناقض بين توجهه[ الحزب] و تطبيقه الملموس فى شتى الظروف ". غير أنّ هذه الصيغة خطوة أخرى على الطريق الخطير نحو " الحقيقة السياسية " و"السياسة الواقعية " . و من الأكيد أنّ هناك دائما تناقض بين " توجّه الحزب" ( الخطّ الإديويولوجي و السياسي العام ) و التطبيق الملموس لهذا الخطّ و هذا صحيح على الدوام بالنسبة لأي حزب فى السلطة أو خارجها . بيد أنّنا نفهم هذا التناقض كوحدة أضداد ( خطّ و ممارسة) حيث الخطّ يقود ويرشد الممارسة و حيث الممارسة تبيّن مدى صحّة هذا الخطّ وتوفّر مادة أولية لمزيد التقدّم بالخطّ أو تصحيحه ( إلى جانب تجربة أخرى أو مادة أولية تتأتى من المجتمع عموما ) و ما يقترحه آجيث شيء مغاير – يمكن أن يكون لدينا " توجه " شيوعي لكن" التطبيق العملي"لا يمكن أن يتجنّب إستعمال طرق تذهب ضد هذا" التوجه". عوض الجدلية لدينا ثنائية ( مشكل سنعود إليه لاحقا)- لا تحتاج أفكارنا ، و فعلا إذا إتبعنا مقاربة آجيث لا يمكنها، أن ترشد تماما ممارستنا ، " التطبيق الملموس" .
إن لم يكن " التوجه" هو الذى يقود و يرشد " التطبيق العملي" ، فإنّ دعاوى البحث عن الشيوعية قد لا تصبح سوى لباسا خارجيا و كلاما فارغا يغطّى الإستغلال الطبقي. و لا ينبغى أن ننسى أنّ حتى البرجوازية الثورية رفعت شعار " الحرية و المساواة و الأخوة " غطّت بها واقع الإستغلال الطبقي . و لا ينبغى أن نخفق فى تذكّر أنّ التجربة المرّة للتحريفيين المعاصرين الذين لم يلغوا أبدا فى الكلام الهدف النهائي لل" شيوعية " لكنهم حاججوا بأن الطريق الوحيد لبلوغ ذلك الهدف كان إتباع خطّ بناء قوي الإنتاج بما إعتبروه " أسرع " الوسائل الممكنة – الرأسمالية .
و الخلاصة الجديدة التى يتقدّم بها بوب آفاكيان ، تتطرّق إلى التناقض بين " التوجه" ( المبادئ و الخطّ الجوهري) و " التطبيق الملموس" بالنظر فى تطبيق المجتمعات الإشتراكية السابقة ، لا سيما مشاكل الفنّ و الحياة الفكرية بصفة أعمّ فى المجتمع الإشتراكي، داعيا إلى أن يكون " توجهنا " أعمق و أن نكرّس المبادئ الجديدة فى بناء المجتمعات الإشتراكية المستقبلية . من الأكيد أنّ مشاكل الحفاظ على دكتاتورية البروليتاريا بينما يقع إطلاق العنان لطائفة عريضة من الجدال و تشجيعها تبعث على الخوف لكنّ ما هي قطعا بغير قابلة للحلّ . آجيث غير قادر على رؤية أبعد من مجرّد إعادة تجربة الماضي ، و هكذا يظهر خطر التخلّى عن التقدّم . و يحاجج آفاكيان بأنّه يجب و يمكن أن ننجز حتى أفضل من التجربة الماضية فى نفس الوقت الذى نواصل فيه الدفاع عنها و التعلّم منها .
الطبيعة المتناقضة للدولة :
كتب الرفيق آجيث " تمثّل كلّ الدول السلطة السياسية للطبقة الحاكمة ، و وسائل فرض مصالحها الطبقية . و لهذا بالذات لا يمكن أن نسحب نقد مفهوم الوحدة الصماء على الدولة ، لا يمكن لامركزة سلطة الدولة...."
