أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - عم عليّ رضوان والفرَّاز














المزيد.....

عم عليّ رضوان والفرَّاز


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3921 - 2012 / 11 / 24 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


علمتنا القرية أن نخاطب كل كبير بــ "يا عم" فلان، أو يا "سيدي- جدّي" فلان. كنا صغارًا نتوه لعبًا وفرحًا في شوارعها التي كانت آنذاك تستوعب أجسامنا الصغيرة بدفء. كنا نتفق على "الجُرن" الذي سنلعب فيه كرة القدم بعد العصر؛ جرن العمدة، جرن أم شريف، ملعب "الزرعية- الطريق الرئيس لمدخل القرية"، ملعب المدرسة الابتدائية، جرن صابر أبو صبرة، جرن عبد المعز، جرن مشهور. هذه المساحات التي لم يعُد لها وجود الآن إلا بخرائط الجمعية الزراعية. كنا ذات مرة نلعب في جرن مشهور. كان الحكم عم علي رضوان- الله يمسِّيه بالخير، هكذا علمتنا القرية عند ذكر الغائبين صباحًا أو مساء- الذي لم تكن له أية علاقة بكرة القدم من قريب أو بعيد. كان من الطبيعي جدًّا أن يحتسب عم علي ركلة جزاء ضد أي فريق رغم أن اللعبة رمية تماس، ولو عرقلت لاعبًا من الفريق المنافس في منطقة جزائه هو، احتسب عليك ضربة جزاء في منطقتك أنت!! يبدو أنه كان يحب كلمة" بلنتي، والاختصار هو "بلن" بكسر الباء واللام وتسكين النون- كنا وما زلنا ننطقها هكذا في القرية- أو يبدو أنه كان يحب أن يمارس سلطاته كحكم كاملة، بغض النظر عن معرفته لقواعد اللعبة أو لتعمده تجاهلها. وكنا نستقبل القرار بالضحك، لكن الأهم أننا كنا ننفذه. بعد كل هدف كنا نجري إليه ونسأله: - النتيجة كام يا دلقوتي يا عم علي؟ فيرد بكل هدوء:- النتيجة في الآخر زي "فرز البصل". فنواصل اللعب!!
ولمن لا يعرفون معنى "فرز البصل" آخذهم إلى "المُجمع" كما كان يُطلق عليه، وهو مكان تجمع فيه الجمعية الزراعية محصول البصل من الفلاحين كل سنة، يضع كل فلاح محصولة في صف من الأجولة ترتفع بمقدار خمسة أو ستة أجولة رأسيًّا، وبمقدار خمسة عشر إلى عشرين جوالا أفقيًّا، وتتعدد الصفوف حسب مقدار المحصول. ثم يأتي مهندس زراعي مكلف من الشركة التي ستشتري البصل، ويفتح بسكين معه أجولة عشوائية من محاصيل الفلاحين ثم يصنف تلك المحاصيل حسب جودتها ويفرزها، ولهذا كان يُلقب بــ"الفراز"، وبهذا الشكل يتحدد سعرها، ثم تحمل سيارات النقل هذه المحاصيل يوميًّا إلى الشركة في المدينة. كان الجو بالمجمع بهيجًا كل صباح، معظم رجال القرية يمشون باتجاه المجمع عند مدخل القرية، الجمال والحمير تحمل أجولة البصل، وفي مرحلة متقدمة قامت الجرارات الزراعية بهذا الدور. وصوت "أبو غريب" حارس المجمع متهكمًا من الجميع، مُضحكًا إياهم بتعليقاته الساخرة، كانت عبارة التحية التي تتردد في المجمع طيلة الوقت، كان "أبو غريب" لا يحب وربما لا يعرف من دول الغرب سوى "النمسا" ولهذا كان يتهكم من أي فلاح ممن لا يعرفون القراءة والكتابة بقوله: " الله يرحم أبوك، ماهو كان مكمل تعليمه في النمسا". كنت في المرحلة الاعدادية وانتقلت إليّ من أحد ابناء عمي- بسبب دخوله الجيش- حرفة الكتابة على الأجولة بسعر يتحدد بعدد الأجولة، كنت أكتبُ على أول جوال وآخر جوال بكل صف اسم صاحب المحصول وعدد الأجولة. كنتُ أحيانًا لقصر قامتي لا أتمكن من الوصول للجوال المطلوب الكتابة عليه، فأجلس على صف من المحصول المجاور وأقوم بالكتابة، التي الكتابة مهمة لأنها تحدد عدد الأجولة وتعرّف بصاحبها، ولذا لم يكن الفراز يقوم بفرز أي محصول- كان يسمى بلغته "رسالة" إلا بعد الكتابة عليها. كنتُ أضع مسحوق زهرة الملابس في علبة بلاستيك مع القليل من الماء وأستخدمها لحبر للكتابة، وكانت الفرشاة قطعة من الجريد التي تم دقّ طرفها بالحجر حتى صارت كمقدمة الفرشاة الحديثة. وكانت الشركة التي تشتري محصول البصل تعطيني لوحًا مفرغًا باسم الشركة، وأقوم بوضع الحبر على الفراغات فوق عدد من الأجولة وبخاصة الصف العلوي قبل أن تحملها عربات النقل إلى المدينة. تتوسط المجمع خيمة يستريح فيها الفراز ويقوم بكتابة تقاريره ونتيجة الفرز، ويجلس داخلها وحولها الكثير من الفلاحين مترقبين درجات الفرز، وعلى الطريق العام صوت الشباب الذين يقومون بتحميل الأجولة على عربات النقل الواقفة على الطريق، كان معظمهم يعمل في ميناء الأسكندرية، ويبقى في القرية خلال فترة المجمع، كان الضجيج جميلاً، الضحكات والكر والفر والمزاح بكل مكان، ولو ارتفع صوت البعض غاضبًا من درجة الفرز، هرول الجميع إليه وينتهي الأمر بسلام. خلال عدة سنوات تعلمت هناك الكثير والكثير، كنتُ معروفًا بين الجميع، وخلال عودتي إلى البيت أو ذهابي للعب الكرة مساء أسأل كثير وبخاصة من زوجات الفلاحين: - الله يخليك يا "أبو عمار" ما تعرفش محصولنا خد فرز أه؟ - أه بالفيومي هي إيه بنطق أهل المدينة- كنت أحظى بسلام العمدة الذي كان الكل يتمنى الوقوف أمامه أو نيل شرف الجلوس بجانبه. وهناك ايضًا سمعت مئات الحكايا المدهشة والغريبة، الخيالية والحقيقية، البريئة والشريرة. لكني بكل أسف لم أكن قد تعلمت بعد كيف أختزن الحكايا.
24 نوفمبر 2012م
جوانج جو- كوريا الجنوبية



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - عم عليّ رضوان والفرَّاز