أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني أبو الحسن - قراءة سيميولوجية لعرض مسرحية ( منين أجيب ناس )















المزيد.....


قراءة سيميولوجية لعرض مسرحية ( منين أجيب ناس )


هاني أبو الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 22:14
المحور: الادب والفن
    


# مهاد نظري :
تعتمد الدراسات النقدية المعاصرة على منهج النقد السيميولوجي اعتمادا أساسيا عند نقد العرض المسرحي لما يتضمنه من علامات متعددة ومتباينة منها اللغوي ( الحوار المنطوق بالأداء التمثيلي ) والنص الموازي ( الإرشادات التي بين الأقواس ، لوصف البيئة ، المناظر المسرحية : المكان والزمان والجو العام للحدث المسرحي وتوصيف الشخصيات المسرحية وحركة الشخصيات في المكان – أحيانا في المسرحية الطبيعية والواقعية بشكل خاص - ومنها لغة الإشارة والإيماءة والرمز . فضلا على عناصر العرض المسرحي الأخرى مثل الديكور والأزياء والإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية و والغناء وفنون المايم أو خيال الظل أو الشرائح السينمائية ( سلايدز) – إن وجدت -والرقصات والاكسسوار المسرحي والأثاث وملحقات المنظر المسرحي والماكياج خلال امتزاج الأشكال والأحجام والفراغات على منصة العرض المسرحي في وحدة العرض ككل. و تشكل هذه العناصر في مجملها بألوانها وتكويناته منظومة العلامات الدالة على معنى العرض أو دلالته العامة .
وفي مشاهدتي لبعض اللوحات من عرض مسرحية ( منين أجيب ناس ) للشاعر والمخرج المسرحي المصري نجيب سرور ، لاحظت أن المخرج مراد منير يوظف تلك العلامات المسرحية الحوارية المرئية والسمعية البشرية والآلية توظيفا يتوجه في مجمله إلى تجسيد دلالة النص التي قصدها المؤلف نفسه بدءا من عنوان المسرحية نفسها ، مرورا بتوظيف الأغنية الشعبية باستلهام يفكك بنائها التراثي وينقض مضمونها القديم ، ليضع لها مفردات لغوية معاصرة ناقدة أو ناقضة لمضمون الدال القديم التراثي ، حيث البحر عنده أو في عصرنا وفي مجتمعنا المعاصر لا يضحك ، كما تقول الكلمات الدالة في النص التراثي للأغنية وقبل أن أدخل إلى العرض المسرحي نفسه بصفته دالا على المعنى أو الخطاب الدرامي الفكري بتعبيراته وتشكيلاته الدرامية وتكويناته الجمالية ، رأيت ضرورة البدء بعرض أعرف به السيميولوجيا ، حتى يكون التعريف منهجا هاديا للتحليل النقدي.

# السيميولوجيا : التعريف والنشأة:
في المعاجم والقواميس نجد عند محمد بن عبد القادر الرازي في مختار الصحاح أن " د ل ل – و ( الدليل ) ما يستدل به والدليل الدال أيضا وقد ( دلّه ) على الطريق يدلّه بالضم ، ودلالة _ بفتح الدال وكسرها – وفلان يدل بفلان أي يثق به " وفي المعجم الوجيز نجد " دل على الشيء وإليه دلالة : أرشد ، فهو دال والشيء مدلول عليه وإليه " وعند الأب لويس شيخو تعريف لمادة "سيم" " السيميائية علم الإشارات ، وهو علم غايته تمكين المعنى في ذهن المخاطب " وفي معجم لاروس الصغير " كلمة سيميولوجيا / سيميوطيقا Semiotique وفي مقابلهاSimiolgie بمعنى " علم طرق إنتاج مختلف أنظمة الاتصال واستقبالها بين الأفراد والمجموعات " هذا عن التعريف المعجمي أو اللغوي للكلمة.