هذا صحيح طالما أنّ كلّ دولة يجب فى النهاية أن تمثّل دكتاتورية طبقة أو أخرى ، بيد أنّه من غير الصحيح أنّ أية دولة ، حتى الأكثر فاشية و معاداة للديمقراطية ذات وحدة صماء تماما . فحتى البرجوازية ذاتها تسمح إلى درجات مختلفة بالديمقراطية فى صفوفها هي . و زيادة على ذلك ، فإنّ أية طبقة حاكمة ، حتى الأكثر رجعية ، تبحث عن تركيز نوع من " الجبهة المتحدة " مع مختلف الطبقات و الفئات ، مثلا ، قطاعات من البرجوازية الصغيرة و الأرستقراطية العمالية ، بما فى ذلك ممثلين سياسيين متنوّعين من هذه الطبقات و الفئات ، و عموما هذا النوع من التحالف الطبقي ينعكس فى شتى أنواع الهياكل السياسية و هياكل الدولة . و تمارس البرجوازية الدكتاتورية ، لا سيما بالحفاظ على قبضة شديدة على الأجهزة المفاتيح لسلطة الدولة مثل الجيش و الشرطة النظاميين ، و تقوم بالتنسيق بين المجموعة كلّها و تقودها .
و الببروليتاريا ، على عكس البرجوازية ، صريحة فى نيّتها تركيز دكتاتورية – و لا تحتاج إلى إخفاء هذا الواقع بما أنّ حكمها فى مصلحة الغالبية العظمى من المجتمع ، فى حين أنّ البرجوازية ، و حكمها فى مصلحة حفنة نسبية من الناس فقط ، ينبغى أن تخفي على الدوام دكتاتوريتها على أنّها " إرادة الشعب" إلخ . وفى إطار الدور القيادي المؤسساتي للحزب البروليتاري ، ثمّة حاجة للتنافس الإنتخابي و ما إلى ذلك إذ يمكن أن يضطلع بدور فى ظلّ ظروف مختلفة قصد معالجة ملموسة . و هذا إنعكاس آخر لكون فى المجتمع المعاصر فقط البرجوازية أو البروليتاريا بإمكانهما حكم المجتمع و أن الطبقات و الفئات الأخرى يمكن أن تساهم فى سلطة الدولة فقط إلى درجة قيامها بذلك فى ظلّ هيمنة طبقة أو أخرى. و لا داعى للمحاججة ، كما يفعل آجيث ، بأنّ فى ظلّ الإشتراكية كافة " الأحزاب الأخرى مستبعدة " إن كانت بعض الأحزاب تنوي العمل معا فى جهاز دولة طبيعته بالمعنى الأساسي تتحدّد بقيادة حزب البروليتاريا. و بالفعل ، " القيادة المؤسساتية للحزب" لازمة ، ضرورية تمكّن على الأقلّ من رؤية أشكال عدّة من التنافس السياسي ، بما فى ذلك فى شكل بعض التنافس الإنتخابي - و كلّ هذا يصبح حتى أغنى بإسهام الجماهير فى الفكر النقدي ، و بصفة متصاعدة تحوّلها إلى سيدة المجتمع سياسيا و إيديولوجيا . هنا مرّة أخرى، علينا أن نقرّ بأنّ دولة البروليتاريا ، بقيادة حزب البروليتاريا إن كانت ستنجز الإنتقال من الإشتراكية إلى الشيوعية ، عليها مسؤولية إيجاد نوع مغاير تماما من المجتمع، يزخر بالمعارضة و الإضطراب حيث المعارضة و الفكر النقدي ليسا فقط مسموحا بهما بل يقع التشجيع عليهما . و النقطة الأخرى التى يتعيّن التشديد عليها هنا هي أنّه فى ظلّ ظروف دكتاتورية البروليتاريا لن تكون الدولة كذلك " ذات وحدة صمّاء" . من غير الممكن وجود دور الحزب القيادي المؤسساتي ( بصورة صحيحة يشير آجيث إلى أنّه ثمة أتباع الطريق الرأسمالي فى القيادة و أينما يقود خطّهم سيكون لهذا تأثير مادي على طبيعة المجتمع الإشتراكي .) و بالفعل كان هذا حال الإتحاد السوفياتي و الصين الماوية حيث و إلى درجة أنّ أتباع الطريق الرأسمالي يمسكون بالسلطة ، وقع تقويض دكتاتورية البروليتاريا. طبيعة الدولة ليست ذات وحدة صماء و إنّما تحدّدها الطبقة ، البروليتاريا أو البرجوازية الجديدة ، و الخطّ الذى يقود أهمّ مستويات الحزب و الدولة .
