أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - اقتصاد القرن الحادي والعشرين ج1-ف4















المزيد.....



اقتصاد القرن الحادي والعشرين ج1-ف4


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3928 - 2012 / 12 / 1 - 12:15
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الفصل الرابع
المحرِّكات الإقليمية للاقتصاد العالمي
ألن جي. سكوت / جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس
Allen J. Scott, University of California, Los Angels
ترجمة:حسن عبدالله (و)عبدالوهاب حميد رشيد

الجغرافية- السياسية للإنتاج والمنافسة
سوف أحاول، في هذا الفصل، أن أجرد بعض الاتجاهات الهامة في الجغرافية الاقتصادية والسياسية للرأسمالية العالمية في نهاية القرن العشرين وتقديم بضع تكهنات حول مسارها المحتمل في العقود المبكرة من القرن الحادي والعشرين. وعلى وجه التحديد، فإن هدفي هو التشريح الأساسي للموقع في النظام العالمي المعاصر للإنتاج والمنافسة بالمقارنة مع إعادة الهيكلة السياسية الدولية العميقة التي انطلقت، أيضاً، في الفترات الأخيرة. يتركز التحليل على الديناميكا المكانية لمركبات الإنتاج الكثيفة والمركزة تلك التي تشكل الأقاليم المتحضرة الكبرى في العالم والتي يبدو عليها أكثر وأكثر أنها تؤلف محركِّات كل النظام الرأسمالي العالمي. إن هذه الصيغة الأولية المقتضبة، كما سأبين، تفتح سلسلة من الأسئلة متنوعة ومحيِّرة بصورة غير عادية.
ومن المؤكد أن الكثير بالفعل قد كُتب حول قضيتيّ العولمة والتنمية الإقليمية. فمن جهة، كثيراً ما قُدمت تأكيدات عن تفسخ الدولة التقليدية ذات السيادة القائمة على إقليمها، وتدويل النشاط الاقتصادي في عالم ليس له حدود بصورة متزايدة(1). ومن جهة أخرى، فقد تراكمَ أدب واسع حول موضوع إعادة تشديد النمو الاقتصادي المؤقلَم في الرأسمالية المعاصرة وعن الدور الحاسم للأقاليم كمصادر للميزة الاقتصادية التنافسية(2). كما أن الكثير، أيضاً، قد كُتب عن التفاعل بين هذين المستويين المكانيين للنشاط الاقتصادي (العالمي والمحلي) وحول العلم الجغرافي- السياسي الجديد للإنتاج والمنافسة، الذي بدأ يتبلور حول ما بينهما من ارتباطات(3). وهذا الفصل هو جهد متواضع للبناء على تلك الكتابات من خلال إعادة درس بعض الأفكار النظرية عن عمليات التنمية الإقليمية بشكل عام وتحري مضامينها بالنسبة لعالم تتلاشى فيه بسرعة الحواجزُ السياسية للمعاملات الاقتصادية. وبهذا الشكل، آمل أن أعيد التأكيد بقوة أكثر على الرأي القائل بأن هناك عملية إعادة تنظيم جغرافية أساسية للرأسمالية يجري وضعها حالياً وهي تتضمن انخراط مجموعة من الاقتصاديات الوطنية في نظام معولم وإعادة رسم المجموعات المكانية القائمة في الوقت نفسه بحيث تتشكل شبكةٌ لمركبات إنتاج إقليمية.
الفصل هو، من ناحية، سلسلة من ملاحظات تحليلية وتجريببة empirical عن تلك القضايا؛ وهو ينطوي، من ناحية أخرى، على مجموعة تنبؤات مستقبلية عن عدد من الاتجاهات السائدة التي يبدو أنها تكشف عن شيء ما. نقطة الانطلاق في هذا الفصل هي الفكرة القائلة بأن المد التوسعي للرأسمالية عبر الزمن قد حملها لنقطة من التطور تتجاوز كثيراً الحدود المكانية والمؤسسية للدولة التقليدية ذات السيادة. نحن ما نزال نتحرك بثبات من مرحلة الدولية internationalism (التي تلائم مجموعة من الدول ذات السيادة وما بينها من تفاعلات) إلى مرحلة من العالمية globalism (التي تشير إلى نظام اقتصادي عالمي واحد). ويقود هذا التحول، وفق مصطلحات مدرسة التوجيه Regulationist School، إلى البحث عن أنماط جديدة للتوجيه الاجتماعي social regulation على المستوى العالمي(4). وفي الوقت نفسه، فإن توسع الأسواق، الذي يفترضه نفس الاتجاه العالمي، يؤشر في منطقة تحتد فيها المنافسة وفيها تقسيمات اجتماعية للعمل تزداد تفرعاً باستمرار، يعزز أثرُها الصافي البنيةَ الموقعية السائدة dominant locational structure للنظام كمجموعة اقتصاديات إقليمية تغطي مساحة واسعة. وهذا، بدوره، يدعو إلى مناهج جديدة للتوجيه الاجتماعي على المستوى المحلي. وكما تبّين هذه الأحداث، فإن الجغرافية الاقتصادية للعالم الحديث يُعاد تشكيلها باستمرار كمجموعات غير ثابتة (أو رخوة) من مركبات إنتاج إقليمية، تربطها ببعضها شبكة معاملات مكثفة، وملحَقة بها كتل كبيرة غير مرتبطة بأحد، يبدو أن مسيرة التقدم الاقتصادي قد خلفّتها وراءها ببساطة.

ظهور الرأسمالية العالمية- عرض موجز للاتجاهات والأحداث
كانت الرأسمالية تمتلك أبعاداً دولية منذ بداياتها التاريخية ذاتها. فقد كان هناك، في داخلها، ميل للاندفاع بعيداً عن حدود الدولة ذات السيادة بحثاً عن مصادر جديدة للمواد الأولية، وأسواق جديدة، وفرص جديدة للاستثمار، وهكذا. ومع ذلك، عموماً، فقد كان هذا الاتجاه في الماضي خاضعاً للمصالح الوطنية، مع ميل الدول الرأسمالية الكبيرة للتراجع عنه باتجاه سياسة الحماية والاكتفاء الذاتي عندما يتبين أن التدويل internationalization يهددها (وأوضح مثال على ذلك هو انهيار التجارة العالمية في فترة ما بين الحربين العالمتين). وباختصار، فإن الرأسمالية، لحد الآن، كانت تتجسد على الدوام من خلال اقتصاديات وطنية، يلعب فيها جهاز الدولة المركزي دوراً هائلاً في تشكيل مسارها التطوري(5). إن الدور الضخم للصناعة الفوردية كبيرة- الحجم (نسبة إلى فورد) في العقود المبكرة من القرن العشرين عزّزَ من الارتباط بين الرأسمالية والدولة ذات السيادة، وإن كل البلدان المتقدمة اقتصادياً سعتْ، قدر الإمكان، لتقوية اكتفائها الذاتي في القطاعات الكبرى للإنتاج- الكبير كصناعة الحديد، والكيمياويات، والسيارات، والأدوات المنزلية، والأغذية المعلبة، وهكذا. وقد تجلى هذا الارتباط في الرؤى الوطنية المحدَّدة للسياسة الكينزية وسياسة دولة الرفاهية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية كرد فعل على مظاهر فشل شاملة معينة في النموذج الفوردي للتنمية الصناعية والاجتماعية.
ورغم ذلك، فإن المزايا المتبادلة، المكتسبة من التجارة ما بين الدول والأشكال الأخرى للتبادل الاقتصادي، قادت إلى جهود سياسية منسجمة في سني ما بعد الحرب لوضع أسس نظام عالمي مرتَّب. والحدث الحاسم الأول لهذا التوجه الاقتصادي الجديد هو مؤتمر برتن وودز Bretton Woods العام 1944، الذي وضعَ الترتيبات لنظام دولي متوقع للعملة. كما أسّس المؤتمر مؤسستين ماليتين كبيرتين: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وذلك لتنفيذ توجهاته. وفي العام 1947، تأسست الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (GATT) لتنظيم التجارة بين البلدان الرأسمالية الرئيسية، والتي انضّمت اليابان لها العام 1955. وتحت قيادة الولايات المتحدة، أصبحت هذه الترتيبات، وترتيبات أخرى أعقبتها، الأساس لتوسع سريع للتبادل الاقتصادي الدولي في سنوات ما بعد الحرب، مثلما خدمتْ أيضاً كمتراس للتحالف العالمي المعادي للشيوعية.
وتحت الحماية الأمريكية هذه، تطورتْ أوروبا الغربية واليابان بسرعة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وإن الأساس لنظام رأسمالي دولي نامٍ ومتين كان قد وُضعَ بإحكام، رغم عوامل عدم الاستقرار الحادة التي بدأت بالظهور في سبعينات ذلك القرن. فقي بداية ذلك العقد، أخذت سيطرة الولايات المتحدة تضعف بصورة مؤلمة، كما يرمز إلى ذلك بشكل مثير قرار الرئيس الأمريكي ريجارد نيكسون، العام 1971، بخروج الدولار الأمريكي عن قاعدة الذهب. وفي غضون سنتين من هذا القرار، كانت عملات كل البلدان الرأسمالية الرئيسية قد عُوّمت (مؤديةً إلى موجات مضاربة في معاملات العملة الأجنبية عبر العالم). إن الجو الذي نتجَ عن فقدان الأمن المالي قد تفاقمَ بسبب الصدمات النفطية في أواسط وأواخر السبعينات. وقد حدثَ في هذا الوقت، أيضاً، أن أنظمة الإنتاج الوطني الكبير لفورد، التي كانت قد ازدهرت في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية في سنوات الرخاء الطويلة التي تلت الحرب، أبدت علامات على أزمات حادة، كانت هي نفسها نتيجة وسبباً للسباق المتسارع في حقل التدويل. فمن ناحية، نتجتْ أزمة شركة فورد عن الاستيراد المتزايد في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية من السلع المنتجة على نطاق واسع في اليابان والبلدان الناشئة والمصنَّعة حديثاً؛ ومن ناحية أخرى، فإن الأزمة نفسها دفعتْ مشروع فورد الأمريكي والأوروبي للبحث على نحو مسعور عن تكاليف إنتاج واطئة، مما شجّعَ بدوره المصانع الفرعية للانتقال على نطاق كبير إلى مواقع أخرى عبر البحار. وكانت حصيلة هذه الاتجاهات هي انهيار وتشتت الكثير من جهاز الإنتاج في شركة فورد، وعملياً، التخلي الكلي عن السياسات الكنيزية وسياسات دولة الرفاهية التي كانت قد زودتها بعمودها الفقري المؤسسي.