# التعريف الدلالي ( الاصطلاحي ) :
في التعريف الدلالي كلام كثير ، بدايته عند أرسطو، الذي حدد العلامة في نوعين :
* علامة طبيعية: مثل أصوات الحيوان – الطير- الأمواج – حفيف أوراق الأشجار – طنين الحشرات – نقيق الضفادع - الرعد – البرق – السحب الأمطار )
*علامة عقلية: وهي ذاتية . كل علامة يلحظها العقل بين الدال والمدلول كدلالة وجود دخان ، فمعناها وجود نار وجود سحابة سوداء دالة على أنها ستمطر ومشاهدة غراب دال على التشاؤم ، وسماع صوت بلبل في الصباح دال على التفاؤل – صوت عجلات سيارة دال على قدومها أو رحيلها – صفير وابور في مسرحية ( آه يا ليل يا قمر) أو مسرحية (قولوا لعين الشمس) لنجيب سرور ، دال على قدوم قطار ، نواح الريفيات على شاطئ النيل في مسرحيته منين أجيب ناس ، دال على رؤية جثة على سطع الماء وهكذا )
# وعلم العلامات عند عالم اللغة السويسري دي سوسير (علم دراسة حياة الإشارات في المجتمع واللغة عنده علامة دالة المعنى )
# أما رولان بارت : فيقول علم العلامات: ( تعامل مع أنظمة مختلطة تتكون من الصوت والصورة والأشياء والكتابة) والعلامة عنده دال لها أربعة أنواع : ( لفظية لغوية أو تخطيطية أو أيقونية وإشارية ) وكلها علامات نمطية .
أما المدلول عنده : كل معنى أو مفهوم أو مغزى . المدلول ليس شيئا ولكنه تمثيل عقلي لشيء .
# والعلامة عند سارتر : هي المعنى المستخدم للدلالة على معنى آخر.
# وهي عند كل من الأمريكي بيرس الذي قسم العلامة في ثلاثة أقسام ( شاهد) ، ( أيقونة) و ( رمز) وهو تقسيم يراه د. هاني أبو الحسن في دراسة تطبيقية مقارنة بين هاملت والسلطان الحائر - مقاربا من التصنيف العربي القديم للعلامة حيث هي عندهم ( طبيعية ووضعية وعقلية) فهي إما تكون تصديقا وإما تكون تصورا وإما تكون حجة.. إما الايطالي إمبرتو إيكو؛ فيرى العلامة ( أداة اتصال لغوي وغير لغوي معلومة أو مجهولة )
وتختلف طرق تعريف العلامة عند كل من جاكبسون وكير إيلام ومارتن إسلن الذي حصر العلامات المسرحية في 22 علامة وزعها على أربعة مجموعات وبروب وجريماس الذي رأى العلامة مع أنهم يتفقون على أن علم العلامات يقوم على خدمة الدلالة عن طريق ربط الدوال بالمدلولات أي العلامات بالمعنى العام لما بينهما من علاقة.



# ولعلم العلامات عند عدد من النقاد المعاصرين تعريفات مختلفة ، حيث هي عند :
- بافيز " التعبير غير المعتمد على اللغة الذي يعضد الاستدلال من خلال المسرح وهو هنا يقصر التعريف على المرئيات بعيدا عن اللغة الكلامية .
- ماكاروفسكي : واقع يستدعي واقعا آخر عن طريق الإحساس . وهو هنا يقصرها على استبطان المتلقي للعلامة بحسه وليس بحواسة الخمس ( مظاهر اللغة والحركة)
- سوزان مالروزو : ترى الممثل هو العلامة الأساسية في المسرح.
- عند رومان إنجاردن : العلامة المسرحية نوعان : علامة رئيسية متضمنة في النص الرئيسي للمسرحية و النص الفرعي ( الإرشادات) .
- والعلامة المسرحية عند تادوش كوفزان: في كتابه (الأدب والفرجة ) تتمثل في ثلاث عشرة علامة هي: ( الكلمات – إلقاء النص – تعبير الوجه – الإيماء- حركة الممثل في الفضاء المسرحي- الكاكياج – تصفيف الشعر- الأزياء – الإكسسوار- المناظر- الإضاءة- الموسيقى- المؤثرات الصوتية ) -
- د. أبو الحسن سلام : العلامة تكون معيارية : أي خاضعة لإدراك عقل المتلقي أو تكون وضعية : دال يصف مدلول أو تكون مقارنة: معادلة شيء غائب بشيء حاضر ، انتظار فلاديمير واستراجون في مسرحية ( في انتظار جودو ) لصمويل بيكيت دال على الأمل أو المخلص الغائب ، وكذلك انتظار بهية لـ ( ياسين ) في مسرحية ( ياسين وبهية) دال على الأمل في الخلاص وسعي (نعيمة) وراء رأس حسن في مسرحية ( منين أجيب ناس) دال على محاولة ( نعيمة دال رمزي على مصر) للعثور على رأس مفكر ينقذ مصر بعد أن انعدم وجود ناس ، أي بحث الحاضر ( نعيمة ) عن المخلص الغائب (حسن) .
د هاني أبو الحسن : الدلالة فهم أمر من أمر وهي إما تطابقية وإما