دور الحزب القيادي المؤسساتي أمر مفروغ منه دونه لا إمكانية للتحويل الإشتراكي . لكن دور الحزب القيادي المؤسساتي بذاته ليس حلاّ سحريّا ففى كلّ من الإتحاد السوفياتي و جمهورية الصين الشعبية ، كان دور الحزب القيادي " مؤسساتيّا " غير أنّ هذا لم يمنع الحزب ذاته من السقوط فى أيدي أتباع الطريق الرأسمالي .
وبالطبع ، آجيث على وعي بالسيف ذى الحدّين ل " دور الحزب القيادي المؤسساتي" إلاّ أنّه ينحو إلى تحديد خاطئ للمشكل أساسا فى مجال " البيروقراطية " ، ما يقوده إلى الإستهانة بالعمق الحقيقي للمشكل و للنظر فى المكان الخاطئ للبحث عن الحلول . لمفهوم " البيروقراطية " قيمة محدودة لأنّه ينحو إلى ذرّ الرماد فى العيون بشأن الطبيعة الطبقية للصراع فى ظلّ الإشتراكية ، الصراع القائم إلى درجة كبيرة على ما إذا وجب توسيع أو تقليص " الحقّ البرجوازي" ( مثلما يشير بصورة صحيحة آجيث فى مكان آخر من مقاله) .
و إضافة إلى أهمية " الإجراءات" غير المشروحة لتقليص البيروقراطية ، فإنّ الإجراء الذى يودّ آجيث أن يشدّد عليه فى علاقة بمشكل منع إعادة تركيز الرأسمالية هو تبنّى وجهات نظر الحزب الشيوعي البيروفي و الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) بصدد مشكل " تسليح الجماهير " ك "خطوة إلى الأمام صحيحة ومدوّية ". و من الأكيد أنّ أهمية المليشيا قد بيّنتها إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي و خاصة فى الصين ، رغم أنّه بإمكاننا أن نلاحظ كذلك من هذه التجربة عينها أن وجود المليشيا ليس بدوره إجابة سحرية على هذا المشكل. من يقود المليشيا ؟ كيف يمكن تعبئتها ؟ ما هي علاقتها بالجيش القائم؟ - كلّها مشاكل تظلّ تحتاج معالجة جدّية . و قد أثبت التاريخ أنّه بينما الأشكال و الوسائل هامة ، لا وجود لشكل يستعصى على تحويله إلى ضدّه ، بالضبط مثلما تحوّلت سوفياتات لينين إلى سوفياتات خروتشوف . و ينبغى أن نحذر المقترحات التى توحي بإجابة مؤسساتية لمشكل يعالجه فى النهاية الصراع الطبقي. و مهما كانت موافقتنا على أهمّية " تسليح الجماهير" ، لا يمكن أن نوافق أبدا على إعتبار أطروحة " حرب الشعب إلى الشيوعية " التى تقدّم بها الحزب الشيوعي البيروفي كحلّ لهذه المشاكل " خطوة إلى الأمام صحيحة و مدوية ". فقد دافع الحزب الشيوعي البيروفي عن أنّ " حرب الشعب إلى الشيوعية " هو الحلّ الأساسي للمشكل الذى كشفته الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و هزيمتها فى النهاية فى الصين . و يعنى هذا الفهم انّ الثورات الثقافية فى ظلّ الإشتراكية يجب أن تكون فى الأساس صراعا عنيفا. و هذا يقوّض من الداخل كافة مقاربة ماو للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى رأي فيها نقدا و نقاشا جماهيريا كوسيلة أساسية لكلّ من الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي و رفع مستوى الفهم صلب الجماهير الشعبية و قدرتها على لعب دور متصاعد النشاط " فى شؤون الدولة ".
