أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عزو محمد عبد القادر ناجي - رأي الشهيد القائد عامر محمد ناجي في الحياة والموت والشهادة والاستشهاد















المزيد.....



رأي الشهيد القائد عامر محمد ناجي في الحياة والموت والشهادة والاستشهاد


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3902 - 2012 / 11 / 5 - 17:26
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


رأي الشهيد القائد عامر محمد ناجي
في الحياة والموت والشهادة والاستشهاد


يستغرب البعض ممن لم يفكروا في ماهية الحياة والموت ، وما الفائدة من هذه الحياة إذا كان الإنسان لابد أن يأتي يوماً ليموت حتى لو عاش مائة عام أو أكثر وهذا نادراً جدا ، كما يستغربون هل هناك حياة أخرى بعد الموت ، وإذا كان هناك حياة أخرى فلماذا يعيش بعض الناس في الكفر وآخرون في الإيمان ، بمعنى من ولد لأبون مسلمين لابد أن يكون مسلماً ويدخل الجنة ، وغيره
ممن ولد لأبون غير مسلمين سيدخل النار ، كما يرى ذلك علماء المسلمون ، إلا أن علماء الدين من الديانات الأخرى يرون أن دينهم هو الأصح ، وأن من دخله لابد من أن يدخل النعيم الأبدي بعد الموت ، وهنا لابد أن نشير أن هناك قوة عظيمة خالقة تتصف بالكمال وهي قوة الله عز وجل ولا يمكن أن يكون لها شريك ، لأن التنظيم الدقيق للكون لا يحتم أن يكون هناك أكثر من قوة ، وأن الكثير ممن يدعون الإسلام هم ليسوا بمسلمين فلوا كانوا في مجتمع غير إسلامي ومن أبوين غير مسلمين لابد أن يكونوا لا يستحقون حمل أمانة الإيمان بقوة الله وقدرته ووحدانيته وينفذوا ما أمر الله عز وجل من أشياء توافق المنطق والعقل وترقق القلوب وتقربها من الإيمان بالله عز وجل ، كما أن الكثير من الناس من غير المسلمين عندهم إيمان داخلى وصفات تؤهلهم للإيمان بالقوة الإلهية الوحدانية ، وقد يتاح لهم الظرف لمعرفتها من خلال بحثهم عن العقيدة الصحيحة والإيمان ، والمقارنة بين الإديان بما يوافق العقل والمنطق ، وحتى لو لم تتح لهم الفرصة لمعرفة ذلك في الحياة الدنيا فإن اللع العادل لن يبخسهم حقهم في النعيم الإبدي في جنته في الآخرة ماداكت عندهم القابلية الحقيقية التي يعرفها الله فيهم ليتقبلوا وحدانياته ، وسماتهم وغرائزهم وتصرفاتهم تدل على ذلك ، من خلال منطق الصدق والحق والعطف على الآخرين والتفكير في أسرار الكون ، وخالق هذا الكون ، حيث تعرض عليهم الأمانة في الآخرة ولابد أنهم سيتقبلوها مباشرة ، وهنا تتحقق العدالة الإلهية في كل الظروف ، كما أن الله عزوجل لم يترك شعباً أو أمة إلا وبعث فيهم نذير أو رسول ، حيث تقول الكثير من الروايات أن حكمائهم علموهم مبدأ الصدق والحق والإيثار والعفة وغيرها من السمات الخلقية التي تصل بالإنسان نحو الكمال ، فعلى سبيل المثال الكنفوشيوسية في الصين فيها الكثير من السمات الخلقية الإسلامية ، وأيضاً البوذية ، والمسيحية واليهودية ، وأن أصاب الكثير منها التحريفات الكثيرة ، والتي حاول الكثير من المنافقين أن يصدروا هذه التحريفات إلى الإسلام لكنهم لم يستطيعوا بفعل خفظ الله للقرآن الكريم ، لكنهم عملوا على تحريف الكثير من الأحاديث النبوية لتشويه سمعة الإسلام ، لكن الكثير من أئمة الإسلام تصدوا لذلك وقاموا بإخراج الكثير من الأحاديث الصحيحة بما يضمن أكبر قدر من التفسير المنطقي للقرآن والإسلام عموماً ، وعليه فقد خلق الله الموت والحياة لحكمة بالغة حددها سبحانه وتعالى فى قوله (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور ) سورة الملك ، إذاً خلق الله الحياة ليبلونا أي منا يعمل صالحاً وأي منا يعمل غير ذلك ثم نرد إلى الله عز وجل لتجزى كل نفس بما عملت .
لنرى بعض آيات القرآن الكريم حول الموت والحياة ، يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور )سورة آل عمران 185
يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون ) سورة الأنبياء 35
* يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون ) سورة العنكبوت 57
* يقول تعالى (الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) سورة الزمر 42
* يقول تعالى (قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)
فهذه الآيات تؤكد مجموعة من الحقائق أهمها :
1- أن الموت لا محالة آت وأن الله عز وجل كتبه على كل نفس إلا الشهداء فإنهم لا يموتون كما سنذكر لاحقاً ، كما أن الانسان بطبعه يميل إلى الفرار من هذه الحقيقة التي هي لا محالة واقعة .
2- إن الله عز وجل خلق الموت ليكون نقطة فاصلة يكون لها ما بعدها لكن مابعدها مترتب على ما كان قبلها ، فإن قدم العبد خيراً فسيجد خيراً وإن قدم غير ذلك فله جزاؤه عند الله ، وعليه يقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "
3- أن الله عز وجل يختبر العبد فى عطائه له سواءاً كان خيراً أو شر وذلك إما ليمحص هذا العبد ويعلي قدره ويرفع درجته وإما أن يفشل العبد فى الاختبار ويكون الأخرى .
وجاء ذكر ذلك مقترناً بالموت ليؤكد أن الموت نقطة فاصلة وهى نقطة حصاد وهى نقطة بداية.
4- أن الفوز الحيقيقي والهدف الأسمى الفوز بالجنة والبعد عن النار ، والمتأمل فى قوله تعالى فى سورة آل عمران الآية 185 (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور )
نجد فى هذه الآية بوضوح ، ربط الله عز وجل بين الموت كحقيقة واقعة للجميع وأنه نقطة فاصلة لها ما بعدها ، فإما خير أو شر ، وأنه يوم الحصاد حيث يوفى العباد أجورهم يوم القيامة قال ( صلى الله عليه وسلم ) (من مات فقد قامت قيامته ) كما أنه يعنى تحقيق الأهداف فمن كانت غايته رضا الله والجنة فهذا هو الفائز الحقيقي .

لكن اعتبر بعض الفلاسفة أن الموت أمر لا يطاله الفكر ولا يدخل في نطاق إمكانية المعرفة.. إذ يمكن اختيار الموت بأي شكل من الأشكال ليس بالفكر ولا بالتخيل ولا بالحس ، فالإنسان عند مرضه أو شيخوخته يرى فسحة رؤاه المستقبلية وأحلامه تضيق وتضيق وعندما تطبق عليه آفاق التطلع إلى الزمن الآتي يصبح حاضره منشغلاً بالحاجات المباشرة أو نازفاً باتجاه الماضي من خلال جرح الذاكرة الواهمة ، فحتى لو استبعد بطريقة لا واعية فكرة الموت، يظل المرء فريسة الشعور بكونه عرضة للزوال..
فالموت، هذه الحتمية المجهولة، والتي واجهها الإنسان منذ البداية، بالخوف والتقمص والإيمان والتحدي وسوى ذلك، أما اليوم، فينهض علم جديد خاص بالموت هو الثاناتالوجي. حيث يطرح هذا العلم مجموعة من الأسئلة مثل هل يمكن العيش بعد الموت؟ وكيف؟ وما الحدود بين الموت الطبي والموت؟ هذا من وجهة نظر الثورة العلمية لكن لن يستطيعوا أن يتوصلوا إلى حقائق أكثر من حقائق القرآن في تفسير هذه الظاهرة فقوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور فيه مسألتين :

الأولى : قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة فيه مسألتان : قيل : المعنى خلقكم للموت والحياة ; يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة ; لأن الموت إلى القهر أقرب ; كما قدم البنات على البنين فقال : يهب لمن يشاء إناثا . وقيل : قدمه لأنه أقدم ; لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا ثلاث ما: طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثاب " .

المسألة الثانية : الموت والحياة قدم الموت على الحياة ، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه ; فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم ، قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار . والحياة عكس ذلك . وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أن الموت والحياة جسمان ، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر ، فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي ، ولا تطأ على شيء إلا حيي . وهي التي أخذ موسى السامري- في عهد نبي الله موسى عليه السلام -من أثرها فألقاه على العجل فحيي ، قلت : وفي التنزيل : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ثم توفته رسلنا ، ثم قال : الله يتوفى الأنفس حين موتها . فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم . وهو سبحانه المميت على الحقيقة ، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط ; حسب ما ورد به الخبر الصحيح . وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر . والله أعلم . وعن مقاتل أيضا : خلق الموت ; يعني النطفة والعلقة والمضغة ، وخلق الحياة ; يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا .

قلت : وهذا قول حسن ; يدل عليه قوله تعالى : ليبلوكم أيكم أحسن عملا وتقدم الكلام فيه في سورة " الكهف " . وقال السدي في قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا ، ومنه أشد خوفا وحذرا . وقال ابن عمر : تلا النبي صلى الله عليه وسلم : تبارك الذي بيده الملك حتى بلغ : أيكم أحسن عملا فقال : أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله . وقيل : معنى ليبلوكم ليعاملكم معاملة المختبر ; أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره ، وبالحياة ليبين شكره . وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء ، وخلق الحياة للابتلاء . فاللام في ليبلوكم تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت ; ذكره الزجاج . وقال الفراء والزجاج أيضا : لم تقع البلوى على " أي " لأن فيما بين البلوى و " أي " إضمار فعل ; كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله قوله تعالى : سلهم أيهم بذلك زعيم أي سلهم ثم انظر أيهم . ف " أيكم " رفع بالابتداء و " أحسن " خبره . والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا .

إلا أن بعض الناس يقولون : إن الحياة هى الحس والحركة وان كل شىء لاحس فيه ولاحركة ظاهرة لنا .ليس فيه حياة كالجماد . نقول .. ان هذا ليس هو الحقيقة. فكل شىء فى الدنيا فيه حياة . ولكنها حياة تلائم مهمته. والحق _ تبارك وتعالى . يقول ( وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم .....) اذن : كل ما يطلق عليه شىء . يسبح بحمد الله . الارض تسبح . والجبال تسبح بل الامر يتعدى ذلك الى ان هذه الاشياء التى نراها امامنا جامدة بلا حس ولا حركة لها عواطف تعبر عنها بالبكاء او بغير ذلك الم يصدر جذع النخلة الذى كان يستند عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فى المسجد انينا حين تركه رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخطب على منبر بناه المؤمنون ؟ الم يقل الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز ( فما بكت عليهم السماء والارض وماكانوا منظرين) الارض تبكى والسماء تبكى والجبال تسبح والحصى يسبح فى يديه الشريفتين كل شىء يسبح اذن كل شىء فى هذا الكون فيه حياة تناسب مهمته فكل شىء فيه حس وحركة لاندركها نحن ولكنها موجودة

الله سبحانه وتعالى خلق حياتين الحياة الدنيا وهى الحياة الموقوتة لكل شىء فيها نهاية نصيب كل منا فيها مختلف هناك من يعيش ساعات ومن يعيش يوما ومن يعيش شهورا ومن يعيش سنوات ومن يعيش يبلغ ارذل العمر .فيخرف ولا يستطيع أن يعرف شيئاً فهو بحكم الميت ولم يستطع ولن يسطع العلماء معالجة هذه النهاية على الإطلاق لأنها من سنن الطبيعة، وجعل نهاية الحياة الدنيا الانتقال الى عالم الموت وخلق الحياة الاخرة ابدية ليس فيها موت . فعمر الموت ينتهى ببداية الحياة الاخرة ولا يصبح هناك موت وخلق الحق تبارك وتعالى عالم موت قبل المجىء الى الحياة الدنيا وعالم موت عند الخروج من الحياة الدنيا وقبل بداية الاخرة والانتقال من الموت الى الحياة ومن الحياة الى الموت ثم من الموت الى الحياة الاخرة يتم باذن الله سبحانه وتعالى

صحيح أن الحياة نعمة عظيمة محدودة من الله تعالى تمكننا من عبادة الله ومعرفته أما الموت فرواق يوصل الى النعمة العظمى الأبدية حتى نتمكن من عبادة ومعرفة الله تعالى والحياة في قربه وحضنه لكن الحياة هي بالمقابل ألم متكرر والموت هو المخلص والمنجى من هذا الالم ! ولكن علينا إغتنام هذه الحياة لأخرتنا وذالك بطاعة ربنا وترك معصيته وأن لانقنط من رحمة الله ولا نيأس عند الصعاب (فالدنيا مزرعة الاخرة) ، فالحياة هى الموت فى الدنيا والموت هو بداية الحياة فى الاخرة

والحياة والموت عند الشهداء رحمهم الله تعالى في ان حياتهم الدنيوية هي حياة معنى وشهود أما بالنسبة للحياة والموت الجسماني فهذا أمر آخر وسنة طبيعية لأن ( كل نفس ذائقة الموت) وهنا يكون الإختلاف في الذوق كل حسب درجته وكماله فمنهم من يذوقه كالذوق المعهود بطرف اللسان فيرى في ذوقه حلاوة ومنهم من يذوقه بمرارة كالعلقم او ماهو أشد من ذلك ومنهم من يانس به وهو مصداق قول الإمام علي كرم الله وجهه ( والله اني لأنس بالموت كما يأنس الطفل الرضيع في ثدي امه ) وهكذا... لماذا هذا الأنس بالموت والمعروف عنه سبب فراق الأحبة وقطع الهمم وهدم اللذات. إن الشهداء لا يموتون لأن الحياة بالنسبة لهم تمثل مرحلة من مراحل فناء النفس البشرية الجسمانية وبهذه المفارقة للنفس تبقى الروح طليقة في عالم الوجود والمعنى بعدها لا تؤثر عليها النفس التي وضعت لتعيش في هذه الدنيا المادية فعند الموت يطلق صراح الروح من شباك النفس وإن كانت تلك النفس زكية وقد وصلت الى صلاحها كنفس الشهيد لكنه يريد المزيد من الوصول في عالم المعنى والكمال لأن ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) فالشهداء حياتهم الحقيقية تحررت قبل ذلك عندما وقع الفناء المعنوي وبهذا لا يكون أي وقع بالنسبة لهذا الانتقال الى الرفيق الأعلى فلا يكون لهذا الانتقال عندهم تأثير حقيقي عليهم لأنهم وصلوا الى حقيقة ذلك وهم احياء بأجسادهم وارواحهم تحررت قبل ذلك فيكون هذا الانتقال المعهود هو حلقة فصل الجسم عنا ( أي ابتعاد اجسامهم عنا) بعدما استحقوا حتى بأجسادهم الصعود والسمو عنا وحتى نعرف انهم ذهبوا عنا وفارقونا وحتى تكون سنة الانتقال إلى العالم الآخر سارية على الجميع لبيان قدرة الله سبحانه التي لا احد يقدر ان يبلغها حتى أنبياء الله ولبيان ضعف الإنسان مهما كان من السمو وبالتالي الهيمنة التامة من قبل الله سبحانه على جميع الخلق هذا من ناحية فقط...

صحيح أن الموت مصيبة بلا جدال كما جاء فى التنزيل لأنه "هادم اللذات وهازم المسرات" ، ورغم أن عصر التنوير وولوج العالم بعده الى عصور الحداثة وانتشار المذاهب المادية وغلبة شعور بالزهو والانتصار على سطوة الكنائس فى القرون الوسطى وجملة المعتقدات التى تقع وراء الحس , الا أن الموت ظل لغزا محيرا لا سبيل الى سبر أغواره حيث لم يفد على الناس قادم من عالم البرزخ متحدثا عن تجربته هناك ولم يتمكن ميت بعد من كتابة مذكرات تحكى كيف فارق الروح الجسد! والغريب أن منطق المعاصرين من غير المؤمنين وحججهم فى نفى وجود حياة بعد الموت لم تخرج كثيرا عن حجج نظرائهم قبل آلاف السنين . " قالوا ان هى الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر". " ان هى الا أساطير الأولين". قال أبو الحكم عمرو بن هشام للنبى(ص) ساخرا من فكرة البعث والنشور وفى يده عظم بال رمه ( بتشديد الميم) حتى تناثر هباء فى الهواء: " أيبعث ربك هذا بعد أن رم؟" أجابه النبي صلى الله عليه وسلم " نعم ويدخلك النار!"

بعض الناس يقولون إن الحياة هى الحس والحركة وأن كل شئ لا حس فية ولا حركة ظاهرة لنا ليس فية حياة كالجماد ، نقول عن هذا ليس هو الحقيقة فكل شئ فى الدنيا فية حياة ولكن حياة تلائم مهمتة والحق تبارك وتعالى يقول ( وإن من شئ إلا يسبح بحمدة ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) الاسراء 44 ، إذاً كل ما يطلق علية شئ يسبح بحمد الله الارض تسبح والجبال تسبح والله سبحانة وتعالى يقول ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ) الانبياء 79 ، ويقول جل جلالة ( يسبح لله ما فى السموات و ما فى الارض الملك القدوس ) الجمعة 1 ، بل إن الامر يتعد ذلك إلى أن هذة الاشياء نراها امامنا جامدة بلا حس ولا حركة ما لها عواطف تعبر عنها بالبكاء او بغير ذلك ، الم يصدر جزع النخلة الذى كان يستند علية رسول الله صلى الله علية وسلم وهو يخطب فى المسجد انيناً حين تركة رسول الله علية الصلاة والسلام ، ليخطب على منبر بناة المؤمنون ؟ الم يقل الله سبحانة وتعالى فى كتابة العزيز ( فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين ) الدخان 29

حتى أن الارض تبكى والسماء تبكى والجبال تسبح والحصى يسبح فقد سمع رسول الله علية الصلاة والسلام تسبيح الحصى فى يدية الشريفتين ، كل شئ فى هذا الكون فية حياة تناسب مهمتة فكل شئ فية حس وحركة لا ندركة نحن ولكنها موجودة .

الم نعرف فى المدرسة حينما درسنا المغناطيسية ان ذرات الحديد عندما تمر عليها مغناطيس تأخذ شكلاً معيناً ، لقد جاءوا لنا بأنبوبة ذرات الحديد مروا عليها بمغناطيس أمامنا فأخذت الذرات شكلاً معيناً وترتيباً معيناً وخواص معينة بفعل المغنطة ، إن هذا الذى حدث امامنا فى ذرات الحديد يحدث فى قضيب الحديد الذى لم يفتت إلى ذرات ولكننا لا نراة إننا نمر بالمغناطيس فوق قضيب الحديد ، فيصبح ممغنطاً ولكن هل نرى ما يحدث لذراتة من إعادة الترتيب ؟ طبعاً لا ، ولكن التجربة العلمية اثبتت ان ذلك يحدث رغم اننا لا نراة وإذا قرأنا الاية الكريمة ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت 11

يجب ان نلتفت إلى قول الحق سبحانة وتعالى : ( قالتا ) .. لنعرف ان للارض والسماء لفة تتحدثان بها بل إنهما يسمعان ايضاً ، مصداقاً لقولة جل جلالة ( إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ) الانشقاق 1 – 2 ، ومعنى ذلك اذنت اى : سمعت بأذنها فانقادت لأمر الله تبارك وتعالى بمجرد سماعها فأذنت اى : استمعت لربها واطاعت امرة فيما امرها به من الانشقاق يوم القيامة .

وهكذا نرى ان كل شئ فى هذا الكون لة حياة تناسب مهمتة وان الاعتقاد بأن الجماد ميت لا حياة فية اعتقاد غير صحيح ، فالله سبحانة وتعالى خلق حياتين حياة الدنيا وهى حياة موقوتة لكل شئ فيها نهاية نصيب كل منا فيها مختلف ، فهناك من يعيش ساعات ومن يعيش يوماً ومن يعيش شهوراً ومن يعيش سنوات ومن يعيش حتى ارزل العمر ، فجعل نهاية الحياة الدنيا الانتقال إلى العالم الآخر.. وخلق الحياة الاخرى أبدية ليس فيها موت فعمر الموت ينتهى ببداية الحياة الاخرة ولا يصبح هناك موت .

إن الله سبحانة وتعالى لفتنا إلى ان الحياة الحقيقة للإنسان ليست فى الدنيا ولكنها فى الاخرة لأن الحياة الاخرة ابدية فيها نعيم ، بقدرة الله سبحانة وتعالى لا تفارق النعمة فيها ولا تفارقك ، وخلق الحق تبارك وتعالى عالم الموت قبل المجئ الى الحياة الدنيا وعالم الموت عند الخروج من الحياة وقبل بداية الاخرة ولذلك يقول سبحانة وتعالى: وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) العنكبوت 64 ، والانتقال من الموت الى الحياة ومن الحياة الى الموت ثم من الموت الى الحياة الاخرة يتم بإذن الله سبحانة /الشيخ الشعرواى - يوم القيامة )

ويرى آخرون أن الموت مخلوق موجود، وهو الذي يعبِّرون عنه بأنّ الموت صفة وُجودية ، وذلك لقول الله جل وعلا ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2] فجعل الموت مخلوقا وتسلَّط عليه الخلق، وهذا يدل على أنه موجود، ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ﴾ وخَلْقه يدل على أنه صفة وُجودية ، وكذلك ما جاء في السنة من أحاديث كثيرة فيها أن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش فيذبح على قنطرة بين الجنة والنار، فهذا يدلّ على أنّ الموت موجود وله صفة الوُجود ، وهذا له أدلة أيضا كثيرة تدل على ما ذكرنا من أنّ الموت ليس عدما للحياة، وإنما هو وجودٌ لصفةٍ ليست هي الحياة، فالحياة وصف صفة، وهو وجود لصفة أخرى، وهذه الصفة الأخرى هي الموت

فالحياة؛ أي حياة الإنسان متعلقة بروحه ومتعلقة بجسده، وحياة الجسد بحلول الروح فيه، فإذا فارقت الروح الجسد صار الجسد عديم الحياة، لذلك تندثر أجزاؤه في التراب ويذهب، وأما الروح وهي داخلة في جملة تسمية الإنسان إنسانا، أما الروح فهي مخلوقة للبقاء لا للعدم ، لهذا إذا قيل ماتَ يعني صار جسمه لنوع من العدم أو صار جسمه للفناء، وأما روحه فهي للبقاء، لكن لها حياة تخصُّها ،فحياة الإنسان متعلقة بروحه ومتعلقة بجسده، وحياة الجسد بحلول الروح فيه، فإذا فارقت الروح الجسد صار الجسد عديم الحياة، لذلك تندثر أجزاؤه في التراب ويذهب، وأما الروح وهي داخلة في جملة تسمية الإنسان إنسانا، أما الروح فهي مخلوقة للبقاء لا للعدم ، لهذا إذا قيل ماتَ يعني صار جسمه لنوع من العدم أو صار جسمه للفناء، وأما روحه فهي للبقاء، لكن لها حياة تخصُّها ، والجسد عند أهل السنة في القبر له تعلق بالروح؛ فإن الحياة البرزخية للروح والجسد تابعٌ لها؛ تابع للروح، ليست الحياة للروح فقط؛ بل هي للروح والجسد تابع، عكس الحياة الدنيا؛ فإن الحياة فيك الآن للجسد والروح تبعٌ، فيألم الجسد فتألم الروح، وهكذا يسعد الجسد فتسعد الروح إلى غير ذلك من التفصيل.

وأما بعد الحياة البرزخية يعني بعد الموت، فإن الموت حالة، صفة وُجدت أدَّت إلى انفصال الروح على البدن، فصارت الروح بالموت لها حياة تخصُّها، وصار البدن بالموت له صفة تخصه، وبين هذا وهذا تعلق ، يدلُّكَ هذا على صحة علماء الإسلام لما دلتهم الأحاديث وظاهر القرآن من أن الموت صفة توجد وليس عدما محضا، بل هو موجود له خصائصه، والموت بالآية مخلوق ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾، وقولهم إن الموت والحياة هنا تَسَلَّط عليها فعل ﴿خَلَقَ﴾ فيكون بمعنى التقدير، نقول هذا غير مستقيم لأنه علل ذلك بعده بقوله ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وحُسن العمل إنما يكون بعد الوجود، ولهذا قدّم الموت على الحياة؛ لأنّ الموت يكون بعده الجزاء على حُسن العمل، ولما جاء في السنة من الأدلة.
لكن بعض المشككين بالموت والحياة الآخرة فإنهم يظلون يعيشون في متاهات لها أول وليس لها آخر مثلاً كان رئيس فرنسا القوى وزعيم الحزب الاشتراكى فرانسو ميتران من المتشككين فى الحياة بعد الموت. وكان قد سخر مرة من عبارة مثبتة على العملة الورقية للولايات المتحدة (الدولار). تقول "اننا نثق فى الله" وتحتمل معنى " اننا نؤمن بالله" قال : ترى عن أى اله يتحدثون!" وربما كانت العبارة نقدا مبطنا للسياسة الأمريكية أكثر منها سخرية من فكرة الله والايمان. قال الرجل فى أخريات أيامه انه قلق ومشغول بالتفكير فى عالم ما بعد الموت!! ويقينى أن ذلك حال كل الناس مهما ادعو غير ذلك. أليس جميلا أن تتصور عالما آخر ورديا أخضرا لا نصب فيه ولا تعب نلج اليه بعد الموت تسبح فى فضاءاته الرحيبة التى لا تحدها حدود أرواحنا, خلية البال وقد انعتقت تماما من سجن الجسد المادى الذى كان يقعد بها كلما رامت انطلاقا وتحررا؟ وفى غائظة الحر الملازمة لهذا البلد جل شهور العام ألا تسعد السعادة كلها حين تمتلىء رئتاك فجأة بنسيم عليل يقطع رتابة الحر المستحكم. ألا يخامرك شعور خفى بأنك تنتم الى العالم الذى تسلل اليك منه ذاك النسيم؟ الا تجول بعينيك فى الفضاء كأنك تبحث من أين جاء؟ هذه أشواق الروح الى الخلود فى العالم السرمد.لا تقل لى ان النسيم والهواء يوجدان فى الغلاف الجوى المحيط بالكرة الأرضية لا خارجها وأن النسيم نتاج تيارات باردة ترد من المحيطات.

