أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - أمة من الرعاع













المزيد.....

أمة من الرعاع


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 3857 - 2012 / 9 / 21 - 12:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كما أن الفيلم "المسيء" كان من صنع أمريكا، فالضجة والصخب الإعلامي الذي رافقه في معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية المرتبطة بأمريكا، هي أيضاً من صنع أمريكي. وكان يمكن تجاوز هذه الضجة والصخب الإعلامي والتعتيم عليه لو أرادت الولايات المتحدة ذلك، وكانت أوعزت لأدواتها بالتوقف والكف فوراً عن تأجيج ما يسمى بالشارع العربي والإسلامي، وكانت تستطيع وبكبسة زر، وهاتف من موظف درجة عاشرة بوزارة الخارجية أن تتصل وتوعز لكبار وكلائها في المنطقة لتقول لهم Stop ، فيتوقفون على الفور، وإلا لماذا مرت حوادث سابقاً، أكثر خطورة ربما، دون أن تحظى بهذا الرد الاحتجاجي العنيف، حوادث من مثل حرق القرآن، والتبول على مقدسات أخرى والتطاول عليها على نحو رديء وبذيء، لكن يبدو أن ثمة رغبة، وميلاً أمريكياً، وتركيزاً متعمداً، ولأسباب كثيرة منها ما هو معلوم ومنها ما هو مجهول، تريد استمرار تأجيج وتهييج هذا الشارع طالما أن هذا الأمر يصب الوقود على نار الفوضى الخلاقة التي أشعلوها في المنطقة، وإبقاء هذه الحالة الرعاعية والدموية في ما يسمى بالشارع الإسلامي. ومن هنا لا يمكن تبرئة كل وسائل الإعلام التي تركز على هذه القضية لأنها متورطة بشكل أو بآخر باستراتيجية ومشيئة السيد الأمريكي. وهذه الردود الغوغائية وبالطريقة التي أظهرتها وسائل الإعلام، حتى تلك المتأسلمة، والتي تدّعي الذود عن حياض الإسلام وتمتلكه كحق انتفاع وتداول واستثمار حصري، تصب كلها في اتجاه واحد، وهو دعم فكرة الفيلم حول العرب والمسلمين، وليس نفيها، ولسان حالها يقول ها هم العرب والمسلمون الذي تحدث عنهم الفيلم، وحين وصف شيخ الأزهر الراحل، ما غيره، محمد سيد طنطاوي العرب والمسلمين (1928-2010)، بأمة من الرعاع، فربما كان الرجل مصيباً، والحال، فيما يقول، في معرض تعليقه على ردود أفعالهم على الغزو الأمريكي للعراق.

وفي كل المعالجات السطحية والموتورة والديماغوجية التي تناولت قضية ما يسمى بالفيلم المسيء لنبي الإسلام، كان هناك خوف من تناول لب المشكلة وهو هذا الاجتياح الديني الممنهج والمبرمج للعقول والحياة وتغلغله في كل مسامات وذرات سلوك هؤلاء البشر بحيث أقعدهم وعطلهم عن الحياة وعن ممارسة أي نشاط، الأمر الذي يخلق هذا التداخل العجيب بين ما هو ديني ودنيوي، وبين ما هو سياسي وعملي وواقعي، وبين ما هو عقيدي ولاهوتي وغيبي بحيث يصعب الفصل أحياناً بين هذا وذاك، ويكاد الفكاك بين الرمز السماوي والرمز الأرضي يصبح مستحيلاً، وبالكاد يستطيع المرء أن يفرق، والحال، بين الآلهة الحقيقية والآلهة المزيفة. ولا يمكن لهذا التداخل إلا أن بنتج تلك الحالة الغوغائية التي رأيناها وهي بحد ذاتها "فيلم" مسيء آخر عن العرب والمسلمين يحاول أن يؤكد كل ما جاء بالفيلم الأول الذي لم تتح لي فرصة رؤيته حتى اللحظة لأسباب كثيرة، غير أن تلك النوعية من الأفلام والأعمال وكل المقالات والكتابات عن الإسلام باتت تدخل في الحقيقة في نمطية واحدة، وتعيد رسم وإنتاج مفاهيم متداولة ومسبقة الصنع والتشكل عن العرب والمسلمين بطريقة أو بأخرى. وفي الوقت الذي تحاول فيه بعض الكتابات "المسيسة دينياً" تبرئة المسلمين والإسلام مما ينسب إليهم، تأتي ردود الأفعال الغوغائية المخرجة بإتقان على "الإساءة" الأصلية لتؤكدها وبكل أسف، وفي ظل غياب مرجعية دينية كهنوتية واحدة وموحدة للمسلمين، لا بل وارتباط بعض البني الكهنوتية والدينية بمنتجي الفيلم، يجعل من الصعب تماماً القيام بأية عملية دفاع قانوني وإعلامي عن القضية ولذا يترك الموضوع لدهماء وغوغاء الشوارع لمعالجته بطريقتهم المعهودة عبر الحرق، والتدمير، والقتل، واغتصاب السفير الأمريكي، الأمر الذي يؤكد كما قلنا، الإساءة الأصلية ولا ينفيها. ومهما حاولت بعض الأصوات الصادقة، وطيبة النوايا هنا وهناك، رفع الصوت ومحاولة رسم صورة إيجابية ما، ورغم صعوبة الأمر تقنياً وبنيوياً، فإن سيطرة لغة الشارع الهائج والرعاع على القضية، تقضي على كل تلك المحاولات.

