أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نجيب الخنيزي - قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية















المزيد.....


قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 3893 - 2012 / 10 / 27 - 21:14
المحور: المجتمع المدني
    


قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية
لا يمكن التطرق الى قضايا الإصلاح و المجتمع المدني في المملكة، البدايات، المسار، المعوقات، والآفاق، بدون التطرق الى حدثين ومحددين أساسيين، هما أولاً: نشوء الدولة السعودية المركزية «الحديثة» ، وثانيا : عمليات اكتشاف واستخراج النفط في شرق المملكة . ونشير هنا الى الإنجاز التاريخي، والتجربة الفريدة والهامة في منطقتنا (الخليج والجزيرة العربية ) حيث استطاع القائد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، بما امتلكه من كاريزما شخصية، وإرادة صلبة، وعزيمة وشجاعة، إلى جانب قدرته الفائقة في استيعاب ومعرفة الواقع الاجتماعي الملموس، ولموازين القوى على الأرض، وتجسيدها في خططه التكتيكية والاستراتيجية، ومستفيداً من طبيعة التناقضات التي حكمت الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، كل ذلك مكنه من تحقيق أول وحدة عربية ناجحة في العصر الحديث، على الشطر الأكبر من الجزيرة العربية، وذلك على أنقاض حال التخلف المريع، والاحتراب والتشرذم السائدين آنذاك في معظم أصقاع الجزيرة العربية، والذي استمر قروناً عديدة. وهذا لا ينفي بطبيعة الحال حجم التحديات، والصعوبات الكبيرة والخطيرة التي واجهت الملك عبدالعزيز، سواء في سعيه لإرساء التوحيد الجغرافي ( المناطقي- القبلي ) في إطار حكم مركزي، والذي تكلل في الإعلان عن قيام الكيان السياسي الجديد «المملكة العربية السعودية» في 23 سبتمبر 1932 من جهة، ومن ثمة مواجهة تحديات ومتطلبات التوحيد الوطني- المجتمعي، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسمة بالتخلف والركود الشديدين من جهة، الى جانب عمق الانقسامات الجهوية ، القبلية ،الطائفية ، المذهبية ، والثقافية ، المتأصلة تاريخيا منذ زمن طويل من جهة اخرى. إرساء معالم الدولة الحديثة والعصرية، لا يعتمد على إرادة ورغبة الأفراد فقط مهما عظم وكبر شأنهم، بل انها تتطلب وتستلزم حدوث تغيرات عميقة في المجتمع والاقتصاد والمفاهيم واساليب وأنماط الحكم . وعي الملك عبدالعزيز لهذه التحديات، جعله يتصدى لقوى الجمود والتعصب والتخلف، التي ناصبته العداء، لأنها لم ترغب أو لم تستطع استيعاب متطلبات واحتياجات الدولة الفتية في ترسيخ أقدامها، واحترام اتفاقياتها مع سكان المناطق المختلفة التي انضمت الى الكيان الجديد، والتقيد بمعاهداتها مع الدول المجاورة والأجنبية، ناهيك عن ضرورة مواءمة الشريعة مع معطيات العصر والحياة المدنية، وبأنه لا تناقض بين الأصالة والمعاصرة، وبين القديم والجديد، أو بين المحلي والوافد. ونشير هنا الى المعركة الفاصلة ( معركة سبلا ) بين عبد العزيز ومقاتلي الأخوان في عام 1926. اعتمد الملك عبدالعزيز سياسة الإصلاح التدريجي، إلا أن ذلك أدى عملياً إلى ولوج المجتمع والنظام مرحلة جديدة، تقتضيها احتياجات ترسيخ دولة وكيان سياسي مركزي موحد، على الرغم من ضآلة أو عدم نضج المقدمات والمقومات المادية، أو توفر الخبرات العملية المسبقة.
من هنا نستطيع القول إن وجود الدولة (الحديثة ) المركزية والقوية والمتجاوزة لمفهوم الدولة التقليدية القائمة على مفهوم الرعية، هو عنصر لازم وأساس لوجود وانبثاق المجتمع المدني. واذا كانت بدايات تشكل المجتمع المدني، قد سبقت أو واكبت ظهور الدولة القومية في اوروبا، غير انه لم يترسخ إلا بعد استكمال بنائها السياسي- القانوني في هيئة الدولة- الأمة، التي تستند إلى مفهوم جديد هي المواطنة، بحمولاتها من قيم وممارسات. اذن المجتمع المدني لا يتناقض مع وجود دولة وسلطة قوية كما هو حال المجتمعات الغربية حتى الوقت الحاضر، رغم انها استقالت أو تخلت عن كثير من وظائفها، ومهامها، وواجباتها الاقتصادية والاجتماعية التي اصبحت ضمن نطاق مسؤوليات (المنظمات غير الحكومية) ومؤسسات المجتمع المدني. غير ان ذلك لا ينطبق بالضرورة على أوضاع الكثير من البلدان النامية، وفي مقدمتها البلدان العربية.