هنا نودّ أن نثير إحتجاجين . الإحتجاج الأوّل هو أن هذه الرؤية للمجتمع الإشتراكي – " حرب شعب" دائمة – ليست رؤية مجتمع نرغب فى العيش فيه، و لا نتصوّر أنّ الكثير الآخرين سيرغبون فى ذلك أيضا. و لن نرغب فى العيش فيه و حسب ـ لكن هذا النوع من المقاربة يمكن فعلا أن تكون له إنعكاسات مفترة ستقوّض و تجرّ بعيدا عن فتح المجتمع بالطرق اللازمة للجماهير لتطوّر فعلا نظرة الطبقة العاملة ووعيها لتأخذ المجتمع قدما صوب الشيوعية و تحول دون إعادة تركيز الرأسمالية. يمكن أن تذهب ضد توجه المجتمع الضروري لجلب الجماهير بصورة متصاعدة نحو التحكّم فى كافة المجالات .
ثانيا، كيف ستعرف الجماهير ، فى الظروف المعقدة للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية ، ضد من ستخوض الحرب ؟ إذا ما أمكن لنا الإقرار بأنّ أتباع الطريق الرأسمالي على الأرجح لن يعلنوا عن أنفسهم أنهم كذلك ، كيف ستعرف الجماهير إذا كانت وجوه معينة من السلطة ستكون هدف الصراع العنيف أم لا ؟ و المخاطر الكلية لهكذا مقاربة يمكن رؤيتها بحدّة إن تذكّرنا النقاش السابق الذى يحاجج آجيث فيه بأن علم الإجتماع ( الماركسية) يجب أن يعتمد على مبادئ اخرى مختلفة عن تلك التى تحكم العلم عامة ، بل بالأحرى على طابعه " المتحزّب " . مرّة أخرى نسأل ، من سيحدّد أية خطوط و سياسات هي " المتحزّبة " بالنسبة للبروليتاريا و على أي أساس سيتمّ إصدار هذا الحكم ؟ نودّ أن نسأل الرفيق آجيث أن يفكّر بعمق فى إمكانية أن يؤدي هذا المنهج و هذه المقاربة بسهولة إلى تعويض النشاط الواعي للجماهير بغوغاء عديمة الفطنة يمكن أن يتحكّم فيها بسهولة ديماغوجيون على قاعدة نداءات " متحزّية " و " موقف طبقي" و " الحفاظ على الحزب و الثورة " و هلمجرّا . و فعلا تاريخ الحركة الشيوعية العالمية يزخر بأمثلة التحريفيين الذين يهاجمون الشيوعيين الحقيقيين بالضبط على هذا الأساس و من الأمثلة المأساوية مثال ديماغوجية هواو كوفينغ :" تحطيم عصابة الأربعة بضربة واحدة " الذى ترافق مع كثير من النداءات العمّالية والبراغماتية لكي يغطّي بغطاء سميك خطّ إعادة تركيز الرأسمالية. و علينا أيضا أن نفكّر فى لماذا العديد و العديد من القوى فى الحركة الشيوعية العالمية وجدت من العسير للغاية أن ترى تحريفية هواو الذى كان يزعم أنّه يعمل لمصلحة الجماهير الصينية و للحفاظ على مكاسب ماو والثورة الصينية .
يمكن أن نلاحظ أنّه عندما إتخذت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى مظاهر أكثر من الصراع العنيف ، لم تكن النتائج إيجابية ، كما لخّص ماو بسرعة ، على غرار الصراع الدموي بين كتل الحرس الأحمر فى جامعة تسينهوا (10) ما دفع ماو إلى تنظيم الطبقة العاملة لتتدخّل قصد إيقاف القتال و إعادة وضع الصراع – النقد- التغيير على جدول الأعمال .
و هذا يعيدنا إلى مشكل ينكبّ على معالجته الرفيق آفاكيان كجزء من الخلاصة الجديدة. إنّه يعالج كيفية الحفاظ على دكتاتورية البروليتاريا كجزء من بناء نوع من المجتمع يرغب المرء أن يعيش فيه وهو يحاجج بأنّه يمكننا أن نبلغ الشيوعية ، لكن لن يحدث ذلك إلاّ إذا أدمجنا النقد الصحيح لنواقص المجتمعات الإشتراكية السابقة ضمن فهمنا لدكتاتورية البروليتاريا فى ظلّ قيادة طليعتها الشيوعية . و هذا من جهة جانب من إعادة تركيز رؤية المجتمع الشيوعي كما إرتآها فى الأصل فى خطوطها العريضة ماركس و إنجلز و طوّرها لينين و خاصة ماو ، و على وجه الخصوص تجاوز " الآفاق الضيقة للحقّ البرجوازي" ( و نحن مسرورون لرؤية أنّ الرفيق آجيث هو كذلك يشدّد عليه فى مقاله الناقد لفينو). و لكن علينا أيضا أن نقرّ بأنّ هذه النظرة للمجتمع الشيوعي لا يمكن إعادة تركيزها تماما و حيويّا دون إعادة " تفحّصها " فى نفس الوقت على ضوء التجربة التاريخية و على ضوء المزيد من التقدّم فى الفهم الإنساني عامة . هذه هي الخلاصة الجديدة التى يتقدّم بها بوب آفاكيان .