لكن عند اللادينيين أو الملحدين فيرون تعتبر النفس هنا مؤلفة من ذرات شأنها شأن الجسد وعند الموت يفسد الجسد وينحل وتتبعثر الذرات التي تؤلف النفس ضمن الدورة الشاملة الكبرى للطبيعة.. ولا يعتبر الموت مشكلة تتطلب حلا فالنفس في هذه الفلسفة ليست سوى قوة طبيعية ملازمة للمادة تتبدد عند الموت، لكنهم لم يفسروا لنا كيف انتظمت هذه الذرات وكيف انفصلت ومداها الزمني في الانفصال ، ولماذا وجدت بهذه الطريقة ، ولماذا هناك أنفس شريرة وأخرى خيرة ، وماهو الناظم لهذه الخصائص ، ولماذا تختلف الجينات من واحد لآخر ، ولماذا لكل فرد بصمات خاصة به ، وماهي القوة التي خلقت الذرات الأولى ، وكيف تتحقق العدالة بين الخيرين والأشرار وغير ذلك من الأسئلة التي وقفوا ذاهلين أمامها .

لكن في الإسلام نلاحظ اهتماماً كبيراً بقضية الموت من خلال كثرة ورود هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم حيث وردت 165 مرة، وفي خلال تذكير الآيات بالناس وبالموت والاستعداد له ونصحهم بالإفلات من مغريات الحياة الدينا ما دامت ستنتهي بالموت ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) والاستقامة هي الطريق لربح الحياة الأخرى خاصة وإن الحياة الدنيا لابد أن تنتهي بالموت ( كل نفس ذائقة الموت) والله يحيي الأموات ليبدءوا حياة جديدة ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) وكل ذلك بأمر الله ( وأنه أمات وأحيا) وسيكون فناء الدنيا شاملاً يوم القيامة ولن يخلد إلا الله وحده ( كل ما عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) والموت نهاية حتمية لكل حي إلا الشهداء الأبرار كما سنرى ولا أحد من الكائنات يخلد إلا الشهيد فهو خالد لا يموت( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) ويدرك الموت الإنسان أينما كان وأينما حل( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) طبعاً هذا للناس العاديين من غير الشهداء وإن هربتم منه فذاك أمر عبث ( فإنه ملاقيكم) لأن ( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) أي يختبركم بما يجب فيه الصبر في البلايا وبما يجب فيه الشكر من النعم وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر والموت في يد الله بكتاب مؤجل أي بسننين معدودة ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) أي أن كل نفس تموت، ولكن حسب مقتضيات كتاب مؤجل.. ، ويقع الموت على أنواع من الحياة فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات ( يحيي الأرض بعد موتها) ومنها زوال القوة الحسية ( يا ليتني متّ قبل هذا) ومنها زوال الــــقوة العاقلة وهي الجهالة ( أومن كان ميتاً فأحييناه) ومــنها الــحزن والخوف المكدّر للــحياة ( ويأتيـــه المـــوت من كــــل مكان وما هو بميت) ومنها المنام ( والتي لم تمت في منامها) ، وقد قيل في المنام الموت الخفيف والموت النوم الثقيل.. وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية وغير ذلك ومنه الحديث:«أول من مات إبليس لأنه أول من عصى» وفي حديث موسى (عليه الصلاة والسلام) قيل له إن هامان قد مات فلقيه، فسأل ربه فقال له: أما تعلم أن من افقرته فقد أمته؟

وفي الأحاديث المأثورة نقرأ للإمام علي كرم الله وجهه بعضاً منها عن الموت وأنواعه وكيفية التعامل معه.. يقول الإمام علي :«الساعات تخترم الأعمار، وتدنّي من البوار»، و«في كل نفس فوتٌ»و«نفس المرء خطاه إلى أجله»و«إنما أنت عدد أيام فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك فخفض في الطلب واجمل في المكتسب»ومن وصية له لابنه الحسن رضي الله عنهما:«إنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا وللموت لا للحياة.. وإنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلى الآخرة وإنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه ولا بد أنه مدركه فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك»وعنه أيضاً :«ما ينجو من الموت من خافه ولا يعطى البقاء من أحبه» وعنه أيضاً :«إن أوقاتك أجزاء عمرك فلا تنفذ لك وقتاً إلا في طاعة تزلفك» ، وقيل له: صف لنا الموت.. فقال: على الخبير سقطتم هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إما بشارة بنعيم الأبد، وإما بشارة بعذاب الأبد، وإما تحزين وتهويل، وأمر مبهم لا يدري من أي الفِرَق هو..، ويقول أيضاً :«تحفة المؤمن الموت» وإنما قال هذا لأن الدنيا سجن المؤمن لا يزال فيها في عناء في رياضة نفسه ومقاساة شهواته ومدافعة الشيطان فالموت إطلاق له من العذاب والإطلاق تحفة في حقه لما يصل إليه من النعيم الدائم.
وبعد فالموت خلق من خلق الله وما من خلق إلا وفي إيجاده حكمة بالغة، ومصلحة معروفة أو غير معروفة، وفي خلق الموت حكمة بالغة ومصلحة عامة وخاصة ، والموت باب وكل الناس داخلوه والأجل مفتاح ذلك الباب ومفتاح الأجل بيده سبحانه وحده لا أحد له القدرة على استعماله إلا بإذن الله..

والموت حق من حقوق الله تعالى وسنّة إلهية ثابتة مرتبطة بحركة السنن التاريخية، فأي خلل في ميزان سنة الموت يؤدي إلى خلل كبير في حركة نظام سنة الحياة المختلفة حتى تضيق الحياة بنفسها ، كما أن الموت هو الفيصل الذي يفصل بين مراحل الحياة المختلفة، وهو الفرقان العادل بين الحق والباطل، وهو النهاية التي تنتهي بها مرحلة التكليف وتبتدئ بها مرحلة جديدة من مراحل الحياة الآخرة وإنه أول نعم الآخـــرة وعذابها وخير الزاد مع الموت التقوى والعمل الصالح وأداء حقوق الله تعالى والناس..

نصل هنا إلى الشهداء الذين ضحوا بدمائهم الزكية في سبيل الله ذو القوة الخارقة التي لا تستطيع أي قوة في الكون أن تنافسها لأنها مخلوقة وليست خالقة ، ناقصة ولا تتمتع بالكمال ، فالكمال والقدرو القوة والعظمة لله وحده لا يشاركه فيها أحد ، وقد يتصف الكثيرون بالعظمة أو القوة أو القدرة وما إلى ذلك من صفاة تؤدي إلى الكمال ، لكنهم لا يتسمون بالعظيم لأن الله وحده هو العظيم ولا بالقوي لأن الله وحده هو القوي ، ولا بالقادر لأن الله وحده هو القادر وغير ذلك من أسماء الله الحسنى ، لكن قد نقول أن فلاناً عظيم أو قدير أو قوي لكن ال التعريف فقط لله عزوجل ، ماعدا اسم واحد عمل الله عزوجل على اقترانه بإسمه وهو اسم الشهيد فالله هو الشهيد والذي يقتل في سبيلهم هو أيضاً الشهيد ، وذلك لأن الشهداء أقرب المؤمنين إلى الله عزوجل ودرجتهم بعد الأنبياء في الآخرة ، وهذا تكريم لهم على طول الدهر ، وقد مجدت الديانات السماوية الشهداء والشهادة في سبيل الله ، فالأنبياء قادوا الحروب والمعارك واستشهد الكثير من أتباعهم في سبيل الحق والعدل وإعلاء كلمة الله ، فقاوم أبينا إبراهيم علييه السلام النمرود وجنوده ، كما تحدى نوح قومه الكافرين ، ووقف يوسف عليه السلام في وجه عبدة آتون من الفراعنة، وقاد النبي داود عليه السلام المعارك ضد الوثنيين وانتصر عليهم ، كما تحدى النبي موسى عليه السلام فرعون الذي كان يقتل كل ذكور من بني إسرائيل خوفاً من الحق ، وكذلك جاهر النبي عيسى عليه السلام بالحق ، وضحى النبي يحيى بحياته في سبيل الحق والعدل وعدم تحريف كلام الله وتأويله بما يريده الوثنيين ، ضحى تلاميذ وأصحاب الأنبياء واستشهد الكثير منهم في سبيل إعلاء كلمة الحق الإلهية ووحدانيته ، حتى جاء الإسلام ليعطى للشهادة معناها الكامل ولتكون الشهادة في سبيل الله أعظم درجات الثواب عند الله عزوجل وتقارن بدرجات الأنبياء والرسل حيث تأتي بعدها مباشرة ، حتى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تمنى أن يكون شهيداً في سبيل الله مرات عديدة لما لها من درجة عالية عند الله .


لقد خلق الله الموت والحياة لحكمة بالغة حددها سبحانه وتعالى فى قوله
(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور ) سورة الملك ، إذن خلق الله الحياة ليبلونا أي منا يعمل صالحاً وأي منا يعمل غير ذلك ثم نرد إلى الله عز وجل لتجزى كل نفس بما عملت .
لنرى بعض آيات القرآن الكريم حول الموت والحياة ، يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور )سورة آل عمران 185

كما يقول تعالى (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون ) سورة الأنبياء 35
ويقول تعالى أيضاً (كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون ) سورة العنكبوت 57
ويقول تعالى أيضاً (الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) سورة الزمر 42
أيضاً يقول تعالى (قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)
فهذه الآيات تؤكد مجموعة من الحقائق أهمها :

1- أن الموت لا محالة آت وأن الله عز وجل كتبه على كل نفس ، كما أن الانسان بطبعه يميل إلى الفرار من هذه الحقيقة التي هي لا محالة واقعة .

2- أن الله عز وجل خلق الموت ليكون نقطة فاصلة يكون لها ما بعدها لكن مابعدها مترتب على ما كان قبلها ، فإن قدم العبد خيراً فسيجد خيراً وإن قدم غير ذلك فله جزاؤه عند الله .

ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "
3- أن الله عز وجل يختبر العبد فى عطائه له سواءاً كان خيراً أو شر وذلك إما ليمحص هذا العبد ويعلي قدره ويرفع درجته وإما أن يفشل العبد فى الاختبار ويكون الأخرى ، وجاء ذكر ذلك فى مقترناً بالموت ليؤكد أن الموت نقطة فاصلة وهى نقطة حصاد وهى نقطة بداية.

4- أن الفوز الحقيقي والهدف الأسمى الفوز بالجنة والبعد عن النار ، والمتأمل فى قوله تعالى فى سورة آل عمران الآية 185 (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور )

نجد فى هذه الآية بوضوح ، ربط الله عز وجل بين الموت كحقيقة واقعة للجميع وأنه نقطة فاصلة لها ما بعدها ، فإما خير أو شر ، وأنه يوم الحصاد حيث يوفى العباد أجورهم يوم القيامة قال ( صلى الله عليه وسلم ) (من مات فقد قامت قيامته ) كما أنه يعنى تحقيق الأهداف فمن كانت غايته رضا الله والجنة فهذا هو الفائز الحقيقي .


لكن اعتبر بعض الفلاسفة أن الموت أمر لا يطاله الفكر ولا يدخل في نطاق إمكانية المعرفة.. إذ يمكن اختيار الموت بأي شكل من الأشكال ليس بالفكر ولا بالتخيل ولا بالحس..، فالإنسان عند مرضه أو شيخوخته يرى فسحة رؤاه المستقبلية وأحلامه تضيق وتضيق وعندما تطبق عليه آفاق التطلع إلى الزمن الآتي يصبح حاضره منشغلاً بالحاجات المباشرة أو نازفاً باتجاه الماضي من خلال جرح الذاكرة الواهمة.. فحتى لو استبعد بطريقة لا واعية فكرة الموت، يظل المرء فريسة الشعور بكونه عرضة للزوال..

الموت، هذه الحتمية المجهولة، والتي واجهها الإنسان منذ البداية، بالخوف والتقمص والإيمان والتحدي وسوى ذلك، أما اليوم، فينهض علم جديد خاص بالموت هو الثاناتالوجي. وفي هذا الكتاب عرض علمي بسيط ودقيق ومشوق للوقائع الطبية والنفسية وللأفكار التي يعالجها علماء الموت وللنتائج التي توصلوا إليها. وعلى الرغم من أن هذه الدرب لا تزال في أولها, فإن هذا الكتاب يجدد ويطور الجواب على مثل هذه الأسئلة: هل يمكن العيش بعد الموت؟ وكيف؟ وما الحدود بين الموت الطبي والموت؟ هذا من وجهة نظر الثورة العلمية لكن لن يستطيعوا أن يتوصلوا إلى حقائق أكثر من حقائق القرآن في تفسير هذه الظاهرة فقوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور فيه مسألتان :


الأولى : قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة فيه مسألتان : قيل : المعنى خلقكم للموت والحياة ; يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة ; لأن الموت إلى القهر أقرب ; كما قدم البنات على البنين فقال : يهب لمن يشاء إناثا . وقيل : قدمه لأنه أقدم ; لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا ثلاث ما: طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثاب " .


المسألة الثانية : الموت والحياة قدم الموت على الحياة ، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه ; فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم ، قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار . والحياة عكس ذلك . وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أن الموت والحياة جسمان ، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر ، فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي ، ولا تطأ على شيء إلا حيي . وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي . حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس . والماوردي : معناه عن مقاتل والكلبي .

قلت : وفي التنزيل : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ثم توفته رسلنا ، ثم قال : الله يتوفى الأنفس حين موتها . فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم . وهو سبحانه المميت على الحقيقة ، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط ; حسب ما ورد به الخبر الصحيح . وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر . والله أعلم . وعن مقاتل أيضا : خلق الموت ; يعني النطفة والعلقة والمضغة ، وخلق الحياة ; يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا .


قلت : وهذا قول حسن ; يدل عليه قوله تعالى : ليبلوكم أيكم أحسن عملا وتقدم الكلام فيه في سورة " الكهف " . وقال السدي في قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا ، ومنه أشد خوفا وحذرا . وقال ابن عمر : تلا النبي صلى الله عليه وسلم : تبارك الذي بيده الملك حتى بلغ : أيكم أحسن عملا فقال : أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله . وقيل : معنى ليبلوكم ليعاملكم معاملة المختبر ; أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره ، وبالحياة ليبين شكره . وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء ، وخلق الحياة للابتلاء . فاللام في ليبلوكم تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت ; ذكره الزجاج . وقال الفراء والزجاج أيضا : لم تقع البلوى على " أي " لأن فيما بين البلوى و " أي " إضمار فعل ; كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله قوله تعالى : سلهم أيهم بذلك زعيم أي سلهم ثم انظر أيهم . ف " أيكم " رفع بالابتداء و " أحسن " خبره . والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا .

بعض الناس يقولون . إن الحياة هى الحس والحركة وان كل شىء لاحس فيه ولاحركة ظاهرة لنا .ليس فيه حياة كالجماد . نقول .. ان هذا ليس هو الحقيقة. فكل شىء فى الدنيا فيه حياة ، ولكنها حياة تلائم مهمته. والحق _ تبارك وتعالى . يقول ( وان من شىء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم .....) اذن : كل ما يطلق عليه شىء . يسبح بحمد الله . الارض تسبح . والجبال تسبح بل الامر يتعدى ذلك الى ان هذه الاشياء التى نراها امامنا جامدة بلا حس ولا حركة لها عواطف تعبر عنها بالبكاء او بغير ذلك الم يصدر جذع النخلة الذى كان يستند عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فى المسجد انينا حين تركه رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخطب على منبر بناه المؤمنون ؟ الم يقل الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز ( فما بكت عليهم السماء والارض وماكانوا منظرين) الارض تبكى والسماء تبكى والجبال تسبح والحصى يسبح فى يديه الشريفتين كل شىء يسبح اذن كل شىء فى هذا الكون فيه حياة تناسب مهمته فكل شىء فيه حس وحركة لاندركها نحن ولكنها موجودة

إن الله سبحانه وتعالى خلق حياتين الحياة الدنيا وهى الحياة الموقوتة لكل شىء فيها نهاية نصيب كل منا فيها مختلف هناك من يعيش ساعات ومن يعيش يوما ومن يعيش شهورا ومن يعيش سنوات ومن يعيش يبلغ ارذل العمر ................... وجعل نهاية الحياة الدنيا الانتقال الى عالم الموت وخلق الحياة الاخرة ابدية ليس فيها موت . فعمر الموت ينتهى ببداية الحياة الاخرة ولا يصبح هناك موت وخلق الحق تبارك وتعالى عالم موت قبل المجىء الى الحياة الدنيا وعالم موت عند الخروج من الحياة الدنيا وقبل بداية الاخرة والانتقال من الموت الى الحياة ومن الحياة الى الموت ثم من الموت الى الحياة الاخرة يتم باذن الله سبحانه وتعالى


إن الحياة نعمة عظيمة محدودة من الله تعالى تمكننا من عبادة الله ومعرفته أما الموت فرواق يوصل الى النعمة العظمى الأبدية حتى نتمكن من عبادة ومعرفة الله تعالى والحياة في قربه وحضنه


كما أن الحياة هي ألم متكرر والموت هو المخلص والمنجى من هذا الالم ! ولكن علينا إغتنام هذه الحياة لأخرتنا وذالك بطاعة ربنا وترك معصيته وأن لانقنط من رحمة الله ولا نيأس عند الصعاب (فالدنيا مزرعة الاخرة) كما ورد في الاثر ، فالحياة هى الموت فى الدنيا والموت هو بداية الحياة فى الاخرة

والحياة والموت عند الشهداء رحمهم الله تعالى في ان حياتهم الدنيوية هي حياة معنى وشهود أما بالنسبة للحياة والموت الجسماني فهذا أمر آخر وسنة طبيعية لأن ( كل نفس ذائقة الموت) وهنا يكون الإختلاف في الذوق كل حسب درجته وكماله فمنهم من يذوقه كالذوق المعهود بطرف اللسان فيرى في ذوقه حلاوة ومنهم من يذوقه بمرارة كالعلقم او ماهو أشد من ذلك ومنهم من يانس به وهو مصداق قول الإمام علي كرم الله وجهه ( والله اني لأنس بالموت كما يأنس الطفل الرضيع في ثدي امه ) وهكذا... لماذا هذا الأنس بالموت والمعروف عنه سبب فراق الأحبة وقطع الهمم وهدم اللذات. إن الشهداء بالموت لأنه يمثل آخر مرحلة من مراحل فناء النفس البشرية الجسمانية وبهذه المفارقة للنفس تبقى الروح طليقة في عالم الوجود والمعنى بعدها لا تؤثر عليها النفس التي وضعت لتعيش في هذه الدنيا المادية فعند الموت يطلق صراح الروح من شباك النفس وإن كانت تلك النفس زكية وقد وصلت الى صلاحها كنفس الشهيد لكنه يريد المزيد من الوصول في عالم المعنى والكمال لأن ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) فالشهداء ماتو قبل هذا الموت الطبيعي الجسماني وقد دخلوا الفناء المعنوي قبل الفناء الجسماني المعهود فيصبح هذا الأخيرلا شيء عندهم الا لمجرد المراسيم الظاهرية للجسم فالحياة الحقيقية تحررت قبل ذلك عندما وقع الفناء المعنوي وبهذا لا يكون أي وقع بالنسبة لهذا الموت المعهود لأنه هي التي تسيّر وتسيطر على الماديات وبهذا التاثير لا يكون للموت المعهود تأثير حقيقي عليهم لأنهم وصلوا الى حقيقة ذلك وهم احياء بأجسادهم وارواحهم تحررت قبل ذلك فيكون هذا الموت المعهود هو حلقة فصل الجسم عنا ( أي ابتعاد اجسامهم عنا) بعدما استحقوا حتى بأجسادهم الصعود والسمو عنا وحتى نعرف انهم ذهبوا عنا وفارقونا وحتى تكون سنة الموت سارية على الجميع لبيان قدرة الله سبحانه التي لا احد يقدر ان يبلغها حتى أنبياء الله ولبيان ضعف الإنسان مهما كان من السمو وبالتالي الهيمنة التامة من قبل الله سبحانه على جميع الخلق هذا من ناحية فقط...

صحيح أن الموت مصيبة بلا جدال كما جاء فى التنزيل لأنه "هادم اللذات وهازم المسرات" ، ورغم أن عصر التنوير وولوج العالم بعده الى عصور الحداثة وانتشار المذاهب المادية وغلبة شعور بالزهو والانتصار على سطوة الكنائس فى القرون الوسطى وجملة المعتقدات التى تقع وراء الحس , الا أن الموت ظل لغزا محيرا لا سبيل الى سبر أغواره حيث لم يفد على الناس قادم من عالم البرزخ متحدثا عن تجربته هناك ولم يتمكن ميت بعد من كتابة مذكرات تحكى كيف فارق الروح الجسد! والغريب أن منطق المعاصرين من غير المؤمنين وحججهم فى نفى وجود حياة بعد الموت لم تخرج كثيرا عن حجج نظرائهم قبل آلاف السنين . " قالوا ان هى الاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر". " ان هى الا أساطير الأولين". قال أبو الحكم عمرو بن هشام للنبى(ص) ساخرا من فكرة البعث والنشور وفى يده عظم بال رمه ( بتشديد الميم) حتى تناثر هباء فى الهواء: " أيبعث ربك هذا بعد أن رم؟" أجابه النبىء " نعم ويدخلك النار!"


الم نعرف فى المدرسة حينما درسنا المغناطيسية ان ذرات الحديد عندما تمر عليها مغناطيس تأخذ شكلاً معيناً ، لقد جاءوا لنا بأنبوبة ذرات الحديد مروا عليها بمغناطيس أمامنا فأخذت الذرات شكلاً معيناً وترتيباً معيناً وخواص معينة بفعل المغنطة ، إن هذا الذى حدث امامنا فى ذرات الحديد يحدث فى قضيب الحديد الذى لم يفتت إلى ذرات ولكننا لا نراة إننا نمر بالمغناطيس فوق قضيب الحديد ، فيصبح ممغنطاً ولكن هل نرى ما يحدث لذراتة من إعادة الترتيب ؟ طبعاً لا . ، ولكن التجربة العلمية اثبتت ان ذلك يحدث رغم اننا لا نراة وإذا قرأنا الاية الكريمة ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت 11

يجب ان نلتفت إلى قول الحق سبحانة وتعالى : ( قالتا ) .. لنعرف ان للارض والسماء لفة تتحدثان بها بل إنهما يسمعان ايضاً ، مصداقاً لقولة جل جلالة ( إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ) الانشقاق 1 – 2 ، ومعنى ذلك اذنت اى : سمعت بأذنها فانقادت لأمر الله تبارك وتعالى بمجرد سماعها فأذنت اى : استمعت لربها واطاعت امرة فيما امرها بة من الانشقاق يوم القيامة .

وهكذا نرى ان كل شئ فى هذا الكون لة حياة تناسب مهمتة وان الاعتقاد بأن الجماد ميت لا حياة فية اعتقاد غير صحيح ، فالله سبحانة وتعالى خلق حياتين حياة الدنيا وهى حياة موقوتة لكل شئ فيها نهاية نصيب كل منا فيها مختلف ، فهناك من يعيش ساعات ومن يعيش يوماً ومن يعيش شهوراً ومن يعيش سنوات ومن يعيش حتى ارزل العمر ، فجعل نهاية الحياة الدنيا الانتقال إلى عالم الموت .. وخلق الحياة الاخرى أبدية ليس فيها موت فعمر الموت ينتهى ببداية الحياة الاخرة ولا يصبح هناك موت .

إن الله سبحانة وتعالى لفتنا إلى ان الحياة الحقيقة للإنسان ليست فى الدنيا ولكنها فى الاخرة لأن الحياة الاخرة ابدية فيها نعيم ، بقدرة الله سبحانة وتعالى لا تفارق النعمة فيها ولا تفارقك .

وخلق الحق تبارك وتعالى عالم الموت قبل المجئ الى الحياة الدنيا وعالم الموت عند الخروج من الحياة وقبل بداية الاخرة ولذلك يقول سبحانة وتعالى: وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) العنكبوت 64 ، والانتقال من الموت الى الحياة ومن الحياة الى الموت ثم من الموت الى الحياة الاخرة يتم بإذن الله سبحانة /الشيخ الشعرواى - يوم القيامة )
ويرى آخرون أن الموت مخلوق موجود، وهو الذي يعبِّرون عنه بأنّ الموت صفة وُجودية ، وذلك لقول الله جل وعلا ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2] فجعل الموت مخلوقا وتسلَّط عليه الخلق، وهذا يدل على أنه موجود، ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ﴾ وخَلْقه يدل على أنه صفة وُجودية ، وكذلك ما جاء في السنة من أحاديث كثيرة فيها أن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش فيذبح على قنطرة بين الجنة والنار، فهذا يدلّ على أنّ الموت موجود وله صفة الوُجود ، وهذا له أدلة أيضا كثيرة تدل على ما ذكرنا من أنّ الموت ليس عدما للحياة، وإنما هو وجودٌ لصفةٍ ليست هي الحياة، فالحياة وصف صفة، وهو وجود لصفة أخرى، وهذه الصفة الأخرى هي الموت
فالحياة؛ حياة الإنسان متعلقة بروحه ومتعلقة بجسده، وحياة الجسد بحلول الروح فيه، فإذا فارقت الروح الجسد صار الجسد عديم الحياة، لذلك تندثر أجزاؤه في التراب ويذهب، وأما الروح وهي داخلة في جملة تسمية الإنسان إنسانا، أما الروح فهي مخلوقة للبقاء لا للعدم ، لهذا إذا قيل ماتَ يعني صار جسمه لنوع من العدم أو صار جسمه للفناء، وأما روحه فهي للبقاء، لكن لها حياة تخصُّها.