الأزمة الحالية
في ظل الحقائق الاقتصادية والسياسية الجديدة الأكثر انفتاحاً، والأكثر تنافسيةً، مع تدخل اقتصادي وسياسي أقل من جانب الدولة بشكل ملحوظ، التي بدأت بالظهور في أعقاب انهيار الفوردية في أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن العشرين، فإن عولمة أنظمة الإنتاج الرأسمالي واصلت تقدمها السريع، ولو الغريب. وقد بدأت قطاعات إنتاج كثيرة، جديدة ومنبعثة من جديد، ومرنة، باحتلال المواقع الأكثر أهمية كبؤر للنمو في الاقتصاديات المتقدمة، وإن منتجاتها كانت تدخل التجارة العالمية بأحجام كبيرة، إلى جانب المواد الأكثر تقليدية التي تدخل في التجارة الدولية كالسلع، والمواد الصناعية الثقيلة، والسلع المنتجة على نطاق واسع. وقد التحقتْ أخيراً كل هذه القطاعات تقريباً، بطريقة أو بأخرى، بالسلاسل السلعية الدولية المتوسعة(6)، ولكنها في العادة، أيضاً، تبقى راسية في مواقعها المحلية ضمن مركبات إنتاج متكتلة بشكل كثيف.
وتحتل هذه القطاعات الكثير من المركز الديناميكي للرأسمالية الحديثة. وهذه القطاعات هي المسئولة أساساً، وإنْ ليس حصراً قط، عن ثالوث الأقسام الاقتصادية الواسعة، أي: 1) صناعة التكنولوجيا العالية، مع مجموعتها المتنوعة جداً من المنتجات؛ 2) تشكيلة من القطاعات التي تنتج السلع الاستهلاكية رفيعة التصميم مثل لباس القدم عالي الطراز، والسيارات الفاخرة، ومنتجات التسلية التي تُباع في أسواق جميلة عبر العالم كله؛ 3) خدمات قطاع الأعمال والخدمات المالية التي نمت بسرعة خاصة في العقود الأخيرة، وهي واحدة من أحجار الزاوية للاقتصاد العالمي اليوم. وعلى نحو متكرر، فإن الاستثمارات في المصانع الأجنبية الفرعية قد نمت كثيراً وباتت واحدة من أكبر القوى لتوسع الرأسمالية. ومن المفيد أن نلاحظ لأغراض لاحقة، أنه بخلاف ما كان عليه الحال مع المصانع الفرعية الأكثر تبعية في الشركات متعددة الجنسية الممركزة القديمة التي تعود لعهد الفوردية المتقدمة، فإن الاستثمارات الأجنبية هذه الأيام تميل أكثر لأن تأخذ طابع وحدات الإنتاج التي هي أكثر استقلالية نسبياً في بنيتها الرئيسية وتنظيمها الوظيفي(7).
إن كل هذا التطور في التباين بين اقتصاديات العالم الوطنية قد سهّله التخفيض المتواصل للتعريفة الجمركية، والعقبات المؤسسية الأخرى على التجارة، إضافة إلى التحسينات في تكنولوجيا النقل والاتصالات التي حدثت في العقود الأخيرة. ومع إدخال النقل القائم على الحاويات كبيرة- الحجم براً وبحراً، وتزايد الصلات الجوية الدولية الرخيصة، وإدخال أنظمة الاتصالات الدولية الإلكترونية من كل الأنواع، فإن تكاليف إجراء المعاملات بين الدول تهبط باستمرار، بينما ازدادت كثيراً سرعة تداول السلع والمعلومات. والحصيلة هي أن الأنظمة الاقتصادية الوطنية قد غزتْ إحداها الأخرى، بالتدريج ولكن بشكل راسخ، وباتت منخرطة معاً في التقسيمات المتوسعة للعمل.

شكل 1-4 بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD: نمو الصادرات
نسبةً لنمو الناتج المحلي الإجمالي GDP ، 1960 = 1


ملاحظة: البيانات الأصلية بالأسعار الثابتة.. المصدر: OECD (1993a).

وهذه الاتجاهات يمكن توثيقها بتفاصيل إحصائية كثيرة. فالتجارة العالمية نمت باستمرار إلى هذا الحد أو ذاك في فترة ما بعد الحرب، وهي مستمرة بالتوسع بمعدل متسارع (أنظر شكل 4 - 1). في العام 1970، شكلت صادرات السلع العالمية 4,1 % من المنتجات المحلية العالمية؛ وفي العام 1993، بلغ الرقم المناظر 16 %- أي بزيادة تبلغ أربعة أضعاف. الحجم الفعلي لصادرات السلع العالمية في العام 1993 كانت قيمته 3,6 ترليون دولار، جاء أكثر من 70 % منها من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). الصادرات العالمية من الخدمات التجارية تزيد قليلاً عن ترليون دولار(8). ومع ذلك، فهناك اختلاف كبير بين بلد وآخر في مستوى الاعتماد على التجارة الخارجية. وتبين معطيات الشكل 4 - 2، بالنسبة لبلدان (OECD)، أن نسبة التجارة الخارجية من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) تميل للهبوط من حيث القيمة كلما زاد (GDP). فـ لوكسمبرغ، مثلاً، التي بلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها (GDP) 12,5 بليون دولار العام 1993، كانت صادراتها تشكل 85,7 % من (GDP) واستيراداتها 79,6 % منه، بينما نجد أن الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة يبلغ 6,26 ترليون دولار، في حين تبلغ صادراتها 10,3 % من ذلك الناتج واستيراداتها 11,6 % منه. وهكذا، فرغم أن اعتماد كل البلدان على التجارة الخارجية يستمر بالزيادة، فإن البلدان الأصغر هي أكثر انفتاحاً نسبياً من البلدان الأكبر. والنتيجة الطبيعية والهامة لهذه الملاحظة هي أننا إذا أردنا إن نقّسم الاقتصاديات الوطنية إلى وحدات إقليمية أصغر، فإن اعتمادها المتبادل سيكون عالياً جداً حقاً (حتى إذا أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة أن الحواجز السياسية للتجارة ما بين الأقاليم يندر أن توجد ضمن أي بلد واحد). وما هو حتى أكثر إثارة من توسع التجارة الدولية في السنوات الأخيرة هو النمو الانفجاري لأسواق رأس المال العالمية والعمليات المالية(9). فتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً بلغَ 150 بليون دولار عام 1992، مع مخزون للاستثمار الأجنبي المباشر الفعلي قُدرت قيمته بعشرة أضعاف هذا الرقم(10). وفي الواقع، فإن الكثير من التجارة الخارجية تتكون بالفعل من حركات المستخدَمات والمنتجات بين وحدات الإنتاج المنتشرة بين بلدان مختلفة ولكنها تعود لنفس المنشأة. فأكثر من ثلث تجارة الولايات المتحدة هي الآن تجارة ضمن كل منشأة واحدة(11). وفي الوقت نفسه، فإن معاملات العملة العالمية زادت بشكل حلزوني. في العام 1992، بلغت الأصول الأجنبية لمصارف الإيداع المنتشرة عالمياً 7 ترليون دولار(12)، وأن مبالغ هائلة من رأس المال السائل يتم تداولها الآن عالمياً في جزء من الثانية. وفي العام 1992، بلغ المتوسط اليومي لمعاملات العملة الأجنبية 900 بليون دولار- وهو مبلغ يزيد بالفعل 12 مرة عن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)(13).

قواعد التوجيه في الرأسمالية العالمية
إحدى نتائج التآكل الملموس للحدود السياسية بين الدول ذات السيادة، والذي ما يزال مستمراً، هي تضاؤل قوة الدول الفردية للسيطرة على مصيرها الاقتصادي الداخلي(14). وحتى الولايات المتحدة، المسيطر السابق على العالم، تخضع لضغوط حادة لإجراء إعادة هيكلة داخلية كنتيجة للضغوط الخارجية. ومع ذلك، فلم يتحقق بعْد تحول مناظر في السلطة السياسية إلى المستوى الدولي لمواجهة تحديات التوجيه regulatory challenges التي أثارتها عولمة العلاقات الاقتصادية الرأسمالية.
يُشار إلى أن الجهود التي عُملت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لوضع آليات فوق- وطنية للتنسيق الاقتصادي تعالج القسم الأهم من تلك التحديات، وإن مبادرات كثيرة جديدة هي قيد التحقيق. إذ يبدو أننا نتحول صوب مرحلة سياسية انتقالية في طريقنا لنظام عالمي أكثر فعالية(15). وما أقصده هنا عملياً هو ظهور التحالفات الاقتصادية متعددة الجنسية كالاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، ومنظمة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، ومؤتمر التعاون الاقتصادي بين آسيا والباسفيك (APEC)، و(MERCOSUR) (النظير الأسباني للسوق الجنوبية المشتركة)، وغيرها، حيث تتخلى مجموعة من الدول بشكل حقيقي عن عناصر من سيادتها الاقتصادية مقابل وصولها بدرجة أوسع للموارد والأسواق في ظل ضمانات مؤسسية وتعاقدية قوية للتعاون. كما قامت الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (GATT) مؤخراً بإعادة تنظيم منظمة التجارة العالمية (WTO) ومُنحت سلطات إضافية لمتابعة برامجها للتجارة الحرة. كما أن هناك مؤشراً آخر على هذا النشاط وهو التوسع الذي حدثَ مؤخراً لشتى المنظمات الدولية. ففي العام 1960، كان عدد هذه المنظمات 1,422؛ بينما وصلَ عددها إلى 36,468 العام 1994، 5,401 منها هي منظمات ما بين الحكومات و 31,085 هي منظمات غير حكومية(16). ومما لا شك فيه أن هذه التطورات سوف يتم التأكيد عليها في ظل الجو الجديد للانفراج العسكري في العالم المعاصر.
وباختصار، فنحن في الطريق نحو نظام دولي أكثر تكاملاً بدرجة كبيرة، أو نحو ما أسماه كينيجي أوهماي، بتعبير مثير، عالم بلا حدود a borderless world(17)، رغم أننا ما نزال بعيدين عن محطته النظرية الأخيرة. وكلما نتحرك في هذا الاتجاه، فإن الدولة ذات السيادة القائمة على إقليمها تخلي مكانها لصالح "الدولة التجارية" trading state التي تعتمد رفاهيتها، بدرجة أكبر وأكبر، على تواصل نجاحها في الإنتاج الموجه للتصدير ضمن إطار التقسيم الدولي للعمل. إن التوجه للتصدير(18) (بالمقارنة مع إحلال الواردات) هي استراتيجية أخذت بها أجزاء عديدة من العالم للوصول إلى وضعية البلدان المصنعة حديثاً (NICs)(19)، وفي بعض الحالات، للتحرك باتجاه التطور الرأسمالي الكامل. ولسوء الحظ، فهذه ليست مناورة يمكن اللجوء إليها بحسب الرغبة، وإن الفجوة بين العالم المتطور والبلدان المتروكة هي واحدة من أكثر المشاكل إرباكاً وصعوبةً للسياسة policy في النظام العالمي الحديث.

شكل 2-4 (أ) التجارة الخارجية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي GDP (حيث تُقاس التجارة
الخارجية ك 1 / 2 من [الاستيرادات + الصادرات] على (ب) الناتج المحلي الإجمالي
لبلدان OECD، العام 1993

ملاحظة: معادلة خط الانحدار هي: y = 90. 5 x -0.217 with R 2 = 0.46.
المصدر: الحسابات القومية لبلدان OECD، 1993.