التداعيات بالنسبة للحاضر و كذلك للمستقبل :
نعتقد أنّ هذه الخلاصة الجديدة جوهرية عقب إفتكاك السلطة إذا ما رمنا بلوغ قمم جديدة فى النضال بإتجاه الشيوعية . لكنّنا نعتقد أيضا أنّ المسائل المعالجة فى الخلاصة الجديدة ، بما فى ذلك المقاربة و المنهج اللذان تمثلهما ، ليسا شيئا يمكن أن يكون مفيدا عقب إفتكاك السلطة فقط. و فهم هذا فهما صحيحا سيكون مفتاح القدرة على المساهمة بطريقة جيدة فى نقاشات اليوم و سيجلب أتباعا و كوادرا جديدة ، و ضمنها المثقفين ، وهو ما تحتاجه حركتنا الشيوعية أيما حاجة . وهو مفتاح كذلك بعدُ فى هذه المرحلة لتشريك الجماهير إلى جانب الشيوعيين فى مواجهة المسائل المحورية و المسك بها ، هذه المسائل المتصلة بالمجتمع الثوري المستقبلي الذى نناضل من أجل إيجاده .
و المسائل الخلافية هنا ليست مسائل تخصّ دكتاتورية البروليتاريا فحسب بل تطال كلّ شيء بشأن كيفية التفكير و كيفية العمل الآن . ليست مهمّة فحسب لل" مستقبل" عندما تكون لدينا دول إشتراكية جديدة نتقدّم بها و ندافع عنها. فقد رأينا أنّ الذين كانوا غير قادرين على إستيعاب او رفضوا تطويرات ماو تسى تونغ بشأن مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ( أحيانا فى شكل محاججة بأنّ مثل هذه المسائل غير مفيدة قبل إفتكاك السلطة ) قد فشلوا كذلك فى إستيعاب أو رفضوا الموقف العام لماو و وجهة نظره و منهجه المرتبط بكلّ ما نقوم به. و الشيء نفسه ، رفض النظر بحقّ فى نواقص التجارب الماضية ، حتى و نحن نرفع بصلابة راية المكاسب العظيمة لدكتاتورية البروليتاريا ، و إدارة الظهر للخلاصة الجديدة البازغة التى يتقدّم بها الرفيق آفاكيان ، يعنيان نبذ القطيعة المطلوبة فى المنهج و المقاربة ما سيأثّر ليس فحسب على ما نقوم به إثر إفتكاك السلطة ، لكن أيضا على المطلوب الآن إذا رمنا النجاح فى إفتكاك السلطة فى المصاف الأوّل .
هل سيكون ممكنا ، مثلا ، تطوير تحليل طبقي صحيح فى العلاقات الطبقية الإقتصادية – الإجتماعية السريعة لو صرّحنا مسبقا بأنّ " أسس" الماركسية لا يمكن أن يعاد تفحّصها ؟ من اليسير رؤية كيف أنّ مثل هذه المقاربة تقف ضد ملاحظة لينين (و ماو) بأنّ " التحليل الملموس للواقع الملموس هو جوهر الماركسية ".