" منين أجيب ناس " ( قراءة سيميولوجية )

أنتج العرض فرقة المسرح المتجول بوزارة الثقافة المصرية وقدم على حشبة المسرح الحديث بالقاهرة في الموسم المسرحي 1985 ولاقى نجاحا جماهيريا كبيرا ، وعرض كذلك في مهرجان بغداد المسرحي على مسرح الرشيد في 17/10/1985 وتزاحم على المسرح 1700 متفرج ، مع أن سعة دار العرض هي 800 مقعد فقط. ، وإزاء ذلك الزحام قرر المخرج عبد الغفار عودة مدير المسرح المتجول الإعلان عن تقديم حفلتين للعرض في الليلة نفسها ، وهكذا تم تقديم حفلتين للعرض وسط سعادة نجوم العرض ( محسنة توفيق – على الحجار – وبقية ممثلي العرض وفنانيه . ولأن الممثل يعد العلامة الأساسية لكل عرض مسرحي ، وفقا للدور الذي يقوم بتمثيله ، باعتباره علامة حاضرة دالة على شخصية غائبة هي الشخصية الدرامية التي يقوم هو بتجسيدها أي بتحضيرها ، لذا فإن الفنانة محسنة توفيق هنا تمثل شخصية نعيمة ، أي تستحضرها بالتجسيد المادي الحاضر ، والمغني على الحجار علامة دالة على شخصية الراوي وكل من ( ماجدة منير وحنان يوسف وأروى بلبع ) عبارة عن علامة (دال) على دور فلاحة ، حورية ؛ بالتبادل ؛ مع تغيير ما يلزم من زي أو هيئة أو أسلوب تعبير أدائي . أما الممثل (عادل اللبان) فهو دال على الشخصيات الآتية : ( فلاح – مراكبي- ساحر- حشاش ) التي قام بأدائها فمع كل حالة من حالات الأداء المناسب لكل دور من تلك الأدوار التي قام بأدائها ؛ تتعدد دلالة الدور الذي يؤديه.
وبالمثل تبدلت هيئة الممثل ( عبد العزيز عيسى) ليصبح تجسيده لأدوار:( عامل – راعي – فلاح – حشاش ) فكل دور هو دال على شخصية من تلك الشخصيات بمعنى أنه يجسد في كل تغيير دلال محددة ؛ لها وظيفتها في الحدث المسرحي وهكذا الأمر نفسه مع بقية الممثلين المشاركين في تجسيد الشخصيات تجسيدا ماديا حاضرا ، مع أنها كانت في النص مجرد علامة كتابية ( مجموعة من الحروف والكلمات أو الحركات والصور والأماكن والأجواء المرسومة على الورق ) فهذا يجسد شخصية كهل ، وذاك يجسد شخصية ساحر أو ساحرة وهكذا أصبح كل ممثلة أو ممثلة في ذلك العرض بمثابة ( دال) على شخصية يمثلها تمثيلا حاضرا عن طريق التعبير الصوتي والحركي المتناغم دراميا وجماليا مع طبيعة التصور الذي رسمه مخرج العرض ( مراد منير) ، متعاونا مع مصمم السينوجرافيا( طارق المطيلي ، وتصميم عرائس : نجلاء رأفت وألحان : محمد الشيخ )
وإذا راجعنا تصنيف بروب للعلامات نجده ينطبق على شخصيات ( منين أجيب ناس) فالعلامات عند بروب في بحثه عن الحكاية الشعبية تتجسد في الفعل عن طريق الأداء على سبعة مجالات أو صور : ( الشرير – الراهب – المساعد – الأميرة وأبيها – الرسول – البطل – البطل المزيف ) وفي ( منين أجيب ناس) نجد تصنيف الشخصيات كعلامات منها ( الشرير الذي يمثل الذئب ومنها الطيب الذي يمثل الراعي ، ودلالة الأول هي العدو ودلالة الثاني هي الحارس الأمين الحريص على سلامة الرعية( الأغنام) والمعنى هنا هو الشعب . وسنجد الساحرات الشريرات رمزا لبنى صهيون وسنجد البطلة الباحثة