في ظل غياب وجود مجتمع مدني قوي وراسخ غالباً ما يؤدي على المدى الطويل إلى تفسخ النسيج المجتمعي- الوطني، لصالح إعادة إحياء وبعث المكونات والهويات الفرعية التقليدية القبلية والعشائرية والاثنية والدينية والطائفية ( مادون الوطنية ) . في ما يتعلق بالمملكة فإن نشوء الدولة المركزية الموحدة، مثل تاريخياً خطوة تقدمية الى الأمام، لأنها ببساطة خلقت الظروف الموضوعية الملائمة لتشكل مجتمعا موحدا، في دولة لها حدودها المتعينة، وأجهزتها ومرافقها المركزية، مثل الحكومة، الجيش، العملة النقدية، والتزاماتها تجاه السكان مثل التعليم والصحة والتوطين (للبدو الرحل). غير ان المجتمع آنذاك في مستوى ودرجة تطوره، ولأسباب موضوعية، كان يفتقر الى وجود مجتمع مدني، نظراً لغياب الحامل الاجتماعي( الطبقات والفئات الحديثة ) التي تمثل الشرط الأساس الثاني لوجود مجتمع مدني، وهذا لا يعني افتقاد أشكال أولية وبدايات جنينية لمجتمع مدني ، كنقابات وتجمعات الحرف والصناع والتجار والمطوفين بل و وجود لمظاهر تنظيمية دستورية وهيئات تشريعية ( مجلس شورى ) منتخبة بل وتشكيلات سياسية كما هو الحال في منطقة الحجاز في العشرينات من القرن المنصرم ، وقد حافظ الملك عبد العزيز على الكثير مما هو قائم منها ، غير إنها تلاشت أو تحولت مع مرور الوقت إلى تشكيلات صورية . أدت عمليات استكشاف البترول، ثم استخراجه لاحقاً اثر منح حكومة المملكة في عام 1933 امتيازاً للتنقيب عن البترول لشركة ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا الأمريكية( سوكال أنذاك وشيفرون حاليا ) ، الى تبدلات بنيوية عميقة، وغير مسبوقة، وفي مقدمتها ظهور التشكيلات الطبقية، والفئات الاجتماعية الحديثة، التي تعتبر الشرط الضروري لتشكل الدولة الحديثة بمكوناتها المعروفة ، كما حملت معها إرهاصات لتشكل المجتمع المدني . بالطبع لا يمكن تجاهل واغفال وجود التعاضديات والعصبيات (القبلية والعشائرية والأسرية والطائفية) الفرعية التقليدية في بلادنا على غرار الكثير من المجتمعات وخصوصا المتخلفة منها باعتبارها حقيقة موضوعية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها بقرارات فوقية ، وهذا يعني ان تلك الانتماءات التي ترسخت تاريخيا على مدى آلاف السنين، لن تختفي وتندثر تلقائيا بمجرد وجود الدولة الحديثة. فالتجربة التاريخية والعيانية، تؤكد وجود تلك التعاضديات بمستويات متباينة في كافة الدول والمجتمعات، بما في ذاك المجتمعات المتقدمة والمتطورة ، غير ان الفرق والاختلاف النوعي، انه في تلك الدول تتصدر أولوية الانتماء الوطني والمجتمعي، كمحدد أساسي للهوية الوطنية - الثقافية، ولقيم الحرية والمواطنة المشتركة، التي يتضمنها الدستور والنظام السياسي - القانوني ومجمل التشريعات التي ارتبطت تاريخيا بنشوء الدولة / الأمة.