فالحياة؛ حياة الإنسان متعلقة بروحه ومتعلقة بجسده، وحياة الجسد بحلول الروح فيه، فإذا فارقت الروح الجسد صار الجسد عديم الحياة، لذلك تندثر أجزاؤه في التراب ويذهب، وأما الروح وهي داخلة في جملة تسمية الإنسان إنسانا، أما الروح فهي مخلوقة للبقاء لا للعدم ، لهذا إذا قيل ماتَ يعني صار جسمه لنوع من العدم أو صار جسمه للفناء، وأما روحه فهي للبقاء، لكن لها حياة تخصُّها ، والجسد عند أهل السنة في القبر له تعلق بالروح؛ فإن الحياة البرزخية للروح والجسد تبعٌ لها؛ تبع للروح، ليست الحياة للروح فقط؛ بل هي للروح والجسد تابع، عكس الحياة الدنيا؛ فإن الحياة فيك الآن للجسد والروح تبعٌ، فيألم الجسد فتألم الروح، وهكذا يسعد الجسد فتسعد الروح إلى غير ذلك من التفصيل.

وأما بعد الحياة البرزخية يعني بعد الموت، فإن الموت حالة، صفة وُجدت أدَّت إلى انفصال الروح على البدن، فصارت الروح بالموت لها حياة تخصُّها، وصار البدن بالموت له صفة تخصه، وبين هذا وهذا تعلق ، يدلُّكَ هذا على صحة علماء الإسلام لما دلتهم الأحاديث وظاهر القرآن من أن الموت صفة توجد وليس عدما محضا، بل هو موجود له خصائصه، والموت بالآية مخلوق ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾، وقولهم إن الموت والحياة هنا تَسَلَّط عليها فعل ﴿خَلَقَ﴾ فيكون بمعنى التقدير، نقول هذا غير مستقيم لأنه علل ذلك بعده بقوله ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وحُسن العمل إنما يكون بعد الوجود، ولهذا قدّم الموت على الحياة؛ لأنّ الموت يكون بعده الجزاء على حُسن العمل، ولما جاء في السنة من الأدلة.

لكن بعض المشككين بالموت والحياة الآخرة فإنهم يظلون يعيشون في متاهات لها أول وليس لها آخر فعلى سبيل المثال كان رئيس فرنسا القوى وزعيم الحزب الاشتراكى فرانسو ميتران من المتشككين فى الحياة بعد الموت. وكان قد سخر مرة من عبارة مثبتة على العملة الورقية للولايات المتحدة (الدولار). تقول "اننا نثق فى الله" وتحتمل معنى " اننا نؤمن بالله" قال : ترى عن أى اله يتحدثون!" وربما كانت العبارة نقدا مبطنا للسياسة الأمريكية أكثر منها سخرية من فكرة الله والايمان. قال الرجل فى أخريات أيامه انه قلق ومشغول بالتفكير فى عالم ما بعد الموت!! ويقينى أن ذلك حال كل الناس مهما ادعو غير ذلك. أليس جميلا أن تتصور عالما آخر ورديا أخضرا لا نصب فيه ولا تعب نلج اليه بعد الموت تسبح فى فضاءاته الرحيبة التى لا تحدها حدود أرواحنا, خلية البال وقد انعتقت تماما من سجن الجسد المادى الذى كان يقعد بها كلما رامت انطلاقا وتحررا؟ وفى غائظة الحر الملازمة لهذا البلد جل شهور العام ألا تسعد السعادة كلها حين تمتلىء رئتاك فجأة بنسيم عليل يقطع رتابة الحر المستحكم. ألا يخامرك شعور خفى بأنك تنتم الى العالم الذى تسلل اليك منه ذاك النسيم؟ الا تجول بعينيك فى الفضاء كأنك تبحث من أين جاء؟ هذه أشواق الروح الى الخلود فى العالم السرمد.لا تقل لى ان النسيم والهواء يوجدان فى الغلاف الجوى المحيط بالكرة الأرضية لا خارجها وأن النسيم نتاج تيارات باردة ترد من المحيطات. النكته يا صاح أنه يذكرنا ببرد العيش الهنىء فى عالم فسيح آخر تنتم اليه أرواحنا.

وعند اللادينيين أو الملحدين فيرون تعتبر النفس هنا مؤلفة من ذرات شأنها شأن الجسد وعند الموت يفسد الجسد وينحل وتتبعثر الذرات التي تؤلف النفس ضمن الدورة الشاملة الكبرى للطبيعة.. ولا يعتبر الموت مشكلة تتطلب حلا فالنفس في هذه الفلسفة ليست سوى قوة طبيعية ملازمة للمادة تتبدد عند الموت..

لكن في الإسلام نلاحظ اهتماماً كبيراً بقضية الموت من خلال كثرة ورود هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم حيث وردت 165 مرة، وفي خلال تذكير الآيات بالناس وبالموت والاستعداد له ونصحهم بالإفلات من مغريات الحياة الدينا ما دامت ستنتهي بالموت ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) والاستقامة هي الطريق لربح الحياة الأخرى خاصة وإن الحياة الدنيا لابد أن تنتهي بالموت ( كل نفس ذائقة الموت) والله يحيي الأموات ليبدءوا حياة جديدة ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) وكل ذلك بأمر الله ( وأنه أمات وأحيا) وسيكون فناء الدنيا شاملاً يوم القيامة ولن يخلد إلا الله وحده ( كل ما عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) والموت نهاية حتمية لكل حي ولا أحد من الكائنات يخلد ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) ويدرك الموت الإنسان أينما كان وأينما حل( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) وإن هربتم منه فذاك أمر عبث ( فإنه ملاقيكم) لأن ( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) أي يختبركم بما يجب فيه الصبر في البلايا وبما يجب فيه الشكر من النعم وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر والموت في يد الله بكتاب مؤجل ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) أي أن كل نفس تموت، ولكن حسب مقتضيات كتاب مؤجل..
ويقع الموت على أنواع من الحياة فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات ( يحيي الأرض بعد موتها) ومنها زوال القوة الحسية ( يا ليتني متّ قبل هذا) ومنها زوال الــــقوة العاقلة وهي الجهالة ( أومن كان ميتاً فأحييناه) ومــنها الــحزن والخوف المكدّر للــحياة ( ويأتيـــه المـــوت من كــــل مكان وما هو بميت) ومنها المنام ( والتي لم تمت في منامها)
وقد قيل في المنام الموت الخفيف والموت النوم الثقيل.. وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية وغير ذلك ومنه الحديث:«أول من مات إبليس لأنه أول من عصى» وفي حديث موسى (ع) قيل له إن هامان قد مات فلقيه، فسأل ربه فقال له: أما تعلم أن من افقرته فقد أمته؟
وفي الأحاديث المأثورة نقرأ للإمام علي كرم الله وجهه بعضاً منها عن الموت وأنواعه وكيفية التعامل معه.. يقول عليه السلام:«الساعات تخترم الأعمار، وتدنّي من البوار»، و«في كل نفس فوتٌ»و«نفس المرء خطاه إلى أجله»و«إنما أنت عدد أيام فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك فخفض في الطلب واجمل في المكتسب»ومن وصية له لابنه الحسن رضي الله عنهما:«إنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا وللموت لا للحياة.. وإنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلى الآخرة وإنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه ولا بد أنه مدركه فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك»وعنه أيضاً :«ما ينجو من الموت من خافه ولا يعطى البقاء من أحبه» وعنه أيضاً :«إن أوقاتك أجزاء عمرك فلا تنفذ لك وقتاً إلا في طاعة تزلفك» ، وقيل له: صف لنا الموت.. فقال: على الخبير سقطتم هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إما بشارة بنعيم الأبد، وإما بشارة بعذاب الأبد، وإما تحزين وتهويل، وأمر مبهم لا يدري من أي الفِرَق هو..، ويقول أيضاً :«تحفة المؤمن الموت» وإنما قال هذا لأن الدنيا سجن المؤمن لا يزال فيها في عناء في رياضة نفسه ومقاساة شهواته ومدافعة الشيطان فالموت إطلاق له من العذاب والإطلاق تحفة في حقه لما يصل إليه من النعيم الدائم.
وبعد فالموت خلق من خلق الله وما من خلق إلا وفي إيجاده حكمة بالغة، ومصلحة معروفة أو غير معروفة، وفي خلق الموت حكمة بالغة ومصلحة عامة وخاصة ، والموت باب وكل الناس داخلوه والأجل مفتاح ذلك الباب ومفتاح الأجل بيده سبحانه وحده لا أحد له القدرة على استعماله إلا بإذن الله..
والموت حق من حقوق الله تعالى وسنّة إلهية ثابتة مرتبطة بحركة السنن التاريخية، فأي خلل في ميزان سنة الموت يؤدي إلى خلل كبير في حركة نظام سنة الحياة المختلفة حتى تضيق الحياة بنفسها..
والموت هو الفيصل الذي يفصل بين مراحل الحياة المختلفة، وهو الفرقان العادل بين الحق والباطل، وهو النهاية التي تنتهي بها مرحلة التكليف وتبتدئ بها مرحلة جديدة من مراحل الحياة الآخرة وإنه أول نعم الآخـــرة وعذابها وخير الزاد مع الموت التقوى والعمل الصالح وأداء حقوق الله تعالى والناس..

إن الشهادة منزلة يستحقها من صبر على نصرة دين الله تعالى صبرا قاده إلى سفك دمه وخروج نفسه دون الوهن منه في طاعته تعالى، وهي التي يكون صاحبها يوم القيامة من شهداء الله وأمنائه وممن ارتفع قدره عند الله وعظم محله حتى صار صديقا عند الله مقبول القول لاحقا بشهادته الحجج من شهداء الله حاضرا مقام الشاهدين على أممهم من أنبياء الله صلوات الله عليهم قال الله عز وجل: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. وقال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ}. فالرغبة إلى الله تعالى في الشهادة إنما هي رغبة إليه في التوفيق للصبر المؤدي إلى ما ذكرناه، وليست رغبة في فعل الكافرين من القتل بالمؤمنين لأن ذلك فسق وضلال، والله تعالى يجل عن ترغيب عباده في أفعال الكافرين من القتل وأعمال الظالمين. وإنما يطلق لفظ الرغبة في الشهادة على المتعارف من إطلاق لفظ الرغبة في الثواب، وهو فعل الله تعالى فيمن وجب له بأعماله الصالحات، وقد يرغب أيضا الإنسان إلى الله تعالى في التوفيق لفعل بعض مقدوراته، فتعلق الرغبة بذكر نفس فعله دون التوفيق كما يقول الحاج: (اللهم ارزقني العود إلى بيتك الحرام) والعود فعله وإنما يسأل التوفيق لذلك والمعونة عليه، ويقول: (اللهم ارزقني الجهاد وأرزقني صوم شهر رمضان) وإنما مراده من ذلك المعونة على الجهاد والصيام، وهذا مذهب أهل العدل كافة وإنما خالف فيه أهل القدر والإجبار.

إن سر الضعف والهوان الذي أصاب الأمة اليوم قد لخصه الحبيب المصطفى عليه السلام في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: من قلة نحن يومئذٍ ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"، هذا هو المرض العضال الذي يعيشه المسلمون اليوم، أما حب الدنيا ومغرياتها فيجعل المرء عبداً لشهواته، وأما كراهية الموت، أو القتال في سبيل الله فإنه يورث صاحبه الذل والمهانة والصغار في الدنيا والآخرة، لذا فقد عالج القرآن الكريم خوف الإنسان على الرزق مؤكداً على أن الأرزاق بيد الله بل أقسم سبحانه على ذلك فقال:" وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ" الذاريات 22. وأما خوفه من الموت فقد بين القرآن بـأن الآجـال بيـد الله سبحـانه فقال:" وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ" الأعراف 34، وقوله تعالى:" قل لـو كنتـم فـي بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم" آل عمران 145، فلا دخول المعركة يقرب الأجل، ولا الفرار منها يبعده، فهذا خالد بن الوليد رضي الله وهو الفارس المغوار سيف الله المسلول لم يُقدِّر الله له أن يموت وهو في قلب المعركة ولكنه مات على فراشه وهو يقول:"والله لا يوجد شبر من جسدي إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وها أنا أموت كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء". وهذا هو المعنى الذي جعل علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه يقول:


أيَّ يـومـيَّ مـن المـوت أَفـر يـومٌ لا يقـدر أو يـوم قــُدِر

يــومٌ لا يـقـدر لا أحــذرُه ومـن المقـدور لا ينجو الحـذِر

لذا فقد أكد الإسلام أن الموت هو انتقال من مرحلة إلى مرحلة ومن دار إلى دار ومن حياة إلى حياة "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" الملك 2، والله هو الكريم الجواد فلا يسلب نعمة أنعمها على عباده إلا ويهب نعمة أكبر منها وصدق الله حيث قال:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ" فصلت 30-32.

فإن كان هذا مصير حال المؤمنين وقت الاحتضار فما بالك بالشهداء الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى فقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله؟ فهم بلا شك أكرم الخلق وأحبهم إلى الله كيف لا وقد أعد الله لهم حياة أرفع وأفضل ما أعد لعباده والصالحين.

يروى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى الصلاة والنبي يصلي بنا، فلما انتهى إلى الصف قال: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين! فلما قضى النبي r الصلاة قال: من المتكلم آنفاً؟ قال الرجل: أنا قال : إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله" رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.



قالالرسول صلى الله عليه وسلم :"القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذلك الشهيد الممتحن (الذي شرح الله صدره للإسلام) في جنة الله، تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة، ورجل فَرِقَ على نفسه (خاف على نفسه من ذنوبه) من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك مَصْمَصَة (ممحصة أي: إن القتل في سبيل الله يطهر صاحبه من الذنوب) محت ذنوبه وخطاياه إن السيف محَّاءٌ للخطايا، وأُدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، وبعضها أفضل من بعض، ولجهنم سبعة أبواب. ورجل منافق جاهد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدو وقاتل في سبيل الله حتى يقتل، فذلك في النار لأن السيف لا يمحو النفاق". رواه أحمد والحديث حسن.



وقد قال الله تعالى:" إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". التوبة 111.


يقول الشهيد سيد قطب معقباً على هذه الآية في ظلاله 3/1716: "حقيقة هذه البيعة أن الله سبحانه قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم فلم يعد لهم منها شيء.. لم يعد لهم خيار أن يبذلوا أو يمسكوا.. كلا.. إنها صفقة مشتراة لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء، وفق ما يفرض ووفق ما يحدد، وليس للبائع فيها شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم.. والثمن هو الجنة.. والطريق هو الجهاد والقتل والقتال.. والنهاية: هي النصر أو الاستشهاد.. وإنها لبيعة رهيبة بلا شك ولكنها في عنق كل مؤمن قادر عليها لا تسقط عنه إلا بسقوط إيمانه ومن هنا تلك الرهبة التي استشعرها اللحظة وأنها أخط هذه الكلمات.. عونك اللهم فإن العقد رهيب".



روى البخاري ومسلم عن أن بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله قال:" ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة، وفي رواية لما يرى من فضل الشهادة".




أيضاً قال رسول الله عليه السلام :"لما أصيب إخوانكم جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب، معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا من يبلـغ إخواننـا عنـا أنا أحيـاءٌ فـي الجنـة نـرزق لئـلا يـزهـدوا في الجهاد، ولا ينكلُوا عن الحرب فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، وأنزل قوله سبحانه:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ". آل عمران 169. والحديث صحيح رواه أبو داود في الجهاد.


وروى مسلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:" أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل!".


ويقول ابن النحاس في كتابه مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ص 270 مبيناً الحكمة في جعل أرواح الشهداء في أجساد الطيور ذات اللون الأخضر والقناديل المعلقة في ظل العرش:" لأن ألطف الألوان اللون الأخضر، وألطف الجمادات الشفافة الزجاج، ولهذا جعل أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، واختار ألطف الألوان وهو الأخضر، ويأوي ذلك الطير الأخضر إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنَّورة المفرحِة في ظل العرش لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم".


وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي قد مُثلَ به، فوضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قوم، فقال النبي : ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها" متفق عليه.



ويقول الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم :"يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته". الحديث صحيح رواه أبو داود في الجهاد.


والشهيد الذي قتله نصيري علوي أو تابعه فإن شاء الله يشفع في مائة وأربعين من أهله لأن هؤلاء النصيريون أشد من أي عدو للدين والحق والكرامة الإنسانية ، فقد تجاوزوا بكفرهم وتعديهم على الله ورسله وملائكته كل حد ، ولا يوجد فيهم أي شعور إنساني ، فقد تحولوا إلى وحوش مجرمه تصدر العنف والإرهاب والإجرام والكفر والفساد والإلحاد في كل أرجاء المعمورة ، فادعوا بألوهية الإمام علي كرم الله وجهه ، ولا ننسى أنه في عهد الإمام علي كرم الله وجه ادعت فئة أنه ربهم ، فما كان من الإمام علي إلا أن قتلهم جميعا معتبراً أن قتالهم وقتلهم هو أشد الجهاد في سبيل الله ، كما ادعى المجرم الكافر أبو الخطاب الذي كان تلميذا للإمام جعفر الصادق رضي الله عنه ، اعتبر أن الإمام الصادق هو إله ، وقد تبعه بعض المجرمين الكفرة ، فما كان من الإمام الصادق رضي الله عنه إلا أن قال "لإن مكنني الله من رقابهم لأتقرب إلى الله بدمائهم" ، مما حذا بأبو الخطاب/ واسمه المفضل بن عمر الجعفي مؤسس كتاب الهفت والأظلة أو الهفت الشريف وهو كتاب إرهابي يؤمن به النصيريون ويقولون على الله ماليس حق ويكذبون به على آل البيت / حذا به إلى الإدعاء بأنه الإله ، قائلاً "أنا أبو الخطاب أنا رب الأرباب " ، ويعدي هذا الكتاب الإرهابي أن كل من ليس نصيرياً فهو مسخ من المسوخ الحيوانية ، وأن أرواحهم تنتقل للحيوانت وإن كانوا على شكل بشر ، وأما النصيرية الذين عرفوا إلههم فأرواحهم ملائكية وتسمو إلى العلياء ، ويعتبرون أن روح الإمام علي انتقلت إلى سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية في ظل الاحتلال الفرنسي حتى أعدمه الرئيس شكري القوتلي في ساحة المرجة في دمشق ، لكن ادعى ابنه من بعده الربوبية ومن ثم أخوه وهكذا ، كمنا أن الإلوهية عند بعض النصيرية تتمثل في حافظ الأسد ومن ثم ابنه بشار الذي يقول أتباعه من الأسديين الطائفيين "لا إله إلا بشار" ، "الأسد أو لا أحد" ، وهدموا المساجد وقتلوا الأطفال ومثلوا بجثث الأحرار ، وتعاونوا مع دولة الإلحاد روسيا الملحدة ضد السوريين ، وهدموا الكنائس ، ومزقوا القرآن والإنجيل ، وهدموا البيوت على رؤوس أصحابها بالبرامل المتفجرة تي ان تي ، واستعملوا الدبابات والمدافع والصواريخ والقناصات والطائرات المتطورة والقنابل المحرمة دوليا لقتل روح الحق والعدل والحرية الكرامة ، واستهزؤوا بصلوات المسلمين ومعتقداتهم ، وأتوا بالكثير من أصحاب السوابق والمجرمين وخريجوا دور الرعاية وأولاد المتعة من إيران ولبنان والعراق لقتل الأحرار والتمثيل بجثثهم ، ونشروا الدعارة والشذوذ الجنسي واغتصبوا النساء والرجال على حد سواء ، واستعملوا كل حقدهم ضد أهل الحق والحرية والكرامة في سوريا ، أفليس قتال هؤلاء جداداً في سبيل الله ، أليسوا أكفر من أي ملة وجدت على وجه الأرض ، أليس التخلص من هؤلاء واجباً دينياً وأخلاقياً ، لكن أحزاب الخيانة والضلال والنفاق من حزب الله وحركة أمل وجيش المهدي والحرس الثوري الإيراني ليسوا سوى دعاة كفر وضلال ولا يمتون لآل البيت بأي صلة ، لأن أئمة آل البيت عليهم السلام لو كانوا حاضرين لوقفوا مع ثورة الشعب السوري وأولهم الإمام علي وولديه رضي الله عنهم أجمعين ، ثم نقول ألم يثور الإمام الحسين رضي الله عنه ضد الظلم ، ضد إهدار الكرامة ، ضد النفاق ، ألم يضحي بنفسة وأولاده من أجل كلمة الحق ، فلماذا يأتينا الآن من يدعون أنهم مولين له ليساعدوا الكفرة المجرمين النصيريين الذين دمروا كل شيئ ولم يتركوا كفراً أو ضلالاً أو نفاقاً ، أو إجراماً أو حقداً إلا فعلوه بالمسلمين ، أليس الواقف مع الشيطان شيطان مثله ، ولكن نعدكم أيها المنافقون أن من كذبتم عليهم من أخواننا المسلمين الشيعة سيثورون ضدكم وضد كفركم وتحريفكم لكلام آل البيت والرسول الكريم عليهم السلام ، وستلقون حتفكم على أيدي المؤمنين منهم إنشاء الله، فهنيئاً للمجاهدين في سوريا القابضين على الزناد، هنيئاً للمجاهدين من أجل الذب عن كرامة الإسلام والمسلمين ضد هؤلاء الكفرة المجرمين، هنيئاً لكل أم قدَّمت فلذة كبدها في سبيل الله ليكون شفيعاً لها يوم القيامة".



وحول الشهادة وعظمة الشهداء يقول الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران/169) ، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة)). متفق عليه .، كما أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، وللشهيد عند الله ست خصال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشهيد عند الله سِتُّ خصال: يَغفر له في أول دُفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر،، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلّى حلة الإيمان، ويُزوج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنساناً من أقاربه)). أخرجه الترمذي وابن ماجه .


ومن جُرح جرحاً في سبيل الله جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك، عليه طابع الشهداء، والشهادة في سبيل الله تعالى تكفر الذنوب كلها إلا الدَّين ، من خشي الأسر من المسلمين ولا طاقة له بعدوه فله أن يسلم نفسه، وله أن يقاتل حتى يُقتل أو يغلب ، وهذا لا يعتبر انتحاراً ، ومن ألقى نفسه في أرض العدو، أو اقتحم في جيوش الكفار المعتدين بقصد التنكيل بالأعداء، وزرع الرعب في قلوبهم خاصة مع النصيرية العلويين المعتدين، ثم قُتل، فقد نال أجر الشهداء الصابرين، والمجاهدين الصادقين، وهو أقل خسارة، وأكثر نكاية بالأعداء.


وعليه فقد كّرم الله الشهيد بأن أعطاه الجنة وأعفاه من فتنة القبر ولكنه أيضاً كّرم جسده، فلجسد الشهيد أحكام خاصة قد جعلها الله سبحانه وتعالى خاصة به دون سائر أموات المسلمين، فمن أحكام الشهيد:
* لا يغسل ولا يكفن بل يدفن بدمائه وثيابه، وهذا الحكم هو فيما لو كان في معركة الحق ضد الباطل ولم يدركه أحد الموجودين في المعركة حياً، أما لو أدركه أحد حياً فإنه يجب أن يغسل ويكفن؛ يقول الإمام الخامنئي القائد دام ظله: لو كانت تلك المحاور وتلك المنطقة معركة الحرب بين الفرقة المحقة وبين الفئة الباطلة الباغية كان لمن استشهد من الفرقة المحقة فيها حكم الشهيد

كما أن الشهيد في سبيل الله يأكل ويشرب ويسمع، وهل هو حي يُرزق إلى يوم القيامة كما قال الحق تبارك وتعالى: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) [آل عمران:169]؟
فهم أحياء عند ربهم، يعني الأرواح، الأبدان في التراب أما أروحهم فتنقل إلى الجنة، ويأكلون فيها ويشربون في الجنة

وعليه فقد كانت مشاركة الشباب السوري الفاعلة في صفوف الجهاد ضد كفر النظام الأسدي الإرهابي سبباً لأن يختار الله من بينهم شهداء في سبيله، وهو اصطفاء واختيار منه تبارك وتعالى كما قال في كتابه ((إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء)) (آل عمران: 140) فهي نعمة واصطفاء منه سبحانه وتعالى، والله تبارك وتعالى لا يمنح هذا الفضل إلا من يستحقه.

فاللشهداء عند الله منزلة عظيمة، فهم أحياء والناس يحسبونهم أمواتاً ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين)) (آل عمران: 169-171)، إنهم يتساءلون عمن وراءهم من إخوانهم، بل إنهم يسألون الله الرجعة إلى دار الدنيا، لا شوقاً إلى حطامها ومتاعها الفاني، بل ليقتلوا في سبيل الله مرة أخرى. ولذا يروي لنا أحد الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً عظيماً في فضل الشهادة في سبيل الله فعن المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه»(رواه الترمذي وأحمد). ويبشر صلى الله عليه وسلم أحدهم بالشهادة ألا وهو طلحة بن عبيدالله فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيدالله»(رواه الترمذي وابن ماجة). عن أنس -رضي الله عنه- قال أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تك الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال:«ويحك أوهبلت؟ أوجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس»(رواه البخاري). وكأن عمير بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كان يعلم يوم بدر أنه على موعد مع الشهادة في سبيل الله فيصر على المشاركة، ولنستمع لقصته كما يحكيها أخوه سعد -رضي الله عنه- فيقول:«رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك ياأخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنـة». وممن استشهد في بدر معوذ بن الحارث -رضي الله عنه-. فهل حدثت نفسك أخي الكريم أن ترحل مع هؤلاء كما رحلوا، وأن تفوز بالشهادة في سبيل الله عز وجل؟ إن هناك الكثير ممن يطير به الشوق نحو إدراك فضل الشهادة ومراتب الشهداء، لكن الفرص قد لا تتهيأ له، لذا فقد قال صلى الله عليه وسلم:«من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»(رواه مسلم). هذا الحديث رواه سهل بن حنيف -رضي الله عنه-، ويروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد الشباب ألا وهو معاذ بن جبل إذ يروي عنه صلى الله عليه وسلم :«من سأل الله القتل في سبيل الله صادقاً من قلبه، أعطاه الله أجر شهيد، وإن مات على فراشه»(رواه الترمذي). إن مجرد الأمنية أمر سهل، لكن الأمنية الصادقة التي يعلم تبارك وتعالى نية صاحبها هي التي توصل لهذه المنزلة، وهي تفرض على صاحبها أن يعد نفسه ويهيئها، فهذه المنازل لا مكان فيها للجبناء الضعفاء.