كانت مسألة "الحقيقة السياسية " و لا تزال مسألة محورية فى توجه الشيوعيين . أوّلا ، صيغت كمفهوم خاص فى علاقة بكيف ينبغى أن نعالج ( أو لا نعالج ) بعض المسائل التى ظهرت فى علاقة بالحزب الشيوعي البيروفي بصدد المشاركة الممكنة للرئيس غنزالو فى صياغة الخطّ الإنتهازي اليميني . بيد أنّ المشكل أعمق من ذلك : تقف " الحقيقة السياسية " ضد أساس الفلسفة الماركسية الذى يقبل بوجود الواقع الموضوعي بإستقلال عن الإنسان أو الأفكار و يدافع عن أنّ الحقيقة هي التطابق بين أفكارنا و الواقع الموضوعي . وقد ناضل لينين نضالا شاقا ضد الذين حاججوا بأنّه كان من غير الممكن الحصول على معيار موضوعي لتحديد الحقيقة و ضد الذين دافعوا عن أنّ " الحقيقة هي فقط شكل منظّم للتجربة الإنسانية ". و فى جداله مع بوغدانوف حول هذه المسألة ، أشار " الفيدايزم المعاصر ل[ الإيمان الديني] لا يرفض العلم رفضا كلّيا ، كلّ ما يرفضه هو " الدعاوي المبالغ فيها " بأنّ العلم يعرف ، إدعاؤه الحقيقة الموضوعية ". (11)
ينبغى أن ننبذ ثنائة البرجوازية المعاصرة التى حسبها العلم والعقل مسموح بهما فى مجال معيّن و ضمن فئة معينة ، لا سيما عندما يكونان ضروريان لإستخراج الفوائد أو صناعة الأسلحة ، لكن عبادة الأوثان و الشعوذة صحيحان كذلك ، و هما حقيقة أرقى يجب تشجيعها فى صفوف الجماهير . حينما يفتح الباب لتحديد الحقيقة ب " التحزّب" فإنّها ستشمل كلّ أسطورة " مفيدة " – و لما لا ملائكة و شياطين أيضا . إنّ الثنائية تسمح بالمنهج العلمي من جهة لكنّها تحاجج بأنّ هذا المنهج العلمي ذاته لا يمكن تطبيقه فى مجال الإيديولوجيا . إنها تذهب اليد فى اليد مع البراغماتية التى تنفى هي كذلك العلاقة بين المبادئ و الأعمال .
لقد أسهبنا فى الردّ على مقاربة آجيث لأنّنا نشعر بأنّه يركّز بطرق عديدة مقاربة منتشرة جدّا فى صفوف الحركة الأممية الثورية و الحركة الشيوعية العالمية عموما . إذا أردنا حقّا أن نواجه التحدّيات التى تواجهنا ليس بوسعنا أن نخشى أو نتهرّب من القطيعة الإيديولوجية و السياسية الضرورية. فقد وجدت هذه الإختلافات فى المقاربة ضمن حركتنا منذ تشكّلها . و مسؤولياتنا المتزايدة ، و ظهور هدف جديد و مشاكل ذاتية للقيام بالثورة ، و الحاجة إلى المزيد من تلخيص التجربة فى الصراع الطبقي و الميادين الأخرى من التجربة الإنسانية يفيدون أنّ هذه الإختلافات فى إحتداد و تتخذ دلالة أكبر . و نرجو أن يشجّع أكثر مقال الرفيق آجيث و ردّنا الرفاق على الدراسة العميقة للخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان . ما كان ممكنا ، و ما كان غرض مقال الردّ على آجيث ، أن نشرح شرحا كاملا لكلّ ما تشمله المساهمات الهامّة لبوب آفاكيان . بالأحرى ، حاولنا فتح الباب لمزيد نقاش الخلاصة الجديدة فى سيرورة إلتزام ديناميكي . و على ضوء هذا ، نودّ أن نلفت الإنتباه إلى بعض المساهمات الأخيرة لرئيس حزبنا آفاكيان و منها " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " (12) و سلسلة مقالات " وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعية " (13) و سلسلة المقالات الأحدث " أسس الثورة الشيوعية و أهدافها و مناهجها " (14). و ندعو بإلحاح كافة أعضاء حركتنا إلى قراءتها و إمعان التفكير فى ما هو جديد هنا بروح النضال من أجل التقدّم بالموجة الجديدة من الثورة البروليتارية التى يحتاجها عالم اليوم جدّا .
------------------
1- أنظروا خاصة " ملاحظات حول الإقتصاد السياسي " من أجل عرض لفهمنا لبعض من هذه المسائل الرابط التالي :
http://rwor.org/a/special_posting/poleco_e.htm)
2- " بيان الحركة الأممية الثورية " و " لتحي الماركسية – اللينينية - الماوية " الصادر سنة 1998، ص 14.