عن رأس حسن رأس النظام المفكر ، رمز القيادة المفقودة الضائعة التي تقود البلد ، وهي ترمز إلى جثة حسن الطافية على سطح النيل . وكل منها يؤدي دوره المرسوم له توصيلا للدلالة المقصود منها إيصالها ، يقول د. أحمد صقر : " والشخصية المسرحية في النص المسرحي ، إنما يقع علي عاتقها مهمة توصيل الخطاب المسرحي الذي هو " مجموعة من العلامات اللغوية التي ينتجها العمل المسرحي ويتميز الخطاب المسرحي بأنه ينبعث من مرسل ويكّون في البداية هو مؤلف النص الذي يحيله إلى الشخصية والتي تصبح بطبيعة الحال هي الفاعلة يصل هذا الخطاب عبر شفرات كونية أو قنوات تكون عن طريق القراءة بالنسبة للنص المسرحي ، وهو - الخطاب – يحمل بمجموعة من الشفرات والرموز يحلها المستقبل أي القارئ أو المرسل إليه "
* شفرات العرض: تشكل الشخصيات في عرض ( منين أجيب ناس) رموزا يكون على كل ممثل أن يفك شفرتها في أثناء أدائه لها عن طريق الحضور المادي المجسد لمصداقية تعبير الممثل عن تلك الشخصية ، بمساعدة الأزياء والماكياج والمؤثرات الصوتية والموسيقية أو الغنائية وعن طريق التأثيرات الدرامية للإضاءة المسرحية المعبرة عن الموقف الدرامي ، فتلك العناصر تشكل معا منظومة مسرحية تعبيرية تعطي للمتفرج عند حله لشفرتها دلالة المشهد أو الموقف الدرامي.
* شفرات العرض الأيقونية : الأيقونة علامة لا تعطي دلالة ما دون توظيفها ؛ ومع كل استخدام تعطي دلالة مغايرة طبقا لاستخدامها . وقد وظفت في هذا العرض حيث كان توظيف قطعة الديكور الواحدة في أكثر من مشهد توظيفا مختلفا عن توظيفها في مشهد سابق .. فقطعة ديكور واحدة تشكل قطاعا من مركب ، تستخدم في مشهد أو لوحة أخرى توظيفا مختلفا ، توظف متراسا يحتمي خلفه العمال في تظاهراتهم من أجل الحصول على حقوقهم الضائعة والمنهوبة من صاحب رأس المال ، وتستخدم حاجزا لخندق يختفي خلفه الجنود في حرب العلمين بالصحراء الغربية ، ويستخدم سورا عاليا يتعلق عليه أبناء الشعب طلبا للأمان أو محاولة للقفز عبر الموانع الأمنية ، وكل تلك الصور المسرحية هي في واقع الأمر دوال محملة بدلالات ، لا تصل إلى المتفرجين أو الجمهور بدون رصيد معرفي بتاريخ كفاح العمال والفلاحين في مصر في مواجهة الاستعمار البريطاني والإقطاعيين والسلطات الأمنية البوليسية على مر السنين والتاريخ. وبالطبع تكرر توظيف طاقات الممثلين للعب كل منهم لأكثر من دور مسرحي متهيئا له بما يحقق له الدلالة التي تستهدف الشخصية تحقيقها بوصفها رمزا أو علامة. وهو ما يتطابق مع الهدف من استلهام هذه المسرحية مثلها مثل مسرحيات نجيب سرور للتراث ، ولأن الاستلهام من التراث يحول الوقائع التاريخية في حياة الجماعة إلى رموز لذا فإن فك تلك الرموز المستلهمة من تاريخ الجماعة أو الأمة لا ينجح دون أن تتماس تلك الرموز مع مشاعر المتفرجين وتجد لها صدى وجدانيا في مخزون مشاعرهم القومية وهذا ما عبرت عنه بصدق د. نهاد صليحة في مقالها عن عرض مسرحية ( منين أجيب ناس ) عندما وصفتها بأنها " رحلة بحث عن الخلاص" وفي توصيفها لطبيعة المسرحية الشعبية حيث تقول : " يتميز المسرح الشعبي أساسا – مثله في ذلك مثل الأدب الشعبي عموما – بالنظرة الشاملة الكلية للوجود لا بالنظرة التحليلية فهو لا يعرض للأشياء لا في انفصالها وتفردها بل في تواصلها في رؤية كلية تعبر عن نفسها بالضرورة عن طريق الرمز والاستعارة ، فالمسرح الشعبي مسرح شعري في جوهره حتى وإن كتب نثرا، إذ هو يتعرض لتاريخ الجماعة ، لا كسلسلة من الوقائع المحددة زمنيا ومكانيا ولكن كما يمثله وجدان الجماعة بحيث غدت بعض هذه الوقائع جزءا من نسيجه الشعوري ، أي جزءا من الرؤية الشاملة الكلية للجماعة . أي أن التاريخ في المسرح الشعبي يكسب بعدا شعريا بحيث تصبح الواقعة المحددة رمزا لسمة دائمة في النسيج الوجداني للجماعة . "
( منين أجيب ناس) عرض مسرحي إذن يؤرخ لوجدان الجماعة ، غير أنه ليس تأريخا مسرحيا مجانيا ، وإنما هو يستهدف التحريض أيضا ، التحريض على المرحلة السياسية التي أنتج خلالها ، حثا للوجدان الشعبي على استرداد طاقاته النضالية ، مع أن دلالة النص تذهب إلى يأس الكاتب من جهود نضال شعب مصر بحثا عن الحلاص من الظلم والاستغلال ؛ وهو يأس تمكن من نفسه في الفترة التي استشرت فيها مفاسد الانفتاح الاستهلاكي الذي بدأه حكم السادات بعد حرب 1973، بعد أن تكشف مسار التحول السياسي – كما يقول د. أبو الحسن سلام من خلال القراءة السيميولوجية للعرض نفسه تؤكد هذا وتشير إليه فالبلاد أصبحت كجسد بدون رأس يفكر ويخطط ويضبط ويحدد ويوجه ، وذلك هو ما يرمز إليه جسد حسن المقطوع الرأس ، والمنجرف بدفع التيار متعفنا ، عبر رحلته من جنوب مصر إلى شمالها ، وهو انجراف للدولة المصرية عبر تاريخها الطويل ، إذا ما فكت شفرة نعيمة التي هي مرة بهية ومرة خضرة ومرة ناعسة وهي متصلة بإيزيس في التراث الفرعوني الطقسي ، فكل تلك الأسماء دالة على أن المقصود هو مصر ، التي ظلت عبر تاريخها تبحث عن أشلاء نظامها السياسي والاجتماعي وعن كيانها أو هويتها المصرية عبر تاريخها الطويل ، هكذا كان تجسيد محسنة توفيق لدور نعيمة التي هي في النهاية إيزيس مرورا بكل الأسماء التي ترمز إلى الصبر والتحمل والبحث الدؤوب عن عقله ، مخلصها دون جدوى ، ذلك لعدم وجود ناس ، مع أنهم نصحوا بما جاءهم عن طريق كتاب الموتى وعن طريق التوراة والإنجيل والقرآن وأشعار المتنبي والمعري وشوقي وبما جاء في ميثاق العمل الوطني وما تضمنته خطابات زعيم الوطني جمال عبد الناصر ، كل تلك الدوال التاريخية العقائدي منها والسياسي والأدبي لم تفلح في أن تعثر على أناس يخلصون البلاد من براثن الظلم والطغيان والاستعباد . وهنا يجدر الإشارة إلى صورة التمثال الذي أبدعه فنان سوفيتي تعمّد المؤلف وضعه على غلاف كتاب نصه المطبوع وهو تمثال ( الجهد ) ، فإذا ربطنا الصورة على الغلاف ربطا سيميولوجيا بمضمون الخطاب المسرحي وبعنوان المسرحية نفسها أسفل صورة التمثال ، نكون بذلك قد تمكنا من إنتاج دلالة تفكيك الجهد السياسي للأنظمة الحاكمة في مصر على مر التاريخ .