لكن كل من قتل بأرض المعركة شهيد فالشهيد الذي ورد فيه النص من يقتل في سبيل الله، فهذا الذي تثبت له أحكام الشهيد الدنيوية والأخروية إذا صلحت نيته ، فمن أحكام الشهيد الدنيوية: أنه يدفن في ثيابه ودمه، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، وقال البعض: إن المطعون والمبطون، والغريق، والحريق، وصاحب الهدم، وذات الجَنْب، والسُّل، واللَّقْوَة وهي داء يصيب الوجه، والصابر على الطاعون، والمتردي من شاهق، أو من دابة، والميت في سبيل الله، والمرابط، وطالب الشهادة بصدق نية، والنفساء، واللَّدِيغ، وفريس السبع، وطالب العلم -معلماً كان أو متعلماً- وموت الغريب، كل هؤلاء لهم حكم الشهيد في الآخرة، وأما في الدنيا فيتعين تغسيلهم، وتكفينهم، والصلاة عليهم.

كما شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بأهمية الجهاد و قدره عندما يقسم بالله تعالى , خالق الحياة عامة و حياة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم خاصة , على رغبته الأكيدة بعدم تخلفه و جلوسه في بيته عن الخروج مع أي سرية تخرج لإعلاء كلمة الله تعالى , الا أن الذي يمنعه من تحقيق رغبته هو خشية الحاق المشقةالمادية و المعنوية بأصحابه رضي الله عنهم و أرضاهم , ذلك لأنه صى الله عليه وسلم لا يمتلك مستلزمات الجهاد من معدات نقل و أسلحة للجميع , و منهم من لا يملكونها أيضا فيشق عليهم التخلف عنه صلى الله عليه و سلم ، ويؤكد رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث عاى علو منزلة الجهاد و الشهادة عندما يقسم بالله تعالى الذي بيده نفسه الشريفة صلى الله عليه و سلم حينما يتمنى تكرار الشهادة في سبيل الله تعالى ثلاث مرات فلا تكون هادة واحدة , بل شهادة بعد شهادة في معارك جهادية متكررة .
و يعد الجهاد في سبيل الله تعالى في الاسلام تجارة رابحة لا خسارة فيها بين العبد و ربه يقدم العبد فيها روحه لينال ثوابا عظيما و غفرانا للذنب و الفوز بالجنة و ما فيها من نعيم مقيم و حوز النصر على الكفار و فتح قريب المنال , قال الله تعالى :{ يأيها الذين آمنوا هل أدلكم عى تجارة تنجيكم من عذاب أليم ۝ تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون ۝ يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار و مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ۝ و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين ۝ } .....: سورة الصف , الآيات (10_ 13 ):..- فالجهاد المقبول عند الله تعالى ما كان خالصا لوجهه الكريم و تنفيذا لأمره و إعلاء كلمته و حفظ دينه و حفظ بلاد المسلمين من الأعداء .
- ضمن الله تعالى للمجاهد في سبيله نصرا فيالدنيا و ثوابا في الآخرة , جنات النعيم ، كما أن الغنيمة التي يحصل عليها المجاهد لا تنقص من أجره شيئا .

كما أن لحظات الشهيد في سبيل الله .. مكافئه الشهيد .. مقام الشهيد عند الله سبحانه وتعالى.. مكانة الشهيد في الإسلام

وعليه عجيب أمر الشهادة ، يتمناها سيد ولد آدم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لا يتمناها مرّة ، بل مرة ومرة ومرة ""… والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل اللَّه فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل" (رَوَاهُ مُسلِمٌ) .. عِظم أمر الشهادة عند الله عجيب !! وما أعد الله للشهداء أعجب من العجيب !!فمن هو هذا الشهيد !! ولماذا نال هذه المنزلة !!



من هو هذا الشهيد !! هو ذلك المؤمن الذي يقاتل تحت راية التوحيد ظاهرة لإعلاء كلمة الله فيقتله أعداء الله ، أو يموت في خضم الرحلة الجهادية ميتة طبيعية
فالشهيد هو من خير الناس منزلاً .. يجري عليه عمله حتى يُبعث .. دمه مسك .. يحلّى من حلية الإيمان .. هو من أُمناء الله في خلقه .. روحه في جوف طير أخضر يرِد أنهار الجنة ويأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش .. يأمن من الصعقة .. يأمن من الفزع الأكبر .. يُشفّع في سبعين من أقاربه .. يزوج باثنتين وسبعين من الحور العين .. يلبس تاج الوقار ، الياقوته فيه خير من الدنيا وما فيها .. هو من أول من يدخل الجنة .. يكلمه الله كفاحاً دون حجاب .. يسكن الفردوس الأعلى في خيمة الله تحت العرش لا يفْضله النبيّون إلا بدرجة النبوة ، هذا بعض شرفه بعد موته ، أما وهو يجاهد ، ففضل الجهاد لا يجهله أحد من أهل الإيمان ، ويكفيه أنه ذُروة سنام الإسلام وعمل الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام.، ووقفتنا هنا مع اللحظات الأولى للشهيد ، والأخيرة للمجاهد .. تلك اللحظات التي يحجم عنها الرجال ، ويخاف من هولها الأبطال .. تلك اللحظات التي يفارق فيها الإنسان حياته وكل ما رتبه لنفسه من أحلام وأوهام لتنقطع فجأة ويصبح في عالم آخر لم يشاهده ولم يعرفه إلا خبراً لا عيان.

هي لحظات تحكي بداية وُلوجه باب البرزخية .. بداية مفارقته الدنيوية إلى الأُخروية .. نهاية كونه مسلماً حياً إلى بداية حياة الشهادة الأبدية ..

لحظات عجيبة في قاموس الإنسان ..

لحظات لا يُدركها أي إنسان ..

إنها لحظات لا يمتطي صهوتها إلا أهل الإيمان ..

لحظات يعجز عن وصفها البيان ..

لحظات إقبال وإحجام ممتزجان ..

لحظات يقف فيها عقل المؤمن حيران : أيبارك أم يحزن ، أيهنّئ أم يعزي ، أيبكي أم يفرح ..

أحزان أم أفراح وأحضان !!

فما حال تلك اللحظات !!



يُقبل المؤمن إقبالة الليوث على الهوام ، ويكون في مقدمة الرجال في ساعات الإحجام ، وإذا اصطفاه ربه فإن "أَفْضلُ الشُّهَدَاء الَّذِينَ إِنْ يَلْقَوْا في الصَّفِ لا يَلْفِتُونَ وجوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ في الْغُرَفِ العُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا، فَلا حِسَابَ عَلَيْه" (أحمد)



يضحك إليه رب العزة ..



ما أكرمه من موقف وأهيبه .. وماذا بعد يا شهيد !!



وقد أخبر أحد القادة من قادة الجهاد البوسني ، قال: كنا مجموعة من الإخوة في الغابة ، فإذا بأحد الإخوة يصرخ فينا : "الجنة ، انظروا الجنة ، وأشار بيده أمامه فما هي إلا لحظات حتى أتته رصاصة قناص استقرت في رأسه فخر شهيداً رحمه الله " .. "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله خِصَالاً: … ويُرَى مَقْعَده مِنَ الجَنَّةِ …" (أحمد وصححه الترمذي).



يضحك له ربه ، ويُرى مكانه في الجنة وهو على الأرض ..

ما أعظمها من منّة .. ثم ماذا يا شهيد !!



يحجم الأبطال عن ساح النزال لما توهموه من الآلام والأوجاع إذا استقرت في أجسادهم النصال .. ولكن المؤمن يُقدم لعلمه بحقيقة الحال "ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنَ القَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ" (أحمد والترمذي والنسائي وسنده حسن).



يضحك له ربه ، ويُرى مكانه في الجنة ، ولا يتأوّه عند الموت ..

ما أكرمه على الله !!



ثم ماذا يا شهيد !!





يخاف المؤمن الذنوب ، ويريد قبل الموت أن يتوب ، فقال نبي علّام الغيوب "… وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ فَرِقَ على نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا، جاهد بِنفسِهِ وَمَالِهِ في سَبيِلِ اللهِ حَـتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ، قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ، فَتِلْكَ مُمَصْمِصَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الخَطَايَا .." (المسند وصحيح ابن حبان) ..



أتخاف من الذنوب "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله خِصَالاً أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ …" (أحمد وصححه الترمذي)

يضحك له ربه ، ويُرى مكانه في الجنة ، ولا يتأوّه في لحظة الموت ، وتُمحى ذنوبه ..

ما أعظم الشهادة في سبيل الله ..



أرضيت يا شهيد !!



يُفتن الناس في القبور ، وصاحبنا في القبر مسرور ، فعند النسائي وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ، قال "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة".



يضحك له ربه .. يرى مكانه في الجنة قبل موته .. لا يجد من ألم الموت شيء .. تمحى خطاياه من أول دفعة من دمه .. يأمن من فتنة القبر !!



كل هذا في لحظات قليلة يخاف منها جميع بني الإنسان ..



إنها لحظات إمتحان ..



لحظات قصيرة يجتازها المؤمن الولهان ، يسيل فيها دمه فيرى مغنمه "لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى يَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ، كَأَنَّهُمَا طَيْرَانِ أَضَلَّتَا فَصيلَيْهِمَا بِبَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ بِيدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا" (أحمد)



ألا تكفيك الحوريتان يا شهيد !!

أتطمع من الشرف المزيد !!



لك والله يا شهيد ما تريد:



عن جابرا ابن عبدالله يقول: جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مُثّل به، ووضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه، فنهاني قومي، فسمع صوت صائحة ، فقيل: ابنة عمرو، أو أخت عمرو، فقال: (لم تبكي - أو: لا تبكي - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها). (البخاري)



ما أعظم الشهيد : يُحتفى به في الآخرة حفاوة عظيمة ، ولا يخرج من الدنيا إلا بمواكب كريمة ..

الناس تبكي والشهيد يضحك ..

الناس في فزع والشهيد في الجنة يرتع ..

وفده كريم ، وأمره عظيم ..

دخوله الدنيا كما الناس ، وخروجه تحتبس له الأنفاس ..

آآهٍ لك يا شهادة ..

من فاز بكِ فاز بالزيادة ..

ومن أحجم فهو في نقصان ، نعوذ بالله من الخُسران ..



يموت الناس والشهيد لا يموت ..



يبكي الناس ، والشهيد يبتسمٌ في وجه الردى يضم الموت بصدر فيه لوعة الإيمان تحترق شوقاً للقاء ذوات الدلّ من الحور الحسان اللاتي كأنهن الياقوت والمرجان ..



"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" (آل عمران : 169-171)



إنها لحظات فيها البرهان .. لحظات هي الحيَوان ..



ثواني معدودة ودقائق إمتحان ، يجتازها المؤمن فتُفتح له أبواب الجنان ..





لحظات تفك قيود الحياة فينطلق الشهيد حراً بروحه إلى عالم الغيب فيرى من النعيم ما هو فوق البيان ..

لحظات يضحك إليها الملك الديّان ..

لحظات يضمها المؤمن ضمة العاشق الولهان ..

لا وصب ولا نصب ، إنها لحظات إيمان ..

أولى لحظات الشهيد وآخر لحظات الإنسان ..

الجنة دار المتقين؛ وعد الله تبارك وتعالى عباده المتقين بالجنة (تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) فموعود المتقين الجنة، وموعود الكافرين النار، وما يستوي الناس، قال الله تبارك وتعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)، وقال ربي تبارك وتعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا الس
َّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، وقال ربي تبارك وتعالى: (أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فلا يستوي أهل الإيمان وأهل الكفر.
بل المؤمنون أنفسهم في الجنة لا يتساوون، قال تبارك وتعالى: (لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
وقال تبارك وتعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
فلا يستوي المؤمنون أنفسهم عند الله تبارك وتعالى في الأجر ولا في المنزلة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله"، فكذلك المجاهدون أنفسهم لا يتساوون بل يتفاضلون في الدرجات عند الله تبارك وتعالى وفي المنازل في الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي أخرجه البخاري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة"، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "منه تفجَّر أنهار الجنة"، الحديث في صحيح البخاري.

فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المجاهدين أنفسهم متفاوتون في الأجر والمثوبة والقرب من الله تبارك وتعالى، وأخبر عن مائة درجة خاصة بالمجاهدين، تتفاوت درجاتهم، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"، هذه الجنة بحاجة إلى سعي.
وقد حثَّ القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسارعة والمسابقة إلى الجنة، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يومٍ لأصحابه: "ألا هل مشمِّرٍ للجنة؛ فإن الجنة لا خَطَرَ لها، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتز، وقصرٌ مشيد، ونهرٌ مطَّرد، وفاكهةٌ كثيرةٌ نضيجة، وزوجةٌ حسناء جميلة، وحُللٌ كثيرة في مقامٍ أبدًا، في حَبرةٍ ونضرة، في دارٍ عاليةٍ سليمةٍ بهيَّة" قالوا: نحن المشمِّرون لها يا رسول الله، قال: "قولوا إن شاء الله"، الحديث أخرجه ابن حبَّان وهو حديثٌ صحيح إن شاء الله.
القصد: المسارعة إلى الجنة، مما يُسارع به إلى الجنة هو الجهاد في سبيل الله.
وللشهداء عند الله تبارك وتعالى في الجنة درجات عالية، من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء في الجنة:
الأمر الأول: أنَّ الشهداء من أول من يدخل الجنة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عُرِض عليَّ أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة وأول ثلاثةٍ يدخلون النار، فأمَّا أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة: فالشهيد، وعبدٌ مملوكٌ أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، وعفيفٌ متعفِّفٌ ذو عيال، وأما أول ثلاثةٍ يدخلون النار: فأميرٌ مسلَّط، وذو ثروةٍ من مالٍ لا يعطي حق ماله، وفقيرٌ فخور" أخرجه الترمذي والإمام أحمد وهو حديثٌ صحيح إن شاء الله.
القصد: أنَّ أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة ذكرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد وعبدٌ مملوك وعفيفٌ متعفِّف، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنَّ أول هؤلاء الثلاثة دخولاً إلى الجنة هو الشهيد، قال عليه الصلاة والسلام: "فأمَّا أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة فالشهيد..." فبدأ بهؤلاء الأصناف الثلاثة وأولهم هو الشهيد.
استفدنا إذن أنَّ الشهيد من أول من يدخل الجنة، هذه الفضيلة الأولى؛ فهم أول من يدخلون الجنة.

ثم من الشهداء من لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة، ومنهم من يدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء، هذه فضيلتان، الفضيلة الأولى: أنَّ منهم من لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، الفضيلة الثانية: أنَّ منهم من يدخل الجنة من أي أبوابها شاء.
عن عتبة بن عبدٍ السلمي -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "القتلى ثلاثة؛ رجلٌ مؤمنٌ جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو وقاتلهم حتى يُقتل فذلك الشهيد المُمتَحن في جنة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة" إذن ذاك الصنف الأول الذي لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، الصنف الثاني؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ورجلٌ فَرَقَ على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل فتلك مُمصمِصةٌ محت ذنوبه وخطاياه، إنَّ السيف محَّاءٌ للخطايا، ويدخل من أي أبواب الجنة شاء فإنَّ لها ثمانية أبواب" إذن هذا الصنف الآخر: وهو رجل خاف على نفسه من الذنوب والمعاصي التي اقترفها فجاهد بنفسه وماله حتى قُتل، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فتلك مُمصمِصةٌ -أي: مكفِّرة- محت ذنوبه وخطاياه... ويدخل من أي أبواب الجنة شاء" هذا الصنف الثاني، الثالث؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ورجلٌ منافقٌ جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله عز وجل حتى يُقتل فذلك في النار إنَّ السيف لا يمحو النفاق" رواه أحمد بإسنادٍ حسن وهو في صحيح الترغيب والترهيب.
هذه الفضيلة الثانية والفضيلة الثالثة.

الفضيلة الرابعة من فضائل الشهداء في الجنة؛ أنَّ الشهادة سببٌ في نيل الفردوس الأعلى، جاء الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ أم الرُّبيِّع بن البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غَرْب، حارثة -رضي الله عنه- شاب فتى صغير خرج مع الجيش يوم بدر وكان نظَّارًا -يعني يشاهد المعركة من بعيد، ما دخل في القتال وإنما شهدها من بعيد-، ثم نزل للشرب من البئر فأصابه سهم غرب -يعني سهم طائش لا يُدرى مَنْ راميه؛ قد يكون من المسلمين أو من الكفار والله أعلم-، القصد: أصابه سهم غربٍ فقُتِل، هذا كلام أم حارثة تخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب-؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: "يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى" هذا الحديث أخرجه البخاري.
يقول ابن كثير -رحمه الله- في السيرة، تعليقًا على هذا الحديث وعلى هذه الواقعة وعلى حارثة حيث أنه لم يكن في القتال، قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا الذي لم يكن في بحبوحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من النظَّارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التي هي أعلى الجنان وأوسط الجنة ومنه تفجَّر أنهار الجنة التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإذا كان هذا حال هذا فما ظنك بمن كان واقفًا في نحر العدو".
يقول ابن كثير -رحمه الله- هذا حال شاب كان يشاهد المعركة وحضر مع المسلمين مع المقاتلين وإنما شاهدها وأصابه هذا السهم وقُتِل، فكيف بمن شارك في القتال! فبلا شك أنه حريٌّ أن يكون في الفردوس أكثر من غيره.

الفضيلة الخامسة: الشهيد له دارٌ ما أحسن منها، عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها"، قال: "أمَّا هذه الدار فدار الشهداء" أخرجه البخاري.
يصف النبي صلى الله عليه وسلم الدور في الجنة وأخبر أنَّ أفضل الدور هي دار الشهداء، فللشهيد دارٌ لا أحسن منها، هي أفضل دارٍ في الجنة.
إذن الشهيد من أول من يدخل الجنة، والشهيد في الفردوس الأعلى، والشهيد له دار ما أحسن منها.

ما بعد ذلك من فضل أن يكون له زوجةٌ حسنة.
والشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين، وقد مرَّ معنا أنَّ المؤمن له في الجنة زوجتان، أما الشهيد فله ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، غير زوجته التي في الدنيا إنما له من الحور العين ثنتين وسبعين.
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّ للشهيد عند الله سبع خصال؛ أن يُغفر له في أول دفعةٍ من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُحلَّى حلة الإيمان، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوَّج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه" رواه أحمد وهو حديثٌ حسن إن شاء الله.
فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ولا يُعرف هذا العدد لأحدٍ من المسلمين إلا للشهيد، يعني لا يُعرف أنَّ لمؤمنٍ في الجنة ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين إلا للشهيد كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الزوجات من الحور العين كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والحور العين صفاتها كثيرة، من الصفات التي ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن:
-الصفة الأولى: الطهارة، أنَّ الحور العين طاهرة، قال الله تبارك وتعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فأخبر الله تبارك وتعالى عن أزواجهم أنها مطهَّرة.

وقال تبارك وتعالى: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ).
وقال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا).
فأخبر الله تبارك وتعالى عن هذه الزوجات أنَّهنَّ مطهَّرات، مطهَّرات ظاهرًا وباطنًا من الأقذار والأدناس والصفات المذمومة، فهنَّ مطهَّرات.
-ومن الصفات التي ذكرها الله تبارك وتعالى عن الحور العين، قال تبارك وتعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)، وقال تبارك وتعالى: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ).

قال تبارك وتعالى: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)، وقال تبارك وتعالى: (كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ)، وقال تبارك وتعالى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ).

فذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات مجمل صفات الحور العين، وهذه الأخيرة -(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ)- ولكن من خيم الجنة، وكيف خيمة الجنة؟
أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري ومسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ للمؤمن في الجنة لخيمةٌ من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوَّفة -لؤلؤة واحدة منحوتٌ داخلها- طولها في السماء ستون ميلاً -وفي رواية عرضها ستون ميلاً- للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا" وفي رواية: "في كل زاويةٍ منها أهلٌ ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن" هذه صفة الخيمة في الجنة، فوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخيمة في الجنة أنَّها من لؤلؤة، هذه لمن؟
هذه لك إن كنت من الشهداء، إن كنت من الشهداء فلك هذه الخيمة من اللؤلؤة المجوفة طولها في السماء ستون ميلاً.


-ووصف الله تبارك وتعالى الحور العين قال تبارك وتعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا)، معنى أتراب: قال ابن القيم -رحمه الله- مستويات في سنِّ الشباب، لم يقصِّر بهنَّ الصغر ولم يزرِ بهنَّ الكبر بل سنُّهنَّ سنُّ الشباب، وقال تبارك وتعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ اليَمِينِ) قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأما العُرُب: فجمع عروب، وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حسن التأني والتبعُّل والتحبب إلى زوجها بدلِّها وحديثها وحلاوة منطقها وحسن حركتها".
القصد: هذه من أوصاف الحور العين في القرآن الكريم، وهي أوصاف كثيرة، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث النبوية الكثير من صفات الحور العين.

ننتقل إلى الصفة التالية والكرامة التالية من كرامة الشهداء، وهي أنَّ الشهداء يؤثرهم الله تبارك وتعالى على الملائكة.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أول ثلةٍ -مجموعة- يدخلون الجنة الفقراء المهاجرون، الذين تُتقى بهم المكاره، إذا أُمِروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجلٍ منهم حاجةً إلى السلطان لم تُقضَ له حتى يموت وهي في صدره، وإنَّ الله عز وجل ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وريِّها، فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وقُتِلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي، ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حسابٍ ولا عذاب، فتأتي الملائكة فيقولون: ربنا؛ نحن نسبِّح لك الليل والنهار ونقدِّس لك، مَنْ هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب تبارك وتعالى: هؤلاء الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" الحديث رواه الحاكم وهو في صحيح الترغيب والترهيب، وفي الحديث فضائل كثيرة قد مرَّت معنا بعضها في اللقاءات السابقة.


من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء يوم القيامة؛ أنَّ الشهيد يتمنى أن يرجع للحياة الدنيا، لاحظ كل الفضائل التي مرَّت مع ذلك يتمنى الشهيد أن يرجع للدنيا مرة أخرى، لماذا؟ ليُقتل، لاحظ كأنها تجربة جميلة وحياة جميلة يريد أن يكرِّرها أكثر من مرة لينال الفضائل التي وعده الله تبارك وتعالى بها.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما أحدٌ يدخل الجنة ويحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة" أخرجه البخاري ومسلم.
إذن الشهيد لما يشاهد من الفضائل؛ ابتداءً من القتل في سبيل الله، ثم حياة البرزخ، ثم يوم القيامة، ثم غيرها وغيرها، يتمنى أن يرجع إلى الحياة الدنيا مرة أخرى ليحوز على الفضائل مرة أخرى ومرة أخرى، ليس مرتين ولا ثلاث إنما عشر مرات.

إذن فضائل الشهيد في الجنة تقريبًا ثمان:
1- الشهيد من أول من يدخل الجنة.
2- من الشهداء من لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة.
3- من الشهداء من يدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء.
4- الشهادة سببٌ في نيل الفردوس الأعلى.
5- الشهيد له دارٌ ما أحسن منها.
6- الشهيد يُزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين.
7- الشهداء يؤثرهم الله على الملائكة.
8- يتمنى الشهيد أن يرجع إلى الدنيا ليُقتل عشر مرات.


يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: الشهداء سبع ، سوى القتل في سبيل الله عز وجل: المطعون شهيد، والغريق شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، و صاحب الحريق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد" 1- فماذا إذا كان هذا الإنسان فاسقاً ؟ هل يعد شهيداً؟ 2- إذا كان الشهيد في سبيل الله لا تقبل شهادته إن كان مديوناً فما بال هؤلاء؟ 3- هل تجري على الشهداء السبعة المذكورين في الحديث ما يجري على الشهداء في سبيل الله من عدم غسلهم والخ... ؟ وجزاكم الله خيراً سلفاً.

الشهادة كما يقول الإمام السبكي: حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت لها سبب وشرط ونتيجة. ، وأعلى صور الشهادة القتل في سبيل الله عز وجل، وفيها يقول الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه)(آل عمران: 169-170).
وثمة مراتب أدنى من هذه المرتبة بمن فيهم المذكورون في السؤال، والشهداء كلهم يشتركون في رؤية كرامة الله لهم عند الموت، ولذا سموا شهداء، على المختار من سبب التسمية.

ونتيجة الشهادة هي مغفرة الذنوب لحديث: يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين.
وفي ذكر الدين تنبيه على حقوق الآدميين الأخرى، أما حقوق الله فظاهر الحديث أنها تغفر كلها بالشهادة بما فيها الكبائر، وبهذا يعلم جواب الفقرة الأولى من سؤالك، وأما جواب الفقرة الثانية فليس صحيحاً أن المدين لا تقبل شهادته إذا مات ولم يسدد دينه، لكنه يحبس عن الجنة حتى يقضى عنه، فإن لم يقض عنه فالمرجو من الله أن يُرضِّـيَ الخصوم (أصحاب الدين) حتى يرضوا، وأما الشهداء السبعة المذكورون فإنهم شهداء في الآخرة لا في أحكام الدنيا، فيغسلون ويصلى عليهم


ونحن إذ نتذكر هؤلاء الشهداء الذين إرتفعوا بأرواحهم إلى الله جل جلاله وفازوا برضوانه ، نحسدهم ، نغبطهم ، على ما حصلوا عليه من نعيم وعدهم به الله جل جلاله ، حيث يقول الله سبحانه في سورة آل عمران : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (169/170) سورة آل عمران .