النهضة الإقليمية
مع تضاؤل السيادة الاقتصادية الوطنية في عالم بلا حدود على نحو متزايد، سيكون هناك بعض الميل في الدولة التجارية (نظرياً على الأقل، ومع التجرد عما للثقافة والوطنية من آثار تعّقد الوضع) للتحلل إلى رابطة أقاليم. وهذه الفرضية لا تلمح كثيراً للأقاليم التي هي في حالة بدائية كوحدات جغرافية اعتباطية على مستوى أقل من الدولة ذات السيادة، بل بالأحرى إلى مركبات مركزة محددة من النشاط الاقتصادي والاجتماعي، منقوشة بقوة على الأرض. إن أقاليم من هذا النوع هي، أيضاً، عناصر حاسمة من الدولة السيادية التقليدية، رغم أنها، في هذه الحالة، تخضع على الدوام للاتجاهات والسياسات الاقتصادية الوطنية. وفي ظروف العولمة المتعاظمة، مع تضاؤل الوساطة الاقتصادية للحكومات المركزية، فإن خضوع تلك الأقاليم لضغوط المنافسة الخارجية سيكون كبيراً، وإن سعة سوقها ستتوسع أكثر، وبالتالي فإن بنيتها وديناميكيتها الداخليتْين ستتكيفان إلى حد بعيد. إن هذه الملاحظات تفترض، طبعاً، أن هناك علاقة وثيقة بين عولمة الرأسمالية وطابع التنمية الاقتصادية على المستوى الإقليمي. إن طبيعة هذه العلاقة ليست واضحة كلياً، وسوف أحاول، في هذا القسم، توضيح شيء من منطقها الداخلي(20).
بدايةً، يتضمن أي نظام اقتصادي منظَّم أنواعاً مختلفة من الوفورات الخارجية الإيجابية، أي آثار عوائد متزايدة أو علاقات إنتاجية متزايدة، التي هي داخلية بالنسبة للاقتصاد ككل ولكنها خارجية بالنسبة لوحدة الإنتاج المعنية. وفي الرأسمالية الحديثة، فإن هذه الوفورات الخارجية هي مكونات جوهرية للميزة التنافسية. هناك ثلاثة أنواع من الوفورات الخارجية لها أهمية خاصة:
1) التخصص والتكامل هما مصادر كبرى للآثار الخارجية، بمعنى أنه كلما كان بوسع المنتجين أكثر أن يعتمدوا على المصادر الخارجية الكفء (أي، غير المتكاملة عمودياً) للأنواع الخاصة من المستخدمات، صار وضعهم أفضل على العموم. وبهذا الشكل، فإنهم سيتمكنون ليس فقط من استعمال مستخدمات رخيصة بكميات متفاوتة خلال الزمن، بل والحصول أيضاً- دون تأخير ضار- على مستخدمات لها أهمية كبيرة جداً لا يحتاجونها إلاّ في بعض الأحيان وعلى نحو يصعب التنبؤ به.
2) كلما صار بإمكان المنتجين أكثر الحصول على مصدر خارجي للعمل المدرَب جيداً، والذي يمتلك العادات الضرورية، والمعتاد على الترتيب والنظام، بتكلفة معقولة، كانوا أقدر على تحقيق مهام الإنتاج بشكل كفء ورخيص أكثر، وباتَ من الأسرع والأيسر بالنسبة لهم مواجهة أي حالات بطالة يمكن أن تظهر.
3) يتفاعل المنتجون فيما بينهم على جبهات كثيرة ومستويات كثيرة، كما في المناقشات حول المبيعات والمشتريات، وكذلك العمل معاً في روابط الأعمال أو القيام بنشاطات مشتركة في حقل الأعمال. وهذه التفاعلات تفيد في نقل واكتساب أنواع معينة من التعلم وآثار الابتكارات- الاعتماد المتبادل غير الوظيفي- مثلما تخدم في الغالب، أيضاً، كأساس للمعلومات عن التشابكات الصناعية/ التجارية المتميزة التي تساعد على تقوية النظام الاقتصادي المحلي(21). وفي عالم يشّكل فيه رأس المال البشري مكوِّناً هاماً للإنتاج، فإن لهذه الآثار أهمية كبرى.
وإلى هذه الأنواع الثلاثة من الوفورات الخارجية، يمكننا أن نضيف نوعاً رابعاً في صورة ترتيبات مؤسسية شبه- سياسية تعزّز الثقة والتعاون ما بين المنشآت، وتتيح علاقات إشراف فعالة لمجموعات من المنتجين المرتبطين بعضهم ببعض (كما في حالة منظَّمات المستخدم- المنتج الدقيقة). ومن الممكن أن نقدم أنواعاً أخرى من الوفورات الخارجية، ولكن القائمة الرئيسة هذه تكفي للأغراض الحالية. والوفورات الخارجية هذه مصدر حيوي للكفاءة المكتسبة، والابتكار، والنمو، في الرأسمالية الحديثة، وإن فعاليتها تَقْوى عادة كما زاد مستواها ونطاقها. ومع ذلك، لاحظْ بأنها دائماً تتطور وتتوزع في أي اقتصاد بصورة متفاوتة. فهي تنتشر ضمن صناعات معينة (كالمواد الإلكترونية والملابس)، ولكنها تقل في صناعات أخرى (كإنتاج الحديد أو تصفية النفط)؛ ورغم أن منتجيّ المواد الإلكترونية أو الملابس، مثلاً، يميلون لخلق وفورات خارجية قوية ضمن نفس القطاع، بيد أن آثارهم المتبادلة ضعيفة أو حتى سالبة.
إن واحدة من الصفات المثيرة للوفورات الخارجية، كما ذُكرت تواً، هي أنها كلها تتضمن علاقات المكان- المعاملة. فكلها تتضمن أشكالاً من الوصول إلى والصلات مع وحدات نشاط أخرى، مما يعني أن قدرة المنشآت على الاستفادة منها تعتمد أما على كون تكاليف المعاملة قليلة بالنسبة للمسافة (إذا كانت الوحدات الأخرى منتشرة على نطاق واسع مكانياً) أو على كون الوحدات قريبة من بعضها (إذا كانت تكاليف المعاملات المكانية عالية). وعملياً، طبعاً، فإن تكاليف المعاملات المكانية سوف تتغير، أيضاً، اعتماداً على نوع المعاملة بالضبط. فالمعاملات غير المنتظمة، صغيرة- الحجم، والشخصية، تميل تكلفتها بالنسبة للوحدة الواحدة (أو تكلفتها المتوسطة) إلى أن تكون عالية. والمعاملات النمطية وكبيرة الحجم تميل تكلفتها بالنسبة للوحدة الواحدة إلى أن تكون واطئة. وبالاعتماد على طبيعة وكمية الوفورات الخارجية التي تسود في أي وقت محدد، وعلى المزيج من المعاملات كثيرة التكلفة وقليلة التكلفة التي تكمن خلفها، يُرجح أن نجد مستويات متفاوتة على نطاق واسع من التكتل والانتشار في البنية الموقعية للاقتصاد.
والشكل 4 - 3 هو محاولة لتصوير هذه الأفكار كنظام. فهو يبين سلسلة من النتائج الموقعية الافتراضية لثلاثة درجات مختلفة من الوفورات الخارجية (كما عُرفت من قبل): المتدنية (التي يرمز لها بالحرف A)، المتوسطة (B) ، والعالية (C). ولكل واحدة من هذه الحالات، يتعقب الشكلُ العلاقات بين 1) التكاليف المكانية للقيام بمعاملة ما (المحور الأفقي)، 2) مقياس كلي بسيط للتفاعل المادي على المكان (المحور العمودي)، و 3) الاستجابة المعمَّمة للموقع (التي تمثلها درجات الظل المختلفة). المحور الأفقي يمثل القيم المتوسطة فوق ما يكون دائماً عملياً مدى واسع من التكاليف، مفترضين مجموعة المعاملات التي تتواجد في أي اقتصاد معطى. ونفحص الآن الأنماط الجغرافية المعقدة التي تظهر كلما تتغير العلاقات بين الوفورات الخارجية وتكاليف المعاملات. كما نتوقع أيضاً، دون شك، حدوث تحولات نوعية كثيرة متوازية في بنية النشاط الاقتصادي، ولكننا، لأغراضنا الحالية، نركز فقط على الأبعاد التي ذكرناها.
الاستنتاجات الرئيسية من هذا التمرين يمكن تقديمها في صورة أربعة سيناريوهات موقع مختلفة.
1) حينما تكون تكاليف المعاملات المكانية عالية وأن الوفورات الخارجية التي تستمد من وجود منشآت أخرى قليلة نسبياً، فإن المنتجين ببساطة سوف يبحثون عن مواقعهم الأقل تكلفةً من خلال مستخدماتهم الأساسية و/ أو أسواقهم. والنتيجة تميل على العموم إلى أن تكون مجموعة من صور لوسجين- فيبر Loschain-Weberian landscapes. إذ لا يربح المنتجون سوى القليل من التكتل كبير الحجم، ولكنهم يربحون الكثير من القرب من بعض المورِّدين والمشترين المختارين، وبالتالي، فأنهم ببساطة سوف يكيّفون مواقعهم بحيث تتماشى مع التوزيع الجغرافي الأساسي للموارد والسكان(22).
2) عندما تكون الوفورات الخارجية كثيرة، فإن استراتيجيات الموقع لدى المنتجين سوف تتكيف من جديد وفقاً لذلك، مع أن طبيعة عملية التكيف الجديد سوف تعتمد بدرجة عالية على مستويات تكاليف المعاملات المكانية(23). لنتأمل حالتين مختلفتين. تصورْ، من ناحية، أن تكاليف المعاملات عالية بشكل موحد. وهذا الظرف سيشجع المنشآت على التكتل معاً، ولكنه أيضاً سوف يقلص المدى المكاني الذي يتيح للمنتجين في أي تكتل معطى أن يستفيدوا من المصادر الخارجية أو للبيع لأسواق خارجية. وعليه، فإن نمو التكتل سوف يواجه بسرعة حدوداً معطاة خارجياً. ويمكن تقديم مجتمعات الحرف التقليدية كمثال واحد على هذه الظاهرة. ومن ناحية أخرى، إذا كانت تكاليف المعاملات واطئة بشكل موحد، فإن بعض المنتجين سيكون في وسعهم التمتع بالوفورات الخارجية من على بعد. وعليه، فإن الدافع لإقامة التكتل القائم على الوفورات externality-driven agglomeration سوف يضعف (حتى إذا كان المدى المكاني لأي تكتل معطى واسعاً)، وإن جزءً من الإنتاج، على الأقل، سوف يتبعثر
شكل 3-4 النتائج الموقعية التخطيطية للتفاعل بين تكاليف المعاملات
المكانية والوفورات الخارجية

ملاحظة: يمثل المحور العمودي متوسط مستويات التفاعل المكاني حيث X ij هي كمية من التدفق بين أي مكانين، i و j ،
وإن D ij هي المسافة الجغرافية بين نفس المكانيْن.