3- أحد أفراد المسمّاة " عصابة الأربعة " و أحد أهمّ القادة الذين قاتلوا من أجل خطّ ماو فى الصين . أنظروا مقال بوب آفاكيان " الحاجة لأن يكون الشيوعيون ...شيوعيين" ( " الثورة " عدد 38 ، 12 مارس 2006) لمعالجة أشمل لهذه النقطة .
4- المضي من الفهم الأدنى إلى الأرقي ليس آليّا و لا يحدث دون صراع و تراجعات. و يمكن رؤية أنّ عديد النظريات الخاطئة تنتصر مؤقّتا .
5- أسهب إنجلز فى عرض هذه الحجّة فى " ضد دوهرينغ " ، الفصل 13.
6- لينين ،" المادية و مذهب النقد التجريبي" ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 14، صفحة 129.
7- " وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعية : نوع جديد جذريّا من الدولة ، و رؤية للحرّية جذريّا مختلفة و أعظم"
http://www.revcom.us/avakian/index.html
8- من الممكن جدّا أن أهداف هذا النقد فى الصين كانت بالفعل " العناصر السيئة " لكن المسألة هي كيف كان الثوريون ينظرون إلى المشكل .
9- و مثلما أشار تشانغ تشن-تشياو فى 1974 ، نحو نهاية الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، فإنّ أتباع الطريق الرأسمالي فى الصين – فى الأساس ، قد أبلوا البلاء الحسن خلال الثورة الديمقراطية لكنهم أبدا لم يقطعوا مع النظرة الديمقراطية البرجوازية للعالم. و كان موقفهم " هذه محطّتى فالرجاء دعونى أنزل من الحافلة ".
10- وليام هنتن ،" حرب المائة يوم : الثورة الثقافية فى جامعة تسنغوا" ، منشورات منثلما ريفيو، 1973.
11- لينين ، الأعمال الكاملة ، المجلّد 14، الصفحة 125.
12- بوب آفاكيان ، " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة و العلم و الفلسفة " ، إنسايت براس ، 2005.
13- " وجهات نظر حول الإشتراكية و الشيوعية : نوع جديد جذريّا من الدولة ، ورؤية للحرية مختلفة و أعظم" على الرابط التالي :
http://www.revcom.us/avakian/index.html
14- صدرت كسلسلة مقالات فى " الثورة " و نشرت برمتها على الرابط التالي :
http://www.revcom.us/avakian/index.html
================================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى الأحزاب و المنظمات المنتمية إلى الحركة الأممية الث ...
- بيانان مشتركان لغرّة ماي 2011 و 2012 صادران عن أحزاب ماوية
- خطّان متعارضان حول المنظّمة الماوية العالمية .
- الإشتراكية و الشيوعية - الفصل الثالث من-مقتطفات من أقوال الر ...
- المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب - الفصل الرابع من- ...
- الحزب الشيوعي- الفصل الأوّل من -مقتطفات من أقوال الرئيس ماو ...
- الطبقات والصراع الطبقي- الفصل الثاني من-مقتطفات من أقوال الر ...
- مقدّمة - الماوية تنقسم إلى إثنين-. - الماوية : نظرية و ممارس ...
- بصدد الثورة الثقافية : ملحق كتاب- مقتطفات من أقوال الرئيس ما ...
- الجزء الثاني من -مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ--الماو ...
- ( مزيدا من فضح طبيعة - النموذج التركي - الرجعية ) - النساء و ...
- الجزء الأوّل من كتاب -مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ- ...
- التنظير لسياسة - النسوية الإسلامية - شهرزاد موجاب
- مقدمة :الماوية : نظرية و ممارسة - 12 - كتاب مقتطفات من أقوال ...
- أنور خوجا و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا مقتط ...
- أنور خوجا و مسار الثورة الصينية مقتطف من- فى الردّ على الهجو ...
- أنور خوجا و الجدلية مقتطف من- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - ...
- أنور خوجا و بناء الإشتراكية فى الصين . مقتطف من- فى الردّ عل ...
- - فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تو ...
- القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافية البروليتارية الكب ...


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية تنقسم إلى إثنين: نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية - - الماوية : نظرية و ممارسة -عدد -13-