والدولة هنا وفقا لتحليل ماركس أو طرح ماكس فيبر، و في الحالتين تمارس دور الضابط والموازن والمتحكم في وتيرة التناقض الاجتماعي، ومنعه من التصاعد سواء عن طريق (الأمن، الشرطة) أو عبر القوانين والتشريعات والتي لا يمكن فصلها عن الحراك الاجتماعي في المجتمعات الغربية على امتداد القرون الثلاثة الماضية، وتحديدا منذ معاهدة وستفاليا (1648م) التي تضمنت مبدأ السيادة واحترام الحدود الوطنية بين الدول، وفي الوقت نفسه اقرت السيادة المتبادلة بين الدولة والشعب، على خلاف العلاقة القديمة ، وفي حين انه لم يكن ذلك ممكنا في ظل التراتبية التقليدية السابقة، إلا انه تحقق مع بروز وظهور الطبقات الحديثة ومنظومة قيمها المرتبطة بالانتاج الحديث. علينا هنا أن نميز بين السياق التاريخي لنشوء الدولة والمجتمع المدني في الغرب، وبين إشكاليات نشوء الدولة العربية «الحديثة» ففي البلدان الأخيرة جاء تشكل المجتمع ومن ثم ارهاصات المجتمع المدني، اثر انبثاق تلك الدول تحت تأثير عوامل خارجية (الاستعمار والامبريالية) كما هو الحال في معظم الدول العربية (والاستثناء هنا يتمثلان في المملكة العربية السعودية واليمن) الى جانب دور تأثيرات طارئة ومستجدة (النفط) في البناء الاقتصادي / الاجتماعي .كانت التعاضديات الارثية التقليدية (القبلية والعشائرية والذهبية والطائفية) هي السمة السائدة في الجزيرة العربية على مدى قرون، قبل نشوء الدولة المركزية، واستمرت حتى مرحلة اكتشاف واستخراج النفط، وهذا لا ينفي وجود بعض المؤشرات الجنينية لوجود مجتمع مدني، والمعروف بأن الملك عبد العزيزحين دخل الحجاز (1924) وافق على طلب الأهالي في تكوين مجلس أهلي يتكون من 15 عضوا يتم تعيينهم عن طريق الانتخاب، وفي عام 1925 أصدر أمرا بتشكيل مجلس يجمع بين التعيين والانتخاب، وفي عام 1927 صدر الأمر الملكي بتشكيل اول مجلس للشورى، وقد ترأس الملك عبدالعزيز أول جلساته. غير ان وجود مجلس الشورى ومدى فاعليته ظل هامشيا بالكامل الى ان جرى بعث الحياة فيه في عام 1992 في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز . ومع أنه مثل وإلى جانبه النظام الأساسي للحكم ونظام المقاطعات الصادران في نفس الفترة خطوة تاريخية مهمة غير أن قرار تشكيله ( 40 عضوا ثم ارتفع إلى 150 عضوا في الوقت الحالي ) تم بالتعيين من قبل الملك كما افتقد ولا يزال إلى صلاحيات أساسية تتمثل في التشريع والرقابة والمسائلة والمحاسبة .
لقد أدى اكتشاف النفط في السعودية من قبل شركة النفط الأمريكية ( أرامكو ) الى تخلخل العلاقات الاجتماعية التقليدية والراكدة على مدى قرون ، وبداية تشكل علاقات انتاج جديدة، لكنها ظلت متعايشة مع العلاقات (القبلية – الرعوية ) السائدة في مناطق شاسعة من مناطق البلاد . العلاقات الإنتاجية الجديدة تميزت بنمطها الرأسمالي الحديث ( الوافد ) و أدت الى تبدلات وتطوير في قوى الإنتاج المحلية، والعلاقات السلعية . تلك العملية التاريخية مع انه لم تكتمل عناصرها وحلقاتها بعد ، غير إنها ولدت نمط اقتصادي جديد، وتشكل اجتماعي- حديث، لكنه متداخل ومتعايش مع التكوينات ( الرعوية والزراعية والحرفية ) التقليدية القديمة . وقد رافق ذلك وعي مستجد، يستمد مقوماته من علاقات العمل " الجديدة " والتقنية والأدوات الحديثة ، التي تتطلب مهارات فنية راقية مقارنة مع إشكال الوعي والمعرفة التقليدية السائدة، كما حفزت عمليات التنقيب واستخراج النفط عمليات الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي خاصة في مناطق النفط ( المنطقة الشرقية ) التي استقطبت سكان المناطق المختلفة القاطنين في المدن والقرى والبادية من أقصى البلاد الى