أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فرانسوا باسيلي - الفرار من قبضة ساندي














المزيد.....

الفرار من قبضة ساندي


فرانسوا باسيلي

الحوار المتمدن-العدد: 3899 - 2012 / 11 / 2 - 08:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قطع أوباما حملته الإنتخابية المحمومة في اسبوعها الحاسم الأخير وجاء إلينا هنا في نيو جرسي ليستقل طائرة هليوكبتر في صحبة حاكم الولاية الجمهوري كريس كريستي تفقدين الأحياء التي تضررت من إعصار "ساندي" الهائل. وكانت الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية علي مستوى الولاية والمقاطعة والمدينة قد أقاموا إستعدادات كبيرة قبل وصول الإعصار بثلاثة أيام، وكان علماء الطقس قد حددوا بدقة كبيرة وقت ومكان وصول ساندي إلي المنطقة مما أدي إلي تفادي الالاف من الأرواح والاصابات، فكانت الوفيات أقل من ستين، وبدون الرصد العلمي والادارة الدقيقة للكارثة الطبيعية لكانت الوفيات بالآلاف. وعد اوباما بأن يكون رد هيئة الاغاثة الفدرالية لكل طالب معونة في غضون خمسة عشر دقيقة. أما حاكم الولاية فقد أكد "نعم نشعر بالحزن، ولكن لن يحل حزننا محل عزيمتنا واصرارنا".

وهذه هي شهادتي وتجربتي الشخصية عن تلك الأيام العصيبة:

جاءت ساندي إلينا هنا في نيو جرسي ثم ذهبت، ولم تذهب آثارها بعد.
ساندي المرأة الإعصار.. وهل توجد إمرأة ليست إعصارا؟
جاءت ساندي هائجة مائجة..تعصف وتقذف..تدوي وتلوي، تضرب وتخلع وتلقي وتبعثر، ساندي المرأة المجنونة الغضب، الجنية محلولة الشعر تضرب به كل ما يعترض طريقها من مدن وقري.. بنايات وأشجار.. طرق وجسور، تصب علي الجميع أهوالا من أمطار وانهار ورياح وإعصار، ضربت بالجنون كل شيء فلم تعد شجرة تقف في مكانها في هدوء، جنت الأشجار فراحت تتطوح بكل أغصانها وجذوعها في الهواء صارخة مولولة في هلع لم تعرفه من قبل.. فاذا كان الشجر يصرخ فماذا يفعل البشر؟ رحت أنظر من وراء زجاج النافذه في ليلة ليلاء لم نعرف إن كان سيظهر لها صبح..أراقب الطبيعة في أوج هياجها، سماء ملبدة ورياح بلا عقل، قوي الطبيعة وقد انطلقت من عقالها فلا يردعها شيء. مشهد مهيب لكون خرج عن طوره وراح يصب جام غضبه علي أرض البشر، المطارات اغلقت والطائرات هربت من المنطقة برمتها، الانهار فاضت عن حاجتها وغمرت الأرض بأمتار من المياه و كأننا في أيام الخلق الأولي، فأغرقت السيارات والطوابق السفلي من المنازل، الكهرباء قطعت والبرد يزحف ليضرب العظام... تري كم سيطول إنقطاع الكهرباء؟ وهل سيصمد الطعام في الثلاجة ونجد ما يكفينا حتي عودة الحياة لطبيعتها؟ وماذا إذا لم تصمد النوافذ الزجاجية الكبيرة لضربات الرياح الصارمة وانهارت الألواح الزجاجية لتكتسح الرياح كل من وما بالمنزل؟ هل يصبنا مكروه؟ هل نخسر كل ما نملك في ليلة واحدة؟ المخاوف الغريزية تصبح حول امكانات البقاء وسبل تأمينه، الظلام يعم المدينة التي كانت تتلألأ بالنور، لا تلفون ولا انترنت، نعود إلي الحياة في بدائيتها فنكتشف اننا قد اصبحنا نعتمد علي الكهرباء في كل كبيرة وصغيرة من شؤون الحياة، وأن الحياة بلا كهرباء تصبح بالغة الصعوبة والفقر والكآبة.
ساندي تخلع البيوت من قواعدها وتلقي بها إلي البعيد.. تنزع الأسقف عن الحجرات فيتعري الأثاث وتتبعثر حوائج الناس، السيارات تصبح في الشوارع المغطاة بالمياه وكأنها قوارب.

سيارات الإطفاء والبوليس تهرع لتلبية صرخات الإستغاثة، كانت تعليمات حاكم الولاية لسكان المناطق المنخفضة أن ينزحوا عنها فنزح الكثيرون ورفض البعض.
في حديقة منزلي شجرة بارتفاع طابقين وجدتها راقدة علي جنبها وقد انتزعتها ساندي من ارضها ومزقت جذورها.. سقطت الشجرة فجأة كما يسقط الانسان، ماتت كما يموت، حزنت عليها كما أحزن علي كل وداع.
ورغم كل مساويء ساندي، فهي ليست خالية تماما من الفضائل، فصحيح أنها هوجاء وعمياء، لكنها عادلة تماما، فهي تدمر مساكن الأثرياء بنفس الحماس الذي تدمر به مساكن الفقراء، وتحطم بيوت المؤمنين وغير المؤمنين، المسيحيين والمسلمين واليهود، البوذيين والكنفشيسين، المورمون وشهود يهوه، لا تفرق إستنادا علي دين أو مذهب أو جنس أو لغة، الكل بشر في عرفها، الكل سواء في عدالة ومساواة ومواطنة إنسانية كاملة، هي في هذا أعقل من معظم البشر الذين فرقتهم المذاهب والمعتقدات والأفكار والسياسات. ساندي المجنونة أعقل من سكان المسكونة.

اليوم هو الرابع بعد ذهاب ساندي، أطلت الشمس برأسها علي استحياء، وخرجت السيارات إلي الشوارع، وراحت الحياة تدب ببطء من جديد، الانسان كائن هائل رغم صغره، جبار رغم ضعفه، لا يستسلم ولا ينهزم، ينهض من كل كبوة ومصيبة فإذا به أقوي مما كان قبلها، يتعلم من تجاربه، يتحايل علي واقعه ويعود لمحاولته الأبدية في السيطرة علي الطبيعة وترويضها لصالحه، الكون هائل والانسان هائل لأنه يحمل الكون في خلايا عقله وفي مخيلة أحلامه الشاهقة.
طوال الأيام الأربعة الماضية، أحاول أن أتصل بالاصدقاء للإطمئنان علهيم، وهم يتصلون ليطمئنوا، الكثير من شبكات الموبايل لا تعمل، نعاود الإتصال حتي ننجح، تأتينا مهاتفات من الاحباب في ولايات أخري، في بلاد أخري، من مصر، من الأردن، من إستراليا، هي ورود المحبة تهديها قلوب جميلة دافئة، الجيران يساعدون بعضهم بعضا، القادرون يمدون يد العون للمحتاجين.. "الناس لبعضيها"، يقول المثل المصري الحكيم.
نعم الناس لبعضيها، كأنها آية لم تأت في نص مقدس ولكن قالها الناس ببساطة بليغة، "الناس لبعضيها" هي خلاصة التجربة الانسانية في أجمل تجلياتها.

ساندي جاءت وذهبت مخلفة لنا علاماتها المؤلمة و دروسها المفحمة، وتظل الحياة بنا تدور.



#فرانسوا_باسيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلة القبض علي أبونا بولس باسيلي
- الحكم علي عادل إمام، وعجائب أخري
- البكاء فى عرس العالم
- في الطريق إلي مصر البدوية
- قال لي: أمريكا هي الشيطان الأكبر
- حادث أليم
- من أجل مصر الجديدة
- قال لي: أنت متحامل علي الاخوان
- القاعدة بلا بن لادن: من غزوة مانهاتن إلى غزوة الصناديق
- صلاح جاهين: شاعر ثورة 52 الحاضر في ثورة 2011
- لماذا تعادي المجتمعات العربية المرأة؟
- قرابين العروس
- دم في العيد
- هل بدأ إنهيار الامبراطورية الامريكية؟
- لماذا لا يثور المصريون؟
- الطغاة والدعاة والغزاة فى غزة
- يوم المرأة العالمى: لماذا لا تحكم العرب امرأة ؟
- ثلث قرن على رحيلها: ام كلثوم ورحلة المجد والانحدار العربى
- تسعون عاما على ميلاده: لماذا لايموت عبد الناصر؟
- عام على رحيله: مزامير نجيب محفوظ


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فرانسوا باسيلي - الفرار من قبضة ساندي