الوجه الآخر، والأهم للموضوع، هو السؤال التالي، من أين يكوّن الآخرون كل تلك الصور المسيئة عن العرب والمسلمين؟ والجواب الأقسى والصادم سيأتي من تراث العرب والمسلمين ذاته، ومن ما باتوا يؤمنون به كحقائق راسخة أنتجها في الأصل المخيال الديني، ومن مناهجهم التربوية التي يحشون بها أدمغة الأجيال بالتخاريف والخرابيط والخزعبلات التي لا تتقبلها العقول السوية حين تحاول أسطرة الشخص، والتي-التخاريف المغلوطة- ستشكل وتضبط وتقود وتوجه سلوك الرعاع لاحقاً وتجعل التحكم بهم أصعب وأشق. وحتى نحن في هذه الاصقاع المنكوبة، فكل ما تكوّن لدينا من صور شوهاء وقصص سوداء وأساطير خرقاء عن من يسمون بالعرب والمسلمين كنا قد تلقينا وأخذناها عن أمهات كتب ومراجع العرب والمسلمين كالأصفاني، والطبري، والصحيحان، والسيرة النبوية لابن هشام، والغزالي، وابن إسحاق، وابن عساكر، والتفاسير القرآنية المتعددة، وابن الأثير، وابن كثير (البداية والنهاية)، وطبقات ابن سعد.....إلخ، وفي الحقيقة، ومن دون الخوض في إشكاليات الاستشراق، فقد أخذ معظم المستشرقين ورسموا تصوراتهم عن الإسلام من تلك الكتب وأمهات المراجع الإسلامية التي تسرد بعض الأحداث بشيء من التغزل والجمالية والتبريرية رغم أنها تبدو نافرة، أحيانا،ً وفق مفاهيم العصر وقيمه الحديثة، وخادشة وجارحة وخارجة كثيراً عن السلوك المحتشم والقويم. لا بل لقد دخل ذاك التراث في حيز المقدس، والأقنوم والطوطم الذي لا يجوز المساس، ولا تناوله ولا الاقتراب به، ويصبح أي حديث وحادثة مشكوك في صحتها، مرجعاً تبنى عليه الكثير من الفتاوي التهريجية والإشكالية التي نراها في هذه الأيام. وتصاب أية محاولة لمقاربة هذا التراث، ومن وجهة نظر علمية وعلمانية وموضوعية بكل سهام التخوين والتأثيم والتكفير. والمفارقة المرّة، أنه حين يصبح ذات التراث، الذي لا يجب المساس به، مرجعية لمراجعات نقدية وإنتاج أعمال فنية وأدبية فإنه سيصاب بذات سهام التكفير، والتخوين والتأثيم والتجريح لو أنك اعتدت عليه أو استشهدت به في مراجعاتك النقدية. وتصبح المعادلة على الشكل التالي هذا التراث موجود وقائم ولا يجوز المساس والتشكيك فيه، وفي نفس الوقت لا يجوز الاعتماد عليه، أيضاً، في توجيه أي نقد وانتقاد ودرسات جدية وأكاديمية رصينة وموضوعية عن العرب والمسلمين.

ويبقى السؤال قائماً متى وأين وكيف سيوضع هذا التراث بقضه وقضيضه، بعجره وبجره، بخيره وشره، بإفكه وصدقه، تحت مبضع النقد، ومشرط العقل، وتتم غربلته (وبالإذن من الصديق العزيز جهاد نصرة في سلسلته الرائعة غربلة المقدسات المنشورة في الحوار وباتت كتيباً لدي نسخة منه)، وعلى نحو لا يسيء لمحددات العقل البشري وفطرته البسيطة، عندها لن يكون بمقدور أحد أن ينتج أي فيلم يسيء للعرب والمسلمين. ولنتذكر دائماً أن لا أحد، أبداً، أساء، ويسيء للعرب والمسلمين أكثر من العرب والمسلمين.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نضال نعيسة: أمنيتي أن نجد منظمات ونقابات وطنية لتمثلنا وتداف ...
- ماذا عن أفلام العرب والمسلمين؟
- مقابلة مع تلفزيون الخبر
- متى تبدأ غزوة اللاذقية؟
- صرخات سورية: وخواطر غير قومية
- أردوغان: يُصلِّي، أم يُصلَّى عليه؟
- الرحمة والمغفرة لقناة الدنيا
- أوقفوا عرض مسلسل ابن تيميه باب الحارة
- سوريا: من ينصف هؤلاء؟
- الفاشية البعثية
- سوريا المعادلات المستحيلة
- حكى مرسي
- أردوغان الطبل الأجوف
- السيد وزير التربية: توقفوا عن مناكفة الشعب السوري
- رياض حجاب: مجنون يحكي وعاقل يسمع
- حلب: سحق بالجملة للميليشيات الأطلسية- الأردوغانية-الخليجية
- فقاعة رياض حجاب
- عن أية دولة علوية يتحدثون؟
- انشقاق رياض حجاب: متى سيسقط النظام السوري؟
- جرائم آل سعود من ناصر السعيد إلى محمد السعيد


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - أمة من الرعاع