أقصاها. ما حدث يعتبر سمة من سمات تشكل المجتمعات الحديثة، غير ان الاشكالية هنا، هي استمرار تعايش أشكال وأنماط مختلفة للعلاقات الاجتماعية، والى حد ما للعلاقات الإنتاجية (على هامشيتها ) التي تنتمي الى مراحل تاريخية سابقة، مع اختلالات في تطور القوى المنتجة، فالقطاع النفطي تميز بعلاقاته الإنتاجية الحديثة وقواه العاملة المتطورة نسبيا ، وارتباطه وتفاعله بالمفاصل الأساسية للسوق الرأسمالية العالية، في حين استمرت القطاعات والأنماط الاقتصادية - الاجتماعية القديمة والمتخلفة، وخصوصا أشكال الوعي المرافق لها قوية الحضور، واذا ما كان مجرى التطور، قد حسم نهائيا هيمنة وسيطرة القطاع الحديث في الميدان الاقتصادي، وعلى صعيد البناء التحتي، فإن تلك التغيرات الموضوعية تتطلب بالضرورة مواءمة البناء الفوقي ( السياسي والقانوني ) معها. المعاينة التاريخية لمجتمع الجزيرة العربية، تفيد بوجود جنيني لمؤسسات ومنظمات وتنظيمات مستقلة أو شبه مستقلة، ظلت محافظة على وجودها قرون عدة ، واستمرت في الوجود إلى ما بعد نشوء الدولة السعودية المركزية الموحدة، وهو ما يوازي دلاليا " مفهوم المجتمع المدني " ويمكن تسميته اصطلاحا " المجتمع الأهلي " ، الذي يشمل التنظيمات الإرثية (القبلية، العشائرية، الطائفية) التقليدية، حيث الانتساب إليها يكون في الغالب انتسابا جبريا و طبيعيا منذ الولادة، والنشأة الأولى، وذلك كمظلة للحماية، الاستقواء، الدعم المادي والرمزي إزاء الآخر، وفي مواجهة الظروف والأوضاع الحياتية و الاقتصادية والاجتماعية القاسية، والى جانب تلك التنظيمات الارثية، تواجدت الطوائف المرتبطة بالحرف مثل الصيادين، الغواصين، الحدادين، أو بمهن مثل التجار، الصاغة، المطوفين، السقاة، ناقلي البضائع، ومرافقي وحماة قوافل الحجيج (مقابل خوة أو بدل نقدي أو عيني ) ، كما تواجدت الطرق والفرق (الصوفية) واهل الحسبة، ولا ننسى ايضا الدور الهام للمسجد، الحسينية، والوقف على صعيد المجتمع الأهلي، والوقف (حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة) هنا أنواع، منها الأراضي الزراعية والحوانيت والدور السكنية، وكذالك وقف الآبار لسقاية الزروع والماشية، ويشمل نطاق الوقف ما يقدمه من خدمات اجتماعية متنوعة، مثل الطبابة و السكن وتقديم الطعام والمياه للفقراء والعجزة والأيتام وعابري السبيل . إذا من هذه الزاوية، نستطيع القول ان جذور المجتمع المدني المأمول، بما يمثل من استقلال وتوازن في ظل غياب الدولة وحتى بعد قيامها، موجودة وحاضرة في تراثنا وواقعنا الاجتماعي، ويمكن الاتكاء والبناء عليها، ليس من خلال اعادة استحضارها وتكريسها، بل من خلال دلالاتها التاريخية ، و تطويرها وترهينها عبر عملية القطع والتجاوز التي تفرضها التبدلات التاريخية الموضوعية في المكان والزمان، وفي كل الحالات نستطيع القول بأن المجتمع الأهلي، هو خاصية الاقتصاديات الطبيعية (الإقطاعية وشبه الإقطاعية والرعوية) والمجتمعات التقليدية الراكدة، وذات الامتدادات الرأسية التراتبية التي تشمل التعاضديات الإرثية ( القبيلة والعشيرة والطائفة ) التقليدية، حيث نلحظ وجود المكانة الاجتماعية المميزة للشيوخ والوجهاء والأعيان وعلماء الدين وزعماء الطرق (اهل الحل والعقد) من جهة، وأتباع القبيلة والطائفة والطريقة والأفراد العادين ( العامة ) من جهة أخرى، والأمر ذاته، ينسحب وان بمستوى اقل، على أصحاب المهن من الصنائع والحرف، حيث نجد المريد ( المبتدئي) والصانع والمعلم وشيخ الحرفة أو المهنة، وغالبا ما تكون تلك التراتبية مكرسة و متوارثة، عبر عدة أجيال ، إذ من النادر أن يصبح فرد عادي في القبيلة أو المهنة، شيخا لها.