فأيّ نعيم بعد هذا النعيم ، أحياء وليسوا أمواتاً ، يرزقون ورزقهم من الله ومن ثم فهم فرحون بما أعطاهم الله ، ويستبشرون بإخوانهم القادمين عليهم وذلك لحبهم إنزالهم هذه المنزلة التي أنزلهم الله ، فلا حزن بل إستبشار وفضل ونعيم كيف وهي جنة الخلد التي هي دار الله وهم ضيوفه ، ليجدوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
ويقول تعالى مؤكداً هذه الآيات وناهياً الذين يصفونهم بالأموات : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } (154) سورة البقرة
.
نعم أحياء لا نشعر نحن بهم ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل إبن مسعود عن هذه الآية من سورة آل عمران { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } قال : أما أنا فقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل .. )
.
ويقول الإمام إبن كثير في تفسيره لهذه الآيات : إن أرواح الشهداء كما جاء في صحيح مسلم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك إطلاعة فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى لما يرون من ثواب الشهادة – فيقول الرب جل جلاله " إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " .
وعن أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من نفس تموت لها عند الله خير يَسُرُّها أن ترجع إلى الدنيا الا الشهيد فانه يسره ان يرجع الى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة ) . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما إن أبا جابر وهو عبد الله بن عمرو بن حرام الإنصاري قتل يوم أحد شهيداً فقال جابر كما روى الإمام البخاري : لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تبكه – أو ما تبكيه – ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع ) .

وقال سعيد بن جبير : لما دخل الشهداء الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة قالوا يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصابنا من الخير .
نعم أيها الأحبة لقد ذهب الشهداء إلى جنة إلى كرامة إلى رضوان من الله إلى مساكن طيبة إلى حور مقصورات في الخيام أنتم أيها الشهداء إلى السعادة أنتم إلى الطمأنينة أنتم إلى حيث اللواذ بجلال الله وجماله أنتم تحت ظل عرش الله يوم القيامة .

وكما أكرمهم الله في القرآن الكريم وفي مقاعدهم بعد الشهادة فقد أكرمهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث إضافة إلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يغسلهم حيث قال في شهداء أحد : زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك ) (4) .
فهل من بعد هذه الكرامة من كرامة وهل من بعدها من بشارة .
ولذلك قال الشهيد وهو يحلق في السماء :

لا تحزنوا يا إخوتي .. إني شهيد المحنة
و كرامتي بشهادتي .. هى فرحتي و مسرتي
و لئن صرعت فذا دمي ..يوم القيامة آيتي
الريح منه عاطر .. و اللون لون الوردة
آجالنا محدودة .. و لقاؤنا في الجنة
لقاؤنا بحبيبنا .. محمد والصحبة
و سلاحنا إيماننا .. و حياتنا في عزة


وقد روى عن أحد الحجيج العراقيين العائدين أنه رأى حول الكعبة رجلا يطوف معهم ويصيح ( ولِ يا محروم ) في كل شوط يطوفه وعندها سأله الطائفون عن سر عبارته هذه ما معناها ولماذا يكررها بدون إنقطاع ؟ فأجاب الرجل وهو متحسر متنهد : كنا عشرة رجال ذهبنا للجهاد إلى روسيا وشاء الله إن يمسكوا بنا ويحكم علينا بالإعدام في ساحة عامة تجمهر الناس فيها وعندها قرئ المنشور وتليت أسماؤنا واحداً واحداً وعندها رأينا إن السماء فتحت ونزل منها عشر حوريات أضاءت لنور وجههن جنبات الكون وامتلأت بعطرهن أرجاء الفضاء وكنّ ذا جمال يسبي العقول ويذهب بالألباب وعندما تدلى أول جثمان رأيناه في حضن واحدة من تلك الحوريات أخذته وطارت به إلى السماء وهو في غاية السعادة وقمة السرور وهكذا كلما سقط واحد منا وعندما جاء دوري قال صاحب المنشور أما أنت فترجع بالخبر إلى من أرسلوك ، لكني توسلت أن يعدموني ويلحقني بأصحابي لكنهم رفضوا فنظرت إلى تلك الحورية وهي واقفة تنتظرني ثم قالت لي هذه الكلمة ( ولِ يا محروم ) (5) ، نعم أيها الأحبة فما الشيء الذي حرم منه إنها الجنان – إنها الحياة الخالدة { بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } . بل هم الرفيق الحسن في هذه الجنة حيث قال الله في وصف المؤمنين الطائعين : { فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } (69) سورة النساء . ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتمنون الشهادة في سبيله لما لها من هذه المكانة العظيمة فلا يعلمون عنها سوى الطريق الموصل لما أعدّ الله لهم من الجنات فهذا حنظلة تزوج حديثاً وقد جامع إمرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي للجهاد فيخرج وهو مجنبٌ ليسقط شهيداً في سبيل الله ليراه النبي بيد الملائكة تغسله ليسمى بغسيل الملائكة .

كما حدد النبي عليه الصلاة والسلام بعض الشهداء ومنزلتهم فقد قال عليه السلام : ( من قُتِل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد )
.
فمن دافع عن أهله أو دمه أو دينه أو ماله ثم قتل فهو شهيد قد حصل على هذا النعيم الخالد والحياة الأبدية والرفقة الحسنة ولا نحزن عليهم بل نُهنؤُهم وندعوا أن يكتبنا الله منهم ونعمل في سبيل ذلك ما إستطعنا .


وقد تعددت النصوص الشرعية التي أشادت بالجهاد و الاستشهاد في سبيل الله تعالى و الترغيب بهما . و يعد الحديث النبوي الشريف الذي بين أيدبنا أصلا عظيما من بيان فضل المجاهد و الشهيد في سبيل الله تعالى و أجرهما في الدنيا و الآخرة .


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " تَضَمَّنَ الله لمن خَرَجَ في سبيله لا يُخرجه الا جهادا في سبيلي ايمانا و احتسابا بي و تصديقا برسلي فهو عليّ ضامنٌ أن أدخله الجنة أو أرجعه الى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر و غنيمة . و الذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله الا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم , لونه لون دم و ريحه مسك . و الذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزوا في سبيل الله أبدا و لكن لا أجد سعة فأحملهم و لا يجدون سعة و يشق عليهم أن يتخلفوا عني . و الذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل , ثم أغزوا فأقتل , ثم أغزوا فأقتل" .(صحيح مسلم )


وعليه فلا يمكن لأي أمة أن تتمكن من أداء رسالتها و تحافظ على وحدة كيانها و استقلالها الا اذا كان أبناؤها مستعدين لتقدسم أرواحهم و دمائهم في سبيل الدفاع عنها و حمايتها . غير أن المقاتلين تختلف دوافعهم و حوافزهم , اذ قد يخرج بعضهم من أجل المغنم , و بعضهم من أجل الشهرة , و بعضهم لأجل الحمية لقومهم . لذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم شديد الحرص على على تحريض المقاتلين على أن يكون دافعهم هو ارضاء الله تعالى .قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر :"قوموا الى جنة عرضها السماوات و الأرض " قال عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السماوات و الأرض ؟ قال : " نعم " قال : بخ بخ . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما يحملك على قول بخ بخ " قال : لا و الله يا رسول الله الا رجاءة أن أكون من أهلها . قال :"فإنك من أهلها " قال : فأخرج تمرات من قرنة فجعل يأكل منهن , ثم قال : لئنأنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة , قال : فرمى بما كان معه من التمر , ثم قاتل حتى قتل .

ما أجمل الشهادة في سبيل الله , و ما أجمل الجنة التي تهدى للشهيد , و ما أحلى أجر الشهيد في سبيل الله .


لقد أوجب الله تعالى بفضله و كرمه لمن خرج مجاهدا في سبيله تعالى لإعلاء كلمته , و إيمانا بدعوته , و تصديقا بما جاء به الرسل عليهم السلام , أن ينال خيرا بكل حال , فإما أن يستشهد فيدخل الجنة , قال تعالى بمحكم تنزيله : ( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ) .....: سورة التوبة / الآية 111 :..... , و إما ان يرجع بأجر و غنيمة .



يقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالله تعالى الذي خلق الأنفس جميعا و بنفسه الشريفة خاصة على أن يبعث الله تعالى يوم القيامة الشهيد و كل من خرج في سبيل الله تعالى في صورة حية تجمع ما بين ذكريات الفداء و التضحية و بين التكريم و التزيين , فجرحه ينزف دما أحمرا يزين جسده كالذي سال منه وقت جرحه , و رائحة المسك العبقة تفوح منه . و في مجيء الشهيد و كل من جرح في سبيل الله تعالى يوم القيامة على الهيئة التي كان عليها في المعركة , دليل حي شاهد على صدق نيته و بذله نفسه و إخلاصه في جهاده .


يشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بأهمية الجهاد و قدره عندما يقسم بالله تعالى , خالق الحياة عامة و حياة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم خاصة , على رغبته الأكيدة بعدم تخلفه و جلوسه في بيته عن الخروج مع أي سرية تخرج لإعلاء كلمة الله تعالى , الا أن الذي يمنعه من تحقيق رغبته هو خشية الحاق المشقةالمادية و المعنوية بأصحابه رضي الله عنهم و أرضاهم , ذلك لأنه صى الله عليه وسلم لا يمتلك مستلزمات الجهاد من معدات نقل و أسلحة للجميع , و منهم من لا يملكونها أيضا فيشق عليهم التخلف عنه صلى الله عليه و سلم .

يؤكد رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث عاى علو منزلة الجهاد و الشهادة عندما يقسم بالله تعالى الذي بيده نفسه الشريفة صلى الله عليه و سلم حينما يتمنى تكرار الشهادة في سبيل الله تعالى ثلاث مرات فلا تكون هادة واحدة , بل شهادة بعد شهادة في معارك جهادية متكررة .
و يعد الجهاد في سبيل الله تعالى في الاسلام تجارة رابحة لا خسارة فيها بين العبد و ربه يقدم العبد فيها روحه لينال ثوابا عظيما و غفرانا للذنب و الفوز بالجنة و ما فيها من نعيم مقيم و حوز النصر على الكفار و فتح قريب المنال , قال الله تعالى :{ يأيها الذين آمنوا هل أدلكم عى تجارة تنجيكم من عذاب أليم ۝ تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون ۝ يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار و مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ۝ و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين ۝ } .....: سورة الصف , الآيات (10_ 13 ):.....

و أخيرا أخوتي أختم كلامي بما يرشد اليه الحديث الشريف , اذ أنه يرشدنا الى أمور عدة و منها :
- الجهاد المقبول عند الله تعالى ما كان خالصا لوجهه الكريم و تنفيذا لأمره و إعلاء كلمته و حفظ دينه و حفظ بلاد المسلمين من الأعداء .
- ضمن الله تعالى للمجاهد في سبيله نصرا فيالدنيا و ثوابا في الآخرة , جنات النعيم .
- الغنيمة التي يحصل عليها المجاهد لا تنقص من أجره شيئا .

و ختاما أخوتي بالله , أتمنى أن أكون أتممتالشرح للحديث النبوي بالطريقة الصحيحة و الأيلوب المفهم , و ما نبتغي الا ارضاء الله تعالى , فكل من قرأ موضوعي فاليدعوا لي بالشهادة في سبيل الله حق الشهادة , و أن يرزقني الله شرف الموت في سبيله و في سبيل اعلاء رايته .

لى لحظات الشهيد في سبيل الله .. مكافئه الشهيد .. مقام الشهيد عند الله سبحانه وتعالى.. مكانة الشهيد في الإسلام
- اضغط هنا لعرض الصورة ب جمها الطبيعي

عجيب أمر الشهادة ، يتمناها سيد ولد آدم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لا يتمناها مرّة ، بل مرة ومرة ومرة ""… والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل اللَّه فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل" (رَوَاهُ مُسلِمٌ) .. عِظم أمر الشهادة عند الله عجيب !! وما أعد الله للشهداء أعجب من العجيب !!



فمن هو هذا الشهيد !! ولماذا نال هذه المنزلة !!



من هو هذا الشهيد !! هو ذلك المؤمن الذي يقاتل تحت راية إسلامية ظاهرة لإعلاء كلمة الله فيقتله أعداء الله ، أو يموت في خضم الرحلة الجهادية ميتة طبيعية.





من هو هذا الشهيد !!



هو من خير الناس منزلاً .. يجري عليه عمله حتى يُبعث .. دمه مسك .. يحلّى من حلية الإيمان .. هو من أُمناء الله في خلقه .. روحه في جوف طير أخضر يرِد أنهار الجنة ويأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش .. يأمن من الصعقة .. يأمن من الفزع الأكبر .. يُشفّع في سبعين من أقاربه .. يزوج باثنتين وسبعين من الحور العين .. يلبس تاج الوقار ، الياقوته فيه خير من الدنيا وما فيها .. هو من أول من يدخل الجنة .. يكلمه الله كفاحاً دون حجاب .. يسكن الفردوس الأعلى في خيمة الله تحت العرش لا يفْضله النبيّون إلا بدرجة النبوة ..



هذا بعض شرفه بعد موته ، أما وهو يجاهد ، ففضل الجهاد لا يجهله أحد من أهل الإيمان ، ويكفيه أنه ذُروة سنام الإسلام وعمل الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام.



ووقفتنا هنا مع اللحظات الأولى للشهيد ، والأخيرة للمجاهد .. تلك اللحظات التي يحجم عنها الرجال ، ويخاف من هولها الأبطال .. تلك اللحظات التي يفارق فيها الإنسان حياته وكل ما رتبه لنفسه من أحلام وأوهام لتنقطع فجأة ويصبح في عالم آخر لم يشاهده ولم يعرفه إلا خبراً لا عيان.



هذه اللحظات هي "أولى لحظات الشهيد" ..



هي لحظات تحكي بداية وُلوجه باب البرزخية .. بداية مفارقته الدنيوية إلى الأُخروية .. نهاية كونه مسلماً حياً إلى بداية حياة الشهادة الأبدية ..



لحظات عجيبة في قاموس الإنسان ..

لحظات لا يُدركها أي إنسان ..

إنها لحظات لا يمتطي صهوتها إلا أهل الإيمان ..

لحظات يعجز عن وصفها البيان ..

لحظات إقبال وإحجام ممتزجان ..

لحظات يقف فيها عقل المؤمن حيران : أيبارك أم يحزن ، أيهنّئ أم يعزي ، أيبكي أم يفرح ..

أحزان أم أفراح وأحضان !!

فما حال تلك اللحظات !!



يُقبل المؤمن إقبالة الليوث على الهوام ، ويكون في مقدمة الرجال في ساعات الإحجام ، وإذا اصطفاه ربه فإن "أَفْضلُ الشُّهَدَاء الَّذِينَ إِنْ يَلْقَوْا في الصَّفِ لا يَلْفِتُونَ وجوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ في الْغُرَفِ العُلَى مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا، فَلا حِسَابَ عَلَيْه" (أحمد)



يضحك إليه رب العزة ..



ما أكرمه من موقف وأهيبه .. وماذا بعد يا شهيد !!



أخبرنا قائد من قادة الجهاد البوسني ، قال: كنا مجموعة من الإخوة في الغابة ، فإذا بأحد الإخوة يصرخ فينا : "الجنة ، انظروا الجنة ، وأشار بيده أمامه فما هي إلا لحظات حتى أتته رصاصة قناص استقرت في رأسه فخر ميتاً رحمه الله " .. "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله خِصَالاً: … ويُرَى مَقْعَده مِنَ الجَنَّةِ …" (أحمد وصححه الترمذي).



يضحك له ربه ، ويُرى مكانه في الجنة وهو على الأرض ..

ما أعظمها من منّة .. ثم ماذا يا شهيد !!



يحجم الأبطال عن ساح النزال لما توهموه من الآلام والأوجاع إذا استقرت في أجسادهم النصال .. ولكن المؤمن يُقدم لعلمه بحقيقة الحال "ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنَ القَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ" (أحمد والترمذي والنسائي وسنده حسن).



يضحك له ربه ، ويُرى مكانه في الجنة ، ولا يتأوّه عند الموت ..

ما أكرمه على الله !!



ثم ماذا يا شهيد !!





يخاف المؤمن الذنوب ، ويريد قبل الموت أن يتوب ، فقال نبي علّام الغيوب "… وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ فَرِقَ على نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا، جاهد بِنفسِهِ وَمَالِهِ في سَبيِلِ اللهِ حَـتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ، قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ، فَتِلْكَ مُمَصْمِصَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الخَطَايَا .." (المسند وصحيح ابن حبان) ..



أتخاف من الذنوب "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله خِصَالاً أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مِنْ أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ …" (أحمد وصححه الترمذي)

يضحك له ربه ، ويُرى مكانه في الجنة ، ولا يتأوّه في لحظة الموت ، وتُمحى ذنوبه ..

ما أعظم الشهادة في سبيل الله ..



أرضيت يا شهيد !!



يُفتن الناس في القبور ، وصاحبنا في القبر مسرور ، فعند النسائي وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ، قال "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة".



يضحك له ربه .. يرى مكانه في الجنة قبل موته .. لا يجد من ألم الموت شيء .. تمحى خطاياه من أول دفعة من دمه .. يأمن من فتنة القبر !!



كل هذا في لحظات قليلة يخاف منها جميع بني الإنسان ..



إنها لحظات إمتحان ..



لحظات قصيرة يجتازها المؤمن الولهان ، يسيل فيها دمه فيرى مغنمه "لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى يَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ، كَأَنَّهُمَا طَيْرَانِ أَضَلَّتَا فَصيلَيْهِمَا بِبَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ بِيدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا" (أحمد)



ألا تكفيك الحوريتان يا شهيد !!

أتطمع من الشرف المزيد !!



لك والله يا شهيد ما تريد:



عن جابرا ابن عبدالله يقول: جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مُثّل به، ووضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه، فنهاني قومي، فسمع صوت صائحة ، فقيل: ابنة عمرو، أو أخت عمرو، فقال: (لم تبكي - أو: لا تبكي - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها). (البخاري)



ما أعظم الشهيد : يُحتفى به في الآخرة حفاوة عظيمة ، ولا يخرج من الدنيا إلا بمواكب كريمة ..

الناس تبكي والشهيد يضحك ..

الناس في فزع والشهيد في الجنة يرتع ..

وفده كريم ، وأمره عظيم ..

دخوله الدنيا كما الناس ، وخروجه تحتبس له الأنفاس ..

آآهٍ لك يا شهادة ..

من فاز بكِ فاز بالزيادة ..

ومن أحجم فهو في نقصان ، نعوذ بالله من الخُسران ..



يموت الناس والشهيد لا يموت ..



يبكي الناس ، والشهيد يبتسمٌ في وجه الردى يضم الموت بصدر فيه لوعة الإيمان تحترق شوقاً للقاء ذوات الدلّ من الحور الحسان اللاتي كأنهن الياقوت والمرجان ..



"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" (آل عمران : 169-171)



إنها لحظات فيها البرهان .. لحظات هي الحيَوان ..



ثواني معدودة ودقائق إمتحان ، يجتازها المؤمن فتُفتح له أبواب الجنان ..





لحظات تفك قيود الحياة فينطلق الشهيد حراً بروحه إلى عالم الغيب فيرى من النعيم ما هو فوق البيان ..

لحظات يضحك إليها الملك الديّان ..

لحظات يضمها المؤمن ضمة العاشق الولهان ..

لا وصب ولا نصب ، إنها لحظات إيمان ..

أولى لحظات الشهيد وآخر لحظات الإنسان ..


حدّثني أحد الإخوة من المجاهدين كان في أفغانستان وشهد (تورا بورا)، قال كان هناك أحد الشباب المقاتلين في اشتباك، وكان متستِّر بحاجز متترِّس بحاجز لا أذكر تراب أو حجارة متترِّس بشيء ثم إذا أراد أن يقاتل العدو يرفع رأسه ليرى العدو ثم يطلق وينخفض مرة أخرى وكلما يريد أن يرمي على العدو يرفع رأسه حتى يرى العدو ثم يطلق وينخفض يختبئ بينما هو يفعل هكذا رفع رأسه فأصابته طلقة في رأسه مباشرة فارق على إثرها الحي
اة بمجرد أن رفع رأسه أصابته طلقة في رأسه فارق الحياة. رُؤي بعدها في المنام قال له ها ما الذي حدث؟ قال ما أدري أنا كنت أرفع رأسي أطلق على العدو وأنخفض، في إحدى المرات رفعت رأسي فرأيت الدنيا خضراء كلها أشجار خضراء، هذا الذي شاهدت. لعلَّه والله أعلم رأى منزله من الجنة رأى مقعده من الجنة والله أعلم.

الشهيد لا يجد ألم القتل، الشهيد يرى مقعده من الجنة، هناك أمر آخر هو أنَّ الشهيد وهو ما زال في الدنيا تبتدره زوجته من الحور العين قبل أن يُرفع من مصرعه، ما معنى هذا الكلام؟
اسمع معي هذا الحديث، حديث رواه البيهقي بإسنادٍ حسن كما في صحيح الترغيب والترهيب وإن شاء الله حديث صحيح، عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم -هو الحديث عبارة عن قصة- خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة هو وأصحابه خرجوا في غزوة، وهم في سيرهم إلى العدو مروا برجلٍ أعرابي، فالأعرابي رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه واستعجب من هؤلاء؟! قالوا هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ماذا يريدون؟ قالوا يريدون الغزو، فسأل سؤال قال هل من عرض الدنيا يصيبون؟ -يحصلوا على أموال لمَّا يقاتلوا هؤلاء هل يحصلون على أموال؟- قيل له نعم يصيبون الغنائم ثم تقسم بين المسلمين، هذه كل المعلومات التي حصل عليها، أنَّ هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومتجه في غزوة مع أصحابه وأنهم يصيبون من الدنيا، اتجه إلى جملٍ صغير له بكر أخذه وانطلق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم انطلق في الغزوة انطلق في الجهاد، ما احتاج إلى كثير من الحسابات والمشاورات وكثير من التحريض والآيات والأحاديث، مسألة بسيطة، أين متجه للغزو؟ بسم الله أخذ جمله وانطلق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع أصحابه يغزو، فكان في مروره مع جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحاول أن يقترب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببكره بجمله الصغير يحاول أن يقترب والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يذودون بكره يمنعون جمله من الاقتراب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك من أصحابه قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوا لي النجدي" يعني اتركوه "دعوا لي النجدي فوالذي نفسي بيده إنه لمن ملوك الجنة" -الله أكبر- وفي الجنة ملوك من ضمن هؤلاء الملوك هذا الرجل المجاهد، ماذا فعل؟ أعرابي بسيط مسكين، ما الذي حصل؟ هؤلاء مجاهدين في سبيل الله فانطلق مع المجاهدين يجاهد في سبيل الله، بهذا العمل ارتقى درجة عالية عند الله تبارك وتعالى أنه من ملوك الجنة -الله أكبر-، فلقوا العدو قُتِل هذا الأعرابي، ما اسمه؟ لا ندري اسمه أعرابي، ماذا فعل؟ قاتل وقُتِل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول غزوة، غزوة واحدة ومات، قُتِل، فأُخبِر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه قعد عند رأسه والنبي صلى الله عليه وسلم مستبشر يضحك وفجأة والنبي صلى الله عيله وسلم مستبشر يضحك أعرض بوجهه أشاح بوجهه عن هذا الأعرابي التفت إلى الجانب الآخر، تعجَّب الصحابة رضوان الله عليهم، فقالوا يا رسول الله رأيناك مستبشرًا تضحك ثم أعرضت، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أما ما رأيتم من استبشاري أو قال سروري فلما رأيت من كرامة روحه على الله عز وجل، وأما إعراضي عنه فإنَّ زوجته من الحور العين الآن عند رأسه"، يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عندما رأى الحور العين معه عند رأسه أعرض بوجهه، أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ زوجته من الحور العين عند رأسه.

وروى الحاكم وقال بأنه حديث صحيح على شرط مسلم والحديث في صحيح الترغيب والترهيب، عن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً أسود -انتبه معي في هذا الحديث لو سمحت- أنَّ رجلاً أسود أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني رجلٌ أسود منتن الريح قبيح الوجه لا مال لي -الله المستعان- فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أُقتل فأين أنا؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "في الجنة" فقاتل حتى قُتِل فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "قد بيّض الله وجهك وطيّب ريحك وأكثر مالك" قال الراوي وقال لهذا أو لغيره -النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الشهيد أو لغيره- لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبَّةً له من صوف تدخل بينه وبين جبَّته" كلام من هذا؟ كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشك ليس الشك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، النبي قاله، إنما الشك لمن قيلت، أما الذي قاله قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يوجد في ذلك شك، إنما الشك لمن قيلت؟ هل قالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا أو لهذا، أما أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبّةً له من صوف تدخل بينه وبين جبّته" فهذا قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشاهد، أنَّ الشهيد تبتدره زوجته من الحور العين قبل أن يُرفع من مصرعه.

أخونا المثنى الصنعاني -تقبَّله الله في الصالحين ورفع درجته في المهديين-، رجل صالح -نحسبه والله حسيبه- أصيب في الاشتباك، مش عملية استشهادية، لا، اشتباك، أصيب بالاشتباك ثم جُرِح وأُخِذ إلى المستشفى والحمد لله لدينا مستشفيات لدينا أكثر من مستشفى الحمد لله وطاقم طبي ممتاز ذو خبرة وكفاءة عالية اللهم لك الحمد هذا فضل الله تبارك وتعالى، القصد، أُخِذ إلى المستشفى وفي المستشفى هو مصاب بغيبوبة دخل في غيبوبة وكان بجواره أخوه، أخوه هذا أيضًا استشهد -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم في الصالحين-، القصد؛ كان بجواره أخوه وهو في الغيبوبة المثنى سمعه أخوه وهو يتمتم بكلمات يقول باللهجة الصنعانية: "كلّهنّ حاليات" أي كلّهنّ جميلات، استغرب أخوه ما هذا الكلام...! فانتظر فأفاق إفاقة المثنى تقبله الله، فسأله أخوه سمعتك تقول كذا وكذا قال أما إني رأيت رجلاً يخيرني بين النساء أيهن تريد؟ فقلت ما سمعت. تقبله الله تبارك وتعالى نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في الصالحين.
طيب هذا الأمر وهو أنَّ الشهيد تبتدره زوجته من الحور العين قبل أن يُرفع من مصرعه لعل هذا هو السبب في الكرامة التي نراها في الشهداء أنهم يبتسمون ترى على الشهيد ابتسامة، لعل والله أعلم سبب الابتسامة هذه على وجهه وقد قُتِل أنه يرى مقعده من الجنة ويرى زوجته من الحور العين فتكون عليه هذه الابتسامة، وقد يرى أمورًا أخرى لا نعرفها لكن الذي نعرفه أنه عند استشهاده يرى مقعده من الجنة وتبتدره زوجته من الحور العين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الشهداء.

الشهيد لا يغسَّل ولا يكفن، هذا أمر واضح، أنَّ الشهيد لا يغسل ولا يكفن، لكن في بعض الحالات بعض الخصوصيات يغسل الشهيد في عالم الغيب ليس في الدنيا، في عالم الآخرة في عالم الغيب، اسمع معي، عندما قُتِل حنظلة بن عامر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ صاحبكم تغسله الملائكة" قُتِل حنظلة بن عمر رضي الله عنه فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه تغسله الملائكة "إنَّ صاحبكم تغسله الملائكة" يعني حنظلة "فاسألوا صاحبته" اسألوا زوجته، فقالت إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جُنب، لما قالوا هيا إلى الجهاد قام مباشرةً وهو جُنب لم يغتسل وانطلق إلى الغزوة مباشرةً، لاحظت الفرق؟ مباشرة انطلق إلى الغزوة لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لذلك غسَّلته الملائكة" والحديث رواه الحاكم والبيهقي وهو حديث صحيح كما في السلسلة الصحيحة.
إذن من الشهداء من تغسِّله الملائكة هذا ثابت بالحديث الصحيح مثل حنظلة رضي الله عنه، حنظلة بن عامر رضي الله عنه، ولعل مثل -والله أعلم- أخونا أبو عبد الله الصنعاني أمين عثمان كتيبة الاستشهاديين -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله ويرفع درجته في المهديين-، جاء موعد الغزوة، جاء وقت الانطلاق للغزوة، وقبل الانطلاق للغزوة نام -سبحان الله العظيم- مقبل على عملية استشهادية وقبل العملية ينام، وتلك سنَّة الجهاد، قال الله تبارك وتعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ) من الله تبارك وتعالى، القصد نام فاستيقظ وقد وجب عليه الغسل، لم يدركه الوقت، الآن لا بد أن ينطلق، توضأ ثم ذهب ونفَّذ، رؤي بعدها في المنام رءاه أحد الإخوة، قال رأيته وكأنه خرج من الحمام ما زال عليه آثار الاغتسال، فلعل هذا أن يكون اغتسل في عالم الغيب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في الصالحين.

من فضائل الشهادة أيضًا وكرامة الشهداء أنَّ من الشهداء من تظلّه الملائكة بأجنحتها، بعد أن يستشهد تظله الملائكة بأجنحتها، وهذه الكرامة لم تثبت إلا في حق شهيد، ولا يلزم من ذلك أنها لكل الشهداء كما لا يلزم أن هذه الكرامة ليست إلا لمن ورد الخبر بذكره دون باقي الشهداء، فضل الله عظيم، أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي يوم أحد وقد مُثِّل به حتى وُضِع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: "فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رُفِع" الملائكة كانت تظلله وهو شهيد، فمن الشهداء من تظلهم الملائكة بأجنحتها.

ثم من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء الحياة بعد الاستشهاد مباشرة، لذلك قال الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) وقال ربي تبارك وتعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) لاحظ قول الله تبارك وتعالى: (أَحْيَاءٌ... يُرْزَقُونَ) أنت إذا سُئلت عن شخص هل هو حي أو ميت وأنت تريد أن تؤكد حياته تقول بل هو حي يرزق فتذكر الرزق دليل على كمال الحياة على تحقق الحياة، فالله سبحانه وتعالى أكد لنا حياة الشهداء بأنهم يرزقون، قال تبارك وتعالى: (بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فهم أحياء عند الله تبارك وتعالى ليس عندنا، عند الله تبارك وتعالى.. (أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).


بعد الانتقال من الدنيا وقبل الآخرة-، البرزخ هو اسم لما بعد الدنيا وقبل الآخرة وحياة القبر، والبرزخ هو أعظم من كل ما قبله وأعظم منه كل ما بعده، من أعظم الأمور حياة الإنسان في البرزخ، حياة القبر.
فضائل الشهداء في البرزخ تقريبًا ست فضائل:
1. من الشهداء من لا تأكل الأرض جسده.
2. الشهداء لا يُفتنون في قبورهم.
3. الشهداء يفرحون لما آتاهم الله من فضله.
4. الشهداء يستبشرون بفضل الله.
5. الشهداء أرواحهم في جوف طير خضر في ظل العرش.
6. الشهداء على بارق نهر بباب الجنة.
تقريبًا هذه مجمل فضائل الشهادة وكرامة الشهداء في حياة البرزخ.


لكن مِنَ الشهداء من لا تأكل الأرض جسده:
وهذه الكرامة والفضيلة ليست خاصة بالشهداء، هناك من غير الشهداء من لا تأكل الأرض أجسادهم كما أنها ليست لكل شهيد، فليس كل شهيد لا تأكل الأرض جسده، الذي ثبت أنها للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فالأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم، "إن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء"، فكل نبي لا تأكل الأرض جسده لكن من عدا الأنبياء فمنهم الشهداء والصالحون وغير ذلك، القصد أنَّ هذه الفضيلة ثابتةٌ في حقِّ الشهداء وإن لم تكن لهم كلهم إلا أنها ثابتة في حق الشهداء وفيها آثار كثيرة لكن نأخذ منها أثرين فقط:
1- أخرج عبد الرزاق في المصنَّف وابن عبد البرِّ في التمهيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لـمَّا أراد معاوية أن يُجري الكظامة قال: من كان له قتيل فليأتِ قتيله، -فليأتِ ليخرجه، معاوية رضي الله عنه أراد أن يُجري الكظامة وهي آبار ومياه تجري على الأرض فيُخرجون دفنى الشهداء- قال جابر بن عبد الله: فأخرجناهم رطابًا يتثنَّون، قال أيضًا جابر بن عبد الله: فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فانفطرت دمًا -سالت دم-، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ولا يُنكر بعد هذا مُنكِرٌ أبدًا.
2- وروى عبد الرزاق عن قيس بن أبي حازم قال: قال بعض أهل طلحة بن أبي عبيد الله رضي الله عنه أنَّه رآه في المنام -هذا قريب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه رأى طلحة في المنام- فقال له طلحة: إنكم دفنتموني في مكان قد آذاني فيه الماء، فحوِّلوني منه، قال: فحوَّلوه، فأخرجوه فكأنَّما هو سلقة لم يتغيَّر منه شيء إلا شعرات في لحيته، قال أخرجوه وهو أملس طيِّب لم يتغيَّر منه شيء إلا شعرات في لحيته رضي الله عنه، القصد أنَّ مِنَ الشهداء من لا تأكل الأرض جسده وهذه ثابتة.



الشهداء لا يُختبرون؛ الشهداء لا يُختبرون في قبورهم، روى النسائي بسند صحيح كما في صحيح الترغيب والترهيب عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلاً قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة"، تحقَّقَ محض الإيمان منه في المعركة، الشهيد تحقق محض الإيمان منه في المعركة قبل الاستشهاد قبل أن يُقتل فليس بحاجة إلى أن يُختبر مرَّة أخرى ويُمتحن مرَّة أخرى في القبر، فنجَّاه الله تعالى من فتنة القبر بما قد لقيه في المعركة من الأهوال والفجائع هذه من فضائل الشهادة،


والشهداء يفرحون لما آتاهم الله من فضله:
ثمَّ حياة البرزخ طويلة أو قصيرة إلا أن الشهيد له فيها معاملة خاصَّة له نفسيَّة خاصة، ما دام في حياة البرزخ فإنه في حالة سرور في حالة فرح كما قال الله تبارك وتعالى: (فَرِحِينَ)، في حالة فرح، وفي حالة استبشار، في تلك الفترة نفسيته: فرحان، فَرِح ومستبشر، قال الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ) قال الله سبحانه وتعالى عنهم في حياة البرزخ أنهم: (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)، هذه الصفة الأولى: فهم في حالة فرح، الثانية: (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، الآية في سورة آل عمران.


وأخبر الله تبارك وتعالى أن الشهداء فرحين وأنهم يستبشرون؛ فرحين بما أعطاهم الله سبحانه وتعالى وبما آتاهم من فضله، ويستبشرون بالذين من خلفهم، المجاهدون الذين من بعدهم: من أتى اليوم؟ من وصل من الشهداء؟ ماذا حدث في المعركة؟ من انتصر؟ تأتيهم هذه الأخبار، أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في المعجم الكبير للطبراني والحديث في السلسلة الصحيحة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن نفس المؤمن إذا قُبضت تلقَّاها من أهل الرحمة من عباد الله كما تلقون البشير في الدنيا فيقولون: أَنْظِروا صاحبكم يستريح فإنه قد كان في كرب شديد" المؤمن في عالم الغيب يقول بعضهم لبعض: لا تعجلوا على صاحبكم على هذا الذي مات حديثاً، لا تعجلوا عليه انتظروا فإنه كان في كرب شديد، "ثم يسألونه ماذا فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت..." الحديث، والحديث كما قلت أنه حديث صحيح كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة، القصد أن الشهداء في حالة فرح في عالم البرزخ وفي حالة استبشار يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم كما قال ربُّنا تبارك وتعالى.


و الشهداء أرواحهم في جوف طير خضر في ظل العرش:
ثمَّ في عالم الغيب في حياة البرزخ أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الشهداء أرواحهم في جوف طير وأنها تحت ظل العرش، عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية: قول الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، قال: أمَا إنا قد سألنا عن ذلك، قال ابن مسعود رضي الله عنه: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلَّقة بالعرش تسرح من الجنَّة حيث شاءت ثمَّ تأوي إلى تلك القناديل..." الحديث أخرجه الإمام مسلم، حديث صحيح، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، أو في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل معلَّقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تعود إلى تلك القناديل المعلَّقة بالعرش، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لمَّا أُصيب إخوانكم بأُحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر تَرِدُ أنهار الجنَّة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلَّقة في ظل العرش" أخرجه أبو داوود والحاكم، والحديث إن شاء الله صحيح.
القصد: أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أرواح الشهداء هذا حالهم، وأيضًا بعض المؤمنين أرواحهم في الجنَّة، هناك من المؤمنين من تكون أرواحهم في الجنَّة، كما جاء في الحديث عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنَّة حتى يُرجعه الله إلى جسده يوم يُبعث"، نسمة المؤمن يعني روح المؤمن، الحديث أخرجه مالك في الموطأ وهو حديث صحيح أخرجه مالك والنسائي وابن ماجه، قال ابن كثير أن هذا الحديث اتفق في سنده الأئمة الثلاثة فرواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، فهذا الحديث شريفٌ اجتمع فيه ثلاثة من أئمة المذاهب المتَّبعة، القصد أن من المؤمنين من تكون أرواحهم في الجنَّة. ما يمتاز عنهم الشهداء؟ إذا كان أرواح المؤمنين في الجنة والشهداء أرواحهم في الجنة ما الذي يمتاز به الشهيد عن بقيَّة المؤمنين؟ يمتاز بأمرين:
1. الشهداء أرواحهم في حواصل طير خضر.
2. أنها تأوي إلى قناديل معلَّقة بالعرش.
وهذه ليست لبقيَّة المؤمنين، وإنما هذه خاصَّة بالشهداء.
ثمَّ كيف يأكل الشهداء من الجنَّة؟ أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وهذه هي الفضيلة الأخيرة من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء في البرزخ وهي:

الشهداء على بارق نهر بباب الجنة:
أخرج الحاكم بسند جيِّد عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشهداء على بارق نهر بباب الجنَّة فيه قبَّة خضراء يخرج إليهم رزقهم بكرةً وعشيًّا"، فهم على بارق نهر بباب الجنَّة لهم قبَّة فيها يخرج رزقهم إليهم يأكلون منه في البكرة والعشيِّ.
وهذه مجمل فضائل الشهادة وكرامة الشهداء في حياة البرزخ في القبر.


أما في يوم القيامة فللشهيد فضائل أخرى، ويوم القيامة يومٌ عظيم، سمّاه الله تبارك وتعالى (القارعة) وسمّاه الله تبارك وتعالى (الطامة الكبرى)، وذلك اليوم داهية عظيمة، قال الله تبارك وتعالى: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) فهي شيءٌ عظيم، قد قال ربي تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).


وذلك اليوم -يوم القيامة- تتفكّك العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية, تحصل براءة من الناس بعضهم بعض، قال تبارك وتعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ).
ويفر الناس بعضهم من بعض كما قال ربي تبارك وتعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)، قال الله تبارك وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).
يوم القيامة يتذكر الإنسان عمله ولا تجديه الذكرى، قال تبارك وتعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) يؤتى يوم القيامة بجهنم، كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرونها" والحديث في صحيح مسلم.

قال الله تبارك وتعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) يتمنى الإنسان في ذلك اليوم لو قدّم شيئًا لحياته الأخرى, لحياة الخلود, لحياة البقاء, لكن لا تجدي الأمنية، فسمّى الله تبارك وتعالى يوم القيامة (الطامة الكبرى).


في ذلك اليوم -في الطامة الكبرى- وفي تلك الساعات للشهيد أو للشهداء معاملة خاصة، لهم كرامات خاصة، لهم منزلة خاصة، منها:
أنّ الشهداء لا يُصعقون من النفخ في الصور، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام، النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ) فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبريل: "من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟" قال -أي جبريل-: "هم شهداء الله", هم الشهداء يوم القيامة، الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه, وهو حديثٌ صحيح كما في صحيح الترغيب والترهيب.
القصد: أنّ الشهداء لا يُصعقون عند النفخ في الصور يوم القيامة، هذه الكرامة الأولى والفضيلة الأولى.


الفضيلة الثانية: أنّ الناس يوم القيامة في كربٍ شديد، والناس يوم القيامة أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم يرشحون، يعرقون, يسيل منهم العرق كما في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه" والحديث أخرجه البخاري ومسلم، فهذا حال الناس: أنهم يغيبون في عرقهم -في رشحهم- إلى أنصاف آذانهم، أما الشهيد فأمره آخر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يُكلم أحدٌ في سبيل الله" لا يُكلم يعني لا يُجرح "لا يُكلم أحدٌ في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك" الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
الناس في حالة عرق وفي حالة رشح ويغيبون في رشحهم إلى أنصاف آذانهم؛ يأتي الشهيد يوم القيامة ودمه يسيل ورائحته مسك.
وجاء أيضًا في الحديث الآخر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة" يعني مقدار ما بين الحلبتين "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة, ومن سأل الله القتل من نفسه صادقًا ثم مات أو قُتِل فإنّ له أجر شهيد, ومن جُرِح جرحًا في سبيل الله أو نُكِب نكبةً فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك" أخرجه أبو داوود، وهو حديثٌ صحيح.
إذًا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عموم الناس أنّ حالهم: يسيل منهم العرق، وأنهم في حالة ضيق.


أما الشهيد, أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يأتي يوم القيامة وجرحه يثغب دمًا, يسيل دمًا كأغزر ما كانت, لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك، تفوح منه يوم القيامة ريح المسك، فمتى تكون رائحة دم الشهيد مسكًا؟ أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ دم الشهيد ريحه ريح مسك يوم القيامة، صلى الله عليه وسلم كما في الأحاديث الصحيحة.
وهناك كرامة وتفضل من الله تبارك وتعالى على بعض الشهداء أنهم في الدنيا رائحة دمهم مسك, وهذا أمر معروف مشهود كما نعرف جميعًا، كما حدث لفواز الربيعي رحمه الله, وأبو مصعب المأربي, ومختار... , وغيرهم ممن يعرف المجاهدون ذلك منهم, يجدون رائحة المسك, المجاهدون وغيرهم من وجد من هؤلاء الشهداء معروف أنّ رائحة دمهم مسك في الحياة الدنيا, وهذه من عاجل بشرى المؤمن ومزيد فضلٍ من الله تبارك وتعالى.
إذًا من فضائل الشهيد ومن كرامة الشهيد يوم القيامة أنّ رائحة دمه مسك يوم القيامة، هذه الفضيلة الثانية.


ثم في يوم القيامة يفر الناس بعضهم من بعض كما أخبر تبارك وتعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) فيفر الأقارب بعضهم من بعض، الأخ من أخيه, والأم من ابنها, والابن من أمه وأبيه, يفرون من بعضهم لا يريدون أن يلقونهم أصلاً، بل إنّ بعض الناس يود يوم القيامة لو أن يقدِّم أهله وذريته وأقاربه في النار لينجو هو من عذاب الله، قال الله تبارك وتعالى: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) أخبر الله تبارك وتعالى عن هذا المجرم أنه يود أن يفتدي من العذاب ببنيه, يدخل بنوه النار وهو ينجو، صاحبته زوجته, أخوه، قبيلته، عشيرته، من في الأرض جميعًا يلقي بهم في النار لينجو هو من عذاب الله تبارك وتعالى.

الشهيد ينتفع به أهله يوم القيامة، كما في الحديث الصحيح المعروف المشهور عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ للشهيد عند الله سبع خصال: أن يُغفر له في أول دفعةٍ من دمه, ويرى مقعده من الجنة, ويحلّى حلّة الإيمان, ويجار من عذاب القبر, ويأمن من الفزع الأكبر, ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها, ويُزوّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين, ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه" الحديث أخرجه أحمد وهو حديثٌ حسن وحسّنه ابن حجر في فتح الباري.
إذًا الناس يفرون من أهلهم يوم القيامة ولكن الشهيد ينفع أهله وأقاربه ويُشفِّعه الله تبارك وتعالى في سبعين إنسانًا من أهل بيته، هذه الفضيلة الثالثة من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء؛ أنّ الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته يوم القيامة.

إن من الشهداء من يضحك إليهم الله تبارك وتعالى، ومن الشهداء من لا حساب عليه، جاء ذلك في الحديث، عن نعيم بن همّار أنّ رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الشهداء أفضل؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا أولئك يتلبّطون في الغرف العلا من الجنة" يتلبطون أي يتمرّغون "يتلبطون في الغرف العلا من الجنة ويضحك إليهم ربك وإذا ضحك ربك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حساب عليه" الحديث أخرجه الإمام أحمد وهو حديثٌ صحيح.



وقوله تعالى : وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ(154) سورة البقرة ، الحق جل جلاله يعلم أن أحداث الإيمان وخصوم الإيمان سيواجهون المسلمين بمشقة عنيفة .. لا تهددهم في أموالهم فقط ولكن تهددهم في نفوسهم، فأراد الله عز وجل أن يعطي المؤمنين مناعة ضد هذه الأحداث .. وأوصاهم بالصبر والصلاة يواجهون بها كل حدث يهزهم بعنف .. قال لهم إن المسألة قد تصل إلي القت إلي الاستشهاد في سبيل الله. وأراد أن يطمئنهم بأن الشهادة هي أعلى مرتبة إيمانية يستطيع الإنسان المؤمن أن يصل إليها في الدنيا فقال سبحانه: "ولا تقولون لمن يقتل في سبيل الله أموات". إن القتل هو أشد ما يمكن أن يقع على الإنسان .. فأنت تصاب في مالك أو في ولدك أو في رزقك أو في صحتك، أما أن تصاب في نفسك فتقتل فهذه هي المصيبة الكبرى .. والله سبحانه سمى الموت مصيبة واقرأ قوله تعالى:

إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ
(من الآية 106 سورة المائدة)

الله تبارك وتعالى أراد أن يفهم المؤمنون أن الذي يقتل في سبيل الله لا يموت وإنما يعطيه الله لونا جديدا من الحياة فيه من النعم ما لا يعد ولا يحصى يقول جل جلاله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون". ما هو مظهر الحياة التي يعيشونها؟ الحياة عندنا مظهرها الحركة، والذي قتل في سبيل الله ما هي حركته؟ حركته بالنسبة لغير المؤمنين خصوم الإسلام والإيمان بأنه لن يسلب منه الحياة .. لأنه سيذهب إلي حياة أسعد والموت ينقله إلي خير مما هو يعيش فيها .. أما بالنسبة للمؤمنين فإنه سيحمي لهم منهج الله ليصل إليهم إلي أن تقوم الساعة.
إن كل المعارك التي يستشهد فيها المؤمنون إنما هي سلسلة متصلة لحماية حركة الإيمان في الوجود .. وعظمة الحياة ليست في أن أتحرك أنا ولكن أن اجعل من بعدي يتحرك .. والمؤمن حين يستشهد يبقى أثره في الوجود لكل حركة من متحرك بعده .. فكل حركة لحماية الإيمان تستشهد به وبما فعله وتأخذ من سلوكه الإيماني دافعا لتقاتل وتستشهد فكأن الحركة متصلة والعملية متصلة .. أما الكافر فإن الحياة تنتهي عنده بالموت ولكن تنتظره حياة أخرى حينما يبعث الله الناس جميعا ثم يأتي بالموت فيموت .. وحين يموت الموت تصبح الحياة بلا موت إما في الجنة وإما في النار.
الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم أن من يقتل في سبيل الله هو حي عند ربه ينتقل من الحياة الدنيا إلي الحياة الآخرة مباشرة .. ولا يكتب عليه الموت في حياة البرزخ حتى يوم القيامة مثل من يموت ميتة طبيعية ولا يموت شهيدا .. ولأن هذه الحياة حياة الشهداء أخفى الله سبحان عنا تفاصيلها لأنها من حياة الآخرة .. وهي غيب عنا قال تبارك وتعالى: "ولكن لا تشعرون" .. ومادمنا لا نشعر بها فلابد أن تكون حياة أعلى من حياتنا الدنيوية.
الذي استشهد في عرف الناس سلب نفسه الحياة ولكنه في عرف الله أخذ حياة جديدة .. ونحن حين نفتح قبر أحد الشهداء نجد جسده كما هو فنقول إنه مت أمامنا .. لابد أن تتنبه إنك لحظة فتحت عليه انتقل من عالم الغيب إلي عالم الشهادة والله سبحانه قال: "أحياء عند ربهم" ولم يقل أحياء في عالم الشهادة .. فهو حي مادام في عالم الغيب ولكن أن تفتح وتكشف تجده جسدا في قبره لأنه انتقل من عالم الغيب إلي عالم الشهادة .. أما كيف؟ قلنا إن الغيب ليس فيه كيف .. لذلك لن تعرف وليس مطلوبا منك أن تعرف.
إننا حين نجري عملية جراحية لمريض يعطيه الطبيب (البنج) لكي يفقد الوحي والحس ولكن لا يعطيه له ليموت ثم يبدأ يجري العملية فلا يشعر المريض بشيء من الألم. فالمادة لا تحس لأنها هي التي أجريت عليها العملية والجسد لازال فيه الحياة من نبض وتنفس ولكنه لا يحس .. ولكن النفس الواعية التي غابت هي التي تحس بالألم. أنت عندما يكون هناك ألم في جسدك وتنام ينقطع الإحساس بالألم فكأن الألم ليس مسألة عضوية ولكنه مرتبط بالوعي .. فعند النوم تنتقل إلي عالم آخر قوانينه مختلفة .. والعلماء فحصوا مخ الإنسان وهو نائم فوجدوا أنه لا يستطيع أن يعمل اكثر من سبع ثوان يرى فيها رؤيا يظل يحكيها ساعات .. فإذا قال الحق تبارك وتعالى: "إنهم أحياء عند ربهم" .. فلابد أن نأخذ هذه الحياة على أنها بقدرات الله ومن عنده .. والله عز وجل أراد أن يقرب لنا مسألة البعث والقيامة مثل مسألة النوم.
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
(من الآية 42 سورة الزمر)

فكأن الحق جل جلاله يعطي الشهداء حياة دائمة خالدة لأنهم ماتوا في سبيله .. ومادام تعالى قال: "لا تشعرون" فلا تحاول أن تدركها بشعورك وحسك لأنك لن تدركها على أن الشهيد لابد أن يقتل في سبيل الله وليس لأي غرض دنيوي .. وإنما لتكون كلمة الله هي العليا.

شخص آخر هو أمين العثماني -تقبله الله سبحانه وتعالى في الشهداء ورفع درجته في المهديين-، نفَّذ عملية استشهادية، رءاه أحد الإخوة في المنام، قال ها كيف عملية الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ ايش اللي حصل؟ ماذا شعرت؟ ايش اللي حسيته في الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ قال كأني نمت، بعد أن ضغطت الزر كأني نمت.

ومعلوم أنَّ الإنسان إذا نام يشعر بألم؟ بالعكس يشعر بالراحة في فترة الغفوة التي هي بداية النوم الانتقال من اليقظة إلى المنام بالعكس هي لحظة مريحة ولحظة ممتعة فترة الغفوة والانتقال من اليقظة إلى المنام.
القصد، هذا ما عرفنا من الرؤى والأحلام، طبعًا لم نستفد هذه الفضيلة من الرؤى والأحلام إنما استفدناها من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة" والحديث حسن كما في صحيح الجامع، وإنما الرؤى والأحلام كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي مبشرات.


طيب في هذه الفترة الحرجة وهي الانتقال من الدنيا إلى الآخرة، الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ إلى عالم الآخرة، هذه الفترة البرزخية –الانتقال-، ماذا يشاهد الشهيد؟ ماذا ينظر؟ ماذا يلاحظ؟
في تلك اللحظة عند الاستشهاد الشهيد يرى مقعده من الجنة وهو ما زال في الدنيا عند الجرح وعند الإصابة يرى مقعده من الجنة، وقد مر معنا في اللقاء السابق حديث عبادة رضي الله عنه -عبادة بن الصامت- أنّ الشهيد يرى مقعده من الجنة كما في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ للشهيد عند الله سبع خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة" فهو يرى مقعده من الجنة، طيب يا أخي لاحظ لو سمحت وأنت في المعركة والانفجارات وأزيز الرصاص والحركة... وكذا، أُصبت، إخوانك التفوا حولك يا فلان يا فلان... أنت في تلك الساعة ماذا تشاهد؟ -الله أكبر- في تلك الساعة أنت تشاهد مقعدك من الجنة، إذا شاهدت مقعدك من الجنة هل تشعر بشيء من الألم؟ إذا كان الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عندما رأين جمال يوسف عليه السلام، فكيف بالشخص الذي يرى مقعده في دار الخلود وما أعدَّه الله تبارك وتعالى له في الجنة؟ هل يشعر بشيء؟ يعني تلك النساء رأين جمال يوسف في الدنيا فقطَّعن أيديهن ولم يشعرن بألم التقطيع فالشهيد الذي يُريه الله تبارك وتعالى مقعده من الجنة هل يشعر بألم؟ هل ما زال يفكر في شيء؟ خلاص الآن شعوره وأحاسيسه كلها متجهة إلى الدار الآخرة ينظر يرى مقعده من الجنة -سبحان الله العظيم- لا بد أن تحدِّث نفسك بهذا كثيرًا، تخيل أنَّ أنت ذلك الشخص -الله أكبر- جاءك من الله تبارك وتعلى الرضوان.



بينما الطغاة يسفكون الدماء، ويوقعون أدنى قرابين العبودية للبشر، وينتهكون الأخلاق والمواثيق والأعراف، وينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، ترتسم على شفة الشهيد تلك البسمة العذبة النقية الشفافة، أن لا تحسبوا الله غافلا عما يعمل الظالمون ..


الحقيقة التي لايماري فيها الناس كلهم حتى الآن هي حقيقة الموت، فالجميع يوقن بالمصير إليه، لكن شقوة الأشقياء تغفلهم وتنسيهم المآل، فتفاجئهم لحظة النهاية، تقضي على مااكتسبوه ظلما وزورا، وتمحو ما ضحوا لأجله طوال سني حياتهم، فينتهي النعيم الكاذب، ويذهب الصولجان الموهوم، وينفض الجند المحيطون، ويصير الكرسي الذي سفكوا لأجله دماء الطيبين لايصلح إلا أن يكون نعشا لهم يسلمهم للحظة القبر الرهيبة، حيث لا مناص من لقاء الحقيقة، ولاسبيل إلى الهروب من المصير الأسود ..

على الجانب الآخر من الصورة رمقة بديعة لايستطيع رسام أن يقلدها، ولا يمكن لشاعر أن يصفها، ولا تملك الكلمات والمعاني إحاطة بها، قادمة من صورة ذلك الشهيد المسجى في ثيابه الملونة بلون الدم، وقد اضاء وجهه نورا لايعلم أحد من أين استمده بينما شفاهه تبتسم وكأنها تراسلنا برسائل علوية سرمدية لانهائية ..

الجزارون اغتالوا حياته، ورب العالمين يبشره بأروع حياة، والظالمون سرقوا لحظته، وفي السماء تعد له أسارير الفرحة والسعادة الأبدية ..

فأي الاختيارين ينتقي إن هو خير بين الدنيا والآخرة، وأي المصيرين يرجو أن يلقى لو أمكن أن يسئل، إنه الرفيق الأعلى والمستقر الأسمى والملكوت الأبدي الخالد .


إن دورة الحياة أيام معدودات، يجهد فيها المرء كل يوم ويكد، يتألم ويعاني، يبتلى بالسراء تارة وبالضراء تارة، وهو في كل مختبر ممتحن، تعد عليه أعماله وأقواله، وتراقبه القدرة الإلهية العظمى، فيافلاحه إن هو اجتاز الاختبار وأنهى الامتحان بنجاح، وياويله إن هو ظن أن لن يحور وظل في أهله غافلا مسرورا ..

لكأن بسمة الشهيد تستغرب فعل السفهاء الحاقدين، والأغبياء السافلين، الذين لم يرعوا ذمة ولا رحما، ولم تأخذهم مكرمة ولا فضيلة، فغطى الطمع أعينهم، ولفهم الظلم الغموس، وحفتهم الشياطين، فعاثوا في الأرض فسادا وهبوا يستبيحون كل حرمة لايبالون بلحظة الحساب ..

ولكأنها تنادي اللاحقين بها من بعدها ألا تخافوا، فلا ألم وجدت، ولا معاناة لاقيت، بل حبا وصفاء وبشرى ورحابة، وسرورا وحبورا، " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين .."

ولكأنها تبث الثبات في جوانب الناس من حولها، أن موعودكم حاصل، ومرتجاكم كائن، ولو كره الكافرون .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده في الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقربائه ) رواه الترمذي وابن ماجه . وروى النسائي في سننه عن راشد بن سعد ، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رجلا قال : يا رسول الله ! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) وسنده صحيح

وأسرى الحرب من الكفار من جملة الغنائم، وهم على قسمين:
1- النساء والصبيان، وهؤلاء يُسترقّون بمجرد السبي، ويُقسمون مع الغنائم كما يُقسم المال.
2- الرجال المقاتلون، وهؤلاء يخير فيهم الإمام بين أربعة أمور:
المنّ عليهم.. أو الفداء بمال أو بأسرى.. أو قتلهم.. أو استرقاقهم.
يفصل الإمام بما هو الأصلح والأنفع للإسلام والمسلمين.
وتقدير المصلحة يتم بحسب ما يُرى في الأسير من قوة بأس، وشدة نكاية، أو أنه مرجو الإ
سلام، أو مأمون الخيانة، أو مطاع في قومه، أو أن المسلمين في حاجة إلى المال أو المهنة ونحو ذلك.
1- قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [67]} [الأنفال: 67].
2- وقال الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4].


إن القتال تكرهه النفوس، ولكن النفوس المؤمنة تستلذه إذا كان في سبيل الله؛ لما فيه إحقاق الحق، ودفع الباطل، ورفع الظلم، وحفظ الأمة، وإقامة العدل، ولما فيه من الثواب العظيم، ورضوان الله، ومحبة الله.
1- قال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [74]} [النساء: 74].

2- وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [111]} [التوبة: 111].
3- وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [169]} [آل عمران: 169].
4- وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [4]} [الصف: 4].


.حكم الفرار من الزحف:
يجب على المسلم الثبات أمام الكفار عند القتال.
وإذا التقى الجيشان فيحرم الفرار من الزحف إلا في حالتين:
التحرف للقتال.. والتحيز إلى فئة.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [15] وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [16]} [الأنفال: 15- 16].

.حكم التدمير والتخريب لممتلكات الأعداء:
يجوز عند الضرورة أو الحاجة أو المصلحة إحراق حصون الأعداء بالنار، وتخريب بيوتهم وهدمها عليهم، وقطع أشجارهم، وإفساد زروعهم؛ لما في ذلك من كسر شوكتهم، وتوهين عزيمتهم، وتفريق جمعهم.
ويجوز ضرب الكفار بالسلاح ولو تترسوا بالمسلمين؛ للضرورة، وسداً لذريعة الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم.
1- قال الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [5]} [الحشر: 5].
2- وقال الله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ [2]} [الحشر: 2].

.الراية التي يقاتل المسلم تحتها:
لا يجوز للمسلم أن يقاتل الكفار إلا تحت راية إمام المسلمين، فإن وُسِّد الأمر إلى غير أهله، وحَكَم المسلمين كافر، ولم توجد راية شرعية قادرة على النكاية بالعدو، فلا حرج من القتال تحت راية ذلك الحاكم الكافر؛ لصد عدوان الكفار، وحماية بلاد المسلمين، وحفظ دينهم وأعراضهم.
وتجوز مناصرة المسلمين لدولة كافرة على دولة أخرى كافرة إذا كان في ذلك مصلحة راجحة للإسلام والمسلمين، ودرء الشر عنهم، يقدِّرها أهل العلم والورع منهم.
فالشرع قد جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وفعل خير الخيرين، وأهون الشرين، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [59]} [النساء: 59].
2- وقال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [139]} [آل عمران: 139].
3- وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [8]} [الممتحنة: 8].
4- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أمَرَ بِتَقْوَى الله وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أجْراً، وَإِنْ قال بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ». متفق عليه.

.الاستعداد لمواصلة الغزو:
ينبغي للمسلم أن يكون مستعداً للقتال كل وقت، ولو كان حديث عهد به.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الغُبَارُ، فَقال: وَضَعْتَ السِّلاحَ، فَوَالله مَا وَضَعْتُهُ. فَقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَأيْنَ». قال: هَا هُنَا، وَأوْمَأ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. قالتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.



الجنة دار المتقين؛ وعد الله تبارك وتعالى عباده المتقين بالجنة (تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) فموعود المتقين الجنة، وموعود الكافرين النار، وما يستوي الناس، قال الله تبارك وتعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)، وقال ربي تبارك وتعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا الس
َّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، وقال ربي تبارك وتعالى: (أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فلا يستوي أهل الإيمان وأهل الكفر.
بل المؤمنون أنفسهم في الجنة لا يتساوون، قال تبارك وتعالى: (لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

وقال تبارك وتعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
فلا يستوي المؤمنون أنفسهم عند الله تبارك وتعالى في الأجر ولا في المنزلة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله"، فكذلك المجاهدون أنفسهم لا يتساوون بل يتفاضلون في الدرجات عند الله تبارك وتعالى وفي المنازل في الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي أخرجه البخاري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة"، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "منه تفجَّر أنهار الجنة"، الحديث في صحيح البخاري.


فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المجاهدين أنفسهم متفاوتون في الأجر والمثوبة والقرب من الله تبارك وتعالى، وأخبر عن مائة درجة خاصة بالمجاهدين، تتفاوت درجاتهم، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"، هذه الجنة بحاجة إلى سعي.
وقد حثَّ القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسارعة والمسابقة إلى الجنة، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يومٍ لأصحابه: "ألا هل مشمِّرٍ للجنة؛ فإن الجنة لا خَطَرَ لها، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتز، وقصرٌ مشيد، ونهرٌ مطَّرد، وفاكهةٌ كثيرةٌ نضيجة، وزوجةٌ حسناء جميلة، وحُللٌ كثيرة في مقامٍ أبدًا، في حَبرةٍ ونضرة، في دارٍ عاليةٍ سليمةٍ بهيَّة" قالوا: نحن المشمِّرون لها يا رسول الله، قال: "قولوا إن شاء الله"، الحديث أخرجه ابن حبَّان وهو حديثٌ صحيح إن شاء الله.

القصد: المسارعة إلى الجنة، مما يُسارع به إلى الجنة هو الجهاد في سبيل الله.
وللشهداء عند الله تبارك وتعالى في الجنة درجات عالية، من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء في الجنة:
الأمر الأول: أنَّ الشهداء من أول من يدخل الجنة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عُرِض عليَّ أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة وأول ثلاثةٍ يدخلون النار، فأمَّا أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة: فالشهيد، وعبدٌ مملوكٌ أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، وعفيفٌ متعفِّفٌ ذو عيال، وأما أول ثلاثةٍ يدخلون النار: فأميرٌ مسلَّط، وذو ثروةٍ من مالٍ لا يعطي حق ماله، وفقيرٌ فخور" أخرجه الترمذي والإمام أحمد وهو حديثٌ صحيح إن شاء الله.
القصد: أنَّ أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة ذكرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد وعبدٌ مملوك وعفيفٌ متعفِّف، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنَّ أول هؤلاء الثلاثة دخولاً إلى الجنة هو الشهيد، قال عليه الصلاة والسلام: "فأمَّا أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة فالشهيد..." فبدأ بهؤلاء الأصناف الثلاثة وأولهم هو الشهيد.
استفدنا إذن أنَّ الشهيد من أول من يدخل الجنة، هذه الفضيلة الأولى؛ فهم أول من يدخلون الجنة.


ثم من الشهداء من لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة، ومنهم من يدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء، هذه فضيلتان، الفضيلة الأولى: أنَّ منهم من لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، الفضيلة الثانية: أنَّ منهم من يدخل الجنة من أي أبوابها شاء.

عن عتبة بن عبدٍ السلمي -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "القتلى ثلاثة؛ رجلٌ مؤمنٌ جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو وقاتلهم حتى يُقتل فذلك الشهيد المُمتَحن في جنة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة" إذن ذاك الصنف الأول الذي لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، الصنف الثاني؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ورجلٌ فَرَقَ على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل فتلك مُمصمِصةٌ محت ذنوبه وخطاياه، إنَّ السيف محَّاءٌ للخطايا، ويدخل من أي أبواب الجنة شاء فإنَّ لها ثمانية أبواب" إذن هذا الصنف الآخر: وهو رجل خاف على نفسه من الذنوب والمعاصي التي اقترفها فجاهد بنفسه وماله حتى قُتل، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فتلك مُمصمِصةٌ -أي: مكفِّرة- محت ذنوبه وخطاياه... ويدخل من أي أبواب الجنة شاء" هذا الصنف الثاني، الثالث؛ قال عليه الصلاة والسلام: "ورجلٌ منافقٌ جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله عز وجل حتى يُقتل فذلك في النار إنَّ السيف لا يمحو النفاق" رواه أحمد بإسنادٍ حسن وهو في صحيح الترغيب والترهيب.
هذه الفضيلة الثانية والفضيلة الثالثة.


الفضيلة الرابعة من فضائل الشهداء في الجنة؛ أنَّ الشهادة سببٌ في نيل الفردوس الأعلى، جاء الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ أم الرُّبيِّع بن البراء -وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غَرْب، حارثة -رضي الله عنه- شاب فتى صغير خرج مع الجيش يوم بدر وكان نظَّارًا -يعني يشاهد المعركة من بعيد، ما دخل في القتال وإنما شهدها من بعيد-، ثم نزل للشرب من البئر فأصابه سهم غرب -يعني سهم طائش لا يُدرى مَنْ راميه؛ قد يكون من المسلمين أو من الكفار والله أعلم-، القصد: أصابه سهم غربٍ فقُتِل، هذا كلام أم حارثة تخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب-؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: "يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى" هذا الحديث أخرجه البخاري.
يقول ابن كثير -رحمه الله- في السيرة، تعليقًا على هذا الحديث وعلى هذه الواقعة وعلى حارثة حيث أنه لم يكن في القتال، قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا الذي لم يكن في بحبوحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من النظَّارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التي هي أعلى الجنان وأوسط الجنة ومنه تفجَّر أنهار الجنة التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإذا كان هذا حال هذا فما ظنك بمن كان واقفًا في نحر العدو".
يقول ابن كثير -رحمه الله- هذا حال شاب كان يشاهد المعركة وحضر مع المسلمين مع المقاتلين وإنما شاهدها وأصابه هذا السهم وقُتِل، فكيف بمن شارك في القتال! فبلا شك أنه حريٌّ أن يكون في الفردوس أكثر من غيره.

الفضيلة الخامسة: الشهيد له دارٌ ما أحسن منها، عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها"، قال: "أمَّا هذه الدار فدار الشهداء" أخرجه البخاري.
يصف النبي صلى الله عليه وسلم الدور في الجنة وأخبر أنَّ أفضل الدور هي دار الشهداء، فللشهيد دارٌ لا أحسن منها، هي أفضل دارٍ في الجنة.
إذن الشهيد من أول من يدخل الجنة، والشهيد في الفردوس الأعلى، والشهيد له دار ما أحسن منها.

ما بعد ذلك من فضل أن يكون له زوجةٌ حسنة.
والشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين، وقد مرَّ معنا أنَّ المؤمن له في الجنة زوجتان، أما الشهيد فله ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، غير زوجته التي في الدنيا إنما له من الحور العين ثنتين وسبعين.
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّ للشهيد عند الله سبع خصال؛ أن يُغفر له في أول دفعةٍ من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُحلَّى حلة الإيمان، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوَّج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه" رواه أحمد وهو حديثٌ حسن إن شاء الله.
فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ولا يُعرف هذا العدد لأحدٍ من المسلمين إلا للشهيد، يعني لا يُعرف أنَّ لمؤمنٍ في الجنة ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين إلا للشهيد كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الزوجات من الحور العين كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والحور العين صفاتها كثيرة، من الصفات التي ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن:
-الصفة الأولى: الطهارة، أنَّ الحور العين طاهرة، قال الله تبارك وتعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، فأخبر الله تبارك وتعالى عن أزواجهم أنها مطهَّرة.
وقال تبارك وتعالى: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ).
وقال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا).
فأخبر الله تبارك وتعالى عن هذه الزوجات أنَّهنَّ مطهَّرات، مطهَّرات ظاهرًا وباطنًا من الأقذار والأدناس والصفات المذمومة، فهنَّ مطهَّرات.
-ومن الصفات التي ذكرها الله تبارك وتعالى عن الحور العين، قال تبارك وتعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)، وقال تبارك وتعالى: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ).
قال تبارك وتعالى: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)، وقال تبارك وتعالى: (كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ)، وقال تبارك وتعالى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ).
فذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات مجمل صفات الحور العين، وهذه الأخيرة -(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ)- ولكن من خيم الجنة، وكيف خيمة الجنة؟
أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري ومسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ للمؤمن في الجنة لخيمةٌ من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوَّفة -لؤلؤة واحدة منحوتٌ داخلها- طولها في السماء ستون ميلاً -وفي رواية عرضها ستون ميلاً- للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا" وفي رواية: "في كل زاويةٍ منها أهلٌ ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن" هذه صفة الخيمة في الجنة، فوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخيمة في الجنة أنَّها من لؤلؤة، هذه لمن؟
هذه لك إن كنت من الشهداء، إن كنت من الشهداء فلك هذه الخيمة من اللؤلؤة المجوفة طولها في السماء ستون ميلاً.

-ووصف الله تبارك وتعالى الحور العين قال تبارك وتعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا)، معنى أتراب: قال ابن القيم -رحمه الله- مستويات في سنِّ الشباب، لم يقصِّر بهنَّ الصغر ولم يزرِ بهنَّ الكبر بل سنُّهنَّ سنُّ الشباب، وقال تبارك وتعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ اليَمِينِ) قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأما العُرُب: فجمع عروب، وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حسن التأني والتبعُّل والتحبب إلى زوجها بدلِّها وحديثها وحلاوة منطقها وحسن حركتها".
القصد: هذه من أوصاف الحور العين في القرآن الكريم، وهي أوصاف كثيرة، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث النبوية الكثير من صفات الحور العين.

ننتقل إلى الصفة التالية والكرامة التالية من كرامة الشهداء، وهي أنَّ الشهداء يؤثرهم الله تبارك وتعالى على الملائكة.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أول ثلةٍ -مجموعة- يدخلون الجنة الفقراء المهاجرون، الذين تُتقى بهم المكاره، إذا أُمِروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجلٍ منهم حاجةً إلى السلطان لم تُقضَ له حتى يموت وهي في صدره، وإنَّ الله عز وجل ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وريِّها، فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وقُتِلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي، ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حسابٍ ولا عذاب، فتأتي الملائكة فيقولون: ربنا؛ نحن نسبِّح لك الليل والنهار ونقدِّس لك، مَنْ هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب تبارك وتعالى: هؤلاء الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" الحديث رواه الحاكم وهو في صحيح الترغيب والترهيب، وفي الحديث فضائل كثيرة قد مرَّت معنا بعضها في اللقاءات السابقة.


من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء يوم القيامة؛ أنَّ الشهيد يتمنى أن يرجع للحياة الدنيا، لاحظ كل الفضائل التي مرَّت مع ذلك يتمنى الشهيد أن يرجع للدنيا مرة أخرى، لماذا؟ ليُقتل، لاحظ كأنها تجربة جميلة وحياة جميلة يريد أن يكرِّرها أكثر من مرة لينال الفضائل التي وعده الله تبارك وتعالى بها.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما أحدٌ يدخل الجنة ويحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة" أخرجه البخاري ومسلم.
إذن الشهيد لما يشاهد من الفضائل؛ ابتداءً من القتل في سبيل الله، ثم حياة البرزخ، ثم يوم القيامة، ثم غيرها وغيرها، يتمنى أن يرجع إلى الحياة الدنيا مرة أخرى ليحوز على الفضائل مرة أخرى ومرة أخرى، ليس مرتين ولا ثلاث إنما عشر مرات.

إذن فضائل الشهيد في الجنة تقريبًا ثمان:
1- الشهيد من أول من يدخل الجنة.
2- من الشهداء من لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة.
3- من الشهداء من يدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء.
4- الشهادة سببٌ في نيل الفردوس الأعلى.
5- الشهيد له دارٌ ما أحسن منها.
6- الشهيد يُزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين.
7- الشهداء يؤثرهم الله على الملائكة.
8- يتمنى الشهيد أن يرجع إلى الدنيا ليُقتل عشر مرات.


وقد روى عن أحد الحجيج العراقيين العائدين أنه رأى حول الكعبة رجلا يطوف معهم ويصيح ( ولِ يا محروم ) في كل شوط يطوفه وعندها سأله الطائفون عن سر عبارته هذه ما معناها ولماذا يكررها بدون إنقطاع ؟ فأجاب الرجل وهو متحسر متنهد : كنا عشرة رجال ذهبنا للجهاد إلى روسيا وشاء الله إن يمسكوا بنا ويحكم علينا بالإعدام في ساحة عامة تجمهر الناس فيها وعندها قرئ المنشور وتليت أسماؤنا واحداً واحداً وعندها رأينا إن السماء فتحت ونزل منها عشر حوريات أضاءت لنور وجههن جنبات الكون وامتلأت بعطرهن أرجاء الفضاء وكنّ ذا جمال يسبي العقول ويذهب بالألباب وعندما تدلى أول جثمان رأيناه في حضن واحدة من تلك الحوريات أخذته وطارت به إلى السماء وهو في غاية السعادة وقمة السرور وهكذا كلما سقط واحد منا وعندما جاء دوري قال صاحب المنشور أما أنت فترجع بالخبر إلى من أرسلوك ، لكني توسلت أن يعدموني ويلحقني بأصحابي لكنهم رفضوا فنظرت إلى تلك الحورية وهي واقفة تنتظرني ثم قالت لي هذه الكلمة ( ولِ يا محروم ) (5) ، نعم أيها الأحبة فما الشيء الذي حرم منه إنها الجنان – إنها الحياة الخالدة { بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } . بل هم الرفيق الحسن في هذه الجنة حيث قال الله في وصف المؤمنين الطائعين : { فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } (69) سورة النساء . ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتمنون الشهادة في سبيله لما لها من هذه المكانة العظيمة فلا يعلمون عنها سوى الطريق الموصل لما أعدّ الله لهم من الجنات فهذا حنظلة تزوج حديثاً وقد جامع إمرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي للجهاد فيخرج وهو مجنبٌ ليسقط شهيداً في سبيل الله ليراه النبي بيد الملائكة تغسله ليسمى بغسيل الملائكة .


الله تبارك وتعالى أراد أن يفهم المؤمنون أن الذي يقتل في سبيل الله لا يموت وإنما يعطيه الله لونا جديدا من الحياة فيه من النعم ما لا يعد ولا يحصى يقول جل جلاله: "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون". ما هو مظهر الحياة التي يعيشونها؟ الحياة عندنا مظهرها الحركة، والذي قتل في سبيل الله ما هي حركته؟ حركته بالنسبة لغير المؤمنين خصوم الإسلام والإيمان بأنه لن يسلب منه الحياة .. لأنه سيذهب إلي حياة أسعد والموت ينقله إلي خير مما هو يعيش فيها .. أما بالنسبة للمؤمنين فإنه سيحمي لهم منهج الله ليصل إليهم إلي أن تقوم الساعة.
إن كل المعارك التي يستشهد فيها المؤمنون إنما هي سلسلة متصلة لحماية حركة الإيمان في الوجود .. وعظمة الحياة ليست في أن أتحرك أنا ولكن أن اجعل من بعدي يتحرك .. والمؤمن حين يستشهد يبقى أثره في الوجود لكل حركة من متحرك بعده .. فكل حركة لحماية الإيمان تستشهد به وبما فعله وتأخذ من سلوكه الإيماني دافعا لتقاتل وتستشهد فكأن الحركة متصلة والعملية متصلة .. أما الكافر فإن الحياة تنتهي عنده بالموت ولكن تنتظره حياة أخرى حينما يبعث الله الناس جميعا ثم يأتي بالموت فيموت .. وحين يموت الموت تصبح الحياة بلا موت إما في الجنة وإما في النار.
الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم أن من يقتل في سبيل الله هو حي عند ربه ينتقل من الحياة الدنيا إلي الحياة الآخرة مباشرة .. ولا يكتب عليه الموت في حياة البرزخ حتى يوم القيامة مثل من يموت ميتة طبيعية ولا يموت شهيدا .. ولأن هذه الحياة حياة الشهداء أخفى الله سبحان عنا تفاصيلها لأنها من حياة الآخرة .. وهي غيب عنا قال تبارك وتعالى: "ولكن لا تشعرون" .. ومادمنا لا نشعر بها فلابد أن تكون حياة أعلى من حياتنا الدنيوية.
الذي استشهد في عرف الناس سلب نفسه الحياة ولكنه في عرف الله أخذ حياة جديدة .. ونحن حين نفتح قبر أحد الشهداء نجد جسده كما هو فنقول إنه مت أمامنا .. لابد أن تتنبه إنك لحظة فتحت عليه انتقل من عالم الغيب إلي عالم الشهادة والله سبحانه قال: "أحياء عند ربهم" ولم يقل أحياء في عالم الشهادة .. فهو حي مادام في عالم الغيب ولكن أن تفتح وتكشف تجده جسدا في قبره لأنه انتقل من عالم الغيب إلي عالم الشهادة .. أما كيف؟ قلنا إن الغيب ليس فيه كيف .. لذلك لن تعرف وليس مطلوبا منك أن تعرف.