على مواقع تتوافر فيها أنواع أخرى من مزايا التكلفة. والنتيجة الصافية في كلتا هاتين الحالتين سوف تميل إلى أن تكون صورة موقعية locational landscape تتميز بوجود تكتلات كثيرة صغيرة ومتخصصة.
3) وحينما تكون تكاليف المعاملات المكانية واطئة وتقترب بسرعة من الصفر، فإن حالة من الفوضى الموقعية locational entropy سوف تسود بمجرد أن تكون قد فقدت كل قيمتها الحالية التكاليفُ المتدنية في مكان محدد للأنماط المكانية السابقة. وعلاوة على ذلك، فهذا سوف يحدث حتى إذا كانت الوفورات الخارجية من مرتبة عالية، لأنه لن تكون هناك عندئذ أي قيود مكانية على الوصول إليها. والحالة النهائية التي تكون فيها تكاليف المعاملات مساوية للصفر، سوف تكون مماثلة لعالم البساط السحري حيث سيكون بوسع كل فرد التنقل أو الوصول لأي سلعة أو خدمة أو معلومة بأي كمية ومن أي مكان وفي الحال ومن دون أي تكلفة. ومن الواضح، أننا ما نزال بعيدين في الواقع عن التكتل بهذا المعنى.
4) إن الوضع الأقرب لأغراض هذه الدراسة هو الذي يقع بين الحالتين الموصوفتين في النقطة (2). في هذا الوضع، فإن تكاليف المعاملات المكانية يُفترض أن تتغير ضمن نطاق من التكاليف العالية إلى الواطئة ولكنها ستكون معتدلة أو ذات كثافة وسطية كمعدل. وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن نتوقع أن يتكتل المنتجون معاً لتعظيم وصولهم access إلى الوفورات الخارجية، وقبل كل شيء، إلى مجموعة من الوفورات الخارجية التي ترتبط بتلك الأنواع من المعاملات غير المنتظمة، وصغيرة- الحجم، والشخصية جداً. وعلى سبيل المقارنة، فكثير من أنواع المعاملات الأكثر نمطية التي تربط المنتجين بباقي العالم ستكون وطنية وعالمية في مداها. وعلاوة على ذلك، فإن توسع حجم السوق أمام المنتجين سيمكّن من تعميق التقسيم الاجتماعي للعمل في أي تكتل معطى (وبالتالي خلق وفورات خارجية أكثر) مما يشجع على تحقيق جولات إضافية من النمو.
السيناريو الرابع يمكن تشبيهه بحالة المحركِّات الإقليمية التي تنتج عن عولمة الاقتصاد وتدفع إليها في الوقت نفسه. وما دامت الحواجز السياسية أمام التعامل الاقتصادي تتلاشى باستمرار، فربما تصبح هذه المحركِّات- لفترة من الزمن، على الأقل- عنصراً هاماً في النظام العالمي. وأنا أؤكد بأننا في مراحل مبكرة من ظهور اقتصاد رأسمالي عالمي يميّزه نظام المحركِّات الإقليمية هذه بالذات. وأحد الأسباب الرئيسة لهذا التأكيد هو أن الأشكال المعاصرة للإنتاج والتنظيم الاقتصادي تحفل بآثار الوفورات الخارجية التي تجد جذورها في المستويات المتزايدة للمرونة، وعدم التأكد، وتنوع المنتوج product destandardization، والتنافس، التي هي السمات المميِّزة للمشروع الرأسمالي المعاصر. فمن خلال مجموعة من التوسطات المعقدة، شجعت هذه الظروف على عدم التكامل العمودي لأنظمة الإنتاج، ومرونة أسواق العمل، والفرص الأوسع للتعلم والابتكار عند السطح البيني بين المشاركين في السوق، وتثبيت المؤسسات التي تعزز الثقة والتعاون ضمن قطاعات مختارة(24). وعليه، فقد أتاحت أيضاً انبعاث آثار عوائد متزايدة على مستوى النظام الاقتصادي ككل، آثار واضحة بشكل خاص في الفروع القطاعية الكبرى التي ذُكرت سابقاً: صناعة التكنولوجيا العالية؛ والسلع الاستهلاكية عالية التصميم التي تذهب لأسواق جميلة، وخدمات قطاع الأعمال والخدمات المالية. والسبب الثاني لذلك التأكيد هو أنه بالرغم من هبوط تكاليف المعاملات المكانية بشكل مثير عبر جبهة واسعة في العقود الأخيرة، بحيث صار بوسع منشآت كثيرة الوصول بيسر للأسواق العالمية، بيد أنه تظل هناك أنواع مهمة من المعاملات التي هي حساسة جداً لآثار المسافة. فالوفورات الخارجية تميل لأن تتطور كثيراً في شبكات التفاعل التي تشكلها هذه المعاملات بالذات. وإن المنتجين، لكي يؤمنوها، يتكتلون معاً في المكان الجغرافي.
وفي ظل هذه الظروف، فإن أفضل تشابكات superclusters بين المنتجين قد ظهرَ في صورة تكتلات كثيفة (تشكّل عادةً مناطق- عواصم كبيرة large metropolitan areas أو مدناً عالمية) مرتبطة معاً وظيفياً ضمن تقسيم عالمي للعمل. إن الأداء الإنتاجي لهذه التشابكات الفضلى يزداد بوفورات الحجم التي تنشأ حينما تتوافر البنية التحتية المادية والخدمات العامة الأخرى لتؤمن عملها الفعال. وكما أوضح مؤخراً محللون كثيرون، فأنه في هذه الأنواع من الكيانات الجغرافية تتكون الميزة التنافسية advantage competitive في العالم الحديث كعمليات اجتماعية وسياسية، بالمقارنة مع المزايا النسبية advantages comparative الريكاردية التي تكمن في الموارد الطبيعية الموهوبة(25). إحدى الطرق الهامة لتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية المتينة اليوم هي بناء أنظمة اقتصادية إقليمية كهذه يمكنها صياغة مكانة ثابتة لنفسها ضمن بنية واسعة عالمياً للتجارة والاستثمار والمنافسة. ومع ذلك، فحتى الأقاليم الناجحة ليست محصنة ضد أن تدخل في طرق تنمية مسدودة، كما يتبين من الانهيار العرضي لمراكز نمو ازدهرت ذات مرة في لحظات مختلفة في تاريخ الرأسمالية.

جغرافية الرأسمالية العالمية
كانت هناك محاولات، منذ خمسينات القرن العشرين، لتجاوز النظرية الأصلية للميزة النسبية كوسيلة لفهم جغرافية التنمية والتجارة. وفي هذا الاتجاه، كانت هناك محاولتان مبكرتان لـ أ. هيرشمان و غ. ميردال اللذين أكدا على أن عملية الاستقطاب polarization وعملية التقطير trickle down عملتا في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية على تكوين عدد صغير من الأقاليم الاقتصادية المتطورة جداً، تحيطها صفوف عريضة من المناطق غير المتطورة نسبياً(26). وقد أسمى هيرشمان وميردال المناطق الأولى بـ "مركز" core الدولة السيادية والمناطق الثانية بـ "المحيط" periphery- وهما مصطلحان بقيا ملازمتيْن في كل المعالجات اللاحقة تقريباً لموضوع التنمية الإقليمية، بما في ذلك معالجتنا الحالية. وفيما بعد، قامت مجموعة منظّرين راديكالية أكثر بإعادة فحص فكرة المركز- المحيط، موِّسعةً إياها لتشمل العالم كله، ودافعتْ عنها من خلال منطقٍ للتنمية المتفاوتة والتبادل غير المتكافئ، مع دعم ذلك بأدلة من العلاقات الإمبريالية الجديدة بين البلدان المتطورة وغير المتطورة(27). وقد أعاد آي. والرشتاين عمل العديد من هذه الأفكار في بحثه عن الاكتساح التاريخي الطويل للتطور الرأسمالي وتكوين النظام العالمي(28). ثم كانت هناك جولة أخرى من البحوث حول الرأسمالية العالمية وفقاً لفكرة المركز- المحيط قام بها ف. فروبل و ه. هاينرجس و أو. كري الذين أشاروا إلى أن البلدان الأكثر تطوراً اقتصادياً صارت متخصصة بالعمل عالي- الأجر وذي الياخات البيض، بينما تتحول البلدان الأقل تطوراً للعمل منخفض- الأجر وذي البدلات الزرق(29). وقد أشار فروبل والكُتاب الآخرون إلى أن العوامل الرئيسة في ما يسمى التقسيم العالمي الجديد للعمل هذا هي الشركات متعددة الجنسية بما لها من أنظمة التجميع العالمية المتوسعة دوماً assembly lines.
إن كل واحدٍ من هذه المناهج يمسك بشيء من المنطق الجغرافي الكلي وديناميكا العالم الحديث. فبطرق مختلفة، نجد أن فكرة الميزة النسبية، والاستقطاب والتقطير، والتطور غير المتكافئ، والتقسيم العالمي الجديد للعمل، تمثل عمليات وظواهر ما تزال تترك أثرها على الأنماط المكانية العالمية للتطور. ومع ذلك، وفي ضوء الفيض الأخير من العمل المنشور حول العلاقات الاقتصادية العالمية- المحلية، إضافة إلى ما ذكرته تواً، فإن شيئاً من إعادة تقييم هذه المناهج يبدو لي أمراً طبيعياً. وأقدّم الآن إعادة تجميع (أو تأليف) تخطيطية تصب، بشكل مباشر إلى هذا الحد أو ذاك، في الخط التقليدي للتحليل الموصوف قبل قليل. نقطة انطلاقي هي الفكرة القائلة بأننا، في المرحلة القادمة من التطور الاقتصادي والسياسي الرأسمالي، ربما سنرى (ونرى الآن) تشديداً لاندماج الرأسماليات الوطنية في بنية اقتصادية واحدة عالمية النطاق، إلى جانب ما يصاحب ذلك من تجسيد مادي للتشابكات الفضلى superclusters للنشاط الاقتصادي لتشكّل المحركِّات الأساسية للنظام كله.
يقدم الشكل 4 - 4 لمحة تقريبية، ولكن شاملة، للعناصر الجغرافية الأساسية لهذا العالم الذي يقترب منا. ثمة نقطتان رئيستان لابد من عملهما.
أولاً، المناطق المتطورة من العالم تُمثَل، في الشكل، كخليط (أو رقعة) من محركِّات اقتصادية إقليمية مستقطَبة، يتألف كل واحد منها من منطقة العاصمة المركزية، والمنطقة الخلفية المحيطة بها والتي تشغلها المجتمعات الملحَقة، والمناطق الزراعية المزدهرة، ومراكز الخدمة المحلية، وما شابه. وكما يبين الشكل، فإن بعض أنظمة منطقة العاصمة- المنطقة الخلفية المحيطة قد تلتحم بعضها ببعض، كما هو الحال في بوسطن- نيويورك- فيلادلفيا، لوس انجلس- سان ديغو- تيوانا، ميلان- تورن- جنوة، طوكيو- ناغويا- أوساكا، وهكذا. كل مركز عاصمة هو موقع لشبكات كثيفة من الأشكال المتخصصة، ولكن المتكاملة، للنشاط الاقتصادي، سويةً مع أسواق عمل محلية كبيرة ومتنوعة، كل واحد منها هو مكان ملائم لتحقيق وفورات تكتل قوية powerful agglomeration economies وآثار عوائد متزايدة. وكلها منخرطة أيضاً في بنى معقدة للتعامل العالمي. ولذلك، وتمشياً مع المناقشة السابقة، فإن هذه المحركِّات تميل ليس فقط لأن تصبح كبيرة، بل أنها تصبح أكبر بشكل ثابت.
ثانياً، إن التوسعات الكبيرة الأخرى للعالم الحديث تقع عند التخوم الاقتصادية المتوسعة من الرأسمالية (المستعمرات السابقة، الدول الاشتراكية السابقة، الأقاليم المنعزلة، والخ..). وعلى الأكثر، فهذه هي مناطق متخلفة لم تكن قادرة على بناء تنظيماتها الاقتصادية التي كان يمكن أن تدفعها نحو أشكال من التنمية القائمة على مركز للنمو، الموصوفة هنا growth-center development. ورغم ذلك، فهذه المناطق تتخللها أحيانا جزر من الرفاهية النسبية والفرص الاقتصادية(30)، وإن بعضها قد يكون بالفعل على مسارٍ يقودها نحو مستويات أعلى من التنمية (المتكتلة) agglomerated. وفي الستينات والسبعينات، فإن أماكن مثل هونغ كونج، وسنغافورة، وتايوان، وإقليم سيئول، ومكسيكو المركزية، كانت كلها في مراحل مختلفة على ذلك المسار. واليوم، فإن عدداً من مناطق- العواصم مثل بانكوك، وكوالا لامبور، وساو باولو- ريو دي جانيرو، تسير على خطى أولئك الرواد، في حين أن أجزاء من نايجيريا، وساحل العاج، والهند، واندينوسيا، وربما فيتنام، في المرحلة الأولى، كما يبدو. إن قضايا السياسة الساخنة، ولكن غير المحلولة، هي كيف ينبغي إطلاق عملية التنمية هذه في مناطق كانت قد قاومّتها لحد الآن، مع العمل، في نفس الوقت، على تجنب كل أنواع الانهيار الاجتماعي الذي يصحب التصنيع والتحضر السريعيْن.
وكلما بات التكامل الاقتصادي أشد، فقد نتوقع أن تتركز نشاطات الإنتاج أكثر في مناطق العواصم والمناطق الخلفية المحيطة بها مباشرةً. فحتى في العقود القليلة الماضية، أصبحت ظاهرة منطقة العاصمة الضخمة أمراً مألوفاً. ولتوضيح هذه النقطة، فإن السكان في طوكيو، وساو باولو، ونيويورك، وميكسيكو سيتي، وشانغهاي، وبومباي، ولوس أنجلس، وبوينس آيرس، وسيئول، وريو دي جانيرو (في تسلسلٍ يعتمد على الحجم المتناقص للسكان) كان أكثر من 10 ملايين نسمة عام 1990، في حين كان هناك 25 تكتل حضري إضافي تجاوزَ السكان فيها 5 ملايين نسمة(31).
وتؤكد المعلوماتُ المطروحة في الجدول 1- 4 نفسَ الفكرة. يبين الجدول أنه في العام 1990 كانت هناك 40 منطقة عواصم في الولايات المتحدة، يتجاوز سكان الواحدة منها أكثر من مليون نسمة وهي تضم 53,5 % من سكان البلاد. وتضم تلك المناطق في فئة أكبر المدن (نيويورك، لوس انجلس، شيكاغو) وحدها 17 % من حجم السكان الكلي. وإضافة إلى ذلك، فقد خلقت تلك المناطق أقل بقليل من نصف القيمة المضافة في قطاع الصناعة التحويلية العام 1972 وأكثر بقليل من نصفها العام 1987 (وهي آخر سنة تتوفر عنها معلومات شاملة). وهذا معناه أن القيمة المضافة زادت بمعدل شامل قدره 30,6 % (بعد استبعاد التضخم) بين العامين 1972 و 1987- وهذا المعدل يزيد على مثيله الوطني الذي بلغَ 2.21%.