بخلاف خصائص المجتمع المدني، الذي يستند إلى العلاقات الأفقية، وتنعدم فيه التراتبية العامودية، كما هو مرتبط بالدولة المدنية الحديثة، والمجتمع المتجانس قوميا او وطنيا، و المتمايز والمنقسم إلى طبقات حديثة، البرجوازية، عمال الصناعة (البروليتاريا)، و الفئات الوسطى، رغم التبدلات الحاصلة في قوامها والوزن النسبي لكل منها في العقود الأخيرة . تلك التشكيلات الطبقية، استمدت مقومات وجودها، من خلال الإنتاج الحديث، والعلاقات السلعية/النقدية، والبناء السياسي والقانوني السائد، وبالتالي كان هناك تفارق بين البناء التحتي ( قوى وعلاقات الانتاج) المتغير والبناء الفوقي (السياسي والحقوقي ) والوعي المرافق السائدين . ضمن هذا الواقع الموضوعي بدأ يتشكل الفضاء الجديد القائم ما بين علاقات السوق والأسرة والتعاضديات الأرثية من جهة، وما بين الدولة من جهة أخرى، هو ما تمثل في بواكير مؤسسات المجتمع المدني، والذي يشمل (تحديدا) مؤسسات تطوعية وتستند الى المبادرة الفردية الحرة، مثل الاتحادات والمنظمات المهنية والاجتماعية ومن هنا يتعين عدم الخلط بين المجتمع المدني ، وبين ما كان قائما أو ما هو قائم في بعض مظاهره في مجتمعنا، من تنظيمات تقليدية (المجتمع الأهلي) رغم وجود بعض القسمات والملامح والوظائف المشتركة بينهما .
لدى إطلالتنا على مسار نشوء البواكير الأولى والجنينية للمجتمع المدني في بلادنا، لا يمكن تجاهل دور اكتشاف النفط في توليد علاقات اقتصادية – اجتماعية (حديثة) من نمط جديد، قائمة على أساس العمل والإنتاج المشترك، وما ولدته من توحيد لمصالح وقيم وتطلعات مشتركة، بين أناس جذورهم وانتماءاتهم المناطقية والقبلية والمذهبية متباينة ومتعددة، وما رافق ذلك وأعقبه من تعليم واكتساب مهارات ومعارف تقنية وعلمية، ومن احتكاكات وتفاعلات ( اجتماعية وسياسية وثقافية ) محلية وخارجية جديدة،أدت منذ بداية الخمسينات للقرن العشرين المنصرم، إلى تشكل ديوانيات ومنتديات اجتماعية وتيارات سياسية وفكرية وهيئات ثقافية واندية رياضية ولجان عمالية في مناطق النفط (حيث تعمل شركات النفط الأمريكية) على غرار ما هو قائم في البلدان الخليجية والعربية المجاورة، والى جانبها بدأت تتشكل بواكير الصحافة السعودية، مثل القصيم،اليمامة،أخبار الظهران، الإشعاع، الفجر الجديد، والحجاز، التي أصدرها وحررها رواد الحركة الثقافية والأدبية والصحفية في المملكة مثل حمد الجاسر، عبد الله عبد الجبار، حمزة شحاته،عبدالكريم الجهيمان، يوسف الشيخ،على بوخمسين، علي العوامي، عبد الله الجشي، وسعد البواردي، وغيرهم الكثير. واللافت هنا هو منسوب الحرية المرتفع نسبيا، والتعددية الثقافية والفكرية التي كانت تتمتع بها تلك الصحافة في فترة الخمسينات وحتى أوائل الستينات ، رغم ما تعرضت له من توقيف وإقفال واعتقال محرريها والذي طال معظمها لأسباب مختلفة. كما نشير هنا إلى النضالات والإضرابات والمظاهرات العمالية والشعبية في 53 19 56 19، 67 19 وما تلاها و التي تضمنت مطالب عمالية ووطنية وقومية ، وإلى تشكل الأحزاب السياسية السرية التي ضمت الشيوعيين والقوميين والبعثيين والناصريين ، والتي لعبت أدوار متباينة في الحراك السياسي والمدني ، رغم ما تعرضت له ملاحقات أمنية شديدة وقاسية أدت ( إلى جانب عوامل أخرى ) إلى اختفائها من المشهد السياسي ، وبالتالي حدث فراغا، عملت التيارات والجماعات الإسلامية على اختلاف تمظهراتها الأيدلوجية والمذهبية على سده في فترة لاحقة .
