أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - طاقية أبي














المزيد.....

طاقية أبي


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


طاقية أبي والشعر الأبيض

حكى أبي مرارًا تلك الحادثة على أطراف حكايات ابيضاض الشعر. لم أعد أذكر كم سنة قضى أبي في الخدمة العسكرية الأساسية، فأبي لم يكن يكرر إلا أنه قضى في الاحتياط سبع سنوات... قال أبي: ذات نوبة حراسة ما، كنت أمشي ومعي سلاحي والناي- كان أبي يعشق الناي ويجيده صبيا- وفي الليل الطويل الذي لا تتبدد مخاوفه إلا بخيوط الفجر.. سمعتُ صوتهم... أكثر من خمسة.. ربما عشرة- هكذا قال- لم يرهم.. عرف من أصواتهم أنهم الأعداء.. كيف تسللوا إلى هنا؟ كيف دخلوا نقطة حراسته على الحدود؟ ماذا يفعل؟ إنه وحيد.. وهم كثير.. إطلاق النَّار في الهواء لن يرهبهم، ولا توجد فرصة لمباغتتهم، والذحيرة التي معي غير كافية أبدًا. بناتي- وهن كثيراتٌ- مَن سيربيهن؟ زملائي في المعسكر محدود القوة مَنْ سيحميهم لو كان الأوغاد قد أتوا مدججين بعتادهم منتظرين معرفة خبايا المكان؟

قال أبي: مئات الأسئلة كانت تقتلني، لكن دعاء أمي وزوجتي ألقياني في حفرة عشتُ حتى الآن لا أعرف مِن أين أتت.. وقعت في الحفرة وانهال علي التراب.. وبالناي عملت فتحة في الرمل للتنفس.. كنت أسمع أصواتهم وضجيجهم..لابد أنهم سمعوا صوت سقوطي في الحفرة..لا أعرف لغتهم لكني كنت أعرف مخمنًا ماذا يقولون: أين هو؟ لابد أن نجده.. لابد من أسره أو قتله.. لن نغادر المكان قبل العثور عليه... ظلوا يروحون ويجيئون وأنا أنتظر موتًا أو حياة لا أعرف..

قال لي أبي: كل الذي عرفته هو آلاف الصور عن جدك وأمك وأخواتك البنات.. عن الشهادة من أجل الوطن.. هكذا قال أبي.. ولما اختفى الصوت لم أتعجل في الخروج لعلهم يخادعونني... تابع أبي حكايته التي لم ينس تفاصيلها ولم تفقد طزاجتها أبدًا مع كل مرةٍ حكاها، قال أبي: انتظرت طويلا ولما أخرجت رأسي إلى سطح الأرض كان الصباح قد صحبني حتى المعسكر.. كانوا على وشك وضعي في عداد المفقودين لأني لم أعد لنوبة تبديل الحراسة.. فرحوا كثيرًا لرجوعي.. بطانية وسيجارة وكوب شاي أُحضِرت للعنبر بسرعة من أجلي...

وبينما كان أبي يحكي ما حدث لي بكل دقة، كان دائمًا يختتم هذا المشهد بقوله: كل شعره لمستها طاقيتي وأنا أخلعها آنذاك صارت بيضاء في اليوم التالي.. ظننتُ منذ تلك اللحظة أن شعري لن يبيضَّ أبدًا... فنحن ننعم بالسلام والأمان في وطننا... فلا حرب ولا كمائن منصوبة ولا أعداء!!! كان أبي في الخامسة والثلاثين آنذاك عندما ابيض شعره.. وبينما كنتُ أتأهب للخروج بعد تأنق خاص.. أمعنت النظر في المرآة فوجدت بعض شعيرات بيض... ظننت الأمر مجرد رؤية خاطئة بسبب الضوء الخلفي المنعكس على المرآه..

بعد شهر أو يزيد كان الشعر الأبيض ملحوظًا. ظللتُ أبحث عن حادثة مماثلة قد حدثت لي.. عن فزع أوشكتُ معه أنْ أفقد حياتي.. لم أجد إلا أنني كنتُ آنذاك في الخامسة والعشرين فحسب.


كوريا الجنوبية
27 نوفمبر 2012م




#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَالُ جَدِّي
- عالمٌ ثالث
- عالمٌ ثالثٌ مختلف
- عم عليّ رضوان والفرَّاز


المزيد.....




- أهم تصريحات بوتين في فيلم وثائقي يبث تزامنا مع احتفالات الذك ...
- السينما بعد طوفان الأقصى.. موجة أفلام ترصد المأساة الفلسطيني ...
- -ذخيرة الأدب في دوحة العرب-.. رحلة أدبية تربط التراث بالحداث ...
- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - طاقية أبي