|
وطن بين التبعية الفكرية والاضمحلال الثقافي
طارق المنيظر
الحوار المتمدن-العدد: 3894 - 2012 / 10 / 28 - 09:15
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تتميز حياة الإنسان بالتغير والتبدل المستمرين، و كذا لا تخلو حياة كيفما كانت من بعض المشاكل والمعيقات، إلا أن هذه الأخيرة تختلف درجتها من فرد لآخر، حسب الظروف والبيئة التي يحيا و يترعرع فيها الشخص. ذلك إن دل على شيئا إنما يدل على الاختبار المبرمج للإنسان في هذا الكون، حيث يأتي الدهر بالحلو المحبوب و المر المكروه، و ما على الإنسان إلا أن يحي هذه الحياة احلاء و إمرارا، و أن لا يستسلم لصعوباتها و معيقاتها ببساطة، وأن يجدد نفسه باستمرار و يوفر ما أمكن من طاقة حتى يتسنى له المقاومة و الاستمرار، والطاقة التي يستوجب ادخارها هنا هي الإرادة القوية و العزيمة الفذة و الرغبة الحية، والفطنة الجلية، والنباهة العقلية، على هذا المنوال يستطيع الكائن البشري أن يحي هذه الحياة المبرمجة له بكل ما تنضوي عليه من تعقيدات ومشاكل و صعوبات، فالكائن الناجح دائما هو ذلك الطموح و المقاوم، الذي لا يرضخ لما قد يعتري طريقه من مسالك وعرة مليئة بالأشواك، و يشوبها الضيق أحيانا، لكن رغم ذلك يبقى ضيق القلوب و قصر الطموح أخطر و أكثر الأسباب هلاكا من ضيق المسالك و الطرق، حيث قد يستعص العلاج، و يقف الطبيب المداوي حائرا أمام ما يصطلح عليه مرض القلوب، فلا يجد الوصفة المناسبة لعلاجها، فيصبح الشفاء رهين بإرادة المريض بالدرجة الأولى، و كذا بالتشخيص المناسب و الوصفة الفعالة من طرف الطبيب. فالمرض الحقيقي والوباء المحض الذي انتشر في مجتمعنا بشكل مفرط، هو داء القلوب، ليس ذلك الداء الجسدي والمادي الصرف، بل ذاك الذي يجعل القلوب ميتة، و الإرادة منعدمة و العزيمة مندثرة، قد تحظر الإرادة و تنبثق العزيمة، لكن أي إرادة و أي عزيمة؟ باتت الرغبة المادية الأكثر هيمنة في مجتمع يجعلنا نخاله أحيانا تنعدم منه المعنويات و المبادئ، فيصبح عرضة أكثر للإفلاس الحضاري و الفقر الفكري، في الحين الذي يعد فيه الفكر و العلم، القلب النابض الذي يمد كل أمة بما ينقصها من أسباب التطور و الرقي، فانتكاس الإرادة والرغبة في السير إلى الأمام والرقي، و تراجع الاهتمام بطلب المعرفة والعلم، يجعل المجتمع عرضة للتدهور و التراجع المستمرين، كما يضاعف حدة تخلفه، فيصبح المرشح الأول للاضمحلال الفكري والتدهور الحضاري و المعرفي، فبالعلم و المعرفة استطاعت شعوب و أمم أن تصل إلى قمة التطور، حيث شيدت حضارات عظمى منقطعة النظير، ذلك رغم وجود معيقات و تحديات، لكن بتوفر أفرادها على الرغبة في الانتشال من دروب التخلف، و مهاوي الجهل، تمكنت من غزو الفضاء، و من بلوغ ما لم يكن مرتقب. لقد آن الأوان أو ربما قد يفوت لنستفيق نحن العرب أيضا من سباتنا العميق، فإلى متى نظل أمة تابعة و مجتمع ذا اقتصاد ريعي، يستهلك أكثر، في المقابل لا ينتج إلا النذر، إلى متى سنستقل فكريا؟. فأمة مستعمرة في أفكارها و محتلة في مبادئها و متحكم في قيمها، تبقى مرشحة أكثر للتخلف و الجهل والتدهور. و أسفاه لزمن بات فيه العالم جاهلا، أصبح الحظ للغني الجاهل الذي يملك فاحش الثراء، بينما الفقير ماديا و الغني فكريا، يظل وصمة عار و عالة، ذلك يعزى إلى التهميش الفكري والعلمي، في وسط يجهل قيمة المعرفة، و يعلي من قيمة الدينار.. طارق المنيظر
#طارق_المنيظر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمل
-
الزمن العاهر
-
في الذاكرة
المزيد.....
-
وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع
...
-
تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
-
السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس
...
-
زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
-
الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا
...
-
الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
-
تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
-
أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
-
كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
-
تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|