بفضل الثروة النفطية الهائلة ( 26% من احتياطي النفط في العالم ) استطاعت المملكة تحقيق انجازات نوعية على كافة الأصعدة والمستويات الاقتصادية والخدماتية والتعليمية والصحية، وذلك خلال فترة تاريخية قصيرة لا تتجاوز نصف القرن، مستفيدة من الثروات البترولية الهائلة التي تزخر بها البلاد، في تحقيق ذلك. و جرى خلالها انتقال وتطور نوعي للسكان من حالة التخلف، البداوة، الأمية، انعدام الأمن، الجهل، والفقر إلى حالة من الاستقرار والأمن والإنتاج الحديث، كما اتسع نطاق التعليم بمختلف مراحله، حيث انخفضت نسبة الأمية إلى حوالي 15% فقط من مجموع السكان،وتطورت البنية التحتية، وظهرت مدن جديدة،ونمت المدن والحواضر القديمة،مما أدى إلى تزايد معدلات الهجرة من الريف والبادية إلى المدن، ويشكل سكان المدن (الحضر) في الوقت الحاضر، ما يزيد على 80% من إجمالي السكان، ويعتبر معدل النمو السكاني في المملكة هو الأسرع في العالم، حيث يتراوح ما بين 3 و3.5% سنويا ، في حين أن أعمار 60% منهم هم دون العشرين.
هذه التبدلات البنيوية، أدت إلى خلخلة نظام العلاقات الاجتماعية القديمة والعلاقات التقليدية،وأدت إلى ظهور طبقات وشرائح اجتماعية جديدة،انحسرت بموجبها إلى حد كبير، نسبة البدو والفلاحين والحرفيين، لصالح نمو شرائح برجوازية،وطبقة وسطى واسعة العدد،تتميز بأنها متعلمة وذات مستوى معيشي معقول،رغم تدهور مكانتها في السنوات الأخيرة،إضافة إلى فئات البرجوازية الصغيرة والفئات والشرائح العمالية الحديثة،ضمن اقتصاد يأخذ بآليات السوق وقوانين الاقتصاد الحر، الأمر الذي فرض ويفرض على الدوام،إعادة التقويم والنظر في التجربة التنموية، من خلال الاعتماد على الإنسان / المواطن كأداة وهدف للتنمية المستدامة ، والعمل على تنويع القاعدة الاقتصادية ، من خلال إنهاء الطابع الريعي للاقتصاد الأحادي الجانب الذي لا يزال يعتمد بشكل رئيس على استخراج وتصدير النفط ومشتقاته ، والعمل على مكافحة المشكلات المزمنة كالفقر والبطالة والفساد ، وقبل كل شيء العمل على إصلاح و تطوير الأنظمة والإجراءات والقواعد، التي تؤطر طبيعة الحكم والنظام السياسي و التي لم تعد تتواءم ومستجدات الواقع الموضوعي ومتطلبات الحياة والبيئة الدولية المعاصرة ، خصوصا في ظل التغييرات الثورية العاصفة ( والمستمرة ) التي شهدتها المنطقة العربية منذ مطلع العام 2011 ، وذلك من خلال اعتماد مشروع إصلاحي شامل ، ومتكامل ، في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويستند إلى مفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بين الجميع .



#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل المناضل الكبير عبد الرحمن البهيجان
- الوحدة الوطنية .. خط أحمر!
- -الأصولوية الإسلامية - .. والدولة المدنية
- الإسلام السياسي .. والربيع العربي
- 8 مارس .. ورهاب المرأة
- عبد العزيز السنيد .. الغائب الحاضر
- رحيل الغانم.. وتجربة الدراسة في الاتحاد السوفيتي
- التمايز ما بين الأهلي والمدني
- 2011 عام العرب بامتياز
- تراجع الدور العالمي للولايات المتحدة
- الشيخ إمام .. احتفاء في مرحلة التغيير
- 2011 ... عام التحولات التاريخية الكبرى في القرن الحالي «1/2»
- عام على تفجر الانتفاضات العربية
- دول مجلس التعاون الخليجي في عين العاصفة
- الوحدة الخليجية .. والاستحقاقات المطلوبة
- منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية
- - أبو أمل - .. نضالاتك و تضحياتك تتجسد شموسا وأقمارا
- هل نحن بصدد عولمة جديدة ؟
- أزمة الديون الأمريكية وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي
- معوقات التغيير في العالم العربي


المزيد.....




- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نجيب الخنيزي - قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية