أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الشركات دولية النشاط















المزيد.....



الشركات دولية النشاط


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 10:59
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الشركات الإمبريالية، دولية النشاط، هى شركات ضخمة مُمتدة عالمياً، تملك تقنية عالية ومتطورة، وتسمى، وفقاً للتقديم الأيديولوجى للرأسمال العالمى، بالشركات متعددة الجنسيات؛ وتسميها الأمم المتحدة "الشركات عبر الوطنية".
ولتلك الشركات، التى ساهمت فى تشكيل معالم الاقتصاد الرأسمالى المعاصر، مجموع من الخصائص، أهمها: التوسع الجغرافى، ومن ثم رؤيتها للعالم كوحدة واحدة، كسوق واحد يلزم إمتصاص مدخراته، وإستثمارها فى الأنشطة المختلفة والمتابينة التى تمارسها وجوباً لتقليل إحتمالات الخسارة، الأمر الذى يتطلب نوعاً من الاحتكار، الفردى أو مِن خلال إقامة التحالفات أو الاندماجات. ومن هنا تتبدى أهم خصائص تلك الشركات فى مجموعة من المظاهر العامة أهمها الاحتكار والانخراط الدائم فى تحالفات إستراتيجية.
فمن السمات الرئيسية لتلك الشركات هى العمل مِن خلال هياكل وبرامج إحتكارية، إذ تتمتع هذه الشركات بمجموعة مِن المزايا الاحتكارية، وترجع هذه السمة إلى أن هيكل السوق الذى تعمل فيه هذه الشركات، يأخذ شكل سوق إحتكار القلة فى الأغلب الأعم، المرتبط بإحتكار التكنولوجيا الفائقة، وتتبدى السمة الاحتكارية لتلك الشركات على صعيد كُل من التمويل، ومروراً بالإدارة، والتكنولوجيا، وإنتهاءً بالتسويق. فعلى سبيل المثال يعتمد التمويل المفتوح بالأساس على عنصر الثقة؛ فتتمكن تلك الشركات مِن الاقتراض بأفضل الشروط، مِن الأسواق المالية العالمية نظراً لوجود تلك الثقة، والتيقن من سلامة وقوة مركزها المالى. ولكى تنمو السمة الاحتكارية (المعتمدة على النشاط الاحتكارى) وتستمر فإنه يتعين وجود الهيكل التنظيمى القوى والذى يكون على أعلى مستوى من الكفاءة، ويسمح بتدفق سليم للمعلومات وسرعة فى الاتصالات بين المركز وبين الفروع على الصعيد العالمى. تلك المزايا ترتبط إرتباطاً وثيقاً بدوام التدريب وتجهيز الكوادر على مستويات العمل المختلفة. وأهم ما تسعى إليه تلك الشركات هو التقنية المتطورة بإستمرار، بهدف الحد مِن دخول منافسين جُدد وفرض وضعها الاحتكارى، ولذلك تجد هذه الشركات إستمرارها الاحتكارى فى التجديد والحفاظ على جودة المنتَجات وتطويرها المستمر. ومِن خلال الشبكات التوزيعية والتسويقية العالمية، تعمل تلك الشركات على توفير منتجاتها، وطرحها فى السوق فى أفضل الأشكال. إذ تهتم تلك الشركات بأبحاث السوق وقياس درجة إستجابة الأذواق، بعد توجيهها، والتركيز على أساليب الترويج والدعاية(1) والإعلان لمنتجاتها لضمان طلب متزايد ومستمر عليها.
وتُعتبر شركات النفط العالمية الكبرى مِن أقدم المشروعات دولية النشاط. وقد شهدت السوق العالمى للنفط مراحل مختلفة لسيطرة عدد محدود مِن شركات النفط العملاقة على جانب كبير من تلك الأسواق؛ ففى خلال الفترة من 1928 وحتى 1938، تم توقيع عدة إتفاقيات بين ثلاث شركات كبرى تهدف تقسيم العالم بين كارتل: ستاندارد أويل أوف نيوجيرسى(إكسون موبيل حالياً) وشل، وبريتش بتروليوم(الإنجلو/إيرانيان) ثم إنضم إلى هذا الكارتل: ستاندارد أوف نيويورك وستاندارد أوف كاليفورنيا وجولف وتكساكـــــو، وأضيف إليهم منذ أواخــــر الخمسينات الشركة الفرنسية للنفط. ولقـــد كان هذا الكـــــــارتل
_______________________
(1) كتب جون برجر:" لما كانت الدعاية تتمتع بنفوذ هائل فهى بالتالى ظاهرة سياسية عظيمة الأهمية، ولكن مراجعها واسعة بقدر ما عرضها محدود لأنها لا تعترف إلا بقوة الاستهلاك؛ فتخضع لها سائر ملكات البشر وحاجاتهم. إنها تراكم الأمال وتنمطها وتبسطها، فتمسى وعداً مكثفاً غامضاً وسحرياً تعرضه تكراراً مع كُل عملية شراء. هكذا ينعدم أى أمل أو إنجاز أو متعة أخرى فى ظل ثقافة الرأسمالية. إن الرأسمالية باقية على قيد الحياة مِن خلال إرغامها الأكثرية الشعبية التى تستغلها على تعريف مصالحها فى أضيق نطاق مُمكن. فى السابق، كان بقاؤها على قيد الحياة مَرهون بالحرمان الشديد للأكثرية الشعبية. أما اليوم فإنه يتحقق بفرض مقياس مزور لما هو جذاب ولما ليس هو بجذاب". أنظر: جون برجر، وجهات نظر، ترجمة: فواز طرابلسى (دمشق: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية فى العالم العربى، 1990)، ص 254.
حتى عام 1949، يُسيطر على 97% من إنتاج النفط فى النصف الشرقى للكرة الأرضية، وعلى نحو 80% من إنتاج أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى.(2)
وبشأن الولايات المتحدة الامريكية وعلاقتها بالنفط وجبروت حروبه، فنحن أمام أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ متعطشة للنفط، تلك المادة التى تحرك صناعاتها، وأساطيلها وجيوشها، ومن أجل ذلك شنت حروباً مفتوحة لا نهاية لا، ومن أجل ذلك أيضا إستقدمت المؤسسة الرأسمالية الدائمة إلى إدارة الولايات المتحدة"رئيس حرب" هو رجل نفط وإبن رجل نفط، هو جورج بوش، كما إستقدمت له نائباً سبق وأن شغل منصباً مرموقاً لأكبر شركة لخدمات النفط فى العالم ومركزها تكساس، هو "ديك تشينى" ووزيرة خارجية والتى ستأتى فيما بعد كمستشارة للامن القومى كونداليزا رايس، والتى كانت عضو مجلس إدارة كبرى شركات النفط التى دشنت إحدى ناقلات النفط العملاقة حاملة إسمها. إنه الفريق الذى أتى كى يدير الحرب المفتوحة، فى العراق، من أجل النفط. وبعد سنة واحدة من غزو العراق، وحسب ما ورد فى صحيفة "الفاينانشال تايمز" زادت أرباح شركة "هاليبرتون" 80%، وزادت أرباح شركة بكتل 160%، وزادت أرباح شركة شيفرون تكساكو 90%، أما أسهم شركة "لوكهيد مارتن" لصناعة الأسلحة فزادت 300% منذ تولى جورج بوش الحكم وسنة بعد ضرب العراق(3)
تفسير السلوك الاقتصادى للشركات دولية النشاط
مِن الأمور التى إنشغل بها العديد مِن الاقتصاديين، ولم يزل هذا الانشغال يُمثل مبحثاً هاماً فى حقل العلاقات الاقتصادية الدولية، تفسير(4)سلوك المشروعات دولية النشاط، ومِن ثم تفسير طريقة الإنتاج الرأسمالية على الصعيد العالمى، بما يوحى بإختلاف طريقة الإنتاج الرأسمالية على الصعيد العالمى عنها داخلياً، ومِن أجل إعطاء ذلك التفسير، ظهرت العديد مِن التصورات النظرية، والاجتهادات الفكرية، إلا أن الاتجاه(5) الأقرب إلى الدقة هو الذى بدأ مِن رؤية واضحة لحقيقة أن خلف كُل رأسمال دولى توجد دولة تسانده بشتى الوسائل فى (توسعه، وصراعه) مع رؤوس الأموال الأخرى وفى صراعه مع قوى المنتجين المباشرين فى الداخل أو فى الخارج، والتجربة التاريخية تثبت أن وراء كُل شركة دولية تمارس نشاطها فى إقليم واحد أو أكثر من إقليم، توجد ورائها دولة بكيانها السياسى وقوتها العسكرية(6). فعندما قامت مصر الدوليـــــــــــة. ثانيهما: بالناتج الوطنى الإجمالى، ووزن ذلك الناتج فى الناتج العالمى، بصفة عامة، وبالناتج
----------------------------------------------------------------
(2) أنظر للمزيد من التفاصيل: بول هارست، وجراهم طومبسون، ما العولمة، ترجمة: فالح عبد الجبار ، عالم المعرفة؛ 273 (الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب،2001) وللمزيد من التفاصيل حول هيكل هذه الشركات ونشاطها، راجع: الشركات المتعددة الجنسية، الاقتصاد السياسى للاستثمار الأجنبى المباشر، تحرير: تيودور موران، تعريب: جورج خورى، دار الفارس، عمان 1994. وأنظر كذلك : جان زيجلر، إمبراطورية العار، سادة الحرب الاقتصادية، الاقطاعيون الجدد، ترجمة: هالة منصور عيسوى (القاهرة : إصدارات سطور، 2007)، ص238 وما بعدها.
(3) مشار إليه: عبد الحى زلوم، أزمة نظام، الرأسمالية والعولمة فى مأزق (بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2009 ) ، ص44.
(4) مصطفى رشدى شيحة، البناء الاقتصادى للمشروع (الإسكندرية : الدار الجامعية، 1980) حيث يرى إمكانية حصر تلك الاتجاهات المفسرة فى ثلاث مجموعات فكرية، إبتداءً مِن الأفكار المتأثرة بالأيديولوجيا النيوكلاسيكية، ومروراً بالأفكار الإشتراكية، وإنتهاء بأفكار العالم الثالث. أنظر للمزيد من التفصيل (من ص490 حتى ص 502). و أنظر أيضاً: محمود الباز، تفسير السلوك الاقتصادى للمشروع الدولى النشاط، مجلة مصر المعاصرة، العددان (411- 412) الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع. القاهرة 1989. حيث يقوم بحصر تلك الاتجاهات المفسرة فى ثلاثة إتجاهات: فهناك أولاً: التحليل التقليدى الذى يعتمد على المبادىء المستقرة فى مجالات التبادل الدولى، أو مجالات تحليل سلوك المشروع، وهناك، ثانياً، التحليل فى ضوء توجيهات الظروف الموضوعية والسياسات العامة، ويأخذ هذا الإتجاه من التحليل فى إعتباره بشكل رئيسى إعتبار الإنتاج الدولى وسيلة للافلات مِن ضغوط القيود الاقتصادية الكُلية فى الدول الأم، من جهة، وإعتبار نشاط تلك الشركات نشاطاً مرتهناً بالتوجهات السياسية العامة للدولة الأم، من جهة أخرى، وهناك ثالثاً: التحليل الاقتصادى الحديث الذى يعتمد على نظرية التنظيم الصناعى والمزايا الخاصة. انظر(ص111- ص172)
(5) محمد دويدار، محاضرات فى الاقتصاد الدولى، (ص122)
(6) محمد دويدار، محاضرات فى الاقتصاد الدولى، ( هامش ص143)
الصناعى، تحت تأثير التصور الأوروبى، بصفة خاصة. وبناتجها من المنتجات الصناعات عالية التكنولوجيا،
بتأميم قناة السويس فى يوليو1956، وجدت مصر نفسها فى مواجهة مع دولتين(الدولة البريطانية، والدولة الفرنسية) وذلك فى مرحلة أولى، كى تجد نفسها، فى مرحلة ثانية، أمام ثلاثة جيوش(بريطانيا، وفرنسا، والغدة السرطانية: إسرائيل) وتجارب بلدان أمريكا اللاتينية (جواتيمالا 1954، وتشيلى1973) وغيرها تؤكد على ذلك. ومن الممكن أن نضيف ما ذهب إليه "نعوم تشومسكى"، فى الدولة المارقة، وفقاً للاصطلاح الأمريكى، حين عبر عن الشركات دولية النشاط، وهو يستخدم عموماً مصطلح "متعددة الجنسية"، بقوله:" ومن جانب أكثر جوهرية يمكن لنا أن نصفها كمجموعة شركات عملاقة عادة ما تكون مرتبطة ببعضها بتحالفات إستراتيجية وتدير إقتصاداً عالمياً.... وتميل نحو حكم القلة فى معظم القطاعات وتعتمد بشدة على قوة الدولة لجعل المخاطرة والثمن ذات طبع إجتماعى ولإخضاع العناصر المتمردة أو غير المطاوعة" الأمر الذى يعنى، وفقاً لهذا الاتجاه:
- إعتبار تلك الشركات أداة فعالة فى سبيل ترسيخ هيمنة الدولة على الصعيد السياسى العالمى، فقوة الاقتصاد الوطنى لبلد ما إنما تُقاس بأمرين: أولهما: بالقدرة التنافسية فى السوق الدولية إبتداءً من الإنتاجية النسبية للعمل، ومن ثم دوره فى الاقتصاد الدولى، مقيساً بمدى إتساع دائرة سيطرته فى السوق

بصفة أخص، وفى ظل الشكل السائد لتنظيم المشروع الدولى، الشركات دولية النشاط، يتعين أن نضيف، لقياس قوة الاقتصاد الوطنى، نصيب شركات الدولة وتوابعها فى الخارج فى الناتج الذى تنتجها الشركات دولية النشاط. (7)
- إعتبار تلك الشركات وسيلة مفصلية (غير عسكرية) فى تحقيق مجموعة مِن الأهداف القومية على الصعيد العالمى، وعلى عدة مستويات: الاقتصادى، والسياسى، والاجتماعى، والثقافى.
- الصراع من أجل تحقيق الهيمنة الاقتصادية، ومن ثم بسط النفوذ السياسى، على الصعيد العالمى لأحد رؤوس الأموال، يُعد أحد مُحددات تراكم الرأسمال، بما يجعل مساندة الدولة القومية متساوقاً مع نشاط الشركة دولية النشاط.
- إتجاه الشركات دولية النشاط نحو المزيد من الاندماج فيما بينها، ومِن ثم المزيد مِن تمركز رأس المال على الصعيد العالمى، الأمر الذى يقوى توجهاتها العالمية، ويثير إمكانية الصدام مع الاتجاهات القومية لدولة ما أو مجموعة من الدول. الأمر الذى يحوى إمكانية الصدام فيما بين الدول ذاتها.
- قيام تلك الشركات بلعب الدور المحورى فى عملية إمتصاص الفوائض(وعلى رأسها الفوائض النفطية) التى تُنتَج فى الأجزاء المتخلفة، وضخها فى مسام الأجزاء المتقدمة، فالشركات الأمريكية دولية النشاط، على سبيل المثال، تقوم بإنفاق 70% من دخلها فى الولايات المتحدة الأمريكية.
- يتوسع السوق فى الاقتصاد الرأسمالى بإستمرار لأن البحث عن الربح، يولد التنافس، ولأن التنافس هذا يدفع كُل وحدة إقتصادية إلى أن تراكم وتتوسع وتذهب مِن أجل ذلك إلى أبعد الأماكن بحثاً عن المواد الأولية بخسة الاثمان، وبحثاً كذلك عن السوق المناسب لتصريف تلك المنتجات، إن نفس الألية التى وسعت السوق المحلية هى التى تدفع بالوحدة الاقتصادية إلى البيع فى الخارج، وربما تدفعها إلى بعض من التمركز المكانى.
دور الشركات دولية النشاط فى تشكيل التجارة العالمية
فى ثنايا خطواتنا الفكرية التى مشيناها حتى الأن كنا نقول أن الشركات دولية النشاط، حينما تقوم بنشاطها الموسع على إقليم سياسى لدولة معينة، وعلى وجه التحديد حينما تستخرج النفط أو المعادن من أرض تلك الدولة، فهى لا تُنمى بما تستخرجه أو بمقابله النقدى صناعات وليدة بداخل الدول المستخرَج من أرضها النفط أو المعدن، وإنما تُرسِل به إلى مراكز صناعية كى تتم تغذية قطاعات أكثر تطوراً وتعقيداً فى الأجزاء المتقدمة، ولا يكون للبلدان تلك سوى الريع، الذى تركن إليه، فى الغالب، الطبقة الحاكمة مِن أجل الحفاظ على تثبيت الوضع الاجتماعى الراهن(وبخاصة فى دول مجلس التعاون) دون أن تَسمح، أو يُسمح لها، بتحويل الفوائض النفطية إلى رأسمال.
والتقرير الصادر عن مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، حول "الشركات عبر الوطنية والصناعات الاستخراجية والبيئة "(8)، للعام 2007، ربما يُساند وجهة نظرنا، حينما يرسم صورة واضحة للوضع الإقتصادى العالمى الراهن، وبوجه خاص من زاوية تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، والتى يتم نحو (84%) من عملياته من خلال الشركات دولية النشاط، التى تُسهم على نحو فعال فى تشكيل وإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية. يتعين هنا الوعى بالتصنيف الذى إعتنقه التقرير، إذ صنف التقرير البلدان على النحو التالى: البلدان المتقدمة: وتشمل: البلدان الأعضاء فى منظمة التعاون والتنمية، بخلاف المكسيك، وجمهورية كوريا، وتركيا، بالاضافة إلى البلدان الجُدد الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، والتى ليست أعضاء فى منظمة التعاون والتنمية (قبرص، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، مالطة، سلوفينيا) علاوة على إسرائيل، وأندورا، وسان مارينو، وموناكو. الاقتصادات الانتقالية: وتشمل: جنوب شرق أوروبا، ورابطة الدول المستقلة. البلدان النامية: وتشمل عموماً جميع الاقتصادات غير المذكورة تحديداً. وطبقاً للتقرير فقد شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر (الداخل) على الصعيد العالمى إرتفاعاً نسبياً، فبلغ حجمها نحو (1303) مليار دولار، وهذا الرقم يقارب الرقم القياسى البالغ (1411) مليار دولار، الذى سُجل عام 2000. وأرجع التقرير تلك الزيادة إلى تزايد أرباح الشركات فى جميع أنحاء العالم وما أسفر عنه من إرتفاع أسعار الأسهم الذى أدى إلى زيادة فى قيمة عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود. ولم تزل الحركة الاقتصادية الدولية فيما بين الأجزاء المتقدمة تشهد إرتفاعاً مستمراً، فقد مثلت التدفقات (مِن وإلى) الإقتصادات المتقدمة، على النحو المذكور، أرقاماً مرتفعة تفوق (مِن وإلى) الأجزاء الأخرى مِن الاقتصاد العالمى(الإنتقالية والنامية) إذ قُدرت التدفقات الداخلة إلى الأجزاء المتقدمة بنحو (857,5) مليار دولار، والخارجة بنحو(1022,7) مليار دولار، على حين قُدّرت التدفقات الداخلة إلى البلدان النامية بمبلغ(379,1) مليار دولار، والخارجة (174,8) مليار دولار. وكما ذكرنا أن الشركات دولية النشاط يتم من خلالها ما يقارب من (85%) من قيمة التدفقات على الصعيد العالمى.
حجم التدفقات الخارجة والداخلة من/إلى الدول المتقدمة والدول النامية
الدول التدفقات الداخلة بالمليون دولار التدفقات الخارجة بالمليون دولار
المتقدمة 857,5 1022,7
النامية 379,1 174,8
UNCTAD, World Investment Report 2007
وتعتبر عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود، التى تضاعفت فى أمريكا الشمالية، وتركزت فى المملكة المتحدة، من أهم الظواهر التى طرحت نفسها على الصعيد العالمى؛ حينما زادت تلك العمليات من الاندماج أو من الشراء زيادة بارزة فى العام 2006، من حيث القيمة (23%) ومن جهة الحجم(880) مليار دولار، ومن حيث العدد(14%) بواقع (6,974). أما بالنسبة لإنتاج السلع والخدمات مِن قبل الشركات دولية النشاط، خارج بلدان المنشأ، فقد زادت فى عام 2006 زيادة أسرع مما فى السنة السابقة. ويقدر أن المبيعات والقيمة المضافة، والصادرات لدى نحو(78000) شركة من الشركات دولية النشاط، ونحو(780000) فرع من فروعها الأجنبية، قد زادت بنسبة (18%) و(16%) و(12%) على الترتيب. وشكل ذلك ما يعادل (10%) من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وثلث الصادرات العالمية، وظلت الصين تستضيف العدد الأكبر من الفروع الأجنبية فى العالم. ومن جهة هيكل التدفقات، فقد مثلت الخدمات معظم الرصيد من الاستثمار الأجنبى المباشر الداخل فى عام 2005، بما قارب الثلثين، على حين إنخفضت حصة القطاع الصناعى إلى (30%) ولم يتدفق إلى القطاع الزراعى أكثر من (10%)
نسبة التدفق فى كل قطاع
القطاع نسبة التدفق%
الزراعة أقل من 10
الصناعة 30
الخدمات أكثر من 60
UNCTAD, World Investment Report 2007
وعلى الرغم مِن هيمنة الشركات التابعة للأجزاء المتقدمة على المشهد العام، فقد زاد عدد الشركات التابعة لإقتصادات نامية المدرجة فى قائمة أكبر (100) شركة فى العالم من الشركات عبر الوطنية غير المالية من (5) شركات، إلى (7) شركات. أما الترتيب فى قائمة أكبر(100) شركة من الشركات عبر الوطنية فى العالم فقد ظل مستقراً نسبياً، إذ تملك شركة (جنرال إليكتريك: الولايات المتحدة) وشركة(فودافون) وشركة(جنرال موتورز) أكبر الأصول الأجنبية، ورغم عدم حدوث تغير فعلى منذ عام 2004 فى الأصول الأجنبية لأكبر (100) شركة مِن الشركات دولية النشاط، فقد زادت المبيعات والعمالة فى الخارج. والجدول أدناه يوضح أصول ومؤشر التدوليل للشركات الخمس الأولى فى قائمة الـ(100) شركة، من الدول المتقدمة والخمس الأولى من البلدان النامية
الشركة الجنسية النشاط مؤشر التدويل الأصول بالمليون دولار المبيعات بالمليون دولار
General Electric الولايات المتحدة أجهزة كهربائية وإلكترونية 77,5 673342 149702
Vodafone المملكة المتحدة إتصالات 36.7 220499 52428
General motors الولايات المتحدة سيارات 57,6 476578 192604
British petro co المملكة المتحدة نفط 69,3 206914 253621
Chell Group المملكة المتحدة، وهولندا نفط 52,6 219516 306731
UNCTAD, World Investment Report 2007
يحسب مؤشر التدويل على أساس عدد الشركات التابعة الأجنبية مقسوماً على عدد الشركات التابعة
الشركة الجنسية النشاط مؤشر التدويل الأصول بالمليون دولار المبيعات بالمليون دولار
Hutchison هونج كونج متنوع 90,4 77018 31101
PETRONAS ماليزيا نفط 71,4 73203 44353
CEMEX المكسيك منتجات معدنية غير فلزية 96,6 26439 14961
SingTel سنغافورة إتصالات 95,6 20748 7906
Samsung جمهورية كوريا أجهزة الكترونية وكهربائية 88,6 74834 79117
UNCTAD, World Investment Report 2007
ولقد بات من الواضح حجم الترحاب الذى تلقاه الشركات دولية النشاط من قبل الحكومات التى أخذت على عاتقها تمهيد الأجواء الاستثمارية المثلى لتلك الشركات إما عن طريق خفض الضرائب(كما فى مصر وغانا وسنغافوره) أو عن طريق تحرير بعض المجالات الخدمية والصناعية، كما فعلت إيطاليا بشأن الخدمات المصرفية، وبتسوانا، والرأس الأخضر بشأن الاتصالات، وجمهورية لاو الديموقراطية الشعبية، ومالى بشأن الأعمال المصرفية، والجدول أدناه يوضح عدد البلدان الذى أدخلت تعديلات تشريعية وهيكلية، وعدد تلك التغيرات.
البلدان الذى أدخلت تعديلات تشريعية وهيكلية وعدد تلك التغيرات
البند 1998 1999 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006
عدد البلدان 60 65 70 71 72 82 103 93 93
عدد التغييرات 145 139 150 207 247 242 270 205 184
UNCTAD, World Investment Report 2007
وبشأن التدفقات الأجنبية المباشرة على الصعيد القارى، فالجدول التالى يوضح مقدار التدفق الداخل ومقدار التدفق الخارج على صعيد القطاعات القارية، ويمكن القول بأن ثمة زيادة لحقت بتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الداخلة إلى 32 بلداً فى أفريقيا، وتدفق إلى بعض الدول ما تجاوز البليون دولار، ففى مصر التى تُعتَبر المتلقى الأكبر فى القارة تجاوز حجم التدفق 10 مليار دولار، إستُثمَر منها 80% فى التوسع وفى المشاريع التأسيسية فى أنشطة غير نفطية، ولكن لم يخبرنا تقرير الأمم المتحدة أين ذهب باقى التدفق وقدره 2 مليار دولار!!
حجم التدفقات الداخلة والخارجة وفقاًً لتقسيم القطاعات القارية
القطاع القارى التدفقات الداخلة بالمليار دولار التدفقات الخارجة بالمليار دولار
أفريقيا 36 8
جنوب شرق أسيا 200 103
غرب أسيا 60 14
أمريكا اللاتينية والكاريبى 84 43
UNCTAD, World Investment Report 2007
وبوجه عام فإن البلدان المتقدمة لا تزال تجتذب جُل تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاع الصناعات الاستخراجية، فى الوقت الذى تتسم فيه أسواق المعادن العالمية بتوزيع جغرافى غير متكافىء للاحتياطيات والإنتاج والاستهلاك. فبعض الدول النامية، والاقتصادات التى تمر بمرحلة إنتقالية "وفقاً للتقرير" هى منتجة صافية ومصدرة رئيسية لمختلف المعادن، فى حين أن البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة سريعة النمو هى المستهلكة والمستوردة الرئيسية لها، وهذا الخلل إنما يثير العديد من الأشكاليات الصعبة؛ فالبلدان المستوردة والمستهلكة إنما يشغلها دوماً الإمداد المستمر للنفط والمعدن الذى تعتمد عليهما الصناعات المعقدة والمتطورة لديها، فى حين يمثل الوصول إلى الأسواق الشغل الرئيسى للدول المنتِجة، بمعنى أدق المنتَج لها.
ومن جهة أخرى فقد كان لمشاركة الشركات دولية النشاط فى قطاع الصناعات الاستخراجية تاريخ من التجارب المتفاوتة؛ ففى أوائل القرن العشرين، كانت هذه الصناعات تسيطر على النصيب الأكبر من الاستثمار الأجنبى المباشر، وكان ذلك نتيجة مباشرة للتوسع الدولى للشركات التابعة للقوى الاستعمارية، ومع حركات التحرر الوطنى أخذت تلك السيطرة تأخذ أشكالاً وصور مختلفة، أهم ما يميزها السيطرة على التكنولوجية المنتجة، وعلى الرغم من أن كثيراً من الدول تفرض نسبة 51% من الملكية إلا أن ذلك لا يمنع ولن يمنع الشركات دولية النشاط على صناعة النفط والمعادن إبتداءً من الاستكشاف وإنتهاءً بالبيع وجنى الأرباح، ولن يكون التصحيح الهيكلى الداخلى إلا الشرط الأساسى والضرورى والوحيد للهروب من حالة التخلف. فالشركات الكبرى تستخرج النفط، وتقوم بتكريره وفصل عناصره، كما تقوم ببيعه. لمن؟ للاجزاء المتقدمة. لماذا؟ لكى تقوم تلك الأجزاء بإستخدام هذه العناصر فى سبيل صناعات معقدة ومتطورة إلى حدود لا تتمكن منها الاجزاء المتخلفة.
إن الشركات الخاصة على وجه التحديد، وفى جميع المراحل بدءً من الاستكشاف وإنتهاءً بالبيع وجنى الأرباح كما قلنا، تظل تُمثل أكبر الشركات من حيث الأصول الأجنبية، فعلى سبيل المثال؛ أدرجت عشر شركات من هذه الشركات الخاصة على قائمة الاونكتاد التى تضم أكبر 100 شركة من الشركات دولية النشاط، إلا أنه من حيث الإنتاج، لم تعد الشركات دولية النشاط التابعة للدول المتقدمة تندرج ضمن أكبر الشركات فى العالم، ففى عام 2005، كانت الشركات الثلاث التى تعد أكبر منتِجة للنفط والغاز فى العالم هى جميعها شركات مملوكة للدولة وتوجد مقارها فى بلدان نامية أو إقتصادات تمر بمرحلة إنتقالية، وفقاً للتقرير، وهذه الشركات هى: آرامكو (السعودية) والاتحاد الروسى (روسيا) النفط الايرانية الوطنية (إيران) وعلى الرغم من أن الشركات المملوكة للدولة والتى توجد مقارها فى بلدان نامية وإقتصادات تمر بمرحلة إنتقالية تسيطر على معظم الإنتاج العالمى من النفط والغاز؛ فإن درجة التدويل متواضعة جداً بالمقارنة مع الشركات المملوكة ملكية خاصة، والواقع أنه لم يكن لدى أى شركة من الشركات الثلاث المملوكة للدولة، والتى هى أكبر الشركات المنتِجة، أى إنتاج أجنبى ذو شأن فى عام 2005، فى حين أن الإنتاج فى مواقع أجنبية قد شكل ما نسبته 70% من مجموع إنتاج الشركات الثلاث الكبرى المنتِجة للنفط والمملوكة ملكية خاصة.
إن الدوافع والعوامل المحددة لإستثمارات الشركات عبر الوطنية فى قطاع الصناعات الاستخراجية تختلف بحسب الانشطة والصناعات والشركات، كما يقول التقرير، فدوافع السعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية تهيمن على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد تسعى الشركة دولية النشاط(عبر الوطنية) إلى الحصول على الموارد من أجل تلبية إحتياجاتها هى لأغراض ما تقوم به من عمليات متممة للإنتاج كأنشطة التكرير أو الصناعات التحويلية، ولبيع المعادن مباشرة فى أسواق البلدان المضيفة أو بلدان المنشأ أو الأسواق الدولية، أو لتأمين المتطلبات الاستراتيجية لبلد منشئها(كما تحددها حكومة البلد) فيما يخص موارد الطاقة أو المعادن الأخرى. وقد كان هذا الإعتبار الأخير دافعاً رئيسياً للتوسع فى الخارج من جُل الشركات دولية النشاط المملوكة للدولة فى أسيا على سبيل المثال.
حصص كبرى الشركات العالمية من الناتج العالمى
الشركة بلد المنشأ ملكية الدولة% الحصة من الناتج العالمى
BHP Billiton أستراليا - 4.8
Rio Tinto المملكة المتحدة - 4,6
CVRD البرازيل 12 4,4
UNCTAD, World Investment Report 2007
إن ملكية تلك الشركات دولية النشاط، للدولة أم للأشخاص، لا يغير مِن الأمر شيئاً، وتظل الألية ذاتها التى تعمل مِن خلالها الشركات تعكس محورية الرأسمال كعلاقة إجتماعية مِن الأوجه الأتية:
- تهيمن الأجزاء المتقدمة على العملية الإنتاجية بأسرها، وتجتذب جُل التدفقات على الصعيد العالمى.
- لا يُعد القطاع النفطى قطاعاً كثيف العمالة، ومِن ثم:
- تتبدى صراعات علاقات الإنتاج فى حقل الصراع على التكنولوجيا، للدرجة التى تخفى الصراعات الداخلية بين قوى الإنتاج ذاتها.
- سيادة الأجزاء المتقدمة على مجمل العملية الإنتاجية فى القطاع النفطى، تستصحب سيادة أثمان قوة العمل فى الأجزاء المتقدمة، الأمر الذى معه:
- تعكس الأجور فى هذا القطاع علاقات الإنتاج الرأسمالية، وتدويل العملية الإنتاجية بوجه عام، وبالأخص من جهة إرتفاع الأجر النسبى، الذى جعل (البتروليتاريا) فى وضع إجتماعى أفضل نسبياً، الحد الأدنى للأجور يبلغ 3000 دولار(للعامل المتوسط) لقاء 21 يوم عمل. ليس بالنظر إلى جانب الطلب على السلعة، الذى يقابله عمالة هائلة معروضة. وإنما لإرتفاع تكلفة إنتاج (البتروليتارى: الفنى والحرفى) مهنياً وتدريباً ودراسياً ومعيشياً....إلى أخر ما تتطلبه عملية (تكوين البتروليتارى) كى يتمكن من الانخراط فى نص الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) ولعب دوره المحدد فى العملية الإنتاجية من خلال قوانينها الموضوعية.
- إستخراج فإستهلاك محلى، أو تصدير محدود، دون توسع على الصعيد العالمى، تلك هى محددات أداء البلدان التى تملك قطاع الاستخراج بنسبة 100%
- إعتماد الشركات المملوكة للدولة فى الأجزاء المتخلفة، على مجريات الأمور من جهة التكنولوجيا فى الأجزاء المتقدمة.
- تظهر الصين، والأجزاء الممثلة فى جنوب وشرق، وجنوب شرق أسيا، كإقتصاديات أخذة فى النمو، الأمر الذى يثير عدة مسائل:
- مدى الاندماج الذى قامت به الدول"الإشتراكية" فى السوق الرأسمالية العالمية، وهل يحمل ذلك فى طياته التخلى عن الاشتراكية(37) ذاتها؟
- مدى إستفادة الأجزاء المتخلفة(ومنها مصر) من ذلك النمو.
- مدى إمكانية القيام بفك الروابط، وتكوين روابط جديدة مع تلك الاقتصاديات الصاعدة.
علاقة الشركات دولية النشاط بتجديد إنتاج التخلف
التخلف كما نحدده هو عملية مستمرة عبر الزمن متكاملة القوى والعناصر والأطراف، من الارتفاع فى معدل إنتاج القيمة الزائدة وضعف أليات إنتاجها، ونرى أن تلك العملية هى التى تعنى إعادة إنتاج التخلف، وأن التسرب فى المنتَج من القيمة الزائدة منها هو نتيجة التناقض ما بين الارتفاع فى معدل الإنتاج والضعف فى الألية، أى التناقض ما بين إرتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، وبين ضعف ألية إنتاجها، والشركات دولية النشاط حينما تدخل فى المعادلة لا يتضيف عليها جديداً، بل ربما يزداد حال البلدان المتخلفة سوءً : "...إن أكبر خمسمائة شركة رأسمالية دولية النشاط تتحكم وحدها فى 52% من إجمالى إنتاج المواد الخام فى العالم، وتنتمى 58 % من هذه الشركات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى لا تستخدم سوى 1,8% من إجمالى اليد العاملة فى العالم رغم أنها تتحكم فى ثروات تفوق ممتلكات دول العالم الأشد فقراً، والتى يبلغ عددها 133 دولة. . . وتعد الأرباح التى تحققها الشركات عبر القارية فى البلد المضيف وكذلك أرباح البورصة التى يتم تحويلها إلى المراكز الرئيسية فى صورة نقد أجنبى من أهم أسباب الارتفاع المستمر للديون الخارجية لدول نصف الكرة الجنوبى" (8)
فالشركات دولية النشاط إنما يعنيها تعبئة رأس المال وإعادة ضخه فى الاقتصاديات المتقدمة من الأجزاء الرأسمالية، وهى تسهم بدور فعال جداً فى سبيل ترسيخ ثقافة الاستهلاك، لا الإنتاج. التدمير، لا الخلق، إن تحويل المجتمعات، والمتخلفة طبعاً، هو الهدف الأسمى لتلك الشركات التى لا يعنيها على الاطلاق أن يخرج المجتمع من حالة التخلف بالانتصار على تلك العملية المستمرة من إعادة إنتاج التخلف، فلا يعنيها أن يقلص المجتمع معدل إنتاج القيمة الزائدة، ومن ثم لا يعنيها أن يقوم المجتمع بتصحيح الخلل الهيكلى والتقنى فى إنتاجها، وإن كان ذلك لا يعنيها بل وغير محبب، لأنه فى الغالب سيكون رخيص الثمن لكونه منتَج بعمالة رخيصة، ومواد أولية متوفرة، فإن ما يعنيها هو التسرب المستمر فى القيمة الزائدة المنتَجة بداخل الاقتصاديات القومية لتلك المجتمعات المتخلفة. تسربها إلى حيث مراكز الرأسمالية المتقدمة. ومن هنا لا تتمكن المجتمعات المتخلفة، عكس ما يتم تلقينه، من الخروج من التخلف من خلال تلك الشركات، بل معها وفى ركابها تعيد هذه البلدان إنتاج تخلفها بيدها!!

وكيف أن القيمة تتسرب على صعيد الأجر المدفوع للعمل، والربح الذى يجنيه صاحب العمل.
فالأول يشترى معظم إحتياجاته السلعية ذات مكون أجنبى، بدءً من السجائر، لا. . . بل بدءً من ألات الإنتاج، بل بدءً من الأحبار المستخدمة فى طباعة إسم المنتج على علبة السجائر، ومروراً بمأكله، وإنتهاءً بملابسه، فكأن ما يتحصل عليه العامل(ومَن فى حكمه من أطباء ومحامين ومهندسين ومعلمين، ...... إلخ) يذهب كى يُسهم فى تطوير الأنتاج فى الأجزاء المتقدمة، فالسلع ذات المنشأ أو المحتوى الأجنبى وبصفة خاصة السلع الاستهلاكية إنما تغزو الأجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى، وهو الأمر الذى يعززه ترسيخ ثقافة الاستهلاك، ويكفى أن نلقى نظرة على منازلنا ومنقولاتها نحن أبناء الأجزاء المتخلفة، حتى نرى كيف تتسرب القيمة، حين نرى مقدار إستهلاكنا للسلع المنتَجة فى الأجزاء المتقدمة، والأجزاء الآخذة فى اللحاق بالأجزاء المتقدمة، وهذا عن تسرب الأجر الذى يدفع للعمل.
أما بشأن الربح الذى يجنيه رب العمل فهو الوجه الآخر للعملة، فأدوات اإ.نتاج وربما مواده فى الغالب الأعم هى أدوات مستوردة، يتوقف تجديد الإنتاج من خلالها على تحكم ورغبة الشركات الرأسمالية المصنعة فى الأجزاء المتقدمة، الأمر الذى يعنى أن نسبة عظيمة من الربح إنما تذهب هى الأخرى لتشغيل المصانع فى الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى.


























الهوامش
(35) أستاذنا الدكتور / محمد دويدار، محاضرات فى الاقتصاد الدولى، سالف الذكر، ص 153، وفى هذا السياق يذكر أستاذنا الدكتور محمد دويدار، فى عام1995، أنه وفى سبيل التعرف على القوة الاقتصادية للشركات دولية النشاط، فإن رقم أعمال (20) شركة دولية النشاط يتجاوز الناتج الصافى الذى تنتجه ثمانون من دول العالم فى عام واحد. وإن أرباح شركة "شل" النفطية تفوق ميزانية عدد من الدول، كالفلبين، وبيرو، على سبيل المثال. أنظر: (ص 147)
(36) UNCTAD, World Investment Report 2007
(37) هناك مُعالجات رائعة قام بها كُلُ مِن:سمير أمين، وبوى دينيه تانه، وكارلوس تابلادا، ووانج هوى،وأوزفالدو مارتينيز، و فرانسوا أوتار، ولين تشون، وويم تيجون، فى: الاشتراكية وإقتصاد السوق، صادرة عن: مركز البحوث العربية، و منتدى العالم الثالث، والمنتدى العالمى للبدائل، ومجلة بدائل الجنوب، مكتبة مدبولى. القاهرة2003. ففى مقالته" النظرية والتطبيق فى مشروع إشتراكية السوق الصينى، يطرح سمير أمين سؤاله: هل إشتراكية السوق بديل عن نظام العولمة الليبرالى؟ كى يصل إلى أن إصلاح النظام الاقتصادى والاجتماعى الصينى، بالرغم من مراحله المتقدمة، لم يكتمل بعد، مما يترك المجال مفتوحاً للانتقاء بين خيار رأسمالى بدون قيود، وخيار إشتراكية سوق "يُفهم على أنه مرحلة فى المسيرة الإنتقالية الطويلة نحو الشيوعية، ولكى ينتهى إلى أن الخيار المطروح أمام البشرية جمعاء هو الاشتراكية أو الهمجية، وإن الرأسمالية لم يعد بإمكانها طرح آفاق مقبولة إنسانياً لأنها إستنفذت دورها التاريخى التقدمى، وأن مستوى تنمية القوى الانتاجية من شأنه أن يسمح بالشيوعية على الصعيد العالمى".
(38) جان زيجلر، إمبراطورية العار، سادة الحرب الاقتصادية، الاقطاعيون الجدد، المرجع السابق (ص238 وما بعدها) ويضرب جان زيجلر مثلاً بقوله:" ويمكن أن نأخذ شركة(نستله) كمثال . . . فقد تم تأسيسها مثل جميع الشركات عبر القارية على أساس (مراكز الربح) وهى مستقلة نسبياً عن الاخريات وتستخدم مصانعها الخمسمائة وأحد عشر حول العالم نفس شهادات الصلاحية التابعة للشركة الام أو لمؤسسة توظيف الأسهم . . . . وتحقق نستلة أرباحاً فى البرازيل، ولا يعاد إستثمار إلا جزء يسير من هامش أرباح المصانع والشركات الخمس وعشرين المحلية المقامة فى الدولة المضيفة، ويوجه جزء آخر لتمويل عملية التوسع وفتح أسواق جديدة مثل سوق غذاء الحيوانات الأليفة. أما الجزء الاكبر من الارباح، فيُحول إلى مقر شركة نسلة الام، ويتم هذا التحويل، الذى يرهق إقتصاد الدولة، عن طريق بنك البرازيل، حيث إن نستلة لا تقبل أن تحول عملة البرازيل إلى الشركة الام بما أنها عملة ضعيفة فتقوم بتحويل أرباحها بالدولارات (أو أى عملة أجنبية قوية) وهكذا، يقوم البنك المركزى للبلد المضيف بتقديم مخزونه من النقد الاجنبى لكى يتم تحويل الأرباح والأمتيازات الاخرى مثل حوالات الحماية عبر المحيط الأطلنطى؛ وبالتالى تزيد التمويلات الاجنبية من ثقل الدين الخارجى لهذا البلد." أنظر: إمبراطورية العار، (ص240)



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورية التشافيزية
- وعود الرأسمال التجارى
- الصراع على النفط؛ التاريخُ المُعَاش
- بيان إلى عمال مصر
- الماركسية تراث مشترك للإنسانية
- تجدد إنتاج التخلف
- الاستبداد السياسى فى أنظمة الحكم العربية
- الاقتصاد السياسى للديموقراطية فى العالم العربى
- ملاحظات على أطروحة محمد عادل زكي عن جدلية القيمة الزائدة
- القيمة عند أرسطو وسميث وريكاردو وماركس
- الاقتصاد السياسى الماركسى
- حول فرضيات جرامشى
- منهجية البحث فى إشكالية التخلف الاقتصادى العربى
- الاقتصاد السياسى للصراع فى السودان
- الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس
- مخطوطة أولية فى جدلية القيمة الزائدة
- الاقتصاد السياسى فى فكر كارل ماركس
- ماركس المفكر لا الأيديولوجية
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -
- نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس


المزيد.....




- حفلات زفاف على شاطئ للعراة في جزيرة بإيطاليا لمحبي تبادل الن ...
- مباحثات مهمة حول القضايا الدولية تجمع زعماء الصين وفرنسا وال ...
- الخارجية الروسية تستدعي سفير بريطانيا في موسكو
- الحمض النووي يكشف حقيقة جريمة ارتكبت قبل 58 عاما
- مراسلون بلا حدود تحتج على زيارة الرئيس الصيني إلى باريس
- ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في البرازيل إلى 60 شخصًا
- زابرينا فيتمان.. أول مدربة لفريق كرة قدم رجالي محترف في ألما ...
- إياب الكلاسيكو الأوروبي ـ كبرياء بايرن يتحدى هالة الريال
- ورشة فنية روسية تونسية
- لوبان توضح خلفية تصريحات ماكرون حول إرسال قوات إلى أوكرانيا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الشركات دولية النشاط