شكل 4-4 التمثيل التخطيطي للجغرافية المعاصرة للرأسمالية العالمية



ومع ذلك، فقد كان أداء مناطق العواصم في فئة أكبر المدن أكثر فقراً مما وردَ أعلاه بشكل حقيقي. وفيما يخص حصة هذه المناطق من التشغيل في الصناعة التحويلية، فإنها هبطت بنسبة 6.2% خلال نفس الفترة. وإذا قسمّنا مناطق العواصم ألـ 40 هذه إلى مجموعة الشرق الشمالي ومجموعة sunbelt، فنجد أن القيمة المضافة في الصناعة التحويلية زادت بمعدل 8,6 % في المجموعة الأولى من البلاد وبمعدل 81,5 % في الثانية- وهذا صدى واضح (جزئياً، على الأقل) لتغير مصير شكل الصناعة الفوردي وشكلها ما بعد الفوردي في الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة. وفي مجال الخدمات، فإن منطقة العواصم الكبيرة في الولايات المتحدة انطلقت بقوة خاصة. فبين العامين1972 و 1992 زادت الدخول في هذا القطاع بنسبة 174 % (كما يتضح من الجدول 1- 4)، بالمقارنة مع ما نسبته 132,7 % في البلاد ككل. وفي نيويورك، ولوس انجلس، وشيكاغو، كان معدل زيادة الدخول عالياً وبلغَ 1,535.9 % خلال نفس الفترة- وهذه شهادة مثيرة على تغير الوظيفة الاقتصادية لهذه المدن في الاقتصاد العالمي الجديد.

الجدول 1- 4 الصناعة والخدمات في مناطق العواصم التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة في الولايات المتحدة
فئة حجم السكان* عدد مناطق العواصم حجم السكان القيمة المضافة في القيمة المضافة في عام1990 الصناعة1972 الصناعة1987

8+ 3 42,3 173,8 190,7
4-8 6 33,6 104,1 164,7

2-4 12 32,0 91,8 128,8

1-2 19 25,2 98,1 127,0

كل المناطق أل40 40 133,1 467,8 611,1
مجموع الولايات المتحدة - 248,7 962,3 1,166.6

فئة حجم السكان % التغير في القيمة المضافة دخول صناعة دخول صناعة % التغير في دخول في الصناعة 72 - 1987 الخدمات 1972 ** الخدمات 1992 *** الخدمات 72 - 1992

8+ 9,7 108,8 237,2 118,0
4-8 58,1 55,6 189,6 241,0

2-4 40,3 42,9 143,8 235,2

1-2 29,4 33,0 88,1 167,0
كل المناطق أل40 30,6 240,4 658,7 174,0

مجموع الولايات المتحدة21,2 379,3 883,0 132,7

صناعة الخدمات تشمل هنا (وفقاً للتصنيف الصناعي الأساسي، SIC للعام 1987) 70(من الفنادق والنزل الأخرى)، 72(خدمات شخصية)، 73 SIC (خدمات قطاع الأعمال)، 75(تصليح سيارات، خدمات، وموقف سيارات)، 76( خدمات تصليح بلدية)، 78(أفلام سينمائية)، 79(خدمات تسلية واستجمام)، 81(خدمات قانونية)، 87(خدمات هندسية وإدارية).
المصدر: US Department of Commerce, Bureau of the Census: (a) Statistical Abstract of the United States, (b) Census of Manufactures, 1972 and 1987, © Census of Service Industries, 1972 and 1987.
* مليون نسمه
** بليون دولار بأسعار سنة 1987
*** بليون دولار بأسعار سنة 1992

ويمكن أن نتوقع أن مناطق الإنتاج الكبرى في العالم ستستمر ليس فقط بالنمو، بل وستصبح أيضاً متميزة أكثر بعضها عن بعض عندما تتلاشى الحدود السياسية وحينما يظهر للعيان تقسيم عمل عالمي شامل أكثر. وهذه النقطة دَرَسها ب. كروجمان و أ. فينابلس اللذان أثبتا أن الأقاليم الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة أكثر تخصصاً من البلدان الأوروبية الفردية (المساوية لها من حيث حجم السكان)(32). ولكن نظراً إلى أن عقبات التعريفة الداخلية قد سقطتْ في الاتحاد الأوروبي، مما وسّعَ من حجم الأسواق، فإن البلدان/ الأقاليم الأوروبية تنتقل الآن بصورة واضحة صوب مستويات أكبر من التخصص. وعلاوة على ذلك، فإن الدول-المدن الناجحة، كـ هونك كونك وسنغافورة، تقّدم الدليل القوي على أن التخصص الاقتصادي الإقليمي (سويةً مع التنمية الموجَّهة للتصدير) يمكنه، مع المزيج الصحيح من الفرصة والتقييم السليم للسياسة، أن يشكّل صيغة للنمو السريع جداً في الاقتصاد العالمي الحديث(33).
إن الاستنتاج المفاجئ نوعاً ما الذي يبرز للعيان هو أن عولمة الرأسمالية لا تقود، كما يبدو، إلى مكان جغرافي متجانس، بل إلى أشكال قوية من التمايز من إقليم إلى آخر. بعض الأقاليم، كنيويورك ولندن وطوكيو، تُطّور بؤراً قوية للأعمال والخدمات المالية(34). بينما تبدي غيرها، مثل الغرب الأوسط الأمريكي وإيطاليا الثالثة أو تايوان (كلٌ بطريقته) تركيزاً أساسياً على الصناعة التحويلية. وحتى حينما تنخرط الأقاليم ظاهرياً بخطوط إنتاج متشابهة، فأننا نميل لأن نجد اختلافات بين واحدة وأخرى. إن العديد من التكلات الصناعية الرئيسية في العالم تهتم اليوم بقطاع المواد الإلكترونية، مثلاً، ولكنها في الغالب تتمايز بشكل واضح في المنتجات الإلكترونية المحددة التي تنتجها (سلع استهلاكية، أنظمة اتصالات، حاسوبات، أجزاء مكوِّنة، أدوات، والخ…).
وعليَّ أن أضيف الملاحظة الهامة التي مفادها أن المحركِّات الإقليمية للاقتصاد العالمي تعمل أيضاً كمراكز أساسية لتوليد الثقافة والألفة في العالم الحديث(35). والكثير منها يتضمن مركبات صناعية كبيرة لإنتاج سلع الثقافة في قطاعات مثل إنتاج الأفلام، وبرامج التلفزيون، والتسجيل الموسيقي، والنشر، وإنتاج ملابس المودة، وصناعة المجوهرات، وما شابه، التي يُباع إنتاجها في جميع أرجاء العالم. فهي نقاط تَجَمْع للمصمِّمين، والكُتاب، والممثلين، والفنانين، والموسيقيين، والمبدعين الآخرين، مثلما هي أيضاً أماكن يمكن أن توجد فيها الموارد الوفيرة للاستهلاك الثقافي الجماعي كالمتاحف، وقاعات الاحتفالات، والمكتبات، ودور العرض، ومراكز إحياء التقاليد، والاحتفالات الفنية. وبالنتيجة، فهي تخلق جواً محدداً للاهتمام الثقافي والتجريب (أو الاختبار العلمي) يساعد على إبقاء نشاطاتها التجارية الثقافية وصناعاتها المنتجِّة لسلع الثقافة في الزاوية الأهم والأحدث. واليوم، فإن نيويورك، ولندن، وباريس، وطوكيو، تتنافس مع بعضها للتأثير في هذه المجالات، وهي الآن بمثابة السلف لثقافة رأسمالية كونية (رفيعة وهابطة) بنفس القدر الذي تكون هي فيه أيضاً كمعاقل محصَّنة للسلطة الاقتصادية العالمية.
ورغم هذه الأصول الهامة، فإن كثيراً من هذه الأماكن تزخر بمشاكل ومآزق اجتماعية. فالعولمة، قبل كل شيء، إذ تشق طريقها مخضِّعةً كل المناطق لنفس الضغوط التنافسية الكثيفة، فإن تفرعات اجتماعية-اقتصادية قيد التشكل، كما يبدو، في عدة أقاليم- عواصم كبرى(36). وهذا الاتجاه يبرز، بأشد الوضوح، في ميل اقتصاديات التكتلات الأساسية لخلق أعمال ضئيلة الأجر وقليلة المهارة، تشّغل عدداً كبيراً من الأفراد في مجموعة من قطاعات الصناعة التحويلية المرّهقة وقطاعات الخدمة الوضيعة، إلى جانب الأعمال عالية الأجر وكثيرة المهارة (المهنية، الإدارية، التكنيكية، الإبداعية، وما شابه). ويرتبط بهذا الاتجاه، جاذبية هذه التكتلات بالنسبة للمهاجرين من أقاليم المحيط، أقاليم العالم الثالث (كما توضحها هجرة الأمريكيين من وسط أمريكا إلى لوس انجلس، وهجرة الريكانييْن Puerto Rican والهايتييْن Haitians إلى نيويورك، وأفارقة شمال وغرب أفريقيا إلى باريس، وعمال الفليبين ومنلاند الصينيين Mainland إلى هونك كونك). إن الاستقطاب الشامل، الناشئ، يولد توترات هائلة (مع المشاعر الاثنية والعرقية، في الغالب)، واستعدادات راسخة للانفجارات الاجتماعية، والتدمير المثابر لما للعاصمة الكبيرة large metropolis من دور كامن كجالية اجتماعية للجاليات.