* مآخذ نقدية تفكيكية على العرض المسرحي :
لم يتنبه المخرج مراد منير ، ولا أحد ممن أخرجوا تلك المسرحية بعد ذلك إلى أهمية الخطبة الدرامية ( المقدمة الكولاجية ) التي صّدر بها نجيب سرور متن النص الدرامي ، حيث أهملها كل من أخرج تلك المسرحية ، ولم يفطنوا إلى أهميتها كأسلوب من أساليب الاحتفالية التي تنسج مسرحها بخيوط درامية شعبية من الحكم والأشعار والأمثال في مقدمة هي أقرب ما تكون بخطبة النص ، بوصفها استهلالا تأريخيا لربط الماضي بالحاضر أو نقل ما يستلهم من وقائع التاريخ فيما يعرف في نظرية التغريب الملحمية بالتأرخة.
كذلك يؤخذ على العرض أنه جري وراء المزيد من إبهار الجمهور؛ بتحويل الافتتاحية المفككة لبنية النص الغنائي التراثي ودلالته ؛ وبذلك أضاع جلال العاطفة الحاكمة للحظة الشعورية الحداثية الصادمة للمتلقى جنبا إلى جنب الصدمة العاطفية لفتيات القرية اللواتي نزلن نحو مياه النيل لملء جرارهن فإذا بهن يصدمن برؤية جثة طافية على صفحة ماء النيل ؛ منتفخة مقطوعة الرأس
لقد أضاع المخرج جلال صدمة اللحظة التراجيدية تلك بالرقصة الشعبية المطولة بطول أغنية الافتتاحية التفكيكية التي يفكك فيها نجيب سرور نسق الأغنية الشعبية الشهيرة " البحر بيضحك ليه ونا نازلة أدلّع أملا القلل " حيث أعقبها بكوبليه ناقض لدلالة الفرحة يقول فيه:

( البحر أبدا ما بيضحكش أصل الحكاية ما تضحكش )
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مساكين بنضحك م البلوى زي الفراخ والروح حلوة
سارقاها م السكين حموه ......................"
إلى أن يقول :
في بالي دايمتا على بالــي واللي بيعشـق مــا يــــــــداري
يا قلّـة الــــذل أنا نــــــاوي ما أشرب ولـو في القلّـه عسـل
والبحـــــــر بيضحــــك ليـه ونـا نازلــه أدّلــع أمتـلا القــلل ؟ "

فضلا عن عدم فهمه لمغزى الخطبة الدرامية الكولاجية التي قدم بها نجيب سرور نصه المسرحي ؛ باعتبارها جزء أصيل من النسق المعماري المسرحي الاحتفالي الذي يعد توليفة درامية ملحمية شعبية تراثية في شكل توليفة مسرحية مصرية .



#هاني_أبو_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخرج المسرحي وكتابة الميزانسين mise in scene
- أقنعة ومتون وهوامش
- الفرجة الإيهامية ونوستالجيا التحول الدرامي
- نوستالجيا التحول الدرامي نحو عدالة اجتماعية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاني أبو الحسن - قراءة سيميولوجية لعرض مسرحية ( منين أجيب ناس )