إننا حين نجري عملية جراحية لمريض يعطيه الطبيب (البنج) لكي يفقد الوحي والحس ولكن لا يعطيه له ليموت ثم يبدأ يجري العملية فلا يشعر المريض بشيء من الألم. فالمادة لا تحس لأنها هي التي أجريت عليها العملية والجسد لازال فيه الحياة من نبض وتنفس ولكنه لا يحس .. ولكن النفس الواعية التي غابت هي التي تحس بالألم. أنت عندما يكون هناك ألم في جسدك وتنام ينقطع الإحساس بالألم فكأن الألم ليس مسألة عضوية ولكنه مرتبط بالوعي .. فعند النوم تنتقل إلي عالم آخر قوانينه مختلفة .. والعلماء فحصوا مخ الإنسان وهو نائم فوجدوا أنه لا يستطيع أن يعمل اكثر من سبع ثوان يرى فيها رؤيا يظل يحكيها ساعات .. فإذا قال الحق تبارك وتعالى: "إنهم أحياء عند ربهم" .. فلابد أن نأخذ هذه الحياة على أنها بقدرات الله ومن عنده .. والله عز وجل أراد أن يقرب لنا مسألة البعث والقيامة مثل مسألة النوم.
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
(من الآية 42 سورة الزمر)

فكأن الحق جل جلاله يعطي الشهداء حياة دائمة خالدة لأنهم ماتوا في سبيله .. ومادام تعالى قال: "لا تشعرون" فلا تحاول أن تدركها بشعورك وحسك لأنك لن تدركها على أن الشهيد لابد أن يقتل في سبيل الله وليس لأي غرض دنيوي .. وإنما لتكون كلمة الله هي العليا.


شخص آخر هو أمين العثماني -تقبله الله سبحانه وتعالى في الشهداء ورفع درجته في المهديين-، نفَّذ عملية استشهادية، رءاه أحد الإخوة في المنام، قال ها كيف عملية الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ ايش اللي حصل؟ ماذا شعرت؟ ايش اللي حسيته في الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ قال كأني نمت، بعد أن ضغطت الزر كأني نمت.

ومعلوم أنَّ الإنسان إذا نام يشعر بألم؟ بالعكس يشعر بالراحة في فترة الغفوة التي هي بداية النوم الانتقال من اليقظة إلى المنام بالعكس هي لحظة مريحة ولحظة ممتعة فترة الغفوة والانتقال من اليقظة إلى المنام.
القصد، هذا ما عرفنا من الرؤى والأحلام، طبعًا لم نستفد هذه الفضيلة من الرؤى والأحلام إنما استفدناها من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة" والحديث حسن كما في صحيح الجامع، وإنما الرؤى والأحلام كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي مبشرات.


في هذه الفترة الحرجة وهي الانتقال من الدينا إلى الآخرة، الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ إلى عالم الآخرة، هذه الفترة البرزخية –الانتقال-، ماذا يشاهد الشهيد؟ ماذا ينظر؟ ماذا يلاحظ؟
في تلك اللحظة عند الاستشهاد الشهيد يرى مقعده من الجنة وهو ما زال في الدنيا عند الجرح وعند الإصابة يرى مقعده من الجنة، وقد مر معنا في اللقاء السابق حديث عبادة رضي الله عنه -عبادة بن الصامت- أنّ الشهيد يرى مقعده من الجنة كما في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ للشهيد عند الله سبع خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة" فهو يرى مقعده من الجنة، طيب يا أخي لاحظ لو سمحت وأنت في المعركة والانفجارات وأزيز الرصاص والحركة... وكذا، أُصبت، إخوانك التفوا حولك يا فلان يا فلان... أنت في تلك الساعة ماذا تشاهد؟ -الله أكبر- في تلك الساعة أنت تشاهد مقعدك من الجنة، إذا شاهدت مقعدك من الجنة هل تشعر بشيء من الألم؟ إذا كان الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عندما رأين جمال يوسف عليه السلام، فكيف بالشخص الذي يرى مقعده في دار الخلود وما أعدَّه الله تبارك وتعالى له في الجنة؟ هل يشعر بشيء؟ يعني تلك النساء رأين جمال يوسف في الدنيا فقطَّعن أيديهن ولم يشعرن بألم التقطيع فالشهيد الذي يُريه الله تبارك وتعالى مقعده من الجنة هل يشعر بألم؟ هل ما زال يفكر في شيء؟ خلاص الآن شعوره وأحاسيسه كلها متجهة إلى الدار الآخرة ينظر يرى مقعده من الجنة -سبحان الله العظيم- لا بد أن تحدِّث نفسك بهذا كثيرًا، تخيل أنَّ أنت ذلك الشخص -الله أكبر- جاءك من الله تبارك وتعلى الرضوان.


الحق جل جلاله يعلم أن أحداث الإيمان وخصوم الإيمان سيواجهون المسلمين بمشقة عنيفة .. لا تهددهم في أموالهم فقط ولكن تهددهم في نفوسهم، فأراد الله عز وجل أن يعطي المؤمنين مناعة ضد هذه الأحداث .. وأوصاهم بالصبر والصلاة يواجهون بها كل حدث يهزهم بعنف .. قال لهم إن المسألة قد تصل إلي القتل
.. إلي الاستشهاد في سبيل الله. وأراد أن يطمئنهم بأن الشهادة هي أعلى مرتبة إيمانية يستطيع الإنسان المؤمن أن يصل إليها في الدنيا فقال سبحانه: "ولا تقولون لمن يقتل في سبيل الله أموات". إن القتل هو أشد ما يمكن أن يقع على الإنسان .. فأنت تصاب في مالك أو في ولدك أو في رزقك أو في صحتك، أما أن تصاب في نفسك فتقتل فهذه هي المصيبة الكبرى .. والله سبحانه سمى الموت مصيبة واقرأ قوله تعالى:


إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ
(من الآية 106 سورة المائدة)


ونحن حين نفتح قبر أحد الشهداء نجد جسده كما هو فنقول إنه مت أمامنا .. لابد أن تتنبه إنك لحظة فتحت عليه انتقل من عالم الغيب إلي عالم الشهادة والله سبحانه قال: "أحياء عند ربهم" ولم يقل أحياء في عالم الشهادة .. فهو حي مادام في عالم الغيب ولكن أن تفتح وتكشف تجده جسدا في قبره لأنه انتقل من عالم الغيب إلي عالم الشهادة .. أما كيف؟ قلنا إن الغيب ليس فيه كيف .. لذلك لن تعرف وليس مطلوبا منك أن تعرف.

إننا حين نجري عملية جراحية لمريض يعطيه الطبيب (البنج) لكي يفقد الوحي والحس ولكن لا يعطيه له ليموت ثم يبدأ يجري العملية فلا يشعر المريض بشيء من الألم. فالمادة لا تحس لأنها هي التي أجريت عليها العملية والجسد لازال فيه الحياة من نبض وتنفس ولكنه لا يحس .. ولكن النفس الواعية التي غابت هي التي تحس بالألم. أنت عندما يكون هناك ألم في جسدك وتنام ينقطع الإحساس بالألم فكأن الألم ليس مسألة عضوية ولكنه مرتبط بالوعي .. فعند النوم تنتقل إلي عالم آخر قوانينه مختلفة .. والعلماء فحصوا مخ الإنسان وهو نائم فوجدوا أنه لا يستطيع أن يعمل اكثر من سبع ثوان يرى فيها رؤيا يظل يحكيها ساعات .. فإذا قال الحق تبارك وتعالى: "إنهم أحياء عند ربهم" .. فلابد أن نأخذ هذه الحياة على أنها بقدرات الله ومن عنده .. والله عز وجل أراد أن يقرب لنا مسألة البعث والقيامة مثل مسألة النوم.
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
(من الآية 42 سورة الزمر)

فكأن الحق جل جلاله يعطي الشهداء حياة دائمة خالدة لأنهم ماتوا في سبيله .. ومادام تعالى قال: "لا تشعرون" فلا تحاول أن تدركها بشعورك وحسك لأنك لن تدركها على أن الشهيد لابد أن يقتل في سبيل الله وليس لأي غرض دنيوي .. وإنما لتكون كلمة الله هي العليا.

شخص آخر هو أمين العثماني -تقبله الله سبحانه وتعالى في الشهداء ورفع درجته في المهديين-، نفَّذ عملية استشهادية، رءاه أحد الإخوة في المنام، قال ها كيف عملية الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ ايش اللي حصل؟ ماذا شعرت؟ ايش اللي حسيته في الانتقال من الدنيا إلى الآخرة؟ قال كأني نمت، بعد أن ضغطت الزر كأني نمت.

ومعلوم أنَّ الإنسان إذا نام يشعر بألم؟ بالعكس يشعر بالراحة في فترة الغفوة التي هي بداية النوم الانتقال من اليقظة إلى المنام بالعكس هي لحظة مريحة ولحظة ممتعة فترة الغفوة والانتقال من اليقظة إلى المنام.
القصد، هذا ما عرفنا من الرؤى والأحلام، طبعًا لم نستفد هذه الفضيلة من الرؤى والأحلام إنما استفدناها من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة" والحديث حسن كما في صحيح الجامع، وإنما الرؤى والأحلام كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي مبشرات.

طيب في هذه الفترة الحرجة وهي الانتقال من الدينا إلى الآخرة، الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ إلى عالم الآخرة، هذه الفترة البرزخية –الانتقال-، ماذا يشاهد الشهيد؟ ماذا ينظر؟ ماذا يلاحظ؟
في تلك اللحظة عند الاستشهاد الشهيد يرى مقعده من الجنة وهو ما زال في الدنيا عند الجرح وعند الإصابة يرى مقعده من الجنة، وقد مر معنا في اللقاء السابق حديث عبادة رضي الله عنه -عبادة بن الصامت- أنّ الشهيد يرى مقعده من الجنة كما في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ للشهيد عند الله سبع خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة" فهو يرى مقعده من الجنة، طيب يا أخي لاحظ لو سمحت وأنت في المعركة والانفجارات وأزيز الرصاص والحركة... وكذا، أُصبت، إخوانك التفوا حولك يا فلان يا فلان... أنت في تلك الساعة ماذا تشاهد؟ -الله أكبر- في تلك الساعة أنت تشاهد مقعدك من الجنة، إذا شاهدت مقعدك من الجنة هل تشعر بشيء من الألم؟ إذا كان الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عندما رأين جمال يوسف عليه السلام، فكيف بالشخص الذي يرى مقعده في دار الخلود وما أعدَّه الله تبارك وتعالى له في الجنة؟ هل يشعر بشيء؟ يعني تلك النساء رأين جمال يوسف في الدنيا فقطَّعن أيديهن ولم يشعرن بألم التقطيع فالشهيد الذي يُريه الله تبارك وتعالى مقعده من الجنة هل يشعر بألم؟ هل ما زال يفكر في شيء؟ خلاص الآن شعوره وأحاسيسه كلها متجهة إلى الدار الآخرة ينظر يرى مقعده من الجنة -سبحان الله العظيم- لا بد أن تحدِّث نفسك بهذا كثيرًا، تخيل أنَّ أنت ذلك الشخص -الله أكبر- جاءك من الله تبارك وتعلى الرضوان.

تحدث أحد الإخوة من المجاهدين كان في أفغانستان وشهد (تورا بورا)، قال كان هناك أحد الشباب المقاتلين في اشتباك، وكان متستِّر بحاجز متترِّس بحاجز لا أذكر تراب أو حجارة متترِّس بشيء ثم إذا أراد أن يقاتل العدو يرفع رأسه ليرى العدو ثم يطلق وينخفض مرة أخرى وكلما يريد أن يرمي على العدو يرفع رأسه حتى يرى العدو ثم يطلق وينخفض يختبئ بينما هو يفعل هكذا رفع رأسه فأصابته طلقة في رأسه مباشرة فارق على إثرها الحياة بمجرد أن رفع رأسه أصابته طلقة في رأسه فارق الحياة. رُؤي بعدها في المنام قال له ها ما الذي حدث؟ قال ما أدري أنا كنت أرفع رأسي أطلق على العدو وأنخفض، في إحدى المرات رفعت رأسي فرأيت الدنيا خضراء كلها أشجار خضراء، هذا الذي شاهدت. لعلَّه والله أعلم رأى منزله من الجنة رأى مقعده من الجنة والله أعلم.

الشهيد لا يجد ألم القتل، الشهيد يرى مقعده من الجنة، هناك أمر آخر هو أنَّ الشهيد وهو ما زال في الدنيا تبتدره زوجته من الحور العين قبل أن يُرفع من مصرعه، ما معنى هذا الكلام؟
اسمع معي هذا الحديث، حديث رواه البيهقي بإسنادٍ حسن كما في صحيح الترغيب والترهيب وإن شاء الله حديث صحيح، عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم -هو الحديث عبارة عن قصة- خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة هو وأصحابه خرجوا في غزوة، وهم في سيرهم إلى العدو مروا برجلٍ أعرابي، فالأعرابي رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه واستعجب من هؤلاء؟! قالوا هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ماذا يريدون؟ قالوا يريدون الغزو، فسأل سؤال قال هل من عرض الدنيا يصيبون؟ -يحصلوا على أموال لمَّا يقاتلوا هؤلاء هل يحصلون على أموال؟- قيل له نعم يصيبون الغنائم ثم تقسم بين المسلمين، هذه كل المعلومات التي حصل عليها، أنَّ هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومتجه في غزوة مع أصحابه وأنهم يصيبون من الدنيا، اتجه إلى جملٍ صغير له بكر أخذه وانطلق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم انطلق في الغزوة انطلق في الجهاد، ما احتاج إلى كثير من الحسابات والمشاورات وكثير من التحريض والآيات والأحاديث، مسألة بسيطة، أين متجه للغزو؟ بسم الله أخذ جمله وانطلق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع أصحابه يغزو، فكان في مروره مع جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحاول أن يقترب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببكره بجمله الصغير يحاول أن يقترب والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يذودون بكره يمنعون جمله من الاقتراب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك من أصحابه قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوا لي النجدي" يعني اتركوه "دعوا لي النجدي فوالذي نفسي بيده إنه لمن ملوك الجنة" -الله أكبر- وفي الجنة ملوك من ضمن هؤلاء الملوك هذا الرجل المجاهد، ماذا فعل؟ أعرابي بسيط مسكين، ما الذي حصل؟ هؤلاء مجاهدين في سبيل الله فانطلق مع المجاهدين يجاهد في سبيل الله، بهذا العمل ارتقى درجة عالية عند الله تبارك وتعالى أنه من ملوك الجنة -الله أكبر-، فلقوا العدو قُتِل هذا الأعرابي، ما اسمه؟ لا ندري اسمه أعرابي، ماذا فعل؟ قاتل وقُتِل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول غزوة، غزوة واحدة ومات، قُتِل، فأُخبِر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه قعد عند رأسه والنبي صلى الله عليه وسلم مستبشر يضحك وفجأة والنبي صلى الله عيله وسلم مستبشر يضحك أعرض بوجهه أشاح بوجهه عن هذا الأعرابي التفت إلى الجانب الآخر، تعجَّب الصحابة رضوان الله عليهم، فقالوا يا رسول الله رأيناك مستبشرًا تضحك ثم أعرضت، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أما ما رأيتم من استبشاري أو قال سروري فلما رأيت من كرامة روحه على الله عز وجل، وأما إعراضي عنه فإنَّ زوجته من الحور العين الآن عند رأسه"، يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عندما رأى الحور العين معه عند رأسه أعرض بوجهه، أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ زوجته من الحور العين عند رأسه.

وروى الحاكم وقال بأنه حديث صحيح على شرط مسلم والحديث في صحيح الترغيب والترهيب، عن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً أسود -انتبه معي في هذا الحديث لو سمحت- أنَّ رجلاً أسود أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني رجلٌ أسود منتن الريح قبيح الوجه لا مال لي -الله المستعان- فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أُقتل فأين أنا؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "في الجنة" فقاتل حتى قُتِل فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "قد بيّض الله وجهك وطيّب ريحك وأكثر مالك" قال الراوي وقال لهذا أو لغيره -النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الشهيد أو لغيره- لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبَّةً له من صوف تدخل بينه وبين جبَّته" كلام من هذا؟ كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشك ليس الشك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، النبي قاله، إنما الشك لمن قيلت، أما الذي قاله قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يوجد في ذلك شك، إنما الشك لمن قيلت؟ هل قالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا أو لهذا، أما أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبّةً له من صوف تدخل بينه وبين جبّته" فهذا قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشاهد، أنَّ الشهيد تبتدره زوجته من الحور العين قبل أن يُرفع من مصرعه.

أخونا المثنى الصنعاني -تقبَّله الله في الصالحين ورفع درجته في المهديين-، رجل صالح -نحسبه والله حسيبه- أصيب في الاشتباك، مش عملية استشهادية، لا، اشتباك، أصيب بالاشتباك ثم جُرِح وأُخِذ إلى المستشفى والحمد لله لدينا مستشفيات لدينا أكثر من مستشفى الحمد لله وطاقم طبي ممتاز ذو خبرة وكفاءة عالية اللهم لك الحمد هذا فضل الله تبارك وتعالى، القصد، أُخِذ إلى المستشفى وفي المستشفى هو مصاب بغيبوبة دخل في غيبوبة وكان بجواره أخوه، أخوه هذا أيضًا استشهد -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلهم في الصالحين-، القصد؛ كان بجواره أخوه وهو في الغيبوبة المثنى سمعه أخوه وهو يتمتم بكلمات يقول باللهجة الصنعانية: "كلّهنّ حاليات" أي كلّهنّ جميلات، استغرب أخوه ما هذا الكلام...! فانتظر فأفاق إفاقة المثنى تقبله الله، فسأله أخوه سمعتك تقول كذا وكذا قال أما إني رأيت رجلاً يخيرني بين النساء أيهن تريد؟ فقلت ما سمعت. تقبله الله تبارك وتعالى نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في الصالحين.
طيب هذا الأمر وهو أنَّ الشهيد تبتدره زوجته من الحور العين قبل أن يُرفع من مصرعه لعل هذا هو السبب في الكرامة التي نراها في الشهداء أنهم يبتسمون ترى على الشهيد ابتسامة، لعل والله أعلم سبب الابتسامة هذه على وجهه وقد قُتِل أنه يرى مقعده من الجنة ويرى زوجته من الحور العين فتكون عليه هذه الابتسامة، وقد يرى أمورًا أخرى لا نعرفها لكن الذي نعرفه أنه عند استشهاده يرى مقعده من الجنة وتبتدره زوجته من الحور العين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الشهداء.

الشهيد لا يغسَّل ولا يكفن، هذا أمر واضح، أنَّ الشهيد لا يغسل ولا يكفن، لكن في بعض الحالات بعض الخصوصيات يغسل الشهيد في عالم الغيب ليس في الدنيا، في عالم الآخرة في عالم الغيب، اسمع معي، عندما قُتِل حنظلة بن عامر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ صاحبكم تغسله الملائكة" قُتِل حنظلة بن عمر رضي الله عنه فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه تغسله الملائكة "إنَّ صاحبكم تغسله الملائكة" يعني حنظلة "فاسألوا صاحبته" اسألوا زوجته، فقالت إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جُنب، لما قالوا هيا إلى الجهاد قام مباشرةً وهو جُنب لم يغتسل وانطلق إلى الغزوة مباشرةً، لاحظت الفرق؟ مباشرة انطلق إلى الغزوة لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لذلك غسَّلته الملائكة" والحديث رواه الحاكم والبيهقي وهو حديث صحيح كما في السلسلة الصحيحة.
إذن من الشهداء من تغسِّله الملائكة هذا ثابت بالحديث الصحيح مثل حنظلة رضي الله عنه، حنظلة بن عامر رضي الله عنه، ولعل مثل -والله أعلم- أخونا أبو عبد الله الصنعاني أمين عثمان كتيبة الاستشهاديين -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله ويرفع درجته في المهديين-، جاء موعد الغزوة، جاء وقت الانطلاق للغزوة، وقبل الانطلاق للغزوة نام -سبحان الله العظيم- مقبل على عملية استشهادية وقبل العملية ينام، وتلك سنَّة الجهاد، قال الله تبارك وتعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ) من الله تبارك وتعالى، القصد نام فاستيقظ وقد وجب عليه الغسل، لم يدركه الوقت، الآن لا بد أن ينطلق، توضأ ثم ذهب ونفَّذ، رؤي بعدها في المنام رءاه أحد الإخوة، قال رأيته وكأنه خرج من الحمام ما زال عليه آثار الاغتسال، فلعل هذا أن يكون اغتسل في عالم الغيب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في الصالحين.

من فضائل الشهادة أيضًا وكرامة الشهداء أنَّ من الشهداء من تظلّه الملائكة بأجنحتها، بعد أن يستشهد تظله الملائكة بأجنحتها، وهذه الكرامة لم تثبت إلا في حق شهيد، ولا يلزم من ذلك أنها لكل الشهداء كما لا يلزم أن هذه الكرامة ليست إلا لمن ورد الخبر بذكره دون باقي الشهداء، فضل الله عظيم، أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي يوم أحد وقد مُثِّل به حتى وُضِع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: "فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رُفِع" الملائكة كانت تظلله وهو شهيد، فمن الشهداء من تظلهم الملائكة بأجنحتها.

ثم من فضائل الشهادة وكرامة الشهداء الحياة بعد الاستشهاد مباشرة، لذلك قال الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) وقال ربي تبارك وتعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) لاحظ قول الله تبارك وتعالى: (أَحْيَاءٌ... يُرْزَقُونَ) أنت إذا سُئلت عن شخص هل هو حي أو ميت وأنت تريد أن تؤكد حياته تقول بل هو حي يرزق فتذكر الرزق دليل على كمال الحياة على تحقق الحياة، فالله سبحانه وتعالى أكد لنا حياة الشهداء بأنهم يرزقون، قال تبارك وتعالى: (بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فهم أحياء عند الله تبارك وتعالى ليس عندنا، عند الله تبارك وتعالى.. (أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

لقد حيرت ابتسامة الشهيد العالم لأن أرواح الشهداء عذبة تبتسم لمعايين الرضا ، ولو سألت عيون المشتاقين الهائمين بحب الله عزوجل لرأيت وميضها يتكلم ، فحنين السماء لوجه الارض تعكسه الارض لوجه السماء ، قبل أن ينتقل المؤمن وخاصة الشهيد إلى الرفيق الأعلى يرى أشياء يرى أشياء لا يمكن للإنسان العادي رؤيتها مثلا يرى ملائكة يبشرونه بالخير وأنه سينتقل إلى الجنة في العالم الآخر ويلقى الله تعالى على حسن الخاتمة ، يقول الله تعالى في سورة ق{فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}، وجاء العلم ليثبت أن الإنسان يوضع على عينيه حاجز حيث يرى بمدى محدد ووظيفة هذا الحاجز أنه يمنعنا من أن نرى الجن والملائكة، وعندما تأتي ساعة الاحتضار يتم رفع هذا الحاجب ويرى الإنسان الملائكة وبعد ذلك يصبح عنده تشويش في الدماغ مما رآه حيث لا يمكن أن يتحدث عما يراه وتتبلد الأطراف ويحدث هبوط في القلب ويتم نزع الروح من القدم حتى لايهرب الإنسان من ألم خروجها
يقول الله تعالى (والتفت الساق بالساق)، ولمعلومك : ألم طلوع الروح قدرهُ العلماء ، بـ3 آلاف ضربة بالسيف للإنسان العادي ، أما للشهيد لله دره والتخفيف ثواب من عنده ، فعنده لا تكون الصدمة بأكثر من ألم القرصة ، يقول الله تعالى في سورة ق{فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}
ربنا نسألك حسن الخاتمة بالشهادة وحلاوة الاستشهاد في سبيل لا إله إلا الله
وتقبض روحنا على شهادة لا اله إلا الله محمد رسول الله اللهم آمين ، ولا ننسى أن سماع القرآن يقلل من انتشار موت الفجأه وكأن أمة محمد مخدرة
فنحن لا نعي هذه اللحظة إلا من رحم ربي استيقظوا من غفلتكم ففروا إلى الله ، فالصواعق لا تصيب إلا قمم الجبال الشاهقة مثل الشهداء والمؤمنين، أما الوديان والمنحدرات فلا تأتي إليها سوى مجاري الأنهار المليئة بالأوساخ والطمي مثل المنافقين والكافرين بوحدانية الله ، نسأل الله أن يكسبنا الشهادة في سبيله ويجمعنا مع أحبتنا الشهداء وخاصة شقيقي الشهيد البطل عامر محمد ناجي ، الذي استشهد دفاعاً عن دينه وأرضه وكرامته لتعيش الأجيال القادمة في سوريا حرة أبية معتزة بدينها وشهدائها وكرامتها .



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدى الزمني لسقوط الأسد ونظامه الإرهابي
- سيناريوهات الثورة السورية حسب المعطيات الداخلية والظروف الدو ...
- استراتيجية شهيد الثورة السورية الشهيد البطل عامر محمد ناجي ل ...
- الشهيد البطل عامر محمد ناجي شهيد مدينة دوما الأبية
- من أجل إنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية والمستقيلية
- الشباب أمل الأمة في تقدمها
- ملاحظات حول مشروع دستور الجمهورية الليبية
- الإعلام النازي الأسدي في سوريا
- من يحكم سوريا الطائفة العلوية أم الأسرة الأسدية**الجزء الأول ...
- ياسوريا ثوري ثوري
- التناقضات الداخلية التي هزت سورية
- مساهمة العوامل الخارجية في عدم الاستقرار السياسي في سوريا - ...
- خطة عمل مقترحة لمنظمات حقوق الإنسان
- المرأة السورية قدوة المرأة العربية في النضال والتضحية
- بروز ظاهرة الفقر في سوريا في العهد الأسدي الدوافع والأسباب
- انهيار التنمية السياسية و التنمية الاقتصادية وأثر ذلك على ال ...
- العلاقات بين الدول العربية وجمهورية جنوب أفريقيا بعد الأبارت ...
- مأساة المجتمع الأسري في العهد الأسدي
- قصيدة عنوانها / الطبيب الحاكم/
- ما أهداف الثورة السورية ومطالبها وتطلعاتها


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عزو محمد عبد القادر ناجي - رأي الشهيد القائد عامر محمد ناجي في الحياة والموت والشهادة والاستشهاد