قضايا التوجيه والسياسة- في فسيفساء عالمي من الأقاليم
إن ما حاولت إيصاله هو فكرة استمرار تحول الجغرافية الاقتصادية العالمية إلى فسيفساء من أنظمة إنتاج إقليمية يعتمد بعضها على بعض بصورة متبادلة. وهذا الاتجاه صاحَبه خمود محدد لقدرات التنسيق النظامية للدولة السيادية ونزوع ملازم (ولكن غير متساوي) لوظائفها السياسية للأعلى باتجاه المستوى الدولي حيث تحاول الأساليب التعاقدية والمؤسسية التدرجية ضمان درجة ما من النظام الاقتصادي، وللأسفل باتجاه المستوى المحلي حيث تكافح الحكومات البلدية والإقليمية في العالم كله لصياغة استراتيجيات اقتصادية عملية في إطار الاتجاهات التنافسية التي تعجز الحكومات الوطنية بصورة متزايدة على حمايتهما منها. ومع انتهاء الحرب الباردة، فمن المؤكد أن تفرض هذه الاتجاهات نفسها، مع أن أي تفجيرات كبرى لعدم الاستقرار الدولي من شأنها دون شك قلب المد بالاتجاه المعاكس. ورغم ذلك، فإن الدولة الوطنية تبقى عاملاً كبيراً في العالم السياسي المعاصر، وإن أي ادعاءات حول زوالها الوشيك لابد من النظر إليها بتحفظ. والكُتاب، أمثال أهماي، الذين يتنبئون بانحلالها المفترض قبل هيمنة العلاقات الاقتصادية العالمية يفشلون بشكل خاص في الأخذ بنظر الاعتبار الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تواصل فرض الدولة ككيانٍ سياسي كامن في العالم المعاصر(37).

المستوى الدولي
وإذا وضعنا هذا الشرط في الذهن، فمن المؤكد أن يصبح التوجيه الاقتصادي العالمي والاختيار الاستراتيجي كقضايا ملحّة ومعقدة مع مرور الزمن. فهناك كل الأسباب للاعتقاد بتزايد ترتيبات الإشراف الدولي التي وُضعت بالفعل، مع أن مسألة ما إذا كانت هذه الترتيبات ستبقى كنظام مؤقت ad hoc من التنظيمات والاتفاقات (وهو شكلها الحالي) أم أنها ستتطور إلى شيء أكثر من ذلك ككيان له سيادة هي مسألة تظل مفتوحة في هذه المرحلة.
من الواضح أن مهمات التنسيق الاقتصادي الدولي كثيرة، وتغطي قضايا كأسعار تحويل العملات، والعلاقات التجارية، وأشكال الاستثمار الأجنبي المباشر، ونشاطات النقل الجوي والبحري، وحقوق الملكية الثقافية، وقضايا البيئة، وما شابه. إن جزءاً هاماً بالفعل من جهود التوجيه الدولي مخصص لهذه القضايا ومشاكل مماثلة. ولأغراضنا، فثمة قضية لها أهمية خاصة: المهام السياسية التي ستصبح ضاغطة أكثر كلما- أو إذا- شرعتْ بدرجة واسعة مشاكلُ فسيفساء الاقتصاديات الإقليمية، الموصوفة تواً، بالاستحواذ على الإطارات الوطنية البحتة للسيطرة. فإذا كان هناك حقاً شيء من قبيل نظام عالمي من الدول- المدن هو في مراحل تشكله الأولى، فستبرز مضامين هامة بالنسبة للنمط العالمي للتوجيه الاجتماعي social regulation. فبعيداً عما إذا كان هذا المستقبل المتوقع ينطوي على أشكال قوية أم ضعيفة للتوجيه الإقليمي، فسيكون هناك دون شك طلب متزايد على الإدارة الفعالة للنظام كله كأقاليم مرتبطة ببعضها أو متنافسة فيما بينها بشكل مباشر إلى هذا الحد أو ذاك في جميع أرجاء العالم. ومن المحتمل أن يتعزز هذا الطلب بتوكيد- الذات السياسي المتوقع الذي ستنغمر به الأقاليم الكبرى حينما تجد نفسها مسئولة بصورة متزايدة عن مصيرها الاقتصادي وحينما تتزايد المنافسة بين الأقاليم كنتيجة لذلك. ومن الممكن تلخيص الطبيعة الإشكالية الكامنة لهذه الحالة من الأشياء بالنقاط الست التالية:
1) يمكننا أن نتوقع، في المستقبل، تسارع سباقات التنمية الاقتصادية بين مختلف الأقاليم، بل والكثير من ذلك،لأن آثار العوائد المتزايدة تعطي ميزةً تنافسية قوية للأقاليم التي تبدأ بشكل مبكر وتتحرك بسرعة. ولكي تكون هي أول من يتحرك، فإن الحكومات المحلية قد تباشر كلها باستثمار مفرط في استراتيجيات التنمية الخاصة. ويمكن أن تضيع موارد كبيرة في هذه العملية ما لم يتم وضع اتفاقات ملزِّمة ما بين الأقاليم حول البرامج والأولويات.
2) وحتى في هذا اليوم، تنخرط حكومات إقليمية كثيرة في أجزاء مختلفة من العالم في محاولة لإبعاد الموارد عن الأقاليم الأخرى. ولكن إذا كانت لهذه الموارد وفورات خارجية إيجابية هامة بالنسبة للإقليم المهدَّد، فإن إعاقات كبرى يمكن أن تنشأ للأداء الصناعي الشامل.
3) إن نمو الوعي- الذاتي السياسي بشأن القضايا الاقتصادية يمكن أن يدفع الأقاليم للدخول في تحالفات واتفاقات ثنائية ومتعددة فيما بينها. وهذا الاتجاه نلاحظه بالفعل في الاتحاد الأوروبي(38). فالجهد المشترك من هذا النوع يمكن أن يكون مفيداً جداً للمشاركين فيه، ولكنه يمكن أيضاً أن يضر مَن يُستبعَد منه. إن جهداً أوسع من هذه العملية يمكن أن يكون ضرورياً.
4) الشركات متعددة الجنسية هي من أهم المستفيدين الخاصين من الفسيفساء الإقليمي العالمي. كما أنها أيضاً عامل كبير لربط التكتلات المختلفة معاً. فعملياتها تصمَّم دائماً تقريباً للاستفادة من تغير ظروف الإنتاج من حيث المكان وذلك بواسطة تكييفات مناسبة لمستويات الاستثمار والاستخدام في المواقع المختلفة. وإن قدرتها على وضع الأقاليم أحدها بوجه الآخر ما تزال وسيلة تنأى بها تلك الشركات عن التوجيه الفعال.
5) إن الهجرة ما بين الأقاليم، ومن الأقاليم الفقيرة إلى الغنية قبل كل شيء، سوف تفرض مشاكل سياسية هائلة على الحكومات المحلية، وبخاصة هناك حيث تقل فعالية الإشراف الوطني على تدفق المهاجرين (قارنْ النقاش الدائر في كاليفورنيا حول الهجرة غير الشرعية). وقد نسأل: كيف يمكن للأقاليم المرسِّلة والمستِّلمة أن تضع وتقّوي الضوابط التي من شأنها إزالة أسوأ إساءة محتملة لهذه العملية؟
6) هناك قضايا هامة تتعلق بالمسئولية الجماعية عن الأقاليم التي تفشل اقتصادياً، ذلك لأن الفشل في هذه الظروف ليس هو مجموع حالات الفشل الفردية بقدر ما هو انهيار هيكلي في إطار نظام الاعتماد المتبادل عالمياً.
ومما له صلة بالنقطة الأخيرة، وربما الأكثر تعقيداً وإرباكاً في هذا النظام العالمي الجديد الذي تلوح تباشيره، هو الفجوة التي ستواصل بالتأكيد فصل الأقاليم المتطورة عن غير المتطورة منها. وتثير هذه الملاحظة أسئلة صعبة حول كيفية معالجة التوترات السياسية عند التخوم المشتركة للأقاليم وحول الأشكال الملائمة لتقاسم ودعم المعالجة الفعالة لفجوة التنمية التي ستظهر.

المستوى الإقليمي
تمثل الأنظمة الاقتصادية الإقليمية التي ناقشتها مجموعة منتجين وعاملين صمدوا في مكانهم بفضل وفورات التكتل القوية. وبهذه الصفة، فكل واحدٍ منها هو جماعة بالمعنى المحدد الذي يفيد بأن الكل whole هو دائماً أكبر من مجموع أجزاءه. إن مُنظِّرين مثل دبليو. ب. أرثر وبي. أ. دافيد أوضحاا بأن مثل هذه الأنظمة المعقدة تخضع لأنماط التنمية التابعة للمسار path-dependent(39). إن الانسجام مع متطلبات آليات التنسيق بين الأقاليم هو ما يمليه التوجيه داخل الإقليم وذلك لتأمين المنافع الجماعية للكل، إضافة إلى قيادة التنمية بحيث تقود عبر الزمن إلى نتائج أفضل وليس إلى نتائج سيئة. وإضافة إلى ذلك، فما دامت المنافع التنافسية للتكتلات الكبيرة تتقوى على العموم عند وجود آليات التعاون والتنسيق (مما يعزز تقاسم التكنولوجيا، واكتساب المهارات، والتعلم، وما شابه) فمن المحتمل كسب عوائد هامة من خلق المؤسسات الملائمة للنظام الجماعي عند المستوى الإقليمي. وأقدّم حدسي بأن الأقاليم، في ظل التنافس العالمي الجديد، ستجد صعوبة في المحافظة على معدلات عالية للنمو ومدخولات عالية دون التعامل بصورة حاسمة مع قضايا التوجيه الاجتماعي المحلي تلك local social regulation.
والموضوعة الأخيرة تتجلى في الثغرات والانهيارات الملاحَّظة في عدة أنظمة اقتصادية إقليمية اليوم: فهي تظهر، مثلاً، في الغالب في عدم كفاية البحث التكنولوجي للأشكال المحددة للتكتلات، وفي نقص برامج التدريب على العمل لتلبية الحاجات المحلية، وفي ظهور مناطق أعمال تفتقر إلى الثقة وأشكال من التنافس بين المنشآت مما يقوض إمكانات التعاون والتبادل المفيد للمعلومات، وفي نواقص السوق ومشاكل المنتج الحر (أو غير المرتبط بجهة ما) free-rider التي تكتنف كل تكتلات الأعمال (في قضايا مثل تجهيز البنية التحتية الأساسية، والمحافظة على سمعة المنتجات رفيعة النوعية). وبسبب هذه المشاكل، فإن تجارب مترددة، وحتى فاشلة أحيانا، في بناء النظام الإقليمي الجماعي تبرز حتى الآن في العالم الرأسمالي. وهي تتجلى، في كل مكان، في تزايد المبادرات العامة لتعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية، سويةً، في الغالب، مع مناهج يمكن وصفها كسياسيات إقليمية استراتيجية للتجارة. إن أوضح وأنجح الأمثلة على هذه الظاهرة تُلاحظ في الدول- المدن أو الدول- الأقاليم في هونك كونك وسنغافورة، ولكن أمثلة أخرى أقل إثارة يمكن ملاحظتها في أجزاء من أوروبا وأمريكا الشمالية. والحالات المحددة هي: الأقاليم الألمانية lander German مع آليتها لصنع القرارات المحُكَّمة، الخاصة- العامة، الاستشارية(40)، وأقاليم إيطاليا الثالثة Third Italy مع بناها التحتية المؤسسية المتطورة جداً التي تعّزز الابتكار التكنولوجي، والتدريب على العمل، وبحوث الأسواق، ونشاطات التصدير، وتبادل المعلومات، وما شابه(41)، وبشكل جنيني، المجتمعات المستقلة ألـ 17 الأسبانية أو المجالس ألـ 22 الإقليمية المنتخبة في فرنسا. وهناك تجارب هامة كثيرة أيضاً قيد التشكل في الولايات الأمريكية مثل كاليفورنيا، ماشيوستس، ميشغان، وبنسلفانيا، حيث تم وضع برامج قوية للتنمية الاقتصادية بغية تشجيع نمو شبكات الأعمال المحلية وتكوين حلقات بارعة لآثار التكتلات(42).
إن بعض الأمثلة التوضيحية هذه يمكن أن تمثل مجرد حالات رائدة أولية لشبكة عمل سياسي ما تزال قسماتها الرئيسية بحاجة إلى بناء. ومع ذلك، فهي مبادرات محددة يمكن تعزيزها ببناء أدوات محكَّمة أكثر من العمل الجماعي وتكوين الشخصية الإقليمية كلما هبّت رياح المنافسة العالمية بقوة أكثر (وكلما، أيضاً، أطلقتْ اللامركزيةُ الإدارية والمالية مسارها في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة)(43). ومن هذه الزاوية، فإن انتعاش التوجهات السياسية الإقليمية، المتصوَرة هنا، ينبغي تمييزها عن الإقليمية المبكرة التي تظهر في أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، التي تبدو إلى حد بعيد كمجرد تعبير عن ضيم ثقافي وأخلاقي كان مكبوحاً لفترة طويلة.
إن ظاهرة التنازل الاقتصادي والسياسي للأقاليم تثير، أيضاً، قضايا المواطنة والتعايش البلدي communal association(44). ففي كل الظروف، فإن الأفراد والمنشآت لهم مصالح محددة راسخة في بيئاتهم المحلية، رغم أنهم ليس دائماً يمتلكون الحافز أو الفرصة للتعاطف كلياً معها. إن بناء منتديات سياسية إقليمية شاملة وتمثيلية أكثر يشكل ليس فقط إمكانية لتعبئة الناس (ولكبح النظير غير الكفء، وصرفه) بل هي وسيلة ممكنة لتقوية الميزة التنافسية بتعزيز فكرة المجتمع المحلي وترشيد الأسس السياسية والمعلوماتية للاختيار الجماعي الاستراتيجي. وبسبب ذلك، فمن المغّري أن نتصور بأن فكرة المواطنة في النظام العالمي الناشئ قد تتطور عملياً بعيداً عن التأكيد على حق المولد في بلد معين national birthright وباتجاه التأكيد على النسب الإقليمي regional affiliation. وعليَّ أن أؤكد بأن هذه الملاحظات ينبغي تفسيرها كتكهنات معيارية، وليس كتنبؤات نظرية عن أشياء ستأتي. وفي الواقع، فإن إحدى نقاط المجازفة hazards في نموذج التنمية الاقتصادية العالمية، المطروح في هذه الصفحات، هو أن أصله الوراثي، إذا صح القول، يحمل أيضاً مستقبلاً أقل خطورةً من النموذج الذي كنتُ ألمح إليه. ويمكننا أن نفهم شيئاً عن هذا المستقبل الآخر في المستويات المرتفعة للاستقطاب، والتوترات الساخنة، والتهميش والفوضى الاجتماعييْن التي هي واضحة بالفعل إلى حد مؤلم لأن الآثار المتشابكة لكل من العولمة وسياسات المحافظين الجدد بشأن عدم التدخل الحكومي تقابل إحداها الأخرى في المدن الأمريكية الكبيرة اليوم.

الدول- المدن في القرن الحادي والعشرين
بعكس ادعاءات بعض المحللين حول قرب حلول حالة للأشياء يكون فيها "منطق وديناميكا التطور الإقليمي بلا مكان بصورة متزايدة placeless(45)" أو التي تكون فيها "نهاية الجغرافية" في مرمى البصر(46)، فأننا على الأصح، كما يبدو، ندخل مرحلة من التطور الرأسمالي يكون فيها التركز الإقليمي للإنتاج أكثر وضوحاً كنمط للتنظيم الاقتصادي المكاني economic organization spatial. وهذا الاتجاه يحدث، من ناحية، لأن المدى المكاني لأنظمة الإنتاج المؤقلمة regionalized هو اليوم عالمي الانتشار بشكل فعال، ومن ناحية أخرى، لأن جذب الوفورات الخارجية التي تحسّن الأداء يخلق طلباً قوياً على القرب ضمن أقسام الاقتصاد الهامة. نظرياً، يمكننا أن نتصور الزمن حتى حينما يمكن استهلاك الكثير من هذه الوفورات الخارجية عبر أي مسافة، وهي حالة يمكن أن نتوقع فيها أن تبدأ جغرافية العالم الاقتصادية بالاقتراب من حالة الفوضى entropy التي أشرنا إليها سابقاً، على الأقل بمجرد أن تفقد قيمتَها كلُ التكاليف الهابطة في المواقع السابقة.
ومن الواضح أن الحالة القائمة في العالم لا تقترب من هذه الحالة في أي مكان. فكل العلامات تشير حالياً نحو استمرار التأكيد على أشكال التنمية الاقتصادية والهوية السياسية القائمة على الإقليم region-based forms في سياق تسارع عملية العولمة. وكلما نقترب من القرن الحادي والعشرين، فإن الرأسماليات الوطنية الفردية تباشر كلها تقريباً الاندماج في نظام عالمي واحد (وهذا لا يعادل القول بتنحي الدولة الوطنية نهائياً أو زوال الاختلافات الثقافية والاجتماعية الوطنية). إن الأساس الوطيد لهذا النظام يتطابق، وإلى درجة متزايدة، مع سلسلة تكتلات لرأس المال والعمل يعتمد بعضها على بعض بصورة متبادلة في أرخبيل عبر العالم. وهذه التكتلات بدأت بأخذ طابع كونفيدرالية الأمر الواقع من دول- المدن de facto confederation of city-states. وفي المستقبل، أتوقع أن نراها كمنتديات قائمة للتعبير السياسي، تعّزز بقوة احتياجاتها وهوياتها الاقتصادية الفردية، بينما تنشد، أيضاً وبالضرورة، أساليب جديدة للتعاون فيما بينها سعياً وراء المصالح المشتركة. أنا أقدّم هذه الأفكار كاستنتاجات نظرية من الملاحظات حول الديناميكا المكانية والزمنية الحالية لرأس المال. ومن الواضح أن كثيراً منها يبقى بحاجة للتصحيح مع تقدم التحليل ومع تكشف الحوادث الفعلية. وهذه الديناميكا، كما أفهما، لها إمكانات تقدمية ورجعية، سيعتمد شكلها النهائي دون شك، وبدرجة عالية، على ماهية الأنواع المهيّمنة من التعبئة السياسية التي ستكون لها الصدارة في العقود القائمة. وعليه، فإن هذه الأفكار تُورَد كنقطة مرجعية point of reference للمناقشة حول الممارسات السياسية الملائمة ضمن النضال المستمر من أجل الرفاهية المادية والظروف الديمقراطية الاجتماعية للجميع.

هوامش
أشكر جون أغنيو john Agnew ، ونيل برينر Neil Brenner ، وريجارد روسكرانس Richard Rosecrance، وميشيل ويبر Michael Weber للملاحظات التي قدموها بشأن المسودة الأولى هذا الفصل.

(1)R. O. Keohane, After Hegemony: Cooperation and Discord in the World Political Economy (Princeton, N. J. :Princeton University Press, 1984); R. O. Koehane, International Institutions and State Power (Boulder, Colo.: Westview Press, 1989); K. Ohmae, The Borderless World (New York: HarperCollins, 1990); K. Ohmae, The End of the Nation State (New York: The Free Press, 1995); and R. Rosecrance, The Rise of the Trading State (New York: Basic Books, 1986).
(2)P. Hirst and J. Zeitlin, eds., Reversing Industrial Decline? Industrial Structure and Policy in Britain and Her Competitors (Oxford: Berg, 1989); M. E. Porter, The Competitive Advantage of Nations (New York: Free Press, 1990); A. Saxenian, Regional Advantage: Culture and Competition in Silicon Valley and Route 128(Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1994); A. J. Scott, Metropolis: From the Division of Labour to Urban Form (Berkeley: University of California Press, 1988); A. J. Scott, Technopolis: High Technology Industry and Regional Development in Southern California (Berkeley, University of California, 1993). Press
(3)A. Amin and N. J. Thrift, Neo-Marshalian Nodes in Global Networks, International Journal of Urban and Regional Research 16 (1992): 571-587; M. Storper,’’ The Limits to Globalization: Technology Districts and International Trade, Economic Geography 68 (1992): 60-93; M. Storper and A. J. Scott, The Wealth of Regions: Market Forces and Policy Imperatives in Local and Global Context, Fortune 27 (1995): 505-526.
(4)R. Boyer, La Theorie de la Regulatiom: Une Analyse Critique (Paris: Editions la Decouverte 1986); A. Lipietz, New Tendencies in the International Division of Labour: Regimes of Accumulation and Models of Social Regulation,’’ in A. J. Scott and M. Storper, eds., Production, Work, Territory: The Geographical Anatomy of Industrial Capitalism (London: Allen and Unwin, 1986), 16-40.
(5) إذاً، وبخلاف الاتجاهات المؤكدة في نظرية التوجيه المعاصرة، ليس مفاجأة إن الأفكار المتعلقة بالنظام السياسي للرأسمالية قد تمحورت، عادةً، كنظريات للدولة الوطنية.
(6)G. Gereffi and M. Korzeniewicz, eds., Commodity Chains and Global Capitalism (Westport, Conn.: Greenwood Press, 1994).
(7)M. Hart, What’s Next: Canada, the Global Economy, and the New Trade Policy (Ottawa: Carleton University, Centre for Trade Policy and Law, 1994).
(8) General Agreement on Tariffs and Trade, International Trade Statistics (Geneva: GATT, 1993).
(9)N. Thrift and A. Leyshon, A Phantom State? The De-traditionalization of Money, the International Financial System, and International Financial Centres,’’ Political Geography 13 (1994): 299-327; M. W. Zachar, ‘’The Decaying Pillars of the Westphalian Temple: Implications for International Order and Governance, ‘’ In J. Rosenau and E. O. Czempiel, eds., Governance without Government: Order and Change in World Politics (Cambridge: Cambridge University Press, 1992), 58-101.
(10)United Nations Conference on Trade and Development, World Investment Report (New York: UNCTAD, 1993).
(11) Organization for Cooperation and Development, Intra-Firm Trade (Paris: OECD, 1993).
(12)International Monetary Fund, International Financial Statistics Yearbook (Washington, D. C. : IMF, 1993).
(13)W. Lever, ‘’Economic Globalization and Urban Dynamics, 11,’’ in F. Moulaert and A. J. Scott, eds., Cities and Enterprises on the Eve of the Twenty-First Century (London: Pinter, 1996).
(14)B. Badie, La fin des Territoires, Essai sur le Desordre International et sur Iutilite Sociale du Respect (Paris: Fayard, 1995); R. Jessop, ‘’The Future of the National State: Erosion or Reorganization? General Reflections on the West European Case, ms., Department of Sociology, University of Lancaster, UK, 1995.
(15)J. Agnew and S. Corbridge, Mastering Space: Hegemony, Territory, and International Political Economy (London: Routledge, 1995).
(16) Union of International Associations, Yearbook of International Associations (Munich: K. G. Saur, 1995).
(17) Ohmae, Borderless World
(18) Rosecrance, Rise of the Trading State.
(19) S. Strange, States and Markets (London: Pinter, 1988).
(20) وللإطلاع على مادة أكثر عن هذا الموضوع، أنظر: A. J. Scott, ‘’Industrial Organization and Location: Division of Labour, the Firm, and Spatial Process, Economic Geography 62 (1986):215-231, and M. Storper and R. Walker, The Capitalist Imperative: Territory, Technology, and Industrial Growth (Oxford: Blackwell, 1989).
(21)J. Patchell, ‘’From Production Systems to Learning Systems: Lessons from Japan, Environment and Planning A 25 (1993):797-815; R. Salais and M. Storper, Les Mondes de Production: Enquete sur I’dentite Economique de la France (Paris: Editions de I’Ecole Des Hautes en Sciences Sociales, 1993).
(22) وبطبيعة الحال، في ظل الفرضيات (التي ليس لها معنى من الناحية التجريبية) القائلة بأن الحيز الجغرافي هو أرض بكر tabula rasa وإن كل النشاطات الاقتصادية قابلة كلياً للحركة، فإن أي مستوى إيجابي من تكاليف المعاملات المكانية، مع أو من دون وفورات خارجية، سيؤدي إلى تقارب الاقتصاد العالمي نحو نقطة مركزية وحيدة.
(23)P. Krugman and A. J. Venables, Globalization and the Inequality of Nations (Cambridge, Mass.,: National Bureau of Economic Research, Working Paper no. 5098, 1995).
(24)See A. J. Scott, New Industrial Spaces: Flexible Production Organization and Regional Development in North America and Western Europe (London: Pion, 1988).
(25)P. Krugman, Geography and Trade (Leuven: Leuven University Press, 1991); A. J. Scott, ‘’The Geographic Foundations of Industrial Performance, Competition and Change 1 (1995): 51-66.
(26)A. Hirschman, The Strategy of Economic Development (New Haven, Conn.: Yale University Press, 1958); G. Myrdal, Rich lands and Poor (New York: Harper &Row, 1957).
(27)S. Amin, Le Development Inegal (Paris: Les Editions de Minuit, 1973); A. Emmanuel, Unequal Exchange: A study of the Imperialism of Trade (New York: Monthly Review Press, 1972); A. G. Frank, Dependent Accumulation and Underdevelopment (New York: Monthly Review Press, 1979); D. Harvey, The Limits to Capital (Oxford: Blackwell, 1982).
(28) I. Wallerstein, Historical Capitalism (London: Verso, 1983);I. Wallerstein, The Modern World System 111: The Second Era of Great Expansion of the Capitalist World Economy, 1730-1840s (San Diego: Academic Press, 1989).
(29)F. Frobel, J. Heinrichs, and O. Kreye, The New International Division of Labour (Cambridge, Cambridge University Press, 1980).
(30) Agnew and Corbridge, Mastering Space.
(31)United Nations, World Urbanization Prospects: The 1992 Revision (New York: United Nations, Division of Economic and Social Information and Policy Analysis, 1993).
(32)Krugman, Geography and Trade; A. J. Venables, ‘’Economic Integration and the Location of Firms, American Economic Review, Papers and Proceedings 85 (1995): 296-300.
(33)M. Castells, L. Goh, and R. Y-W Kwok, The Shek Kip Mei Syndrome: Economic Development and Public Housing in Hong Kong and Singapore (London: Pion, 1990); R. Wade, Governing the Market: Economic Theory and the Role of Government in East Asian Industrialization (Princeton, N. J. Princeton University Press, 1990).
(34)S. Sassen, The Global City: New York, London, Tokyo (Princeton, N. J. Princeton University Press, 1991); N. Thrift, ‘’On the Social and Cultural Determinants of International Financial Centres: The Case of the City of London,’’ in S. Corbridge, R. Martin, and N. Thrift, eds., Money, Power, and Space )Oxford: Blackwell, 1994): 327-355.
(35)A. J. Scott, The Craft, Fashion, and Cultural Products of Los Angels: Competitive Dynamics and Policy Dilemmas in a Multisectoral Image-Producing Complex, Annals of the Association of American Geographers 86 (1996).
(36) Sassen, Global City
(37)Ohmae, End of the Nation State
(38)P. Cooke, Globalization of Economic Organization and the Emergence of Regional Interstate Partnerships, in C. H. Williams,ed., The Political Geography of the New World Order (London: Belhaven, 1993), 46-58.
(39)W. B. Arther, ‘’Silicon Valley Locational Clusters: When do Increasing Returns Imply Monopoly? Mathematical Social Sciences 19 (1990): 235-251; P. A. David, ‘’Clio and the Economics of QWERY, American Economic Review 75 (1985); 332-337.
(40)P. Cooke and K. Morgan, Industry, Training and Technology Transfer: The Baden-Wurttemberg System in Perspective (Cardiff, Wales: Regional Industrial Research, 1990); G. Herrigel, ‘’Large Firms, Small Firms, and the Governance of Flexible Specialization: The Case of Baden-Wurttemberg and Sociolized Risk, in B. Kogut, ed., Country Competitiveness: Technology and the Organization of Work ((New York: Oxford University Press, 1993), 15-35.
(41)P. Bianchi, , ‘’Levels of Policy and the Nature of Post-Fordism Competition, in M. Storper and A. J. Scott, eds., Pathways to Industrialization and Regional Development (London: Routledge, 1992), 303-315.
(42)A. M. Isserman, ‘’State Economic Development Policy and Practice in the United States: A Survey Article,’’ International Regional Science Review 16 (1994): 49-100; D. Osborne, Laboratories of Democracy (Boston: Harvard Business School Press, 1990); C. F. Sabel, ‘’Studied Trust: Building New Forms of Cooperation in a Volatile Economy, Human Relations 46 (1990): 1133-1170; J. Slifko and D. L. Rigby, Industrial Policy in Southern California: The Production of Markets, Technologies, and Institutional Support for Electric Vehicles, Environment and Planning A 27 (1995): 933-954.
(43)D. Woods,’’ The Crisis of Center-Periphery Integration in Italy and the Rise of Regional Populism: the Lombard League,’’ Comparative Politics 27 (1995): 187-203.
(44)A. Amin and N. J. Thrift, Institutional Issues for the European Regions: From Markets and Plans to Socioeconomics and Powers of Association, Economy and Society 24 (1995): 41-66.
(45)M. Castells and J. Henderson, ’’Techno-Economic Restructuring, SocioPolitical Processes and Spatial Transformation: A. Global Perspective, in J. Henderson and M. Castells, eds., Global Restructuring and Territorial Development (London: Sage, 1987): 1-17, quoted on 7.
(46) R. O’Brien, Global Financial Integration: The End of Geography (London: Pinter, 1992).



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- ق1/ف3
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- ق1/ف2
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين/ ق1-ف1
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- المقدمة
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. الخاتمة والمل ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. ق2- ف5/ ف6
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. ق2: ف3- ف4
- الظروف الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق2- ف1-ف2
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق1.. ف7- ف8
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق1.. ف5، ف6
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد: ق2/ ف3- ف4
- الشرطة المصرية تقتل 34، وتُعذب 88 في المئوية الأولى لحكم مرس ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد:ق1/ ف1-ف2
- العراق يُسجل ارتفاعاً كبيراً في التشوهات الخلقية للولادات
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد ق1/ف1
- القرار الغامض لتدمير الأنفاق
- حضارة وادي الرافدين- الفصل العاشر- المؤسسة الدينية
- حضارة وادي الرافدين،ميزوبوتاميا9،- العقيدة الدينية.. الحياة ...
- حضارة وادي الرافدين- ميزوبوتاميا، 8- العقيدة الدينية.. الحيا ...


المزيد.....




- أسرار وتكات عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حوا ...
- رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يؤكد الفشل في تقليل التضخم ...
- وزير المالية المصري: الأولوية القصوى هي خفض التضخم إلى نطاق ...
- صندوق النقد الدولي: النفط الروسي يُباع في السوق العالمية فوق ...
- البنك الدولي يخفض توقعاته لنمو الاقتصاد التونسي إلى 2.4% في ...
- 4 وجوه جديدة تنافس هالاند وصلاح على الحذاء الذهبي في الدوري ...
- مع استمرار الحرب.. ما هي فرص انقاذ الاقتصاد السوداني؟
- اضافة مزايا الواتس الذهبي 2024 غير موجودة في اي واتساب تاني ...
- البنك المركزي: اقتصاد روسيا ينمو في الربع الأول بوتيرة أسرع ...
- الجزائر تبرم صفقة طاقة مع السويد


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - اقتصاد القرن الحادي والعشرين ج1-ف4